Sunday, July 21, 2019

شرح القاشاني لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

شرح القاشاني لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

شرح القاشاني لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي



شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم  

متن النص : الحمد للَّه منزل الحِكَم على قلوب الكَلِم بأحديَّة الطريق الأمَم من المقام الأقدم و إن اختلفت النحل و الملل لاختلاف الأمم.
و صلى اللَّه على مُمِدِّ الهمم، من خزائن الجود و الكرم، و بالقيل الأقوم، محمد و على آله و سلم .
أما بعد:
فإني رأيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم في مُبشِّرة أُرِيتُها في العشر الآخِر من محرم سنة سبع و عشرونَ و ستمائة بمحروسة دمشق، و بيده صلى اللَّه عليه و آله و سلم كتاب، فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه و اخرج به إلى الناس ينتفعون به. 
فقلت: السمع و الطاعة للَّه و لرسوله و أولي الأمر منا كما أُمِرْنا. فحقَّقْتُ الأمنية و أخلصت النيَّة و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدَّه لي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم من غير زيادة و لا نقصان، و سألت اللَّه تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سطانٌ، و أن يَخُصَّني في جميع ما يرقمُهُ بَنَانِي و ينطق به لساني و ينطوي عليه جَناني بالإلقاء السُّبُوحي و النَّفْث الروحي في الرُّوعِ النفسي بالتأييد الاعتصامي، حتى أكون مترجماً لا متحكماً، ليتحقق من يقف عليه من أهلِ اللَّه أصحاب القلوبِ
أنه من مقام التقديس المنزَّه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.
و أرجو أن يكون الحق  لمَّا سمع دعائي قد أجاب ندائي، فما أُلقي إلا ما يُلْقِي إليَّ، و لا أُنزل في هذا المسطور إلَّا ما ينزِّل به عليَّ.
و لست بنبيّ رسول و لكنِّي وارث و لآخرتي حارث.
فمن اللَّه فاسمعوا ... و إلى اللَّه فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فَعُوا
ثم بالفهم فَصِّلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم مُنُّوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وَسِعتكم فوسِّعوا
و من اللَّه أرجو أن أكون ممن أُيِّد فتأيد و قُيِّد بالشرع المحمدي المطهّر فتقيد و قيَّد، و حشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك:
شرح الشيخ القاشاني :-
(الحمدلله) حمدا لله على ما أنعم به من معرفة الحكم المنزلة على قلوب أنبيائه التي بينها وفصلها في فصوص كتابه  
فلذلك وصفه بما دل على مقصده مراعاة لبراعة الاستهلال .
وهو قوله (منزل الحكم على قلوب الكلم) والحكم جمع الحكمة وهي العلم بحقائق الأشياء و اوصافها واحكامها على ما هي عليه الأقوال والأفعال الإرادية المقتضي لسدادها وصوابها .
فان من العلوم ما لا يتعلق بالأفعال كمعرفة الله تعالى والحقائق المجردة من الأسماء الالهية وعلوم المشاهدات والمعارف الذوقية من المعاني الكلية.
وهي علوم الأرواح ومنها ما يتعلق بها ولايقتضي اتقانها وسدادها كعلوم النفوس الجزئية المدركة بقواها .
ومنها الجامعة للكليات والجزئيات الفائضة أصولها من الأرواح المضبوطة جزئياتها وفروعها المحكمة بانطباق كلیاتهاعلى جزئياتها المبقية جزئیاتها بكاياتها .
وهي حكم القلوب المتوسطة بين الأرواح والنفوس .
والكلام مستعارة لذوات الأنبياء و الأرواح المجردة من عالم الجبروت المسمى باصطلاح الاشراقيين الانوار القاهرة اما لانهم وسائط بين الحق والخلق.
تصل يتوسطهم المعاني التي في ذاته تعالى ايهم كالكلمات المتوسطة بين المتكلم والسامع لافادة المعنى الذي في نفس المتكلم للسامع.
أو لتجردها عن المواد وتعينها بالابداع وتقديسها عن الزمان والمكان الموجودة بكلمة كن في عالم الامر اطلاقا .
لاسم السبب على المسيب والدليل على الاستعمال بالمعنى المذ كور قوله تعالى: "إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته" .
وقوله عن الملائكة: "أن الله يبشرك بكلمة منه" .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: " أعوذ بكلمات الله التامات وأعوذ باسمك الأعظم وبكلماتك التامة".
وهنا مخصوصة بذوات الأنبياء بقرينة اضافة القلوب اليها .
وقد تطلق الكلمة على كل موجود يصدر ون الله تعالى لدلالتها على معاني في ذاتها ولهذا قید المجردات بالتامات.
( باحدية الطريق الامم) الطريق الامم الصراط المستقيم  لأن الأمم القرب وأقرب الطرق "الطريق" المستقيم .
ولا يكون إلا واحدا أي طريق التوحيد الذاتي المشار إليه في سورة هود بقوله تعالى: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم".
یعنی بإلقائها (من المقام الأقدم) الذي هو احدية الذات المنزهة عن تكثر الأسماء والصفات الى قلوبهم  بلا واسطة .
فان الأحدية سارية في الكل وسريانه بذاته صراطه المستقيم ولا اقدم من الذات .
فوصف الطريق بالأمم وصف بالمصدر .
كما يقال طريق قصد . قال تعالى:  "وعلى الله قصد السبيل".
وقوله بأحدية يتعلق بمنزل :
إما بمعنى الظرفية كقولك حججت بطريق الكوفة
وإما بمعنى اللام وتضمين الانزال معنى الأخبار والأمر .
كقولك أنزل القرآن بتحليل البيع وتحريم الربا .
أی آمرا ومخبرا بان الطريق الأقرب واحد ليس إلا التوحيد الذاتي.
كقوله تعالى : "قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) "آل عمران.
و قوله (وإن اختلاف الملل والنحل) اشارة الى اعتراض جوابه (لاختلاف الأمم ) كانه قبل أن كان طریق نزول الحكم الى قلوب الأنبياء والمراد من إنزال الحكم طريقا واحدا فلما اختلفت أديانهم.
فأجيب بأنه لاختلاف استعدادات الام اختلفت صور سلوك طريق التوحيد وكيفية سلوكها معان المقصد والمراد وحقيقة الطريق واحد.
كالخطوط الواصلة بين المركز ونقط المحيط فإنها طرق شتى باعتبار اختلافات محاذيات المركز لكل واحدة من النقاط المفروضة في المحيط .
مع ان الكل طريق من المحيط إلى المركز وكالمعالجات المختلفة التي يعالج بها طبيب واحد لأمراض مختلفة.
فان المراد واحد وهو الصحبة وكلها في كونها طريقا فی رد المرض إلى الصحة واحد فطريق نزول الحكم الى الأنبياء واحد والمراد منه هو الهداية الى الحق.
فطريق التوحید واحد لكن اختلاف استعداداتهم اقتضى اختلاف الملل والنحل. فإن  إصلاح كل أمة يكون بإزالة فساد يختص بها .
وهدايتهم إنما تكون من مراكزهم ومراتبهم المختلفة بحسب طباعهم ونفوسهم.
وقوله (وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم)
الهمة قوة القصد في طلب كمال يليق بحال العبد فعلة من الهم بمعنى القصد. أي نوع منه كالجلسة من الجلوس .
ولكل طالب استعداد خاص بطلب بهويته لما يليق به.
وتلك الاستعدادات من مقتضيات أسماء الله تعالى.
وكل اسم يقتضي استعدادا خاصا فهو خزانة كمال يقتضيه ذلك الاستعداد في الحضرة الواحدية التي ظهرت فيها الأعيان.
وفصلت تلك الأسماء خزائن الجود والكرم ولما كان محمد الخاتم صلى الله عليه وسلم صاحب الاسم الأعظم الشامل لحقائق جميع الأسماء كان ممد الكل همة بما في خزانة الاسم الذي يرب الحق تعالى صاحب تلك الهمة به.
و قوله (بالقيل الأقوم) متعلق بالممد فهو القول الحق الذي هو أعدل الأقوال .
من قام اذا اعتدل واستوى يقال أقام العود إذا قومه وعدله.
و يسمى القيام من الركوع الاعتدال.
(محمد وعلى آله وسلم) وإنما كان قوله أقوم الأقوال وإن كان قول كل نبي حقا لأنه أكملهم وأمته خير الأمم ومصدر قوله التوحيد الذاتي من مقام "قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى" وهو المقام الأقدم المقوم لكل اسم فيفيض بقوله منهما في كلام من المعاني والحقائق على كل استعداد ما يطلب بهمته .
وأما سائر الانبياء فيفيض كل منهم بقوله ما في بعض الأسماء فعسى أن يكون في أمته من يطلب بهمته معنى لم يكن عند سائرهم فيقوم قوله بحاجة البعض دون البعض.
وأما نبينا صلى الله عليه فيقوم بمطلوب الكل فيكون قوله أقوم.
وقوله (أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من المحرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق.
وبيده صلى الله عليه وسلم  كتاب فقال لهذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به الى الناس ينتفعون به . فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا)
المبشرة في الأصل صفة الرؤيا ومي من الصفات الغالبة التي تقوم مقام الموصوف فلا يذكر معه الموصوف كالبطحاء .
فلا يقال رؤیا مبشرة كما لا يقال أرض بطحاء
قوله ( كما أمرنا) إشارة إلى قوله تعالى" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم".
وقوله (فحققت الأمنية )أي جعلت امنیتی حقا كانه كان يتمنى أن ياخذ من الرسول هذا العلم والأذن بإفشائه.
فإذا رأى هذه الرؤيا تحققت أمنيته اذ كان الكتاب الذي أعطاه في المنام صورة هذا العلم الذي فاض من روحه علیه السلام عليه.
وقوله (وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لی رسول الله من غير زيادة  ولانقصان وسألت الله أن يجعلني فيه) أي في هذا الكتاب (وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان وأن يخصني في جميع ما یرقمه بنانی وینطق به لساني و ینطوی جناني بالإلقاء السبوحی والنفث الروحي) أي يخصني فيما أكتب وأقول ويقع في قلبي بالخاطر الحقاني السبوحي من الحضرة الأحدية بلا واسطة و بواسطة الروح وهو الملك .
كما قال صلى الله عليه وسلم نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ".
والخواطر أربعة :
الحقاني و الملكي وهما اللذان سألهما "رضي الله عنه" في دعائه.
والشيطاني وهوالذي اعتصم بالله منه في قوله وأن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان أي تسلط بوسوسة .
والنفساني هو الذي احترز منه بقوله (في الروع النفسي )
إذ الروع هو القلب الخائف ولا يكون الخوف الا في الجهة التي تلي النفس منه وهو المسماة  بالصدر فنسبه إلى النفس طلبا لأن يبلغ الإلقاء أو النفث ذلك الوجه الذي يليها فینور ويشغله بالمعنى الغيبي.
ويتأثر منه النفس فلا تؤثر فيه بالوسوسة اذ لا تكون في حالة التأثر مؤثرة
ولذلك قيد التخصيص الإلقاء (بالتأييد الاعتصامی) فإنه لولا تأييده تعالى وتوفيقه الاعتصام لاستولت النفس عليه فصارت مؤثرة فيه لا متأثرة.
وقوله (حتى أكون مترجما لا متحكما ليتحقق من يقف عليه من أهل الأصحاب القلوب انه من مقام التقديس) أي الحضرة الاحدية والروحية المقدسة.
(المنزه عن الاغراض النفسية التي يدخلها التلبيس) أي الأغراض الدنيوية التي يمكن أن تلبس بإظهار انه لوجه الله ويلحقها الرياء والنفاق.
(وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي فما ألقي إلا ما يلقي إلى)  ثم لما كان قوله أن يخصني بالإلقاء السبوحي والنفث الروحي .
وقوله (ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما نزل به على) ولما قد يتوهم متوهم أنه كان يدعي النبوة احترز عنها بقوله (ولست بنبي ولا رسول ولكنی وارث )
العلم من النبي صلى الله عليه وسلم ببركة صحة المتابعة.
لقوله عليه السلام "العلماء ورثة الأنبياء" .
وقوله  (ولآخرتی حارث) أي لا أريد بإظهار هذا العلم الحظ الدنيوي بل الأخروي.
شعر
فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا
والفاء في البيت الأول للسببية وتقديم الصالة للتخصيص.
أي إذا كان ما اقوله انا یكون بالإلقاء السبوحي فلا تسمعوه إلا من الله لا مني. 
واليه فارجعوا لا إلى قولي.
(ومن الله أرجو أن أكون من أيد فتأيد وأيد و قيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد  وقيد وأن يحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته) ظاهرا وباطنا
(فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك ).
.


واتساب

No comments:

Post a Comment