Saturday, July 27, 2019

01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

01. شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن الأسماء الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم.
فأوجد الله العالم جسداً مسوى . وجعل روحه آدم عليه السلام .
وأعني بآدم وجود العالم الإنساني وعلمه بالأسماء كلها .
فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى . وكذلك الأسماء للإنسان الكامل بمنزلة القوى .
لهذا يقال في العالم : " إنه الإنسان الكبير " . ولكن بوجود الإنسان فيه .
وكان الإنسان مختصراً من الحضرة الإلهية .
ولذلك خصه بالصورة فقال : " إن الله خلق آدم على صورته " وفي رواية : " على صورة الرحمن " .
وجعل الله العين المقصودة من العالم كالنفس الناطقة من الشخص الإنساني .
ولهذا تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله .
فهو عبد الله ورب بالنسبة للعالم . ولذلك جعله خليفة وابناءه خلفاء .
ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة .
وما أحكم أحد من العالم مقام العبودية في نفسها إلا الإنسان .
فعبد الحجارة والجمادات التي هي أنزل الموجودات .
فلا أعز من الإنسان بربوبيته . ولا أذل منه بعبوديته .
فإن فهمت فقد أبنت لك عن المقصود بالإنسان فانظر إلى عزته بالأسماء الحسنى وطلبها إياه تعرف عزته . 
ومن ظهوره بها تعرف ذلته .فافهم .
ومن هنا تعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم .)

01 - شرح نقش فص حكمة إلهية في كلمة آدمية


"فص الشيء" خلاصته وزبدته.
و"فض الخاتم" ما بنزین به الخاتم ويكتب عليه اسم صاحبه.
وقال ابن السكيت، «كل ملتقى عظمين، فهو فص».
و«الحكمة» هي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه وبالأقوال والأفعال الإرادية على وجه يقتضي سدادها.
و"الإلهية" اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء والصفات كلها.
فإن الفص كما أنه قد انطوى على قوسي حلقة الخاتم واشتمل على أحدية جمعهما، وكما أنه يختم بما ينطبع فيه من الصور ويعرب عن كليتها.
وكما أنه تابع لقالبه من الخاتم في التربيع والتثليث والتدوير وغيرها ومستتبع لما يرد عليه.
كذلك قلب الإنسان الكامل له الانطواء على قوسي الوجوب والإمكان والانطباق على أحدية جمعهما؛ وله أن يعرب عما فيه من صور الحقائق وينبئ عن أحدية جمعها.
وكذلك له صورة تابعة المزاج الشخص، كما أن له أن يستتبع تجلي الحق ويصوره بصورته ، على ما نص عليه الشيخ رضي الله عنه في القص الشعيبي من فصوص الحكم.
وقوله : «فص حكمة إلهية» بناء على أن أحدية جمع الأشياء زبدتها وخلاصتها ؛ أو على أن الفص - الذي هو ملتقى قوسي حلقة الخاتم أو ملتقى كل عظمين - بمنزلة أحدية جمعهما.
فالحاصل أن خلاصة العلوم والمعارف المتعلقة بمرتبة الألوهية، أو المحل القابل لها، أو أحدية جمعها، متحققة في كلمة آدمية.
والمراد بـ "الكلمة" في كل موضع من هذا الكتاب عين النبي المذكور فيه من حيث خصوصيته وحظه المتعين له ولأمته من الحق سبحانه.
وهي في عرف التحقيق عبارة عن هيئة اجتماعية حرفية من حروف النفس الرحماني.
قال رضي الله عنه : (اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنى تطلب بذواتها وجود العالم. فأوجد الله العالم جسدا مسوي وجعل روحه آدم ؛ وأعني ب «آدم» وجود العالم الإنساني .)
وفي كلام بعضهم : إن الحقائق العلمية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، سمی "حروفا غيبية"، ومع أحوالها، «كلمات غيبية» ؛ والحقائق الوجودية إن كانت معتبرة لا بأحوالها، تسمى «حروف وجودية » ، ومع أحوالها، «كلمات وجودية».
(اعلم أن الأسماء الإلهية الحسنی)، التي كلياتها تسع وتسعون أو ألف وواحد؛ وأما جزئياتها، فغير محصورة، لأن الأسماء هي التعيينات الإلهية في حقائق الممكنات وهي غير متناهية لعدم تناهي الممكنات.
(تطلب) وتقتضي تلك الأسماء (بذواتها وجود العالم) روحا ومثالا وحا، ليكون مرائي لأنوارها المكنونة و مجالي لأسرارها المخزونة التي باعتبارها قال سبحانه ، كنت كنزا مخفيا» الحديث .
وإنما أسند ذلك الطلب والاقتضاء إلى الأسماء .
التي هي الذات مقيدة بالصفات - لا إلى الذات نفسها، لأن الذات من حيث إطلاقها لا يضاف إليها حكم، ولا تتعين بوصف ولا رسم.
ليس نسبة الاقتضاء إليها أولى من نسبة الاقتضاء، لأن كل ذلك يقضي بالتعين والتقيد ؛ ولا شك أن تعقل كل تعين يقضي بسبق اللاتعين عليه.
ثم اعلم أن ثبوت الكمال للحق سبحانه من وجهين: أحدهما كماله من حيث الذات . وهو عبارة عن ثبوت وجودها منها، لا من غيرها ، فهي غنية في وجودها وبقائها ودوامها عما سواها.
والكمال الثاني هو كمال تفصيلي للحق سبحانه من حيث أسماؤها الحسنى.
وذلك إنما يكون بظهور آثار النسب المرتبية والحقائق الأسمائية ونفوذ أحكامها في عوالمها ومظاهرها.
وكان الحق الواجب الوجود في كماله الذاتي وغناه الأحدي يرى ذاته في ذاته رؤية ذاتية غير زائدة على ذاته ولا متميزة عنها.
ويرى أسماءه وصفاته أيضا نسبة ذاتية لها وشؤونا غيبية مستهلكة الأحكام تحت قهر الأحدية غير ظاهرة الآثار ولا متميزة الأعيان بعضها عن بعض.
لكنه شاء أن يظهرها من حيث كماله الأسمائي ويراها في مظاهرها متميزة الأعيان والآثار.
(فأوجد) من حيث الاسم («الله» العالم)، وبسط نوره الوجودي على الممكنات المعلومة في الخلاء المتوهم، فصار مظهرة تفصيليا لحقائق الأسماء ومجلى فرقانيا لصفات الاعتلاء.
لكنه كان بدون وجود آدم (جسدا مسوي) ومزاج معدلا، لا روح فيه.
وبيان ذلك أن المقصود الأصلي والعلة الغائية من إيجاد العالم أن يحصل كمال الجلاء والاستجلاء.
اللذين هما عبارة عن ظهور ذاته سبحانه ورؤيته إياها في كل شأن سبق في علمه الذاتي ظهوره فيه متعينا بحسبه، متنوعة بموجب حكمه.
ويظهر كل فرد من أفراد مجموع الأمر كله بصورة الجميع ووصفه وحكمه بحيث يضاهي كل شأن من الشؤون الشأن الكلي الذي هو مفتاح مفاتيح الغيب، أعني التعين الأول.
فإذا لم يحصل الكمال المذكور على النحو المطلوب في العالم، لم يكن له سر و روح.
ولا شك أن ذلك لا يحصل إلا في المظهر الأحدي الجمعي الكمالي الإنساني .
فالعالم من غير وجود الإنسان فيه كان كمزاج معدل وجسد مسوى، لا روح فيه.
ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى جسدا ولا عدل مزاجأ إلا وكمله بنفخ الروح فيه.
فانبعث انبعاثا إراديا إلى تكمیل جسد العالم، (وجعل روحه)، أي روح العالم وسره المطلوب منه، (آدم).
وحيث لم يكن هذا الحكم مختصا بآدم أبي البشر عليه السلام؛ بل يشاركه فيه أولاده الكاملون، عمم الحكم وقال، (وأعني بـ «آدم» وجود العالم الإنساني)، أي الحقيقة النوعية الإنسانية الكمالية الموجودة في ضمن أي فرد كان من أفرادها.
قال رضي الله عنه :  (وعلمه الأسماء كلها، فإن الروح هو مدبر البدن بما فيه من القوى، وكذلك الأسماء)
(وعلمه)، أي علم الله سبحانه آدم، يعني الإنسان الكامل، (الأسماء كلها)، علم ذوق ووجدان بأن جعله جامعة لجميع الأسماء الإلهية الفعلية الوجوبية و مشتملا على جميع الصفات والنسب الربوبية، فهو واجب الوجود بربه، عرش الله بقلبه، حي، عالم، قدير ، متكلم، سميع ، بصير ؛ وهكذا جميع الأسماء .
وقال بعضهم في قوله تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" [البقرة: 31].
"أي ركب في فطرته من كل اسم من أسمائه لطيفة، وهيأه بتلك اللطائف للتحقق بكل الأسماء الجمالية والجلالية". وعبر عنهما بـ "یدیه" .
فقال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [سورة ص: 75].
وكل ما سواه "آدم" مخلوق بيد واحدة.
لأنه إما مظهر صفة الجمال، كملائكة الرحمة.
أو الجلال، كملائكة العذاب والشيطان .
أعلم أنك لا تعرف الغائب إلا بالشاهد.
ومعناه أنه كلما سألت عن كيفيته ، فلا سبيل إلى تفهیمك إلا أن يقرر لك مثال من مشاهدتك الظاهرة أو الباطنة في نفسك بالعقل.
فإذا قلت : "كيف يكون الأول عالما بنفسه؟"
فجوابك الشافي أن يقال :" كما تعلم أنت نفسك". فتفهم الجواب.
وإذا قلت: "كيف يعلم الأول غيره؟"
فيقال : "كما تعلم أنت غيرك". فتفهم.
وإذا قلت: "كيف يعلم بعلم واحد بسيط سائر المعلومات؟".
فيقال : "كما تعرف جواب مسألة دفعة واحدة من غير تفصيل، ثم تشتغل بالتفاصيل"
وإذا قلت: «كيف يكون علمه بالشيء مبدأ وجود ذلك الشيء؟»
فيقال : "كما يكون توهمك للسقوط على الجذع عند المشي عليه مبدأ السقوط ".
قال رضي الله عنه : (للإنسان الكامل بمنزلة القوي، ولهذا يقال في العالم، إنه الإنسان الكبير، ولكن)
وإذا قلت : كيف يعلم الممكنات كلها؟
فيقال : «یعلمها بالعلم بأسبابها، كما تعلم حرارة الهواء في الصيف القابل بمعرفتك تحقيقا أسباب الحرارة».
وإذا قلت: «كيف يكون ابتهاجه بكماله وبهائه؟»
فيقال : كما يكون ابتهاجك إذا كان لك كمال تتميز به عن الخلق، واستشعرت بذلك الكمال» .
والمقصود أنك لا تقدر أن تفهم شيئا عن الله تعالى إلا بالمقايسة إلى شيء في نفسك. نعم، تدرك في نفسك أشياء تتفاوت في النقصان والكمال، فتعلم مع هذا أن ما فهمته في حق الأول سبحانه أعلى وأشرف مما فهمته في حق نفسك ؛ فيكون ذلك إيمان بالغيب مجملا.
وإلا، فتلك الزيادة التي توهمتها لا تعرف حقيقتها، لأن مثل تلك الزيادة لا يوجد في حقك
فإذن إن كان الأول سبحانه أمر ليس له نظير فيك، فلا سبيل لك إلى فهمه ، البتة. وذلك هو ذاته ، فإنه وجود بلا ماهية، هو منبع كل وجود.
فإذا قلت: «كیف يكون وجود بلا ماهية؟ »
فلا يمكن أن يضرب لك مثل من نفسك؛ فلا يمكنك إذن أن تفهم حقيقة الوجود بلا ماهية وحقيقة.
وإن الاول سبحانه وخاصته هو أنه وجود بلا ماهية زائدة على الوجود، لأن إنيته وماهيته وأحدة.
وهذا لا نظير له فيما سواه؛ فإن ما سواه جوهر أو عرض، وهو ليس بجوهر ولا عرض , وهذا أيضا لا يتحققه الملائكة : فإنهم أيضا جواهر وجودها غير ماهيتها، وإنما وجود بلا ماهية ليس إلا الله تعالى.
فإذن لا يعرف الله إلا الله.
وإنما علم الله سبحانه الإنسان الكامل أسماء الحسنى وأودعها فيه، فإن الإنسان الكامل روح العالم، والعالم جسده . كما سبق.
(وإن الروح هو مدبر البدن) والمتصرف فيه (بما) يكون فيه من القوى الروحانية والجسمانية.
(وكذلك)، أي مثل ذلك المذكور من القوى، (الأسماء الإلهية للإنسان الكامل)؛ يعنى، إنها له بمنزلة تلك القوى الروحانية والجسمانية .
فكما أن الروح بدتر البدن ويتصرف فيه بالقوي، كذلك الإنسان الكامل يدبر أمر العالم ويتصرف فيه بواسطة الأسماء الإلهية .
اعلم أن كل حقيقة حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل، ونشأته برزخ من حيث أحدية جمعها بين حقيقة ما من حقائق بحر الوجوب وبين حقيقة مظهرية لها من حقائق بحر الإمكان هي عرشها.
وتلك الحقيقة الوجوبية مستوية عليها، فلما ورد التجلي الكمالي الجمعي على المظهر الكمالي الإنساني، تلقاه بحقيقته الأحدية الجمعية الكمالية.
وسری سر هذا التجلي في كل حقيقة من حقائق ذات الإنسان الكامل. ثم فاض نور التجلي منها على ما يناسبها من العالم.
فما وصلت الآلاء والنعماء الواردة بالتجلي الرحماني على حقائق العالم إلا بعد تعينه في الإنسان الكامل بمزيد صبغة لم تكن في التجلي قبل تعيينه في مظهرية الإنسان الكامل.
فحقائق العوالم وأعيانها رعايا له، وهو خليفة عليها، وعلى الخليفة رعاية رعاياه على الوجه الأنسب الأليق ؛ وفيه يتفاضل الخلائف بعضهم على بعض.
لهذا قال تعالى : "إنا عرضنا الأمانة" [الأحزاب: ۷۲]، أي مظهرية هذه الجمعية وكمال الظهور، "على السماوات" أي ما علا من العالم، "والأرض" أي ما أسفل منه ، "والجبال" أي ما بينهما، "فأبين أن يحملنها" ، لعوز في كمال القابلية بغلبة حكم القيد والجزئية عليها، "وحملها الإنسان " [الأحزاب: ۷۲]، أي بهذه الصورة العنصرية لكمال القابلية .
(ولهذا)، أي لكون العالم بمنزلة الجسد وكون الإنسان الكامل بمثابة روحه، يقال في (حق العالم، «إنه الإنسان الكبير»).
فإنه كما أن الإنسان عبارة عن جسد وروح يدبره، كذلك العالم عبارة عنهما مع أنه أكبر منه صورة.
قال رضي الله عنه : (بوجود الإنسان فيه.  وكان الإنسان مختصرا من الحضرة الإلهية، ولذلك خصه)
(ولكن) هذا القول إنما يصح ويصدق (بوجود الإنسان) الكامل (فيه)، أي في العالم، فإنه لو لم يكن موجودة فيه، كان كجسد ملقى، لا روح فيه.
ولا شك أن إطلاق "الإنسان" على الجسد الذي لا روح فيه لا يصح إلا مجازا.
وكما يقال للعالم: «الإنسان الكبير»، كذلك يقال للإنسان: "العالم الصغير" .
وكل من هذين القولين إنما يصح بحسب الصورة.
وأما بحسب المرتبة ، فالعالم هو الإنسان الصغير، والإنسان هو العالم الكبير ..
قال أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه :
"دواؤك فيك وما تشعر        …… و داؤك منك و ما  تبصر
وتزعم أنك جرم صغير        …… وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي       …… بأحرفه يظهر المضمر"
وكان الإنسان الكامل كتابا (مختصرا) منتخبا (من) أم الكتاب، التي هي عبارة عن (الحضرة) الأحدية الجمعية (الإلهية)، مشتملا على حقائقها الأسمائية الفعلية الوجوبية ومنطوية على رقائق نسب صفاتها الربوبية بحيث لا يشذ عنه شيء منها سوى الوجوب الذاتي.
فإنه لا قدم فيه للممكن الحادث، وإلا لزم قلب الحقائق.
(ولذلك)، أي لكون الإنسان مختصرة من الحضرة الإلهية ، مشتملا على ما فيها من حقائق الصفات والأسماء اشتمالا أحديا جمعيا.
(خصه)، أي الله سبحانه الإنسان، (بالصورة الإلهية)، أي جعل الصورة مختصة به - بحسب الذكر .
وإن كان العالم أيضا على الصورة ؛ لأن كل ما إلى الوحدة أقرب، فإضافته إلى الحق أولى؛ وصورة الإنسان صورته الأحدية الجمعية، وصورة العالم صورته التفصيلية.
قال رضي الله عنه : (بالصورة، فقال: «إن الله خلق آدم على صورته»، وفي رواية : على صورة الرحمن».  وجعله الله العين المقصودة من العالم، كالنفس الناطقة من الشخص).
(فقال) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم»)، أي قدره أولا في العلم و أوجده ثانية في العين، («على صورته») الألوهية الكاملة وصفته الربوبية الشاملة .
وحيث احتمل أن يعود الضمير في صورته» إلى آدم، كما ذهب إليه بعض، أردفه بقوله، (وفي رواية أخرى)، («على صورة الرحمن")، تفيا لذلك الاحتمال، ليكون نصا في مقصوده
وفي رواية معاني الأخبار للشيخ أبي بكر بن إسحاق رحمه الله : «لا تقبحوا الوجوه، فإن ابن آدم على صورة الرحمن».
وفي الصحيح: إنه صلى الله عليه وسلم قال في وصيته بعض أصحابه في الغزو : «إذا ذبحت، فأحسن الذبحة؛ وإذا قتلت ، فأحسن القتلة واجتنب الوجه ، فإن الله خلق آدم على صورته ».
قيل : «الصورة» هي الهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام.
فمعنى الصورة "الصفة"، يعني،" خلق آدم على صفة الله عز وجل"، أي حيا، عالما، مريدا، قادرا سميعا، بصيرا، متكلما.
ولما كان الحقيقة تظهر في الخارج بالصورة، أطلق «الصورة» على الأسماء والصفات مجازا، لأن الحق سبحانه بها يظهر في الخارج.
هذا باعتبار أهل الظاهر
وأما عند المحققين، في «الصورة» عبارة عما لا تعقل الحقائق المجردة الغيبية ولا تظهر إلا بها.
و"الصورة الإلهية" هو الوجود المتعين بسائر التعينات التي بها يكون مصدرا لجميع الأفعال الكمالية والآثار الفعلية .
(وجعله)، أي جعل الله الإنسان الكامل، (العين المقصودة) والغاية المطلوبة (من) إيجاد (العالم) وإبقائه، (كالنفس الناطقة)، التي هي المقصود (من) تسوية جسد
(الشخص الإنساني) وتعديل مزاجه الطبيعي الجسماني.
الحقيقة السارية في الكل تدرك ذاتها بذاتها وما عدا ذاتها من لوازم ذاتها علما عينية إجمالية في الإنسان الكامل والكون الجامع المتضمن لسائر المظاهر المشتمل على جملة المراتب .
ثم إنها تدرك الأمرين جميعا فيه ببعض التعينات والأسماء الإلهية إدراكا عقليا تفصيلية على حسب ما فيه من القوابل.
وتدركهما أيضا ببعض تعيينات وأسماء أخر إدراكا وهميا وخياليا على حسب ما فيه من قوابل آخر.
وتدرك أيضا ببعض تعينات وأسماء أخر إدراكات حسية على حسب ما فيه من القوابل التي تتعلق بها تلك التعيينات.
فهي إنما تدرك الكل بالكل بحسب ما فيه من الكل إدراكا تاما كاملا لا مزيد عليه أصلا.
قال رضي الله عنه: (الإنساني. ولهذا تخرب الدنيا بزواله، وينتقل العمارة إلى الآخرة من أجله.)
(ولهذا)، أي لأن المقصود من إيجاد العالم وإبقائه الإنسان الكامل، كما أن المطلوب من تسوية الجسد النفس الناطقة.
(يخرب) الدار (الدنيا بزواله)، أي بزوال الإنسان الكامل وانتقاله عنها.
كما أن الجسد يبلى ويفنى بمفارقة النفس الناطقة عنه فإنه تعالى لا يتجلى على العالم الدنيوي إلا بواسطته .
فعند انقطاعه ينقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده وكمالاته، فينتقل الدنيا عند انتقاله، ويخرج ما كان فيها من المعاني والكمالات إلى الآخرة.
قال رضي الله عنه في كتابه المسمى به "القسم الإلهي بالاسم الرباني": «ألا ترى أن الدنيا باقية ما دام هذا الإنسان فيها، والكائنات تتكون، والمسخرات تتسخر؟
فإذا انتقل إلى الدار الأخرى، مارت هذه السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، ودكت الأرض دكا، وانتثرت الكواكب، وكورت الشمس إلى غير ذلك.
وفي كتاب "الفكوك فى أسرار مستندات حكم الفصوص"  : «الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرآة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه وبين صفات الحدثان، وهو الواسطة بين الحق والخلق.
وبه ومن مرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي هو سبب بقاء ما سوى الحق إلى العالم كله، علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي لا تغاير الطرفين، لم يقبل شيء من العالم المدة الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط، ولم يصل إليه ، فكان يفنى، وإنه عمد السماوات والأرض.
ولهذا السر برحلته من مركز الأرض - التي هي صورة حضرة الجمع وأحديته ومنزل خلافة الإلهية - إلى الكرسي الكريم والعرش المجيد المحيطين بالسموات والأرض، ينخرم نظامها.
فبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
ولهذا نبه أيضا عليه السلام على ما ذكرنا بقوله: «لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: «الله الله » » .
وأكده بالتكرير، يريد، وفي الأرض من يقول: «الله» ، قوة حقيقيا»، إذ لو أراد من يقول كلمة : «الله»، لم يؤد بالتكرار .
ولا شك أنه لا يذكر الله ذكرة حقيقية - وخصوصا بهذا الاسم الجامع الأعظم المنعوت بجميع الأسماء - إلا الذي يعرف الحق المعرفة التامة.
وأتم الخلق معرفة بالله في كل عصر خليفة الله ، وهو كامل ذلك العصر .
فكأنه يقول صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل».
وهو المشار إليه بأنه العمد المعنوي الماسك ؛ وإن شئت، فقل : «الممسوك لأجله». فإذا انتقل، انشقت السماء، وكورت الشمس، وانكدرت النجوم وانتثرت، وسيرت الجبال ، وزلزلت الأرض، وجاءت القيامة .
ولولا ثبوته من حيث مظهريته في الجنة التي محلها الكرسي والعرش المجيد، لكان الحال فيهما كالحال في الأرض والسموات.
وإنما قید ثبوته بقولي: «من حيث مظهريته»، من أجل ما أطلعني الله عليه من أن الجنة لا تسع إنسانا كاملا؛ وإنما يكون منه في الجنة ما يناسب الجئة، وفي كل عالم ما يناسب ذلك العالم وما يستدعيه ذلك العالم من الحق من حيث ما في ذلك العالم من الإنسان.
بل أقول: «ولو خلت جهنم منه، لم تبق ؛ وبه امتلأت».
و إليه الإشارة بـ «قدم الجبار» المذكور في الحديث عند قوله عليه السلام:
«إن جهنم لا تزال تقول: «هل من مزيد؟».
حتى يضع الجبار فيها قدمه ؛ فإذا وضع الجبار فيها قدمه، ينزوي بعضها إلى بعض.
وتقول: «قط قط»، أي «حسبي «حسبي» » .
وأخبر من جانب الحق أن القدم الموضوع في جهنم هو الباقي في هذا العالم من صور الكمل مما لا يصحبهم في النشأة الجنانية.
وكني عن ذلك الباقي ب "القدم" المناسبة شريفة لطيفة : فإن القدم من الإنسان آخر أعضاء صورته ؛ فكذلك نفس صورته العنصرية آخر أعضاء مطلق الصورة الإنسانية، لأن صور العالم بأجمعها كالأعضاء المطلق صورة الحقيقة الإنسانية .
وهذه النشأة آخر صورة ظهرت بها الحقيقة الإنسانية ، وبها قامت الصور كلها التي قلت"إنها كالأعضاء". التجليات الإلهية لأهل الآخرة إنما هي بواسطة الكامل، كما في الدنيا.
والمعاني المفضلة لأهلها متفرعة من مرتبته ومقام جمعه أبدا، كما تفرع منه أزلا.
وما للكامل من الكمالات في الآخرة لا يقاس على ما له من الكمالات في الدنيا، إذ لا قياس النعم الآخرة على نعم الدنيا.
وقد جاء في الخبر الصحيح: «إن الرحمة مائة جزء، جزء منها لأهل الدنيا، وتسعة وتسعون لأهل الآخرة".
واعلم أن دار الوجود واحدة، وانقسامها إلى الدنيا والأخرى بالنسبة إليك، لأنهما صفتان للنشأة الإنسانية، فأدني نشأتها الوجودية العينية النشأة العنصرية.
فهي الدنيا، لـ "دناءتها" بالنسبة إلى نشأتها النورية الإلهية ، أول "دنوها" عن فهم الإنسان الحيوان.
ولما كانت النشأة الإنسانية الكلية في الدنيا نشأتين، نشأة تفصيلية فرقانية ونشأة أحذية جمعية قرآنية ؛ وهذه النشأة الدنيوية كثيفة، وصورتها مقيدة سخيفة من مادة جامعة بين النور والظلمة.
والنفس الناطقة المتعلقة بها من بعض قواها القوة العملية ، وهي ذاتية لها وبها ؛ يعمل الله سبحانه لأجلها في كل نشأة وموطن صورة هيكلية تنزل معانيها فيها ويظهر قواها وخصائصها وحقائقها بها.
وكانت هذه النشأة الجامعة بين النور والظلمة لا تقتضي الدوام؛ بل لا بد لها من الانخرام والانصرام لكونها حاصلة من عناصر مختلفة متباينة متضادة تقتضي بحقائقها الانفكاك، وكون قوى مزاجها العنصري غير وافية بجميع ما في النفس من الحقائق والدقائق .
فإن في النفس ما لا يظهر بهذه النشأة العنصرية، مثل ما يظهر بنشأتها الروحانية النورانية ؛ وقد حصل لها بحمد الله سبحانه في مدة عمرها التي كانت تعمر أرض جسدها من الأخلاق الفاضلة والملكات الكاملة والعلوم والأعمال الصالحة الحاصلة كمال فعلي، لما صار بها جميع ما كان بالقوة بالفعل.
فينشئ الله سبحانه للنفس بالقوة العملية - إذا خرجت عن الدنيا - صورة أخروية روحانية ملائمة لها في جميع أفاعيلها وخصائصها من مادة روحانية حاصلة لها من تلك الأخلاق والملكات والعلوم والأعمال ؛ فتظهر بحقائقها وخصائصها وآثارها في تلك الصورة ظهورة يقتضي الدوام إلى الأبد، لأن مادتها روحانية وحدانية نورية.
فاقتضت تلك النشأة الروحانية الدوام والبقاء لرسوخ حقائقها وأصولها الروحانية في جوهر الروح ودوام التجلي النفسي الإلهي فيها.
فإذا انتقل الأمر إلى الآخرة ، فهو الأول بالقصد والآخر بالإيجاد والظاهر بالصورة والباطن بالسورة، أي المنزلة. فهو عبد الله رب بالنسبة إلى العالم، ولذلك جعله خليفة وأبناءه خلفاء .
وظهرت النفوس والأرواح الإنسانية في صورها الروحانية البرزخية والمثالية أو الحشرية، وغلبت الروحية على الصور، والنورية على الظلمة، واختزن الحق الأسرار والأنوار والحقائق في تلك الصور الأخروية، كان الإنسان بأحدية جمعه ختمة على تلك النشأة الأخروية، حافظة لها إلى الأبد. فافهم.
الممكنات كلها شؤون الحق في غيب ذاته وأسمائه .
ووقع اسم الغير عليها بواسطة التعين والاحتياج إلى من يوجدها في العين، وبعد الاتصاف بالوجود العيني صار واجبة بالغير لا يتعدم أبدا ؛ بل يتغير ويتبدل بحسب عوالمه وطريان الصور عليه.
(فهو)، أي الإنسان الكامل هو، (الأول بالقصد) والإرادة، لما جعله الله سبحانه العين المقصودة والعلة الغائية من إيجاد العالم؛ ومن شأن العلة الغائية التقدم في العلم والإرادة ، كما أن من شأنه أيضا التأخر في الوجود، كما أشار إليه بقوله.
(والآخر)، أي ذلك الإنسان هو المتأخر عما عداه ، (بالإيجاد) في سلسلة الموجودات، فإن أول ما أوجد بالوجود العيني هو القلم الأعلى، ثم اللوح المحفوظ، ثم العرش العظيم ، ثم الكرسي الكريم، ثم العناصر، ثم السماوات السبع، ثم المولدات ، ثم الإنسان : فإنه منتهي تلك الآثار ومجتمعها.
(و) هو (الظاهر) المحسوس (بالصورة) الجسمية العنصرية.
(و)هو (الباطن) الغير المحسوس أيضا، لكن (بالسورة)، (أي المنزلة) والشرف، فإنها باعتبار روحانيته . أو نقول، هو الظاهر في عرصة الوجود العيني بالصورة الأحدية الجمعية من جسم وروح وعقل وقوى وغيرها مما يصدق عليه إطلاق «الخلقية»، وهو أيضا الباطن، لكن بمرتبته التي هي الخلافة، فإن المراتب لا تزال أمورة معقولة لا وجود لها إلا بالمتعينات المترتبة فيها وجودة تتميز به عن المتعين بها وفيها.
كالسلطنة مثلا: فإن العقل يميز بينها وبين صاحبها - أعني السلطان - ولا يظهر لها في الخارج صورة زائدة على صورة صاحبها، لكن يشهد أثرها ممن ظهر بها ما دام له الظهور بها. ومتى انتهى حكمها، لم يظهر عنه أثژها، وبقي كسائر من ليست له تلك المرتبة .
(فهو) من حيث صورته الجسمية العنصرية، أو صورته الأحدية الجمعية المذكورة آنفا، (عبد) مخلوق مربوب (لله) سبحانه وتعالى ؛ (و) من حيث معناه وروحه أو مرتبته (رب) يتحقق ربوبيته (بالنسبة) والإضافة إلى أفراد العالم كله، غيبه وشهادته، روحانية وجسمانية .
(ولهذا ما ادعى أحد من العالم الربوبية إلا الإنسان لما فيه من القوة ؛ وما أحكم أحد)
قال الشيخ "ابن العربي" رضي الله عنه في إنشاء الدوائر:
الإنسان نسختان : نسخة ظاهرة ونسخة باطنة.
فنسخته الظاهرة مضاهية للعالم بأسره، ونسخته الباطنة مضاهية للحضرة الإلهية .
فالإنسان هو الكلي على الإطلاق والحقيقة . إذ هو القابل لجميع الموجودات، قديمها وحديثها.
وما سواه من الموجودات لا يقبل ذلك.
فإن كل جزء من أجزاء العالم لا يقبل الألوهية، والإله لا يقبل العبودية ، بل العالم كله عبد، والحق سبحانه وحده إله واحد صمد لا يجوز عليه الاتصاف بما يناقض الأوصاف الإلهية، كما لا يجوز على العالم الاتصاف بما يناقض الأوصاف الحادثة العبودية .
فالإنسان ذو نسبتين كاملتين :
نسية يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ، ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية .
فيقال فيه : «عبد»، من حيث أنه مكلف ولم يكن، ثم كان، كالعالم.
ويقال فيه: «رب»، من حيث أنه خليفة ومن حيث الصورة ومن حيث "أحسن تقويم".
قال الشيخ "ابن العربي" في «عنقاء مغرب» :
حقيقة  الحق لا  تحد ……      و باطن الرب لا يحد
فباطن لا يكاد يخفى         …… وظاهر لا يكاد يبدو
فإن  يكن باطنا فرب         …… و إن  يكن ظاهرا فعبد
(ولذلك)، أي لكون آدم له جهة ربوبية بها يناسب الحق سبحانه وجه عبودية بها يناسب الخلق، (جعله) الله سبحانه (خليفة) في خليقته، ليأخذ بجهة الربوبية ونشأته الروحانية عن الله سبحانه ما يطلبه الرعايا، ويبلغه بجهة العبودية ونشأته الجسمانية إليهم. فبهاتين الجهتين يتم أمر خلافته.
كما قال سبحانه : "ولو جعله ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون" [الأنعام: 9]، ليجانسكم، فيبلغكم أمري.
(و) كذلك جعل سبحانه (أبناءه) الكاملين (خلفاء) في العالم كله والغير الكاملين فيما يتعلق به، فإن لكل فرد من الأفراد الإنسانية نصيبا من هذه الخلافة يدبر به ما يتعلق به، كتدبير السلطان الملكه وصاحب المنزل لمنزله ؛ وأدناه تدبير الشخص لبدنه .. والخلافة العظمى إنما هي للإنسان الكامل.
(ولهذا)، أي لمعنى اشتمال آدم على جهتي الربوبية والعبودية، (ما ادعى أحد من العالم مقام من) أفراد (العالم الربوبية) والاتصاف بصفاتها في أعلى درجاتها (إلا الإنسان لما فيه)، أي في الإنسان، (من القوة) والتمكن من الاتصاف بالأوصاف الربوبية والنسب الفعلية الوجوبية، فمتى شاهدها في نفسه ، ولم يفتح الله عين بصيرته، لم يهتد إلى أنها صفات الحق انعكست في مرآة استعداده ؛ فتوهم أنها له على سبيل الأصالة . فظهر بدعوى الربوبية والألوهية، كالفراعنة .
قال رضي الله عنه : (العبودية في نفسه إلا الإنسان . فعبد الحجارة والجمادات، التي هي أنزل الموجودات وأسفلها . فلا أعز من الإنسان بربوبيته، ولا أذل منه بعبوديته . فإن فهمت، أنت لك عن المقصود بالإنسان .  فانظر إلى عزته بالأسماء )
(و) كذلك (ما أحكم أحد من) أفراد العالم مقام (العبودية في نفسه)، أي ما جعله محكمة راسخة بالهبوط في أقصى دركاته.
(إلا الإنسان)؛ فإنه منی شاهد تلك الأوصاف والنسب في غيره وتوهم أنها له بالأصالة، أقر له بالعبودية ، كعبدة الأوثان .


(فعبد الحجارة) وغيرها من (الجمادات التي هي أنزل الموجودات وأسفلها)، لعدم خروج ما في قوة القابلية فيها من الصفات الوجودية - كالحياة والعلم وما يتبعهما ۔ إلى الفعل.
فلا شيء (أعز) وأرفع مرتبة (من الإنسان بربوبيته) ، أي بواسطة اتصافه بصفات الربوبية وظهورها به ، فإنه لا مرتبة أرفع منها."" 
(و) كذلك (لا) شیء (أذل) وأنزل مرتبة (منه)، أي من الإنسان، (بعبوديته)، أي بسبب اتصافه بصفات العبودية ؛ فإنه كما أن الربوبية أرفع المراتب، كذلك ما يقابلها . أعني العبودية - أنزلها.
وفي "كتاب "إنشاء الدوائر : 
كأن الإنسان برزخ بين العالم والحق تعالی وجامع لخلق وحق. 
وهو الخط الفاصل بين الظل والشمس، وهذه حقيقته ؛ فله الكمال المطلق في الحدوث والقدم. 
والحق له الكمال المطلق في القدم، وليس له في الحدوث مدخل - تعالی عن ذلك. 
والعالم له الكمال المطلق في الحدوث : ليس له في القدم مدخل. فصار الإنسان جامعا . 
فما أشرفها من حقيقة! وما أظهره من موجود! 
وما أخسها وما أدنسها أيضا في الوجود.
إذ كان منها محمد صلى الله عليه وسلم وأبو جهل، وموسى عليه السلام وفرعون.
فتحقق أحسن تقويم، وجعله مركز الطائعين المقربين؛ وتحقق أسفل سافلين، وجعله مركز الكافرين الجاحدين.
فسبحان من "ليس كمثله شئ وهو السميع البصير" [الشورى : ۱۱]
فإن فهمت ما سبق من البيان، (فقد أبنت) وكشف (لك) حجاب الإبهام (عن وجه المقصود بالإنسان)، أي الحقيقة التي تقصد بلفظ "الإنسان" ويعبر به عنه .
وحاصل ما أبانه رضي الله عنه أنه، أي الإنسان، حقيقة مطلوبا لأسماء الله الحسنى لكونه أحدية جمع جميع حقائق مظهرياتها مقصودا من إيجاد العالم.
نسبتها إليه نسبة الروح إلى البدن ، مدبرة له بما هو لها بمنزلة القوى مما أودع الله سبحانه فيها من أسمائه.
مختصرة من الحضرة الإلهية ، مخلوقة على صورتها، متوسطة بينه وبين خلقه في إيصال فيضه إليه، جامعة بين عز الربوبية وذل العبودية .
فسبحان الله ، ما أشرف حال الإنسان وما أعلى أمره إذا عرف قدره ولم يتعد طوره!
قال رضي الله عنه : (الحسني وطلبها إياه، فمن طلبها إياه تعرف عزته ، ومن ظهوره بها تعرف ذلته . فافهم.
ومن ههنا يعلم أنه نسخة من الصورتين : الحق والعالم)
وإذ فهمت ما أبنت لك، (فانظر) بعين بصيرتك (إلى عزته)، أي عزة الإنسان وشرفه الحاصل له (بالأسماء الحسنى)، أي بسبب اتصافه بها، (و) بسبب (طلبها)، أي طلب تلك الأسماء، (إياه)، أي الإنسان، ليكون لها مظهرا كاملا ومجلى شاملا.
فمن أجل طلبها، أي طلب تلك الأسماء، إياه، أي الإنسان، واقتضائها وجوده لما مز،
(تعرف عزته)، أي عزة الإنسان وشرفه ؛ لأن عزة المطلوب وشرفه إنما هي بقدر عزة الطالب وشرفه.
(و) كذلك من أجل ظهوره، أي الإنسان، (بها)، أي بتلك الأسماء ، ووجوده بها مع عدمه في حد ذاته وخفائه في نفسه، (تعرف ذلته)، إذ لا ذلة أعلى من الإنقهار تحت حكم العدم والاحتياج في الوجود إلى الغير، ولشدة غموض هذا المقام وصعوبة فهم المرام.
تردد الشيخ رضي الله عنه في فهم المخاطب أولا وأمره به ثانية بقوله، (فافهم).
(ومن ههنا)، أي من هذا المقام، حيث يفهم منه كون الإنسان ربا من حيث باطنه، عبدا من حيث ظاهره.
(يعلم أنه)، أي الإنسان، (نسخة) منتسخة (من الصورتين) مطابقة لهما:
صورة (الحق) المشتمل عليها نشأة جمعيته الباطنة.
(و) صورة العالم المشتمل عليها نشأة تفرقته الظاهرة. وهاتان الصورتان هما يدا الحق اللتان خلق بهما آدم .
قال سبحانه لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [سورة ص: 75].
ولما كان الفاعل والقابل شيئا واحدة في الحقيقة، ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما ب «اليدين».
فيمناهما الصور الفاعلية المتعلقة بحضرة الربوبية، وهي اليد المعطية.
ويسراهما الصور القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، وهي اليد الآخذة.
بل كلتا يدي الرحمن يمين، لأن القابلة في قوة القبول تساوي الفاعلة في قوة الفعل، لا تنقص منها.
والأكثر إنهم يفسرون «اليدين» بالصفات الجمالية والجلالية.
ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة :
و الصفتان المتقابلتان هما يدا الحق اللتان توجهنا منه سبحانه على خلق الإنسان.
وخلقه سبحانه الإنسان الكامل بيديه عبارة عن استتاره بالصورة الإنسائية وجعل الإنسان الكامل منصف بالصفات الجمالية والجلالية .
وإبليس رأى من آدم صفات العالم من الانفعالات القابلة، كالخوف والرجاء، ولم ير الصفات الفعلية ولم يعرف أن القابلة أيضا صفات الله سبحانه: فإنها من الاستعداد الفائض عن الفيض الأقدس.
فلو لم يكن لآدم تلك القوابل، لم يعرف الحق سبحانه بجميع الأسماء ولم يعبده بها. وإبليس لم يعرف ذلك، لأنه جزء من العالم، لم يحصل له هذه الجمعية، فما عرف إلا ما هو من العالم.
فاستكبر وتعزز لاحتجابه عن معرفة آدم.
وما عرف أن الذي حسبه نقصا كان عين كماله.
ولم يحصل لإبليس هذه الجمعية التي لآدم لأن إبليس مظهر اسم «المضل»؛ وهو من الأسماء الداخلة في الاسم «الله» ، الذي مظهره آدم عليه السلام.
فلا يكون لإبليس استعداد القبول لجمعية الأسماء والحقائق .
فلذلك شطن، أي بعد.
.
واتساب

No comments:

Post a Comment