Monday, March 16, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التّعليم الإلهيّ الّذي خصّ اللّه بالاطلاع عليه من شاء من عباده .   ولمّا وجده آل فرعون في اليمّ عند الشّجرة سمّاه فرعون موسى : والمو هو الماء بالقبطيّة ، والسّا هو الشّجر فسمّاه بما وجده عنده ، فإنّ التّابوت وقف عند الشّجرة في اليمّ . فأراد قتله فقالت امرأته - وكانت منطقة بالنّطق الإلهيّ - فيما قالت لفرعون ، إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الّذي هو للذّكران ، فقالت لفرعون في حقّ موسى: " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " [ القصص : 9 ]. )

قال رضي الله عنه :  (فانظر) يا أيها السالك (ما أحسن هذا التعليم الإلهي) من اللّه تعالى ومنا لغيرنا (الذي خص اللّه) تعالى (بالاطلاع عليه السلام ) ، أي بفهمه ومعرفته والتحقق به من شاء ، أي أراده سبحانه من عباده المؤمنين.

قال رضي الله عنه :  (ولما وجده) ، أي موسى عليه السلام وهو موضوع في التابوت (آل فرعون) ، أي قومه (في اليم ) ، أي البحر (عند الشجرة) في حافة البحر (سماه فرعون موسى والمو هو الماء) ، أي اسم الماء بالقبطية ، أي لغة فرعون وقومه (والسا هو الشجر فسماه) ، أي فرعون (بما وجده) ، أي موسى عليه السلام (عنده) من الماء والشجر بلغته لغة القبط فإن التابوت ، أي تابوت موسى عليه السلام الذي وضعته فيه أمه وألقته في اليم (وقف عند الشجر في) شط (اليم) ، أي البحر .

قال الشيخ زاده رحمه اللّه في حاشية البيضاوي ، موسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام .

وقيل : أن موسى اسم مركب من كلمتين بالعبرانية وهما : مووشا بالشين المعجمة فمو هو الماء بلسانهم وشا هي الشجر فعربته العرب فقالوا : موسى
وقالوا : إنما سمي به لأن أمه جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في البحر ، فدفعته أمواج البحر حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون ، فخرجت جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت ، فأخذنه فسمي عليه السلام باسم المكان الذي أصيب فيه وهو الماء والشجر .

(فأراد) فرعون (قتله) ، أي موسى عليه السلام (فقالت امرأته) ، أي آسية امرأة فرعون (وكانت منطقة) ، أي تنطق (بالنطق الإلهي) لا بالنطق النفساني لإيمانها باللّه تعالى وكفرها بفرعون باطنا (فيما قالت) ، أي في قولها (لفرعون) من الكلام الآتي إذ كان اللّه تعالى من قبل (خلقها) ، أي امرأة فرعون (للكمال) ، أي متهيئة له مستعدة لقبوله (كما قال) ، أي نبينا (عليه السلام عنها) ، أي عن آسية امرأة فرعون في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري .

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ».
رواه البخاري ورواه مسلم والترمذي وابن ماجة ورواه غيرهم .

قال رضي الله عنه :  (حيث شهد) صلى اللّه عليه وسلم (لها) ، أي لآسية امرأة فرعون (ولمريم بنت عمران بالكمال) الإلهي (الذي هو للذكران) ، أي حاصل للكاملين منهم (فقالت) ، أي آسية (لفرعون في حق موسى) عليه السلام إنه ، أي موسى عليه السلام ("قُرَّتُ عَيْنٍ") ، أي سرور دائم ("لِي وَلَك َأيضا") [ القصص : 9 ] .
قال تعالى : "وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ" [ القصص : 9 ] .

قال رضي الله عنه :  ( فبه قرّت عينها بالكمال الّذي حصل لها كما قلنا ؛ وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الّذي أعطاه اللّه عند الغرق .  فقبضه طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث لأنّه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام . والإسلام يجبّ ما قبله . وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء حتّى لا ييأس أحد من رحمة اللّه إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ[ يوسف : 87 ] فلو كان فرعون ممّن ييأس ما بادر إلى الإيمان . )

قال رضي الله عنه :  (فبه) ، أي بموسى عليه السلام (قرت عيناها) ، أي آسية بالكمال الإلهي الذي حصل لها ببركة تربية موسى عليه السلام وحفظه وحمايته ممن يريده بسوء كما قلنا ، أنه شهد لها بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكان أيضا (قرة عين لفرعون بالإيمان) ، أي الإذعان والتصديق بدين موسى عليه السلام ونبوته ورسالته (الذي أعطاه اللّه) تعالى (عند الغرق) في البحر أي قبله ، لما شاهد أسباب الهلاك ، وقد رأى موسى وقومه من بني إسرائيل نجوا من الغرق في البحر والهلاك فيه بإيمانهم وإسلامهم ،

وتحقق بأن ذلك حق فأمن وأسلم طمعا في اللحاق بهم ورجاء في السلامة والنجاة من الغرق لا يأسا من الحياة ،
كما قال بعضهم بأن : إيمان اليأس غير مقبول كما سيأتي ؛ ولهذا قال لما أدركه الغرق :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] وخص بني إسرائيل لعله يلتحق بهم وينجيه اللّه تعالى من الغرق كما أنجاهم وكانت قد حضرت منيته واستكملت حياته ولن يؤخر اللّه نفسا إذا جاء أجلها .

قال رضي الله عنه :  (فقبضه) ، أي فرعون ، يعني أماته اللّه تعالى (طاهرا) من دنس الكفر ، أي مؤمنا مسلما بإيمان وإسلام ثابت في النص المتواتر وهو القرآن العظيم فيجب الإيمان به وتصديقه وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا[ النساء : 122 ] ، وأما كون ذلك لم يقبل منه وليس بصريح الآية ولا مفهوما أيضا فإن قوله تعالى :آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ[ يونس : 91 ] .

يقتضي المعاتبة له في تأخير إيمانه إلى ذلك الوقت لا عدم قبوله ، وقد خص عصيانه بعدم إيمانه بكونه قبل ، أي عصيت قبل الآن لا الآن ، والآن لم تعص فأطعت .

وقوله تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ[ يونس : 92 ] ، أي وحدك ولا ننجي معك أحدا من قومك لكونك آمنت إيمان طمع ورجاء كما ذكرنا ،
ومن قال أن نجاته بكون حيتان البحر لم تأكل جسده فليس هذا المعنى بنجاة ، وإن وقع فإن النجاة المعتبرة عند حلول الأجل إنما هي نجاة الإيمان والإسلام خصوصا ، وقد أضافها اللّه تعالى إليه بنون العظمة ،
وقرنها بقوله سبحانه لتكون لمن خلفك آية للأمم المتأخرين علامة على سعة رحمة اللّه تعالى في كل من جاءها مؤمنا مسلما مثلك طامعا فيها بمراده راجيا منها حصول مقصوده حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه تعالى ، ولا يقنط من إحسانه وقبول توبته ،
وما ذكره البغوي في المصابيح وذكره غيره أيضا من حديث أن جبريل عليه السلام كان يأخذ من طين البحر ويضع في فم فرعون لئلا يتوب لم يصح .

قال الفخر الرازي في تفسيره :
الأقرب أنه لا يصح ، لأن في تلك الحالة إما أن يقال إن كان التكليف ثابتا لم يجز لجبريل عليه السلام أن يمنعه من التوبة ، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى الطاعة لقوله تعالى :وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ[ المائدة : 2 ] ،
وأيضا لو منعه بما منعه من الطين كانت التوبة ممكنة لأن الأخرس قد يتوب بأن يندم بقلبه ويعزم على ترك معاودة القبيح ، وحينئذ لا يبقى لما فعله جبريل عليه السلام فائدة .
وأيضا لو منعه لكان قد رضي ببقائه على الكفر والرضى بالكفر كفر وأيضا ،

فكيف يليق باللّه تعالى أن يقول لموسى وهارون عليهما السلام :فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [ طه : 44 ] ، ثم يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان ،
(ولو قيل) : إن جبريل عليه السلام إنما فعل ذلك عن نفسه لا بأمر اللّه تعالى ، فهذا يبطله قول جبريل عليه السلام عن نفسه وعن الملائكة وما نتنزل إلا بأمر ربك ، وقوله تعالى في صفتهم :وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ[ الأنبياء : 28 ] .
(وقوله تعالى ) :لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [ الأنبياء : 27 ] .
وأما إن قيل : التكليف كان زائلا عن فرعون في ذلك الوقت فحينئذ لا يبقى لهذا الفعل الذي نسب جبرائيل عليه السلام إليه فائدة أصلا .
وذكر أبو عيسى الترمذي في جامعه بإسناده عن ابن عباس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :
"لما أغرق اللّه تعالى فرعون قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فقال جبريل عليه السلام : يا محمد فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة " هذا حديث حسن . سنن الترمذي .
وروي بإسناده أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر أن جبريل عليه السلام جعل يدس في في فرعون الطين خشية أن يقول : لا إله إلا اللّه فيرحمه اللّه أو خشية أن يرحمه اللّه . هذا حديث حسن غريب صحيح انتهى .

(فقوله) : خشية أن يرحمه اللّه مخافة أن تدركه الرحمة يعني في الحياة الدنيا فينجو من الغرق فيكون فتنة لبني إسرائيل أو فيعود إلى ما كان عليه من الكفر قال تعالى :وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ[ الأنعام :28] الآية .
ولا يتصوّر أحد أن المعنى مخافة أن تدركه الرحمة في الآخرة فيموت على الإيمان فإن هذا أمر بعيد من قصد جبريل له الملك المعصوم عليه السلام كما ذكرناه عن الرازي (مطهرا )،
أي مغسولا بماء البحر (ليس فيه) ، أي فرعون في ذلك الوقت (شيء من الخبث) ،
أي النجاسة المعنوية والحسية (لأنه) ، أي اللّه تعالى (قبضه) ، أي مات فرعون (عند إيمانه) ،
أي في وقت حصول الإيمان منه والإسلام للّه تعالى بإخلاص قلبه وصدق لبه كما قال تعالى :فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ العنكبوت : 65 ] .

وهذا حالهم وهم في السفينة مشرفون على الهلاك ، فكيف بمن هو في وسط البحر وقد أشرف على الهلاك وطمع في النجاة والسلامة لمعاينة وقوع ذلك لغيره في ذلك الوقت فإن إخلاصه للّه تعالى في إيمانه وتوبته أبلغ وأكثر (قبل أن يكتسب) ، أي فرعون (شيئا من الآثام) ، أي الذنوب (والإسلام) إذا حصل من المكلف (يجبّ) ، أي يقطع حكم (ما) كان (قبله) من جميع المعاصي والمخالفات .

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « الإسلام يجبّ ما كان قبله » . رواه ابن سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم وهذا في حقوق اللّه تعالى . رواه ابن سعد في طبقاته ورواه أحمد الطبراني

وأما في حقوق العباد فيبقى عليه بعد الإسلام أمر التبعات والمظالم كتسخيره لقومه قهرا عنهم في البعض وغصب أموالهم وإضلالهم بعبادته كما قال تعالى :وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [ طه : 79 ] ،
وقد يكون في ضمن إيمانه وإسلامه ندم على صدور ذلك منه كله ولم يعش بعده زمانا يتيسر فيه الاستحلال من قومه في مظالمهم والهداية لهم بدلالتهم على الإيمان بموسى عليه السلام فيكون مات تائبا أيضا من حقوق العبد والاستحلال بإرضاء الخصوم شرط التوبة من حقوق العباد إذا أمكنه ذلك وإذا لم يمكنه فالندم يكفيه كما ورد في الحديث : « الندم توبة » أخرجه ابن ماجة   والحاكم في مستدركه عن ابن مسعود والبيهقي عن أنس بن مالك .

وفي رواية الطبراني وأبي نعيم في الحلية عن أبي سعيد الأنصاري : « الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ».
وفي الفتاوى البزارية أوائل كتاب الزكاة : من مات وعليه ديون وكان من قصده الأداء لا يؤاخذ به يوم القيامة ، لأنه يتحقق المطل انتهى .
وذكر اللقاني المالكي في شرح جوهرته .
قال : وأما رد المظالم والخروج عنها برد المال أو الإبراء منه أو الاعتراف إلى المغتاب واسترضائه إن بلغته الغيبة ونحو ذلك فواجب عندنا في نفسه لا يدخل له في الندم على ذنب آخر لما قاله إمام الحرمين في الشامل وهو مذهب الجمهور

وقال الآمدي : إذا أتى المظلمة كالقتل والضرب مثلا فقد وجب عليه أمران :
التوبة والخروج عن المظلمة بتسليم نفسه مع الإمكان ليقتص منه ، ومن أتى بأحد الواجبين لم تكن صحة ما أتى به لتوقفه على الإتيان بالواجب الآخر ، كمن وجب  عليه صلاتان فأتى بإحداهما دون الأخرى ،

نعم إذا أراد أن يتوب من تلك الظلامة نفسها فلا بد من ردها أو التحليل ممن هي له ، إن وجد فيه شرط التحليل وأمن عند الطلب ذلك مما هو أعظم من المعصية التي ارتكبها انتهى . وتمامه هناك .

وغرضنا من هذا الكلام أن حقوق العباد إذا تاب منها العبد بالندم بقلبه صحت توبته من معصية التجري على الغير والتعدي عليه في حقه ، وبقي عين الحق في ذمة التائب دينا عليه يلزمه أداؤه ، فإذا كان ناويا أداءه لو عاش زمانا وتمكن من ذلك فإنه لا يؤاخذ به أيضا يوم القيامة ، خصوصا وقد مات فرعون غرقا في البحر ، فحصل له رتبة شهيد البحر بعد قبول إيمانه ، واللّه على كل شيء قدير .

وفي حديث الطبراني وابن ماجة عن أبي أمامة : « شهيد البحر مثل شهيد البر والميت في البحر كالمتشحط في دمه في البر وما بين الموجتين في البحر كقاطع الدنيا في طاعة اللّه وأن اللّه عز وجل وكّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهداء البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ويغفر لشهيد البحر الذنوب كلها والدين ». المزي في تهذيب الكمال

فاعتنى اللّه تعالى به وجعل حاله بعكس حال إبليس في سعادته آخرا وسعادة إبليس أوّلا . وكان ذلك ببركة تربية موسى عليه السلام وصبره على انتهاك حرمته حين قبض على لحيته وهو رئيس قومه ، وكانت لحية فرعون منظومة بالجواهر واللآلىء وموسى عليه السلام صغير في حجره حتى أراد فرعون قتله لفعله ذلك فقالوا لفرعون إنه لا يفرق بين التمرة والجمرة ، ولما عرض عليه ذلك أخذ الجمرة ووضعها في فمه فأحرقت لسانه ،
فقيل : إن اللكنة التي كانت في لسان موسى عليه السلام كانت من ذلك كما قال :وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ( 27 ) يَفْقَهُوا قَوْلِي ( 28 )[ طه : 27 - 28 ] . وقال : أخي هارون هو أفصح مني لسانا .

قال رضي الله عنه :  (وجعله) ، أي جعل اللّه تعالى فرعون آية كما قال تعالى لتكون لمن خلفك آية أي علامة واضحة (على عنايته) ، أي اعتنائه (سبحانه بمن شاء) من عباده (حتى لا ييأس واحد من رحمة اللّه) تعالى (فإنه) ، أي الشأن كما قال تعالى :"لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ،" أي رحمته "إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ"[ يوسف : 87 ].
 فلو كان فرعون ممن ييأس من رحمة اللّه تعالى ما بادر إلى الإيمان وأسرع إليه حين أدركه الغرق معرفة منه وتحققا أن الإيمان ينجيه لا نجاة له سواه وقد واجهه من اللّه تعالى صريح النجاة بقوله سبحانه :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ[ يونس : 92 ] .

ولم ينقل عنه أنه سلم من الغرق ولم يمت من ذلك ، فتعين أن تكون نجاته هي النجاة التي أرادها بإيمانه وإسلامه ، أعني نجاة القبول له من اللّه تعالى وإلحاقه ببني إسرائيل في إيمانهم وإسلامهم وسلامتهم من الغرق .

وفي تقدير اللّه تعالى أنه يموت غريقا ، وقد حل أجله فمات ، وكذلك وبنو إسرائيل أطول معه عمرا فعاشوا بعده وقد حصل له اللحاق بهم في إيمانهم وإسلامهم كما ورد في صريح الآية :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] ، والأصل القبول حتى يأتي قاطع من الأدلة ينفيه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص اللّه بالاطلاع عليه من شاء من عباده ) وإنما كان هذا التعليم إلهيا إذ كل ما ذكر من التعليم هو التحقيق الذي علمه اللّه في كلامه المجيد ( ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى والمو هو الماء بالقبطية وسى هو الشجر فسماه بما وجده عنده فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم فأراد قتله فقالت امرأته ) آسية وكانت ( منطقة بالنطق الإلهي ) أي هي التي أنطقها اللّه من غير اختيار ( فيما قالت لفرعون ) وإنما قالت منطقة بالنطق الإلهي ( إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران ) .

قوله رضي الله عنه  : ( بالكمال ) يتعلق بقوله شهد أي شهد بالكمال ( الذي هو للذكران ) وهذا معنى حديث النبي عليه السلام : "كملت من النساء أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة وفاطمة "
""ورد بلفظ: « كمل من الرّجال كثير ولم يكمل من النّساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران » ذكره البخاري ومسلم والترمذي  .

فشهد رسول اللّه عليه السلام في حقهن بالكمال الذي هو للرجال فجعل رسول اللّه عليه السلام آسية من زمرة الرجال فكانت منطقة بالنطق الإلهي أي تخبر عن الكمال الذي يحصل لها ولفرعون بموسى فكلاهما صدق واقع ( فيما قالت لفرعون في حق موسى أنه قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فلما قالت كذلك ( فبه ) أي فبموسى ( قرة عينها ) أي عين آسية ( بالكمال الذي حصل لها ) أي أعطاها اللّه ذلك بسبب موسى.

( كما قلنا ) من أن الرسول عليه السلام شهد لها بالكمال الذي هو للذكران فكان قرة عين لها بهذا الكمال المشهود به .

قال  رضي الله عنه :  ( فكان ) موسى ( قرة عين لفرعون بالايمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق ) والمراد بذلك الكلام إتيان الشاهدة للعادلة لإيمان فرعون من النساء الصادقة المكرمة عند اللّه متزكيا بقول الرسول حيث قال عليه السلام عنها حيث شهد لها ( فقبضه اللّه ) على تقدير ثبوت ما ذكر من الدليل ( طاهرا ) أي حال كونه طاهرا ( مطهرا ) من حيث البدن والروح ( ليس فيه ) أي بحيث لا يوجد فيه عند الانتقال ( شيء من الخبث ) وهو الشرك وإنما قلنا قبضه على الطهارة ( لأنه ) أي لأن الشأن ( قبضه اللّه عند إيمانه ) وهو قوله آمنت بالذيآمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَفظهر جسده وروحه بالايمان ثم قبض فكان قبض الروح واقعا بعد الايمان ( وقبل أن يكتب شيئا من الآثام والإسلام يجب ) أي يسقط ويمحو ( ما قبله ) .

من حقوق اللّه ومقتضى مثل هذا الايمان أن يجعل صحيحا معتدّا به أي لم يعارضه الدليل أو لم يردّ المنع على دليله فسنذكره إن شاء اللّه ما فيه من المنع  والمعارضة فقوله وكانت منطقة بالنطق الإلهي دليل ، وقوله لأنه قبضه دليل

وقوله رضي الله عنه : ( وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه ) دليل وقوله ( فإنه لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ فلو كان فرعون ممن ييأس ) من رحمة اللّه .

قال رضي الله عنه :  ( ما بادر إلى الايمان ) دليل وقوله من بعد وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين بالانتقال دليل ونتيجة الدلائل المذكورة .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال  رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.  ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك». فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله. وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه  : ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهيّ الذي خصّ الله بالاطَّلاع عليه من شاء من عباده ، ولمّا وجده آل فرعون في اليمّ عند الشجرة ، سمّاه فرعون موسى ، و "المو " هو الماء بالقبطية و « السّا » هو الشجر ، فسمّاه بما وجده عنده ، فإنّ التابوت وقف عند الشجرة في اليمّ) .

قال العبد : كما أنّ التابوت كان ضرب مثل للهيكل الجسماني الإنساني الذي فيه سكينة الربّ وهو الروح الذي أسكنه الله في هيكله وسكَّنه به ، وموسى صورة الروح من حيث هذا الوجه ، واليمّ - الذي هو البحر - صورة العلم الحاصل للروح الإنساني بسبب هذه النشأة العنصرية أي الحاصل ظهور ما كان لها بالقوّة بواسطته بالفعل ، فإنّ القوّة العلمية ذاتية للنفس ،
ولكن ظهورها بالفعل على الوجه الأكمل متوقّف على مظاهر قواها من هذه الصورة الهيكلية العنصرية ، فكذلك فرعون صورة الهوى الذي هو السلطان الغالب في مصر النشأة العنصرية ، ووجدانه للتابوت وحصوله له وعنده صورة تعيّن الروح ووقوفه أوّلا في تعمير البدن في حكم الهوى وعنده ،
فإنّ تربية الروح الإنساني إنّما تتمّ بوجود الهوى للنفس في تعمير البدن ومع تكامل القوى المزاجية تتكامل تربية الروح ، فيظهر قواه بالروح الإنساني  إلى أن يبلغ أشدّه ويظفر بالهوى ويملك مصر الكمال الطبيعي ، ووقوف تابوته عند الشجر إشارة إلى أنّ الهيكل الكماليّ الإنساني يتوقّف وجوده على الأركان المتشاجرة الأغصان من أصل الطبيعة الواحدة ،
فإنّ الشجر إنّما سمّي شجرا لاختلاف أغصانه والتفافها ، والمشاجرة هي المخالفة والمخاصمة ، كذلك هذا التابوت الناسوتي الهيكلي واقف عند الهوى بمقتضى القوى والخصائص الروحانية ، فافهم .

قال رضي الله عنه  : ( فأراد قتله ، فقالت امرأته - وكانت منطقة بالنطق الإلهي الذي أنطق به كلّ شيء  فيما قالت لفرعون ، إذا  كان الله خلقها للكمال ، كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو الذكران فقالت لفرعون في حق موسى : إنّه " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " فيه قرّت عينها بالكمال الذي حصل لها ، كما قلنا وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق ، فقبضه طاهرا مطهّرا ، ليس عليه شيء من الخبث ، لأنّه قبضه عند إيمانه ، قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، والإسلام يجبّ ما قبله ، وجعله آية على عنايته - سبحانه - لمن شاء ، حتى لا ييأس أحد من رحمة الله "إِنَّه ُ لا يَيْأَسُ " ،" من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ "  فلو كان فرعون ممّن يئس ، ما بادر إلى الإيمان )

قال العبد : قد تقرّر في نفوس العامّة من المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى أنّ فرعون كافر وأنّه من أهل النار بما ثبت عنه قبل الغرق من المعاداة لنبيّ الله ولنبي إسرائيل وبما قال :   " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى "  
وبقوله :   "ما عَلِمْتُ لَكُمْ من إِله ٍ غَيْرِي "   وبأفعاله السيّئة إذ ذاك ، ولكنّ القرآن أصدق شاهد بإيمانه عند الغرق قبل أن يغرغر ، بل حال تمكَّنه من النطق بالإيمان وعلمه بأنّ النجاة حصر في ذلك ،
فقال : آمنت بالَّذى   " آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا من الْمُسْلِمِينَ "  وهذا إخبار صحيح لا يدخله النسخ ، ولكنّ فيه دليلا أيضا أنّه لم يكن مؤمنا قبل هذا الإيمان ، كما زعم أهل الأخبار أنّه كان مؤمنا في الباطن ، وأنّه كان يكتم إيمانه عن قومه سياسة حكمية ، إذ لا دليل على ذلك من القرآن ولا فيما صحّ من الحديث ، فلم يكن إيمانه إلَّا عند الغرق بالاستدلال على وجود الله وكمال قدرته بما رأى أنّه أنجى بني إسرائيل الذين آمنوا به من الغرق ، فآمن به ، إمّا طلبا للنجاة أو إيمانا لا لعلَّة .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».  فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده ، ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى والمو : هو الماء بالقبطية ، والسا : هو الشجرة فسماه بما وجده عنده ، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم ، فأراد قتله فقالت امرأته وكانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون إذ كان الله خلقها للكمال ، كما قال تعالى عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو الذكران
بقوله :" وكانَتْ من الْقانِتِينَ " بعد الجمع بينهما في ضرب المثل

قال رضي الله عنه :  ( فقالت لفرعون في حق موسى  إنه " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ " فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا ، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، والإسلام يجبّ ما قبله ، وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله  فـ " إِنَّه لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ " ، فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الإيمان ).

على تأويل التابوت بالبدن الإنسانى وموسى بالروح يؤول فرعون بالنفس الأمارة والشجر بالقوة الفكرية ، فمن أراد التطبيق فليرجع إلى تأويلات القرآن التي كتبناها فليس هذا موضع ذكره ، وأما الإيمان الذي بادر إليه فرعون قبل موته إذ أدركه الغرق وكونه منتفعا به مقبولا ، فهو مما أنكره بعضهم على الشيخ قدس سره وليس بذلك لأن القياس أثبت صحته كما ذكر ، فإن النص دل على ما أفصح عنه قبل أن يتغرغر حيث قال :" آمَنْتُ أَنَّه لا إِله إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا من الْمُسْلِمِينَ " .
وليس بمناف لكتاب الله كما زعم هذا المنكر ، فإن كونه طاهرا مطهرا من الخبث الاعتقادي كالشرك ودعوى الألوهية لا ينافي الإنكار في قوله :" آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ "
 يعنى الآن مؤمن لأنه متوجه إلى كونه سببا للنجاة من الغرق ، ولهذا جعل الموجب له العصيان السابق والإفساد ، ولا ينافي أيضا تعذيبه في الآخرة بسبب الظلم وارتكاب الكبائر ، فإن الذنوب التي يجبها الإسلام هي التي بين العبد والرب ،
فأما المظالم التي تتعلق برقبته من جهة الخلق فلا ، ولهذا أخبر عن وعيده في الكتاب على الإضلال بقوله : " يَقْدُمُ قَوْمَه يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وأُتْبِعُوا في هذِه لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ".

وبقوله : " وأَتْبَعْناهُمْ في هذِه الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ من الْمَقْبُوحِينَ " فإن مثل هذه الوعيد والتعذيب ثابت للفساق من المؤمنين مع صحة إيمانهم ، وأما نفع إيمانه وفائدته فهو في انتفاء خلوده في النار وخلاصه من العذاب في العاقبة ، فإن المؤمن لا يخلد في النار لا أنه لا يدخل النار ، وأما قوله :" وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ". وأمثاله فهو مخصوص بالآل وهم كفار.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده . ) ( التعليم الإلهي ) إشارة إلى قوله تعالى : ( اتقوا الله يعلمكم الله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) . فمن اتقى ولم يثبت لغيره وجودا ، يستحق بأمثال هذه اللطائف والمعارف .

قال رضي الله عنه :  ( ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة ، سماه فرعون "موسى" . و"المو" هو "الماء" بالقبطية . و"السا" هو الشجر ، فسماه بما وجده عنده : فإن التابوت وقف عند الشجر في اليم . فأراد قتله . فقالت امرأته وكانت منطقة بالنطق الإلهي )
أي ، كانت ممن أنطقه الله بالنطق الإلهي من غير اختيارها ، كما قال تعالى من لسان الأعضاء : ( أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ ) . وكانت مؤيدة من الله.

قال رضي الله عنه :   ( فيما قالت لفرعون إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال ، عليه السلام ، عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران ) أي ، بحسب الغلبة .

وهو إشارة إلى قوله عليه السلام : ( كملت من النساء أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة
فرعون ، وخديجة ، وفاطمة ، رضى الله عنهن ) . ولهذا الكمال قال تعالى في مريم : ( وكانت من القانتين ) . فجعلها في زمرة الرجال .
وصرح الشيخ في الفتوحات ، في باب الأولياء : "إن هذه المقامات ليست مخصوصة بالرجال ، فقد تكون للنساء أيضا ، لكن لما كانت الغلبة للرجال ، تذكر باسم الرجال" .
( فقالت لفرعون في حق موسى إنه "قره عين لي ولك" . فيه ) أي ، في موسى

قال رضي الله عنه :  ( قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلناه . وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله له عند الغرق . ) وذلك لأن الحق تكلم بلسانها من غير اختيارها وأخبر بأنه قرة عين لها ولفرعون ، فوجب أن يكون كذلك في نفس الأمر .

قال رضي الله عنه :  ( فقبضه ) أي ، الحق . ( طاهرا مطهرا ، ليس فيه شئ من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله . فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون . فلو كان فرعون ممن ييأس ، ما بادر إلى الإيمان ).
لما كان إيمان فرعون في البحر ، حيث رأى طريقا واضحا عبر عليه بنوا إسرائيل ، قبل التغرغر وقبل ظهور أحكام الدار الآخرة له مما يشاهدونه عند الغرغرة ، جعل إيمانه صحيحا معتدا به ، فإنه إيمان بالغيب ، لأنه كان قبل الغرغرة .
وهو بعينه كإيمان من يؤمن عند القتل من الكفار . وهو صحيح من غير خلاف  وإنما كان إيمان المتغرغر غير صحيح لظهور أحكام الدار الآخرة له ، من النعيم والجحيم والثواب والعذاب .

وجعله ( طاهرا مطهرا ) من الخبث الاعتقادي ، أي ، من الشرك ودعوى الربوبية ، لأن الإسلام يجب ما قبله - كما جاء في الخبر الصحيح - ولم يكتسب بعد الإيمان شيئا من الآثام والعصيان .
وقوله تعالى : "الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين" .
أي ، آمنت الان ، وكنت من العاصين المفسدين من قبل ، نوع من العتاب عند التوجه إلى الحق والإيمان به . وهو لا ينافي صحة إيمانه .

وما جاء من قوله : "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود" . الضمير "القوم " و "المورد" الذي هو فرعون ، لا يجب دخوله فيهم .
وقوله : "واتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود" . وقوله : " وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين " . الضمير " القوم " و "اللعنة" ودخول النار لا ينافي الإيمان ، لأن اللعنة هي البعد ، وهي تجتمع مع الإيمان .

كما في المحجوبين والعصاة والفسقة من المسلمين .
والورود في النار ليس مخصوصا بهم ، بل عام شامل للكل ، كما قال : "وإن منكم إلا واردها" . فهو لا ينافي الإيمان .
وليس بكفر فرعون بعد إيمانه نص صريح فيه . وما جاء فيه كان حكاية عما قبل .

وقوله رضي الله عنه  : ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ) . صريح في آله ، لا في فرعون .
وفائدة إيمانه ، على تقدير التعذيب ، عدم الخلود في النار . والتعذيب بالمظالم وحقوق العباد ، مما لا يرتفع بالإسلام ، لا ينافي أيضا الإيمان والطهارة من الشرك وخبث العقيدة .
فلا ينكر على الشيخ ما قاله مع أنه مأمور بهذا القول ، إذ جميع ما في الكتاب مسطور بأمر الرسول ، صلى الله عليه وسلم فهو معذور .  كما أن المنكر المغرور معذور .

وقوله : "وجعله آية على عنايته " إشارة إلى قوله تعالى : "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " . وهذا أيضا صريح في نجاته ، لأن (الكاف)
خطاب له . أي ، ننجيك مع بدنك من العذاب ، لوجود الإيمان الصادر منك بعد العصيان . والله أعلم بالسرائر من كل مؤمن وكافر .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التّعليم الإلهيّ الّذي خصّ اللّه بالاطلاع عليه من شاء من عباده ، ولمّا وجده آل فرعون في اليمّ عند الشّجرة سمّاه فرعون موسى ، والمو هو الماء بالقبطيّة ، والسّا هو الشّجر فسمّاه بما وجده عنده ، فإنّ التّابوت وقف عند الشّجرة في اليمّ ، فأراد قتله فقالت امرأته وكانت منطقة بالنّطق الإلهيّ فيما قالت لفرعون ، إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الّذي هو للذّكران ، فقالت لفرعون في حقّ موسى :" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" [ القصص : 9 ] ، فبه قرّت عينها بالكمال الّذي حصل لها كما قلنا ؛ وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الّذي أعطاه اللّه عند الغرق ، فقبضه طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث ؛ لأنّه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، والإسلام يجبّ ما قبله ، وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء حتّى لا ييأس أحد من رحمة اللّه "إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ " [ يوسف : 87 ] فلو كان فرعون ممّن ييأس ما بادر إلى الإيمان ) .

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي ) لموسى ، ولمن بعده من الأنبياء والأولياء - عليهم السّلام ( الذي خص اللّه بالاطلاع عليه من يشاء من عباده ) .
"" أضاف المحقق :
وذلك بلسان الإشارة حيث أشار بالأحوال الثابتة للأرض والطارئة لها بعد إنزال الماء عليها إلى أحدية عينية سبحانه وتعالى في حد ذاته وأحدية كثرته الثابتة له من حيث ظهور كثرة صورة العالم عنه . شرح الجامي.""

ولما فرغ من بيان نتيجة إلقائه في التابوت من حيث الإشارة المذكورة من الباطن ، شرع في بيان نتيجة ذلك من حيث الظاهر ،
فقال رضي الله عنه   : ( ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة ) المعترضة في طريق جري التابوت بقرب مجلس فرعون من الساحل ، ( سماه فرعون موسى ) ، وسبب هذه التسمية أن ( المو : هو الماء بالقبطية ) التي هي لسان فرعون وقومه ، ( والسا : هو الشجرة ) في لسانهم ، ( فسماه ) موسى مركبا امتزاجيّا ( بما وجده عنده ) من الشجرة مع ما يليها من الماء ؛ ( فإن التابوت ) الذي فيه موسى ( وقف عند الشجرة في اليم ) ، فكأنه قصد استهانته بذلك ،

واللّه تعالى أراد بذلك الإشارة إلى أنه الماء الذي هو حياة كل حي ، والشجرة المثمرة للعلوم والأعمال ، والأحوال والمقامات ، والأخلاق ، وتفويضه إلى العدو ؛ للإشعار بأنه كالمعترف بذلك ،
وإن لم يكن له شعور به فظن فرعون أنه إنما جعل في التابوت خوفا من القتل ، ورأى جري تابوته في الماء على خرق العادة ، وقد رأى النور من الصندوق عند فتحه ، ورأى زوال جرح ابنته بلعابه ، وقد عجز عنه الأطباء فظن أنه الغلام الذي يكون على يديه هلاك ملكه .

قال رضي الله عنه :  ( فأراد قتله ، فقالت امرأته : ) آسية بنت مزاحم - قدس اللّه روحها :" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا " [ القصص : 9 ] ، ( وكانت منطقة ) عين حين نطقت بهذه الكلمات ( بالنطق الإلهي ) ، وإن كانت تحت فرعون ، فقد كان ذلك بالجبر ، وهي من بني إسرائيل من أولاد الأنبياء ( فيما قالت لفرعون ) ، وإن لم تكن منطقة بالنطق الإلهي في جميع ما كانت تنطق به ، إذ أحوال الكمّل لا تدوم في الأكثر ، لكن كانت منطقة بالنطق الإلهي في هذه الكلمات ؛ لتعلقها بأمر النبوة التي كمالها مشابه لكمال أهل النبوة ، فلا تتكلم في ذلك إلا عن النطق الإلهي ،

قال رضي الله عنه :  ( إذ كان اللّه خلقها للكمال ) المشابه كمال الأنبياء ، فلا يكون كلامها في ذلك إلا عن كمال حالها ، وهذا الكمال لما كانت مخلوقة له كان لها من أول نشأتها ، ( كما قال عليه السّلام ) مخبرا ( عنها ) بغاية الكمال لا بطريق الإشارة ، بل بطريق التصريح ( حيث شهد لها ، ولمريم بنت عمران ) بقوله : « كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرآة فرعون » . رواه البخاري ، ومسلم .

فقد شهد لهما صلّى اللّه عليه وسلّم ( بالكمال الذي هو للذكران ) ، وهو كمال النبوة ، وإن لم يكن في النساء نبي ، وقد كثرت الولاية فيهن ، فهذا الكمال كمال مشابه لكمال الأنبياء ، فكما أن أهل النبوة لا تنطق في أمر النبوة عن الهوى ، فكذا من أشبه كماله كمالهم ، ( فقالت لفرعون في حق موسى ) الذي خلق للنبوة ، وإن لم تشعر بنبوته ، فالكلام في حقه لا يكون إلا عن الإنطاق الإلهي أنه ( قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ) ،وكيف لا تكون منطقة بالنطق الإلهي ، وقد وقع جميع ما تكلمت في حقه ( فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها ) بالإيمان بنبوته ، فإن كمالها صار أكمل مما كان بذلك السبب ،
قال رضي الله عنه :  ( كما قلنا ) أنها خلقت للكمال والمخلوق للكمال لا بدّ وأن يتزايد كماله كل حين ، فقد قيل : « من استوى يوماه ؛ فهو مغبون » ، رواه البيهقي ، وأبو نعيم في الحلية.

ولم يقتصر صدق كلامها في حقها فقط ، بل صدق في حق فرعون أيضا ، ( إذ كان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه اللّه ) المنطق لها بذلك ( عند الغرق ) ، ولو أعطاه قبله ربما كان يتغير عنه ، والغرق لم يكن كاشفا له عن أحوال الآخرة ، ولا ملجأ إلى الإيمان ، كما لم يلجأ إليه قومه إذ لم يحك اللّه عنهم ذلك .

وقد حكي عنه ولم يظهر موجب تخصيص فيه ، ولم تكن دلالة الغرق على الأمور الأخروية أشد من دلالة المعجزات التي من جملتها انفلاق البحر ، ولو آمن عند رؤية ذلك لقبل اتفاقا ، ولم ينقطع رجاؤه عن نفسه ؛ لأنه آمن لينجو عن الغرق كما نجا منه بنو إسرائيل ، وهذا القصد لا ينافي إيمانه كما لا ينافي قصد الكافر إذا أسلم لدفع ما به من المرض ، وقوله :آلْآنَ[ يونس : 91 ] لوم على هذا القصد ، وإشعار بعدم حصوله الآن ، مع أنه رتب عليه النجاة ،

ومن قال : المراد الإلقاء على نجوة أي : مرتفع من الأرض خلاف الظاهر ، ( فقبضه ) اللّه ( طاهرا ) عن الكفر وجميع المعاصي حين قبضه ( مطهرا ) عن الكفر السابق والمعاصي السابقة التي كانت بينه وبين اللّه تعالى ، وإن لم يطهر عن حقوق الخلق من إضلاله قوما غير محصورين ،
وقتله أولاد بني إسرائيل واسترقاقهم وغير ذلك ، وتقدمه إلى النار لهذا الإضلال وقبحه لذلك ؛ ولقتله واسترقاقه ولعنه أيضا لذلك ، كما لعن القاتل المتعمد ، وكونه إماما داعيا إلى النار ربما تقدم منه من الكفر والظلم الذي صار سنة منه لمن بعده ، فكان ذلك أيضا من حقوق الخلق

قال رضي الله عنه :  ( ليس فيه شيء من الخبث ) ، وإن لم يصرح بإيمانه بموسى ، والملائكة ، واليوم الآخر والقدر ؛ ( لأنه قبضه عند ) تمام ( إيمانه ) ، بقوله :" وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ " [ يونس : 90 ] ،
فصار مؤمنا بموسى ، وما عطف عليه ، وليس عدم قبوله من أجل كونه مقلدا لكونه آمن عن قول موسى .
وقوله دليل لدلالة معجزاته على صدقه ، وجعل جبريل فيه ، وحال البحر لا يضره بعد تمام الإيمان ، وإنما يمنعه عن النجاة من الغرق ، فهي الرحمة التي خاف جبريل أن تدركه من الحق ؛ لأنه إذا نجا ربما يتغير عن هذا الإيمان ، وإلا فجبريل لا يرضى بالكفر ، فإن الرضا بالكفر كفر ، فقبضه ( قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ) ، إذ لم تعد فرصة ذلك ، ( " والإسلام يجب ما قبله " ) . ذكره ابن حجر في الإصابة ، وابن كثير في التفسير .

والمؤاخذة على الكفر السابق كانت قبل هذا الإيمان ، فلم يجبها هذا الإيمان ، وإنما يجب ما بعده من المؤاخذة الأخروية ، والمؤاخذة الدنيوية على الكفر لا تستلزم المؤاخذة الأخروية إذا آمن بعد هذه المؤاخذة قبل معاينة الأمور الأخروية ،

فإن أسر الكافر واسترقاقه مؤاخذة على كفره باقية بعد الإيمان ، إذ لا يعتق بمجرد الإيمان ، لكن لا يؤاخذ بذلك الكفر في الآخرة ، ولا دلالة للنصوص على أنه معذب في الآخرة على كفره ، ولا على خلوده في النار ، ولا على عدم قبول إيمانه ، كيف وقد رتب على إيمانه نجاته ، ( إذ جعله ) أي : إيمانه بعد كونه قائلا :ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي[ القصص : 38 ] ،
أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] .

مستمرا على ذلك مدة حياته ؛ ( آية على عنايته سبحانه لمن يشاء ) من عباده ، إذ وفقه على ذلك الإيمان ، وقبضه إليه قبل أن يكسب شيئا من الآثام ( حتى لا ييأس أحد ) ممن مضى عمره على مثل ما كان عليه فرعون ( من رحمة اللّه ) ، فينقطع عن التوبة ، ولا ينقطع عن الإصرار ، فهو وإن آمن بالنبوة والآخرة يكون كافرا بهذا ألا ييأس ،( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ) [ يوسف : 87 ] ، ولم ييأس فرعون عند الغرق حتى يقال فيه : إنه وإن آمن بالكل كان آيسا ، فإن إياس مثله مانع من أصل الإيمان .

قال رضي الله عنه :  ( فلو كان فرعون ممن ييأس ما بادر إلى الإيمان ) ؛ لأنه إنما بادر إليه لرجاء النجاة من الغرق ؛ ولذلك لامه جبريل عليه ، وإذا كان آخر أمر فرعون الإيمان ، وإن كان مع هلاكه وهلاكه ملكه ، لكن كان سبب نجاته عن الخلود في النار ، وإن كان بعد المدة المديدة حتى يقال عليها الخلود مجازا كما ورد في حق القائل ، والإضلال أشد منه ، وقد كان منه أيضا .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه  : (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خصّ الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده ) من أمر التولَّد والتوالد الواقع بين الوالد وزوجه ، ومن أمر تعانق الأطراف الموجب للحيرة كالنجاة من القتل في صورة الهلاك ، والاهتداء في صورة الضلال ، والعلم في الحيرة ، وتربية الأرض وإنباتها في صورة الهدم وتخريبها ، وأحديّة العين في كونه مجلى للكثير .

كلّ ذلك قد استشعر من الآيات الدالَّة عليه ، دلالة غير خفيّة على الخواصّ من عباده من الورثة الختميّة الواقفين على مطلع الآيات وغاياتها وفي عبارته ما يشعر به .

تسمية موسى وحضانة آل فرعون له
ثمّ إنّه تنشعب من هذا الأصل تربية آل فرعون موسى : ( و ) لذلك ( لما وجده آل فرعون ) يعني القوى الطبيعيّة الهيولانيّة ( في اليمّ عند الشجرة ) ، وهي الجمعيّة الحيوانيّة بأصولها وفروعها وشعبها وأغصانها وثمرتها ، وهي الإنسان ( سماه فرعون : موسى ) فإنّ من شأن المقابل أن يسمّى

مقابله الآخر بما عنده من وجوه النسبة ، كالابن ، فإنّه الذي سمّى الأب أبا ، كما قيل : « فبضدها تتبيّن الأشياء » .
قال رضي الله عنه  : ( و « المو » هو الماء بالقبطيّة ، و « السا » هو الشجرة فسماه بما وجده عنده ) من الماء الذي هو صورة العلم والنطق ، والشجرة التي هي صورة الجمعيّة الحيوانيّة ( فإنّ التابوت ) - يعني الناسوت ، باعتبار تدبير الظاهر بين بين ، تدبيرا وحدانيّ الحكم ، تامّ الأثر - ( وقف عند الشجرة في اليمّ ) لا يتجاوز عن تلك الجمعيّة مزاجا ، وقوف تنزّل الوحدة الجنسيّة لذي الطبيعة الحيوانيّة طبعا .

تأويل فرعون وموسى
وإذا كان فرعون صورة شخصيّة تلك الطبيعة من حيث حيوانيّتها الجنسيّة فإنّه هو الإنسان الحيوان كما أنّ موسى صورة شخصيّة تلك الطبيعة أيضا ، ولكن من حيث بلوغها ونوعيّتها الكماليّة ، فلذلك قابله ( فأراد قتله ) وإبادة ما له من البنيان الجمعيّ الكمالي المتوجّه إلى إبادة فرعون ( فقالت امرأته ) وهي التي تحت فرعون الطبيعة الهيولانيّة الفرقيّة العينيّة ، من الجمعيّة المتبطَّنة فيها ، الحاكمة عليه بالصوت النطقي ، وذلك عين حقيقتها الذاتيّة - كما ستقف عليه –
ولذلك قال رضي الله عنه : ( وكانت منطقة بالنطق الإلهي ) الذي به نطق كلّ شيء ( فيما قالت لفرعون ، إذ كان الله خلقها للكمال ) ولهذا أنطقه بالكلام الذي هو صورة " الكمال ".

الجنس والفصل
ثمّ إنّه لا بدّ من الإفصاح هاهنا عن تتميم هذا المساق والإبانة عن الجهات الارتباطيّة التي بها يتكلَّم لسانه هذا في وجوه تأويله ، وذلك بأن يفهم من فرعون صورة حصّة المادّة الجنسيّة من الحيوان ، فإنّه المسمّي ما تحته ،
كما أشار إليه في تسمية موسى وامرأته التي تحته هي صورة حصّة طبيعة الفصل الذي للحيوان ، فإنّها خلقت لكمال هذه المادّة وتحصيلها مواسية لها ومساوية إيّاها ، كما أنّ مريم ابنة عمران صورة فصل الإنسان ، فإنّها ولدت من الحيوان الذي هو صورة عمران العالم ، كما ولدت منها كلمة الله عيسى ، الذي هو صورة تمام المراد .

وهاتان المرأتان في الصدر الأول هما الكاملتان باعتبار مبدئيّتهما للشعور والإشعار ، ومصدريّتهما للظهور والإظهار .

وأما وجه المناسبة : فهو أنّ الفصل مصدر حمل النوع وفصاله ، كما أنّ الجنس مبدأ تلك المادّة التي بها حمل الفصل وفصاله .
فلئن قيل : إنّ الجنس متوغَّل في بطون إبهامه وغيب غمومه ، وكذلك الفصل من حيث أنّه كلَّي ، وبيّن أنّ هذه القصص التنزيليّة إنما هي حكاية أشخاص عينيّة خارجيّة ، فكيف يتصوّر تنزيلها على الكلَّيات وتأويلها بها ؟ .
قلنا : كانّك قد اطَّلعت مما مهّدنا في الفصّ الآدمي أنّ لكل من تلك الكلَّيات من حيث طبيعتها حقيقة نوعيّة واحدة بالذات في مرتبته ، سواء

كان ذلك جنسا أو نوعا ذاتيّين ، أو عرضا وخاصّا خارجيّين بالقياس إلى الأفراد المفروضة لدى البحث - كما بيّن وجه تحقيقه في الصناعة الباحثة عنه - وتلك الحقيقة هي التي يتحصّل بها لأشخاص التي لها ، متعيّنة في الخارج ، فإنّه إذا تأمّلت في الجوهر - مثلا - صادفته عند تحصّل حقيقته النوعيّة في مرتبته التي قد علت على جملة الممكنات قد تعيّن في الخارج بصور اشخاص الملإ الأعلى ، أهل التقديس والتسبيح ، فإنّ العلويات - على تفاوت درجاتهم - أفراد حقيقته النوعيّة ، وهم الذين قابلوا آدم في الخلافة الإلهيّة.

خاصيّة الإنسان وأقسامه
ثمّ إنّه إذا تقرر هذا ، فاعلم أنّه قد ظهر لك غير مرّة أنّ الإنسان من حيث هو قابل لظهور أحكام سائر الكلَّيات بأجناسها المترتّبة ، ومصدر نفوذ آثارها ، فإنّ الإنسان صورة عين الكلّ ، فمن أفراده من ظهر بأحكام العوالي وغلب عليه آثارها الخاصّة بها ، وهم الواقفون في مواقف التسبيح والتقديس - كما وقفت عليه - ومنهم من غلب عليه أحكام الأواسط والأسافل ،
وبه قابل من غلب عليه أمر الاعتدال الإنساني والحكم الجمعيّ المضادّ لسائر الخصوصيّات من الكمّل ، الظاهرين في كلّ زمان بحسبه كفرعون فإنّه لغلبة حكم الطغيان - الذي هو مقتضى الطبيعة الحيوان ،

آخر تنزّلات تلك السلسلة - قابله موسى في أمر العبوديّة التي هي مقتضى العدالة الإنسانيّة وكذلك لكل نبيّ مقابل في مرتبته من تلك السلسلة به يظهر ، " وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ "
وتفصيل الكلام في مثل هذا المرام يقتضي مجالا آخر - يسّرنا الله لذلك .

ثمّ هاهنا نكتة إجماليّة لا يبعد أن يدرج فيه ويومي إليه ، :
وهي أنّ الأول في كل ترتيب ونظام له حكم العلوّ والشرف فيه ، كما أنّ الآخر منه له حكم الجمعيّة والكمال فالمستعدّ للظهور في كلّ نظام هو الأول منه والآخر ، وما بينهما ظهوره بحسب القرب من أحدهما والتشابه به ،
ففيما نحن فيه من السلسلة الإنبائيّة الإظهاريّة له هذا السبيل ، ومن هاهنا ترى ورود قصّة آدم وموسى في التنزيل القرآني أكثر من سائر القصص .

ثمّ إنّه لا يخفى على الواقفين بأساليب اولي الذوق ، من مستكشفي رموز التنزيل ولطائف التأويل ، أنّ تنزيل فرعون على هذا المعنى أعلى وأحكم تطبيقا من النفس الأمّارة التي هي بعض تنزّلات النفس الناطقة بعينها ، المسمّاة بالروح ، الظاهرة بالتابوت ، الذي هو الناسوت الموسوي - على ما صرّح به الشيخ .
"" أضاف المحقق :
تعريض لقول القاشاني: " على تأويل التابوت بالبدن الإنساني وموسى بالروح يأول فرعون بالنفس الأمارة والشجر بالقوة العلوية " . ""

أما الأول : فلأنّ هذه الصورة للنفس إنما هي من أحكام تلك الحصّة وآثارها الظاهرة وعينها ، فهذا المعنى أيضا مما يندرج فيما نزّلنا عليه فله العلوّ .

وأمّا الثاني : فلأنّ ما نزل عليه فرعون مما أشرنا إليه حقيقة مستقلَّة في الأثر لها سدنة خاصة وأهالي ممتازة في الوجود والأثر ، منها ما هو أقرب من الكلّ يمتزج به تحته امتزاج حمل  ويتولَّد من ذلك الامتزاج آخر من جنسه ، فهو الصالح لأن يكون مرآته إذ الآثار الإدراكيّة التي هي مبدأ الكمال ومصدر الإذعان والإيمان منها ،
كما دلّ عليه الآيات الكاشفة عنها ، وبيّن أنّ الأصول إنما يتمّ عند تطبيقها بسائر الفروع وأحكامها ، سيّما فيما نزل عليه الحقائق التنزيليّة .

ثمّ هاهنا نكتة تؤيّد ذلك التطبيق وتقرره :
 وهي أنّه قد ثبت في الميزان العقليّ أنّ الفصل له نسبتان إلى الجنس :
إحداهما تقويم أمره وتحصيل حقيقته بالامتزاج الحملي ، وهي نسبة الزوجيّة
والأخرى تقسيم تلك الحقيقة بعد الحمل والفصال إلى ما يتولَّد من ذلك الامتزاج الحملي ، وهو المعبّر عنها بنسبة البنت
وقد عرفت أيضا أنّ الخاتم صورة كماليّة الكلّ ، وشخص جمعيّة الجميع وعينه ، فجمع فيه النسبتان ضرورة .

وإلى ذلك كلَّه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم  : " كملت من النساء أربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة ، وفاطمة " .
ويمكن استخراج كثير من الحقائق الجليلة عنه بهذا التطبيق فلا تغفل عنه .
ثمّ إنّ هذا على حدّ ما ذهب إليه الشيخ في سياقه هاهنا ، ويمكن تنزيل كلّ من هذه الكلمات على غير ذلك مما ينطوي عليه وعلى غيره علوا من الأصول المنبئة بحسب المؤيّدات الحكميّة والبيّنات التلويحيّة ، مما قضى الزمان به ، إن قادنا التوفيق الإلهي نتعرّض بجملة منها في مجال غير هذا إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّه قد علم في طيّ هذه النكت وجه قوله : ( كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران ) .
فإنّهم طرف ظهور الحقّ - على ما بيّن تحقيقه في الفصّ الأول - على ما دلّ عليه لفظ « الذكران » ، وهن طرف خفائه وستره على ما لا يخفى وقد عرفت وجه اختصاص هاتين المرأتين بالكمال بلسان هذا السياق ، فلا نعيده .

تأويل قول آسية
قال رضي الله عنه  : (فقالت لفرعون في حق موسى : إنه " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " فيه قرّت عينها بالكمال الذي حصل لها ، كما قلنا ) وهذا من مؤيّدات ذلك التأويل فإنّ « الكمال » هو « الكلام » تلويحا وتحقيقا ، كما عرفت غير مرّة وهو إنّما حصل لفصل الحيوان الذي هو مبدأ سائر الإدراكات بوحدانيّة الناسوت ، فهو قرّة عين له ، كما أنّه قرّة عين للحيوان ، فإنّه مبدأ إذعانه ، وكسر شكيمة عصيانه الذي هو مقتضى ذاته .

إيمان فرعون
وإليه أشار بقوله : ( وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله ) فإنّه حصل له الإيمان من الوهب الإلهي ، وأصل ما هو عليه إنّما هو الإباء والعصيان ،
وذلك الوهب إنّما فاز به عند إعداده المحلّ يعني ( عند الغرق ) في بحر الوحدة الإطلاقية ، باقتفائه آثار موسى ومتابعته إيّاه في الخوض فيما خاض

قال رضي الله عنه  : ( فقبضه طاهرا ) من حدث الشرك بمتابعته موسى ، ( مطهّرا ، ليس فيه شيء من الخبث ) يعني خبث الإباء والعصيان .

قال رضي الله عنه  : ( لأنّه قبضه عند إيمانه ) وإذعانه لموسى بالتزام المتابعة فدخل في الإيمان قولا وفعلا ( قبل أن يكتسب شيئا من الآثام ، و « الإسلام يجبّ ما قبله » )
""أضاف الجامع :
( الإسلام يجبّ ما قبله حقيقة وقاعدة راسخة أجمعت عليها الأمة والأئمة ، وهي متواترة في جل كتب تفاسير القرآن وكتب شراح الحديث وكتب الفقة .)
ووردت بحديث : (قد عفوت عنك، وقد أحسن الله بك حيث هداك للإسلام، والإسلام يجب ما كان قبله) . قاله لهبار بن الأسود أسلم بعد فتح مكة . أوره جمع الجوامع للسيوطي و كنز العمال للمتقي الهندي
وشاهد لها حديث :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب، كمن لا ذنب له» رواه ابن ماجة والطبراني والبيهقي وابي نعيم في حلية الأولياء وغيرهم .
 ،وفي رواية أخرى : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب، كمن لا ذنب له»   ثم تلا "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين")  . ""

وذلك أنه عبارة عن الدخول في الوحدة الوجوديّة الجمعيّة الكماليّة الظاهرة في كل زمان بصورة الرسول المبعوث فيه على لسان قومه ، والإذعان فيه لأحكامه ومقتضياته ، فيجبّ حينئذ حكم التفرقة العدميّة التي لذلك الشخص قبل دخوله في هذه الوحدة الوجوديّة جبّ سائر الأحكام العدميّة التي قبل هذه النشأة بالدخول فيها.

ثمّ إنّ هذا الكلام مما تفرّد به الشيخ المؤلَّف بين أئمة الإسلام ، وبذلك سار مضغة للقاصرين عن فهمه من أهل الظاهر جميعا ، وشنعة عند الذاهلين من فرق المعطَّلين كلهم ،
فتعرّض أولا لما يصلح لأن يكون حجّة للمسترشدين عليهم من النصوص التنزيليّة ،
وثانيا لما يمكن أن يدفع به ما يستدلَّون منه على عدم الاعتداد بإيمانه ذلك على قواعدهم .
فإلى الأول أشار بقوله : ( وجعله آية على عنايته سبحانه ) على ما نصّ عليه بقوله :

"فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " فإنّه إنّما يكون آية لو كان من أهل النجاة مقبول الإيمان ، ليدلّ على أنّه عناية الحقّ غير متعلَّقة بطاعة العبد وعصيانه ، فإنّ ذلك ( لمن يشاء ، حتى لا ييأس أحد من رحمة الله ، فإنّه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون ) وفي هذا الحصر دلالة على عدم دخول فرعون فيهم ، فإنّه ما ييأس من رحمة الله ، ( فلو كان فرعون ممن ييأس ما بادر إلى الإيمان ) .

فعلم إن إيمانه هذا ليس إيمان الغرغرة عند اليأس - على ما ذهب إليه الظاهريون - كما يتّفق للكافرين عند ظهور أحكام الدار الآخرة عليهم ، بعد تعطيل قواهم الحسيّة ، فإنّ ذلك عند اليأس ، وهو الذي لا يعتبر شرعا وأمّا فرعون فهو على ثقة من النجاة بإيمانه ، لما رأى طريقا واضحا في البحر يختصّ بالمؤمنين من بني إسرائيل ممّن تابع موسى ، وبيّن أنّ التجربة إذا شوهدت مكرّرة مما يفيد اليقين ، فهو على يقين من نجاته ، فضلا عن أنّه ييأس منها .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
. فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التّعليم الإلهيّ الّذي خصّ اللّه بالاطلاع عليه من شاء من عباده . ولمّا وجده آل فرعون في اليمّ عند الشّجرة سمّاه فرعون موسى : والمو هو الماء بالقبطيّة ، والسّا هو الشّجر فسمّاه بما وجده عنده ، فإنّ التّابوت وقف عند الشّجرة في اليمّ . فأراد قتله فقالت امرأته - وكانت منطقة بالنّطق الإلهيّ - فيما قالت لفرعون ، إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السّلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الّذي هو للذّكران ، فقالت لفرعون في حقّ موسى : قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [ القصص : 9 ] .)

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص بالاطلاع عليه من شاء من عباده ) وذلك بلسان الإشارة حيث أشار بالأحوال الثابتة للأرض والطارئة لها بعد إنزال الماء عليها إلى أحد عينيته سبحانه وتعالى في حدّ ذاته وأحدية كثرته الثابتة له من حيث ظهور كثرة صورة العالم عنه .

قال رضي الله عنه :  ( ولما وجده آل فرعون في اليم عند السحرة سماه فرعون موسى . والمو هو الماء بالقبطية والسّا هو الشجر فسماه بما وجده عنده فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم فأراد قتله فقالت امرأته وكانت منطقة بالنطق الإلهي ) الظاهر فيها من غير تعمد واختيار ولهذا كانت صادقة ( فيما قالت لفرعون إذ كان اللّه خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها ولمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران ) ، قال صلى اللّه عليه وسلم : « كمل من النساء أربع : مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة وفاطمة رضي اللّه عنهن » رواه البخاري

قال رضي الله عنه :  ( فبه قرّت عينها بالكمال الّذي حصل لها كما قلنا ؛ وكان قرّة عين لفرعون بالإيمان الّذي أعطاه اللّه عند الغرق .  فقبضه طاهرا مطهّرا ليس فيه شيء من الخبث لأنّه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام . والإسلام يجبّ ما قبله . وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء حتّى لا ييأس أحد من رحمة اللّهإِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ[ يوسف : 87 ] فلو كان فرعون ممّن ييأس ما بادر إلى الإيمان .)

قال رضي الله عنه :  ( فقالت لفرعون في حق موسى إنه :"قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ" فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق لقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث ، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله ) كما قال صلى اللّه عليه وسلم : «الإسلام يجب ما قبله»   رواه مسلم و ابن حبان ومسند أحمد وأبي داود ومنبع الزوائد الهيثمي وغيرهم .

والتوبة تجب ما قبلها أي يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب
قال رضي الله عنه :  ( وجعله آية على عنايته سبحانه لمن شاء ) من عباده كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] .

قال رضي الله عنه :  ( حتى لا ييأس أحد من رحمة اللّه فإنه لا ييأس من روح اللّه إلا القوم الكافرون ) ، وفي حصر اليأس في الكافرين دلالة على عدم دخول فرعون فيهم ( فإنه لو كان ممن ييأس من رحمة اللّه ما بادر إلى الإيمان ) .
ثم قد رشح في نفوس العامة شقاوة فرعون وكفره ودخوله النار خالدا بما ثبت عنه قبل الغرق من المعاداة لموسى وبما قال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] .

وبقوله : ما علمت لكم من اله غيري وغيره من أقواله وأفعاله السيئة إذ ذاك ، ولكن القرآن أصدق شاهد بإيمانه عند الغرق قبل أن يغرغر وتظهر أحكام الدار الآخرة عليه بعد تعطيل قواه الحسية ، فإن ذلك هو الذي لا يعتبر شرعا بل حال يمكنه من النطق من الإيمان ، و
علمه بأن النجاة في ذلك فقال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، وهذا إخبار صحيح لا يدخله النسخ ولا نص على عدم قبول إيمانه هذا ،
فإن الآيات التي يستدل بها أهل الظاهر على عدم قبول إيمانه قابلة للتأويل على وجه لا ينافي قبول إيمانه كما أولها بعض الشارحين ،
ثم أن هذا الكلام لما كان تفرد به الشيخ رضي اللّه عنه بين أئمة الإسلام مع رسوخ اعتقاد كفر فرعون وعباده في النفوس شنع عليه القاصرون وبالغوا في إنكاره فلا حاجة إلى تلك المبالغة فإنه لا مبالغة رضي اللّه عنه ،
كذلك يقول في آخر هذا الفص : هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه لما استقر في نفوس عامّة الخلق من شقائه.
وما لهم نص في ذلك يستندون إليه .
 .
واتساب

No comments:

Post a Comment