Friday, July 26, 2019
sayin-aldiyn-altaraka
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
فصّ حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسيّة
اعلم أنّ « التقديس » هو تطهير الذات عمّا يشوب به صرف تنزّهها وخالص إطلاقها من التبعيد عن القيود الذي يستلزم التحديد .
على ما يتضمّنه معنى « التسبيح » فيكون أتمّ في تأدية تلك الحقيقة منه ولذلك تراه مطلقا منتسبا إلى الحقّ - دون التسبيح - في قوله تعالى : " نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ " [ 2 / 30 ] .
وجه تسمية الفص
وإدريس عليه السّلام قد بالغ في نفض موادّ التعلَّق وما يختلط به صرافة التجرّد والتروّح ، وجدّ في ذلك بما لا تفي به النشأة البشريّة والطبيعة المزاجيّة الإنسانيّة إلى أن سرت آثار الروحانيّة إلى جسده ، وباين لذلك أمثاله وأقرانه من البشر وناسب به الملأ الأعلى ، ورفع به مكانا عليّا ، فلذلك استأهل أن يؤدّي كلمته الحكمة القدّوسيّة .
تلويح من التحليل
وهو أنّ « السرّ » هو مادّة تقوّم كلمة « إدريس » وأحكامه هي مقتضى دعوته ، كما أنّ « الروح » هو مادّة تقوّم كلمة « نوح » وأحكامه مقتضى دعوته » ولذلك ترى الستر - الذي هو مقتضى دعوتيهما - قد تمّمه إدريس حيث ستر بنفسه عن بني نوعه ، وتلبّس بأحكام هويّات الأنواع العالية ، وحيث أنّه سيّره متلبّسا بهويّة الكلمة الإلياسيّة صاحب دعوة ورسالة .
وفي نفس كلمته ما يدلَّك على هذا ، وذلك لأنّ ما تفرّد به إدريس - أعني الدال والراء - باطنهما هو الذي ظهر في « إلياس » وتفرّد بهما - أعني اللام والألف - .
معنى العلوّ وأقسامه
ثمّ إنّ التجرّد والتنزّه إنّما يقتضيان الإطلاق والإحاطة ، المستلزمين للعلوّ ومن هاهنا ترى » بين إدريس - من حيث بلوغه إلى ذروة التمام من العلوّ الصوريّ - وبين المحمّديّين - الواصلين إلى أوج تمام العلوّ المعنويّ الذاتيّ -
وقعت مشاركة في مطلق العلوّ ، ولهذا صدّر الفصّ بتحقيق معنى العلوّ وتقسيمه بما ينبئ عن حقيقته .
حيث قال رضي الله عنه: ( العلوّ نسبتان : علوّ مكان ، وعلوّ مكانة ) ، والجامع بينهما هو نسبة الشرف ورفعة المرتبة التي هي مقتضى التجرّد والقرب إلى المبدء وذلك لأنّ المظاهر كلَّما كانت أحكام الظاهر فيها غالبة ، خالصة عن شوائب الغرائب - من خصوصيّات المظهر نفسه - فإنّها أقرب إلى المبدء وأرفع نسبة إليه ، ومن ثمّة تراه جعل الجماد أعلى الأشياء كلَّها - كما ستطلع عليه - فعلى هذا أعلى الأمكنة إنّما هي القطب ،من حيث خلوّه عن الحركات وطروّ الأحكام الغريبة له .
هذا إذا نظر إلى كلّ فلك في نفسه ، وأمّا إذا نظر إلى الأفلاك كلَّها - من حيث نضدها الجمعيّ ونظمها الصوريّ المشاهد لأرباب البصائر والأبصار - فأعلاها مكانا إنّما هو فلك الشمس ، لأنّه واسطة نظم هذه الجمعيّة وعليها مدار أمر الإظهار .
وإذا نظر إليها بحسب ما لها في نفسها من حيث صورتها الجمعيّة وتشخّصها الأحديّ ، فأعلى الأمكنة فيها هو العرش ، لاشتماله على ما ذكر من جهة العلوّ مع تحديده لتلك الجهة - على ما بيّنه أرباب الحكمة - على أنّ العلوّ الحقيقيّ هو الذي ليس في مقابلة السفل - بناء على الأصل الممهّد - وهو إنّما يتحقّق في فلك الشمس - دون المحدّد.
فلئن قيل : ما ذكر في بيان جهة العلوّ يقتضي أن يكون المركز هو الأعلى مطلقا بتلك الجهة ، لأنّه لا شيء أخلى منه عن الخصوصيّات الغريبة والأحكام الخارجيّة .
قلنا : البحث إنّما هو في الأمكنة ، وهو ليس منها - سواء ذهب إلى أنّه بعد مجرّد ، أو السطح - بل ليس من هذه الجمعيّة أصلا .
فإنّه صرّح الشيخ في عقلة المستوفز أنّه محلّ نظر العنصر الأعظم ، الذي خلق العقل من التفاتته وأنّ أمر الكون كلَّه منه صدر ، وإليه يعود ، فلا يكون داخلا فيه منه .
فلك الشمس في أعلى الأمكنة
وإذا عرفت أنّ مطلق العلوّ منقسم إلى علوّ مكان وإلى علوّ مكانة ( فعلوّ المكان ) هو المنصوص عليه بقوله تعالى :" وَرَفَعْناه ُ مَكاناً عَلِيًّا " [ 19 / 57 ] وأعلى الأمكنة ) - حسبما ذكر من البيان - ( المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك ، وهو فلك الشمس ، وفيه مقام روحانيّة إدريس ) وذلك لأنّ الشمس لها رتبة كمال الظهور والإظهار ، وإذ قد كان إدريس صاحب الحكمة القدّوسيّة - والتقديس هو طرف كمال ظهور الحقّ ، على ما عرفت ، وموطن إظهاره - لذلك اختصّ به روحانيّته .
وإنّما قلنا : « إنّه بمنزلة القطب في رحى العالم » لأنّه الواقع في الوسط ( وتحته سبعة أفلاك ، وفوقه سبعة أفلاك ، وهو الخامس عشر ) فهو صاحب السبع المثاني ، ولكن في الحسّ وفي مرتبة الكون فقط .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالذي فوقه : فلك الأحمر ، وفلك المشتري ، وفلك كيوان ، وفلك المنازل ) الذي عليه الثوابت ، وهو محلّ تفاصيل الحقائق والحروف الثمانية والعشرين ( والفلك الأطلس ) الذي لا كوكب فيه .
واعلم أنّ الذي اتّفقت عليه كلمة أهل التعليم وأكثر أرباب التحقيق في تفصيل الأفلاك وتحقيق مراتبها هو هذا القدر - لا غير - وإن لم يكن لهم برهان على الحصر ، ولكن ليس لمداركهم بحسب آلاتها واستدلالاتها قوة الوصول إلى ما وراء ذلك - على ما نصّ عليه الشيخ في العقلة حيث قال نقلا عن بعض العلماء :
" قال بعض العلماء في قوله : " وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ " [ 69 / 17 ] :
« إنّ هذا الفلك - يعني فلك المنازل - أحد الثمانية الحملة والسبعة التي تحتها » وجعل فلك البروج هو العرش ، وهو الأطلس ، والله أعلم أنّ الأمر على خلاف ما قاله من كلّ وجه ، وهذا الترتيب لا يمكن إدراكه إلَّا بالكشف والاطلاع أو بخبر الصادق ، إذ لا خبر به .
وكذلك أهل التعاليم والقائلون بالرصد وأصحاب علم الهيئة لم يعرفوا ما عرفوا من ذلك إلَّا بطريق الكشف الحسّي ، فأبصروا حركات الكواكب ، واستدلَّوا بذلك على كيفيّة الصنعة الإلهيّة وترتيب الهيئة ، فأخطئوا في بعض وأصابوا في بعض ، واختلفت آراؤهم في ذلك اختلافا معروفا متداولا بين أهل هذا الشأن " .
إلى هنا كلامه ، وقد علم منه أنّ إثبات هذين الفلكين من خصائص كشفه الكامل .
قوله : ( فلك البروج ) عطف بيان للفلك الأطلس ، فإنّه وإن لم يظهر فيه من الكواكب شيء ، لكن ظهر فيه بحسب المراتب التي تحته دوائر تقسمها إلى اثنا عشر برجا ، ففيه تفصيل .
( وفلك الكرسي ) - وهو المسمّى بـ « العرش الكريم » عنده و « مستوى اسم الرحيم » و « موضع القدمين » و « محلّ تفصيل الكلمتين » ففيه تفصيل ما .
( وفلك العرش ) وهو عرش الرحمن ، لا تفصيل فيه أصلا .
العروش الخمسة
واعلم أنّ الشيخ أثبت خمسة عرش حقيقيّة: عرش الحياة - وهو عرش الهويّة - وعرش الرحمانيّة والعرش العظيم والعرش الكريم والعرش المجيد .
فعرش الحياة هو عرش المشيّة - كما سبق التنبيه في مطلع الكتاب - وهو مستوى الذات ، وهو عرش الهويّة ، قال الله تعالى : " وَكانَ عَرْشُه ُ عَلَى الْماءِ " [ 11 / 7 ] فأضافه إلى الهويّة ، وجعله على الماء ، ولهذا قلنا فيه : « عرش الحياة » . . .
لقوله تعالى : " وَجَعَلْنا من الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ " [ 21 / 30 ] ، فهو العنصر الأعظم . . . وهو اسم الأسماء ومقدّمها . . . و « العرش المجيد » هو العقل الأوّل ، وهو القلم الأعلى .
و « العرش العظيم » النفس الناطقة الكليّة وهو اللوح المحفوظ .
و « عرش الرحمانيّة » وهو الجسم الكلّ . « والعرش الكريم » محل التفصيل .
وأثبت عرشا سادسا نسبيّا ليس له وجود ، وهو العماء وهو عرش الحيرة .
رجوع إلى ذكر الأفلاك
هذا حكم ما فوق فلك الشمس ، ( والذي دونه : فلك الزهرة ، وفلك الكاتب « 2 » ، وفلك القمر ، وكرة الأثير ، وكرة الهواء ، وكرة الماء ، وكرة التراب ) فعلم أنّ إطلاق الأفلاك عليها كان تغليبا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان ) وفيه إشارة إلى أنّ العلوّ من هذه الحيثيّة له ، ولا ينافي أن يكون لآخر علوّ من حيثيّة أخرى .
علوّ المكانة للمحمدييّن
هذا كلَّه علوّ المكان ( وأمّا علوّ المكانة فهو لنا - أعني المحمّديين - قال الله تعالى : " وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَالله مَعَكُمْ " [ 47 / 35 ] في هذا العلوّ ، وهو يتعالى عن المكان ) لأنّه يستلزم التجسيم الذي يلزمه التقييد - تعالى عنه - ( لا عن المكانة ) ، لأنّه لا رتبة وراء رتبة الإطلاق ، ولا سلطنة أعظم من سلطنته الإحاطيّة ، فتكون المعيّة المنصوص بها إنّما هي في علوّ المكانة - لا غير .
( ولمّا خافت نفوس العمّال منّا ) - إذ فهموا من الآية معيّة علوّ المكانة - أن يفوت جزاء أعمالهم - يعني علوّ المكان - ( أتبع المعيّة بقوله : " وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ " ) [ 47 / 35 ] - أي لن ينقصكم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالعمل يطلب المكان ) من حيث تجسّدهما وكونهما آخر سلسلة الترتيب (والعلم يطلب المكانة) من حيث تروّحهما وكونهما أول سلسلة الترتيب ( فجمع لنا بين الرفعتين : علوّ المكان - بالعمل - وعلوّ المكانة - بالعلم - ثمّ قال تنزيها للاشتراك بالمعيّة : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " [ 87 / 1 ] عن هذا الاشتراك المعنويّ ) فإنّ العلوّ الذاتيّ لا يكون إلَّا للحقّ ، والعلوّ الذي لغيره بالتبعيّة .
العلوّ للمكان والمكانة بالذات ولغيرهما بالتبع
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن أعجب الأمور كون الإنسان - أعني الإنسان الكامل - أعلى الموجودات ، وما نسب إليه العلوّ إلَّا بالتبعيّة ، إمّا إلى المكان وإمّا إلى المكانة - وهي المنزلة - ) وهما من الموجودات ، فيكون علوّ الإنسان تابعا لما يكون هو أعلى منه ، وهذا من خصائص جمعيّته الإطلاقيّة وإحاطتها بالأطراف والأضداد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما كان علوّه لذاته فهو العلي بعلوّ المكان والمكانة ، فالعلوّ لهما ) بالذات ، لا للإنسان ، ولا لشيء غيرهما فإنّ الأسماء الإلهيّة أيضا لا علوّ لها إلَّا بهما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعلوّ المكان ك " الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى " [ 20 / 5 ] ، وهو أعلى الأماكن ) فإنّه ليس بين أسماء الحقّ أعلى وأشمل إحاطة من « الرحمن » فإذا كان العرش مستواه يكون هو أعلى الموجودات ضرورة .
( وعلوّ المكانة : " كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه ُ " ) [ 28 / 88 ] وهو طرف جامعيّته وظهوره ، فللوجه رتبة العلوّ في الظهور .
( " وَإِلَيْه ِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه ُ " ) [ 11 / 123 ] وهو طرف غيبه وبطونه ، فإنّ الهويّة المطلقة لها رتبة العلوّ في الوجود .
(" أَإِله ٌ مَعَ الله ") [ 27 / 60 ] ، وهو الجامع بين الطرفين ظهورا ووجودا .
فعلم من هذا أنّ لعلوّ المكانة حضرات ثلاثا ، وعلم أيضا وجه ذاتية العلوّ للمكان والمكانة .
وأمّا أنّه لغيرهما بالتبعيّة .
فمن قوله : ( ولمّا قال تعالى : " وَرَفَعْناه ُ مَكاناً عَلِيًّا " [ 19 / 57 ] ، فجعل « عليّا » نعتا للمكان ) لا لإدريس ، علم أنّ رفعته بتبعيّة المكان ، هذا في علوّ المكان .
وأمّا علوّ المكانة ، فمن قوله تعالى : ( " وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً " [ 2 / 30 ] ، فهذا علوّ المكانة )
المضاف إلى الإنسان فإنّه يدلّ على أنّ من الإنسان من له هذا العلوّ ، ( وقال في الملائكة : " أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ من الْعالِينَ " ) [ 38 / 75 ] ، فإنّه يدلّ على أنّ من الملائكة من له العلوّ مكانة ، ( فجعل العلوّ للملائكة ، فلو كان لكونهم ملائكة لدخل الملائكة كلَّهم في هذا العلوّ ) ، ضرورة أنّ مقتضى الذات مشترك في سائر الأفراد .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلمّا لم يعمّ - مع اشتراكهم في حدّ الملائكة - عرفنا أنّ هذا علوّ المكانة عند الله ، وكذلك الخلفاء من الناس ) المنسوب إليهم العلوّ في الآية المذكورة.
(لو كان علوّهم بالخلافة علوّا ذاتيّا لكان لكلّ إنسان ، فلمّا لم يعمّ ،عرفنا أنّ ذلك العلوّ للمكانة) التي هي عند الله بأحد الوجوه الثلاثة .
علوّ الحق تعالى بالذات
وإذ قد تبيّن أنّ العلوّ لغير المكان والمكانة إنّما هو بالتبعيّة والإضافة ، والذي لهما مرجعه بالحقيقة إلى الحقّ - أمّا الذي للمكانة فظاهر ، وأمّا الذي للمكان فلأنّه باستواء الرحمن عليه ، وهو من أسمائه تعالى ، فعلم أنّ العلوّ بالذات إنّما هو للحقّ فقط - أخذ يحقّق العلوّ الذاتي الذي للحقّ بقوله : ( ومن أسمائه الحسنى « العليّ » ، على من ؟ ) - فإنّ علوّ المكان غالبا إنّما يستعمل بـ « على » .
لقوله تعالى : " الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى " [ 20 / 5 ] - فإذا لم يكن في الوجود أحد يعلو عليه الحقّ بالمكان ، لا يمكن أن يكون علوّه بالإضافة .
فإنّ كلّ ما فيه هو الحقّ ، ( وما ثمّ إلَّا هو ، فهو العليّ لذاته ) أي العليّ المطلق الذي هو أعلى من أن يكون علوّه بالقياس إلى السفل .
هذا حال علوّ المكان - وكذلك أمر علوّ المكانة ، وإليه أشار بقوله : ( أو عن ماذا ؟ ) - فإنّ علوّ المكانة أكثر ما يستعمل ب « عن » كما يقال :
" جناب الخليفة عال عن كذا " - فإذا لم يكن شيء يعلو عنه بالمكانة ، لا يمكن أن يكون علوّه ذلك له بالإضافة ، فإنّ كل أمر فرض فهو شيء ، ( وما هو إلَّا هو فعلوّه ) - مطلقا ، سواء كان بالمكان أو بالمكانة - له ( لنفسه) فإذ قد تحقّق أنّ العلوّ الذي للحقّ هو العلوّ الذاتي - حيث أنه ليس في الوجود شيء يعلو عليه أو عنه ، فلا يكون في الوجود إلَّا العليّ بالذات - لا بدّ أن يحقّق أمر العلوّ الإضافي ، وأنّ العالي به من هو ؟ وإلى ذلك أشار بقوله :
الموجودات علية بالذات بعلوّه تعالى
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو من حيث الوجود عين الموجودات ، فالمسمّى « محدثات » هي العليّة لذاتها ، وليست إلَّا هو ) أي ليست المحدثات إلَّا المسمّى نفسه ( فهو العليّ - لا علوّ إضافة ) أي المسمّى محدثات ( لأنّ الأعيان ) - أي المحدثات باعتبار كونها مسمّى بها - ( التي لها العدم الثابتة فيه ، ما شمّت رائحة من الوجود ، فهي على حالها ) في العدم ، وإلَّا لم تكن ثابتة فيه ( مع تعداد الصور ) الظاهرة من آثارها ( في الموجودات ) .
وهذا في نظر التحقيق غير ممتنع - كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى - وأصل ذلك ما وقفت عليه مرارا ، من أنّ الوحدة الحقيقيّة التي للواحد الأحد هو الذي نسبة الكثرة العدديّة إليه كنسبة وحدتها إليه - بلا فرق - .
( والعين ) التي هي الحقّ ( واحدة من المجموع في المجموع ) يعني واحدة حاصلة من مجموع الموجودات في عين ذلك المجموع - لا في الخارج عنه – فإنّه قد سبق مرارا أنّ أحديّته تعالى أحديّة جمع ، فتحقّقها في الجمعيّة ومنها ، لا أحديّة فرق - حتّى يقابلها الكثرة ، ويقبل طريانها لتلك الوحدة - إذ الكثرة مستهلكة الحكم في الوحدة الذاتيّة ، ( فوجود الكثرة ) إنّما هو ( في ) حضرة ( الأسماء ، وهي النسب ، وهي أمور عدميّة ، وليس ) في الوجود .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلَّا العين الذي هو الذات ، فهو العليّ لنفسه - لا بالإضافة - فما في العالم من هذه الحيثيّة علوّ إضافة ) .
النسب الأسمائيّة
وإذ قد حقّق حيثيّة الوحدة الذاتيّة والإطلاق الصرف الذي لا إضافة هناك ، لا بدّ وأن يلحق ذلك بتحقيق حيثيّة النسب الأسمائيّة وإثبات الإضافة تفصّيا عن تمام التحقيق وكمال التوحيد .
واعلم أنّ النسب الأسمائيّة التي هي أمور عدميّة في نفسها ليست أعداما صرفا .
فإنّها من حيث هي أعدام لا يمكن أن يشار إليها ويعبّر عنها ، بل لها نسبة إلى العدم بالقياس إلى أنفسها ، كما أنّ لها نسبة إلى الوجود بالإضافة إليه.
فهي بالاعتبار الأوّل تسمّى بـ « الأمور العدميّة » و « النسب الإمكانيّة الاعتباريّة » .
وبالاعتبار الثاني تسمّى بـ « الوجوه الوجوديّة » إذ بها يظهر الوجود .
وهذا الاعتبار هو الذي يسمّيه الحكيم بـ « الوجوب اللاحق » ، وسائر الأحكام الثبوتيّة والأوصاف الوجوديّة إنّما يضاف إلى تلك الوجوه .
فلذلك قال رضي الله عنه: ( ولكن الوجوه الوجوديّة متفاضلة ، فعلوّ الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة ) ، فإنّ الوجوه وكثرتها لا يقدح في تلك الوحدة ، بل يجعلها موردا للأحكام المتقابلة ، ( لذلك يقول فيه : هو لا هو ) .
أي يقول في الحقّ : « غيب وباطن ، ليس بغيب وباطن » لإحاطة وحدته المطلقة بالظاهر والشاهد ، و : ( أنت لا أنت ) وتقول فيه أيضا : « حاضر مشاهد ، ليس بحاضر مشاهد » ، لاحاطتها الغيب والبطون .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال الخرّاز - وهو وجه من وجوه الحقّ ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه - بأنّ الله لا يعرف إلَّا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها ) .
أي بالأضداد ، على ما هو مقتضى وحدته الذاتيّة - إذ به يعرف تلك الوحدة كما مرّ غير مرّة - (فهو الأوّل والآخر ،والظاهر والباطن ، فهو عين ما ظهر ،وهو عين ما بطن في حال ظهوره ) ، فإنّ الظهور إنّما يكون بالصور الحاجبة فهو في عين بطونه ظاهر ، وفي عين ظهوره باطن .
بدت باحتجاب فاختفت بمظاهر
وذلك الظهور والبطون ليس لغيره أو عنه ، إذ ليس له وجود ( وما ثمّ من تراه غيره ) حتّى يظهر له ، ( وما ثمّ من ) يحتجب له حتّى ( يبطن عنه ، فهو ظاهر لنفسه ، باطن عنه ، وهو المسمّى أبا سعيد الخرّاز ) الذي ظهر له ، وجعله لسانا يظهره ، ( وغير ذلك من أسماء المحدثات ) التي يحتجب فيه وجعلها ستائر إخفائه .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فيقول الظاهر : « لا » إذا قال الباطن : « أنا » .
ويقول الباطن :« لا » إذا قال الظاهر : « أنا » وهكذا في كلّ ضدّ ) يطويه الأحديّة الإطلاقيّة - كالقابليّة والفاعليّة والمتكلَّميّة والسامعيّة - ( والمتكلَّم واحد ، وهو عين السامع .
يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: « وما حدثت به أنفسها »فهي المحدّثة السامعة حديثها ، العالمة بما حدّثت به نفسها والعين واحدة ) - يعني الشخص - ( وإن اختلفت الأحكام ) وهي الحديث والسماع والعلم والمحدّث والسامع والعالم .
( ولا سبيل إلى جهل مثل هذا ) ، فإنّه من الوجدانيّات الضروريّة التي يجد كل أحد من نفسه ، لا يتفاوت فيه الغبيّ من الذكيّ ( فإنّه يعلمه كل إنسان من نفسه ، وهو صورة الحقّ ) - كما سبق تحقيقه - .
تمثيل الوجود ومراتبه بالواحد ومراتب الأعداد
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فاختلطت الأمور ) أي الأحكام الكونيّة العدميّة والحقيقيّة العينيّة الوجوديّة ، والتبس الحقّ الواحد في المراتب التي ليس لها وجود في العين ، بل إنّما هي أمور اعتباريّة يتصوّرها العقل بأحكامها وآثارها الخصيصة بكلّ منها .
ثمّ إنّ هذه الأحكام لمّا كانت من آثار تلك المراتب المعدومة بالذات ، لا بدّ وأن تكون أنزل منها وأخفى في مكامن العدم بالنسبة إليها : لكن لمّا التبس الحقّ بها فاختفى فيها بنفسها ، وتصوّر بصورها وظهر بظهورها : انتسب الوجود في العين إليها ، فصارت الموجود في العين تلك الأحكام - لا غير - كما قيل :
إن قيل لك الكون عليه عرض ..... حقّق نظرا فيه ، ترى الجوهر هو
وإذ كان هذه المسئلة من أغمض المسائل عند أكثر المسترشدين - ممّن عوّدوا مداركهم بالاستفاضة عن الأنظار القياسيّة ، والمقدّمات المأنوسة لهم في أوائل أحوالهم - صوّر لهم تلك المسئلة في صورة عدديّة ، فإنّ العدد بما عليه من الصور المدركة أوّلا مختزن عويصات الحقائق وغوامض المعارف .
فأشار إلى ذلك بقوله : ( وظهرت الأعداد بالواحد في المراتب المعلومة ) ظهور الأكوان وأحكامها بالحقّ في مراتب الوجود التي هي اعتبارات عقليّة ، وذلك لأنّ العدد أيضا له مراتب كليّة تنطوي على أحكام مشخّصة وجزئيّات معيّنة - كالآحاد والعشرات والمآت والألوف - المتمايزة بمجرّد نسبة التقدّم والتأخّر - التي هي محض الاعتبار - المحتوية كل منها على جزئيّات إنّما يظهر الواحد بصورها في العين مفصّلا ، ( فأوجد الواحد العدد ، وفصّل العدد الواحد ) في مراتبه وجزئيّاتها المندمجة فيها بالقوّة ، وجعلها بالفعل .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما ظهر حكم العدد ) الذي يوجد الواحد في العين مفصّلا ( إلَّا بالمعدود ) ظهور الأكوان بالماهيّات وأشخاصها ( والمعدود منه عدم ، ومنه وجود ) ، يعني وجود المعدود في العين ، لا دخل له في إظهار حكم العدد ، وإلَّا لم يكن الأعدام معدودة ، فعلم أنّ العدد كما يتحقّق نفسه بالواحد وسيره في المراتب ، كذلك أحكامه إنّما تتحقق بالمعدود - سواء كان موجودا في الحسّ أو لا - ( فقد يعدم الشيء من حيث الحسّ وهو موجود من حيث العقل ) ، ومبنى ظهور الأحكام على الوجود العقلي .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا بدّ من عدد ومعدود ) سواء كان في العين أو بمجرّد الاعتبار ، ( و لا بدّ من واحد ) في العين ( ينشئ ذلك ) بسيره ، ( فينشأ بسببه ) العدد بمراتبه ، ويظهر أحكامه بالمعدود ، فإنّ الواحد هي المادّة المقوّمة لتلك المراتب كلَّها .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ لكلّ مرتبة من العدد حقيقة واحدة ، كالتسعة - مثلا - والعشرة إلى أدنى وإلى أكثر - إلى غير نهاية - ) ، إذ ليس حقيقة شيء من تلك المراتب - بالغة ما بلغت - إلَّا واحدة وقعت متأخّرة عن المجموع ، فحصل لها باعتبار تلك النسبة اسم مرتبته الخاصّة .
ثمّ إنّ تلك النسبة لمّا كانت موقوفة على المجموع إنّما يحصل له اسم تلك المرتبة بعده ، فحقيقة تلك المرتبة هي الواحدة السارية ( ما هي المجموع ، ولا ينفكّ عنها اسم جميع الآحاد ) ضرورة لزوم المنتسبين للنسبة ، فهو من اللوازم الخارجة التي لا دخل لها في حقيقته.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ الاثنين حقيقة واحدة ، والثلاثة حقيقة واحدة - بالغا ما بلغت هذه المراتب - وإن كانت واحدة فما عين واحدة منهنّ عين ما بقي ) من أجزائه ، وإلَّا يلزم أن يكون الجزء عين الكلّ ، فذلك اللازم الخارج - يعني المرتبة الجمعيّة - هو الذي يعيّنها ويحصّلها ويسمّيها حقيقة مستقلَّة واحدة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالجمع يأخذها ) يعني أنّ الجمع - الذي هو ظلّ الإطلاق يأخذ تلك العين الواحدة بالوحدة العدديّة - المسمّاة بالاثنين والثلاثة - من غيب الوحدة الإطلاقيّة الذاتيّة ، ويجعلها حقيقة مستقلَّة عينيّة كالفصل ، فإنّه وإن كان خارجا من الحقيقة الواحدة بالوحدة الجنسيّة ، لكن هو الذي يحصّلها ويجعلها حقيقة عينيّة ، فلا بدّ وأن يعتبر الجمعيّة المرتبية في العين الواحدة ، وتثبت تلك الجمعيّة لها .
( فيقول رضي الله عنه: ) أي يظهر ذلك الجمعيّة تلك الحقيقة المسمّاة المأخوذة من غيب الوحدة الإطلاقيّة ويسمّى ( بها منها ) في الصورة الكلاميّة الإشعاريّة ، ( ويحكم بها عليها ) في الصورة العقليّة الشعوريّة .
وتمام تبيين هذا الكلام أنّ الوحدة الإطلاقيّة الذاتيّة هي التي ظهرت من كنه الغيب بصورة الوحدة العدديّة ، متوجّهة في قطعها مسافة تلك الأبعاد العدديّة صوب ذلك المبدء الأوّل ، الذي عبّر عنه العقل النظري ب « ما لا يتناهى » عند عجزه عن ضبطه بالصور الإحاطيّة ، التي بها يدرك الأشياء ، وذلك الطرف هو المشار إليه بقوله : " بالغا ما بلغت " .
فينبغي أن تعلم أنّ لتلك الوحدة الظاهرة في هذه الوحدات العدديّة صورتين :
إحداهما هو الذي في الكثرة العدديّة منها ، وهي المسمّاة بالمرتبة ، ويلزمها الجمع ، وعبّر عنه هاهنا ب « اللازم » .
وثانيتهما هو الذي في الوحدة العدديّة ، وقد عبّر عنه المصنّف ب « العين الواحدة » .
والأولى منهما هي التي يقال لها في لسان الميزان : « الصورة التي تتقوّم بالمادّة » والثانية هي إيّاها ، كما أنّ ما يقال له « الفصل » هو الأولى منهما ، و « الجنس » هو الثانية ، ولذلك ترى مراتب الجنس مترتّبة متنزّلة - تنزّل تلك العين الواحدة - .
فظهر من هذا أنّ الجمع له مزيد اختصاص بتلك الوحدة الإطلاقيّة ، حيث أنّه هي الصورة التي يظهرها على مجالي الفعل - دون العين الواحدة - .
إذا تقرّر هذا - فاعلم أنّ ذلك الجمع هو الذي يأخذ تلك العين الواحدة من مستبهم غيب الإطلاق ومستجنّه ، ويظهرها على مجالي الإشعار ، ويسمّيها بتلك العين الواحدة منها ، فإنّك قد عرفت أنّ العين الواحدة هي المادّة والمبدء لخصوصيّة تلك الحقيقة المسمّاة ، فتكون مبدأ لسائر تلك الخصوصيّات - إشعاريّة كانت أو شعوريّة - وإلى الثاني أشار بقوله : " ويحكم بها عليها " .
وإذ كان الإشعاري منهما مقدّما في الخارج - فإنّه الدالّ على الشعوري - قدّمه معبّرا عنه بعبارة « القول » فإنّه هو الصورة التي يوجد بها الصور الشعوريّة في الخارج ، فهو المقصد الذي ينحلّ به ومنه سائر المقاصد ، فلذلك أخذ في تحقيق الصور التي للعدد باعتباره
قائلا رضي الله عنه: ( وقد ظهر في هذا القول ) بحسب سير الواحد في أطوار مراتبه ( عشرون مرتبة ) .
أمّا حقيقة : فلأنّ سيره إنّما هو لكماليه الذاتيّ والأسمائيّ الظهوريّ منه والإظهاريّ ، وتمام مرتبته إنّما هو العشرة : " تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ " [ 2 / 196 ] .
والذي يدلّ على هذا من التلويحات العدديّة الرقميّة أنّ الصفر الذي هو الدالّ على المرتبة نوعان : بياض وسواد - على ما قاله الشيخ سعد الدين الحموي سلام الله عليه :
"الصفر بياض يتبيّن فيه كلّ مفقود ، وسواد يعدم فيه كلّ موجود ، ولكلّ منهما كمال : فكمال بياضه إلى العشرة ، وكمال سواده إلى الألف ، والأوّل هو الملوّح إلى غاية الظهور والإظهار الذي موطنه العقل الشعوري ، كما أنّ الثاني هو الملوّح إلى غاية الشعور والإشعار ، الذي موطنه الحبّ الألفي العشقي " .
ولا تغفل عن التلويحات التي في طيّ هذه الألفاظ المعبّر بها عنهما فإنّها منطوية على أعلى من هذا ، قد أفصح عنه في المفاحص - من أراد ذلك فليطالعه - .
وأمّا ظاهرا : فلأنّ ما يدلّ على ذلك في العربي المبين إنّما هو عشرون لفظا : عشرة من الواحد إلى العشرة ، وثمانية عقود العشرات ، ومائة وألف ، وأمّا غير ذلك من عقود المائة والألف (فقد دخلها التركيب ) .
هذا إذا نظر إلى تراكيبه الوضعيّة ومؤلَّفاته الجعليّة التي أتى بها الحضرة النبويّة ، وعبّر عنها بلسان نبوّته إلى العامّة في تحقيق كمال الإنباء والإظهار ، وأمّا إذا نظر إلى مقطَّعات حروفه ومفردات بسائطه التي تكلَّم بها لسان الولاية مع أهل الخصوص في تحقيق كمال الكشف والإشعار ، فقد ضمّ إليها عقود المآت ، وكمّلها ثمانية وعشرون .
ومن ثمّة لو عدّدت منها الظواهر الصرف التي لا دخل لها في البواطن ، وأسمائها التي هي البيّنات المشعرة بحقايقها ، وجدتها عشرين ، والثمانية الباقية حروف البواطن ، يدخل في أساميها ويعبّر عن حقائقها: " وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ " [ 69 / 17 ] .
وملخّص هذا الكلام أنّ المرتبة وإن كانت معدومة العين بنفسها ولكنّ الواحد ليس له وجود في العين إلَّا بها ، إذ الواحد إنّما يتحقّق في ضمن أحد الصفرين - على ما لا يخفى على الواقف بأصول القواعد - فالثابت في العين - حقيقة - ليس إلَّا المرتبة ( فما تنفكّ تثبت عين ما هو منفي عندك لذاته ) من المرتبة والكثرة .
التنزيه في عين التشبيه
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن عرف ما قرّرناه في الأعداد ) - أنّها من حيث هي أعداد ومراتب أعدام لا تحقّق لها بنفسها أصلا ، مع ما لكلّ منها من الأسماء المستقلَّة والخصائص والآثار المحسوسة ، وأنّ وجودها إنّما هو بالوجود الواحد الساري ، ( وأنّ نفيها عين ثبتها ) ، لأنّ نفيها من حيث أنفسها معناه هو أنّ تحقّقها عين تحقّق الواحد الذي ليس وراءه تحقّق .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( علم أنّ الحقّ المنزّه ) مطلقا عن سائر القيود ( هو الخلق المشبّه ) ضرورة أنّ الإطلاق الحقيقي هو الذي في عين التقييد ( وإن كان قد تميّز الخلق من الخالق ) ، تميّز المطلق من المقيّد فيه ( فالأمر الخالق ) هو بعينه ( المخلوق ) في الخارج ، ( والأمر المخلوق ) في الخارج هو بعينه ( الخالق . كلّ ذلك ) - أي الخلقيّة والحقّية - ( من عين واحدة ) مطلقة منهما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لا ، بل هو العين الواحدة ، وهو العيون الكثيرة ) ، فإنّ نسبة الوحدة والكثرة والإطلاق والتقييد ، والخلقيّة والحقّية ، وسائر المتقابلات إلى الواحد المطلق سواء .
فلذلك لمّا قال ذلك العين الواحدة بلسان الوالد : " إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " و ( " فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ " بلسان الولد : " يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ " [ 37 / 102 ] .
والمأمور ليس إلَّا الذبح ، ( والولد عين أبيه ) وسرّه ، ( فما رأى يذبح سوى نفسه ، وفداه " بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " [ 37 / 107 ] فظهر ) في الخارج ( بصورة كبش من ظهر ) في الخيال ( بصورة إنسان وظهر ) في الخيال ( بصورة ولد - لا ، بل بحكم ولد ) ، فإنّ المغايرة بين الصورة الوالديّة والولديّة نسبة حكميّة لا حقيقيّة ، سيّما في عالم الخيال - ( من هو عين الوالد ) في الخارج .
فتبيّن من هذه الآية تنوّع العين الواحدة بالصور المتخالفة حقيقة وحكما ، ولكنّ في الخيال والخارج - لا في الخارج - والذي يدلّ على ذلك فيه هو قوله تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ " ( " وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها " ) [ 4 / 1 ] ) أي من النفس الواحدة ( فما نكح سوى نفسه ) .
فتبيّن من هذه الآيات القرآنيّة الكاشفة عن كنه الأشياء أن لا مغايرة في العين بين الوالد وزوجه ، ولا بينه وبين ولده ، ( فمنه الصاحبة والولد ، والأمر واحد في العدد) فما اتخذت صاحبة ولا ولدا .
كيفيّة ظهور الكثرة
وإذ قد بيّن - بالقواعد العدديّة عقلا ، والآيات المنزلة السماويّة نقلا - إثبات وحدة العين ، أخذ في تحقيق ظهور الكثرة منها وإبانة ما يتوهّم من تلك العبارة ، وإزالته من التجزية والتبعيض ، فقال مستفهما : ( فمن الطبيعة ) الكل ( ومن الظاهر منها ) في الخارج ؟
إذ لا يمكن أن يكون بعضها على ما هو المتوهّم منها ، وإلَّا لزم أن ينقص الكل بما ظهر منها وخرج من كنه كمونها ، ويزيد بعدم ذلك الظهور .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما رأيناها نقصت بما ظهر منها ، ولا زادت بعدم ما ظهر ) على ما هو مقتضى الجزئيّة ، ولا يمكن أن يكون جزئيّا لها لتحقّق المغايرة بين الكلَّي وجزئيه ، ( وما الذي ظهر غيرها ) بما أشير إليه عقلا ونقلا وذوقا .
ثمّ لمّا تقرّر أنّ المشهد الختمي الكمالي هو أنّ التوحيد الأتمّ ما يجمع بين التنزيه والتشبيه ، والتفرقة والجمع ، أراد أن يشير إلى ذلك بما يكشف عن أصله ومبدئه ، وهو أنّ الطبيعة الكلّ إذا لم تكن مغايرة لما ظهرت فيه لا بدّ وأن تكون عينه ( وما هي عين ما ظهر ، لاختلاف الصور بالحكم عليها ) حسبما تصوّر بها من الأوصاف المتقابلة والآثار المتباينة المتناقضة ، المتسلَّطة في تلك الصور ( فهذا بارد يابس ، وهذا حارّ يابس ) وفي اختيار هذا المثال تنبيه على ما سلف لك من النظم الطبيعي الدوريّ الذي لآخر الكرات الطبيعيّة العنصريّة إلى أوّلها ، فلذلك قال : ( فجمع باليبس ) الذي هو صورة المركز ( وأبان بغير ذلك ) من الكيفيّات التي للكرات المحيطة الأعلى فالأعلى .
وقوله رضي الله عنه: ( والجامع الطبيعة ) إشارة إلى الفرق التنزيهي الذي هو مشهد اولي العقول.
كما أنّ قوله رضي الله عنه:: (لا ، بل العين الطبيعة) إشارة إلى الجمع التشبيهي الذي هو مشهد اولي الذوق والشهود .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة ) إشارة إلى تفصيل معنى الأوّل ، و ( لا ، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة ) إلى تفصيل معنى الثاني .
حيرة العقل النظري
ثمّ إنّ الجمع بين الطرفين والاحتواء على المتقابلين مما لا بدّ منه في كلّ من هذين المشهدين - على ما لا يخفى - وإذ ليس من وسع العقل بقوّته النظريّة أن يضبطهما ضبطا جمعيا إحاطيّا ، وما أمكن له أن يخوض في تيّار ذلك البحر عندما تتلاطم أمواج المتقابلات والمتناقضات الدافعة للضبط ، الذي به يدرك العقل ما يدركه ، قال :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما ثمّ إلَّا حيرة لتفرّق النظر ) فإنّه كلَّما استحصل من ذلك المشهد علما حار ورجع مما كان عليه ، فإنّ « الحيرة » لغة هي الرجعة ، فليس له من ذلك إلَّا الحيرة والعجز - كما قيل : « العجز عن درك الإدراك إدراك » - فكلَّما ازداد منه علما ، ازداد فيه تحيّرا ، وعليه ورد: « ربّ زدني تحيّرا » و " رَبِّ زِدْنِي عِلْماً " * [ 20 / 114 ] .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن عرف ما قلناه ) من الجمعيّة الكماليّة الختميّة التي أشير إليها ( لم يحر - وإن كان في مزيد علم ) من تلك الجمعيّة الإطلاقيّة ، وذلك لأنّ العجز والحيرة التي للمحجوبين بالعقول والقوى وإدراكاتها المختصّة بالإنسان وموطن حقيقته - وهو مفترق المتقابلين ، ومثار المتناقضين الذين يوجبان الحيرة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فليس ) ذلك الحيرة ( إلَّا من حكم المحل ، والمحلّ عين العين الثابتة ، فيها يتنوّع الحقّ في المجلى ، فيتنوّع الأحكام عليه ، فيقبل كلّ حكم ، وما يحكم عليه إلَّا عين ما تجلَّى فيه ما ثمّ إلَّا هذا ) .
أي ليس في موطن الحيرة إلَّا هذا التقابل الذي في الأمر مطلقا ، وهذه الحيرة من جملته ، وهو أنّ الأعيان الثابتة - بما لها من العدميّة والعجز والافتقار - حاكمة على ما ظهر فيها بما ظهرت ، مع وجوده واستغنائه واقتداره ، فالعارف بهذا ما يتحيّر عند تنوّع تلك الأحكام المتقابلة ولا يرجع بظهور أحد المتقابلين عن الآخر ، رجوع المحجوب وتحيّره .
وملخّص هذا الكلام أنّ العالم الذي هو العين الواحدة التي ذات تكثّر وتنوّع ، يمكن أن يشهد الكثرة هي الذاتيّة لها ، والوحدة الجمعيّة إنّما لحقت إيّاها وأحاطت بها بحسب المدارك والمشاهد التي بها يتّحد الكثير - اتّحاد الصور في مرآة واحدة - كما أشار إليه أوّلا ، على ما هو مدرك العقل ويمكن أن يشهد الوحدة هي الذاتيّة لها ، والكثرة إنّما طرأت عليها في المدارك والمشاعر المتنوّعة التي بها يتكثّر الواحد - تكثّر الصورة الواحدة في المرايا المختلفة - كما أشار إليه ثانيا على ما هو مشهد الذوق .
وإلى ذينك الوجهين أشار بقوله نظما قال الشيخ رضي الله عنه:
( فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا ..... وليس خلقا بذاك الوجه فادّكروا)
وهذا مبدأ بدء المتقابلات ، ومنشأ جمع المتناقضات التي عجزت البصائر المحجوبة المخذولة عن إدراكه ، ووقفت أقدام أفهام ذوي العقول الفكريّة - التي لا تقع قوى شعورها إلا على مجرّد التجريد ومفترق التقديس والتنزيه ، دون بلوغها إليه - محرومة عن مجمع الإطلاق والتوحيد دون العارفين بالحقائق الذوقيّة ، الناظرين إلى العين الواحدة بالبصر الحسّيّ الشهوديّ الواقع أشعّة إدراكه على اللطائف الجمعيّة ، وإليه أشار بقوله :
(من يدر ما قلت لم يخذل بصيرته ..... وليس يدريه إلَّا من له بصر)
وذلك لأنّ العين الشاملة للكلّ هي الواحدة بالوحدة الإطلاقيّة - كما هو المشاهد المحسوس - وإنّما يفصّلها الاعتبارات العقليّة ، تفصيل الجمعيّة والتفرقة بفرضه واعتباره - لا أنّها في نفسها كذلك - والمنبّه على ذلك صيغة الأمر في قوله :
(جمّع وفرّق ، فإنّ العين.... واحدة وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر)
تلك العين الواحدة غيرها ( ولا تذر )
اشتمال الاسم الجلالة وإحاطته بجميع الأمور والنسب وإذ قد تقرّر أنّ العين لها الشمول والإحاطة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالعليّ لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجوديّة والنسب العدميّة ، بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها ، وسواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا ،أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا ،وليس ذلك إلَّا لمسمّى « الله » خاصّة) .
ومما يلوّح إلى شمول مسمّى « الله » لسائر النعوت - وجوديّة إلهيّة محمودة بسائر الألسنة الثلاثة كانت ، أو عدميّة كونيّة مذمومة بها - اشتمال هذا الاسم على ذلك التفصيل رقما وعددا :
أمّا الأوّل : فلاشتماله على اللامين المشيرين إلى تلك الألسنة .
وأمّا الثاني : فلاشتماله على العقدين التامّين في المرتبتين ، الدالين على ما يمكن أن يخرج من القوّة إلى الفعل ، وتمام تفصيل ذلك وتحقيقه يطلب في الشجرة السينيّة - وهذا مشهد الكمّل الختميّ .
صورة الشجرة السينية
60
30 30
20 20 20
15 15 15 15
12 12 12 12 12
10 10 10 10 10 10
6 6 6 6 6 6 6 6 6 6
5 5 5 5 5 5 5 5 5 5 5 5
4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4 4
3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3 3
2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2 2
111111111111111111111111111111111111111111111111111111111111111
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأمّا غير مسمّى « الله » خاصّة ) - وهو مشهد العامّة - ( مما هو مجلى له ) يعني الأعيان - كما هو مشهد العقل وإيقانه - ( أو صورة فيه ) يعني الأسماء - على ما هو مشهد الذوق وعيانه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن كان مجلى له ، فيقع التفاضل ، لا بدّ من ذلك بين مجلى ومجلى ) حسبما يتنوّع منه الأحكام على الحقّ المتجلَّى فيه وقبوله إيّاها - كما بيّن - وعند ما وقع التفاضل بين تلك الأحكام تمايزت المذمومات الثلاث عن المحمودات فانحرف مستوى الإحاطة عن استقامته وعلوّه .
فلا يكون له الكمال الذاتيّ بعينه - بل بمثاله وعكسه - وإلى ذلك أشار بقوله رضي الله عنه: ( وإن كان صورة فيه فلتلك الصورة عين الكمال الذاتي ) وهو الشمول الإحاطي الجمعي الوحداني ، المستوي على عرش استقامته .
وذلك لأنّ من شأن الصورة أنّها تصير عين المرايا والمجالي ، ظاهرة بنفسها مخفية إيّاها ، فإذا كان المشهود هو الصورة فله الكمال الجمعي الوحداني ( لأنّها عين ما ظهرت فيه ) بخلاف ما إذا كان المشهود هو المجلى ، فإنّه حينئذ منشأ التفرقة والتكثّر على ما هو الظاهر في المرآة ، فإنّه إذا كان الملحوظ فيها هي الصورة الظاهرة فيها لا تفرقة هناك ، وإذا لوحظ المرآة ظهرت التفرقة لامتياز الصورة عنها .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالذي لمسمّى « الله » ) من الجمعيّة والكمال ( هو الذي لتلك الصورة ) من الإحاطة الاستوائيّة المستقيمة التي لا ينحرف ميزان استقامته بتميّز أحد المتقابلين ، ورجحان إحدى كفّتيه - من العينيّة والغيريّة .
وملخّص هذا الكلام : أنّ العلوّ الذاتي إمّا أن يكون لمسمّى « الله » خاصّة ، أو لغير مسمّى « الله » خاصّة ، والذي لغير مسمّى الله خاصّة إمّا أن يكون باعتبار كونه غيرا - كما هو موطن إدراك العقل - وذلك موطن التفاضل ، الذي يأباه العلوّ الذاتي والكمال العيني - كما أشار إليه إيماء أوّلا - بل من حيث الجمعيّة الذاتيّة التي هي مشهد الذوق ، وذلك موطن الإحاطة والشمول ، الذي يلزمه العلوّ الذاتي ، فيكون العين والغير.
ولذلك قال رضي الله عنه: ( ولا يقال : « هي هو » ) باعتبار خصوصيّتها الصوريّة ، ( ولا : « هي غيره » ) باعتبار أنّها هي العين الشاملة الكاملة المحيطة بالكل .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد أشار أبو القاسم بن قسي في خلعه - أي في كتابه المسمّى :
بـ « خلع النعلين » - ( إلى هذا بقوله : إنّ كل اسم إلهي يتسمّى بجميع الأسماء الإلهيّة وينعت بها ، وذلك هناك أنّ كلّ اسم يدلّ على الذات وعلى المعنى الذي سيق ) ذلك الاسم من كنه البطون إلى مخارج الظهور ( له ) ، حسبما يسأله مما يظهر به ( ويطلبه ) مما يدلّ عليه .
قال إبراهيم ابن قسي رضي الله عنه : ( فمن حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء ، ومن حيث دلالته على المعنى الذي ينفرد به ، يتميّز عن غيره - كالربّ ، والخالق ، والمصوّر ، إلى غير ذلك - فالاسم ، المسمّى من حيث الذات ، والاسم ، غير المسمّى من حيث ما يختصّ به من المعنى الذي سيق له ) .
العليّ من هو
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإذا فهمت أنّ « العليّ » ما ذكرناه ) من أنّه الذي له الكمال الشامل والجمع الإحاطي ( علمت أنّه ليس علوّ المكان ولا علوّ المكانة ) ، ضرورة أنّهما لا يشملان ذلك الشمول ، بل هو الشامل لهما وأيضا فإنّهما يلحقان العالي لحوق نسبة وإضافة ، ولا يلزمانه لزوم جمعيّة وإحاطة .
ثمّ إنّ علوّ المكانة وإن أطلق على العلوّ بالصفات اللازمة - كالعلم مثلا - ويتصوّر فيه حينئذ الشمول والإحاطة ، ولكن ليس ذلك من حيث علوّ المكانة فقط .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّ علوّ المكانة يختصّ بولاة الأمر ، كالسلطان والحكَّام والوزراء والقضاة وكلّ ذي منصب - سواء كانت فيه أهليّة ذلك المنصب أو لم تكن - والعلوّ بالصفات ليست كذلك ) .
فإنّه يعطي الأهليّة للموصوف ، بل تلك الأهليّة هي المستجلبة لتلك الصفات.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإنّه قد يكون أعلم الناس يتحكَّم فيه من له منصب التحكَّم - وإن كان أجهل الناس - فهذا عليّ بالمكانة بحكم التبع ما هو عليّ في نفسه ، فإذا عزل زالت رفعته والعالم ليس كذلك ) .
فعلم أن العالم هو العليّ في نفسه باعتبار الشمول للمعلومات والإحاطة بكنه الكلّ .
والذي يلوّح عليه أنّ « الياء » مادّة « الميم » وباطنه لفظا ، كما أنّه صورة تماميّته وهيئة جمعيّة سواده عقدا .
على ما روي من محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم: " أنا مدينة العلم وعليّ بابها " .
وجه ارتباط هذا الفص مع الفص الآتي
ثمّ إذ قد فرغ عمّا للمبادئ الأول والصدر الأقدم من الحكم الكاشفة عن الحقائق التنزيهيّة والمعارف التقديسيّة - على ما عليه عموم العقول البشريّة والحقيقة الإنسانيّة - أخذ يشرع فيما عليه أولو النهاية من الحكم الكاشفة عن التنزيه الكمالي ، والتقديس الأتمّ الأكمل - على ما هو مقتضى القابليّة الأولى والطلب الأصلي المتوجّه نحو الكمال الختمي .
وذلك هو الذي يسمّيه أكثر المتأخّرين بـ « العشق » ويلزمه الوله والشوق والتهيّم ، وهو مادّة تعطَّش القوابل للفيض الوجوديّ والكمال الشهوديّ ، فلذلك وصف هذه الحكمة بـ « المهيّميّة » في قوله :
فإنّ الهيمان هو شدّة العطش والوله .
.
التسميات:
Fusus-AlHikam
،
IbnArabi
،
sayin-aldiyn-altaraka
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
اشترك في قناتنا علي اليوتيوب
المشاركات الشائعة
-
شرح النابلسي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
-
السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السابعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
الفصل الثالث في الأعيان الثابتة والتنبيه على المظاهر الأسمائية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي ...
-
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .شرح داود القيصرى متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
-
مقدمة الكتاب ومفاتح خطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي للشيخ عبد الباقي مفتاح
-
السفر الثالث والعشرون فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
مقدمة شرح الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر أبن العربي الحاتمي الطائي
-
الفصل الحادي عشر في عود الروح ومظاهره إليه تعالى عند القيامة الكبرى من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر
-
25- فص حكمة علوية في كلمة موسوية للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
آخر ما نشر على مدونة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم
- 27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص الحكم الشيخ الأكبر للشيخ عبد الباقي مفتاح - 4/20/2020 - عبدالله المسافر بالله
- 27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب - 4/20/2020 - عبدالله المسافر بالله
- 27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د. أبو العلا عفيفي - 4/20/2020 - عبدالله المسافر بالله
- 27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي - 4/20/2020 - عبدالله المسافر بالله
- 27 - فص حكمة فردية في كلمة محمدية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي - 4/20/2020 - عبدالله المسافر بالله
فهرس زمني لمدونة فتوح الكلم فى شرح الحكم
-
▼
2019
(764)
- ► 06/30 - 07/07 (59)
- ► 07/07 - 07/14 (135)
- ► 07/14 - 07/21 (127)
-
▼
07/21 - 07/28
(94)
- مقدمة شرح القاشاني على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ ا...
- شرح القاشاني لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر مح...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .شرح القاشاني كت...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .شرح القاشاني كت...
- 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .شرح القاشاني كت...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .شرح القاشاني ...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح القاشان...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .شرح القاشاني كت...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح القاشاني ...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .شرح القاشاني ك...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .شرح القاشاني كت...
- مقدمة صدر الدين القونوي لكتاب الفكوك في اسرار مستن...
- 01 - فك ختم الفص الادمى .كتاب الفكوك في اسرار مست...
- 02 - فك ختم الفص الشيثي .كتاب الفكوك في اسرار مستن...
- 03 - فك ختم الفص النوحى .كتاب الفكوك في اسرار مستن...
- 04 - فك ختم الفص الادريسى .كتاب الفكوك في اسرار مس...
- 05 - فك ختم الفص الابراهيمى .كتاب الفكوك في اسرار ...
- 06 - فك ختم الفص الإسحاقي .كتاب الفكوك في اسرار مس...
- 07 - فك ختم الفص الإسماعيلي .كتاب الفكوك في اسرار ...
- 08 - فك ختم الفص اليعقوبي .كتاب الفكوك في اسرار مس...
- 09 - فك ختم الفص اليوسفى .كتاب الفكوك في اسرار مس...
- مقدمة الشارح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب...
- الفصل الأول في الوجود وانه هو الحق من مباحث مقدمة ...
- الفصل الثاني في أسمائه وصفاته تعالى من مقدمة كتاب ...
- الفصل الثالث في الأعيان الثابتة والتنبيه على المظا...
- الفصل الرابع في الجوهر والعرض على طريقة أهل الله م...
- الفصل الخامس في بيان العوالم الكلية والحضرات الخمس...
- الفصل السادس فيما يتعلق بالعالم المثالي من مقدمة ك...
- الفصل السابع في مراتب الكشف وأنواعها اجمالا من مقد...
- الفصل الثامن في أن العالم هو صورة الحقيقة الإنساني...
- الفصل التاسع في بيان خلافة الحقيقة المحمدية صلى ال...
- الفصل العاشر في بيان الروح الأعظم ومراتبه وأسمائه ...
- الفصل الحادي عشر في عود الروح ومظاهره إليه تعالى ع...
- الفصل الثاني عشر في النبوة والرسالة والولاية من مق...
- شرح داود القيصرى لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكب...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .شرح داود القيصرى...
- 02 - فص حكمة إلهية في كلمة شيثية .شرح داود القيصرى...
- 03 - ﻓﺺ ﺣﻜﻤﺔ ﺳﺒﻮﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻤﺔ ﻧﻮﺣﻴﺔ .شرح داود القيصر...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .شرح داود القي...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح داود ال...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .شرح داود القيصر...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح داود القي...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .شرح داود القيص...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .شرح داود القيصر...
- مقدمة وخطبة فصوص الحكم .كتاب خصوص النعم فى شرح فصو...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب خصوص النعم ...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب خصوص النعم ...
- 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب خصوص النعم...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.كتاب خصوص النع...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب خصوص ا...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب خصوص النعم...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب خصوص الن...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب خصوص النع...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب خصوص النعم...
- مقدمة الشارح الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة ...
- شرح خطبة الكتاب للشارح الشيخ صائن الدين التركة لكت...
- 01 - فصّ حكمة إلهيّة في كلمة آدميّة .كتاب شرح فصو...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب شرح فصوص ال...
- 03 - فصّ حكمة سبّوحيّة في كلمة نوحيّة .كتاب شرح فص...
- 04 - فصّ حكمة قدّوسيّة في كلمة إدريسيّة .كتاب شرح ...
- 05 - فص حكمة مهيّميّة في كلمة إبراهيميّة .كتاب شرح...
- 06 - فصّ حكمة حقّيّة في كلمة إسحاقيّة .كتاب شرح فص...
- 07 - فصّ حكمة عليّة في كلمة إسماعيليّة .كتاب شرح ...
- 08 - فصّ حكمة روحيّة في كلمة يعقوبيّة .كتاب شرح فص...
- 09 - فصّ حكمة نوريّة في كلمة يوسفيّة .كتاب شرح فصو...
- مقدمة شرح الجامي على متن كتاب فصوص الحكم للشيخ الأ...
- شرح الشيخ عبد الرحمن الجامي لخطبة كتاب فصوص الحكم ...
- 01 . فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .شرح عبد الرحمن ا...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .شرح الجامي كتاب ...
- 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .شرح الجامي كتاب...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .شرح الجامي كت...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح الجامي ...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .شرح الجامي كتاب...
- 07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح الجامي كتا...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .شرح الجامي كتا...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .شرح الجامي كتاب...
- مقدمة الشارح الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي .كتاب نق...
- الفصل الأول "الأحدية والواحدية" .كتاب نقد النصوص ف...
- الفصل "الثاني مرتبة الألوهية والتعين الثاني والأعي...
- الفصل الثالث عن الماهيات .كتاب نقد النصوص فى شرح ن...
- الفصل الرابع الأبدال .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش ا...
- الفصل الخامس ظهور الوجود في عالم الأرواح أتم من ظه...
- الفصل "السادس عند الظهور غلبة الكثرة في أحكامها عل...
- الفصل السابع كان الله ولم يكن معه شيء .كتاب نقد ال...
- الفصل الثامن لا توحيد إلا بفناء الرسوم والآثار كله...
- 01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد ...
- 02 -شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد...
- 03 - شرح نقش فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب ن...
- 04 - شرح نقش فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب ...
- 05 - شرح نقش فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتا...
- 06 - شرح نقش فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب نق...
- 07 - شرح نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب ...
- 08 - شرح نقش فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب ن...
- 09 - شرح نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب نق...
- ► 07/28 - 08/04 (48)
- ► 08/04 - 08/11 (66)
- ► 08/11 - 08/18 (21)
- ► 08/18 - 08/25 (10)
- ► 09/08 - 09/15 (23)
- ► 11/03 - 11/10 (38)
- ► 11/10 - 11/17 (2)
- ► 11/17 - 11/24 (37)
- ► 12/01 - 12/08 (31)
- ► 12/15 - 12/22 (15)
- ► 12/22 - 12/29 (24)
- ► 12/29 - 01/05 (34)
-
►
2020
(347)
- ► 01/12 - 01/19 (32)
- ► 01/19 - 01/26 (27)
- ► 01/26 - 02/02 (24)
- ► 02/09 - 02/16 (71)
- ► 02/16 - 02/23 (35)
- ► 03/01 - 03/08 (20)
- ► 03/08 - 03/15 (14)
- ► 03/15 - 03/22 (41)
- ► 03/22 - 03/29 (10)
- ► 03/29 - 04/05 (21)
- ► 04/12 - 04/19 (39)
- ► 04/19 - 04/26 (13)
تابعونا علي فيس بوك
تغريداتي علي التويتر
التسميات
Abd-al-Ghani-al-Nabulsi
abu-aleila-eafifi
afif-aldin-talmansani
almafatih-alwujudiya-walqurania
alsafar_alkhatum_fusus_alhikam
dawud-bin-mahmud-alqaysary
eabd-alrrazaq-alqashaniu
eabd-alruhmin-aljami
eala'-alddin-ahmad-almuhayimi
Fusus-AlHikam
IbnArabi
IbnArabiو
mahmoud-mahmoud-alghurab
majmae-lbahrayn-fi-sharah-alfasin
muayid-aldiyn-aljundii
mustafaa-baly-zada
naqash
naqash-fusus-alhikam
sadar-aldiyn-alqwnw
sayin-aldiyn-altaraka
the-eighteen-book-of-fusus-alhikam
the-eighth-book-of-fusus-alhikam
the-eleventh-book-of-fusus-alhikam
the-fifteenth-book-of-fusus-alhikam
the-fifth-book-of-fusus-alhikam
the-first-book-of-fusus-alhikam
the-fourteenth-book-of-fusus-alhikam
the-fourth-book-of-fusus-alhikam
the-nineteenth-book-of-fusus-alhikam
the-ninth-book-of-fusus-alhikam
the-second-book-of-fusus-alhikam
the-seventeenth-book-of-fusus-alhikam
the-seventh-book-of-fusus-alhikam
the-sixteen-book-of-fusus-alhikam
the-sixth-book-of-fusus-alhikam
the-tenth-book-of-fusus-alhikam
the-third-book-of-fusus-alhikam
the-thirteenth-book-of-fusus-alhikam
the-twelveth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-fifth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-first-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-fourth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-seventh-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-sixth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-third-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-tow-book-of-fusus-alhikam
No comments:
Post a Comment