Monday, March 16, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [ القصص : 12 ]. وكذلك وقع فإنّ اللّه نفعهما به عليه السّلام وإن كانا ما شعرا بأنّه هو النّبيّ الّذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله .
ولمّا عصمه اللّه من فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً[ القصص : 10 ] من الهمّ الّذي كان قد أصابها . )

قال رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت) آسية (امرأة فرعون فيه) ، أي في موسى عليه السلام أنه ، أي موسى عليه السلام ("قُرَّتُ عَيْنٍ") ، أي فرح دائم وسرور لازم ("لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا") [ القصص : 12 ] ، أي في وقت الشدة وكذلك وقع فإن اللّه تعالى نفعهما به ، أي بموسى عليه السلام وحقق رجاءهما وطمعمهما في ذلك ،
كما حقق اللّه تعالى رجاء عبد المطلب جد نبينا صلى اللّه عليه وسلم لما وضعته آمنة بعد موت أبيه عبد اللّه ، فسماه جده محمدا حتى قيل له : لم سميت ابنك محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك ؟
فقال : رجوت أن يحمد في السماء والأرض ، فكان الأمر كذلك ، ولو رجى أن ينتفع به لحقق اللّه تعالى رجاءه بالأولى .

قال رضي الله عنه :  (وإن كانا) ، أي فرعون وآسية امرأته (ما شعرا )، أي علما (بأنه) ، أي موسى عليه السلام هو (النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك) ، أي سلطنة (فرعون) في مصر ونواحيها (وهلاك آله) ، أي آل فرعون يعني قومه وأتباعه كما قال تعالى :وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ[ القصص : 9 ]
ولا يرد على القول بقبول إيمان فرعون وإسلامه كما ذكرنا ذكره تعالى لفرعون في القرآن بالذم والتقبيح عليه في صريح الآيات كقوله تعالى :وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [ طه : 79 ]
وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ[ الأعراف : 137 ]
وما أشبه ذلك ، فإنه كان قبل توبته وإيمانه وإسلامه ، وأما قوله تعالى :وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ ( 96 ) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [ هود : 96 - 97 ].
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ( 98 ) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ( 99 ) [ هود : 98 - 99 ]

فلا يخفى أن قوله وما أمر فرعون برشيد حكاية حاله قبل توبته ، وقوله : يقدم قومه يوم القيامة .
أي يتقدم عليهم ، لأنه كان في الدنيا أمامهم في الكفر ، وكان سبب كفرهم بمتابعتهم له فيقدمهم ، أي يتقدم عليهم في يوم القيامة من حيث صورته وشخصه الذي كانوا يعبدون ، لأنهم كانوا يرونه إلها مع اللّه تعالى وهو في نفسه عبد مخلوق مبرأ من وصف الألوهية ، فالذي يقدمهم يوم القيامة بل يكون معهم في النار صورته التي عبدوها كما قال تعالى :إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ[ الأنبياء : 98 ]

وقال تعالى :وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ[ البقرة : 24 ] ، وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها تكون معهم في النار يعذبون بها لا هي تعذب معهم ، وكذلك عباد الملائكة وعباد عيسى ابن مريم والعزير عليهم السلام يكون معهم في النار عين ما عبدوا ، وهم إنما عبدوا الصور التي تخيلوها في نفوسهم آلهة من الملائكة وعيسى والعزير عليهم السلام لا أن الملائكة وعيسى وعزيرا عليه السلام يكون معهم في النار ، وكذلك فرعون بمقتضى قولنا بقبول إيمانه .

ولهذا قال تعالى :"فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ" بصيغة الماضي يعني فعل ذلك بهم في الدنيا قبل توبته ولم يقل تعالى : فيوردهم بصيغة المضارع كما قال : يقدم قومه ، وإيرادهم النار كناية عن إيقاعهم فيما يقتضي خلودهم فيها ، ويؤيده قوله تعالى :وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً[ هود : 99 ] ،
أي في الدنيا ، ولئن كان أوردهم في الآخرة ما ذكر أنه يرد معهم ،
وقال تعالى في حق فرعون :وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ ( 39 ) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ( 40 ) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ( 41 ) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ( 42 )  [ القصص: 39- 42].

ولا يخفى عليك أن استكباره وظنه ونبذه في اليم كان قبل توبته ، وباقي الآية في حق قومه خصوصا بعد قوله : وجعلناهم ، أي قوم فرعون ، أئمة يدعون إلى النار ، يعني كانوا يدعون بعضهم بعضا إلى عبادة فرعون التي هي كفر ، فهي نار يوم القيامة .

وقال تعالى :فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى( 25 ) [ النازعات ] ، أي أخذه أخذا يقتضي النكال عليه والتقبيح في الدنيا والآخرة ، وأصل النكال القيد ، وهو إغراقه في البحر هو وقومه ، فإنه عقاب واحد جمع اللّه تعالى عليه عقاب الدنيا والآخرة ، وآية إيمانه وإسلامه السابق ، بيانها تقتضي أن ما وقع له من الغرق ما ذكر ههنا من نكال الآخرة والدنيا ، ولهذا قدم الآخرة على الدنيا لتقدم نكالها عليها ، وجمعه مع نكال الدنيا والآيات يفسر بعضها بعضا .

قال رضي الله عنه :  (ولما عصمه) ، أي موسى عليه السلام حفظه (اللّه) تعالى (من) شر عدوّه
(فرعون "وَأَصْبَحَ فُؤادُ")، أي قلب ("أُمِّ مُوسى فارِغاً") ، أي خاليا من الهم والحزن الذي كان (قد أصابها) خوفا على موسى عليه السلام من فرعون أن يقتله .
قال تعالى :وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ القصص : 10 ] ، أي كادت أن تخبر أنه ولدها من عدم خوفها عليه لما رأت من الحظوظ عند فرعون ، لكن اللّه تعالى ربط قلبها عن ذلك لئلا يفتنها فرعون بقتل ولدها فيفوتها الإيمان بالحق .

قال رضي الله عنه :  ( ثمّ إنّ اللّه حرّم عليه المراضع حتّى أقبل على ثدي أمّه فأرضعته ليكمّل اللّه لها سرورها بهكذلك علم الشّرائع ، كما قال تعالى :لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً- أي طريقا -وَمِنْهاجاً[ المائدة : 5 ] . أي من تلك الطّريقة جاء . فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الّذي منه جاء فهو غذاؤه كما أنّ فرع الشّجرة لا يتغذّى إلّا من أصله . )

قال رضي الله عنه :  (ثم إن اللّه) تعالى (حرم عليه) ، أي موسى عليه السلام النساء (المراضع) ، فكان لا يقبل ثدي واحدة منهنّ (حتى) جيء له بأمه لترضعه ولم يعلم أحدا أنها أمه فقبلها أقبل (على ثدي أمّه فأرضعته) ، أي أمه (ليكمل اللّه) تعالى (لها) ، أي لأمه سرورها به ، أي بموسى عليه السلام .
كذلك ، أي مثل المراضع بالنسبة إلى المكلفين علم الشرائع ، فإنه يختلف باختلاف أحوال المكلفين كما قال تعالى  ("لِكُلّ") ٍأي لكل واحد ("جَعَلْنا مِنْكُمْ") [ المائدة : 48 ] يا معشر المكلفين ("شِرْعَةً") أي طريقا يسلكه بمقتضى أحواله عليه من دين الحق ("وَمِنْهاجاً") [ المائدة : 48 ] أي من تلك الشرعة والطريق جاء أي كل واحد منكم أي من تلك الطريقة جاء فهو متولد فهي أمه التي ترضعه ، أي تمده بمقتضاها ، وقد حرمت عليه المراضع غيرها فكان هذا القول في معنى الآية إشارة لا عبارة إلى الأصل الذي منه ، أي من ذلك الأصل جاء ، أي ذلك المكلف فهو ، أي ذلك الأصل غذاؤه ، أي غذاء ذلك المكلف كما أن فرع الشجرة جاء من أصلها فالفرع لا يتغذى ، أي يصل إليه الغذاء أي المادة إلا من أصله .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قوله رضي الله عنه  : ( فكان موسى كما قالت امرأة فرعون فيه ) أي في حق موسى ( أنه قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ. . . عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وكذلك وقع فإن اللّه نفعهما به عليه السلام ) أي بموسى ( وإن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك إله ) وليس كل واحد منها دليلا قطعيا على مقبولية إيمان فرعون وصحته عند المصنف لورود المنع على كل منها لا مجموعها دليلا عنده أيضا على صحة إيمانه لتعارض الإجماع .

أما الأول فلأن قوله وكانت منطقة بالنطق الإلهي أنه قرة عين لي ولك عسى أن ينفعنا احتمل أن يكون من قبيل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ فكان هذا القول من الكاملة نجاة لموسى عليه السلام عن القتل عن يد فرعون سواء كان موسى قرة عين لفرعون بالايمان أم لا ،
فكان سببا لحياة موسى فلا يلزم الكذب على تقدير عدم صحة الايمان لصدور هذا الكلام عن حكمة وهي النجاة عن القتل فوقع كما قالت مع أنها لا تقول هذا القول إلا على مراد فرعون مما في قلبه من تشوق الولد
فإن الصبيان قرة عين للأبوين فكان موسى قرة عين لفرعون في زمان صباوته فصدقت في قولها عسى أن ينفعنا من غير احتياج إلى صحة الايمان .

وأما الثاني فلأن قوله لأنه قبضه عند إيمانه نص في وجود الايمان ولا يلزم منه الدلالة على صحة الايمان أي على منفعته لجواز ثبوت الايمان ولا منفعة لعدم وقوعه في وقته إذ الايمان هو التصديق بما جاء به من عند اللّه والمقبولة خارجة عن ماهية التصديق لازمة له بحسب الوقت كقوله يوملا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها.

وأما الثالث فلأن قوله وجعله آية على عنايته سبحانه وتعالى بمن شاء ممنوع لكثرة الدلالة على عنايته سبحانه في الاخبارات الإلهية فلا احتياج إلى الدليل على عنايته بمن شاء إلى صحة إيمانه .
وأما الرابع فلأن قوله فلو كان فرعون ممن ييأس من رحمة اللّه ما بادر إلى الايمان
يحتمل أن يكون فرعون بادر إلى الايمان ولم يكن مأيوسا عن رحمة اللّه بل راجيا رحمته من اللّه وبادر إلى الايمان
وكان كافرا لعدم وقوع رجاء الرحمة كما آمن الناس كلهم عند طلوع الشمس مغربها وذلك الايمان لا يكون إلا عن رجاء
فإنهم لا ييأسون ويبادرون إلى الايمان لكنهم كافرون لعدم وقوع رجائهم وإيمانهم في وقته فكان إيمان فرعون ضروريا خارجا عن الاختيار لانكشاف ما جاءت به الاخبارات الإلهية من الوعد والوعيد .

وأما الخامس فلأن قوله وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين بالانتقال لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق فإنه يجوز أن يكون إيمانه في تلك الساعة للنجاة عن الهلاك وأسرّ في نفسه بعدها دعوة الربوبية فعلم اللّه منه ذلك فلم يقبل إيمانه
وسبب ذلك أن فرعون حيث رأى السحرة لما آمنوا نجوا عن الهلاك فزعم أن مجرد الإقرار باللسان سبب النجاة عن الهلاك ففعل فعلا لم ينفع له في الدنيا والآخرة
فقد ظهر لك أن قوله فقبضه اللّه طاهرا مطهرا لا يثبت عنده إلا على تقدير ثبوت الأدلة المذكورة في إثباته

فلم يكن هذه الأدلة عنده نصوصا في إيمانه كما لم تكن الأدلة الدالة على شقائه في الآخرة عند أهل الظاهر نصوصا عنده لأن قوله تعالى :"آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" [ يونس : 91 ] ، يحتمل أن يكون عتابا لفرعون لا رادّا للإيمان وكذا سائر الآيات الدالة على شقائه مثل هذه الآية فلما لم ينص المصنف بآية من القرآن الكريم وبحديث النبي في سعادته وشقاوته في الآخر ذهب إلى التوقف في حق فرعون فقال والأمر فيه إلى اللّه وأما حديث ابن عباس أنه لما قال فرعون لا إله إلا اللّه أتاه جبرائيل فحاشى فاه التراب خشية أن تدركه الرحمة فنص في منع الرحمة عقيب الايمان لا غير

ولو كان له نص في ذلك لوجب عليه الحكم بمقتضى النص فقال والأمر فيه إلى الايمان ، ولم يقل كذلك إشارة إلى ورود المنع المذكور ولم يترجح أحد الدليلين على الآخر عنده فتوقف فمن عثر مراتب الأدلة لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام
ولا تعرف أن التوقف في مثل هذا المقام مثل هذا الكامل يخالف الإجماع
وإنما المخالف من ذهب إلى صحة إيمانه حاشا من العقلاء فضلا عن هذا الكامل فإن التوقف هو الوقوف مع النسبة الحكمية وهو نوع من التقليل إلى الجماعة ودخول فيهم في الجملة لأنه الوقوف مع خلفهم لإخلافهم الذي هو صحة الايمان فلا يكون خارجا منقطعا عنهم ولئن سلم التوقف ليس مذهب الشيخ

وإنما مذهبه ما قاله في الفتوحات المكية فرعون ونمرود مؤبدان في النار
والمراد في هذا المقام إظهار الدلائل الموصلة إلى التوقف التي لم يتفطن عليها علماء الرسوم ولا يأتيها أحد غيره من أهل اللّه فلا يكون التوقف مذهبا للشيخ كيف ؟
وقد قال في هذا الكتاب وفي بعض كتبه لا بد لأهل الكشف أن يتبع إماما من الأئمة الأربعة في الاعتقادات الدينية والعمليات الشرعية ولا شك أن شقاء فرعون من الاعتقادات الدينية وإلا لما كفر من قال بإيمانه ولا دلالة في عبارات الكتاب على صحة إيمانه
بل عبارته كلها تدل على جواز صحته بالنظر إلى ظاهر القرآن من غير نظر إلى الإجماع لتوقفه في آخر المسألة فيما ذكرناه حصل التوفيق بينه وبين أهل الشرع عند أهل الانصاف
فظهر لك أن ما يقوله الناس في هذه المسألة في حق الشيخ افتراء منهم عليه
ولعل غلط العامة ينشأ من كلام الشارحين الذي لم يصلوا بروحانية الشيخ وبينوا كلامه على خلاف مراده لعدم مناسباتهم بالمجردات وموضع غلطهم قوله في حق فرعون فقبضه اللّه طاهرا مطهرا .

قال داود  القيصري في شرح هذا الكلام:
لما كان إيمان فرعون في البحر حيث رأى طريقا واضحا عبر عليها بنو إسرائيل قبل التغرغر وقبل ظهور أحكام الآخرة له مما يشاهده الناس عند الغرغرة جعل إيمانه صحيحا معتدّا به فإنه إيمان بالغيب.أهـ  تم كلامه

وليس بصحيح لأنه لو جعل إيمانه صحيحا معتدّا به لم يتوقف في آخر كلامه أصلا فقد توقف وجعل الإجماع دليلا على توقفه
فقال هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن ولم يقل نص ثم نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه
فتبين آخر الكلام ما هو المراد من قوله فقبضه اللّه طاهرا مطهرا وهو الجواز لا الصحة أي فجاز أن يقبضه اللّه ظاهرا مطهرا
وقد ثبت في علم الأصول أن الكلام يتوقف على آخره إن كان آخره مغيرا بمنزلة الشرط والاستثناء .

والشيخ قد حرر كلامه في مسألة فرعون على هذه القاعدة وإن كان منفصلا في الظاهر لكنه متصل في المعنى
لأن الكلام في مسألة واحدة وهي مسألة فرعون مع أنه جاز عند البعض منفصلا فالحكم والاعتبار للآخر دون الأول .

فكل ما ذكر من الأدلة في حق إيمان فرعون مجمل يحتمل البيان ، فقوله :
ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى اللّه بيان المجمل وهو بيان تفسير فيصح موصولا ومفصولا
وما علم هذا الشارح مراد النص ، فغلط ومن غلطه غلط بعض الناس حتى أكثر الصوفية في زماننا فشاع هذا المعنى فيما بينهم فاشتهر فزعموا أن الشيخ قد ذهب إلى أن فرعون من أهل الإسلام وهو بريء من زعمهم هذا .

والمقصود أن اللّه قد تجلى لأهل اللّه برحمته فانكشف لهم جواز الرحمة في حق فرعون من وجوه الآيات وإشاراتها التي لا تنكشف للعلماء وسيتم الكلام في المسألة في آخر الفص إن شاء اللّه .
فإن قيل فما الحكمة في انكشاف هذا المعنى في حق فرعون من الآيات لأهل اللّه وعدم انكشافه لأهل الظاهر
قلنا : أما عدم الانكشاف فلأنه لما كان رجاء العوام غالبا على خوفهم لبعضهم عن الحق باحتجابهم بالصفات النفسانية ،
وكان العلماء رئيسهم ومقتداهم جعل اللّه في قلوبهم غيرة وجرأة حتى اجتمعوا وحكموا بحسب ورود ظاهر القرآن على شقائه في الآخرة ، فلم ينكشف لهم هذا المعنى اللطيف من الآيات ليظهر هذه الحكمة المقصودة ظهورها .
فلو كشف اللّه لهم ما كشف لأهل الفناء لم يظهر منهم هذا الحكم بل يظاهرون جواز الرحمة فيهلك الناس من الجهلاء بتخفيف الشرع المطهر فإنهم إذا سمعوا من علمائهم الذين هم رئيسهم جواز رحمة اللّه بمثل هذا الكافر المدعي الربوبية كانوا مغرورين بكرمه ولطفه وسعة رحمته ،

فزال عن قلوبهم خوف عظمة اللّه وكبريائه وقهاريته فاجترءوا على اللّه وارتكبوا المنهيات فهلكوا في بحار العصيان كهلاك فرعون وقومه .
وأما الانكشاف فلأنه لما كان خوف هذه الطائفة غالبا على رجائهم لأنهم أهل فناء وأهل قرب وكان حالهم أن يروا أنفسهم أحقر الأشياء وإذ لها عند اللّه حتى يشاهدون عند غلبة الفناء أن الكفار أعز وأكرم منهم عند اللّه فلو لم يطلعهم اللّه بإشارات القرآن الكريم في حق فرعون لمالوا عن الاعتدال
وهو بين الخوف والرجاء وخرجوا عن دائرة العقل بسبب ازدياد خوفهم ويبقوا حيارى ساقطين عن العمل أو تصدعت قلوبهم من خشية اللّه لشهود استحقاقهم بعذاب اللّه
فأظهر اللّه لهم شمول رحمته بأخبث الأشياء وهو المدعي الربوبية تسلية لهم وحفطا عن مثل هذه المهالك
فكانت هذه الدلائل الرحمانية آية لأهل الفناء حتى لا ييأس أحد منهم من رحمة اللّه فهم بتلك الدلائل يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ . وبالدلائل القهارية يخافون عذاب اللّه .
فهم بين الخوف والرجاء بالآيات الواردة في حق فرعون فإنهم إذا نظروا إلى الإجماع خافوا عقاب اللّه وإذا نظروا إلى إشارات الآيات يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ
فهم صاحب الدليلين لأنهم جامعون بين الشريعة والحقيقة وتلك الدلائل القهارية والانتقامية وهي الإجماع .

وظاهر القرآن آية لأهل الوجود حتى لا يجترئ أحد منهم على المعاصي فهم بذلك يخافون عذاب اللّه فقط حيث قهره اللّه ومن تابعه في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الأبدي ولا رجاء لهم في حق فرعون لعدم اطلاعهم بالحقائق القرآنية .

فهم صاحب دليل واحد وأما حكمة ظهور هذه المعاني من لسانهم فهي ابتلاء من اللّه للراسخين في العلم من علماء الظاهر .
حتى علموا أن للَّه عبادا لم يصلوا درجتهم في رتب العلم ويلقوا أنفسهم في مدرجة العجز ويضمحل علمهم في علم ذلك العبد .

فمثل هذا الكلام من كراماتهم القولية وتشابهاتهم يصدر منهم بأمر اللّه تعالى ومن لم يعلم محكمات أقوالهم أو لم يردّها إلى المحكمات فقد أخطأ باتباعه بالمشابهات فضل وأضل وأنكر وظن السوء لخفاء سببها عليه .

فبعد صدور مثل هذا الكلام منهم وقع الخلاف بين الناس فمنهم من علم مرادهم من كلامهم وعلم مرتبتهم في العلم لسلامة عقلهم وقوة مناسبتهم الروحانية بينهما .
ومنهم من فوّض أمرهم إلى اللّه تعظيما لهذه الطائفة واتصافا من أنفسهم .
ومنهم من أنكر لعدم المناسبة والكل مصيب ومأجور إلا من اتبع المتشابهات وعمل بها فإنه ضال مضل أعوذ باللّه من الاتباع بالمشابهات والعمل بها واللّه أعلم بحقيقة الحال .

ثم رجع إلى أحوال موسى عليه السلام فقال:
قال رضي الله عنه :  ( ولما عصمه اللّه من فرعون أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الهم الذي كان قد أصابها ثم إن اللّه حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل اللّه لها سرورها ) أي سرور أمه ( به ) أي بالإرضاع أو بموسى ( كذلك علم الشرائع ) من التعلم .
أي كما أن اللّه حرم على موسى المراضع وعلم ثدي أمه من عنده كذلك علم الشرائع لموسى من لدنه وحرم عليه اتباع شريعة غيره .

أو من العلم أي نسبة علم الشرائع مع صاحبها كنسبة موسى مع لبن أمه.
أو معناه كما أن اللّه حرم على موسى المراضع وعلمه طريق لبنه كذلك علم لكل نبي شريعة أي طريقة علمه الذي جاء منها وحرّم على ذلك النبي شريعة غيره كما حرم على موسى ثدي غير أمه.

قال رضي الله عنه :  ( كما قال : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً و منهاجا أي طريقا ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء) كل واحد منكم وغذاؤكم الروحاني والجسماني من طريقتكم الخاصة التي هي الأصل ، كما أن موسى وغذاؤه جاء عن أصله وهي أمه.

قال رضي الله عنه :  ( فهو ) أي الأصل ( غذاؤه ) أي غذاء الذي جاء منه ( كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».  وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها. ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به. كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا. ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء. فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السّلام كما قالت امرأة فرعون عنه:  إنّه : " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " ، "لا تَقْتُلُوه ُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا "  وكذلك وقع ، فإنّ الله نفعهما به عليه السّلام إذا كانا ما شعرا بأنّه هو النبيّ الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله.)
قال العبد : قد تقرّر في نفوس العامّة من المسلمين وغيرهم من اليهود والنصارى أنّ فرعون كافر وأنّه من أهل النار بما ثبت عنه قبل الغرق من المعاداة لنبيّ الله ولنبي إسرائيل وبما قال :   ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى )  
وبقوله :   ( ما عَلِمْتُ لَكُمْ من إِله ٍ غَيْرِي )   وبأفعاله السيّئة إذ ذاك ، ولكنّ القرآن أصدق شاهد بإيمانه عند الغرق قبل أن يغرغر ، بل حال تمكَّنه من النطق بالإيمان وعلمه بأنّ النجاة حصر في ذلك ،
فقال : آمنت بالَّذى   ( آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا من الْمُسْلِمِينَ )   وهذا إخبار صحيح لا يدخله النسخ ، ولكنّ فيه دليلا أيضا أنّه لم يكن مؤمنا قبل هذا الإيمان ، كما زعم أهل الأخبار أنّه كان مؤمنا في الباطن ، وأنّه كان يكتم إيمانه عن قومه سياسة حكمية ، إذ لا دليل على ذلك من القرآن ولا فيما صحّ من الحديث ، فلم يكن إيمانه إلَّا عند الغرق بالاستدلال على وجود الله وكمال قدرته بما رأى أنّه أنجى بني إسرائيل الذين آمنوا به من الغرق ، فآمن به ، إمّا طلبا للنجاة أو إيمانا لا لعلَّة .

قال رضي الله عنه  : ( ولمّا عصمه الله من فرعون " أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً "  من الهمّ الذي كان قد أصابها ) .
قال العبد : أمّ موسى صورة المزاج القابل للروح الإنساني من طبيعته الخاصّة والاعتدال الخصيص المنتج لهذه النتيجة الشريفة الروحية ، فإنّ الروح الإنساني وإن كان عندنا موجودا قبل وجود البدن ، ولكن تعيّن هذا الروح المعيّن مثلا متوقّف على المزاج ، وكان موجودا بصورته الروحانية الخصيصة به الموجود هو فيها وبها قبل تعلَّقها بالبدن وجودا روحانيا عقليا نورانيا لا نقليا جسمانيا ، فالحادث بوجود هذه الأمّ الشريفة إنّما هو هذا التعيّن الشخصيّ لا الروح في حقيقته الجوهرية ، فافهم .

قال رضي الله عنه  : ( ثم إنّ الله حرّم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمّه فأرضعته  ليكمل الله لها سرورها به ، كذلك علم الشرائع ، كما قال : « لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا أي طريقا ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء ، فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ، فهذا غذاؤه كما أنّ فرع الشجرة لا يتغذّى إلَّا من أصلها)

يشير رضي الله عنه  إلى أنّ اللبن الذي يرضعه كل مولود وإن كان في الصورة عينا واحدة هو اللبن ، ولكن لبن شخص دون شخص ما هو عين ذلك اللبن ،
وكذلك الشريعة التي جعلها الله لنبيّ وجبله عليها هي التي يأخذها ذلك النبيّ دون غيرها ، فإنّ الشرائع وإن كانت كلَّها منزلة من عند الله ولله ، ولكن لكل أحد شرعة منها شرع في طلب الحق والتوجّه إليه ، ومنها جاء في الأصل .
وأمّا تنزيل تحريم المراضع على حقيقتها في الروح الإنساني من البدن ، فهو أنّ لكل نفس نفس مزاجا خاصّا يناسبها ، لا يليق إلَّا لها في ثاني حصول كمالاتها لها في هذا المزاج الخاصّ ، فيكون محرّما على الأرواح الزاكية الكاملة الطاهرة أن يتغذى بالقوّة المخالفة للقوى الروحية وهي الهوى والشيطان والنفس ، وصور هذه القوى هي التي حرّمت على موسى مراضعها من نساء أهل فرعون ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه إنه " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي ولَكَ لا تَقْتُلُوه عَسى أَنْ يَنْفَعَنا " ،  وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام ، وإن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله )

على تأويل التابوت بالبدن الإنسانى وموسى بالروح يؤول فرعون بالنفس الأمارة والشجر بالقوة الفكرية ، فمن أراد التطبيق فليرجع إلى تأويلات القرآن التي كتبناها فليس هذا موضع ذكره ، وأما الإيمان الذي بادر إليه فرعون قبل موته إذ أدركه الغرق وكونه منتفعا به مقبولا ، فهو مما أنكره بعضهم على الشيخ قدس سره وليس بذلك لأن القياس أثبت صحته كما ذكر ، فإن النص دل على ما أفصح عنه قبل أن يتغرغر حيث قال :" آمَنْتُ أَنَّه لا إِله إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ وأَنَا من الْمُسْلِمِينَ " .
وليس بمناف لكتاب الله كما زعم هذا المنكر ، فإن كونه طاهرا مطهرا من الخبث الاعتقادي كالشرك ودعوى الألوهية لا ينافي الإنكار في قوله :" آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ من الْمُفْسِدِينَ "
 يعنى الآن مؤمن لأنه متوجه إلى كونه سببا للنجاة من الغرق ، ولهذا جعل الموجب له العصيان السابق والإفساد ، ولا ينافي أيضا تعذيبه في الآخرة بسبب الظلم وارتكاب الكبائر ، فإن الذنوب التي يجبها الإسلام هي التي بين العبد والرب ،
فأما المظالم التي تتعلق برقبته من جهة الخلق فلا ، ولهذا أخبر عن وعيده في الكتاب على الإضلال بقوله : " يَقْدُمُ قَوْمَه يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ وأُتْبِعُوا في هذِه لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ".

وبقوله : " وأَتْبَعْناهُمْ في هذِه الدُّنْيا لَعْنَةً ويَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ من الْمَقْبُوحِينَ " فإن مثل هذه الوعيد والتعذيب ثابت للفساق من المؤمنين مع صحة إيمانهم ، وأما نفع إيمانه وفائدته فهو في انتفاء خلوده في النار وخلاصه من العذاب في العاقبة ، فإن المؤمن لا يخلد في النار لا أنه لا يدخل النار ، وأما قوله :" وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ ". وأمثاله فهو مخصوص بالآل وهم كفار.

قال رضي الله عنه :  ( ولما عصمه الله من فرعون أصبح فؤاد أم موسى فارغا من الهم الذي كان قد أصابها تم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به كذلك علم الشرائع ) .
أي مثل تحريم المراضع عليه إلا لبن أمه علم الشرائع ، فإن لكل نبي شريعة مخصوصة دون شرائع سائر الأنبياء ، فحرم عليه جميع شرائع الأنبياء إلا شريعته ، فتحريم المراضع عليه صورة ذلك المعنى وآية أنه النبي الموعود .

قال رضي الله عنه :  ( كما قال :" لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً " أي طريقا " ومِنْهاجاً " أي من تلك الطريقة جاء فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء فهو غذاؤه )
هذا القول إشارة إلى الآية المذكورة والأصل

"" إضافة بالي زاده :
موسى بن عمران بن قاهاث بن لاوى بن يعقوب أوحى الله إلى موسى إن توفى هارون فأت به إلى جبل كذا فانطلقا ، فإذا هما بسرير فناما عليه وأخذ هارون الموت ورفع إلى السماء ، وكان أكبر من موسى بثلاث سنين توفى وعمره مائة وثنتان وعشرون سنة وشهر واحد ،
واتهم بنو إسرائيل موسى بقتل أخيه هارون حين رجع إليهم وحده ، فأنزل الله السرير وعليه هارون وقال إني مت ولم يقتلني أخي ،
ثم توفى موسى بعده بأحد عشر شهرا وعمره مائة وعشرون سنة ( إلى الأصل الذي منه جاء ) أي كل واحد منكم وغذاؤكم الروحاني والجسماني من طريقتكم الخاصة التي هي الأصل كما أن موسى وغذاءه جاء عن أصله وهي أمه .أهـ بالى زادة  ""

الذي منه جاء هو الاسم الإلهي الذي رباه الله به موسى ، وذلك تجليه تعالى بذاته في صورة عينه الثابتة وغذاؤه علم ذلك العين ونقشه ،
وذلك خزانة الاسم العلم الإلهي المختص بموسى وعينه من التعينات الكلية الشاملة لتعينات جزئية كثيرة مندرجة تحتها كما مر ، فهو يتغذى من ذلك الأصل .

قال رضي الله عنه :  ( كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله )
يعنى أن الأمر الذي كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر ، وإن كان عينا واحدة في الصور النوعية والحقيقة ، لكن الذي هو حلال في شرع ليس بعينه ذلك الحرام الذي مضى في الشرع السابق بناء على أن كل شيء في كل آن خلق جديد ، ولا تكرار في التجلي كما ذكر غير مرة .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  (فكان موسى ، عليه السلام ، كما قالت امرأة فرعون فيه : " إنه قرة عين لي ولك عسى أن ينفعنا " . وكذلك وقع : فإن الله نفعهما به ، عليه السلام ، وإن كانا ) أي ، فرعون وامرأته .

قال رضي الله عنه :  ( ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله . ولما عصمه الله من فرعون : " أصبح فؤاد أم موسى فارغا ". من الهم الذي كان قد أصابها . ) ظاهر .

قال رضي الله عنه :  (ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته، ليكمل الله لها سرورها به.) أي ، من جملة الاختصاصات والنعم التي كان في حق موسى وأمه أن الله حرم عليه المراضع حتى لا يقبل إلا ثدي أمه ، فإن الطفل لا يوافقه شئ مثل لبن أمه .
فجعل رضاعته وربوبيته على يد أمه ليكمل الله لها سرورها بولدها .

قال رضي الله عنه :  ( كذلك علم الشرائع ، كما قال تعالى : "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ". أي ، طريقا ومنهاجا من تلك الطريقة جاء . فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء . ) ولما كان اللبن صورة العلم - كما أوله رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في رؤياه به - مثل وشبه تعليم الشرائع بتحريم المراضع .
أي ، كما حرم أن لا يشرب موسى لبن أحد غير أمه التي هي أصله ، كذلك علم الشرائع من لدنه ، وجعله نبيا صاحب شريعة غير متابع لشريعة غيره ، فكان يأخذ الشريعة والعلم من الله منبع العلوم ومحتد الشرائع ، وكان يكلمه كفاحا ، أي ، من غير حجاب .

ثم ، استدل بقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) . وفسر (الشرعة) بالطريق ، و (المنهاج) أيضا هو الطريق . لكن لما يوقف عليه ، يصير منهاجا ،
فشبهه بالكلمتين : إحديهما : ( منها ) ، والآخر : ( جاء ) .
فأخذ عليهما وفسر بقوله : أي من تلك الطريقة جاء . فصار قوله منهاجا إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ونزل إلى هذا العالم ، وليس إلا الحق ، فإنه منه بدأ كل شئ وإليه يعود ، فهو المبدأ والمعاد .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو غذاؤه ، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله . ) أي ، فالأصل الذي منه جاء موسى وحصل في هذه النشأة العنصرية هو غذاؤه ، لا يتغذى إلا منه .
أي ، لا يستفيض المعاني وما به قوامه ولا يجد المدد إلا من أصله ، كما أن فرع الشجرة لا يتغذى ولا يجد المدد إلا من أصله .

ولما جعل الأصل غذاءا للفرع ، والغذاء قد يكون حلالا وقد يكون حراما ، نقل الكلام إليهما

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السّلام كما قالت امرأة فرعون فيه :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [ القصص : 12 ] ، وكذلك وقع ؛ فإنّ اللّه نفعهما به عليه السّلام ، وإن كانا ما شعرا بأنّه هو النّبيّ الّذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله ، ولمّا عصمه اللّه من فرعونوَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [ القصص : 10 ] من الهمّ الّذي كان قد أصابها ، ثمّ إنّ اللّه حرّم عليه المراضع حتّى أقبل على ثدي أمّه فأرضعته ليكمّل اللّه لها سرورها به ) .

قال رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السّلام كما قالت امرأة فرعون : فيه" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ") [ القصص :9 ]
، (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) [ القصص : 9 ] ، ويظل زعم من قال : إنه لم ينفعه ؛ لأنه رد قولها عليها ، وقال : لك لا لي ؛ لأنه ( كذلك وقع ) ، وكذا بطل قول من قال : إن كمالها كان عند إيمانها ، وكان إيمانها عند غلبة موسى السحرة ،

فنقول : إنها إنما أظهرت الإيمان عند ذلك ، وكانت مؤمنة قبله ؛ لكونها من بني إسرائيل من أولاد الأنبياء ، لكن أخفت الإيمان عليهم لما غلب عليها الحال فأظهرت ، ثم إن رد الناقص قول الكامل لا يبطله بالكلية ، فيكفي أن يبطل النفع الدنيوي عنه .

ثم استشعر سؤالا بأنها لو قالت عن اطلاع لاطلعت على نبوته ، وعلمت أنه النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون ؟
فأجاب : إن المنطق من النطق الإلهي لا يلزم أن يشعر بما ينطق به فضلا عما لا ينطق ؛
فقال رضي الله عنه  : ( وإن كانا ما شعرا بأنّه هو النّبيّ الّذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله ) ، ومن اطلع على أمر غيبي لا يلزم أن يطلع على جميع الأمور الغيبية ؛ فإنه لا يظهر على غيبه الكلي أحد إلا من ارتضى من رسول ،
هذا ما جعله الشيخ رحمه اللّه في هذا الكتاب مقتضى الظاهر من صدور هذا الإيمان منه ، مع عدم ما يدل على منع القبول ،ولم يجزم بذلك بل صرّح بأن أمره موكول إلى اللّه .

وقد مثّل به في « الفتوحات » المتكبر على اللّه من جملة المجرمين المخلدين في النار ، فقال في الباب الثاني والستين في مراتب أهل النار : وهؤلاء المجرمون أربع طوائف كلها في النار لا يخرجون منها ، وهم المتكبرون على اللّه كفرعون وأمثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ، ونفاها عن اللّه ،
فقال :يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي[ القصص : 38 ] ، وقال :أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] يريد أنه ما في السماء إله غيري ، وكذلك نمرود وغيره ، والطائفة الثانية المشركون ، وهم الّذين يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ[ الحجر : 96 ] ،

فقالوا :ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [ الزمر : 3 ] ، وقالوا :أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ[ ص : 5 ] ، والطائفة الثالثة المعطلة ، وهم الذين يقولون الأشياء جملة واحدة ، فلم يثبتوا إلها للعالم ، ولا من العالم ، والطائفة الرابعة هم المنافقون ، وهم الذين أظهروا الإسلام من إحدى هؤلاء الطوائف الثلاث للقهر الذي حكم عليهم ، فخافوا على ذمامهم ، وذراريهم ، وأموالهم ، وهم في نفوسهم على ما هم عليه من اعتقاد هؤلاء الطوائف الثلاث ، انتهى

ووجه التوفيق بين كلاميه من وجوه :
الأول : أن كلام الفتوحات على تقدير عدم إتيانه بالإيمان الذي أتى به عند الغرق .
الثاني : أنه على تقدير عدم قبول ذلك الإيمان على مذهب الجمهور .
والمثال الغرضي كان الثالث أن مذهب الشيخ هو مذهب الجمهور ،
لكنه مهما طالب الدليل على عدم قبوله كما يشعر به كلامه في آخر هذا النص ، وإنما أورد ذلك ؛ ليشعر أن النصوص لا دلالة لها على عدم قبول إيمانه ، ولا على خلوده في النار ، ولا على أن مؤاخذته الأخروية على الكفر ،

بل إما أن يدل على كفره وطغيانه قبل هذا الإيمان ، أو على مؤاخذته الدنيوية على ذلك الكفر ، وهو لا يستلزم المؤاخذة الأخروية إذا حصل الإيمان قبل مشاهدة أحوال الآخرة ومكاشفة عالم الملكوت ، والاعتقاد الواجب هاهنا موافقة الجمهور للمقلد سيما والشيخ غير جازم ، وكذا للمجتهد والمكاشف أو لم يثبت الإجماع .

فقد رأيت في بعض الرسائل ينقل الخلاف عن بعض المفسرين ، وعن « شعب الإيمان » للبيهقي ، وعن جماعة من العلماء ، فحينئذ يجوز للمجتهد أن يقول بقول إيمانه إذا أدى اجتهاده إلى ذلك ، وكذا لمن كوشف ،
ولكن الأولى في حقّه تفويض الأمر إلى اللّه ؛ لأنه قد كوشف غيره بخلافه ، وعلى تقدير الإجماع لا يصح الاعتماد على الكشف ، كما لا يجوز على الاجتهاد ؛ لأن الإجماع دليل قطعي لا ابتلاء فيه ، والمكاشف قد يكافأ على خلاف الدليل الشرعي ابتلاء ، ولا يجوز له العمل بذلك
كما قاله الشيخ رحمه اللّه في مواقع النجوم ،
والاعتقاد أشد من العمل ؛ لأن العمل يجوز بالدليل الظني ، ولا يجوز الاعتقاد به ، وهاهنا أبحاث طويلة عريضة عميقة يأتي ذكرها في آخر هذا النص إن شاء اللّه تعالى .

ولما فرغ عن بحث كونه قرة عين لامرأة فرعون ولفرعون أيضا ، شرع في بيان كونه قرة عين لأمه ،
فقال رضي الله عنه  : ( ولما عصمه اللّه من ) قتل ( فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاًمن الهم الذي قد كان أصابها ) من توهم غرق التابوت ، أو خروجه عن حد مصر ، ومن توهم قتل فرعون الذي كانت تهرب منه ، ولا ينافي هذا التأويل قوله من بعده " إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها" [ القصص : 10 ] ؛ لأن ذلك كان قبل التقاط فرعون أو استيفائه عن قول امرأته ، وهذا بعد العصمة عن قتله ، وذلك أن الشيطان أنساها الوحي الذي أوحى اللّه إليها حين أمرها أن تلقيه في اليم :"وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي" [ القصص : 7 ] ، والعهد الذي عهد أن يرده إليها ، ويجعله من المرسلين ، فجاءها الشيطان ،
وقال : كرهت أن يقتل فرعون ولدك ، فيكون لك أجره وثوابه ، وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر وأغرقتيه .

ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل ، قالت : إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه ، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد اللّه إليها ، ثم إنه كان لها غم الفراق ، فأشار إلى إزالته بقوله رضي الله عنه  : ( ثم إن اللّه حرم عليه المراضع ) فلم يقبل على ثدي مرضعة ( حتى ) جيء بأمه ، فلما رآها ( أقبل على ثدي أمه ، فأرضعته ) ، فعينها اللّه لرضاعته ؛ ( ليكمل اللّه لها سرورها ) بعد ما حصل لها السرور من زوال ما أصابها من الهم ( به ) ، أي : بهذا الإرضاع الموجب لرده إليها بحسب الوعد الإلهي .

قال رضي الله عنه :  ( كذلك علم الشّرائع ، كما قال تعالى : "لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً" أي : طريقا وَمِنْهاجاً [ المائدة : 5 ] ، أي : من تلك الطّريقة جاء ، فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الّذي منه جاء ، فهو غذاؤه كما أنّ فرع الشّجرة لا يتغذّى إلّا من أصله ).

ثم أشار إلى أن تغذي القلب والروح بالشرع ، كتغذي البدن بالرضاع في الإحياء والتنمية والتقوية ؛ فقال رضي الله عنه  : ( كذلك ) ، أي : مثل الرضاع ( علم الشرائع ) ، فتحريمها من غير أمه إشارة إلى تحريم غير الشريعة المخصوصة بكل طائفة عليها ، ( كما قال تعالى :لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ،) وأشار بطريق الإشارة إلى سبب هذا الاختصاص بقوله : (وَمِنْهاجاً ) [ المائدة : 5 ] ، فإنه وإن كان معناه بطريق العبارة الطريق الواضح ،

فهو إشارة إلى ما ذكرنا أيضا ، ( أي : من تلك الطريقة جاء ) كأنه مركب من جاء بخلاف الهمزة بالتخفيف ومن منها ، والضمير إلى الشريعة ، ( فكان هذا القول ) باعتبار مشابهته ياء لفظا ( إشارة إلى ) أن اختصاص كل طائفة بشرعة ؛ لأنها ( الأصل الذي منه جاء ) كل فرد من تلك الطائفة ؛ لكونه في استعداد عينه الثابتة ، وهو الاستعداد منه ، فجيء كل شخص في الخارج في أصل الوجود ، وفي تحصيل الصفات الكمالية التي من جملتها التعبد بالشريعة المخصوصة .

قال رضي الله عنه :  ( فهو ) أي : التعبد بتلك الشرعة ( غذاؤه ) سيما من جهة كونه من أصله ؛ فإنه أتم المغذيات في المتغذي الأول وهو النبات ، وإليه الإشارة بقوله ، ( كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله ) ؛ ولذلك يصب الماء في السقي على أصولها لا على أغصانها وساقها ؛ ولاختلاف الأصول اختلفت الشرائع .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه  : ( فكان موسى كما قالت امرأة فرعون فيه ) منطقا بالنطق الإلهي  :(إنّه " قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " ، " عَسى أَنْ يَنْفَعَنا "  وكذلك وقع ، فإنّ الله نفعهما به ، وإن كانا ما شعرا بأنّه النبيّ الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله ) .

ردّ موسى إلى امّه
( ولما عصمه الله من فرعون ) وإجراء أحكامه الخاصّة به عليه ، من الانقهار تحت ظلمته الطبيعيّة وإبادة ما عليه جبلَّة موسى من الأنوار الكماليّة العلميّة ( " أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى " ) التي ألقاه في التابوت ، فألقاه في اليمّ - ( " فارِغاً "  من الهمّ ) مطلقا ، عن الهويّات المقيّدة له من ( الذي كان قد أصابها ) قبل ، فما تقيّد بشيء ممّا كان مقيّدا به قبل تلك العصمة ، فتأكَّد بهذه الفراغة والإطلاق الباطني رقيقة النسبة بينها وبين ابنها .

وقد عرفت أنّ امّ موسى هي عبارة في سياقه هذا عن الصورة الفصليّة التي بحملها وفصالها تتحقّق الحقيقة الكليميّة ، وذلك مبدأ صنوف الكمالات العلميّة ومولد جملة اللطائف الإدراكيّة ، فمن أفراد تلك الحقيقة الكماليّة من اغتذى عند الرضاع بغير ما أرضعته امّه التي منها فصاله ، وذلك من جهة تقيّد قابليّته وعدم فراغ امّه فممّا اختصّ به موسى فراغها وإطلاقها الذي به كملت النسبة بينها وبين ابنها .

قال رضي الله عنه  : ( ثمّ إنّ الله حرّم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمّه ، فأرضعته ، ليكمّل الله لها سرورها به ) وانبساطها منه ، حتى يظهر به سائر الحقائق العلميّة من المعارف الإلهيّة .

الشرائع
قال رضي الله عنه  : ( كذلك علم الشرايع ) الكاشفة عن أصل الأمر كلَّه ، فإنّه يبيّن أحكام أفعال الإنسان الذي هو الآخر في تنزّلات الوجود ونهايتها ، وقد عرفت مرارا أنّ الأول هو الآخر عينا ، والنهاية هو البداية حكما ، ( كما قال : " لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً " ) أي طريقا نشأ منكم (" وَمِنْهاجاً " أي من تلك الطريقة جاء ) الكل ، ( فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي جاء منه )

الكل ، يعني القابليّة الأولى التي هي الامّ ، ومنها يغتذي الجميع وبها يقوم أمرهم ( فهو غذاؤه ، كما أنّ فرع الشجرة لا يتغذّى إلا من أصله ) ، وهو مزاج واحد لا اختلاف فيه أصلا ، فالاختلاف إنّما ظهر بالمغتذي عند تفنّن مقتضياته وتشعّب جهات وجهته وطرق نباته ،
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.   
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.  فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.)

قال رضي الله عنه :  ( فكان موسى عليه السّلام كما قالت امرأة فرعون فيه :قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا [ القصص : 12 ] .  وكذلك وقع فإنّ اللّه نفعهما به عليه السّلام وإن كانا ما شعرا بأنّه هو النّبيّ الّذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله . ولمّا عصمه اللّه من فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [ القصص : 10 ] من الهمّ الّذي كان قد أصابها . ثمّ إنّ اللّه حرّم عليه المراضع حتّى أقبل على ثدي أمّه فأرضعته ليكمّل اللّه لها سرورها به . كذلك علم الشّرائع ، كما قال تعالى :لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً أي طريقا )


قال رضي الله عنه :  (فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه إنه قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا وكذلك وقع فإن اللّه نفعهما به عليه السلام وإن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون وهلاك آله . ولما عصمه اللّه من فرعون وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [ القصص : 10 ] من الهم الذي كان قد أصابها ثم إن ) من جلة الاختصاصات والنعم التي كانت في حق موسى وأمه أن ( اللّه حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل اللّه سرورها به كذلك ) ، أي كما حرم اللّه عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه
 كذلك ( حرم على الشرائع ) التي نسخت بشريعته عليه حتى أقبل على الأصل الذي منه جاء ( كما قال تعالى : لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) ، أي طريقة

قال رضي الله عنه :  ( وَمِنْهاجاً [ المائدة : 5 ] . أي من تلك الطّريقة جاء . فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الّذي منه جاء . فهو غذاؤه كما أنّ فرع الشّجرة لا يتغذّى إلّا من أصله. )

قال رضي الله عنه :  ( ومنهاجا ) فسر الشريعة بالطريق والمنهاج أيضا هو الطريق ، لكن عند الوقف يصير منهاجا فتشبه الكلمتين إحداهما منها والأخرى جاء فيمكن أن يفهم من يفهم لسان الإشارة المعنى الذي ذكره ، وفهم هذا المعنى لا يتوقف على قراءة بعض القراء جاء بالمد ،
ولهذا قال رضي الله عنه  : ( أي من تلك الطريقة جاء فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء ) ، إلى هذا العالم وليس إلا الحق ( فهو ) ، أي الأصل الذي منه جاء هو ( غذاؤه ) ، أي ما يتغذى منه ( كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله ) ولما أشار إلى أن شريعته نسخة الشرائع الأخر وذلك النسخ لا يكون إلا بتحليل ما كان حراما يكون بعينه حلالا .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment