Saturday, July 27, 2019

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

07- فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الإسماعيلي
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أن مسمى الله أحد بالذات،گل بالأسماء. فكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل.)
إنما وصف الحكمة المنسوبة إلي إسماعيل عليه السلام بكونها علبة لما شرف الله تعالى إسماعيل به من قوله : "وجعلنا لهم لسان صدق عليا" [مريم: 50]، ولأنه كان صادق الوعد وذلك دليل على علو الهمة، ولأنه كان مرضية عند ربه وذلك مقام عالي ، ولأنه كان وعاء للوجود المحمدي المعتلي على الموجودات كلها.
ولما كان إسحاق من ولدي إبراهيم عليهم السلام أبا لأنبياء كثيرين وإسماعيل أبا خاتم الأنبياء وللخاتم التأخر في الوجود وإن كان متقدمة في الرتبة أخر الكلمة الإسماعيلية عن الإسحاقية.
وحيث كان المذكور في شأنه عليه السلام صفتين :
1 - صفة العلو
2 - وصفة الرضا
و محتدهما من الجناب الإلهي نسبتان :
1 - الوحدة الذاتية
2 - والجمعية الأسمائية .
أشار إليهما بقوله : (اعلم أن مسمى) الاسم (الله أحدي بالذات)، أي لا كثرة فيه من حيث ذاته.
وإنما قال : أحدي لا أحد مبالغة في أحديته كالأحمري لأنها صفة سلبية لا تقتضي معنى زائدة على الذات فأحديته بحيث ليس فيه أثنينية الصفة والموصوف
(كل) مجموعي إذا لوحظ منقيدة (بالأسماء) وهذه المرتبة الإلهية المسنجمعة لجميع الأسماء والصفات، والتمييز بين هاتين المرتبتين إنما يكون بحسب التعقل فحسب وأما بحسب الخارج فليس إلا الوحدة الصرفة التي ليس فيها شائبة كثرة أصلا.
(فكل موجود فما له من الله) أحدية جميع الأسماء (إلا) الاسم الذي هو (ربه خاصة) منه انتشأت عينه الثابتة وبه ظهرت في مراتب الوجود روحا ومثالا وحسة، وعليه ترتبت أحواله فيها، ونيه معاده كما أنه منه مبدؤه (ويستحيل أن يكون له)، أي تكل موجود (الكل)، أي كل الأسماء الداخلة تحت المرتبة الإلهية إلا الكامل فإن ه أحذية جمع الأسماء هذا إذا نريد بالأسماء كنيانها. وأما إن حمل الأسماء على معنى عم بحيث يشكل الأسماء الجزئية المتشخصة بعض المربوبات أيضا فلا حاجة إلى هذا الاستثناء إلا أنه فيما سيأتي نوع نبوة منه .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأما الأحدية الإلهية فما تواحل فيها قدم، لأنه لا ينال لواحد منها شيء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض . فأحديته مجموع كله بالقوة . والسعيد من كان عند به مرضيا؛ وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه وبيته فهو عنده ماضي فهو سعيد. )
(وأما الأحدية الإلهية)، أي أحدية مسمى الله (فما لأحد فيها) مع بقائها على حالها (قدم) بأن يكون له منها جزء أو حصة تقدم عليه (لأنه لا يقال لواحد منها شيء) جزءا كان أو حصة (ولآخر منها شيء) كذلك (لأنها لا تقبل التبعيض) تجزئة كان أو تحصيصة لأنها ليست إلا اعتبارا مسقطا للاعتبارات كلها ، ولا بد في صيرورتها حصصة أو أجزاء من اعتبار صحة انضبان الأمور الخارجة إليها وانقسامها إلى الأمور الداخلة فيها وكل ذلك ينافي الأحدية ، والحقيقة المطلقة الإلهية لا تنجزا ولكنها تتحصص ففي كل شيء حصة منها فهي بكلياتها سارية في الكل من غير تجزئة.
(فأحديته مجموع) يعني إذا كانت الأحدية الإلهية لا تقبل التبعيض فأحدية مسمى الله مجموع أي مجموع أسماء فصلت في المرتبة الواحدية (كله)، أي كل ذلك المجموع مندمج فيه (بالقوة) أما اندماجه فيه فلان مرتبة الأحذية إجمال مرتبة الواحدية، وأما كونه بالقوة فلأنه إذا خرج ذلك المجموع من القوة إلى الفعل انقلبت الأحذية واحدية فقوله :
وأحدية مبتدأ ، ومجموع خبره، وكله مبتدأ آخر، وبالقوة خبره. والجملة صفة لمجموع.
(والسعيد من كان عند ربه مرضية وما ثمة)، أي في الوجود (إلا من هو مرضي عند ربه لأنه)، أي المربرب هو (الذي يبقى عليه)، أي على الرب (ربوبيته)، أي ربوبية الرب إذ لولا المربوب لعدم الرب من حيث هو رب .
ويمكن أن يقال إن الرب يبقى على المربوب ربوبية الرب أو ربوبية المربوب، أي وجوده وما يتبعه من الأحكام، فهذا الإبقاء دليل على رضا الرب عنه إذ لو لم يرض بوجود المربوب وما له وما يصدر عنه لما أبقاه (فهو)، أي المربرب (مرضي عنه)، أي عند ربه (فهو سعيد) وإنما قيدنا السعيد في الموضعين بقوله عند ربه لأن للمربوب سعادتين:
إحداهما سعادة بالنسبة إلى ربه
وأخراهما سعادة بالنظر إلى نفسه وأحواله .
فالأولى: كونه بحيث يتأتي منه ما خلق له وتظهر فيه أحكام ربه على وجه يرضى به، ولا يخفى أن كل موجود مرضي سعيد بهذا المعنى ولا يتصور فيه الشقاوة إلا بالقياس إلى رب مربوب آخر لو لم يكن لهذا الموجود اصطلاحية مظهرية أحكامه كما سيشير رضي الله عنه إلى هذه الشقاوة فيما بعد.
والثانية : كونه على حالة يتنعم ويتلذذ بها ولا شك أن المربرب بهذا الاعتبار ينقسم إلى السعيد والشقي، وبهذه السعادة والشقاوة حكمت الشريعة، ولا يشمل هذه السعادة كل مربرب إلا ما على ما ذهب إليه الشيخ رضي الله عنه .


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا قال سهل إن للربوبية سيرا وهو أن يخاطب كل عيني - لو ظهر بطلتي الربوبية، فأدخل عليه لوه وهو حرف امتناع لامتناع. وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه لا وجود لقين إلا بربه، والعي موجودة دائمة الربوبية لا تظل دائما .)
والحكم على المربوب بالرضا مطلقا فلا تصح إلا بالسعادة الأولى فلذلك قيدنا السعيد بما قيدنا (ولهذا)، أي لأن المربرب يبقي على الرب ربوبيته (قال سهل) يعني الشيخ الإمام سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه (إن للربوبية سرا)، أي ذلك السر (وهو أنت) من حيث أنك مربوب فإن المربربية سر للربوبية ضرورة أن كل واحد من المتضایفین لازم للآخر واللازم للمتزوم سر يظهر منه .
فقوله : وهو أنت، إن كان من كلام الشيخ رضي الله عنه وهو الظاهر كما يشهد به كلام الفتوحات حيث قال: يقال ظهروا عن البلد، أي ارتفعوا (يخاطب كل عین)، موجودة بالوجود العيني عنه ، وهو قول الإمام الألوهية سر لو ظهر لبطلت الألوهية.
فقوله : يخاطب بصيغة الغيبة على إسناد الفعل إلى لفظ أنت تجوزة، وإن كان من كلام سهل رضي الله عنه فالأمر ظاهر (لو ظهر)، أي لو زال ذلك السر عن الوجود في الصحاح هذا أمر ظاهر عنك عاره، أي زائل (لبطلت الربوبية) ضرورة زوال أحد المتضایفین وبطلانه بزوال الآخر وبطلانه . ويمكن حمل كلام الإمام على ظاهره بحمل الظهور على معناه المشهور كما يدل عليه مقابلته للسر ويراد بسر الربوبية .
أنه أي الرب هو الذي ظهر بصورة المربرب فتحققت نسبة الربوبية. فلو ظهر هذا السر بظهور الرب بوحدته الحقيقية لبطلت الربوبية لأن في الربوبية لا بد من الاثنينية (وادخل عليه لو) في هذه الشرطية (وهو حرف امتناع لامتناع)، أي يدخل على امتناع أمر هو زوال سر الربوبية (وهو)، أي ذلك السر الذي هو كل عين موجودة (لا بظهر)، أي لا يزول عن الوجود بل يمتنع زواله عن الوجود بالكلية وإن زال عن بعض المراتب (فلا تبطل الربوبية) بل يمتنع بطلانها لامتناع
ظهور سر الربوبية وزوالها (لأنه لا وجود لعین) مربوبية هي سر الربوبية (إلا بربه)، أي إلا بربوبية ربه فوجودها مشروط بربوبيته (والعين) المربربة المشروط وجودها بربوبية الرب (موجودة دائما فالربوبية) التي هي شرط وجودها (لا يبطل دائما) ضرورة دوام عدم بطلان الشرط بدوام وجود المشروط، وقوله : دائما ، ظرف للنفي لا للمنفي
ولما فرغ رضي الله عنه مما وقع في البين من كلام سهل رضي الله عنه وبيان معناه رجع إلى ما كان بصدده، فبعد ما ذكر أولا أن كل مربوب مرضي.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب.
فله مرضي، لأنه لا فعل العين، بل اليعا ربها فيها فاطمأنت العين أن تضاف إليها فعل، فكانت راضية بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، مضية ، تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راضي عن فعله وضنعيه ، فإنه وفي فعله وضعته حق ما هي عليه "أعطى كل شيء خلقه ثم هدى" [طه: 50] أي بين أنه أغني كل شيء ، فلا يقبل الله ولا الزيادة .
فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا . وكذلك محل موجود عند )
يقول (وكل مرضي محبوبه) بالنسبة إلى من هو راضي عنه ومحب له (وكل ما يفعل المحبوب محبوب) للمحب فكل ما يفعل المرضي محبوب، ومعلوم أنه كما كان كل مرضي محبوب كذلك كل محبوب مرضى (فكله)، أي كل ما يفعل المحبوب (مرضی) وحيث كان تفرع هذه النتيجة على ما سبق لا يتم إلا بملاحظة المقدمة القائلة بأن كل محبوب مرضي وهي قد طوى البين فبقي في النتيجة نوع خثاء بينها بما يعمها وغيرها فقال : (لأنه لا فعل للعين) الممكنة (بل الفعل لربها فيها) فهي محل لظهور الفعل لا الفاعل (فاطمأنت)، أي سكنت .
(العين) الممكنة (عن أن يضاف إليها فعل) على وجه الفاعلية (فكانت راضية بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها) والمراد برضاها حسن قبولها لظهور تلك الأفعال وتمكينها ربها من إظهارها فيها وكذلك كانت (مرضية تلك الأفعال) للحق سبحانه (لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته فإنه وفي فعله وصنعته)، أي أعطاهما بالتمام والكمال
(حق ما هي عليه)، أي حق ما هذه الصنعة عليه عند تقدير الفاعل ومشيئته إياها من مراتب الثمامية والكمال، وحيث كان الفعل والصنعة أمرة واحدة أفرد الضمير وأنثه الإرجاعه إلى ما هو أقرب منها.
ثم أيد رضي الله عنه ما ادعاه من أن الحق سبحانه وفي فعله وصنعته حق ما هي عليه بقوله تعالى: (وأعطى كل شي ) بالمشيئة الوجودية ("خلقه")، أي ما قدر له من مرتبة مشيئته الثبوتية من الأحكام والآثار الكمالية.
("ثم هدى" [طه : 50] أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه فلا يقبل) ذلك الشيء (النقص) عما قدر له (ولا الزيادة عليه (فكان إسماعيل عليه السلام بعثوره) واطلاعه على ما ذكرناه من كون الكل ذاتا وفعلا مرضيا لله تعالى وأنه في قوله : وصنعته حق ما هي عليه (عند ربه مرضيا) فإن ذلك العثور من جملة أو أن يقتضيها و يرتضيها  ربه فبه و بأمثاله كان عند ربه مرضيا  ، أي كما أن إسماعيل عليه السلام عند ربه مرضى.


قال الشيخ رضي الله عنه : (  وكذا كل موجود عند ربه مرضي. ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من الكل لا من واحد. فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه.
ولا يأخذه أحد من حيث أحديته. و لهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ، فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، و إن نظرته بك فزالت الأحدية بك، و إن نظرته به و بك فزالت الأحدية أيضا.  لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين )  
(ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا)، فيكون عنده سعيدة (على ما بيناه أن يكون مرضية عند رب عبد آخر) وسعيدا عنده فلا يلزم أن يكون عبد المضل مرضيا وسعيدا عند رب عبد الهادي، أو بالعكس إذ كل واحد منها سعيد بالنسبة إلى ربه شقي بالنسبة إلى رب آخر.
ونیست هذه السعادة والشقاوة ما حكمت به الشريعة فإن عبد الهادي سعيد مطلقا بحكمها وعبد المضل شقي مطلقة، وإنما قلنا لا يلزم أن يكون المرضي عند رب مرضية عند رب آخر (لأنه)، أي كل موجود (ما أخذ الربوبية إلا من كل) مجموعي وهو أحدية جمع أسماء الربوبية (لا من) اسم (واحد) بعينه ليلزم أن يكون المرضي عند ربه مرضية عند رب آخر لاتحاد ربیهما (فما تعين له)، أي لكل موجود (عن ذلك الكل) المجموعي (إلا ما يناسبه وما يناسب استعداده) من الأسماء المخصوصة.
(فهو)، أي ذلك المتعین (ربه ولا يأخذه)، أي الرب (أحد من حيث أحديته) الذاتية بل من حيث جمعيته الإلهية (ولهذا)، أي لعدم تعین الرب لكل أحد من مجموع الأسماء إلا ما يناسبه لا الذات من حيث أحديتها (منع أهل الله التجلي في الأحدية)، أي حكموا بامتناع التجني في مرتبة الأحدية ، فإن التجلي نسبة تقتضي النينية التجلي والمتجلى له المتغايرين ذاتا أو اعتبارا و هي تنافي الأحذية .
وهذا مجمل ما فصله رضي الله عنه بقوله (فإنك إن نظرته به) كما في قرب الفرائض بأن يرتفع المراد بضمير التاء وهو أنت عن البين، ولم يكن أحد طرفي نية التجلي (فهو الناظر نفسه فما زال ناظرة نفسه بنفسه وإن نظرنه بك) بأن تكون أنت الناظر كما في قرب النوافل.
(فزالت الأحدية بك وإن نظرته به وبك) بالجمع بين الاعتبارين كما في قربي الفرائض والنوافل معا.
(فزالت الأحدية) على هذا التقدير (أيضا)، وإنما زالت الأحدية في الصورتين الأخيرتين (لأن ضمير التاء في نظرته) يعني المراد به فيهما حيث لم ترتفع عن البين بالكلية.


قال الشيخ رضي الله عنه : (  المنظور، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا، فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه. ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر ومنظور.  فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه. ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا.
وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية».
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه)  
(ما هو عين المنظور) المشار إليه بضمير البهاء، فإن الناظر فيهما العبد والمنظور الرب (فلا بد) في شيء من هذه الصور الثلاث (من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرة ومنظورة) مغايرين بالذات أو الاعتبار.
(فزالت الأحدية) في كل صورة (وإن كان) الحق (لم ير إلا نفسه بنفسه) في الصورة الأولى (ومعلوم أنه في هذا الوصف)، أي رؤية نفسه بنفسه في الصورة الأولى (ناظر) من وجه (منظور) من وجه فهما متغايران بالاعتبار فزالت الأحدية أيضا (فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا) وسعيدا (مطلقا).
أي بالنسبة إلى جميع الأرباب بل يكون مرضيا وسعيدا بالنسبة إلى ربه فقط (إلا إذا كان جميع ما يظهر به)، أي المرضي (من فعل) الرب (الراضي)، أي رب كان من الأرباب بحيث لا يشذ شيء منها منحتنا (فيه). أي في المرضي كلإنسان الكامل ، فإنه أحدية جمع مظهرات جميع الأرباب وأفعالها فيكون مرضيا وسعيدا على الإطلاق لا من وجه دون وجه.
(ففضل إسماعيل) عليه السلام (غيره من الأعيان) يعني أعيان الأناسي الكاملين وغيرهم (بما نعته الحق به) ونص عليه (من كونه عند ربه مرضيا)، أي مطلقا فإنه سبحانه ما نص على ذلك في أحد غيره.
(وكذلك كل نفس مطمئنة) مستمرة على اكتساب مراضي الحق فضلت غيرها من الأنفس بتنصيص الحق على كونها مرضية حيث (قيل لها)"يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك راضيا مرضيا " الذي هو موطنك الأول فيكون ذهابك إليه رجعة (فما أمرها) الحق سبحانه في هذا القول.
(أن ترجع إلا إلى ربها الذي ناداها) بقوله : "يا أيتها النفس المطمئنه" و (و دعاها) بقوله : " ارجعي إلى ربك" (إليه) لتعرفه (فعرفته من الكل)، أي من كل الأرباب بما ظهر فيها من أفعاله وآثاره (" راضية مرضية" )، أي" ارجعي إلى ربك " راضية منه مرضية له ("فادخلي فى عبادي") المختصين بي بدلالة ياء الإضافة (من حيث ما لهم في هذا المقام)، أي مقام . العبودة المحضة


قال الشيخ رضي الله عنه : (  تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين: لا بد من ذلك «وادخلي جنتي» التي بها ستري. وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك. فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي. فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف.
فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها.  فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت،)  
(فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالی واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره) وإلا لم يكن عبد محض تربة (مع أحدية العين)، أي أحدية عين الأرباب واتحادهم بالذات وقوله : رب غيره، إما بالإضافة على أن يكون الضمير راجعا إلى ربه
(لا بد من ذلك) المذكور من الأوصاف ليكون العبد مرضيا عند ربه، أو لا بد من أحدية العين مع تعدد الأرباب ("وادخلي جنتي" [الفجر :30] التي هي ستري) بكسر السين وهو ما تستر به.
وفي بعض النسخ التي بها ستري بفتح السين وإنما فسر الجنة بما فسر لأنها فعلة من الجن وهو الستر (وليست جنتي) التي هي ستري (سواك فأنت تسترني) من حيث إطلاقي بذاتك الإنسانية من حيث تعينك ، لأنه لا يمكن أن أعرف من حيث اطلاقي (فلا أعرف إلا بك) من حيث تقيدك (كما أنك لا تكون)، أي لا توجد (إلا بي) من حيث إطلاقي (فمن عرفك) حق المعرفة (عرفني) فإن حقیقتك ليست إلا أنه لا فرق بيني وبينك إلا بالإطلاق والتقييد (وأنا لا أعرف) فإن العقل والكشف قاصران عن كنه حقیقتي (فأنت لا تعرف) فإن حقیقتي مأخوذة في حقيقتك.
قال الشيخ رضي الله عنه :
ولست أعرف من شيء حقیقته    ….. وكيف أعرفه وأنتم فيه
وقال آخر):
هذا الوجود وإن تعدد ظاهرا   …… وحياتكم ما فيه إلا أنتم
حقيقة كل موجود بدا ووجود هذي الكائنات توهم (فإذا دخلت جنته)، وهي نفسك (دخلت نفسك وتعرف نفسك) فإن الدخول فيها ليس إلا بعد العلم والمعرفة.
وفي بعض النسخ : فإذا دخلت نفسك فتعرف نفسك (معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها)، أي نفسك بهذه المعرفة (حتى عرفت ربك بمعرفتك إياها فتكون صاحب معرفتین) بربك ،

قال الشيخ رضي الله عنه : (
ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت.
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه فهو مرضي.)
فالمعرفة الأولى (معرفة به من حيث أنت)، أي من حيث أنك موجود مغایر له متميز عنه موصوف بالكمالات المفاضة منه عليك، فهي لك على سبيل العارية وله بالأصالة ، ومن حيث أنك عاجز فقير منبع النقائص والشرور وربك قادر غني منبع الكمالات والخيرات.
(و) المعرفة الثابتة (معرفة به بك) أي بسببك لكن (من حيث هو)، أي من حيث عينه التي ظهرت بصورتك لتكون مظهرا من مظاهره التي ظهر بها (لا من حيث أنت)، أي من حيث أنك ممتاز عنه مغاير له كما في المعرفة الأولى.
(فأنت عبد وأنت رب لمن فيه أنت عبد)، أي لمن أنت عبد له فيه الضمير الأخير أبيضا للموصول فإن كل موجود متحقق في الوجود الحق ظاهر فيه لأنك كالمرآة له ، فكلما ثبت له أيضا كالعبودية وغيرها إنما تثبت له فيها وثبات الربوبية للعبد بالنسبة إلى الرب إنما هو باعتبار إبقاء الربوبية عليه.
(وأنت رب وأنت عبد ...... لمن له في الخطاب)
بعنی خطاب : "ألست بربكم " [الأعراف: 172] (عهد) منك إليه بالاعتراف بربوبيته كما يدل عليه حكاية الحق عن المخاطبين بقوله: قالوا أي (فكل عقد)، أي كل عهد وكل عقيدة (عليه شخص) يكون ذلك العقد بينه وبين ربه الخاص (يحله)، أي يحل ذلك العقد ويخائفه (من سواه عقد)، أي يخالفه عقد حال كون ذلك العقد صادرة من سوى ذلك الشخص، فإن لكل شخص عقدة مخصوصة بحسب أستعداده ، يخالفه وينا فيه عقد مخصوص آخر. وجعل بعض الشارحین لفظ أمن في قوله من سواه مفتوحة الميم على أن تكون موصولة .
وقال معناه فكل عقد، أي اعتقاد علیه شخص بحله من سواه فهو عند: أي قبل لا يرتجی انشراح الصدر منه ولما حكم رضي الله عنه فيما سبق بكون كل من الرب والمربوب راضيا مرضيا عنه كان محل أن يشير إلى معنى قوله تعالى : "رضي الله عنهم ورضوا عنه " [ المائدة : 119]، ذلك لمن خشي ربه .
فقال : (فرضي الله) أحدية جميع الأسماء (عن عبيده) عن كل عبد ، عبد باعتبار الاسم الخاص الذي يربه (فهم)، أي العبيد (مرضيون)، أي كل عبد مرضي للاسم الخاص به، وذلك لا ينافي عدم كونه مرضية لاسم آخر كما يدل عليه قوله تعالى : "ولا يرضى لعباده الكفر" (ورضوا)، أي العبيد (عنه)، أي عن الله كل عن أسمه الخاص به يحسن قبوله ظهور آثاره وأحكامه (فهو)، أي الله (مرضي). لهم

قال الشيخ رضي الله عنه : (  فتقابلت الحضرتان تقابل الأمثال و الأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة و الشيء لا يضاد نفسه.
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول و ما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين
«ذلك لمن خشي ربه أن يكونه لعلمه بالتمييز.)
(فتقابلت الحضرتان) : حضرة الربوبية وحضرة العبودية المفهومتان من قوله تعالى :
"رضي الله عنهم ورضوا عنه" (تقابل الأمثال) فكل واحدة منهما تمائل الأخرى وتشابهها في كونها راضية مرضية (والأمثال أضداد) ولا ضد في الوجود في نظير شهود صاحب مقام الجمع، فلا مثل في الوجود في نظر شهوده فينتفي عنده التقابل، فلا يحكم كشفه به.
وإنما قال : الأمثال أضداد (لأن المثلين لا يجتمعان) في محل واحد (إذ) حيث يجتمعان فيه (لا يتمیزان)، لأن تمیز هما لا يكون إلا بتميز المحل (وما ثمة)، أي في مرتبة الأمثال (إلا متميز) فالمثلان متميزان فلا يجتمعان فهما ضدان (فما ثمة)، أي في حضرة الربوبية والعبودية (مثل فما في الوجود مثل لانحصار الوجود في تلك الحشرات وإذا لم يكن في الوجود مثل (فما في الوجود ضد)، لأن الأضداد أمثال تتماثلهما في الضدية وإن كان متفرعة على ما سبق، لكنه رضي الله عنه استدل عليه لزيادة التوضيح بقوله: (فإن الوجود حقيقة واحدة) نافية للكثرة (والشيء لا يضاد نفسه) لا في ضمن المماثلة ولا في غيرها وإذا ارتفعت الأمثال والأضداد، (فلم يبق) في الوجود (إلا) الواحد (الحق كائن) سواه فما ثم شيء (موصول) بشيء آخر بالمماثلة (ولا ثم) شيء (بائن) عن شيء آخر بالمضادة (بذا)، أي بما ذكرنا من الوحدة الصرفة (جاء برهان العيان) والكشف (فما أرى بعيني) البصريين أو البصر والبصيرة (إلا عينه) واحد بالوحدة الصرفة الغير المتكثر بالأمثال والأضداد (إذ أعاين) .
ولما نفى الشيخ رضي الله عنه وجود الأمثال وتقابلها المستلزم نفيها، نفی المتقابلين أعني الراضي والمرضي من الحق والخلق.
وكان ذلك النفي نظرة إلى شهود صاحب مقام الجمع أراد أن يثبتهما نظرة إلى شهود صاحب مقام الفرق بعد الجمع ، ويشير إلى أن في الآية أيضا إشارة إلى إثباتهما إنما هو بالنظر إليه لا مطلقا.
فقال : (ذلك)، أي إثبات التقابل والحكم بكون الرب راضيا والعبد مرضيا وبالعكس ("لمن خشي ربه " [البينة: 8] أن یكونه)، أي يتحد به لغلبة شهود الوحدة عليه ويرتفع التمييز بينهما في نظر شهوده فيختل أمر العبودية والربوبية وهذه الخشية إنما هي (لعلمه بالتمييز) بين الرب وعبیده و تضرر إيقاعه المفضي إلى عدم بلوغه إلى مرتبة الكمال

قال الشيخ رضي الله عنه : ( دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم.
فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب.
ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر.
والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هو من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو.
فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم: فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق)
(لما دلنا على ذلك) التمييز (جهل أعيان) ظاهرة (في الوجود).
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه لنا، أي حاصل معلوم لنا دالا على ذلك التمييز جها أعيان ظاهرة (بما أتى به)، أي خبر (عالم) فإن ذلك الاختلاف بالجهل والعلم يدل على التمييز بين الموصوفين بهما (فقد وقع التمييز بين العبيد فقد وقع التمييز بين الأرباب)، لأن اختلاف المعلومات يدل على اختلاف العلل وبين الأرباب وعبيدها أيضا لوجوب مغايرة العتل لمعلولاتها.
(ولو لم يقع التمييز) بين الأرباب التي هي الأسماء (لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما ينسر به الآخر والمعز لا يفسر بالمذل لكنه)، أي المعز (هو)، أي المذل (من وجه الأحدية)، أي أحدية الذات.
(كما نقول في كل اسم أنه دليل)، أي دال (على الذات) المطلقة (وعلى حقيقته)، أي حقيقة ذلك الاسم وخصوصيته المميزة له عن سائر الأسماء .
(من حيث هو) اسم خاص متميز عن ما عداه (فالمسمى) في جميع الأسماء (واحد)، وإن كانت الأسماء بحسب خصوصیاته كثيرة (فـ المعز هو المذل من حيث المسمى والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته) التي هي مفهومه الخاص (فإن المفهوم يختلف في الفهم)، أي العقل( في كل واحد منهما)، أي من المعز والمذل و ان اتحدا في الخارج (فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه)، أي تجرده (عن) لباس (الخلق) بأن يجعله موجودا خارجية مجردا عن التعينات الخلفية منزهة عن التقيدات المظهرية (ولا تنظر إلى الخلق ونكسوه سوى الحق)، أي تكسوه لباس الغيرية بأن نجعله مجرد عن الحق مغايرة له من كل الوجوه، بل انظر الحق في الخلق والخلق في الحق لترى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، ولم يكن شهود أحدهما مانعا عن شهود الآخر

قال الشيخ رضي الله عنه : (  ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق
تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي
الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود)
(ونزهه) في مقام أحديته وتجرده عن المظاهر (و شبهه) في مقام أحديته وتلبسه بالمظاهر (وقم) با تجمع بين التشبيه والتنزيه (في مقعد الصدق) الذي ليس فيه شائبة كذب .
فإن التنزيه المحض نیس تكذیبأ بمقام التشبيه وفي التشبيه الصرف تكذيب بمقام التنزيه ومقعد الصدق الذي ليس فيه شائبة كذب هو مقام الجمع بينهما (وكن في الجمع)، أيي و بعدها قدرت على شهود الوحدة في الكثرة وشهود الكثرة في الوحدة من غير أن يمتنع أحدهما عن الآخر فكن في الجمع وشهود الوحدة (إن شنت... وإن شئت في الفرق) وشهود الكثرة فإنه لا منافاة بينهما عندك (تحز بالكل إن كل ... تبدي قصب السبق)، أي تحز و تجمع بسبب هذه المقامات وجمعيتها أن تبدی، أي ظهر وحصل لكل واحد منها قصب السبق على من لم تحصل له منه الجمعية.
فقوله : تحز مجزوم على أنه جواب الأمر .
وقوله : قصب السبق منصوب على أنه مفعول تحز (فلا تفني) بحسب حقیقتك التي هي الحق (ولا تبقي) بحسب تعیناتك اللاتي هن شؤون الحق وهو تعاني "كل يوم هو في شأن" [الرحمن : 29] (ولا تفني)، أي لا تحكم بفناء شيء من حيث تلك الحقيقة (ولا تبقى)، أي لا تحكم ببقائه من حيث تعیناتها إذ المعني على أنه لا تفني من الحق سبحانه بنفسك بل بتجلياته الجلالين ولا تبنى بعد فنائك فيه بنفسك بل بنجلیانه الجمالية.
فكذلك لا تفنى ولا توصل إلى الغناء فيه بنفسك ولا تبقى، أي لا توصل أحد إلى البعاد به بعد الفناء فيه بنفسك بال المهني والمبقي هو الله سبحانه بتجنباته الجلالية والجمالية.
(ولا يلقي عليك الوحي ... في غير)، أي في صورة تغاير الحق مطلقا بل تغايره من حيث الإطلاق والتغيير أو في صورة تغايرك مطلقا، فإن الحقيقة واحدة ولا مغايرة إلا بحسب التعينات (ولا تلقي) أيضا على غير أي في صورة تغاير الحق سبحانه مطلقة وتغايرك متلق على ما عرفت.
وكما أنني الحق سبحانه على اسماعيل عليه السلام بصدق الوعد أراد أن يبين في حكمنه أسراره فقال : (الثناء) إنما يتحقق (بصدق الوعد) وإتيان الوعد بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيان المتوعد بما توعد به إذ لا يثني عقلا وعرف على من نصدر منه الآفات والمضرات بل على من تصدر منه الخيرات والمبرات.
(والحضرة الإلهية تطلب) من العبيد حيث أخرجهم من العلم إلى الوجود وجعلهم مظاهر أسمائه وصفاته الجميلة .



(ولا يلقي عليك الوحي ... في غير)، أي في صورة تغاير الحق مطلقا بل تغايره من حيث الإطلاق والتغيير أو في صورة تغايرك مطلقا، فإن الحقيقة واحدة ولا مغايرة إلا بحسب التعينات (ولا تلقي) أيضا على غير أي في صورة تغاير الحق سبحانه مطلقة وتغايرك متلق على ما عرفت.
وكما أنني الحق سبحانه على اسماعيل عليه السلام بصدق الوعد أراد أن يبين في حكمنه أسراره فقال : (الثناء) إنما يتحقق (بصدق الوعد) وإتيان الوعد بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيان المتوعد بما توعد به إذ لا يثني عقلا وعرف على من نصدر منه الآفات والمضرات بل على من تصدر منه الخيرات والمبرات.
(والحضرة الإلهية تطلب) من العبيد حيث أخرجهم من العلم إلى الوجود وجعلهم مظاهر أسمائه وصفاته الجميلة.


قال الشيخ رضي الله عنه : (  بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز. «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله» لم يقل و وعيده، بل قال «ونتجاوز عن سيئاتهم» مع أنه توعد على ذلك. فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح.)
 (الثناء المحمود بالذات) وقوله : المحمود إما صفة كاشفة للثناء أو مقيدة بناء على أن يطلق الثناء على إثبات الصفات مطلقا (فيثني عليها)، أي على الحضرة الإلهية (بصدق الوعد)، وإتيانها بالموعود (لا بصدق الوعيد) وإتيانها بما توعدت به (بل بالتجاوز) والعفو عما يوجب الوعيد فإن قلت : التجاوز والعفو يستلزم كذب الخبر الدال على الوعيد والحضرة الإلهية منزهة عن ذلك.
قلت : لعل الشيخ رضي الله عنه ذهب إلى أن الوعيد ليس بخير حقيقة، بل هو تهدید و زجر إذ قد تقرر في العربية أن الكلام الخبر كي يجيء لمعان كثيرة غير الإعلام والأخبار كالتلهف والتحسر والدعاء وغير ذلك، ثم استشهد رضي الله عنه إلى أن الثناء لا يكون إلا بصدق الوعد لا بصدق الوعيد .
بقوله تعالى: ("فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ") [إبراهيم: 47] حيث خص نفي إخلاف الوعد بالذكر في مقام الثناء (ولم يقل) مخلف وعد رسله (ووعیده) ولم ينف إخلاف الوعيد أيضا، ولا يخفى على الفطن أن هذه العبارة لا تقتضي وقوع الوعيد بالنسبة إلى الرسل فضلا عن أن يكون في القرآن حتى برد ما أورده بعض الفضلاء من أنه لم يجيء في القرآن المجيد وعيد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.

ويدل على أنه رضي الله عنه لم يقصد وقوع الوعيد بالنسبة إلى الرسل قوله (بل قال: "ونتجاوز عن سيئاتهم") [الأحقاف: 19] .
ضمير الجماعة ليس عائدة إلى الرسل فهو سبحانه وعد بالتجاوز عن السيئات (مع أنه توعد على ذلك)، أي على اقتراف السيئات وهو لا يخلف وعده فيتجاوز عن السيئات فلزم إخلاف الوعيد على اقترافها
(فأثنى على إسماعيل عليه السلام بأنه "كان صادق الوعد" که فقد زال الإمكان) [مریم: 54]، أي إمكان وقوع الوعيد (في حق الحق سبحانه لما فيه)، أي في الإمكان (من طلب المرجح) يعني ما يرجح جانب الوقوع على أن لا وقوع ولا مرجح ههنا.
فإن المرجح هو السيئات وهي متجاوز عنها فإن قلت : دخول بعض عصاة المؤمنين النار وخلود الكافرين كما يشهد به القرآن، وصرح به الشيخ رضي الله عنه أيضا يدل على وقوع الوعيد، فكيف يصح الحكم بزوال إمكانه .

قلت : الوعيد حقيقة الإخبار بهول التعذيب بالنار لا التعذيب مطلقا، فإن التعذيب الزائل في الحقيقة تطهير وتزكية للمعذب عن موانع اللطف والرحمة فالإخبار به في الحقيقة وعد لا وعيد بخلاف التعذيب الغير الزائل فإنه لا خير فيه بالنسبة إليه :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين )
(فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق)
أي لما توعد به الحق وهو التعذيب الغير الزائل (عين تعاين ... وإن دخلوا)، أي أهل الوعيد (دار الشفاء) التي هي النار (فإنهم) بالآخرة واقعون (على لذة) كائن (فيها)، أي في تلك اللذة (نعیم مباین... نعيم جنات الخلد).
فقوله : نعيم مباین مبتدأ خبره قوله : فيها المقدم عليه .
وقوله : نعيم جنات الخلد مفعول للمباین (فالأمر) في النعيمين من حيث كون كل واحد منهما نعیم يلتذ به (واحد... وبينهما)، أي بين النعيمين (عند النجلي) الواقع بحسب استعدادات المنجلي لهم (تباين في الصورة فإن نعيم أهل الجنة إنما يظهر بصورة الحور والغلمان والولدان وغيرها.
ونعيم أهل النار بصورة النيران فإنهم يتلذذون بها وإن كان بعد تطاول الأزمان (يسمی) نعيم أهل النار (عذابا من عذوبة طعمه...) أخرة (وذاك)، أي تسمينه عذابا (له كالقشر والقشر صائن) للبه من تطرق الآفة فالآفة إليه .
فكما أن القشر يصون لبه عن الآفات كذلك لفظ العذاب يصون معناه عن إدراك المحجوبين عن حقائق الأشياء، اعلم أن لأهل النار الخالدين فيها كما يظهر من كلام الشيخ رضي الله عنه وتابعيه حالات ثلاث.

الأولى : أنهم إذا دخلوا تسلط العذاب على ظواهرهم وبواطنهم وملكهم الجزع والاضطراب ، فطلبوا أن يخفف عنهم العذاب أو أن يقضي عليهم أو أن يرجعوا إلى الدنيا فلم يجابوا إلى طلباتهم
والثانية : أنهم إذا لم يجابوا إلى طلباتهم وطنوا أنفسهم على العذاب فعند ذلك رفع الله العذاب عن بواطنهم وخبت "نار الله الموقدة  التي تتطلع على الأفئدة" [الهمزة: 6 - 7]
والثالثة : أنهم بعد مضي الأحفاب ألفوا العذاب وتوعدوا به ولم يتعذبوا بشدته بعد طول مدته ، ولم يتألموا به و إن عظم إلى أن آل أمرهم إلى أن يتلذذوا به ويستعذبونه، حتى لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه وتعذبوا به کالجعل و تأذيه برائحة الورد، عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك .
تم الفص الإسماعيلي
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment