Monday, March 16, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي .  فخرج فرعون من هذا الصّنف . هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن . ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه . وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه .  ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة : وأعني من المختضرين ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة . )

قال رضي الله عنه :  (ومن حقت) ، أي تحققت (عليه كلمة العذاب الأخروي) وهي كلمة الرب المقطوع بها في علم اللّه تعالى القديم وتقديره الأزلي .
قال تعالى :أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ( 19 ) [ الزمر : 19].
فذكر النار دليل على أنه العذاب الأخروي (لا يؤمن) في الدنيا أصلا (ولو جاءته) ظهرت له (كل آية ).

قال تعالى في حق فرعون :وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى [ طه : 56].
يعني في حياته الدنيا قبل نزوله في البحر بدليل قوله بعده: " قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى"  [ طه : 57 ] ثم آمن بعد ذلك بعد نزوله في البحر وأدرك الغرق كما مر ذكره .

وقال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ( 96 ) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ" [ يونس : 96 - 97 ] ،
أي ( حتى يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف) المذكورين لأنه آمن قبل أن تحق عليه كلمة ربك التي هي كلمة العذاب الأخروي وقبل أن يذوق العذاب الأليم الأخروي ، بل قبل أن يذوق الغرق الذي هو عذاب الدنيا ومن حقت عليه الكلمة لا يؤمن حتى يرى ، أي يذوق العذاب الأليم ، وهو العذاب الأخروي ، لأنه لا أكثر منه في الألم فيدل أنه يؤمن بعد الموت ، والإيمان بعد الموت غير مقبول إجماعا وفرعون لم يفعل كذلك إلا أنه آمن قبل الموت .

(هذا) الكلام المذكور هنا المقتضي بصحة إيمان فرعون وقبوله (هو الظاهر الذي ورد به القرآن)  كما علمت بيانه ولم يرد في السنة النبوية ما يرده ولا في الإجماع أيضا ، لأنه قال بصحة إيمان فرعون جماعة من المجتهدين .

ذكرهم الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه اللّه تعالى في أوائل كتابه اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر والمصنف قدس اللّه سره من جملتهم

"" أضاف الجامع :
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر الجزء الأول ص 33 :-
"ومن دعوى المنكر أن الشيخ يقول بقبول إيمان فرعون وذلك كذب وافتراء على الشيخ فقد صرح الشيخ في الباب الثاني والستين من «الفتوحات» بأن فرعون من أهل النار الذين لا يخرجون منها أبد الآبدين و «الفتوحات» من أواخر مؤلفاته فإنه فرغ منها قبل موته بنحو ثلاث سنين.
قال شيخ الإسلام الخالدي رحمه اللّه:
والشيخ محيي الدين بتقدير صدور ذلك عنه لم ينفرد به بل ذهب جمع كثير من السلف إلى قبول إيمانه لما حكى اللّه عنه أنه قال:" حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [يونس: 90] وكان ذلك آخر عهده بالدنيا،

وقال الشيخ أبو بكر الباقلاني:
قبول إيمانه هو الأقوى من حيث الاستدلال ولم يرد لنا نص صريح أنه مات على كفره انتهى.
ودليل جمهور السلف والخلف على كفره )أنه آمن عند اليأس( وإيمان أهل اليأس لا يقبل واللّه أعلم. أهـ ""

قال رضي الله عنه :  (ثم إنا نقول بعد ذلك) ، أي بعد تقرير ما ذكر )والأمر فيه( ، أي في حق فرعون موكول إلى اللّه تعالى لما ، أي لأجل الأمر )الذي استقر في نفوس عامة الخلق( ، أي العامة من الخلق دون الخاصة منهم أو الأكثرون الأقل )من شقائه( ، أي فرعون يعني هلاكه على الكفر وتخليده في النار ،
بناء على ذكر اللّه تعالى في حقه في القرآن من الأحوال التي كان عليها في حياته في الدنيا ، من الكفر ودعوى الربوبية والظلم والتعدي واتباع السحر وقتل النفوس بلا حق ، والتكذيب بالأنبياء عليهم السلام وإضلال قومه ، إلى غير ذلك من الأوصاف القبيحة ،

ولم يلتفتوا إلى ما ذكره اللّه تعالى أيضا عنه من إيمانه في آخر الأمر قبل أن يهلك بالغرق في البحر وقطعوا بأن ذلك إيمان غير مقبول منه ولم يبحثوا عنه في ذلك الوقت كيف كان حاله مع اللّه تعالى والكل مجمعون على أن الأمور معتبرة بخواتيمها والسعيد من مات على السعادة والشقي من مات على الشقاوة ولو صدر منه في الدنيا من الأعمال كيفما صدر من كفر وغيره .

) قال رضي الله عنه :  وما لهم( ، أي العامة المذكورين )نص في ذلك (، أي في أن فرعون مات شقيا )يستندون إليه( ، أي إلى ذلك في آية أو حديث غير بعض احتمالات في آياتنا قابلة للتأويل بسهولة كما قدمنا بعضها .

والحاصل أن المؤيدات من النصوص لإيمان فرعون كثيرة ، وقول المصنف قدس اللّه سره هنا : والأمر فيه إلى اللّه ، لا يدل على أنه غير قاطع في حقه بشيء ، وأنه متوقف في شأنه باعتبار ما بعده من قوله : لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه ، يعني أنا نقول بتفويض أمر فرعون إلى اللّه تعالى لأجل الذي استقر في النفوس من شقائه لا باعتبار ما عندنا من ذلك ، فإن مسألة إيمان فرعون لا شبهة فيها عند أحد من أهل الكشف والبصيرة ،

لأن أصحاب القلوب المهذبة بالرياضة الشرعية أهل التحقيق والمعرفة الإلهية لا شك عندهم في أمر من الأمور أصلا ولا شبهة ، ولكن هم في تقرير العلم لأهل الظاهر مع ما تفيده الأدلة اللفظية والنصوص الكلامية ، ومع الكشف الصحيح والذوق المستقيم في تقدير ذلك لأنفسهم وأمثالهم إن كانوا ،

وليس ببعيد أن اللّه تعالى يجعل فرعون آية على سعة رحمته وكمال عنايته بمن يشاء من عباده لا سيما ، وفي الآية ما يشير إلى ذلك من قوله تعالى : " لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ "[يونس : 92 ].

فتنبه يا أخي لهذه الآية ولا تكن من الناس الغافلين عنها فإن فرعون عاش في الدنيا من أوّل عمره فاسقا ، فاجرا ، كافرا ، ضالا ، وادعى الربوبية مع اللّه ونازع اللّه تعالى وأنبياءه ورسله ، ثم آمن وأسلم فتقبل منه ذلك ،

وغفر اللّه تعالى له جميع ما عمله من الشر ، وأماته طاهرا مطهرا ، فيبقى كل من وصل إلى غاية الشقاء بارتكاب الكثير من الذنوب والمعاصي ومتعارفه الفواحش ، بل من خاض في جميع عمره في أنواع الكفر والزندقة وبالغ في الضلال بحيث فعل جميع ما فعله فرعون وزاد عليه في ذلك إن أمكنه الزيادة ، ثم أسلم وآمن وتاب بقلبه ولسانه ،
وصدق في رجوعه عن كل ما كان فيه ، فإن اللّه تعالى يقبل منه إسلامه وإيمانه وتوبته ، ولو صدر منه ذلك في آخر أجزاء حياته قبيل موته ولو بوقت يسير ، حتى لا ييأس من رحمة اللّه تعالى أحد ، ولا يقنط من روح اللّه مخلوق .
وفي ضد ذلك قد جعل اللّه تعالى إبليس آية على غضبه وسخطه وكمال انتقامه وعظيم مكره واستدراجه ، فأحياه اللّه تعالى في الدنيا في ابتداء خلقه مسلما ، مؤمنا ، صالحا ، عابدا ، زاهدا ، عالما ، عاملا لم يبق بقعة في الأرض إلا وقد عبد اللّه تعالى فيها ، ثم صعد إلى السماء ، فكان يعبد اللّه تعالى مع الملائكة عليهم السلام ،

وكان أعبدهم وأعرفهم وأكملهم وأشرفهم ، بحيث كان يعلمهم ويرشدهم إلى كيفية الخضوع والخشوع ، ثم إن اللّه تعالى بعد ذلك أشقاه وأضله وغضب عليه ومكر به وانتقم منه ،
فكفر وعاند واستخف بحرمة اللّه تعالى ، وأبغض ربه وعاداه وأبغض إخوان الإيمان والصدق وعاداهم ،
وآذاهم وأضرهم حتى يكون عبرة وموعظة للمؤمنين الصالحين العابدين الزاهدين الكاملين في العلم والعمل ، فيخافون من اللّه تعالى أن يمكر بهم ويجعلهم مثل إبليس في الشقاء ، فلا يأمنون من مكر اللّه تعالى ولا من استدراجه لهم ، واللّه على كل شيء قدير ، واللّه يحكم لا معقب لحكمه.

وأما آله ، أي فرعون يعني قومه الذين كانوا يعبدونه من دون اللّه تعالى فلهم حكم آخر غير حكمه هو ، فإنهم ماتوا على الكفر باللّه تعالى وأنبيائه ورسله وعلى التكذيب بالحق ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أسلم وآمن قبل موته .
وقال تعالى في حقهم :" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ " [ غافر : 46 ] .
فإن في بيان عذابهم الآن في النار غدوّا وعشيا ، وكيفيته ، وذكر قبورهم المتنقلة في بطون الحيتان البحرية والحيوانات البرية ، وتنويع عذابهم فيها إلى يوم القيامة ، ثم دخلوا لهم في يوم القيامة إلى أشد العذاب .
وما المراد بذلك العذاب الأشد ؟
وما حكمة ذلك كله ، إلى غير ذلك من بيان أحوالهم البرزخية والأخروية ليس هذا موضع ذكره ، فإنه يحتاج إلى بسط كلام كثير .
ثم ليعلم ، أي السالك أنه ، أي الشأن لا يقبض اللّه تعالى أي يتوفى ويميت أحدا من الناس مؤمنا كان ذلك المقبوض أو كافرا إلا وهو ، أي ذلك المقبوض مؤمن بينه وبين اللّه تعالى في حال قبضه وموته أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية في الكتاب والسنة من الحق كما يشير إليه قوله تعالى : "وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " [ الأنعام : 3 ] ، وإذا عاينوا ذلك فكيف لا يؤمنون بقلوبهم ويصدقون .

) قال رضي الله عنه :  وأعني( بهذا التعميم في كل مقبوض إذا كان )من المحتضرين( ، أي الذين حضرتهم ملائكة الموت ، وماتوا بالنزع الكثير أو القليل ؛ )ولهذا( ، أي لكون الأمر كما ذكر )يكره موت الفجاءة( بالضم والمد وتفتح وتقصر أي البغتة ، وهي الموت بلا مرض ولا نزاع ولا ضرب ولا قتل ولا غيرها ، بل من خالص الصحة والعافية ، أو مشوبها ببعض مرض لا يحصل منه الموت عادة .
وكراهته إنما هي في حق المسرفين على أنفسهم والكافرين لتفويت التوبة والإسلام عليهم ، وهو خير في الصالحين ، كما ورد أن إبراهيم الخليل عليه السلام مات بلا مرض كما بينه جمع ، وتوفي داود عليه السلام فجأة ، وكذلك الصالحون وهو تخفيف عن المؤمن .
و يكره (قتل الغفلة) أيضا في حق غير الصالحين أيضا كالفجأة .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم أي يذوق العذاب الأخروي ) فلا يصدق في حق هذا الصنف أنه قبضه اللّه تعالى طاهرا ومطهرا لأنه قبض مع الشرك فبقي جسده نجسا وكذلك روحه وقع في القبضة مع الشرك فذاق العذاب الأخروي ثم آمن فلا ينفع ذلك الايمان لهم بالنص الإلهي وتفسير الرؤية بالذوق على من يرى إيمان اليأس صحيحا ( فخرج فرعون ) على ذلك التفسير ( من هذا الصنف ) وأما من لم يفسر الآية بذلك التفسير دخل فرعون عنده في هذا المصنف ( هذا ) أي المذكور في إيمان فرعون ( هو الظاهر الذي ورد به القرآن ) أي يدل عليه ظاهرا القرآن الذي يجب العمل به إذا لم يعارضه النص أو الإجماع .

فلما زعم من لا يفهم كلامه أنه قد جعل فرعون الذي قد ثبت شقاؤه بحجة قاطعة شرعية من المؤمنين فظن السوء في حقه أراد دفع ذلك الظن الفاسد في حقه فقال ( ثم أنا نقول ) لإزالة إنكار المنكرين في حقه ( بعد ذلك ) أي بعد ورود ظاهر القرآن على إيمانه

قال رضي الله عنه :  ( والأمر فيه إلى اللّه )  فعدل عن الظاهر الذي ذكره وأورده دليلا على إيمان فرعون إلى التوقف لمعارضته الإجماع وبين سبب عدوله ( لما استقر في نفوس عامة الخلق ) وهم الفرق الاسلامية كلها بل الكفرة أيضا

قال رضي الله عنه :  ( من شقائه ) بيان لما ( وما لهم نص في ذلك ) أي في شقاء فرعون ( يستندون ) الشقاء ( إليه ) أي إلى ذلك النص أو يستندون الشقاء بسبب ذلك النص إليه أي إلى فرعون ( وأما إله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه ثم ليعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعني) بقوله ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن.

قال رضي الله عنه :  ( من المحتضرين ولهذا ) أي ولأجل كون المحتضر صاحب إيمان وشهود (يكره موت الفجاءة وقتل الغفلة )
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي. فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن. ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه. وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بثوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90] ثم تمادي  
في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه  : ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ، ولو جاءته كلّ آية ، حتى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي ، فخرج فرعون من هذا الصنف .
هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنّا نقول بعد ذلك : والأمر فيه إلى الله ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك مستندون إليه .  وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه . ثمّ لتعلم أنّه ما يقبض الله أحدا إلَّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاء به الأخبار الإلهية ، وأعني من المحتضرين ، ولهذا يكره موت الفجاة وقتل الغفلة ، فأمّا موت الفجأة فحدّه أن يخرج النفس الداخل ولا يدخل النفس الخارج ، فهذا موت الفجأة ، وهذا غير المحتضر ، وكذلك قتل الغفلة )

يشير رضي الله عنه  إلى بشارة عظيمة لمن احتضر من الكفّار والمشركين ولا محجوبين بأنّهم يشاهدون الملائكة وأمارات الآخرة ، فيؤمن بحكم ما يشهد ولا بدّ ، ولكن قد يكون إيمانه حال الغرغرة ، والله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، والمؤمن منهم عند الغرغرة أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ ،
والميت فجأة والمقتول غفلة من الكفّار يقبض على ما كان عليه في آخر نفسه كفرا كان أو إيمانا ويحشر على صورة خاطره إذ ذاك ، والمحتضر من الكفّار بخلافهما ،
وأمّا فرعون غير داخل فيهم ، فإنّه مؤمن قبل الغرغرة ، راج للنجاة من عذاب الغرق ولات حين مناص .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروى لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم : أي يذوقوا العذاب الأخروى فخرج فرعون من هذا الصنف ، هذا هو الظاهر الذي ورد به نص القرآن ، ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى الله لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه ، وما لهم نص في ذلك ) أي في شقائه الأبدي .

قال رضي الله عنه :  ( يسندون الشقاء إليه ، وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره ، ثم ليعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعنى من المحتضرين ، ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة ).
أي لا يدل على الزمان كقوله تعالى :" وكانَ الله عَلِيماً حَكِيماً " .
وكان زيد قائما ، فإن معناه ثبوت الخبر للاسم ووجوده على الصيغة المذكورة وأما قرائن الأحوال فكما تشاهد فقر زيد ،
فيقال لك : كان زيد غنيا : أي في الزمان الماضي فافتقر ،
وكقول الشيخ : كنت شابا قويا ، والمراد أن معنى الحديث أنه يقبض على ما هو عليه ، وإطلاق الحرف على ما كان حرف وجودي مجاز ، كقولهم في حرف إني كذا أي قرأته .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ، ولو جائته كل آية ) كأبي جهل وأضرابه ، فإنه قال لقاتله حال القتل : قل لصاحبك ( يعنى محمد ) ما أنا بنادم عن مخالفتك في هذا الحال أيضا .

قال رضي الله عنه :  ( حتى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي ) عند الموت الطبيعي
( فخرج فرعون من هذا الصنف . هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن . ثم ، إنا نقول بعد ذلك : والأمر فيه إلى الله بما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه )
في الآخرة (وما لهم نص في ذلك يستندون الشقاء إليه.) لا إلى الله .
(وأما آله ، فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه.) أي، حكم فرعون حكم المؤمنين الطاهرين المطهرين ، إذ ما وقع بعد الإيمان منه عصيان ، والإسلام يجب ما قبله .

وأما حكم آله ، فحكم الكافرين من وجه ، لأنهم جعلوا الرب المطلق
والمعبود الحق مقيدا في صورة فرعونية فستروا الحق في صورته الباطلة ، وحكم
المؤمنين من وجه ، لأنهم ما عبودا في صورته إلا الهوية الإلهية الظاهرة في المجالي
المختلفة . فرضي الله عنهم من هذه الحيثية ورضوا عنه ، وإن كان من حيث
تقيدهم إياه يعذبهم . ولما لم يكن هذا موضع بيانه ، قال : ( ليس هذا موضعه . )

قال رضي الله عنه :  ( ثم ، ليعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن ، أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية ) لأنه يعاين ما أخبر به الأنبياء ، عليهم السلام ، من الوعد والوعيد .
( وأعنى من المحتضرين . ) أي ، وأعنى بهذا القول من يكون من المحتضرين لا من يموت مطلقا .

قال رضي الله عنه :  (ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة) .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي : يذوقوا العذاب الأخروي ، فخرج فرعون من هذا الصّنف ، هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن ، ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه ، وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه ، ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة ، وأعني من المختضرين ، ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة).

ثم أشار إلى أنه لو كان مأخوذا في الآخرة بكفره لم يكن ليؤمن عند الغرق ؛ لقوله تعالى :إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [ يونس : 96 ، 97 ] .

ووجه الاستدلال أنه علم بالنص أن ( من حقت عليه كلمة العذاب الأخروي ) ، فإنه المراد بكلمة ربك لأن المفسرين فسروها بقوله : هؤلاء في النار ولا أبالي ( لا يؤمن ) قبيل الموت ، وإن كان يؤمن في الحياة ( ولو جاءته كل آية ) في ذلك الوقت أو قبله ، والبأس الدنيوي من جملة الآيات ( حتى يروه العذاب الأليم ) ، فليس المراد أي عذاب كان ، فإن المحتضر لا يخلو من عذاب المرض في الجملة ، ولا نفس الرواية لذلك العذاب الأخروي بمعنى [ . . . ] به عن تلك الآيات ، بل المراد ( أي : ذوقوا العذاب الأخروي) ، وفرعون آمن قبيل الموت قبل ذوق العذاب الأخروي ، ( فخرج فرعون من هذا الصنف) .

ثم أشار إلى أن ذلك ليس مما يجب الاعتقاد به ، بل ( هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن )  أورد أنه ينجي روحه وبدنه ، وورد أنه آمن قبيل الموت ، ومن حقت عليه كلمة العذاب لا يؤمن حينئذ ورده كونه آية في نجاة روحه وبدنه ، والتأويلات التي ذكرها الجمهور خلاف الظاهر .

قال رضي الله عنه :  ( ثم إنا نقول بعد ذلك ) أي : بعد التعرض لما يدل عليه ظاهر القرآن ( والأمر فيه إلى اللّه ) ؛ لعدم الدليل القاطع على قبول إيمانه ، ولا على عدم قبوله ( لما استقر في نفوس العامة من شقائه ) من كفره وعلوه أيام جنونه ، وقد أخذ على ذلك وكره اللّه تعالى ذكره تقرر عندهم أن إيمانه غير مقبول في حق الآخرة أيضا ،

كما لا يقبل في حق الدنيا مع أن المؤاخذة الدنيوية لا تستلزم المؤاخذة الأخروية لو تخلل الإيمان بينهما قبل كشف الحجب عن أحوال الآخرة ، كما في صورة استرقاق الكافر إذا آمن بعد ذلك ، ولو قبيل الموت قبل انكشاف أحوال الآخرة ( وما لهم نص في ذلك يستندون إليه ) ؛ لأن النصوص الواردة في شأنه إما أن تدل على كفره وطغيانه قبل هذا الإيمان ، فهي لا تدل على عدم قبول إيمانه الثابت بالنص أيضا ، ولا شكّ أنه لو آمن قبل دخول البحر بعد انغلاقه لقبل إيمانه اتفاقا ، وليس الغرق فيه أجل دلالة منه .

وإما أن تدل على مؤاخذته على الكفر السابق في الدنيا ، ولا دلالة لها على المؤاخذة الأخروية على ذلك الكفر إذا تخلل بينهما الإيمان قبل كشف الحجب عن أحوال الآخرة ، فاسترقاق الكافر مؤاخذة دنيوية ، والإسلام بعدها لا يدفع تلك المؤاخذة فلا يعتق بمجرد الإيمان ، لكن لا يؤاخذ بذلك الكفر في الآخرة حينئذ .

وإما أن تدل على مؤاخذته في الآخرة على حقوق الخلق من إضلال قوم غير محصورين ، واستعباد بني إسرائيل وهم أولاد الأنبياء ظلما وقتلا لأولادهم ، وهذه الحقوق مما لا يعفى منها بالإيمان أو على عذابه في الآخرة مطلقا من غير أن يشير إلى كونه على كفره ، ولا إلى خلوده ، ولا إلى عدم قبول إيمانه ،
فالشيخ إنما أورد هذا ؛ للإشارة إلى أن النصوص ساكتة عن ذلك لا كما يتوهم العامة من دلالتها على عدم قبول إيمانه .
وقد ذكرنا ما يجب اعتقاده في هذه المسألة فيما تقدم ، ولتذكر أدلة الجمهور مع ما أجيب به عنها ، وهي وجوه :
الأول : أنه تعالى ما يقص في كتابه العزيز قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصته ، ولا ذكر من أحد من الكفر والطغيان مثل ما ذكرهما منه ، ولا كرر مثل ما كرره .

أجيب : بأن الكناية أبلغ من التصريح ، قلنا : صرح باسم قبلة إبراهيم ، وكني عن حب محمد صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله :إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي [ آل عمران : 31 ] ،
فكذا صرح باسم فرعون ، وأخفي اسم قابيل مع أنه أشد عذابا منه ، ولعل عاقر ناقة صالح لا يكون أقل عذابا منه ، وقد قال تعالى في حقه :إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها[ الشمس : 12 ] ،

وكذا نمرود ، ثم ذكر اسمه الخاص لإحضاره بعينه من جملة من بعث إليه موسى من رؤساء الكفرة ، وهم فرعون وقارون وهامان ، فصرح بأسماء كلهم بخلاف من بعث إلى رئيس معين كنمرود وإلى طائفة عظيمة كقوم نوح ، وإنما جعل قصته أعظم القصص ؛
لأن غاية كفره وطغيانه كان عن غاية قوته ، فمن ذلك أخذ بأسهل الطرق وهو الغرق ، وورث ملكه أعداءه الذين كان يستضعفهم غاية الاستضعاف ، وذكر أنه أخذ مع إيمانه في الدنيا على جرائمه السابقة ، وكان كتمانه سبب نجاته في الآخرة ، كما أشار إليه بقوله :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ،ومع ذلك يؤاخذ بحقوق الخلق .

ففي قصته أعظم وجوه التخويف مع أعظم وجوه التوجيه ، كما قال :لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ[ يونس : 92 ] ، فذكر جنايته كذكر من قتل مائة نفس ، ثم جعله اللّه من أهل النجاة. رواه مسلم  وأحمد في المسند .

الثاني : قوله تعالى :يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ[ هود : 98 ، 99 ] .
وقوله تعالى :فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ[ القصص : 40 - 42 ] .
أجيب : بأن تقدمه قومه لإيرادهم النار لإضلالهم ، ووروده قبلهم لذلك ؛ وربما يشير اعتبار دخوله بهذا السبب مع أن الكفر أعظم سببا منه إلى أن دخوله ليس لكفره ، واللعنة قد وردت في حق القاتل ، والإضلال أشد من القتل ، فإنه إهلاك أبدي ، وقد قتل أولاد بني إسرائيل أيضا على أن اللعنة نكرة ، والتنكير للتنويع ، والظلم أعم من الكفر ،
فإن سلم فهي تدل على مؤاخذته بالكفر السابق في الدنيا ، ولا دلالة له على المؤاخذة الأخروية أن المراد به الكافرون به بعد تخلل الإيمان بينهما كما في صورة كافر استرق فآمن ، وكونهم أئمة يدعون إلى النار ؛ لأنهم سنوا سننا قبيحة ، والقبح أعم من أن يكون بالكفر أو سائر المعاصي ، وليس لكل واحد منهم على السوية ؛ لتفاوت درجاتهم .

الثالث : قوله تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ( 13 ) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ  [ ص : 12 ، 13 ، 14 ] .
وقوله تعالى :" كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ( 12 ) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ ( 13 ) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ( 14 )[ ق : 12 - 14 ] .

أجيب : بأن المراد المؤاخذة الدنيوية ؛ لأن المراد يحق أن الماضي وهو الحقيقة ، أو المستقبل وهو المجاز ، والحمل على الحقيقة هو الأصل ، وإن جاز الحمل على الجمع بينهما عند بعضهم ، فليس بواجب ولا أول من الحمل على الحقيقة ، مع أن بعضهم أول فرعون في الآية الأولى بقومه بدليل قوله :أُولئِكَ الْأَحْزابُ[ ص : 13 ] ،
وإنما تثبت المؤاخذة الأخروية في حق من تثبت له بدليل آخر ، وإلا فإنه دلالة للمؤاخذة الدنيوية على الأخروية مع تخلل الإيمان بينهما .

الرابع : قوله تعالى : فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى[ النازعات : 25 ] .
أجيب : بأنه إن أريد بالآخرة أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [ النازعات : 24 ] ، وبالأولى ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي[ القصص :38] ، فهذه مؤاخذة دنيوية على كفره السابق ، وإن أريد بالآخرة القيامة ، وبالأولى الدنيا ، فنكال الآخرة جزاؤه على إضلاله ، واستعباده بني إسرائيل ، وقتله أولادهم لا يقال على الوجه الأخير .
إذا كان نكال القيامة لقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى دل ذلك على أن مؤاخذته الأخروية لكفره ؛ لأنا نقول لا دلالة للنص على أن نكاله في الآخرة لقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ،

بل إن مجموع نكال الدنيا ونكال الآخرة كان لمجموع النداء بعد الحشر ، وقوله :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىفيه إضلال ، ويجوز أن تتوزع أجزاء الجزاء على أجزاء الفعل بأن يكون نكال الآخرة للإضلال المفهوم من النداء .

الخامس : قوله تعالى :وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ( 88 ) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما[ يونس :  88 – 89 ].

أجيب : بأن قوله :فَلا يُؤْمِنُوا إن كان عطفا على لِيُضِلُّوالم يدخل تحت الدعوى المستجابة ، وإن كان جواب الأمر مع أنه لا يصلح أن يكون جوابا للمعطوف عليه ، فالمراد بالعذاب الأليم : الغرق ؛ لأنه إن أريد عذاب الآخرة كان رضا بموته على الكفر وهو كفر ،

والقول بأن الدعاء به ليس بكفر مع أن الرضا به كفر باطل ؛ لاستلزامه الرضاء به مع أنه أتم في الرضاء ، وقول القائل لمن يريد الإسلام في الحال ائتني هذا وقد كفروه ، وكأنه دعا عليهم أن يؤخذوا على الكفر السابق في الدنيا من غير تعريض لبقائه أو عدم بقائه على الكفر إلى انكشاف أحوال الآخرة .

السادس : قوله تعالى :آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ[ يونس  :91].
لامه على الإيمان حين المؤاخذة ، ولا يلام الشخص على الأمر المقبول منه .
أجيب : بأنه لامه على قصد النجاة من الغرق بهذا الإيمان ، فبيّن اللّه أنه لا ينفع في المؤاخذة على المعاصي الماضية كما قال :وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ .ثم أشار إلى نفعه بالنسبة إلى ما بعده ، فأتى بإلقاء الدالة على السببية في قوله :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَأي : ننجي روحك ببدنك ، أي : مع بدنك ، إذ الإيمان لا يخلو من نفع ، وقد امتنع النفع الدنيوي ، فلابدّ من النفع الأخروي إذا وقع قبل الانكشاف عن أحوال الآخرة .

السابع : روى الإمام أحمد بن حنبل ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :  " أنه ذكر الصلاة يوما ، فقال : من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة ، وحشر مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف " . رواه أحمد في المسند والدارمي .
أجيب : بأنه لا معية في عذاب الكفر ؛ لأن تارك الصلاة مؤمن عندنا ، فالمعية في العذاب على سائر المعاصي التي تنهي عنها الصلاة ، فمن تركها فكأنما ارتكبها جميعا ، وعذاب من عذب منهم على الكفر ليس من هذا النص .

الثامن : علم بالضرورة من الملك أنه أكفر الخلق ، وانعقد عليه الإجماع .
أجيب : بأنه إن أريد قبل التكلم بكلمة الإسلام عند الغرق ، فلا نزاع فيه بل لعله لم يسبقه سابق ، ولا يلحقه لاحق إن أريد معه أو بعده ، فلا يتصور أصلا فضلا عن الضرورة ، واستقراره في أذهان العامة وأقوالهم لا تجعله من ضروريات الدين كما أنه استقر في القرآن أنه ليس وراء هذه الألفاظ والأشكال مع أنه ليس شيئا منها ، بل هما وجودان زائدان على وجوده العيني ولا نسلم الإجماع على أنه لا يسمي مؤمنا ،
فإن الإمام حافظ الدين النسفي نقل في شرح عقيدته عن الإمام أبي حنيفة أنه قال : لا يدخل النار إلا مؤمن ، فقيل له : كيف ذلك ؟ ،

فقال : أنهم حين يدخلون النار لا يكونون إلا مؤمنين ، وإبليس كان قبل الأمر بالسجود مؤمنا ، غايتهم أنهم لا يقبل إيمانهم ولا ينفع ؛ لكونه عند رؤية أحوال الآخرة ، وإن أريد الإجماع على عدم قبوله ، فلابدّ له من نقل ، وغايته أن الأكثر لم ينقل فيه الخلاف ،
وقد رأيت في بعض الرسائل ينقل عن بعض المفسرين الخلاف في قبول إيمانه ، وكذا عن شعب الإيمان للبيهقي عن جماعة من العلماء .

العاشر : قوله تعالى :أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ[ غافر : 46 ] يدخل فيه فرعون دخول إبراهيم والناس وأبي أو في قوله تعالى :إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ[ آل عمران :33].  
وقوله تعالى : سَلامٌ عَلى إِل ‌ْياسِينَ[ الصافات : 130 ] .
وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « اللهم صلي على آل أبي » رواه البخاري وابن خزيمة  و رواه مسلم . و ابي داود وابن ماجة والنسائي وأحمد وغيرهم.
أو في حين جاءه أبو أوفى بالصدفة امتثالا لقوله تعالى :وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ[ التوبة : 13 ] .
أجيب : بأن دخول الشخص في آله من صريح المحال ، لكنه قد يذكر آل الشخص ، ويراد به نفسه مجازا بالزيادة ، وقد يقصد به أهله وعياله وأتباعه وهو الحقيقة ، والجمع بين الحقيقة والمجاز ليس مذهب الجمهور ، ومن قال به لا يوجبه ، ولا يرجحه على إرادة الحقيقة وحدها ، واصطفينا إبراهيم لا يفهم من قوله :وَآلَ إِبْراهِيمَ[ آل عمران : 33 ] ،
بل من قوله : وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[ البقرة : 130 ] ، والمفهوم منه اصطفاه إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ويوسف وموسى وهارون ، وغيرهم من أنبياء ذريته صلوات اللّه عليهم أجمعين ، والمراد بآل ياسين هو إلياس وحده على المجاز ، وكذا أبو أوفى من آل أبي أوفى ، وليس المراد بآل فرعون نفس فرعون ، وإلا لم يصح قوله :أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ[ غافر : 46 ] بصيغة الجمع .

ولعل الشيخ أشار إلى رفع هذا الاستدلال بقوله : ( وأما آله فلهم حكم آخر ) ؛ لأنهم إن قالوا : هو الإله دون اللّه فهم جاحدون ،
وإن قالوا : هو إله مع اللّه ، فهم مشركون ، وكذلك قالوا : هو إله بظهور الإله فيه ،
ثم قال ( ليس هذا موضعه ) ، بل موضعه ما فهم في فص نوح ، وفص لقمان ، وفص هارون وغيرهما .

ثم أشار إلى أن الإيمان في الدنيا لا يخلو من فائدة ، ولو بعد كشف أحوال الآخرة وإن لم يفيد الخروج عن النار ،
فقال رضي الله عنه  : ( ثم ) أي : بعد أن علمت أن إيمان البأس لا يدفع البأس الدنيوي عند رؤيته والأخروي عند رؤيته ؛ ( لتعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن ) عند قبضه ، فتبقي روحه متصفة بصفة الإيمان ، وإن لم يكن في حكم المؤمنين في النجاة عن الخلود في النار ؛ ولذلك يصدق عليه اسم الكافر ، لكنه مؤمن ، ( أي : مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية ) في الكتاب والسنة ، وهي حقيقة الإيمان وإنا نخلف عنها الحكم ؛ لنخلعه عن وقت التكليف به ؛ لأنه لا تكليف بشيء بعد صيرورته ضروريّا بلا ليس عند انكشاف اللوح المحفوظ بانكشاف ناصية ملك الموت ، لكنه لا يكون في الميت فجأة والمقتول غفلة ؛

ولذلك قال : ( وأعني ) بقولي أحدا كافرا ( من المحتضرين ) ، إذ لا كشف عن أحوال الآخرة ، ولا إمكان للإيمان والتوبة عند القبض لغيره ؛ ( ولهذا يكره موت الفجأة ، وقتل الغفلة ) في الكافر والفاسق ، إذ يفوت بهما الإيمان والتوبة من كل وجه ، فلا يحصل التخفيف بهما ، وإن كانا لا يفيدان النجاة بعد كشف أحوال الآخرة في حق المحتضر .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )

قال رضي الله عنه  : ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخروي ) بظهوره فيه  آيته أن ( لا يؤمن ) في الدنيا ( ولو جاءته كل آية " حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الأَلِيمَ " ) عند حضوره الموت وتيقّنه به ، فإنّه من العذاب الأخروي ،
ولذلك فسّر الرؤية المذكورة بقوله : ( أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف ) لما مرّ من عدم تيقّنه بالموت ، وإيمانه قبل رؤيته العذاب الأليم .

قال رضي الله عنه  : ( هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ) كما عرفت في هذه الآية وغيرها ، مما يمكن أن يتمسّك به أهل الظاهر على ما اعتقدوه في فرعون من أنّه غير نصّ فيه ولا ظاهر ، بل الظاهر منها خلافه ، ولذلك قال : ( ثمّ إنا نقول بعد ذلك ) البيان الذي ظهر من الآيات القرآنية : ( والأمر فيه ) أي في فرعون وكفره ( إلى الله ) لعجزنا عن الإبانة عن ذلك الأمر بما هو عليه  ( لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه ) كما في غيره من الصور الاعتقاديّة الرسميّة التي لهم .

حكم آل فرعون
وأما النصوص الواردة في آل فرعون ، كقوله تعالى : " وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ " ، "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ".
 فلا دخل لها فيما نحن فيه ، وإليه أشار بقوله : ( وأما آله ، فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره ) فإنّ النسبة الارتباطيّة التي بينه وبين قومه ليست حقيقيّة وجوديّة ، كما للأنبياء مع أصحابهم ، بل كونيّة [ . . ] كما عرفت من طيّ ما جرى بينه وبين موسى .

وتحقيق هذا يحتاج إلى بسط لا يليق بهذا الموضع ، كما أشار إليه في التفرقة بين الكافر المحتضر والكافر المقتول غفلة أو الميّت فجأة بقوله :

كلّ محتضر مؤمن ، وليس كذلك المقتول غفلة والميت فجأة
قال رضي الله عنه  : ( ثمّ ليعلم أنّه ما يقبض الله أحدا إلَّا وهو مؤمن - أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة) لظهور الأمر عليه عند رفعه الحجب المانعة عن ذلك ، وهي القوى الإدراكية وما يترتّب عليها ، كما قال الشيخ رضي الله عنه  :
وأما  المسمى آدما ، فمقيّد   ...  بعقل  وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق  مثلنا ... لأنا وإياهم  بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان

( وأعني ) بذلك ( من المحتضرين ) أي من حضره الموت ، وهو واقف عليه حاضر ، ( ولهذا يكره موت الفجأة ) حيث استعيذ منه في الدعوات المأثورة ( وقتل الغفلة ) .

ثمّ إنّه يشير إلى مبدأ ذلك الإكراه وبيان لمّيته ، وذلك أن الإنسان ينبغي أن يكون عند خروجه من دار الدنيا في جمعيّة فطرته الأصليّة وإحاطته الذاتيّة ولو بمجرّد الاعتبار وصورة ذلك جمع ما تفرّق وشذّ عنه ، وهو بإدخال ما لم يكن داخلا في الوجود أو في العلم ، كالنفس الداخل مثلا ، وإثبات العقائد وامتياز الصور العلميّة ، وليس ذلك في موت الفجأة وقتل الغفلة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.  )
قال رضي الله عنه :  ( ومن حقّت عليه كلمة العذاب الأخراوي لا يؤمن ولو جاءته كلّ آية حتّى يروا العذاب الأليم ، أي يذوقوا العذاب الأخراوي . فخرج فرعون من هذا الصّنف . هذا هو الظّاهر الّذي ورد به القرآن . ثمّ إنّا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه ، لما استقرّ في نفوس عامّة الخلق من شقائه ، وما لهم نصّ في ذلك يستندون إليه . وأمّا آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه . ثمّ ليعلم أنّه لا يقبض اللّه أحدا إلّا وهو مؤمن أي مصدّق بما جاءت به الأخبار الإلهيّة : وأعني من المختضرين ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة .)

قال رضي الله عنه :  ( ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية ) ، كأبي جهل فإنه قال لقاتله : قل لصاحبك يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم : ما أنا بنادم على مخالفتك في هذه الحال أيضا (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ، أي يذوقوا العذاب الأخروي فخرج فرعون من هذا الصنف .
هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه ) موكول ( إلى اللّه لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه وما لهم نص في ذلك ) ، أي في شقائه ( يستندون إليه ) في إثبات الشقاء له

قال رضي الله عنه :  ( وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضع ذكره . ثم ليعلم أنه ما يقبض اللّه أحدا إلا وهو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية وأعني بذلك من المحتضرين ) ، الذين حضرهم الموت واقفون عليه حاضرون به ( ولهذا يكره موت الفجأة وقتل الغفلة ) .
قيل "قتل الغفلة" ههنا بحسب اللغة قتل الغيلة بالغين المعجمة والياء المنقوطة من تحت بنقطتين وكأنه صحفه الناسخون .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment