Sunday, March 15, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب . )
 
25 -  فص حكمة علوية في كلمة موسوية
هذا فص الحكمة الموسوية ، ذكره بعد حكمة هارون عليه السلام ، لأن اللّه تعالى وهبه رحمة لأخيه موسى عليهما السلام كما قال تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا( 53 ) [ مريم:53].
والرحمة سابقة على المرحوم بها ولأنه أكبر من موسى عليه السلام في السن فهو مقدم عليه في الذكر فيوجد قبله في الرسم .
قال صلى اللّه عليه وسلم : « الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب » . رواه الطبراني في المعجم الكبير ورواه ابن عبد البر في الاسيتعاب ورواه غيرهما .
فص حكمة علوية منسوبة إلى العلو وهو الرفعة والشرف في كلمة موسوية .
" قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) سورة طه "
إنما اختصت حكمة موسى عليه السلام بكونها علوية لارتفاعها على حكمة أخيه وشرفها عليها ، فإن نبوة موسى عليه السلام أكبر وأعظم من نبوة أخيه هارون عليه السلام لتبعيته له .
قال تعالى : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [ القصص : 35 ] وما شد به العضد كان تابعا .

قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى عليه السلام لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل لأجله لأنّه قتل على أنّه موسى . وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته على موسى عليه السّلام أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النّفسيّة ، بل هي على فطرة " بلى " . فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو؛ فكلّ ما كان مهيّئا لذلك المقتول ممّا كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السّلام .  وهذا اختصاص إلهيّ لموسى لم يكن لأحد قبله .  فإنّ حكم موسى كثيرة فأنا إن شاء اللّه تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهيّ في خاطري . فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب . )

قال رضي الله عنه :  (حكمة) تقدير اللّه تعالى (قتل الأبناء) جمع ابن بأمر فرعون ، فإن الكهنة قالوا لفرعون إنه يولد مولود يكون هلاكك وهلاك قومك على يديه ، فكان يقتل كل مولود يولد حتى قتل أولاد كثيرون لاحتمال أن يكون واحد منهم هو الغلام المذكور ، ثم سلم اللّه تعالى موسى عليه السلام ، ووضعته أمه وحفظه اللّه تعالى من شر عدوّه حتى كان سبب هلاك فرعون وقومه وإغراقهم في البحر بإذن اللّه تعالى ، ولم يمنع الحذر من القدر .
قال رضي الله عنه :  (من أجل) ظهور (موسى عليه السلام لتعود إليه) ، أي إلى موسى عليه السلام بالإمداد له أي تقوية الروحانية (حياة كل من قتل) من أبناء المذكورين (من أجله) ، أي موسى عليه السلام (لأنه) ، أي كل من قتل إنما قتل بناء (على أنه) ،

أي ذلك المقتول (موسى) عليه السلام (وما ثم) ، أي هناك في نفس الأمر (جهل) للحق تعالى بموسى عليه السلام بل قدر اللّه تعالى ذلك على علم منه سبحانه بأن كل مقتول هو غير موسى عليه السلام وتقدير اللّه تعالى ليس بعبث بل كل أفعاله جارية على الحكمة (فلا بد أن تعود حياته) ، أي كل مقتول (على موسى) عليه السلام (أعني حياة المقتول من أجله) ، أي موسى عليه السلام (وهي) ، أي تلك الحياة التي لكل مقتول (حياة طاهرة) من الطهارة التي هي ضد الدنس ، أي نظيفة كائنة (على الفطرة) ، أي على الخلقة الأصلية وهي فطرة الإسلام لأنهم كانوا كلما ولد مولود حي ذبحوه .

قال تعالى :فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ[ الروم : 30 ] .
وفي الحديث : كل مولود يولد على الفطرة ولكن أبواه يهوّداته أو ينصرانه أو يمجسانه » .
رواه البخاري ورواه مسلم ورواه غيرهما .

 لم تدنسها ، أي تلك الحياة الأغراض بالمعجمة أي الحظوظ والمقاصد النفسية ، أي المنسوبة إلى النفس بل هي ، أي تلك الحياة على فطرة أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى أي نعم أنت ربنا كما قال تعالى (: أي خلقة عالم الذر) حين جمع اللّه تعالى ذرية آدم عليه السلام وهم كالذر فتجلى عليهم
وقال لهم : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ( 173 ) [ الأعراف : 172 - 173 ] .

قال رضي الله عنه :  (فكان موسى) عليه السلام (مجموع حياة) كل (من قتل) ، من الأبناء المذكورين بناء (على أنه) ، أي
ذلك المقتول (هو )، أي موسى عليه السلام (فكل ما كان مهيئا) بطريق الإمكان (لذلك المقتول) من الأبناء (مما كان استعداد روحه) ، أي روح ذلك المقتول (له) من أنواع الكمال التي لو عاش في الدنيا ذلك المقتول لنافسها ووصل إليها بقوّة روحانيته وقبلتها حقيقته من الجناب المقدس .

قال رضي الله عنه :  (كان) ذلك (في موسى عليه السلام وهذا) الأمر المذكور (اختصاص إلهي بموسى) عليه السلام (لم يكن لأحد) من الأنبياء عليهم السلام (قبله) ، أي موسى عليه السلام ،
ولعل هذه هي الحكمة في كثرة الأنبياء في بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ، وكانوا يحكمون بالتوراة فكأنما موسى عليه السلام لما كان مجموع حياة كل من قتل تفرق ذلك المجموع بموت موسى عليه السلام
فكانت كل حياة في نبي من الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليه السلام ممدة من تلك الحياة المجموعة ،
فقد روي أن اللّه تعالى بعث بعد موسى عليه السلام إلى عصر عيسى عليه السلام أربعة آلاف نبي ، وقيل : سبعين ألف نبي وكلهم كانوا على دين موسى عليه السلام .
حتى روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال : "كل الأنبياء عليهم السلام من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلى اللّه عليه وسلم" . رواه الحاكم في المستدرك ورواه الطبراني في الكبير وضياء المقديسي في المختارة والبيهقي وغيرهم.

ولا يذهب عليك أن هذا هو التناسخ الباطل ، فإنه مجرد إمداد من حضرة الروح الكل بدلا عن إمداد تلك الأرواح التي انقصرت عن التصرف في أجسامها لعروض الفساد في الأجسام ، وليس هذا انتقال الأرواح كما يزعم أهل التناسخ ؛ ولهذا كانت العبارة هنا بلفظ الحياة والإمداد .

قال رضي الله عنه :  (فإنّ حكم) جمع حكمة (موسى) عليه السلام أو ما أودع اللّه تعالى في أحواله ووقائعه من الأسرار (كثيرة ) لا تحصى (وأنا إن شاء اللّه) تعالى أسرد ، أي أذكر (منها) ، أي من تلك الحكم (في هذا الباب) ، أي النوع من أنواع العلم الإلهي (على قدر ما يقع به الأمر الإلهي) ، أي الإلهام الرباني (في خاطري) من غير فكر أصلا ، لأن الفكر ظلمة النفس فلا يمكن أن يكتسب بها أحد نور العلم الرباني (فكان هذا) ، أي ما ذكر من حكمة قتل الأبناء من أجل موسى عليه السلام أوّل ما شوفهت ، أي خوطبت من حضرة الإلهية (به) في قلبي (من هذا الباب) ، أي النوع من أنواع العلم الإلهي .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
أورد الحكمة العلوية في كلمة موسى عليه السلام فإن علو موسى عليه السلام يقتضي من هو علا عليه باعتبار إبطال دعوى علوية من هو علا عليه وأنه قال تعالى في حقه :لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى[ طه : 68 ]
فكان موسى عليه السلام علا على من ادّعى العلوية الربوبية بقوله "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى " فأبطل دعويه الكاذبة وسحره ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ) عليه السلام ( ليعود إليه ) أي إلى موسى عليه السلام ( بالامداد حياة كل من قتل من أجله ) أي يمددن موسى عليه السلام في هلاك فرعون ويعينونه فيه فكان موسى أعلى على فرعون بالامداد من أرواحهم وإنما يعود إليه بالامداد .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه قتل على أنه موسى وما ثمة ) أي وما في قتل الأبناء من أجل موسى ( جهل ) لعلمه بأن من الكائن قد يدفع بمباشرة الأسباب إذ ليس بلا حكمة يعني ما قتل الأبناء من أجل موسى عن جهل بل إنما قتل من أجله عن علم وحكمة وهي العود إليه بالامداد .
ولو لم يقتل من أجل موسى لا يعود إليه بالامداد فقد كان في علمه تعالى أن موسى لا يعلو على فرعون إلا بالامداد ممن قتل من أجله على يد فرعون إلا ما هو في علم اللّه
ويجوز أن يكون معناه وما ثمة جهل أي وما قتل الأبناء على أنه موسى عليه السلام جهل بل علم قتل كل واحد منهم على أنه موسى بالنص الإلهي أو معناه وما جهل فرعون أن قتل الأبناء على أنه موسى عليه السلام ليس بموسى فكان ذلك القتل عمدا وظلما فوجب عليه القصاص فعلى كل حال .

قال رضي الله عنه :  ( فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله ) وفيه معنى لطيف وهو أنه لما قتل فرعون على أنه موسى وجب عليه القصاص فوجب على موسى أداء من قتل من أجله فاجتمعوا مع موسى وطلبوا حقهم منه .
فكأنهم قالوا يا موسى إنا قد قتلنا من أجلك فكان لنا حقا ثابتا عليك فأدّ إلينا حقنا فقتل موسى فرعون أداء لما هو عليه من حقهم فما كان قتل فرعون على الحقيقة إلا قصاصا ( وهي ) أي حياة المقتول .

قال رضي الله عنه :  ( حياة ظاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية بل هي على فطرة بلى ) فهي أرواح لطيفة مجردة عن تعلق الصور المادية وأنوار لطيفة وكذلك روح موسى نور لطيف فناسب كل منهم الآخر كذلك اتحد كلهم كاتحاد نور القمر والشمس في النهار
فمثل هذه الأرواح للطافتها قد يتحد بعضها مع بعض ويمتاز أخرى كما يمتاز نور القمر عن نور الشمس بعد اتحاده معها في النهار فإذا انقطع روح موسى عن تعلق الصورة الموسومة العنصرية افترقوا عنه
وامتاز كل واحد منهم على الآخر كما امتاز قبل الاتحاد فانفرد كل واحد منهم كما انفرد قبل الاجتماع ورجع إلى مقامهم الأصلي فانفرد روح موسى كما انفرد قبله فإن لكل صورة روح خاص عند اللّه ممتاز عن روح الصورة الأخرى وبهذا المذكور قد انقطع وهم التناسخ من ظاهر كلامه ( فكان موسى ) أي فإذا اجتمع هذه الأرواح الطيبة اللطيفة في حياة موسى
وكان موسى ( مجموع ) بالنصب خبر كان ( حياة من قتل على أنه هو وكل ما كان مهيئا لذلك المقتول ) قوله ( مما ) بيان لما ( كان استعداد روحه ) الضمير يرجع إلى المقتول ( له ) راجع إلى ما في قوله مما ( كان في موسى ) أي ظهرت تلك الكمالات المهيئات للمقتول في استعداد روحه في صورة موسوية .

قال رضي الله عنه :  ( وهذا ) الأمداد ( اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد قبله ) من الأنبياء ولا يكون أيضا بعده فلا تعجب اختصاص هذا الحكم بموسى دون غيره من الأنبياء ( فإن حكم موسى ) أي فإن الأحكام الإلهية المختصة لموسى ( كثيرة ) فإن شأن موسى في اختصاص الأحكام الإلهية لا كشأن سائر الأنبياء قبله .

قال رضي الله عنه :  ( وإنا إن شاء اللّه أسرد منها في هذا الباب على قدر ما بلغ به الأمر الإلهي في خاطري وكان هذا ) الاختصاص المذكور ( أول ما شوفهت ) أي خوطبت ( به ) مشافهة ( من هذا الباب )
 أي من الفص الموسوي فإذا كان الأمر في حق موسى على ما ذكرناه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )

قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى. وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى». فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام. وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )

قلت: قال، رضي الله عنه: حكمة قتل الأبناء هو من أجل موسی، عليه السلام، ليجوز حياتهم كلهم وذواتهم وعلومهم وبالجملة جميع ما يقبله استعدادهم من مراتب الحياة الشريفة، فكان فرعون في قتل أبناء بني اسرائيل خادما لموسى عليه السلام وهو لا يشعر على ما قرره الشيخ رضي الله عنه. 
قال: وهذا اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد ممن هو قبله. 
قال: وحكم موسی كثيرة ووعد أن يذكر منها ما يتيسر. 
وقوله: على قدر ما يرد به الأمر فيه الخاطر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )

25 - فصّ حكمة علويّة في كلمة موسوية
إنّما أضيفت هذه الحكمة العلوية إلى الكلمة الموسوية ، لما جعل الله هذه الكلمة هي العليا ، وكلمة فرعون والسحرة وآل فرعون هي السفلى ، فقال :   " لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " [طه : 68]   فأشركه الله في صفته الأعلويّة وإن كانت أعلوية الله مطلقة وأعلوية موسى نسبية ،
 وذلك من قوله تعالى : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " [الأعلى : 1 ] صفة لـ " ربّك " ولما قال فرعون: " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى "  [النازعات : 24 .]  
وقال الله تعالى في حقّه :   " إِنَّه ُ كانَ عالِياً من الْمُسْرِفِينَ " [الدخان : 31] وهم أهل الغلوّ في العلوّ ، فأعلم الله موسى أنّه هو الأعلى ، فأعلوية موسى بالنسبة إلى فرعون وغلوّه في علوّه ، وأعلوية الله لا بالنسبة والإضافة ، فهو الأعلى بذاته لذاته في ذاته وفي كل عال وأعلى ، والعلوّ والأعلويّة له أولى وأولى .
"" أعلى الله مكانته ، وأخبره أنّه هو الأعلى ، فقال : " لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " وأعلى الله كلمته العليا على من ادّعى العلوّ بقوله: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى" و "كانَ عالِياً من الْمُسْرِفِينَ" .""

قال رضي الله عنه  : ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل من أجله ، لأنّه قتل على أنّه موسى ، وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته على موسى ، أعني حياة المقتول من أجله ، وهي حياة ظاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النفسية ، بل هي على فطرة « بَلى » فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو ، فكلّ ما كان مهيّئا لذلك المقتول - ممّا كان استعداد روحه له - كان في موسى عليه السّلام وهذا اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد قبله ، فإنّ حكم موسى كثيرة ) .

قال العبد : اعلم : أنّ النفس الكلَّية أحدية جمع النفوس الجزئية الإنسانية ، وهي إنّما تعيّنت في صورتها الكلَّية أحدية جمعية كلَّية لحقائقها الكلية الجزئية ، ثمّ تعيّنت في صور حقائقها الكلية في النفوس السماوية الكلَّية المحيطة الفلكية أوّلا فأوّلا ، ثم تعيّنت لحقائقها التابعة التفصيلية في الأجزاء الفلكية من الدرج والدقائق والثواني والثوالث ، بالغا ما بلغ ، فما من جزء من الأجزاء الفلكية السماوية إلَّا وقد قبلت روحا ونفسا بحسب أمزجتها الفلكية الطبيعية وهم الملائكة والأرواح الفلكية النورانية .

وهم على طبقات وجدت في كل فلك فلك ، وسماء سماء ، وجزء وجزء من أجزائه على مزاج خاص وطبيعة خصيصة بذلك الفلك والاسم المستوي على عرش تلك السماء أو الفلك ، حتى عمّر الله بهم الأفلاك والسماوات ، فمنهم حملة العرش والكروبيّون والحافّون والصافّون ، وكلَّهم طبيعيون نورانيّون ، ولهم صور طبيعية عرشية وفلكية ، ثمّ سماوية ، والنفس من ورائهم محيطة بالإمداد والنور والروح والحياة .
وإمدادها لهم بالفيض النوري الروحي الذي يقبله من التجلَّيات الأسمائية الذاتية . ومن جملة ما تشتمل عليه هذه النفس الكلية التي هي مظهر الاسم المفصّل ، واسمها في لسان الشرع اللوح المحفوظ وهي أمّ الكتاب المفصّل والتي تحتوي عليه هي الأرواح البشرية الإنسانية الكمالية الكلَّية والنفوس البشرية الجزئية ،
وهذا الروح الأعظم الأكمل ، مع من تعيّن من الأرواح والنفوس السماوية يفيض وتفيض الأنوار الروحية والأشعّة النفسية على الطبيعيات والعنصريات فمهما تعيّنت - بحسب التشكَّلات الفلكية والأوضاع الرفيعة السماوية والاتّصالات والانفصالات الكوكبية وامتزاجاتها بموجب مقتضى أرواحها ونفوسها ،
والأسماء الإلهية الظاهرة بها والمتوجّهة إلى إيجاد الصور الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية في العوالم العنصرية السفلية عند الظاهرية المسمّاة بعالم الكون والفساد عرفا رسميا - أمزجة بشرية إنسانية مستعدّة لقبول أرواح إنسانية ،

فإنّ فيض الأرواح والنفوس العلوية ، وفيض النفس الكلَّية يتعيّن فيها بحسب ما استعدّت له من الكمالات بالميل التامّ والعشق العامّ من القابل والمقبول إلى صاحبه ،
أعني المزاج العنصريّ وفيض الروح الفلكيّ والكلمة الإلهية المحمولة في ذلك الفيض الروحاني والنفس الرحمانيّ ،
فينبعث في عصر "عصر" من الأرواح الإنسانية من هذا اللوح الإلهي والروح الأعظم الرحماني ما أراد الله إظهاره في ذلك العصر من آياته وأسمائه الكلَّية وكلماته الكمالية ، ولا مانع لتعيّن الفيض الروحي والنور النفسي المحمول في الأنوار والأشعّة الكوكبية في أمزجة خصيصة بها مشاكلة مناسبة لظهور حقائقها وخصائصها فيها وبها إلَّا حصول التعيّن المزاجي العنصري وكمال التسوية لقبول النفخ الملكي الإلهي للروح فيه ، فافهم هذا الأصل الكلَّيّ والضابط الإلهي الجمليّ .

ثمّ اعلم : أنّه لمّا أراد الله إظهار آياته الكاملات وكلماته الفاضلات وحكمه العامّات التامّات الشاملات في الكلمة الموسوية ، وسرى حكم "حكم" هذه الإرادة في النفس الكلَّية ونزول الوحي الإلهي بذلك إلى عالم العنصر ، وتوجّهت الأسماء الكلية الظاهرة ، والأرواح والأنفس الطاهرة إلى تحصيل مطالبهم وتوصيل مآربهم ، فتعيّنت بموجبها أمزجة كثيرة بحسب حقائق ما في الروح الموسوي قبل تعيّن مزاجه الكامل النبوي ،
فقبلت تلك الأمزجة - من الأنوار والأشعّة والأرواح المنبثّة من النفوس الكلية الفلكية - أنفسا جزئية لا على الوجه الأكمل ، لظهور الكمالات الموسوية وإظهار الآيات التي أراد الله أن يظهرها ، فلمّا لم تكن وافية وكافية في مظهريتها ، أراد الله أن يبدلها ربّها خيرا منها ،

وكانت حكماء الزمان وعلماء القبط أخبروا فرعون أنّ هلاكه وهلاك ملكه يكون على يدي مولود يولد في ذلك الزمان ، فأمر فرعون بقتل كل ولد يولَّد في ذلك الزمان ، ولم يعلم أنّ الذي قدّر الله هلاكه وهلاك ملكه على يده ، وأراد الله حياته ، لن يظفر به ولن يقدر عليه ، فإنّه لا رادّ لأمر الله ولا معقّب لحكمه ،

فقتلوا بأمر فرعون كلّ مولود ولد ووجد في ذلك الزمان على أنّه ذلك الذي يكون هلاك فرعون على يده ، فقتلت عن نفوسها ،
أعني تلك الصورة والأشخاص والأمزجة التي قبلت تلك الأرواح الحاصلة للأسرار الكمالية والفضائل الروحانية التي كان ظهورها في موسى عليه السّلام أكمل وأتمّ ،
ولا شكّ أنّ الزمان زمان ظهورها ، والأمر الإرادي الإلهي قد نفذ بذلك ، فلمّا تبادرت بالظهور ، قبل تكامل النور ، وبلوغ عين الزمان والوقت الذي فيه التجلَّي الجامع لحقائق الحكم والآيات والكمالات التي للكلمة الموسوية ، فقبلت على اسمه ،
لما علم الله أنّ ظهورها في مزاج واحد كلي محيط بما كانت متفرّقة فيها أجمع وأتمّ وأنفع وأعمّ ، فتوجّهت أرواح هؤلاء المقتولين إلى الروح الموسوي الكمالي الموجّه من الله لإظهار ما أراده ومظهريته ، على الوجه الأفضل الأكمل ،
فاتّصلت الأنوار بنوره ، وتحصّلت الأرواح إلى روحه ، فتجمّعت فيه خصائص الكلّ ، وحقائق الفرع والأصل ، فكان الروح الموسوي مجموع تلك الأرواح كلَّها وجامعها ،

فتضاعفت القوى وتقوّت ، وتكاملت الأنوار واستوت ، وتعيّن مزاجه الشريف الجسماني المبارك عليه السّلام فنفخ الله فيه هذا الروح الكامل الجامع الموسوي المجموع ، ولهذا كانت آياته ومعجزاته في كمال الوضوح والظهور ، لكمال توجّه الهمم الروحانية والنفوس والملائكة وهمم أهل الزمان أجمعهم ، فظهر أمر الله وشأنه ، وغلبت حجّته وبرهانه ، وغلبت قوّته وسلطانه ، وقهر فرعون وآله و حكمه وأنصاره وأعوانه ، الحمد لله .

قال رضي الله عنه  : ( وأنا إن شاء الله تعالى أسرد منها "يعني من الحكم الموسوية " في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري ، فكان أول ما شوفهت به من هذا الباب).

قال العبد : اعلم : أنّ القرب والبعد نسبتان للقريب والبعيد من الحق من المقامين الإلهيّين ، وعليهما تترتّب مراتب السعادات والولايات ، وكذلك الشقاوات ومحالّ البعد .
المقام الأوّل : مقام الأحدية الإلهية ، فإنّ الكثرات كلَّها منها تنزّلت وتفصّلت وتعدّدت ، فمن كانت الوسائط بينه وبين الموجد الواحد الأحد أقلّ ، فهو أقرب ،
وكذلك التعينات الأوّل أوّل ما تظهر وتبدو - تكون قريبة من ربّها الذي هو قيّامها ، وقيّوم  يقوم بإقامة صورته ، فيسخّر بمقامه من ربّه وموجده من ليس له هذا النوع من القرب الأوّلي في الظهور والحدوث ، كالصغار من الأولاد ،
فإنّ الحق الظاهر المتعيّن في صورهم يسخّر لهم من طال مكثه في قبول التجلَّيات مدّة مديدة ، وله حكم آخر كمالي غير هذا القريب وهو الثاني ، وذلك هو القرب الحقيقي الذاتي الإلهي الكمالي من حيث الصورة الأحدية الجمعية الكمالية الإلهية الإنسانية ، فمن كانت نسبته من هذه الجمعية الكمالية أكمل وأتمّ ،


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )

25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
إنما خصت الكلمة الموسوية بالحكمة العلوية ، لعلوه على من ادعى الأعلوية ، فقال : " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " فكذبه الله تعالى بقوله لموسى : " إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى " على القصر يعنى لا هو مع أنه تعالى وصفه بالعلوية في قوله : "من فِرْعَوْنَ إِنَّه كانَ عالِياً من الْمُسْرِفِينَ ".
ولعلو درجته في النبوة بأن كلمه الله بلا واسطة ملك ، وكتب له التوراة بيده تعالى ، كما ورد في الحديث ، ويقرب مقامه من مقام الجمعية التي اختص بها نبينا صلى الله عليه وسلم المشار إليه بقوله :"وكَتَبْنا لَه في الأَلْواحِ من كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ".
وبكثرة أمته كما أخبر عليه الصلاة والسلام في حديث القيامة حال عرض الأمم عليه أنه لم ير أمة نبي من الأنبياء أكثر من أمة موسى عليه السلام وبكثرة معجزاته .

قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود عليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى وما ثمة جهل فلا بد أن تعود حياته على موسى أعنى حياة المقتول من أجله ، وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية بل هي على فطرة بلى ، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو ، فكل ما كان مهيأ لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له كان في موسى عليه السلام ، وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد قبله فإن حكم موسى كثيرة ، وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري ، فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب ).

اعلم أن التعينات اللاحقة للوجود المطلق بعضها كلية معنوية كالتعينات الجنسية والنوعية والصنفية ، والنسب التي تحصل بها أسماء الله الحسنى المرتبة الشاملة بعضها لبعض شمول اسم الله والرحمن سائر الأسماء ،
وبعضها جزئية كالتعينات الغير المتناهية المندرجة تحت الأولى ، فتحصل من نسبة الأولى إليها أسماء غير متناهية في حضرات أمهات الأسماء المتناهية ،
والتعينات الأولية تقتضي في عالم الأرواح حقائق روحانية مجردة وطبائع كلية ، فالتعيين الأول هو العقل الأول المسمى أم الكتاب ، والقلم الأعلى والعين الواحدة والنور المحمدي كما ورد في الحديث « أول ما خلق الله العقل » وفي رواية « نوري وروحى » وهو يتفصل بحسب التعينات الروحانية إلى العقول السماوية والأرواح العلوية والكروبيين وأرواح الكمل من الأنبياء والأولياء ،

فالعقل الأول هو متعين كل طبيعي ، يشمل جميع المتعينات ويمدها وبقومها ويفيض عليها النور والحياة دائما ، ثم يتنزل مراتب التعينات إلى تعين النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ ، ونسبتها إلى النفوس الناطقة المجردة الطاهرة في مظاهر جميع الأجرام السماوية أفلاكها وكواكبها ، وإلى النفوس الناطقة الإنسية بعينها نسبة العقل الأول إلى الأنواع والأصناف التي هي تحتها في عالمها ،
وهذه النفس الكلية أيضا مراتب تعيناته في التنزل ، ثم مراتب النفوس المنطبعة في الأجرام التي يسمى عالمها عالم المثال ،
ثم مراتب العناصر التي هي آخر مراتب التنزلات ، وكلها تعينات الوجود الحق المتجلى في مراتب النفوس بصور التعينات الخلقية وشئونها الذاتية كما مر غير مرة فالأرواح المتعينة بالتعينات الكلية من المجردات العقلية والنفوس السماوية والأرواح النبوية مفيضات وممدات لما تحتها من الأرواح المتعينة بالتعينات الجزئية البشرية ، ومقومات لها تقويم الحقائق النوعية أشخاصها ، ومدبرات وحاكمات عليها سياسة لها سياسة الأنبياء أممها والسلاطين خولها ،
ومن هذا يعرف سر قوله « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » ويفهم معنى قوله :" إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً ".

 والأرواح المتعينة بالتعينات الجزئية والهيئات المزاجية الشخصية تحت قهرها وسياستها وتصريفها بحسب إرادتها ،
فهي بالنسبة إليها كالقوى الجسمانية والنفسانية والروحانية على اختلاف مراتبها بالنسبة إلى روحنا المدبرة لأبداننا ،
وكالخدم والأعوان والعبيد بالنسبة إلى المخادم والسلاطين والموالي ، وكالأمم والأتباع بالنسبة إلى الأنبياء والمتبوعين .
إذا تقرر هذا فنقول : أرواح الأنبياء هم التعينات بالتعينات الكلية في الصف الأول ، وأرواح أممهم بل أكثر الملائكة والأرواح والنفوس الفلكية كالقوى والأعوان والخدم بالنسبة إليهم ، ومن هذا يعرف سر سجود الملائكة لآدم ، وسر طاعة أهل العالم العلوي والجن والإنس لسليمان ولذي القرنين وسر إمداد الملائكة للنبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى :" أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ من الْمَلائِكَةِ " الآية ،

فعلى هذا كانت الأبناء الذين قتلوا في زمان ولادة موسى هي الأرواح التي تحت حيطة روح موسى عليه السلام وفي حكم أمته وأعوانه ،
فلما أراد الله إظهار آيات الكلمة الموسوية ومعجزاتها وحكمها وأحكامها ، وقدر الأسباب العلوية والسفلية من الأوضاع الفلكية والحركات السماوية المعدة لمواد العالم ، والامتزاجات العنصرية والاستعدادات القابلة المهيأة لظهور ذلك وقرب زمان ظهوره ، تعينت أمزجة قابلة لتلك الأرواح فتعلقت بأبدانها ،
وكان علماء القبط وحكماؤهم أخبروا قومهم أنه يولد في ذلك الزمان مولود من بني إسرائيل يكون هلاك فرعون وذهاب ملكه على يده ،
فأمر فرعون بقتل كل من يولد من الأبناء في ذلك الزمان حذرا مما قضى الله وقدر ،
ولم يعلم أن لا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه

فكان ذلك سببا لاجتماع تلك الأرواح في عالمها وانضمامها إلى روح موسى ، وعدم تفرقها وانبثاثها عنه بالتعلق البدني والانفراد في عالم الطبيعة فيتقوى بهم ويجتمع فيه خواصهم ويعتضد بقواهم ،

وذلك اختصاص من الله لموسى وتأييد بإمداده بتلك الأرواح كإمداده بالأرواح السماوية وقوى النيرات الناظرة إلى طاعته
فلما تعلق الروح الموسوي ببدنه تعاضدت تلك الأرواح والأرواح السماوية في إمداده بالحياة والقوة والأيد والنصرة ،

وكل ما هو مهيأ لتلك الأرواح الطاهرة من الكمالات فكان مؤيدا بهم بتلك الأرواح كلها ،
ونظير ذلك ما قال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه ، حين قال له بعض أصحابه عند ظفره بأصحاب الجمل : وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك ، فقال : أهوى أخيك معنا ؟
قال : نعم ، قال : فقد شهدنا ، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وقرارات النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان ،
فالحكمة فيما دبره الله من قتلهم أن أرواحهم تتلاحق في إمداد موسى حتى يبلغ أشده بما ذكر ،
ثم تتلاحق عند دعوته بالتعلق بأبدانها وتتكامل في القوة والشدة متفقين في تصرفه ، كما قال : سيرعف بهم الزمان ، ويقوى بهم الإيمان .

( فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة ) باتصال تلك الأرواح به متوجهة إليه مقبلة نحوه بهواها ومحبتها ونوريتها خادمة له ، ولذلك كان محبوبا إلى كل من يراه لنوريته بتشفيع أنوار تلك الأرواح .
"" إضافة بالي زاده :
فهي أرواح لطيفة مجردة عن تعلق الصور المادية وأنوار لطيفة ،
وكذلك روح موسى نور لطيف فناسب كل منهم للآخر لذلك اتحد كلهم كاتحاد نور القمر والشمس في النهار ، فمثل هذه الأرواح للطافتها قد يتحد بعضها مع بعض ويمتاز أخرى كما يمتاز نور القمر عن نور الشمس بعد اتحاده في النهار ،
فإذا انقطع روح موسى عن تعلق الصورة الموسوية العنصرية افترقوا عنه وامتاز كل واحد عن الآخر ورجع إلى مقامهم الأصلي ، فانفرد روح موسى كما انفرد قبله ، فإن لكل صورة روحا خاصا عند الله ، وبهذا قد انقطع وهم التناسخ من ظاهر كلام الشيخ . أهـ بالى زادة   ""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.  فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .)
 
24 - فص حكمة علية في كلمة موسوية
إنما اختص موسى ، عليه السلام ، بالحكمة ( العلوية ) ، لقوله تعالى : ( لا تخف إنك أنت الأعلى ) . فعلى بالحق على من ادعى العلو بقوله : ( أنا ربكم الأعلى ) ولعلو مرتبته عند الله اختص بأمور : منها أنه تعالى كلمه بلا واسطة الملك .
ومنها ما جاء في الحديث الصحيح أنه تعالى كتب له التوراة بيده ، وغرس شجرة طوبى بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وخلق آدم بيديه .
ومنها قرب نسبته من المقام الجامعية التي اختص بها نبينا ، صلى الله عليه وسلم .

ومنها كثرة أمته . كما جاء في حديث ( العرض ) في القيامة الكبرى ومنها قوله ، عليه السلام : " لا تفضلوني على موسى : فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطشا بقائمة العرش . فلا أدرى أجوزي بصعقة الطور ، أو كان ممن استثنى الله تعالى " . وبكمالات أخرى يظهر لمن يتأمل في قصته في القرآن .

قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله . لأنه قتل على أنه موسى ، وما ثمة جهل ، فلا بد أن يعود حياته على موسى ، أعني حياة المقتول من أجله . وهي حياة ظاهرة على الفطرة، ولم يتدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة "بلى " ، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو ، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له ، كان في موسى ، عليه السلام .)

اعلم أنه ، قد مر في المقدمات أن الوجود حقيقة واحدة لا تعدد فيها ولا تكثر ، وتتعدد بحسب التجليات والتعينات ، فتتكثر وتصير أرواحا وأجساما ومعاني روحانية وأعراضا جسمانية . والأرواح منها كلية ومنها جزئية .

فأرواح الأنبياء ، عليهم السلام ، أرواح كلية يشتمل كل روح منها على أرواح من يدخل في حكمه ويصير من أمته ، كما أن الأسماء الجزئية داخلة في الأسماء الكلية على ما بينا في فصل الأسماء . وإليه أشار بقوله تعالى : " إن إبراهيم كان أمة قانتا واحدة لله حنيفا " .
وإذا كان الأمر كذلك ، يجوز أن يتحد بعض الأرواح مع بعض بحيث لا يكون بينهما امتياز ، كاتحاد قطرات الأمطار وأنوار الكواكب مع نور الشمس في النهار .

فإذا علمت هذا ، فلنرجع إلى المقصود فنقول : الحكمة في قتل الأبناء على يد فرعون هي أن تعود أرواحهم مع الروح الموسوي ويمدونه في الغلبة على فرعون وقومه ، وكل من قتل من الأبناء على أنه موسى رجع مع الروح الموسوي ، وأعانه في هلاك فرعون ، لتحصل المجازاة والقصاص الذي لا بد منه الوجود .

وقوله رضي الله عنه  : ( وما ثمة جهل ) معناه أن فرعون كان يقتلهم على أنهم موسى ، وما كانوا عين موسى ، ولا يقتل الشخص لغيره ، كما قال : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
والفاعل الحقيقي هو الحق ، وهو العليم الخبير ، لا يجهل على ما يجرى في وجوده ، ولا يفعل إلا ما ينبغي أن يفعل ، فقتل الأبناء في المادة الفرعونية على أنها موسى كان لعلمه في الأزل على أنهم يجتمعون مع الروح الموسوي في هلاك فرعون ،
فما كان الهلاك عن جهل ، بل عن علم متقن بما هو الأمر عليه ، وإن كان لا يشعر فرعون بذلك تفصيلا ، ويشعر به إجمالا ، لذلك أمر بقتلهم .

فاجتمعت أرواحهم واتحدت ، فظهرت بالصورة الموسوية استيفاء لحقوقهم وإعانة لربهم ومددا لنبيهم ، إذ كانوا على الفطرة الأصلية والطهارة الأزلية ، ما عملوا شيئا يجب به قتلهم .
فإذا اتحدت وظهرت في الصورة الموسوية ، ظهرت معها جميع ما كانت مهيئا لهم من الاستعدادات والكمالات المترتبة عليها .

قال رضي الله عنه :  ( وهذا اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد من قبله ) أي ، هذا الاجتماع للإمداد والاتحاد للأرواح اختصاص إلهي لأجل موسى ، عليه السلام ، ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء ، عليهم السلام ، قبل موسى .

ولما كان هذا حكمة من جملة الحكم التي خصه الله بها ، قال : ( فإن حكم موسى كثيرة . وأنا إن شاء الله تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري . ) أي ، عينه في قلبي للإظهار .

قال رضي الله عنه :  ( فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب . ) أي ، أول ما خوطبت به في المكاشفة من الحضرة المحمدية في هذا الفص الموسوي كان هذا المعنى المذكور ، وهو اتحاد أرواح الأبناء المقتولين وعودهم في المادة الموسوية .
فالشيخ ، رضى الله عنه ، مأمور بإظهار هذا المعنى ، والمأمور معذور .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .  )
 
الفصّ الموسوي
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق باستعلاء المتصرف بالحق ، والمقيم أوامره ونواهيه على المتصرف بنفسه ، والمقيم أوامرها ونواهيها ظهر بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى موسى عليه السّلام ؛ لاستعلائه على فرعون القائل :" أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى" [النازعات : 24 ] قولا وفعلا ، قال تعالى في حقه :"إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى"  [طه :86] ،" فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ " (31) سورة الدخان
فغلب على السحرة أولا بإبطال عظيم سحرهم ، وأثر فيهم الإيمان ، وأغرق فرعون وقومه ، وورث ملكهم .

""أضاف المحقق : إنما خصت الكلمة الموسوية بالحكمة العلوية ، لعلوه على من ادعى الأعلوية ؛ فقال : أنا ربكم الأعلى ؛ فكذبه اللّه تعالى بقوله لموسى : إنك أنت الأعلى ، على القصر يعني لا هو مع أنه تعالى وصفه بالعلوية . . . ،
ولعلو درجته في النبوة بأنه كلمة اللّه بلا واسطة ملك ، وكتب له التوراة بيده تعالى ، ويقرب مقامه من مقام الجمعية التي اختص بها نبينا صلّى اللّه عليه وسلّم . ( شرح القاشاني ص 303 ) . أهـ""
قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى عليه السّلام لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل لأجله ؛ لأنّه قتل على أنّه موسى ، وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته على موسى عليه السّلام أعني حياة المقتول من أجله ، وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النّفسيّة بل هي على فطرة " بلى " ، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو ؛ فكلّ ما كان مهيّئا لذلك المقتول ممّا كان استعداد روحه له ، كان في موسى عليه السّلام ، وهذا اختصاص إلهيّ لموسى لم يكن لأحد قبله ، فإنّ حكم موسى كثيرة فأنا إن شاء اللّه تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهيّ في خاطري ، فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب ).

فأشار إلى سبب هذا الاستعلاء من جهة روحه وبدنه ، فقال : ( حكمة قتل الأبناء ) ، فأراه اللّه تعالى الرؤيا لفرعون أنه خرجت نار من ديار بني إسرائيل ، فأحرقت قصر فرعون وديار قومه ، ولم يصل إلى ديار بني إسرائيل منها شيء ، فأولها المعبرون بخروج ولد منهم يكون على يديه هلاك ملكه ، فأمر بقتل كل غلام يولد لهم فهمان قتلهم ( من أجل موسى عليه السّلام ) ، وإن قصد الأمر ، والمباشر قتل موسى بالذات .
قال رضي الله عنه :  ( لتعود إليه بالإمداد ) أي : إمداد تلك الأرواح روح موسى ، وإن امتنع اتحاد ذهابه
من كل وجه ، واجتماعها معه بالتصرف في بدنه ( حياة ) ، أي : فائدة حياة ( كل من قتل من لأجله ) ، إذ لا معنى للقتل من أجله من اللّه تعالى سوى هذا الإمداد ، وكيف لا يحصل هذا الإمداد وقد جعل الحق روح المقتول كأنه روح موسى ؛
قال رضي الله عنه : ( لأنه قتل على أنه موسى ) ، وهم وإن فعلوه جهلا بموسى ، ولكن ( ما ثمة ) أي : في حق اللّه تعالى ( جهل ) ، وقد دعاهم بهذا المنام إلى قبلهم على أنه موسى ، فلابدّ لروحهم مع روحه من نوع اتحادية يكون إمدادهم لروحه ، كيف وقد فوت الحق على المقتول فائدة حياته باستدلال قتله ولا معطل في صنعه ، إذ لا يفعل عبثا ؛
قال رضي الله عنه : ( فلابدّ أن تعود حياته على موسى عليه السّلام ، أعني : حياة المقتول من أجله ) فيه إشارة إلى أن من مات حتفا فقد استكمل فائدة حياته ، فلا تعود حياته على أحد ، وكذا من قتل لا من أجل أحد ، وكذا ما قتلناه من أجل أحد لا عن أمر اللّه واستدعائه .

ثم أشار إلى أنه إنما يتم هذا الإمداد بقتل الصغار دون الكبار ، بقوله : ( وهي حياة طاهرة ) ؛ لأنها باقية ( على الفطرة ) ، والباقية عليها ظاهرة ، إذ ( لم تدنسها الأغراض النفسية ) ، وإن تعلقت بالنفوس حينا فهذا التعلق مع عدم حصول الغرض من المتعلق كالعدم ،
قال رضي الله عنه : ( بل هي على فطرة " بلى " ) يكون له كمال التصرف بما يتعلق به ، لكن امتنع تعلقها ببدن موسى ؛ لتعلق روحه ببدنه بالتصرف لكانت ممدة له ، ( فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو ) ، وإن لم يكن مجموع أرواحهم ، وإن كانت روحه كلية جامعة لأرواح أمته إلا أنها بعد التفصيل لا تعود إلى الإجمال ؛ لأنها غير قابلة للفناء .

ولما كان تفويت الحق فوائد الحياة على أرواح المقتولين موجبا لعود حياتها إلى من قتلهم الحق بطريق الاستدعاء المنافي لأجله ، كان ( كل ما كان مهيئا لذلك المقتول ) لو عاش مدة ( مما كان استعداد روحه له ) ، وإن لم يبلغ بدنه إلى حدّ هذا الاستعداد ( كان في موسى عليه السّلام ) ؛ لئلا يضيع ذلك الاستعداد بالكلية مع أن السنة الإلهية جرت ألا تقبع شيئا من الاستعدادات بمقتضى الجود الإلهي المعطى لكل شيء خلقه ،
قال رضي الله عنه : ( وهذا ) أي : إمداد الشخص بأرواح المقتولين من أجله ( اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد قبله ) ، فإنه وإن قتل باسم إبراهيم عن رؤيا أراها اللّه إياه أنه طلع نجم فذهب بضوء الشمس والقمر ، فعبر بولد يولد في ناحيته ، فيذهب ملكه على يديه ، فأمر أولا بعزل النساء .
ثم لما حملت به أمه أخبره المنجمون بعلوه ، فأمر بقتلهم فما قتلهم إلا بعد كمال روحانيته ، وأرواحهم مشتغلة بتدبير أبدانها بخلاف المقتولين من أجل موسى ،

فإنهم قتلوا قبل حمل أمه به ، فكانوا فارغين عن تدبير أبدانهم حينئذ ، فتم إمدادهم لروح موسى عند تعلقه ببدنه ، كأنهم متعلقون به أيضا ، وهذا من الحكمة الإلهية في حق موسى عليه السّلام ، قال رضي الله عنه : ( فإنّ حكم موسى كثيرة ، فأنا إن شاء اللّه أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي ) بطريق الإلهام ( في خاطري ) ، فإنه في حقه كالمشافهة بالوحي للأنبياء ، ( فكان هذا
أول ما شوفهت به ) أي : ألهمت إلهاما كالمشافهة ( من هذا الباب ) ؛ لأنه وقع قبل خلقته ، فهي أول الحكم .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .   )
 
25 - فصّ حكمة علوية في كلمة موسوية
وجه تسمية الفصّ
اعلم أنّ علوّ الرتبة في الوجود والتفوّق على البريّة في أمر الإنباء والإظهار إنما يتصوّر لمن اختصّ بين الكمّل بالتحقّق بما هو الأنزل رتبة والأسفل ظهورا ودرجة ، كما أنّ الأوّلية فيه إنما يتصوّر لمن تفرّد بالآخريّة والختميّة وبيّن أنّ الأنزل رتبة والأسفل درجة في الظهور إنما هو الكلام كما بيّن أمره والمختصّ بتحقّقه بين الأنبياء الذين هم أساطين بنيان الإظهار والإشعار هو موسى .
ولذلك قد ورد في التنزيل : "وَكَلَّمَ الله مُوسى تَكْلِيماً "  [ 4 / 164 ] ، فإنّه يدلّ مع تحقّقه بالكلام ، على اختصاصه بمزيد من التكثير فيه ، على ما هو مقتضى تلك المرتبة ومن ثمّة تراه قد ورد في الآثار الختميّة : « إنّه تعالى كتب التوراة بيده ، كما أنّه خلق آدم بيده » ، فهو في أمر الإظهار بمنزلة آدم في الظهور ، وإنّه قد اختصّ بين الأنبياء بتكثّر الامّة .

وإذا عرفت هذا فقد ظهر لك وجه اختصاص حكمته بالعلوّ ، ومن هاهنا ترى من قابله في سباق ميدان الظهور إنما ركب مطيّة العلوّ والتفرّد بادّعائه ، وهو قد غلبه بذلك حيثما نصّ على اختصاصه له في صورة الخطاب الذي هو أرفع المنازل وأعلاها لدى التكلَّم بقوله تعالى : " إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى ".   
وأيضا فإنّ في تلويح الكلمة الموسويّة ما يدلّ على اختصاصه بالحكمة العلويّة عند حذف المكرّر منها ، كما أنّ مادّته هي مادّة السموّ والسماء .
ثم إنّ من آيات علوّ الرتبة الإحاطة والحكم على من دونه بالغلبة والقهر ، ولذلك تراه عند سطوع تباشير ظهوره قد قتل أبناء امّته في ورود مقدمه في هذه المرتبة الكماليّة ، إمدادا لقوّة جمعيّته وقربانا له ، وإليه أشار بقوله :

حكمة قتل الأبناء من أجل موسى
(حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ، لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل من أجله ) وتحقيق هذا الكلام يحتاج إلى تذكَّر مقدمة حكميّة هي أنّ التعيّن الذي هو عبارة عن العوارض المميّزة لأفراد الحقيقة النوعيّة الواحدة بالذات ، تميّزا عرضيا كونيّا على ضربين :
أحدهما ما يتميّز به الشخص عند نفسه ممّا تصوّر به قلبه ، وهو صورة
باطنه المسماة بالهمة - وقد وقفت في صدر الكتاب عليه .
والآخر ما يتميّز به عند بني نوعه ممّا يظهر به عندهم من الأعراض الخارجيّة وهو صورة ظاهره المسمّاة بالهويّة وبيّن أن الأول منهما إنما يظهر في الشخص عند تمييزه وبلوغه كمال الاستواء ، فلا يكون للطفل قبل تمييزه منه شيء .

فإذا عرفت هذا تبيّن لك أنّه ليس لتلك الأبناء المقتولين من ذينك التعيّنين شيء مما يعود إليهم .
أما الأول فلما عرفت .
وأما الثاني فلأنهم متعيّنون عند بني نوعه بالتعيّن الموسوي ، متّفقين فيه عندهم ، ( لأنّه قتل على أنّه موسى ) ، وهو في نفسه كذلك ، فإنّه إذ لم يكن لهم تعيّن يظهرون به وقد يكمل استعدادهم له ، فإنما يتكوّنون بالتعيّن الكلَّي الغالب الذي له القهرمان في ذلك الزمان على ما هو غير مستبعد ولا خفيّ عند الذكيّ ، الخالص ذائقة فهمه عن شوائب التقليد وتعصّبه ، وإليه أشار بقوله :" إمداد موسى بحياة جميع من قتل من أجله "

قال رضي الله عنه  : ( وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته ) ، أي حياة من قتل من شخص الإنسان ، بناء على ما مرّ من أنّ في النوع - من الكليّات المتبطَّنة فيه ،
المتقوّمة هو بها - أحكاما وآثارا يظهر بها أفراده ، كالحياة من الحيوان في أفراد الإنسان ، فلا بدّ من عود الحياة "على موسى - أعني حياة المقتول من أجله "ضرورة أنه متكوّن بتعيّنه ( وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النفسيّة ، بل هي على فطرة " بَلى " ) الدالَّة على كمال قابليّته لتربيته الربّ المظهر ،

قال رضي الله عنه  : ( فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو ، فكلّ ما كان مهيّأ لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له ) مما اشتمل على حقيقته النوعيّة من الحياة والعلم ، اللذين هما أحكام جنسه وفصله ( كان في موسى عليه السّلام ) ، فهو يستمدّ من همم أشخاص الامّة ، كما أنّ محمّدا صلَّى الله عليه وسلَّم يمدّ الهمم - على ما عرفت - ويطلعك عليه ما في القرآن الكريم من قوله تعالى حكاية عن موسى :

" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي " [ 20 / 25 ] وخطابا لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم : " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ " [ 94 / 1 ] فإنّ الصدر هو طرف ظاهريّة القلب ، وهو صورته المعبّر عنها بالهمّة - كما عرفت .

ولذلك قال رضي الله عنه  : ( وهذا اختصاص إلهيّ بموسى لم يكن لأحد من قبله ، فإنّ حكم موسى كثيرة ، وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري ، فكان هذا أوّل ما شوفهت به في هذا الباب ) وهذا من غلبة حكم النبوّة في حكم موسى ، حيث شوفه بها كلاما .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري. فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب .   )

الفصّ الموسوي
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
قال رضي الله عنه :  ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى عليه السّلام لتعود إليه بالإمداد حياة كلّ من قتل لأجله لأنّه قتل على أنّه موسى . وما ثمّ جهل ، فلا بدّ أن تعود حياته على موسى عليه السّلام أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنّسها الأغراض النّفسيّة ، بل هي على فطرة « بلى » . فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنّه هو)
فص حكمة علوية في كلمة موسوية
علو قدر موسى عليه السلام ورفعه مقامه بين الأنبياء عليهم السلام أظهر من أن تحتاج إلى البيان ، وكذا كثرة آياته وقوة معجزاته أبين من أن تفتقر إلى البرهان . ومن هذا القبيل ظفره على أعدائه وغلبته على خصمائه ، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، ولا شك أن كل واحد من هذه الأمور يكفي في توصيف حكمته بالعلوية ،
فإذا اجتمعت فبالطريق الأولى ( حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه ) الظاهر أن يقال : حكمة قتل الأبناء أن يعود أو قتل الأبناء لأن يعود ، فكأن مؤدى الحكمة واللام واحدا فلا يبعد أن يجعل الثاني تأكيدا للأول بحسب المعنى يريد رضي اللّه عنه أن الحكمة في قتل فرعون وأعوانه الأبناء من أطفال بني إسرائيل من أجل موسى أن يعود إلى موسى ( بالإمداد حياة كل من قتل من أجله ) ، أي روحانيته التي هي حقيقة وجودية منصبغة بصفة الحياة ولذلك عبر عنها بالحياة
( لأنه قتل على أنه موسى وما ثم جهل ) ، فهو تعالى يعلم أنه قتل على أنه موسى

قال رضي الله عنه :   ( فلا بد أن تعود حياته ) ، أي روحانيته بالإمداد ( على موسى أعني حياة المقتول من أجله ) ، وروحانيته ليجازي قاتله في صورة موسى فإن الوجود مجازي مكافى كل ما ألقى إليه بصورة الفعل ألقى مثله إلى الفاعل في صورة الجزاء وما أشبه كونه مقتولا في صورة موسى توهما بكونه قابلا لقاتله في صورته حقيقة ( وهي ) ،

 أي ( حياة ) المقتول وروحانيته ( طاهرة ) باقية ( على الفطرة ) ، التي فطرها اللّه عليها ( لم تدنسها الأغراض النفسية ) ، المانعة لها عن الإمداد ( بل هي على فطرة بلى ) القابلة بها أن يفيض عليها من الرب المطلق ما يمد به موسى في قتل فرعون وأعوانه جزاء وفاقا ( فكان موسى مجموع حياة كل من قتل ) ، وروحانيتهم حين قتل كل واحد منهم ( على أنه هو ) ، أي

قال رضي الله عنه :  ( فكلّ ما كان مهيّئا لذلك المقتول ممّا كان استعداد روحه له ، كان في موسى عليه السّلام .  وهذا اختصاص إلهيّ لموسى لم يكن لأحد قبله .  فإنّ حكم موسى كثيرة فأنا إن شاء اللّه تعالى أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهيّ في خاطري .  فكان هذا أوّل ما شوفهت به من هذا الباب . )

موسى ( وكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له ) من أسباب الإمداد من الحياة والعلم والقدرة والإرادة وغيرها ( كان مهيأ في ) صورة ( موسى ) ، للانتقام من فرعون وأعوانه .

قال رضي الله عنه :  ( وهذا ) ، أي اجتماع أرواح الأبناء المقتولين لإمداد موسى ( اختصاص إلهي لموسى لم يكن لأحد قبله ) وحكمة واحدة من الحكم التي خصه اللّه بها ( فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء اللّه أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به ) ، أي باطنها ( الأمر الإلهي في خاطري فهذا أول ما شوفهت به ) ، من الحضرة الإلهية في الصورة المحمدية ( من هذا الباب ) ، أي الفص الموسوي.
.
واتساب

No comments:

Post a Comment