Saturday, July 27, 2019

02 -شرح  نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

02 -شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

02 - شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن الجامي

كتاب الشيخ نور الدين عبد الرحمن الجامي نقد النصوص فى شرح نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (اعلم أن عطيات الحق على أقسام : منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه الوهاب وهي على قسمين : هبة ذاتية ، وهبة أسمائية . فالذاتية لا تكون إلا بتجلٍ للأسماء ، وأما الذاتية فتكون مع الحجاب .
ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد وهو قوله : " أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه : 50] .
فمن ذلك الاستعداد يكون العطاء عن سؤال امتثال للأمر اإلهي ، وسؤال بما تقتضيه الحكمة والمعرفة لأنه أميرٌ مالك يجب عليه أن يسعى في إيضال كل ذي حقٍ حقه . مثل قوله عليه السلام : " إن لبدنك عليك حقاً ولنفسك ولعينك .. الحديث " .)

02 - شرح نقش فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
قال رضي الله عنه : (اعلم أن أعطيات الحق سبحانه على أقسام  )
لما سبق ذكر معنى «الفص» و«الحكمة» و«الكلمة »، لم يبق ما يجب التنبيه عليه في ترجمة كل فص إلا معنی انصاف كل حكمة بصفتها وسبب اختصاص تلك الحكمة بالنبي الذي نسبت إليه الكلمة .
فأقول «النفث» لغة إرسال النفس رخوا "به بخار ماء النفس"، وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني، أعني إفاضة الوجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به؛ أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في روع من أستعد لها وقلبه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :" إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها؛ ألا فأجملوا في الطلب ".
أو عن النفث المخصوص بأهل علم الروحانية والنيرنج والعزائم والرقي، شرعيها وحكميها : وهو بث الروحانية وبسطها في النفس وإرسالها صورة إلى الأمر المتوجه إليه.
وإنما خضت الحكمة النفثية بالكلمة الشبثية لأنه أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية، ونزلت عليه العلوم الوهبية الدينية، ونزلت عليه علوم الروحانيات والملائكة الخصيصة بالتسخير والتصريف والتصرف في الأكوان بالأسماء والحروف والكلمات والآيات وما شاكل ذلك.
ولما كان أول المراتب المتعقلة التعين الجامع للتعينات كلها، وله أحدية الجمع ؛ وكان المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفياضية؛ وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى، كما كان شيث عليه السلام مظهر الثانية، قدم الفص الآدمي في الذكر وجعل الشيئي تلوه، موافقة للوجود الخارجي.
(اعلم أن أعطيات الحق سبحانه) -  "الأعطيات" إما بفتح الهمزة وتخفيف الياء
جمع «أعطية»، وهي جمع "عطاء" ، فهي جمع الجمع ؛ وإما بضم الهمزة وتشديد الياء جمع «أعطية»، على وزن أمنية .
وبالجملة، فأعطيات الحق سبحانه وتعالى مشتملة (على أقسام) جمة وأنواع كثيرة.
قال رضي الله عنه : (منها أنه يعطي لينعم خاصة من اسمه «الوهاب»، وهي على قسمين:
هبة ذاتية وهبة أسمائية. فالذاتية لا تكون إلا بتجلي.  وأما الأسمائية، فتكون مع الحجاب .)
(منها)، أي من تلك الأقسام، (أنه)، أي الحق سبحانه وتعالى، (يعطي) عطاء (لينعم)، أي يظهر إنعامه وجوده، بأن يكون مقصوده تعالى إظهار الإنعام (خاصة) بلا طلب عوض من المعطي له من حمد أو شكر أو غير ذلك.
ولا يكون هذا العطاء إلا من اسمه «الوهاب»، الذي هو المعطي ابتداء من غير مقابلة وجزاء، بحيث يتملك الموهوب له الشيء الموهوب بعد قبوله إياه ووقوعه عنده بأطيب موقع.
وتمام ذلك لا يكون إلا في النشأة الجنانية أو فيما يدوم أثره، كالإيمان والتوفيق للأعمال الصالحة، فإن ما عداها مما يتعلق بهذه النشأة الدنيوية كلها أمانة ورعاية واجب ردها، فلا يتملكها الموهوب له حقيقة .
(وهی)، أي الأعطية الحاصلة الواصلة من اسمه «الوهاب» إلى القابلين المستعدين لها، منطوية (على قسمين) مندرجين تحتها :
أحدهما (هبة) وعطية (ذاتية)، أي مستندة إلى ذات الألوهية، أحدية جمع جميع الأسماء؛ إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا.
(و) ثانيهما (هبة) وعطية (أسمائية) من حيث حضرة من حضرات الأسماء، بحسب قبول المتجلي له وخصوص قابلیته ومقامه .
فإن قلت: «العطايا الحاصلة من الاسم الوهاب» أسمائية.  فكيف تنقسم إلى الذاتية والأسمائية؟»
قل : المراد به «العطايا الذاتية» ما يكون مبدأه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها .
وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات، إذ لا يتجلى الحق سبحانه من حيث ذاته للموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الأسمائية - وبـ "الأسمائية" ما يكون مبدأه صفة من الصفات من حيث تعينها وامتيازها عن الذات. فعلى هذا يمكن أن يكون بعض العطايا الحاصلة من الاسم «الوهاب» ذاتية.
(فالذاتية)، أي فالعطايا الذاتية ، (لا تكون) أبدا (إلا بتجلي) إلهي، أي بتجلي حضرة هذا الاسم الجامع الذي هو أحدية جمع جميع الأسماء، لا بتجلي الذات الأحدية، لما عرفت غير مرة أن لا حكم ولا رسم ولا اسم ولا تجلي ولا غير ذلك في الأحدية الذاتية .
فيكون تعيين التجلي من حضرة الألوهية ، فيضاف التجلي لهذا السر إلى ذات الألوهية، لا إلى مطلق الذات.
والتجلي من الذات لا يكون إلا على صورة المتجلى له - وهو العبد - وبحسب استعداده ، كما أن الحق يظهر في مرايا الأعيان بحسب استعداداتها وقابليتها بظهور أحكامه بها. غير ذلك لا يكون.
(وأما) العطايا (الأسمائية، فتكون) أبدأ (مع الحجاب)، أي مع حجابية التعين الاسمي، بما به يمتاز أحد الأسماء عن الآخر و يغایره، لا غير،
وأهل الذوق والوجدان يفرق بينهما، أي بين العطايا الذاتية والأسمائية، عند حصول الفيض والتجلي. ويعرف منبع فیضانه بميزانه الخاص له الحاصل من كشفه . والمراد ب «أهل الذوق» من یكون حكم تجلياته نازلا من مقام روحه وقلبه إلى مقام نفسه وقواه، كأنه يجد ذلك حتة ويدركه ذوقة؛ بل يلوح ذلك من وجوههم.
قال تعالى: "تعرف في وجوههم نضرة النعيم" [المطففين : 42].
وهذا مقام الكمل والأفراد، ولا يتجلى الحق بالأسماء الذاتية إلآ لهم.
قال رضي الله عنه :  (ولا يقبل القابل هذه الأعطية إلا بما هو عليه من الاستعداد، وهو قوله، "أعطى كل شيء" خلقه.)
(ولا يقبل القابل هذه الأعطية)، أي أعطيات الحق سبحانه، ذاتية كانت أو أسمائية، (إلا بما هو عليه)، أي إلا بمقدار ما يكون القابل عليه، (من الاستعداد) ، فإن التجليات في حضرة القدس وينبوع الوحدة وحدانية النعت، هیولانية الوصف .
لكنها تنصبغ عند الورود بحكم استعدادات القوابل ومراتبها الروحانية والطبيعية والمواطن والأوقات وتوابعها، كالأحوال والأمزجة والصفات الجزئية.
فيظن لاختلاف الآثار أن التجليات متعددة بالأصالة في نفس الأمر، وليس كذلك. قال سبحانه وتعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" [القمر: 50].
فكما أن الحق سبحانه واحد من جميع الوجوه، كذلك فيضه وأمره - كما أخبر - لا كثرة فيه إلا بالنسبة إلى القوابل.
اعلم أن من المتفق عليه عند أهل الكشف وأهل النظر الصحيح من الحكماء أن حقائق العالم المسماة عند بعضهم بـ "الماهيات الممكنة" غير مجعولة، وكذلك استعداداتها الكلية - التي بها تقبل الفيض الوجودي من المفيض الحق سبحانه. والوجود الفائض واحد بالاتفاق بيننا وبينهم، وهو مشترك بين جميع الماهيات الممكنة.
فإذا كان كذلك، فالتقدم والتأخر الواقع بين الأشياء في قبول الوجود الفائض من الحق لا موجب له إلا تفاوت استعدادات تلك الماهيات.
فالتامة الاستعداد منها قبلت الفيض أسرع وأتم وبدون واسطة، كالقلم الأعلى المسمى بـ «العقل الأول».
وإن لم يكن الاستعداد تام جدا، تأخر القبول، وكان بواسطة أو وسائط، كما وقع وثبت شرعا وكشفا وعقلا. والموجب للتفاوت بالنقص والتمام الاستعدادات، لا غير.
والفيض واحد ، والاستعدادات مختلفة متفاوتة، مثل ورود النار على النفط والكبريت و الحطب اليابس والأخضر .
فلا شك أن أولها وأسرعها قبولا للاشتعال والظهور بصورة النار النفط، ثم الكبريت، ثم الحطب اليابس، ثم الأخضر .
فأنت إذا أمعنت النظر فيما ذكرنا، رأيت أن علة سرعة قبول النفط الاشتعال قبل غيره، ثم الكبريت - كما ذكر - ليست إلا قوة المناسبة بين مزاج النفط والنار واشتراكهما في بعض الأوصاف الذاتية، التي بها كانت النار نارة.
وكذلك سبب تأخر قبول الحطب الأخضر الاشتعال إنما موجبه حكم المباينة التي تضمنها الحطب الأخضر من البرودة والرطوبة المنافية لمزاج النار وصفتها الذاتية. (وهو)، أي الاستعداد، (قوله)، أي ما يدل عليه قوله عز وعلا، (" أعطى كل شيء" [طه: 50]) ۔ سواء كانت شيئيته شيئية ثبوتية أو وجودية .
فإنه كما أن الحق سبحانه أعطى الأشياء الثبوتية في مرتبة العلم الاستعدادات الكلية الغير المجعولة التي بها تقبل الوجود.
قال رضي الله عنه : (فمن ذلك الاستعداد . وقد يكون العطاء عن سؤال بالحال، لا بد منه، أو عن سؤال بالقول.)
كذلك أعطى الأشياء الوجودية في مرتبة العين الاستعدادات الجزئية المجعولة التي بها تقبل الأحوال الوجودية .
في «الاستعداد الكلي» ما به قبلت مثلا الوجود من الحق سبحانه حال تعيين الإرادة لك من بين الممكنات وتوجيه الحق نحوك للإيجاد.
و"الاستعداد الجزئي" ما تلبست به بعد الوجود من الأحوال الوجودية، إذ كل منها يعدك لما يليه، كما قال تعالى : " لتركبن طبقا عن طبق" [الانشقاق : 19]، أي حالا هو متولد عن حال.
والكلي الذي به قبلت وجودك ليس وجودية ؛ بل هو عبارة عن حالة غيبية لعينك الثابتة.
وما سواه من الاستعدادات الجزئية المشار إليها، فوجودية.
وبالجملة، فهو سبحانه "أعطى كل شيء" [طه: 50] علما وعينا ("وخلقه") [طه: 50]، أي ما قدر له من الاستعداد الكلي والجزئي وما يتبعهما.
فمن ذلك، أي من قبيل ما قدره الله سبحانه وأعطاه كل شيء، الاستعداد، كلية كان أو جزئيا .
(وقد يكون العطاء)، ذاتيا كان أو أسمائية، (عن سؤال) واقع من المعطى له بالحال الاستعدادي، أو الحال الباعث على السؤال باللسان.
ولم يرد رضي الله عنه ههنا (بـ «الحال») ما يقابل الاستعداد ؛ بل ما يشملهما جميعا : 
أما أولا، فلأنه لم يكن حينئذ أحد الأقسام الذي هو "السؤال بالاستعداد" مذكورا.
وأما ثانيا، فلأنه لا يصح حينئذ قوله، (لا بد منه)، أي من السؤال بالحال، فإنه قد يصل العطاء إلى المعطى له من غير سؤال منه بلسان الحال ، كما إذا صادف كنزا بغتة؛ فإن ذلك مما يسأله بلسان الاستعداد، لا بلسان الحال.
ومثال السؤال بلسان الاستعداد سؤال الأسماء الإلهية ظهور كمالاتها؛ وسؤال الأعيان الثابتة وجوداتها الخارجية.
ومثال السؤال بلسان الحال سؤال الجائع يطلب بجوعه الشبع، والعطشان يسأل بعطشه الري.
وإلى لسان الحال أشار من قال :
وفي النفس حاجات وفيكم فطانة     …… سكوتي بيان عندكم وخطاب
وأيضا لا بد في العطاء من سؤال الاستعداد، ولا يتخلف عنه العطاء.
وأما الحال، فهو الباعث على الطلب، وهو أيضا من الاستعداد .
فلو لم يكن في الاستعداد الطلب، لم يحصل الداعية. ولكن قد يكون العطاء بدونه، وهو لا يقتضي حصول العطاء على القطع.
قال رضي الله عنه : (والسؤال بالقول على قسمين : سؤال بالطبع، وسؤال امتثال للأمر الإلهي وسؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة، لأنه أمير مالك يجب عليه أن يسعى في إيصال كل ذي)
(أو عن سؤال)، أي وقد يكون العطاء عن سؤال، (بالقول) باللسان.
(والسؤال بالقول) مشتمل (على قسمين):
أحدهما (سؤال بالطبع)، بأن يكون الباعث على السؤال الاستعجال الطبيعي، فإن الإنسان خلق عجولا؛ يسأل ويطلب الكمال قبل حلول أوانه.
وذلك لأن من شأن الطبيعة وطين قابليتها اللازب أن يلتصق بما يستشعر فيه كماله عاجلا. وهذا القسم من السؤال إما أن يوافقه سؤال الاستعداد أو لم يوافقه.
فإن وافق، فلا بد من وقوع المسؤول في الحال ؛ وإن لم يوافق، فلا يقع في الحال ، البتة .
وثانيهما سؤال بغير الطبع، وهو أيضا قسمان :
الأول (سؤال امتثال للأمر الإلهي) في قوله تعالى : "أدعوني أستجب لكم " [غافر : 60]. فهذا السائل هو العبد المحض الذي لا يشوب صرافة عبوديته نسبة اختيار ولا إرادة مطلوب ولا طلب مراد، كما قيل:
سقط اختياري مذ قنيت بحبكم        …… عني فلا أرجو ولا أتطلب
ليس المحب حقيقة من يشتهي        …… أو يشتكي أو يرتجي أو يرهب
(و) الثاني (سؤال بما يقتضيه الحكمة والمعرفة)، أي بسبب اقتضاء الحكمة والمعرفة السؤال.
وذلك (لأنه)، أي السائل بمقتضى الحكمة والمعرفة، (أمير) منصرف في رعاياه - سواء كان رعيته أهل العالم كله أو أهل مملكته أو أهل داره أو بدنه - بقواه العلمية والعملية على حسب مرتبة السائل، (مالك) أزمة أمورهم، كفيل لمصالحهم، عالم بأن عند الله أمورا من مصالحهم قد سبق العلم الإلهي بأنها لا تنال إلا بعد سؤال ؛ فيسأل الله سبحانه ويدعوه ليحصل تلك الأمور ويوصلهم إليها، لأنه (يجب عليه)، أي على ذلك السائل، (أن يسعی) حسب المقدور (في إيصال كل ذي حق) من رعاياه (إلى حقه).
قال رضي الله عنه : (حق إلى حقه، مثل قوله: «إن لأهلك عليك حقا ولنفسك ولعينك ولزورك» الحديث.)
والذي يدل على هذا الوجوب (مثل قوله صلى الله عليه وسلم : «إن لأهلك»)، الذين يستاهلون لتربيتك، كالأزواج والأولاد في الآفاق وكالقوى الروحانية والجسمانية في الأنفس، («عليك حقا") ينبغي أن توصلهم إليه.
(و) كذلك («لنفسك»)، أمارة كانت أو لوامة أو مطمئنة، فإن لها في كل مرتبة عليك حقا يجب إيصالها إليه.
(«و») كذلك («لعينك»)؛ فلا تمنعها عن حقها، كالنوم مثلا، كل منع .
(«و») كذلك (لزوارك») الذين يزورونك - الحديث .

فالأمر كله يرجع إليه سبحانه ، منه ابتداؤه وإليه انتهاؤه ؛ ولا إله غيره .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment