Monday, March 16, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة السابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة .فَأَلْقى عَصاهُوهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوتهفَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ[ الشعراء : 32 ] أي حيّة ظاهرة .  فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ[ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم .  فظهر الحكم ههنا عينا متميّزة في جوهر واحد . فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا . فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال .  فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل . والحبل التّلّ الصّغير أي مقاديرهم بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة . )

قال رضي الله عنه :  (ولهذا) ، أي لكون الأمر كذلك (جاء موسى) عليه السلام (في الجواب) عن سؤال فرعون (بما يقبله) العبد (الموقن) ، أي صاحب اليقين (والعاقل) ، أي صاحب العقل فقال:
أوّلا : إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ
وثانيا : إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ خاصة ،
أي لا غيرهما ، فإن من لم يكن له يقين ولا عقل فلا جواب له من موسى عليه السلام ("فَأَلْقى") موسى عليه السلام عند ذلك ("عَصاهُ") التي كانت في يده وهي ، أي تلك العصا صورة ما ، أي الأمر الذي (عصى به فرعون) رسوله (موسى) عليه السلام ، وذلك مثال نفس فرعون العاصية (في إبائه) ، أي امتناعه (عن إجابة دعوته) ، أي دعوة موسى عليه السلام ("فَإِذا هِيَ") ، أي تلك العصا ("ثُعْبانٌ مُبِينٌ") [ الشعراء : 32 ] ، أي واضح مكشوف بحيث يعرفه كل أحد يعني (حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة) التي عصى بها فرعون لموسى عليه السلام (طاعة)

لو فعل ذلك فرعون أي حسنة يثاب عليها كما قال اللّه تعالى : أولئك (" يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ") [ الفرقان : 70 ] يعني ) بذلك في الحكم الإلهي فبعد أن يكون الحكم عليها بأنها سيئات يصير بأنها حسنات .

قال رضي الله عنه :  (فظهر الحكم) الإلهي (هنا) ، أي في العصا (عينا متميزة) عما سواها (في جوهر واحد) وهو ماهيتها الأصلية التي كانت فيها في حال كونها عصا (فهي العصا) ومع ذلك (هي الحية والثعبان الظاهر) ، وقد ظهر لفرعون من موسى عليه السلام ما كان عنه فرعون من طاعة العين الواحدة لمقتضى رتبة موسى عليه السلام في إظهار ما شاء من المراتب.

ثم قال موسى عليه السلام : بمرتبة عينه على مرتبة فرعون لإبطال دعواه وإظهار عجزه عما يحاول (فالتقم )ذلك الثعبان (أمثاله من الحيات) التي جاءت بها السحرة (من كونها) ، أي عصا موسى عليه السلام (حية و) التقم (العصي) بالتشديد جمع عصاة ، أي ما جاء السحرة من عصيهم (من كونها) ، أي عصا موسى عليه السلام (عصا) ولم يبق لحيات السحرة ولا لعصيهم أثر في الوجود أصلا كل هذا ولم تتغير حية موسى عليه السلام ولا عصاه كما كانت عليه .

قال رضي الله عنه :  (فظهرت) ، أي انتصرت عند ذلك (حجة موسى) عليه السلام أي آيته ودليله وبرهانه (على حجج) ، أي أدلة (فرعون) وكان ذلك (في صورة عصي) جمع عصا (وحيات وحبال فكانت للسحرة الحبال) ، لأنهم أثوابها (ولم يكن لموسى) عليه السلام (حبل) وإنما له العصا (والحبل) بالباء الموحدة التحتية قبلها حاء مهملة يطلق في اللغة على التل الصغير فهو إشارة إلى قدرهم (أي مقاديرهم) يعني السحرة في العلم (بالنسبة إلى قدر موسى) عليه السلام (بمنزلة الحبال) بالحاء المهملة ، أي التلال المستطيلة من الرمل (من الجبال) بالجيم جمع جبل (الشامخة) العالية العظيمة .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :   (  ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة ) فهم لا يقبلون حكم العقل ولا حكم الكشف فهم ليسوا من الموقنين ولا من العاقلين بل هم بهائم في صورة الأناسي .

قال رضي الله عنه :  ( فألقى عصاه وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في ابائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان مبين أي حية ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قاليُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) روي أن فرعون آمن باللّه وصدق بموسى بقلبه فأراد إظهاره فشاور لوزيره فمنعه فانقلاب العصا إيماء إلى انقلاب كفر فرعون إيمانا وإعادتها سيرتها الأولى إشارة إلى أن فرعون عاد سيرته الأولى .

فانقلب إيمان فرعون كفرا كما انقلبت الحية عصا فكأنه قال له الوزير لا تخف خذه سينقلب إلى سيرته الأولى
وهو في مقابلة قوله تعالى لموسى سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى فكانت حقيقة السيئة باقية في فرعون وإنما الانقلاب في صورة السيئة

لذلك قال انقلبت ولم يقل محيت وفسر الانقلاب بقوله ( يعني في الحكم ) يريد أن حقيقة السيئة التي في فرعون تظهر في صورة الحسنة فتحكم عليها طاعة وحسنة
كما ظهرت بصورة السيئة فتحكم عليها سيئة لا أن عين السيئة يصبر حسنة أو تمحو حقيقة السيئة وتجيء بدلها حقيقة الحسنة

فبقي الكفر في فرعون إلى ما شاء اللّه فالتبديل لا يكون إلا في الصورة والمقصود بيان الأحكام الواردة بينهما في هذا المجلس لا إثبات إيمان فرعون مطلقا

قال رضي الله عنه :  ( فظهر الحكم هاهنا ) أي في ذلك المقام حال كونه ( عينا متميزة ) قوله ( في جوهر واحد ) يتعلق بقوله فظهر ( فهي ) أي تلك العين المتميزة ( العصا وهي الحية ) فالحية والعصا عينان متميزان يظهر كل منهما بحسب الوقت في الجوهر الواحد الذي لا يدركه الحس بل لا بد للعقل أن يحكم أن ثمة جوهرا واحدا لا يقبل القسمة لذاته ويقبل الصور والأحكام ( والثعبان الظاهر فالتقم ) الثعبان ( أمثاله من الحيات من ) جهة ( كونها حية ) و ( التقم العصا من ) جهة ( كونها عصا فظهرت ) أي غلبت ( حجة موسى عليه السلام على حجج فرعون ) .

قوله رضي الله عنه :  ( في صورة عصا وحيات وحبال ) يتعلق بقوله حجج ( فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى عليه السلام حبل والحبل التل الصغير أي مقاديرهم ) أي مقادير السحرة ( بالنسبة إلى قدر موسى عليه السلام بمنزلة الحبال من الحبال الشامخة)  فلما رأت السحرة ذلك من موسى عليه السلام.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.  فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .  فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.  فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.  والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

   
في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى بالجواب بما يقبله المؤمن والعاقل خاصّة "فَأَلْقى عَصاه ُ " وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ،   "فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ " أي حيّة ظاهرة ، فانقلبت المعصية التي هي السيّئة طاعة أي حسنة ، كما قال : " يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " يعني في الحكم ، فظهر الحكم هنا عينا متميّزة في جوهر واحد ، فهي العصا وهي الحيّة والثعبان الظاهر فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصا من كونها عصيّا  ، فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال ، فكانت السحرة الحبال ، ولم يكن لموسى حبل ، والحبل : التلّ الصغير ، أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة ).

فلمّا كان فرعون صاحب الوقت وربّ السيف في الكلّ ، والربوبية ظهورها فيه أكثر ، لتحكَّمه فيهم جميعا ظاهرا فقال بلسان الحق - الذي أنطق كلّ شيء ، ونطق بألسنة كل ميت وحيّ ، في صورة هداية وغيّ ، إشارة إلى العين الظاهرة المتعيّنة بصورة فرعون وفيها ، وهو عين الحق في صورة من صور الباطل :" أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " أي ربوبيتى أعلى من ربوبيّتكم ، والعين - الظاهرة في صورتي بربوبية أعلى أعلى وأجلى ، وصدق في كون ربوبيّته أعلى من ربوبية غيره في ملئه كما أشار إلى هذا المقام الشيخ أبو مدين البجائيّ :
لا ينكر الباطل في طوره   ....   فإنّه بعض ظهوراته
وأعطه منك بمقداره     ....   حتّى توفي حقّ إثباته .
وقلنا في تتمّتها :
فالحق قد يظهر في صورة   .... ينكرها الجاهل في ذاته.

ثمّ اعلم يا أخي :  أنّ المحاجّة والمباحثة الواقعة بين فرعون وموسى ضرب مثل ضربها الحقّ في الشاهد لصور المحاجّة والمخاصمة الواقعة بين الروح العقلي الإنساني المويّد من الله وبين الهوى النفسي الطبيعي والأنانية التعينية الحجابية ،
فإنّ طاغوت الهوى وفرعون صنميّة الحجاب التعيّنيّة الصورية يدعو إلى الربوبية العرضية المقيّدة بمصر الطبيعة الشهوية ، والقوى الحيوانية الغضبيّة والقوى النفسانية الفكرية المنصبغة بأحكام الشهوة والغضب ، والشهوة تساعدها وتعاضدها ،

والروح العقلي الإلهي المؤيّد بنور الله ، يدعو إلى الله الواحد الأحد في عين ما تكثّر وتعدّد ، وقد علمت فيما سلف أنّ كلَّا منها صور ماذا ؟
فطابق بها بين الكلّ في جميع المحاجّات والمخاصمات الواقعة بين فرعون وموسى وبين العقل والهوى ، تعثر على حقائق عزيزة ، إن شاء الله تعالى .

والسحرة صور القوى النفسانية والروح النفسانيّ ، المنصبغة بحكم الهوى وقوّتي الشهوة والغضب ، المنحرفة إلى خصائص الروحين : الطبيعي والحيواني ، فإنّ قوى الروح النفساني إذا تكيّفت بكيفيات هاتين القوّتين وانصبغت بصبغة أحكامهما ، صاغت صور الباطل في صيغة الحق ، وأظهرت الشبه الكاذبة في صور الحجج الصدق ، فخيّلت وأوهمت بما لا حقيقة له ، وادّعت الحكم والربوبية للهوى كما قالت السحرة في أوّل الدعوى :" بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ " فانقادت للهوى وخضعت ، فأسرها الهوى ، واستعملها فيما يشاء ويهوى ، فقطع أيديهم - أي قواهم العلوية الروحية - وأرجلهم أي قواهم الساعية بموجب العقل والشرع في تعمير المملكة الهيكلية .

ثمّ الروح العقلي الإنساني إذا تأيّد بربّه وتجلَّى له الحق - بعد التحقّق بالحق المستوي على أحدية جمع شعب قلبه واستعمال أعضائه الثمانية بحكم الإيمان وشعبها النورانية ، طلبا للأجر والثواب القلبي الأحدي الجمعي ،
وسيّره بأهله مع ما أصحبه من فضله من مدين القلب إلى شاطئ الوادي الأيمن الروحي الإلهي والتجلَّي النوري الأحدي الجمعي في صورة التفرقة النارية بأنّه هو الواحد الأحد في كثرة لا تتناهى من العدد - أعطاه الله صورة الاستقامة على شهوده في صورة العصا الذي عصى به أوّلا فرعون الهوى ،
واتّبع سبيل الهدى بصورة الإيمان والاستقامة والتأييد الذي كان يتوكَّا عليها - أي يعتمد بالإيقان الذي كان يعتقد - ويهشّ بها على غنمه من القوى الإلهية التي بها  أيّده الله وهو عين ما عصى فرعون موسى آخرا حين دعاه إلى الاستقامة على عبادة الله والإقلاع عن الربوبية العرضية ، وهو دعوة الروح الإنساني العقلي للهوى النفسي إلى أن يكون تبعا للعقل المؤيّد من عند الله في عبادة الله ، فيكون هواه في الله وبالله ولله .

لا تقع الإجابة إلَّا عند غرق الهوى في بحار الكشف وأمواج التجلَّي ، فيظهر له سلطان أحدية العين بعين بطلان الربوبية العرضية الموجبة للفرق والبين ، كما آمن فرعون عند الغرق بربّ العالمين ، ربّ موسى وهارون ، فيقول لهوى الربوبية العرضية لسان أحدية العين عند شهود عين اليقين :  " آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ " أي الآن رجعت إلى الحق وأسلمت حين أشرفت على الهلاك وأسلمت ، فاليوم لا بدّ أن تغرق ببحر الربوبية العامّة الكلَّية ،
فيقول لسان حال الربوبية العرضية القائمة بصورة الهوى الطبيعي الذي فرعون مصر صورته وتمثاله - : أجل ، قضيت أجلي الذي أجّلت وأمهلت وما عجّلت ،
فلمّا انقضى الأجل وانتهى الأمل وانقطع العمل ، فإليك المصير ، وكان فيك وبك ولك وإليك المسير فاستغرقني ببحار رحمتك ، فقد آمنت وأسلمت ،
ونجّني من صور الحجاب التعيّني ، وآمنّي ، فقد استجرت واستسلمت فيقول بلسان الربوبية المستغرقة لربوبيات الأرباب ربّ العالمين :  " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "
فإذا غرّقت أنانيّتك في بحر إنّيتي ، فقد بلغت الغاية وانتهيت إلى النهاية ،
وقبل هذا عند اجتماع الروح العقلي مع فرعون الهوى ، لا بدّ أن يظهر الهوى بصورة الربوبية العرضية الأولى ويقهر من دونه وقبله من قبيله بدعوى  " أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى " ويكون حينئذ معه خطاب موسى الروح العقلي الإلهي ودعوته إلى الربوبية المطلقة المستغرقة لربوبية الأرباب التي تحت حيطة الاسم « الظاهر » الإلهي ، فيقول للهوى : إنّي إليك رسول ربّ العالمين ، فيدعوه إلى ربّ الأرباب ، والربوبية المحيطة المستغرقة لربوبيته العرضية في جملة العالمين ، فيقول فرعون الهوى :" وَما رَبُّ الْعالَمِينَ "؟
لا على طريقة السؤال الآبق "اللائق" عن تلك الحقيقة المطلقة اختيارا منه لغرض عرض له واختبارا لا جهلا واستحقارا ، بل اعتبارا واستبصارا ،
إذ السؤال عن الماهية إنّما يتأتّى ويجوز فيما يكون له ماهية متميّزة عن غيرها ، فيكون تحت جنس أو فصل ،
والحقيقة المطلقة الربوبية في العالمين تتعالى عن مثل هذا السؤال ، وتجلّ عن الضدّ والندّ والمثال ، فيقول الروح العقلي للهوى في جوابه :" رَبُّ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " .
 مبيّنا تفصيل مظاهر حقيقة الربوبية المطلقة الكلَّية العامّة في العالمين ،
فيوهم فرعون الهوى آله من قوى الطبيعة والحيوانية أنّه لم يجب بما يطابق سؤاله ، إذ لم يجب بما يبيّن الماهية الإلهية الربانية ، بل بيّن المضاف إليه كما ذكرنا .
فيقول الهوى :" إِنَّ رَسُولَكُمُ " أي الروح العقلي الإلهي المرسل بالتجلَّي " الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ "  أي مستور عنه ربوبيّتي الظاهرة في الوقت ، فيدعو إلى غيري ولا إلى عيني .

فزاد موسى الروح العقلي الكشفي إرداعا له وإفحاما لا إحجابا وإبهاما  " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " أي ربّ ما ظهر وما بطن ، فإنّك ما تدعو إلَّا إلى ما تدّعي من الربوبية الظاهرة الجزئيّة العرضيّة في المملكة الهيكلية ، وأنا أدعوك إلى حقيقة الربوبية الحقيقيّة القائمة بما ظهر وما بطن " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " أي تقيّدون الظاهر بحدوده الظاهرة أو تقيّدون الباطن بحدوده  الباطنة ، وأنّ ما أدعو إليه أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل فانظر ما ذا ترى ، فإنّه ربّ ما فوق السماوات العلى وما تحت الثرى .
فيقول له فرعون الهوى ما يقول وما يؤول أمره إلى ما يؤول .

وأما هارون فصورة الروح من حيث القوى الناطقة التي هي بمثابة الأخ للقوّة العاقلة وهي أكبر سنّا من القوّة العاقلة الإلهية الكشفية ، لأنّ النطق العرفي بحكم العادة  والعقل المعيشي يكون قبل النطق بموجب الحكمة الإلهيّة والعقل المؤيّد بنور الكشف والتجلَّي ، والقوّة العاقلة في النبوّة وإدراك الحقائق أكبر من القوّة الناطقة بالأصالة ، فإنّ النطق لا يكون إلَّا بالعقل ، ولكنّها أفصح منها لسانا ، لأنّها المترجمة عن القوّة العاقلة .

وأمّا هامان فنظير القوّة الشهوية للروح الطبيعي ، لها الوزارة عن الروح الحيواني الذي له الاستيلاء والغلبة ، فإنّ الغلب للغضب والروح الطبيعي بناء هذه البنية الهيكلية ، كما أشار إليه بقوله - تعالى - حكاية عن فرعون :" يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً "  أي أنشئ لي مزاجا خاصّا وهميا عاليا يعطي الاطَّلاع على ما يخبر عنه وينبئ الروح العقلي .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة) على ما ذكر من الجوابين المربين بقوله :  " إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ " و   " إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ " .

قال رضي الله عنه :  ( " فَأَلْقى عَصاه " وهو صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ) .
اعلم أن الشيخ قدس سره أومأ إلى أن الله تعالى بين صورة المحاجة التي جرت بين موسى عليه السلام وبين فرعون على طريقة ضرب الأمثال فضرب العصا مثلا للمطمئنة الموسوية المطاوعة للقلب المؤتلفة بنور القدس المؤيدة بتأييد الحق ،
ولهذا قال : وهي صورة ما عصى به فرعون في إبائه ، فالنفس حقيقة واحدة فلما أطاعت الهوى في فرعون واستولى عليه شيطان الوهم لغلبة الهوى كانت نفسا أمارة مستكبرة أبت الحق وأنكرته ،
ولما انقادت للحق وأطاعت القلب : أي النفس الناطقة ، وتنورت بنور الروح في موسى كانت عصا يعتمد عليها في أعمال البر والطاعات والأخلاق الفاضلة ، وحية تسعى في مقاصده ومطالبه بتركيب الحجج والدلائل وتحصيل المقاصد ، وثعبانا يلتقم ما زورته شجرة القوة المتخيلة والوهمية من فرعون وقومه من الشبهة كل ذلك لطاعتها موسى القلب والروح ، ومن أراد ترتيب القصة وتحقيق.

"" إضافة بالي زاده :
موسى فيقول فرعون في جوابه : موسى إنما فرقت : أي فلما فهم موسى ذلك الحكم والتسلط من فرعون أعطاه حقه في كونه يقول له : أي حال كون موسى قائلا لفرعون لا تقدر على ذلك التحكم يعنى أن قول موسى لفرعون لا تقدر على ذلك ، مجرد إعطاء لحق فرعون في مقابلة قوله لموسى : ومرتبتى الآن التحكم فيك يا موسى لا تكذيب له في قوله هذا . اهـ  بالى زاده ""

الحق في هذا المثل ونظائره فليطالعها في التأويلات التي كتبناها في القرآن .
فإن هذا الموضع ينبغي أن لا يزاد على ما أورده الشيخ قدس سره (: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ " أي حية ظاهرة ، فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة ) .
إشارة إلى أن النفس في سنخها وطبعها العصيان للقلب والروح ، لكن لما راضها عليه السلام بقمع هواها حتى صارت بإماتة قواها وقهر هواها الذي هو روحها كالنفس النباتية في الطاعة تشبهت بالعصا بعد كونها مركبا حرونا فإذا اطمأنت صارت معصيتها طاعة وسيئاتها حسنة فكل ما أمرها به موسى امتثلت وآلت إلى هيئة ما أراد منها .

قال رضي الله عنه :  ( كما قال الله تعالى : "يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " يعنى في الحكم ) أي سيئاتهم في حكم حسناتهم ، لأنها إن غضبت وقهرت أو حلمت وتلطفت كانت بأمر الحق ، فكل حركاتها وأفعالها وإن كانت في صورة الفساد كانت عين الصلاح
ألا ترى إلى قوله تعالى : " ما قَطَعْتُمْ من لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ الله "   و  ( فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد ) أي تأصل حكم الله فيها وترسخ حتى صار الحكم لكمال طاعتها بالطبع فيها عينا فكما أمرت تمثلت وتجسدت بصورة الحكم فكل حكم عليها عين متميزة عن نظيرتها إلى صورة حكم آخر في جوهر واحد .

قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا ) في صورة الحكم ( وهي الحية ) في صورة حكم آخر ( والثعبان الظاهر ) كذلك ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصا من كونها عصا ) لأنها متأيدة بتأييد الحق متنورة بنور القدس ، فبأي شبهة تمسك فرعون وقومه أبطلها ببرهان نير من جنسها .

قال رضي الله عنه :  ( فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصا وحيات وحبال فكانت للسحرة حبالا ولم يكن لموسى حبل ، والحبل التل الصغير : أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة )

أي لعلم السحرة أن قوم فرعون يعلمون أن موسى ما دعا إلى فرعون بينوا ذلك ، لأن فرعون كان يدعى أنه رب العالمين .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) صاحب الكشف واليقين . وهو الجواب الأول . ( والعاقل خاصة . ) وهو الجواب الثاني .

قال رضي الله عنه :  ( "فألقى عصاه"  وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته ، "فإذا هي ثعبان مبين" أي ، حية ظاهرة . ) لما كان ( عصا ) مأخوذا من ( العصيان ) وفرعون هو الذي عصى ربه وأبى، جعل العصا صورة ما تحقق به إباء فرعون وعصيانه عن إجابة الدعوة.
وليس ذلك إلا النفس الأمارة، فالعصا صورة النفس الأمارة . فإذا انقلبت حية ، صارت صورة النفس المطمئنة المفنية للموهومات والمتخيلات .
لذلك قال : "هي عصاي أتوكأ عليها" أي ، استعين بها على مطالبي وسلوكي .

قال رضي الله عنه :  ( وأهش بها على غنمي ) أي ، على رعاياي وعلى ما هو تحت يدي من القوى البدنية .

قال رضي الله عنه :  ( ولى فيها مآرب أخرى ) أي ، مقاصد لا تحصل إلا بها من الكمالات المكتسبة ( فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة ، كما قال : "يبدل الله سيئاتهم حسنات " ) أي ، انقلاب العصا حيوانا ايماء إلى انقلاب المعصية طاعة حسنة فإن العصا من المعصية والمعصية إذا انقلبت صارت طاعة ، كما قال تعالى : " أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " ولما كان تبديل السيئة حسنة عبارة عن ترتب حكم الحسنة عليها ، إلا أن عينها تصير حسنة ،
قال رضي الله عنه  : ( يعنى في الحكم . ) كما جاء في الخبر من أن المحبوبين يعد قتلهم بالإحياء وإفسادهم بالإصلاح .

وعلى هذا ( فظهر الحكم هاهنا عينا متميزة في جوهر واحد . ) أي ، ظهر حكم العصيان المنقلب إلى الطاعة على صورة عين الثعبان ، وهي متميزة عن صورة أخرى ، وكلها تظهر في جوهر واحد لا تعدد فيه حقيقة .

قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا والحية والثعبان الظاهر ) أي ، فتلك العين هي العصا بحكم العصيان ، وهي الحية والثعبان بحكم الطاعة للرحمن .
( فالتقم ) الثعبان ( أمثاله من الحيات من كونها حية ، والعصى من كونها عصا . فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصى وحيات وحبال . ) .

لأن الحق أراد تصديق نبيه وتغليبه على فرعون ، فظهرت العين الظاهرة بالصورة العصائية على الصورة الثعبانية ، فالتقم أمثالها من الحيات من كونها حية والعصى من كونها عصى في الأصل .

قال رضي الله عنه :  ( فكانت للسحرة الحبال، ولم يكن لموسى حبل. و "الحبل" التل الصغير . أي، مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. )
أي ، حبال السحرة الظاهرة على صورة الحيات إشارة إلى صغر قدرهم بالنسبة إلى قدر موسى ، لأن ( الحبل ) في أصل اللغة التل الصغير . فنسبة مقاديرهم إلى قدر موسى عند الله كنسبة التلال الصغيرة إلى الجبال الشامخة .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة ،فَأَلْقى عَصاهُوهي صورة ما عصا به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوتهفَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ[ الشعراء : 32 ] أي : حيّة ظاهرة ، فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي : حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ[ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم ، فظهر الحكم هاهنا عينا متميّزة في جوهر واحد ؛ فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا ؛ فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال ، فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل ، والحبل التّلّ الصّغير أي : مقاديرهم بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة ).

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي : ولكون القول بإلهية غير أن اللّه لا يتأتى بطريق التأويل من صاحب العقل ، ولا من صاحب اليقين ، ولا يتجاوزهما فرعون وقومه ، بل هو من الجهّال المدعين بلسان الظاهر ، ( جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) القائل بظهور صورة وجود الحق لا صورة إلهيته التي توجب الوجود ، والعاقل القائل بالتنزيه المحض ، فأعمه دون [ . . . ] ؛ لئلا يدعي فرعون ذلك كاذبا كذبا صريحا .

ولما أظهر فرعون الإنصاف طلب المعجزة التي هي الشيء المبين من غير إنصاف في الواقع قال رضي الله عنه :  ( فَأَلْقى عَصاهُ) [ الشعراء : 32 ] ، وهي من حيث كونها آلة لضرب المستحق على المعصية ( صورة ما عصى به فرعون موسى ) ؛ ليدل على عدم إنصافه في التفاته عن ( إجابة دعوته ) إلى الإيمان باللّه ورسله ،" فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ" [ الشعراء:32].
وفي العيان حياة ليست في العصا مع أنها مفسرة بالحية المشعرة بالحياة ؛ فلذلك قال ( أي : حية ظاهرة ) ؛ ليشعر بأن في الانقلاب إلى إجابة موسى حياة من بعد الكفر والمعاصي ، وانقلابا لها إلى الطاعات، فكأنه لما انقلبت العصا حية، (فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة حسنة).
وإنما وصف المعصية بالسيئة ، والطاعة بالحسنة ؛ ليتأتى له الاستدلال بالآية المشار إليها في قوله ( كما قال تعالى ) في حق التائبين: ( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [ الفرقان : 70].

ثم أشار على أن قلب العصا حية ، والسيئات حسنات ليس بطريق قلب الحقائق ، فإنه محال ، بل قال رضي الله عنه :  ( يعني في الحكم ) ، فكأنما حقيقة العصا باقية مع صورة الحية ، ( فظهر الحكم ) أي : حكم العصا مع حكم الحية ( هنا ) ، أي : في صورة الانقلاب بحيث يكون كل واحد منهما ( عينا متميزة ) عن عين الأخرى ، إذ الأحكام تابعة للحقائق ، فاختلفت الحقائق ، وتميزت ( في جوهر واحد ) ، فهذه الأحكام التابعة لهذه الحقائق المختلفة في هذا الجوهر لا ثبات لها حتى تكون الإلهية بها ، فلا عبرة بالمراتب ولا بالصور ،
قد غوى الإلهية بالمرتبة أو الصورة ليست غير الإنصاف ، كيف والإلهية لا تكون إلا محض إلهية ، وهاهنا لا تمحض ، إذ غايته الانقلاب ، ولا تمحض معه في صورة انقلاب العصا حية مع انخلاع الصورة الأولى ، فكيف بدونها ؟ !

قال رضي الله عنه :  ( فهي العصا ) من وجه ، ( وهي الحية ) من وجه ، وفيها اعتبار أن الحياة الحادثة كحياة من حيا باللّه بعد الحياة الحيوانية والثعبانية ، كما قال : ( والثعبان الظاهر ) بهذا الاعتبار يكون قائلا مفنيّا ، ( فالتقم أمثاله ) فيه إشارة إلى أن الجنسية سبب الضم ، والتأثير ( من الحيات من كونها حية ) ، والتقمت ( العصي من كونها عصي ) .
ولما كان الآكل ظاهرا باقيا ، والمأكول باطنا فانيا ، ( فظهرت ) أي : غلبت ( حجة موسى على حجج فرعون ) ، وإن كانت أكثر أفرادا وأنواعا ، والغلبة في النوع الموافق ظاهرة ، فجعلت الحبال حياة ؛ وذلك لأنه كانت حجج فرعون ( في صورة عصا ، وحيات ) انقلبت ، ( وحبال ) انقلبت حيات ، وهذا هو النوع الزائد من وجه ، ( فكانت للسحرة حبال ) ، وهي وإن كانت زائدة صورة ، إذ ( لم يكن لموسى حبل ) ، فهو دال على النقص فيهم ، والكمال في موسى إشارة ؛ وذلك لأن ( الحبل ) وإن أريد به الرسن قد جاء بمعنى ( التل الصغير ) ،
فهو إشارة إلى صغر مقدارهم ، وصغر مقدار التل إنما يعتبر بالنسبة إلى الجبال ، فهو بطريق الإشارة كما قال ، ( أي : مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى ) ، بمنزلة الحبال التي هي ( التّلال الصّغار إلى الجبال الشّامخة ).

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) أولا بإطلاقه عموما ، ( والعاقل ) يتقيّده في مشارقه المظهرة ومغاربه المخفية ( خاصّة ) .

تأويل انقلاب العصي حيّة
ثمّ إنّ موسى إذ أعطى حقّ فرعون في أمر مقابلته له ومناظرته معه سكن عنها ( " فَأَلْقى عَصاه  ") وهو مما يستلزم إعطاء حقّه ، ولذلك أسند الإلقاء أيضا إلى موسى ، مع أنّ العصا هي صورة ما عليه فرعون ،
على ما أشار إليه قوله: (وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته)، وهي على سياق ما سبق من التأويل إشارة إلى النظر الذي بيد العقل ، يعتمد عليه في جملة أعماله عند تبيين أحكامه وتمييز أحواله ، ويتوكَّأ عليه عند التجلَّي

بجميل أفعاله وأقواله ، ويهشّ به أوراق شجرة الجمعيّة الكماليّة القلبيّة من البراهين الباهرة المقوّية على غنم غنائمه وأمواله ، ممّا يميل إليه ويغنم به عند المقابلة والمناظرة مع الموافقين والمخالفين ،

من الصور الاعتقاديّة والمحسّنات الإدراكيّة التي ترعي وتغتذي بتلك الحجج وبها يقوم أو على مراعي تلك المزارع ممن هو تحت حيطة رعية ورعايته من تلامذته وأصحابه من المستفيدين منه ، المستفيضين من مشرب كماله وله فيه " مَآرِبُ أُخْرى " عند بلوغه إلى رتبة كماله في الإنسان الكامل ،

ولذلك تراه إذا ألقى موسى إلقاء إظهار خصائصه الكمالية (" فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ") تنثعب منه وتنفجر عيون علم وكشف من : ثعبت الماء ، فانثعب : أي فجرت فانفجر فإنّ النظر من صاحب الكمال إذا ألقى وأظهر انفجر من عيون قوّته المفصّلة فنون علم وفيض (" مُبِينٌ ") .

ثم إنّك قد عرفت أنّ الحياة الحقيقيّة هي الحياة العلميّة الفائضة من معدن كماله أبدا ، من غير نقص انقراض وتوهّم انصرام ،

وإلى ذلك أشار في تفسيره الثعبان بقوله : ( أي حيّة ظاهرة فانقلبت المعصية التي هي السيّئة ) وهي التي عليها من التنزيه الذي هو مقتضى نشأة صاحبه - يعني العقل( طاعة - أي حسنة - كما قال : " يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ "  يعني في الحكم ) ،
فإنّ الأعيان أنفسها لا تتبدّل ولكن تتقلب أحكامها عند العروج في مراقي كمالها ، كما فيما نحن فيه إذا نقلت العقل قلبا ( فظهر الحكم عينا متميّزة )
أي ظهور عين متميزة بحسب الاسم والأثر ( في جوهر واحد ) .

قال رضي الله عنه  : ( فهي العصا ) للعوام باعتبار الاعتماد عليها في الآراء المبيّنة للمبدإ والمعاد ( وهي الحيّة ) أيضا للخواصّ ، باعتبار فيضان ماء حياة العلم منها ( والثعبان الظاهر ) أيضا باعتبار انفجار عيون انبساطه وكماله على مزارع قلوب القابلين من أهل الطلب ، المحاطين تحت حيطته ( فالتقم أمثاله من الحيّات ، من كونها حيّة ، والعصيّ من كونها عصا).

والذي يدلّ على تطبيق هذا التأويل وإصابة سهامه مرامي قصد صاحب الكتاب قوله في تأويل الالتقام : ( فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصىّ وحيّات وحبال ) ،
وهي باعتبار جذب القلوب بها واقتناص خواطر أهل القرب والنيّة منها ( فكانت للسحرة الحبال ، ولم يكن لموسى حبل ) ، فإنّه العلم الذي هو مبدأ التخيّل والإيهام ، مما يشوّق ويجذب إلى العالم به ، ويوهم وينفّر عن غيره وليس لموسى من ذلك العلم شيء ، لعلوّ قدره عن أمثال تلك الحيل ،
ولذلك قال رضي الله عنه  : ( والحبل : التلّ الصغير ) ، وهو الممتدّ من الرمل المستطيل الذي به يهتدي الساري إلى بيته ، فلذلك استعير به للوصل ، ولكل ما يتوصّل به ، قوله تعالى : " اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله ".

 موسى والسحرة
قال رضي الله عنه  : (أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة)

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة.
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة.)

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصّة . فَأَلْقى عَصاهُ وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ [ الشعراء : 32 ] أي حيّة ظاهرة . فانقلبت المعصية الّتي هي السّيّئة طاعة أي حسنة كما قال :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [ الفرقان : 70 ] يعني في الحكم . فظهر الحكم ههنا عينا متميّزة في جوهر واحد . فهي العصا وهي الحيّة والثّعبان الظّاهر ، فالتقم أمثاله من الحيّات من كونها حيّة والعصيّ من كونها عصا . فظهرت حجّة موسى على حجج فرعون في صورة عصيّ وحيّات وحبال . فكانت للسّحرة حبال ولم يكن لموسى حبل . والحبل التّلّ الصّغير أي مقاديرهم )

قال رضي الله عنه :  (ولهذا ) ، أي لتفاوت مرتبتي العقل والكشف ( جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن ) المشاهد لإطلاقه ( والعاقل ) القابل بتقييده ( خاصة فألقى موسى عصاه وهي صورة ما عصى به ) ، أي ملكه كفر وعناد عصى بها ( فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته فإذا هي ثعبان ) ، تثعب منه وتنفجر منه عيون علم وكشف من ثعب الماء فانثعب ، أي فجرته فانفجر

قال رضي الله عنه :  ( مبين ) ، ولما كانت الحيات الحقيقية هي الحيات العالمية فسر الثعبان المبين بقوله : ( أي حية ظاهرة فانقلبت ) العصا ثعبانا كما تنقلب
( المعصية التي هي السيئة طاعة ، أي حسنة كما قال تعالى :يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يعني في الحكم ) فإن الأعيان أنفسها لا تتبدل ولن تنقلب أحكامها ( فظهر الحكم هنا ) ، أي في مادة انقلاب العصا ثعبانا ( عينا متميزة ) ، أي ظهور عين متميزة الأحكام ( في جوهر واحد فهي العصا ) حيث كان يتوكأ عليها ( وهي الحية ) من حيث أنها يحس منها الحث والحركة

قال رضي الله عنه :  ( والثعبان الظاهر ) باعتبار التقامها أمثالها من الحيات والعصي ( فالتقم أمثاله من الحيات من كونها ) ، أي من حيث كونها ( حية والعصا من كونها عصا فظهر حجة موسى على حجج فرعون ) الظاهرة ( في صورة عصيّ وحيات وحبال فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل والحبل التل الصغير ) وهو الممتد من الرمل المستطيل الذي به يهتدي الساري إلى بيته

قال رضي الله عنه :  ( بالنّسبة إلى قدر موسى عند اللّه كنسبة التّلال الصّغيرة إلى الجبال الشّامخة . )

( أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى عند اللّه بمنزلة الحبال ) ، أي التلال الصغيرة ( من الجبال الشامخة . )
.
واتساب

No comments:

Post a Comment