Tuesday, July 23, 2019

الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة والولاية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر

الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة والولاية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر

الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة والولاية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة والولاية

قد مر أن للحق تعالى، ظاهرا وباطنا، والباطن يشتمل الوحدة الحقيقية التي للغيب المطلق والكثرة العلمية حضرة الأعيان الثابتة.

والظاهر لا يزال مكتنفا بالكثرة لا خلو له عنها من حيث أنه صورة ما يشتمل عليه العلم .
لأن ظهور الأسماء والصفات من حيث خصوصيتها الموجبة لتعددها لا يمكن إلا أن يكون لكل منها صورة مخصوصة فيلزم التكثر.
ولما كان كل منها طالبا لظهوره وسلطنته وأحكامه، حصل النزاع والتخاصم في الأعيان الخارجية باحتجاب كل منها عن الاسم الظاهر في غيره.
فاحتاج الأمر الإلهي إلى مظهر حكم عدل ليحكم بينها ويحفظ نظامها في الدنيا والآخرة .
ويحكم بربه الذي هو رب الأرباب بين الأسماء أيضا بالعدالة ويوصل كلا منها إلى كماله ظاهرا وباطنا .
وهو النبي الحقيقي والقطب الأزلي الأبدي أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وهو الحقيقة
المحمدية، صلى الله عليه وسلم.
كما أشار إليه بقوله: "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين"، أي بين العلم والجسم.
وأما الحكم بين المظاهر دون الأسماء فهو النبي الذي يحصل نبوته بعد الظهور نيابة عن النبي الحقيقي.
فالنبي هو المبعوث إلى الخلق ليكون هاديا لهم ومرشدا إلى كمالهم المقدر لهم في الحضرة العلمية باقتضاء استعدادات أعيانهم الثابتة إياه.
وهو قد يكون مشرعا كالمرسلين وقد لا يكون كأنبياء بنى إسرائيل.
والنبوة البعثة وهي اختصاص إلهي حاصل لعينه الثابتة من التجلي الموجب للأعيان في العلم من الفيض الأقدس.
ولما كان كل من الظاهرطالب لهذا المقام الأعظم بحكم التفوق على أبناء جنسه، قرنت النبوة باظهارالمعجزات وخوارق العادات مع التحدي ليتميز النبي من المتنبي.
فالأنبياء، صلوات الله عليهم، مظاهر الذات الإلهية من حيث ربوبيتها للمظاهر وعدالتها بينها. فالنبوة مختصة بالظاهر ويشترك كلهم في الدعوة و الهداية والتصرف في الخلق وغيرها مما لا بد منه في النبوة .
ويمتاز كل منهم عن الآخر في المرتبة بحسب الحيطة التامة كأولي العزم من المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين. وغير التامة كأنبياء بنى إسرائيل.
فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دوائر متناهية متفاوتة في الحيطة.
وقد علمت ان الظاهر لا تأخذ التأييد والقوة والقدرة والتصرف والعلوم وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه الا بالباطن وهو مقام الولاية المأخوذة من الولي وهو القرب.
والولي بمعنى الحبيب أيضا منه.
فباطن النبوة الولاية، وهي ينقسم بالعامة والخاصة.
والأولى تشمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا على حسب مراتبهم .
كما قال الله تعالى: "الله ولى الذين آمنوا...".
والثانية، يشمل الواصلين من السالكين فقط عند فنائهم فيه وبقائهم به.
فالخاصة عبارة عن فناء العبد في الخلق، فالولي هو الفاني فيه الباقي به.
وليس المراد بالفناء هنا انعدام عين العبد مطلقا بل المراد منه فناء جهة البشرية في الجهة الربوبية .
إذ لكل عبد جهة من الحضرة الإلهية هي المشار إليها بقوله: "ولكل وجهة هو موليها ..".
والعبد مبدأ لأفعاله وصفاته قبل الاتصاف بمقام الولاية من حيث البشرية وبعد اتصافه بها هو مبدأها من حيث الجهة الربانية.
كما قال: "فإذا أحببته كنت سمعه وبصره..." - الخ.
وذلك الاتصاف لا يحصل الا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق، سبحانه.
إذ به يقوى جهة حقيته فيغلب جهة خلقيته إلى أن يقهرها ويفنيها بالأصالة كالقطعة من الفحم المجاورة للنار فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول النارية والقابلية المختفية فيها يشتعل قليلا قليلا إلى ان يصير نارا .
فيحصل منها ما يحصل من النار من الإحراق والانضاج والإضاءة وغيرها، وقيل الاشتعال كانت مظلمة كدرة باردة.
وذلك التوجه لا يمكن إلا بالمحبة الذاتية الكامنة في العبد، وظهورها لا يكون الا بالاجتناب عما يضادها ويناقضها وهو التقوى عما عداها.
فالمحبة هي المركب والزاد التقوى.
وهذا الفناء موجب لان يتعين العبد بتعينات حقانية وصفات ربانية مرة أخرى، وهو البقاء بالحق فلا يرتفع التعين منه مطلقا.
وهذا المقام دائرته أتم وأكبر من دائرة النبوة.
لذلك انختمت النبوة والولاية دائمة وجعل الولي اسما من أسماء الله تعالى، دون النبي.
ولما كانت الولاية أكبر حيطة من النبوة وباطنا لها شملت الأنبياء والأولياء.
فالأنبياء أولياء فانين في الحق باقين به منبئين عن الغيب وأسراره بحسب اقتضاء الاسم الدهر إنباؤه وإظهاره في كل وقت وحين منه.
و هذا المقام أيضا اختصاص إلهي غير كسبي بل جميع المقامات اختصاصية عطائية غير كسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الأقدس.
وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه وأسبابه يوهم المحجوب فيظن انه كسبي بالتعمل، وليس كذلك في الحقيقة.
فأول الولاية انتهاء السفر الأول الذي هو السفر من الخلق إلى الحق، بإزالة التعشق عن المظاهر والأغيار والخلاص من القيود والأستار والعبور من المنازل والمقامات والحصول بأعلى المراتب والدرجات.
وبمجرد حصول العلم اليقيني للشخص لا يلحق باهل هذا المقام ولا بحصول الكشف الشهودي أيضا، الا ان يكون موجبا لفناء الشاهد في المشهود ومحو العابد في المعبود.
وانما نبهت على هذا المعنى لئلا يتوهم العارف الغير الواصل والمشاهد بقوة استعداده للغيوب والمتصف بالصفات الحميدة والأخلاق المرضية الغير السالك طريق الحق بالفناء عن الافعال والصفات والذات انه ولى واصل بل وصوله علمي أو شهودي.
وهو غير واصل في الحقيقة لكونه في حجاب العلم والشهود.
وإنما يتجلى الحق لمن انمحى رسمه وزال عنه اسمه.
ولما كانت المراتب متميزة، قسم أرباب هذه الطريقة المقامات الكلية إلى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
فعلم اليقين : تصور الامر على ما هو عليه.
وعين اليقين: شهوده كما هو.
وحق اليقين: بالفناء في الحق والبقاء به علما وشهودا وكمالا وحالا، لا علما فقط.
ولا نهاية لكمال الولاية فمراتب الأولياء غير متناهية.
ولما كان بعض المراتب أقرب من البعض في النبوة والولاية.
ذكر الشيخ، رحمه الله، الأنبياء المذكورين في هذا الكتاب حسب مراتبهم لا بالتقدم والتأخر الزماني.
ولما كان المبعوث إلى الخلق تارة من غير تشريع وكتاب منه سبحانه، انقسم النبي إلى المرسل وغيره.
فالمرسلون أعلى مرتبة من غيرهم لجمعهم بين المراتب الثلاث:
الولاية والنبوة والرسالة.
ثم الأنبياء لجمعهم بين المرتبتين: الولاية والنبوة.
وإن كانت مرتبة ولايتهم أعلى من نبوتهم ونبوتهم أعلى من رسالتهم.
لأن ولايتهم جهة حقيتهم لفنائهم فيه .
ونبوتهم جهة ملكيتهم إذ بها يحصل المناسبة لعالم الملائكة فيأخذون الوحي منهم.
ورسالتهم جهة بشريتهم المناسبة للعالم الانساني.
وإليه أشار الشيخ، رضى الله عنه، بقوله:
مقام النبوة في برزخ دون الولي وفوق الرسول، أي النبوة دون الولاية التي لهم وفوق الرسالة.
تتميم
لا بد ان تعلم ان العادة متعلقة بالتقدير الأزلي الواقع في الحضرة العلمية
الجاري على سنة الله، وخرق العادة يتعلق بذلك، لكن لا على السنة بل إظهار القدرة.
وهو قد يصدر من الأولياء فيسمى كرامة، وقد يصدر من أصحاب النفوس القوية من أصل الفطرة .
وإن لم يكونوا أولياء وهم على قسمين:
اما خير بالطبع أو شرير.
والأول إن وصل إلى مقام الولاية فهو ولى، وان لم يصل فهو من الصلحاء والمؤمنين المفلحين.
والثاني خبيث ساحر.
ولكل منهما التصرف في العالم.
وهؤلاء إن ساعدتهم الأسباب الخارجية استولوا على أهل العالم وصار كل منهم صاحب قرنه وزمانه بحسب الدولة الظاهرة، وان لم تساعدهم الأسباب لم يحصل لهم ذلك الا أنهم بأي شئ اشتغلوا كانوا فيه بالكمال، ولاكمال إلا لله وحده.
هذا آخر ما أردنا بيانه من المقدمات.
وبعد فلنشرع في بيان أسرار ما تضمنه الكتاب، والحمد لله الكريم الوهاب .
والصلاة على نبيه محمد وآله أجمعين.

.

واتساب

No comments:

Post a Comment