Monday, July 22, 2019

مقدمة صدر الدين القونوي لكتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

مقدمة صدر الدين القونوي لكتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

مقدمة صدر الدين القونوي لكتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص ابو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي

1 - الحمد لله الذي أطلع من مشارق غيبه الأخفى شموس أنواره الباهرة ، واخشع لهيبته الأبهى ارواحه النيرة الطاهرة ، واخضع لنفوذ حكمه وانفاذ حكمته المثلى بسطوات قهره النفوس الأبية النافرة .
واجزع من صدمات نقمته الكبرى الفرقة المستكبرة، فانقادت لحكمه صاغرة، واسمع عصابة الإسلام والإيمان والتقى خطابه الكريم وسلك بها صراطه المستقيم .
فابتدرت لأوامره طائعة ولا نعمة شاكرة، وأودع قلوب أرباب مقام الإحسان والصديقية العظمى اسرار الأعمال والشرائع الباقية والغابرة.
وامتع أولي الألباب والنهى بما أطلعهم عليه من لطائف الحكم وغرائب العلوم المودعة في الأرضين الساكنة والأفلاك السائرة ، وتمنع في حجاب عزه الاحمى عن درك البصائر النافذة والاحداق الناظرة ، واطمع الصفوة من احزبه في وصله وقربه الانتهى فآثر به على من سواه ، وطلبته برغبة وافية وافرة .
2- ثم اقطع من تلك الجملة لحضرته الزلفى الأخلص من الجميع والاصفى ، فشرفهم بعد تعرفه إليهم وإشهاده بدوام لقياه وخالص وداده وخصصهم بنيابته فقاموا وسائط بينه وبين عباده .
فانعمرت به سبحانه أوقاتهم وأحوالهم الباطنة والظاهرة ، وأسرع إليهم بالاجابة إلى ملتمسهم وترائى إليهم  في آيات الآفاق وفي أنفسهم فتحققوا بمعرفته وشهوده بقلوب منورة وعيون باصرة .
3 - وصلى الله على الأكمل حظا من هذا الشرف الأسنى والمتعدي بكمال ترقيه مقام قاب قوسين او ادنى الى المورد الاحلى والموقف الاجلى - مشرع الصفات والأسماء الحسنى - سيدنا محمد وآله وعترته والكمل من إخوانه والكاملين من ورثته سادات الدنيا والآخرة .
4 - وبعد : فان كتاب فصوص الحكم من انفس مختصرات تصانيف شيخنا الامام الأكمل ، قدوة الكمل هادى الامة ، امام الائمة محيى الحق والدين ابى عبد الله محمد بن على بن العربي الطائي رضى الله عنه وأرضاه به منه ، وهو من خواتيم منشآته واواخر تنزلاته .
ورد من منبع المقام المحمدي والمشرب الذاتي والجمع الاحدى ، فجاء مشتملا على زبدة ذوق نبينا صلوات الله عليه  في العلم باللَّه ، ومشيرا الى محتد اذواق أكابر الأولياء والأنبياء المذكورين فيه ، ومرشدا كل مستبصر نبيه لخلاصة اذواقهم ونتائج متعلقات هممهم واشواقهم وجوامع محصولاتهم وخواتم كمالاتهم ، فهو كالطابع على ما تضمنه مقام كمال كل منهم ، والمنبه على اصل كل ما انطووا عليه وظهر عنهم .
5 - ولا شك ان الاطلاع على اسرار كتاب هذا شأنه ومنبع علم هذا عنوانه موقوف على التحقق يورث كل من ذاق ذلك كله وفتح به عليه وكوشف له عنه وأرسل به اليه .
6 - ثم انه لما أورد التعريف الإلهي الى هذا الضعيف باختصاصه بسر الاخرية وانه لا وارث لكمال جمعيته من صحبه غير ربه ، تألم لانطواء هذا البساط الذي الالى "= الإلهي الرباني" ، ونقض هذا الفسطاط العلى : فأخبر انه سيبقى لبعض ما يشمل على هذا الجمعية حملة تابعون ، كما قال صلى الله عليه وآله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ينفون  عنه تحريف الغالين وزيغ المبطلين .
7 - فحمد الله وسر بهذه الاخبار وبقي منصبغ الحال بحكم الترجي والانتظار ، فأقام الحق في هذا الوقت طائفة من خلص الاخوان وخاصة الاصحاب والخلان من اهل النفوس الفاضلة ، الذين لم يقفوا عند ما وقف عنده اهل الهمم النازلة ، بل عملوا بموجب ما اختاره سبحانه للصفوة من أحبابه وأشار اليه في محكم كتابه بقوله : " ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " 19 سورة الأحقاف. " ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ " 148 سورة البقرة .
فحملتهم المسابقة بالهمم السنية الى نيل المراتب العلية ، ورأوا ان للمعقول حدا يقف عنده من حيث افكارها التقييدية .
8 - فان في المعلومات ما لا يستقل العقول النظرية بإدراك حقائقها واسرارها لغلبة أحكامها الامكانية ، وان بصائرهم تعشى عن استجلاء أنوارهم المطلقة الربانية ، ورغبوا في حل مشكلات هذا الكتاب واستجلاء غوامض اسراره الكلية وعلومه العلية التي هي غذاء أرواح اولى الألباب ، الذين خلصوا من حبوس قيود مدارك الفكر والحس وخرجوا الى فسيح حضرة القدس ، فأدركوا حقائق الأشياء في مراتبها الكلية بالإدراكات المقدسة المطلقة الالية "الإلهية"، واقترحوا على ان افك ختومه واوضح سرّ محتده واكشف مكتومه وافتح مقفله بما يفصل مجمله .
9 - فأجبتهم الى ذلك علما منى باستحقاقهم وتقربا بإرشادهم الى خلاقهم هذا مع انى لم استشرح من هذا الكتاب على منشئه رضى الله عنه سوى الخطبة - لا غير - لكن من الله على ببركته ان رزقني مشاركته في الاطلاع على ما اطلع عليه والاستشراف على ما اوضح لديه والاخذ عن الله دون واسطة سببية ، بل بمحض عناية الهية ورابطة ذاتية يعصمني فيما أورده من احكام الوسائط وخواص الأسباب والشروط والروابط ، ويجعل ذلك خالصا لوجهه متقربا اليه نافعا لي ولهم هنا ويوم الورود عليه آمين . رب العالمين .
10-  واعلم فتق الله بنور إرشاده فهمك وحقق بموجب علمه الأعلى الذاتي علمك :
ان الفص عبارة عن خاتمة علوم كل مرتبة من المراتب المذكورة في هذا الكتاب وصورة احدية جمعها ، ونسبة احكام كل مرتبة الى المرتبة من وجه نسبة أجزاء العنصر الى المزاج المتحصل منها والهيئة المتعقلة في عرصة العلم من اجتماع احكام المرتبة ، اية مرتبة كانت في المراتب المذكورة ، والى اى اسم من الأسماء الإلهية استندت ، هي كالنشأة الإنسانية المسواة .
11 - والفص الذي هو خاتمة علومها والحائز باحدية جمعية أحكامها الكلية كالروح المنفوخ في تلك النشأة المسواة .
12 -  ونقش كل فص الكلام المعرب عن معنوية ذلك الفص و معقوليته وما يشمل عليه تلك المعنوية من حيث كليتها من الأمور التفصيلية والمسائل العلمية .
13- والحكمة عبارة عن ضوابط تلك المسائل العلمية والأحكام الكلية بطريق الحصر لها مع التنبيه على أصل محتدها ومستندها من مطلق علم الحق والتعريف لذاته سبحانه من حيث تعينه في تلك المرتبة ، ومن ظهر بها وفيها ظهورا معربا عن المراد الإلهي الذي هو متعلق الإرادة الذاتية الاولى ، وسر ذلك المتعين  وما هو المراد بعينه .
14 - والمراد بالتبعية والكلمة عين ذلك النبي المذكور من حيث خصوصيته وحظه المتعين له ولامته من حكم الحق الذي هو شريعته التي من حيثها يسمى نبيا .
15 - وأما من حيث معرفته بالحق ومن حيث علم الحق به وبلوازمه والموقت والمتناهي من كل ذلك وغير الموقت وغير المتناهي ، فذلك جهة ولايته ، ولكل كلمة كمال نسبى يخصها .
16-  وللأول والآخر الكمال الحقيقي ، ولمن بينهما من الكمال بمقدار ما يشهد له الخاتم بالفص المترجم عن شأنه وشأن غيره ، ولهذا الخاتم  المترجم من كونه مترجما عن كل شيء بكل شيء وباحدية جمعه الإحاطة بجميع ذلك - كالعلم الذاتي الإلهي - لأنه صورة التعين الأول العلمي الذاتي الجامع للتعينات كلها ، الذي من حيث هو يتعقل اطلاق الحق السابق كل تعيين ، والذي من جهته يتعقل مبدئيته  ووجوب وجوده ووحدته وفياضيته وإيجاده ما أوجده بموجب تعلق علمه بنفسه وبكل معلوم على ما هو المعلوم عليه في نفسه ، وإظهاره إياه بموجب حكم علمه فيه .
17-  ولكل يسمى بالكلمة حصة من الحقيقة الإنسانية الكمالية ، وللجامعيين للحصص ثلاث مراتب كلية ، وإن كانت الحقيقة تحتوى على أكثر من ذلك ، فجامع الغالب على جمعية أحكام ظاهر الانسانية الحقيقية وجامع الغالب على جمعية أحكام باطنها والجامع الثالث له الجمع بين الظهور والبطون في درجة اعتدالهما .
18- واما الاحكام المشار إليها :
فاحكام الوجوب والإمكان ، فللواحد من الجامعين الظهور بالأحكام الوجوبية في مرتبة الإمكان بحسب الإمكان وهو الغالب على شئونه حكم نسبة الظهور بصورة الإنسانية ،
والاخر الظهور بالاحكام الإمكان في حضرة الوجوب بحسب الوجوب ،
والآخر في مقام البرزخى الأعلى النقطة الوسطية التي بها يتعين الطرفان .
وثمة من لا رتبة له على التعين يشار إليها ، كالذات من حيث إطلاقها منه وبه يتعين الطرفان والمتوسط الجامع بينهما .
ولا يتقيد بمرتبة ولا نسبة ولا اسم ولا وصف ، ولا ينتفي أيضا عنه شيء من ذلك وفيه يستهلك المراتب وأربابها ، كما به تظهر .

.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment