Tuesday, July 23, 2019

08 - فك ختم الفص اليعقوبي .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

08 - فك ختم الفص اليعقوبي .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

08 - فك ختم الفص اليعقوبي .كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص أبو المعالي محمد بن إسحاق صدر الدين القونوي

1 / 8   اعلم ان اقران الشيخ رضى الله عنه هذا الفص بالصفة الروحية وبناء  الكلام فيه على ذكر الدين وأحكامه اسرار عظيمة ما لم تعلم لم تفهم مقصوده مما ذكره فالسر الواحد الجامع بين الصفة الروحية والدين هو التدبير وهو على قسمين :
1- ذاتى  
2 - وكسبى تعملي.
والنسخة الانسانية مشتملة على التدبيرين وبهما بقاء الإنسان وصلاح حاله عاجلا وآجلا فالتدبير الذاتي هو كتدبير الطبيعة المزاجية بموجب ما يشتمل عليه من القوى الذاتية والقوى المستفادة من العالم العلوي الحاصلة في طبيعة مزاج الإنسان ، فإنها ايضا فائضة من الفيض دون تعمل ، كما هو قبول الطبيعة المزاجية لها وتصرفها الذاتي بذاتها وبموجب ما قبلته من تلك الآثار العلوية دون تعمل .


2 / 8  والتدبير الاخر تدبير الروح وهو على قسمين : تدبيره العقلي طلبا للاستكمال والتخلق بأخلاق الله والتجلي بصفاته وقصد التشبه بجنابه – دون التهمم بأحوال المزاج وتدقق النظر في مراعاة مصالحه - والقسم الاخر من التدبير للبدن والنظر لمصالحه .
وهو تدبير جامع بين الدبيرين الروحي والطبيعي فان التدبير للبدن والنظر في مصالحه تدبير يتوقع منه البقاء على الوجه الأصلح ويتضمن ايضا بالنسبة الى بعض النفوس ان يكون هذا التدبير والتهمم لطب البقاء على الوجه الأصلح مقصودا بعينه ، بمعنى انه الغاية ، بل يهتم بذلك ويراعيه لأمر أخر ومطلب اعلى منه ، وهو التخلق والتحلي والتشبه ونحو ذلك كما مر .


3 / 8  ولا شك ان هذا التدبير مخالف للتدبير الأول ولتدبير من لا يعتقد بقاء النفوس ولا يعتقد المعاد الروحاني والجسماني المحقق الذي جاءت به الشرائع فان من هذا شأنه يهتم من حيث نفسه تدبير المزاج ومراعاته لعينه ، لا لأمر أخر ورائه.


4 / 8   والسر الاخر في اقران الصفة الروحية بيعقوب عليه السلام هو ما أشرت اليه فيما قبل من ان يعقوب عليه السلام كالمظهر والمثال للفلك الأول المسمى بالعرش ، فهو اول صورة جسمية دبرها روح ، فناسب ذكر الصفة الروحية هاهنا وأقرانها بيعقوب عليه السلام.


5 / 8  ثم أقول : وهكذا هو امر الدين ، فالدين دينان : عقلى وشرعي  كما ذكره الشيخ رضى الله عنه ولكل منهما معنيان :
أحدهما الطاعة والانقياد ، كما قال تعالى : " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الإِسْلامُ " [ آل عمران / 19 ] .
والانقياد والطاعة على قسمين : ظاهر وباطن.
وكل واحد من القسمين ينقسم الى قسمين :
انقياد وطاعة بالطبع والذات .
وانقياد وطاعة بتعمل .
والمعنى الاخر الاجزاء ويترتب على ذلك من وجهين :
ذاتى ايضا وارادى ، فالذاتى يكون بالعدل والموازنة ومعرفته من اجلّ المعارف، والإرادي يظهر على وجه يظن ان فيه مزيدا على الموازنة ، وليس الامر كذلك .


6 / 8  وتدبير الدين ايضا على وجهين : أحدهما سياسة المتضمنة حفظ مصلحة العالم في الحالة الراهنة عموما وخصوصا ، واليه الإشارة بقولى :
عاجلا والتدبير الاخر هو النظر في امر المعاد وعواقب الأمور .


7 / 8  وإذا صح هذا فأقول : كل ما ذكر الشيخ رضى الله عنه من اسرار الأنبياء ومحتد أحوالهم من اول الكتاب الى هنا راعى فيه التنبيه على سر اولية كل مرتبة من مراتبهم ، ولقد نبهنا على ذلك  فلا يغفل عنه المتأمل لهذا الكلام فحق لنا بعد ان نبهنا على سر الصفة الروحية واختصاصها من حيث هذه الإضافة بيعقوب عليه السلام واقران ذلك بالدين ان ننبه على اصل المجازاة وبما يلائم وبما لا يلائم ومحتدها.


8 / 8  فنقول : اعلم ان المجازاة الاولى الكلية تعينت باعتبار الرحمة العامة الايجادية التي وسعت كل شيء بمطلق قابلية الممكنات المخلوقة ، وقيامها مقام المرايا لظهور الوجود فيها ، وظهور آثاره وتنوعاته ظهوراته بها .
ومن حيث انها لما كانت شرطا في ظهور احكام الأسماء وتعيناتها - كما مر - عوضت بالتجلى الوجودي الذاتي الذي ظهر به عينها لها ونفذ حكم بعضها في البعض ، فظهر بذلك ايضا شرف بعضها على البعض بمزيد الاستعداد وقبول الوجود على وجه أتم ووضوح حجة الحق على القوابل الناقصة والموجودات الموصوفة بالشقاء .
ان ذلك لم يوجبه الحق عليها من حيث هو ، بل ذلك منها لا من سواها . والذي للحق إظهارها بالتجلى الوجودي على نحو ما علمها ، وهذا السر هو مفتاح سر القضاء والقدر ايضا . فاعلم ذلك .


9 / 8   فهذا اصل المجازاة بالموافق ، واما اصل المجازاة بما لا يوافق :
فذلك راجع الى القيود والتغير العارض للتجلى الوجودي من القوابل وحسن المواتاة لما يراد من القابل وعدمه ، فالتكليفات من مقابلة تلك التقيدات الغير المرضية ، ففي اى قابل تقل القيود والتغيرات في التجلي المقبول وظهرت فيه مواتاة مرضية ، كان تكليفه اقل وكان ما لا مندوحة عنه من التقيدات مما هو ضرورى الوقوع معفوا عنه ومغفورا لصاحبه ومستهلك الحكم في جنب باقى الصفات والاحكام التي ظهر القابل بها على الوجه المراد.


10 / 8  فافهم هذا فإنه من اغمض العلوم ، ومن علم سره علم سر الوجوب والتكليف وسر الاباحة والتقييد المسمى بالمحرم والحلال المطلق ، والعفو والمغفرة ، وسبب الشقاء والسعادة والرضاء الحق  وسخطه .
وسر عدم تكليف الصغار من الأناسي وعدم تكليف الحيوانات ، وان ذلك راجع كما بينا الى المطاوعة الذاتية والانقياد بالطبع والظهور بما أريد منه ، بخلاف الإنسان ، فإنه ادعى بحاله من حيث قابليته الصورة الانسانية ان يكون مرآة لحقيقتها تماما ، بحيث يظهر أحكامها بالفعل ، فقوبل بالامتحان مقابلة ذاتية بموازنة حقيقة عدلية  كما سبقت الإشارة اليه وكما أخبر الله سبحانه عن ذلك بلسان بعض المقامات التي يشتمل عليها الحقيقة الانسانية وهو قوله تعالى : "الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ . ." الى أخر الاية والى قوله : " ولَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ " [ العنكبوت / 1 - 3 ].


11 / 8  ويعلم من هذا الفصل ايضا سر الرحمة العامة الذاتية والفيض  الجودي وانه في مقابلة مطلق القبول للتجلى الوجودي ، فيدرك الفرق بين مطلق القبول وبين القبول على وجه مخصوص ، ويعلم غير ذلك مما يطول ذكره .


12 / 8 وهذا المقام يحتوي على علوم جمة كلية أضربت عن إيرادها طلبا للاختصار ، وما سوى ما أشرت اليه من اصول هذا الفص فقد نبه شيخنا رضى الله عنه عليه فلنقتصر على ذلك.


13 / 8 لكن بقي تتمة لطيفة من اسرار هذا الفص اليعقوبي اذكرها واختم الكلام عليها ان شاء الله تعالى وهو ان يعقوب عليه السلام ظهر بوصف الدينين فجوزى بالجزائين ، فكان من جزائه بما لا يلائم ما قاساه من فراق يوسف عليه السلام ووقع ذلك في مقابلة فعل صدر منه.


14 / 8 فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ما هذا معناه وهو ان يعقوب عليه السلام ناجى ربه بعد فراق يوسف فقال : يا رب أخذت ولدى وريحانة قلبى فرده على أشم شمة ثم افعل بى ما شئت ، فأوحى الله اليه :
ألم تعلم لم كان ذلك ؟
قال : لا !
قيل له : انك كنت تأكل في بعض الأيام طعاما شهيا فمر ببابك سائل جائع فلم تعطه من ذلك الطعام ، فكما احرمته ما يشتهي حرمناك ما تشتهي ، فتاب يعقوب عليه السلام .
قال: وكان بعد ذلك إذا أراد ان يتغذى يقيم شخصا بباب بيته ينادى : الا ان يعقوب اسرائيل الله يتغذى ، فمن شاء ان يتغذى معه فليأت ولما أخذ يوسف أخاه بحجة الصواع كتب الى يوسف قبل ان يعلم من هو صاحب مصر .


8/ 15  بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله الى عزيز مصر ! سلام عليك ! اما بعد : فانا اهل بيت خص بنا البلاء.
فاما جدى : فإنه ألقي في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأما أبي فابتلي بالذبح ففداه الله بذبح عظيم وأما أنا فكان لي ولد أحبه وآنس به ، فأخذ مني ، وقد بلغني أنك أخذت لي أيضا ولدا لأنه سارق ، فاللَّه الله في بني فإني لم أسرق ولم ألد سارقا ، والسلام .


16 / 8 فاجابه يوسف : سلام عليك ! من عزيز مصر الى اسرائيل الله !
اما بعد : فإنه وصل كتابك الذي ذكرت فيه شأنك وشأن آبائك ، وقد عرفنا ذلك ، فاصبر كما صبروا تظفر بما ظفروا ، فوطن نفسك على الصبر والرضاء فجازاه الله بما يلائم وجمع بينه وبين أولاده على ما يحب ويرضى .


17 / 8  والسر الاخر في ذلك هو ان القلوب التي شاء الحق منها ان يتجلى له ليصير مستواه ومنصة تجليه ، لا يرضى ان يشارك فيها ، فلما أخذ يوسف من قلب أبيه مكانا لبقية مناسبة ثابتة بين يعقوب وبين ما سوى الحق .
أخذ الحق يوسف عنه بيد الغيرة وصقل بالحزن والم الفراق قلبه فلما آيس وانفرد للحق وتطهر من حكم السوي ، رد الله اليه أولاده على احسن حال وهو الجزاء بما يلائم ، وهذه معالجة الربانية وطب الهى قل من يعرف سره وهذا مقام شريف في طريق الله جربت له بركات لا تحصى وشاهدت صحة هذا الحكم والمجازاة في نفسى وفي جماعة من اهل الله.

والحمد لله .
.

التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment