Friday, July 26, 2019

شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد) هو إظهار كمال المحمود إذ لا كمال إلا للحق سبحانه جمعا أو فرقا . وكذلك لا مظهر له إلا هو سبحانه جمعا أو فرقا، فجنس الحمد أي حقيقته المطلقة الشاملة كل حامدية ومحمودية إذا لوحظ الحمد بعين الجمع واستهلاك المظاهر في الظاهر.
أو في كل فرد منه إذا لوحظ بعين التفرقة واستنار الظاهر بالمظاهر، وكل فرد منه إذا لوحظ بعين جمع الجمع خالص (لله) أي الذات المطلقة المجردة من جميع النسب حتى نسبة الإطلاق والتجرد إليها فهو الحامد في كل مرتبة والمحمود بكل فضيلة ومنقبة لا حامد سواه، ولا يحمد أحد إلا إياه .
اعلم أنه لا يقع حمد مطلق من حامد إلا لفظا وإذا أضيف الحمد إلى اسم من أسماء الله فلا يكون ذلك إلا من حيث حضرة خاصة من حضرات الأسماء يدل عليها حال الحامد ويقيد بها .
ولما كان حال الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام تقييد حمده بتنزيل الحكم، لأنه رضي الله عنه كان في صدد بيان الحكم المنزل على قلوب الأنبياء عليهم السلام، أردف اسم الله بقوله : (منزل الحكم) وجعله وصفا له تصريح بما بشیر إليه حاله وهو اسم فاعل.
إما من التنزيل أو من الإنزال وتحققهما إنما هو باعتبار أن الحكم إنما تنزل من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التقييد والتعبير أعني حقائق القلوب الكمالية الإنسانية .
لأن العلو الحقيقي لإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعالة والتقييد والانسفال للمرتبة العبدانية القابلة.
ثم إن جعله من التنزيل أولى لأنه ينبئ عن التدريج، ولا يخفى أن نزول العلوم والمعارف على كتاب استعدادات أرواح الأنبياء عليهم السلام وإن كان دفعيا لا يمكن ظهورها على قلوبهم بالفعل والتفصيل إلا على سبيل التدريج، وذلك إما باعتبار أن الحكم النازلة على قلب كل نبي إنما نزلت بحسب مصالح أمنه مدة بقائه فيهم.
وإما باعتبار أن بعض الحكم بعد القلب، فیضان بعض أخر فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر.
وإما باعتبار أن نزولها إما على طريق سنسنة الترتيب التي أولها العقل الأول والتدريج فيه ظاهر وما على طريق الوجه الخاص.
والتدريج فيه باعتبار أن النازل ينزل على الروح أولا بحسب الإجمالي ثم على القلب ثانية بالتفصيل.
والحكم الشرائع المشتملة على العلوم والمعارف التي هي الحكمة العلمية ، وعلى الأخلاق المرضية والأعمال الصالحة التي هي الحكمة العملية (على قلوب الكلم). القلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسانية .
والتجلي الخصيص بحدائق الجوهر الروحاني والنفساني مجلى متعین من حضرة القدس والنزاهة والوحدة و العلو والفعل والشرف والحياة و النورية.
والتجلي المخصوص بالجسم متعين بأضداد ما للروح والنفس.
وذلك لتعيين التجلي في كل قابل بحسبه .
فلما ظهرت الحقيقة القلبية بأحدية الجمع استعدت قبول محل إلهي وفيض جمعي كمالي إحاطي لا يمكن تعيينه في كل واحد من الجوهرين، ولا في حقائق كل من الطرفين على الانفراد .
وهذا الفيض المخصوص بالقلب إنما يكون تعينه من الحضرة الإلهية العمانية الجمعية ، وإذا تحققت ذلك فاعلم أن إنزال الحكم من الحضرة الأحدية الجمعية الإلهية إنما تكون على قلوب الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح والنفس والجسم لا على الروح والنفس فقط، أو على القوى الجسمانية وحدها فلذلك خص القلوب بالذكر.
والمراد بالكلم التي هي جمع كلمة أعيان الأنبياء عليهم السلام ولذلك أضاف القلوب إليها .
قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي رضي الله عنه في كتاب : "النفحات" أن الصورة معلومية كل شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية ، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشؤون الإلهية المعبر عنه بالكتابة .
تسمى تلك الصورة أعني صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة.
وبهذا الاعتبار سمي الحق سبحانه الموجودات كلمات.
ونبه على ذلك في غير موضع من كتابه العزيز فسمى عیسی على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلمة .
وقال أيضا: "لا تبديل لكلمات الله" آيه 64 سورة  يونس.
وقال في حق أرواح عباده : "إليه يصعد الكلم الطيب" 10 سورة فاطر. أي الأرواح الطاهرة.
فإذا فهمت هذا عرفت أن شيئية الأشياء من حيث صرافتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الحق سبحانه .
وأنها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه في كلمة وجودية.
فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية
......................................................
وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.
وصلى الله على محمد الهمم، من خزائن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجودية بخلاف الاعتبار الأول (بأحدية الطريق الأمم) الأمم بالفتحتين المتوسط بين القريب والبعيد.
قال ابن السكيت الأمم بين القريب والبعيد والمراد بالطريق :
إما طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء ومتابعيهم المشار إليه بقوله :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وتوصيفه بالأمم باعتباراته متوسط بين قرب التنزيه وبعد التشبيه .
وأما الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح الذي له القرب وبين حقائق الجسم الذي له البعد فإنها كالطريق لنزول الحكم من حضرة الأحذية الكمالية الإلهية على القلوب.
والمراد بأحدية الطريق إما وحدته النوعية التي تتحد فيها أفراده، وإما أحدية جمعه للمتقابلات، والباء إما للملابسة على أن يكون الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف.
أي تنزيه ملتبسة بأحدية الطريق، أو حالا من الحكم أو القلوب أو الكلم ولا يخفى وجه صحة كل منها لفظا ومعنى.
وإما للسببية متعلق بالتنزيل فإنه مسببة عن سلوك طريق التوحيد وعن اتصاف القلب بالجمعية الكمالية الإنسانية أيضا.
وإما متعلق به على ما يقتضيه معنى الإخبار، أي الله سبحانه وتعالى ينزل الحكم مخبرة بأحدية العريق.
وأما الظرفية كما في قولهم : حججت بطريق الكوفة، فإن كلا من طريق التوحيد والجمعية الإنسانية طريق التنزيل ومحله (من المقام الأقدم) من ابتدائية.
أي هذا التنزيل مبتدأ من مقام هو أقدم من أن يكون قدمه مقابلا للحدوث ، والمراد به مرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانية.
وإنما كانت أقدم، لأن المراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء لكن العقل يحكم بتقدم بعضها على بعض الحياة على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على القدرة وأقدمها الأحدية الذاتية (وإن اختلفت الملل) أي الأديان المتعددة بتعدد أصحاب الشرائع (والنحل) أي المذاهب المتشعبة من كل دين بتعدد المجتهدين.
وقوله : (لاختلاف الأمم) علة لاختلاف الأمم لاختلاف الملل والنحل.
أي هذا الاختلاف إنما وقع لاختلاف واقع بين الأمم في أمزجتهم و أحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومأخذ نظرهم ومعتقداتهم.
فاختلفت بشرائعهم ومذاهبهم في تلك الشرائع بسبب ذلك الاختلاف وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله والدین الحق.
(صلی الله) أي أفاض رحمته بالتجليات الذاتية والأسمائية والصفائية (علی ممد الهمم) القابلة للترقي في مراتب الكمال وذلك الإمداد إنما يكون بتبيين المقام
......................................................
الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم.
أما بعد: فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده ی كتاب ، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه وأخرج به إلى الناس ينتفعون به .
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا.
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذي تعشقت به الهمة ، والكمالي الذي تعلقت به، وتعريف ما هو أعلى وأفضل وبیان حالة هي أعز وأكمل وذلك الإمداد إنما هو (من خزائن الجود والكرم) وهي الحضرات الأسمائية الإلهية (بالقيل الأقوم) الأعدل بين تعریض و تصریح وكتم وإفشاء وإيجاز و إسهاب وبشارة ونذارة (محمد وآله) الذين تؤول إليهم أموره صلى الله عليه وسلم و مواريثه العلمية والمقامية والحالية (وسلم) عليه بإسم السلام يسلم إليه فيه حقائق الكمال ويعطيه السلامة عن سطوات تجليات الجلال ويهبه السلامة عن الانحرافات والتحقق بحقائق المرتبة الاعتدالية .
(أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة)، أي رؤيا صالحة وهي لا تستعمل مع موصوفها .
فلا يقال : رؤيا مبشرة (أريتها) بأراءتها الحق سبحانه إياي من غير قصد وتعمل مني فتكون مبرأة عن الأغراض النفسية و الخيالات الشيطانية (في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة).
واختص المحرم من الأشهر بهذه المبشرة لأنه رضي الله تعالی عنه فتح له في أوائل فتحه من المحرم أيضا على ما روى عنه رضي الله عنه أنه اتخذ الخلوة مرة بإشبيلية من بلاد الأندلس تسعة أشهر لم يفطر فيها دخل في عشرة المحرم وأمر بالخروج عند عيد الفطر .
وبشر بأنه خاتم الولاية المحمدية (بمحروسة دمشق وبيده ) التي هي مظهر تصرفه بالأخذ والإعطاء (كتاب فقال صلى الله عليه وسلم في هذا) إشارة إلى ما بيده من الكتاب (كتاب فصوص الحكم) إخبار بأنه عند الله مسمي بهذا الاسم أو تسمية من عنده صلى الله عليه وسلم أو حكما منه بأنه كتاب مشتمل على بيان خلاصة الحكم المنزلة على قلوب الأنبياء عليهم السلام أو بيان محالها.
وفي هذه القلوب فإن فص الشيء خلاصته .
وفص الخاتم ما ينقش عليه اسم صاحبه .
وتكون التسمية به من الشيخ رضي الله عنه .
(خذه) في سرك وعينك (واخرج به ) في الحس والشهادة (إلى الناس) المتحققين بالإنسانية (ينتفعون به) وسياق الكلام يقتضي أن يكون قوله : ينتفعون مجزومة بإسقاط النون لكونه بحسب الظاهر جوابا للأمر لكنه صلى الله عليه وسلم جعله إخبارا ابتدائية بأن المتحققين بالإنسانية ينتفعون به إلى يوم القيامة.
لمزيد إعلام وبشارة للشيخ رضي الله عنه ، وهو جواب سؤال مقدر كأنه صلى الله عليه وسلم سئل أن هذه الحكم تجل وتعلو عن أن يخرج بها إلى الناس الحيوانيين.
فأجاب صلى الله عليه وسلم بأن فيهم ناسا مؤهلين للكمال ينتفعون به.
(فقلت: السمع والطاعة الله) لأنه رب الأرباب (ولرسوله) لأنه خليفته وقلب الأقطاب (وأولي الأمر)
..................................................................................
والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان.
وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.
وأن يخصني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي.
حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أي الخلفاء الذين لهم الحكم في الباطن.
أو الملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقي في الظاهر (منا) أي من نوعنا وأهل ديننا (كما أمرنا به) في قوله تعالى : "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" آيه 54 سورة النساء.
وفي التحقيق : الطاعة كلها الله سبحانه تارة في مقام جمعه وتارة في منام تفضيله.
ويمكن أن تجعل الإشارة في الوجوه الثلاثة:
إلى طاعته صلى الله عليه وسلم من ثلاث حيثيات :
أحدها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم مظهرة لاسم الله .
وثانيها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم رسولا منه .
وثالثها من حيث كونه الولي، الأشهر على جميع الكمال .
(فحققت الأمنية)، أي أدركت حقيقة أمنيته و مراده صلى الله عليه وسلم بالكتاب الذي أعطانيه بتحديده وتعيينه أمنيته ومراده به.أو جعلتها محققة في الخارج.
فعلى الأول يكون المقصود من الإبراز في قوله فيما بعد:
إلى إبراز هذا الكتاب إخراجه من العلم إلى العين.
وعلى الثاني إبرازه بعد ذلك الإخراج إلى المنتفعين به.
(وأخلصت إليه) عن الأغراض النفسانية (وجردت القصد والهمة) عنها قصرت إحدى القصد والهمة فيما هممت به من غير أن يشوبه شائبة غرض (إلى إبراز هذا الكتاب ) من العلم إلى العين .
أو إلى المنتفعين به (كما حده لي) وعين (رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة مني)، أي بأن أبرز ما حده صلى الله عليه وسلم لي (ولا نقصان) بأن لا أبرز بعض ما حده صلى الله عليه وسلم فإن مقام الأمانة لا يحتمل الخيانة بالزيادة والنقصان.
(وسألت الله سبحانه أن يجعلني فيه)، أي في إبراز هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان)، أي تسلط و غلبة .
إشارة إلى قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان" آية 42 سورة الحجر.
وهم العارفون الذين يعرفون مداخله الواقفون مع الأمر الإلهي لا يتعدون عنه (وأن يخضني في جميع ما يرقمه بناني وينطق به لساني وينطوي عليه جناني با لإلقاء السبوحي) المنزه عن الوساوس الشيطانية والهواجس النفسانية (والنفث الروحي) الحاصل من روح القدس مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إن روح القدس نفث في روحي أن نفس تن تموت حتى تستكمل رزقها" ..
والنفث : هو إرسال النفس استعير للاضافة (في الروع النفسي) الروع بضم الراء وسكون الواو : القلب .
ولما كان القلب في الوجود الإنساني عندها بل النسختين الآفاقية والأنفسية بمثابة
...........................................................................
أكون مترجما لا متحكما.
ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي؛ فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به على.
ولست بنبي ولا رسول ولكني وارث ولآ خرتي حارث.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفس الكلية نسبة إليه .
أي : في القلب الذي هو في النسخة الإنسانية بمنزلة النفس الكلية في نسخة العالم.
فتصير العلوم المجملة الفائضة من الروح مفصلة فيه (بالتأييد الاعتصامي) الياء متعلق بالإلقاء والنفث.
أي يكون ذلك الإلقاء والنفث بتأييد الله سبحانه المسبب عن الاعتصام والالتجاء به. قال تعالى: "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم" آية 101 سورة آل عمران.
والهداية إلى الصراط المستقیم نوع من التأييد (حتى أكون مترجم) غاية لقوله : سألت، أي سألت الله ما سألت حتى أكون مترجمة عما حده في رسول الله ، وأراد الله سبحانه إظهاره على لسانی (لا متحكما) بالتصرف النفساني فيه بالزيادة والنقصان (ليتحقق).
أي يعلم حقيقة (من يقف عليه من أهل الله) الذين هم مشرب الكمال الأحدي الجمعي الإلهي .
لا المتقيدين بالمشارب والأذواق الجزئية التقييدية الأسمائية (أصحاب القلوب) التي تتقلب مع الحق سبحانه حيث تجلی.
ووسعته فما أنكرته ولا أعرضت عنه في تنوعات ظهوره بشؤونه (أنه)، أي هذا الكتاب .
من حيث معانيه وأسراره بل من حيث ألفاظه وعباراته أيضا (من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس).
فإن الأغراض تارة تلبس الحق صورة الباطل فنعرض النفس عنه وتزيفه ، وتارة تلبس الباطل صورة الحق فتقبل عليه وتروجه (وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب نداني).
لسان أدب مع الله تعالى فإن الكمل المطلعين على أعيانهم الثابتة واستعداداتها لا يطلبون من الله سبحانه إلا ما تقتضيه أعيانهم واستعدادتها فهم متيقنون بإجابة دعائهم.
وفي إضافة السمع إلى الدعاء والإجابة إلى النداء قد يقع لبعض الناس أن العكس أنسب لأن المقصود من النداء الإسماع ومن الدعاء الإجابة.
فكأنه رضي الله عنه لاحظ قوله تعالى : "إن ربي لسميع الدعاء" آية 39 سورة إبراهيم .
ولما تيقن بالإجابة من الله تعالى قال: (فما ألقي) إليكم (إلا ما يلقى إلي) كما تضمنه هذا الكتاب من أسرار الأنبياء عليهم السلام والحكم الخصيصة بهم .
والملقي إلي هو الله سبحانه وتعالى من الحضرة المحمدية الحتمية الكمالية الإلهية (ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل) به (على) والمنزل أيضا هو الله سبحانه من تلك الحضرة.
ولما علم رضي الله عنه سبق أوهام المحجوبين من هذا الكلام إلى ادعائه النبوة والرسالة قال :
(ولست بنبي ولا رسول) لأن النبوة التشريعية والرسالة قد انقطعنا (ولكني وارث) لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العلوم الإلهية والأحوال الربانية والمقامات والمكاشفات والتجليات
......................................................................
فمن الله فاسمعوا      ….. وإلى الله فارجعوا
فإذا ماسمعتم         …… ما أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا       ….. مجمل القول واجمعوا
ثم منوا به علی       ….. طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي       ….. وسعتكم فوسعوا
ومن الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد وقيد ، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ولآخرتي) التي ينتمي إليها أمري آخرة من مراتب الكمال (حارث) .
ولما لم يكن لي تصرف فيما أذكره.
(فمن الله) الذي فنيت به فناء لا ظهور لي أبدا (فاسمعوا و) إذا اشتبه عليكم شيء منه (إلى الله فارجعوا) ليطلعكم عليه بإشراف نوره على قلوبكم (وإذا سمعتم) من الله لا مني لفنائي فيه (ما أتيت به) صورة والآتي به هو الله حقيقة (فعوا) أمر الجماعة المخاطبين من وعى يعي إذا حفظ، أي احفظوه بدرك معانيه وتحقيق أسراره.
(ثم بالفهم فشلوا.. مجمل القول واجمعوا) مفصله أي فصلوا ما كان مذكورة فيه على سبيل الإجمال .
فرعوا عليه فروعه وأجملوا ما كان مذكورة فيه على التفصيل .
ولاحظوه على وجه الكلية والإجمال .
لتكونوا عالمين بالفروع في عين الأصول وبالأصول في عين الفروع.
أو فصلوا مجمل القول الذي ذكرته في المراتب والمقامات وأجمعوا بين كل مقام وأهله بتنزيل كل في مقامه.
(ثم منوا به على.. طالبيه) المستعدين المستحقين له، أي أعطوهم إياه عطاء إمتنانية غير طالبين منهم عوضة (لا تمنعوا)، أي لا تمنعوه بخلا وظنة بل اعملوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرني بإبرازه وإظهاره للانتفاع.
إن هذه الأمور الفائضة عليكم من الحقائق والأسرار هي (الرحمة التي وسعتكم)، أي شملتكم (فوسعوا) أنتم أيضا تلك الرحمة على الطالبين وكونوا أعوان الله ورسوله في إيصاله إليهم.
(ومن الله أرجو أن يكون ممن أيد) بتأييد الله سبحانه (فتأيد) بقبوله إياه (و) بعد التأييد (أيد) غيره بأن يجعله مستعدة للتأييد الإلهي حسن الإرشاد.
(وقيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد) به (وقید) غیره به .
(وحشرنا في زمرته) الفائزين لمتابعته بالسعادة العظمى والدرجة العليا في الآخرة (كما جعلنا من أمته) التابعين له في الدنيا.
(فأول ما ألقاه المالك) الحق مطلقا أو باعتبار ظهوره وتجليه في الصورة المحمدية (على العبد) المملوك له أراد به نفسه رضي الله عنه عن الملقي بالمالك وعن الملقى إليه بالعبد .
إشارة إلى أنه سبحانه مالك آمر وهو مملوك مأمور والمملوك المأمور في امتثال ما أمر به معذور (من ذلك)، أي من كتاب فصوص الحكم.
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment