Sunday, March 15, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
25 - فص حكمة علوية في كلمة موسوية
حكمة قتل الأبناء من أجل موسى ليعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.
وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله وهي حياة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسية، بل هي على فطرة «بلى».
فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيئا لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له، كان في موسى عليه السلام.
وهذا اختصاص إلهي بموسى لم يكن لأحد من قبله: فإن حكم موسى كثيرة وأنا إن شاء الله أسرد منها في هذا الباب على قدر ما يقع به الأمر الإلهي في خاطري.
فكان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب، فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح كثيرة جمع قوى فعالة لأن الصغير يفعل في الكبير.
ألا ترى الطفل يفعل في الكبير بالخاصية فينزل الكبير من رياسته إليه فيلاعبه و يزقزق له و يظهر له بعقله.
فهو تحت تسخيره و هو لا يشعر، ثم شغله بتربيته و حمايته و تفقد مصالحه و تأنيسه حتى لا يضيق صدره.
هذا كله من فعل الصغير بالكبير و ذلك لقوة المقام، فإن الصغير حديث عهد بربه لأنه حديث التكوين و الكبير أبعد.
فمن كان من الله أقرب سخر من كان من الله أبعد، كخواص الملك للقرب منه يسخرون الأبعدين. كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبرز بنفسه للمطر إذا نزل ويكشف رأسه له حتى يصيب منه و يقول إنه حديث عهد بربه.
فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبي ما أجلها وما أعلاها وأوضحها.
فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فكان مثل الرسول الذي ينزل بالوحي عليه، فدعاه  بالحال بذاته فبرز إليه ليصيب منه ما أتاه به من ربه فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهية بما أصاب منه، ما برز بنفسه إليه.
فهذه رسالة ماء جعل الله منه كل شيء حي فافهم.
و أما حكمة إلقائه في التابوت و رميه في اليم: فالتابوت ناسوته، واليم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظرية الفكرية والقوى الحسية والخيالية التي لا يكون شيء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانية إلا بوجود هذا الجسم العنصري.
فلما حصلت النفس في هذا الجسم وأمرت بالتصرف فيه وتدبيره، جعل الله لها هذه القوى آلات يتوصل بها إلى ما أراده الله منها في تدبير هذا التابوت الذي فيه سكينة الرب.
فرمي به في اليم ليحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلك أنه وإن كان الروح المدبر له هو الملك، فإنه لا يدبره إلا به.
فأصحبه هذه القوى الكائنة في هذا الناسوت الذي عبر عنه بالتابوت في باب الإشارات والحكم.
كذلك تدبير الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته، فما دبره إلا به كتوقف الولد على إيجاد الوالد ، والمسببات علىسبابها، والمشروطات على شروطها، والمعلولات على عللها ، و المدلولات على أدلتها، و المحققات على حقائقها. و كل ذلك من العالم و هو تدبير الحق فيه. فما دبره إلا به.
وأما قولنا أو بصورته أعني صورة العالم فأعني به الأسماء الحسنى والصفات العلى التي تسمى الحق بها و اتصف بها. فما وصل إلينا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلك الاسم وروحه في العالم. فما دبر العالم أيضا إلا بصورة العالم.
ولذلك قال في خلق آدم الذي هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته».
وليست صورته سوى الحضرة الإلهية.
فأوجد في هذا المختصر الشريف الذي هو الإنسان الكامل جميع الأسماء الإلهية وحقائق ما خرج عنه في العالم الكبير المنفصل، وجعله روحا للعالم فسخر له العلو والسفل لكمال الصورة.
فكما أنه ليس شيء من العالم إلا وهو يسبح بحمده، كذلك ليس شيء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطيه حقيقة صورته.
فقال تعالى «وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه».
فكل ما في العالم تحت تسخير الإنسان، علم ذلك من علمه وهو الإنسان الكامل وجهل ذلك من جهله، وهو الإنسان الحيوان.
فكانت صورة إلقاء موسى في التابوت، وإلقاء التابوت في اليم صورة هلاك، وفي الباطن كانت نجاة له من القتل.
فحيي كما تحيا النفوس بالعلم من موت الجهل، كما قال تعالى «أو من كان ميتا» يعني بالجهل «فأحييناه» يعني بالعلم، «وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» و هو الهدى، «كمن مثله في الظلمات» وهي الضلال «ليس بخارج منها» أي لا يهتدي أبدا: فإن الأمر في نفسه لا غاية له يوقف عندها.
فالهدى هو أن يهتدي الإنسان إلى الحيرة، فيعلم أن الأمر حيرة و الحيرة قلق و حركة، و الحركة حياة. فلا سكون، فلا موت، و وجود، فلا عدم.
وكذلك في الماء الذي به حياة الأرض وحركتها، قوله تعالى «اهتزت» وحملها، قوله «وربت»، وولادتها قوله «وأنبتت من كل زوج بهيج».
أي أنها ما ولدت إلا من يشبهها أي طبيعيا مثلها.
فكانت الزوجية التي هي الشفعية لها بما تولد منها و ظهر عنها.
كذلك وجود الحق كانت الكثرة له و تعداد الأسماء أنه كذا وكذا بما ظهر عنه من العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهية.
فثبت  به و بخالقه أحدية الكثرة، و قد كان أحدي العين من حيث ذاته كالجوهر الهيولاني أحدي العين من حيث ذاته، كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته.
كذلك الحق بما ظهر منه من صور التجلي، فكان مجلى صور العالم مع الأحدية المعقولة.
فانظر ما أحسن هذا التعليم الإلهي الذي خص الله بالاطلاع عليه من شاء من عباده.
ولما وجده آل فرعون في اليم عند الشجرة سماه فرعون موسى: والمو هو الماء بالقبطية والسا هو الشجرة ، فسماه بما وجده عنده، فإن التابوت وقف عند الشجرة في اليم.
فأراد قتله فقالت امرأته و كانت منطقة بالنطق الإلهي فيما قالت لفرعون، إذ كان الله تعالى خلقها للكمال كما قال عليه السلام عنها حيث شهد لها و لمريم بنت عمران بالكمال الذي هو للذكران فقالت لفرعون في حق موسى إنه «قرت عين لي و لك».
فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق.
فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام. والإسلام يجب ما قبله.
وجعله آية على عنايته سبحانه بمن شاء حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».  فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الايمان.
فكان موسى عليه السلام كما قالت امرأة فرعون فيه «إنه قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا».
وكذلك وقع فإن الله نفعهما به عليه السلام و إن كانا ما شعرا بأنه هو النبي الذي يكون على يديه هلاك ملك فرعون و هلاك آله.
ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد أم موسى فارغا» من الهم الذي كان قد أصابها.
ثم إن الله حرم عليه المراضع حتى أقبل على ثدي أمه فأرضعته ليكمل الله لها سرورها به.
كذلك علم الشرائع، كما قال تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» أي طريقا.
ومنهاجا أي من تلك الطريقة جاء.
فكان هذا القول إشارة إلى الأصل الذي منه جاء.
فهو غذاؤه كما أن فرع الشجرة لا يتغذى إلا من أصله.
فما كان حراما في شرع يكون حلالا في شرع آخر يعني في الصورة: أعني قولي يكون حلالا، وفي نفس الأمر ما هو عين ما مضى، لأن الأمر خلق جديد و لا تكرار. فلهذا نبهناك.
فكنى عن هذا في حق موسى بتحريم المراضع: فأمه على الحقيقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتكون فيها و تغذى بدم طمثها من غير إرادة لها في ذلك حتى لا يكون لها عليه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم يتغذ به ولم يخرج عنها ذلك الدم لأهلكها وأمرضها.
فللجنين المنة على أمه بكونه تغذى بذلك الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذي كانت تجده لو امتسك ذلك الدم عندها ولا يخرج ولا يتغذى به جنينها.
والمرضعة ليست كذلك، فإنها قصدت برضاعته حياته و إبقائه.
فجعل الله ذلك لموسى في أم ولادته، فلم يكن لامرأة عليه فضل إلا لأم ولادته لتقر عينها أيضا بتربيته و تشاهد انتشاءه في حجرها، «ولا تحزن».
ونجاه الله من غم التابوت، فخرق ظلمة الطبيعة بما أعطاه الله من العلم الإلهي وإن لم يخرج عنها، و فتنه فتونا أي اختبره في مواطن كثيرة ليتحقق في نفسه صبره على ما ابتلاه الله به.
فأول ما أبلاه الله به قتله القبطي بما ألهمه الله ووفقه له في سره  وإن لم يعلم بذلك، ولكن لم يجد في نفسه اكتراثا بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبي معصوم الباطن من حيث لا يشعر حتى ينبأ أي يخبر بذلك.
ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله ولم يتذكر قتله القبطي فقال له الخضر «ما فعلته عن أمري» ينبهه على مرتبته قبل أن ينبأ أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك.
وأراه أيضا خرق السفينة التي ظاهرها هلاك و باطنها نجاة من يد الغاصب.
جعل له ذلك في مقابلة التابوت له الذي كان في اليم مطبقا عليه. فظاهره هلاك و باطنه نجاة.
و إنما فعلت به أمه ذلك خوفا من يد الغاصب فرعون أن يذبحه صبرا  وهي تنظر إليه، مع الوحي الذي ألهمها الله به من حيث لا تشعر.
فوجدت في نفسها أنها ترضعه فإذا خافت عليه ألقته في اليم لأن في المثل «عين لا ترى قلب لا يفجع».
فلم تخف عليه خوف مشاهدة عين، ولا حزنت عليه حزن رؤية بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إليها لحسن ظنها به.
فعاشت بهذا الظن في نفسها، والرجاء يقابل الخوف واليأس، وقالت حين ألهمت لذلك لعل هذا هو الرسول الذي يهلك فرعون والقبط على يديه.
فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إليها، وهو علم في نفس الأمر.
ثم إنه لما وقع عليه الطلب خرج فارا خوفا في الظاهر، وكان في المعنى حبا للنجاة.
فإن الحركة أبدا إنما هي حبية، ويحجب الناظر فيها بأسباب أخر ، وليست تلك.
وذلك لأن الأصل حركة العلم من العدم الذي كان ساكنا فيه إلى الوجود، ولذلك يقال إن الأمر حركة عن سكون: فكانت الحركة التي هي وجود العالم حركة حب.
وقد نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله «كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف ».  فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم في عينه.
فحركته من العدم إلى الوجود حركة حب الموجد لذلك: ولأن العالم أيضا يحب شهود نفسه وجودا كما شهدها ثبوتا، فكانت بكل وجه حركته من العدم الثبوتي إلى الوجود حركة حب من جانب الحق وجانبه: فإن الكمال محبوب لذاته، وعلمه تعالى بنفسه من حيث هو غني عن العالمين، هو له.
وما بقي إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذي يكون من هذه الأعيان، أعيان العالم، إذا وجدت.
فتظهر صورة الكمال بالعلم المحدث والقديم فتكمل مرتبة العلم بالوجهين، وكذلك تكمل مراتب الوجود: فإن الوجود منه أزلي و غير أزلي وهو الحادث.
فالأزلي وجود الحق لنفسه، و غير الأزلي وجود الحق بصورة العالم الثابت.
فيسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم.
فكمل الوجود فكانت حركة العالم حبية للكمال فافهم.
ألا تراه كيف نفس عن الأسماء الإلهية ما كانت تجده من عدم ظهور آثارها في عين مسمى العالم، فكانت الراحة محبوبة له ، و لم يوصل إليها إلا بالوجود الصوري الأعلى والأسفل.
فثبت أن الحركة كانت للحب، فما ثم حركة في الكون إلا و هي حبية.
فمن العلماء من يعلم ذلك ومنهم من يحجبه السبب الأقرب لحكمه في الحال واستيلائه على النفس.
فكان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطي، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل. ففر لما خاف، و في المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون و عمله به.
فذكر السبب الأقرب المشهود له في الوقت الذي هو كصورة الجسم للبشر.
وحب النجاة مضمن فيه تضمين الجسد للروح المدبر له.
والأنبياء لهم لسان الظاهر به يتكلمون لعموم الخطاب، واعتمادهم على فهم العالم السامع.
فلا يعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، كما نبه عليه السلام على هذه المرتبة في العطايا فقال «إني لأعطي الرجل و غيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار».
فاعتبر الضعيف العقل والنظر الذي غلب عليه الطمع والطبع.
فكذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعليه خلعة أدنى الفهوم ليقف من لا غوص له عند الخلعة، فيقول ما أحسن هذه الخلعة ويراها غاية الدرجة.
ويقول صاحب الفهم الدقيق الغائص على درر الحكم بما استوجب هذا «هذه الخلعة من الملك». فينظر في قدر الخلعة وصنفها من الثياب، فيعلم منها قدر من خلعت عليه، فيعثر على علم لم يحصل لغيره ممن لا علم له بمثل هذا.
ولما علمت الأنبياء والرسل والورثة أن في العالم وأممهم من هو بهذه المثابة، عمدوا في العبارة إلى اللسان الظاهر الذي يقع فيه اشتراك الخاص والعام، فيفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزيادة مما صح له به اسم أنه خاص، فيتميز به عن العامي. فاكتفى المبلغون العلوم بهذا.
فهذا حكمة قوله عليه السلام «ففررت منكم لما خفتكم»، ولم يقل ففررت منكم حبا في السلامة والعافية.
فجاء إلى مدين فوجد الجاريتين «فسقى لهما» من غير أجر، «ثم تولى إلى الظل» الإلهي فقال «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» فجعل عين عمله السقي عين الخير الذي أنزله الله إليه، ووصف نفسه بالفقر إلى الله في الخير الذي عنده.
فأراد الخضر إقامة الجدار من غير أجر فعتبه على ذلك، فذكره سقايته من غير أجر، إلى غير ذلك مما لم يذكر حتى تمنى صلى الله عليه وسلم أن يسكت موسى عليه السلام ولا يعترض حتى يقص الله عليه من أمرهما فيعلم بذلك ما وفق إليه موسى من غير علم منه.
إذ لو كان على علم ما أنكر مثل ذلك على الخضر الذي قد شهد الله له عند موسى وزكاه وعدله . ومع هذا غفل موسى عن تزكية الله وعما شرطه عليه في اتباعه، رحمة بنا إذا نسينا أمر الله.
ولو كان موسى عالما بذلك لما قال له الخضر «ما لم تحط به خبرا» أي إني على علم لم يحصل لك عن ذوق كما أنت على علم لا أعلمه أنا. فأنصف.
وأما حكمة فراقه فلأن الرسول يقول الله فيه «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». فوقف العلماء بالله الذين يعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول.
وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ يرقب ما يكون منه ليوفي الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني» فنهاه عن صحبته.
فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بيني و بينك».
ولم يقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التي هو فيها التي نطقته بالنهي عن أن يصحبه.
فسكت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى كمال هذين الرجلين في العلم وتوفيقة الأدب الإلهي حقه وإنصاف الخضر فيما اعترف به عند موسى عليه السلام حيث قال له «أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت، و أنت على علم علمكه الله لا أعلمه أنا».
فكان هذا الإعلام في الخضر لموسى دواء لما جرحه به في قوله «وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، و ليست تلك الرتبة للخضر.
و ظهر ذلك في الأمة المحمدية في حديث إبار النخل، فقال عليه السلام لأصحابه «أنتم أعلم بمصالح دنياكم».
ولا شك أن العلم بالشيء خير من الجهل به: و لهذا مدح الله نفسه بأنه بكل شيء عليم فقد اعترف صلى الله عليه وسلم لأصحابه بأنهم أعلم بمصالح الدنيا منه لكونه لا خبرة له بذلك فإنه علم ذوق وتجربة ولم يتفرغ عليه السلام لعلم ذلك، بل كان شغله بالأهم فالأهم. فقد نبهتك على أدب عظيم تنتفع به إن استعملت نفسك فيه.
وقوله «فوهب لي ربي حكما» يريد الخلافة، «وجعلني من المرسلين» يريد الرسالة : فما كل رسول خليفة.
فالخليفة صاحب السيف و العزل و الولاية. والرسول ليس كذلك: إنما عليه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل عليه و حماه بالسيف فذلك الخليفة الرسول.
فكما أنه ما كل نبي رسول، كذلك ما كل رسول خليفة أي ما أعطي الملك ولا التحكم فيه.
وأما حكمة سؤال فرعون عن الماهية الإلهية فلم يكن عن جهل، و إنما كان عن اختبار حتى يرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلين في العلم فيستدل بجوابه على صدق دعواه.
وسأل سؤال إيهام  من أجل الحاضرين حتى يعرفهم من حيث لا يشعرون بما شعر هو في نفسه في سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله، فيتبين عند الحاضرين لقصور فهمهم أن فرعون أعلم من موسى.
ولهذا لما قال له في الجواب ما ينبغي وهو في الظاهر غير جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا يجيبه إلا بذلك فقال لأصحابه «إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون» أي مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا يتصور أن يعلم أصلا.
فالسؤال صحيح، فإن السؤال عن الماهية سؤال عن حقيقة المطلوب، ولا بد أن يكون على حقيقة في نفسه .
وأما الذين جعلوا الحدود مركبة من جنس وفصل، فذلك في كل ما يقع فيه الاشتراك، ومن لا جنس له لا يلزم ألا يكون على حقيقة في نفسه لا تكون لغيره.
فالسؤال صحيح على مذهب أهل الحق والعلم الصحيح والعقل السليم، والجواب عنه لا يكون إلا بما أجاب به موسى.
وهنا سر كبير، فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتي، فجعل الحد الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فيه من صور العالم.
فكأنه قال في جواب قوله «وما رب العالمين» قال الذي يظهر فيه صور العالمين من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض: «إن كنتم موقنين»، أو يظهر هو بها.
فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» كما قلنا في معنى كونه مجنونا، زاد موسى في البيان  ليعلم فرعون رتبته في العلم الإلهي لعلمه بأن فرعون يعلم ذلك: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما يظهر ويستر، وهو الظاهر والباطن، وما بينهما وهو قوله «بكل شيء عليم».
«إن كنتم تعقلون»: أي إن كنتم أصحاب تقييد، فإن العقل يقيد.
فالجواب الأول جواب الموقنين وهم أهل الكشف والوجود.
فقال له «إن كنتم موقنين» أي أهل كشف ووجود، فقد أعلمتكم بما تيقنتموه في شهودكم ووجودكم، فإن لم تكونوا من هذا الصنف، فقد أجبتكم في الجواب الثاني إن كنتم أهل عقل و تقييد و حصر. ثم الحق فيما تعطيه أدلة عقولكم.
فظهر موسى بالوجهين ليعلم فرعون فضله وصدقه.
وعلم موسى أن فرعون علم ذلك أو يعلم ذلك لكونه سأل عن الماهية، فعلم أنه ليس سؤاله على اصطلاح القدماء في السؤال بما  فلذلك أجاب.
ولو علم منه غير ذلك لخطأه في السؤال.
فلما جعل موسى المسئول عنه عين العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا يشعرون.
فقال له «لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين».
و السين في «السجن» من حروف الزوائد: أي لأسترنك: فإنك أجبت بما أيدتني به أن أقول لك مثل هذا القول.
فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي، والعين واحدة، فكيف فرقت، فيقول فرعون إنما فرقت المراتب العين، ما تفرقت العين ولا انقسمت في ذاتها.
ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين وغيرك بالرتبة.
فلما فهم ذلك موسى منه أعطاه حقه في كونه يقول له لا تقدر على ذلك، والرتبة تشهد له بالقدرة عليه و إظهار الأثر فيه: لأن الحق في رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحكم على الرتبة التي كان فيها ظهور موسى في ذلك المجلس.
فقال له، يظهر له المانع من تعديه عليه، «أو لو جئتك بشي ء مبين».
فلم يسع فرعون إلا أن يقول له «فأت به إن كنت من الصادقين» حتى لا يظهر فرعون عند الضعفاء الرأي من قومه بعدم الإنصاف فكانوا يرتابون فيه، و هي الطائفة التي استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم كانوا قوما فاسقين»: أي خارجين عما تعطيه العقول الصحيحة من إنكار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر في العقل، فإن له حدا يقف عنده إذا جاوزه صاحب الكشف واليقين.
ولهذا جاء موسى في الجواب بما يقبله الموقن والعاقل خاصة .
«فألقى عصاه» ، وهي صورة ما عصى به فرعون موسى في إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هي ثعبان مبين» أي حية ظاهرة.
فانقلبت المعصية التي هي السيئة طاعة أي حسنة كما قال «يبدل الله سيئاتهم حسنات» يعني في الحكم. فظهر الحكم هنا عينا متميزة في جوهر واحد .
فهي العصا وهي الحية و الثعبان الظاهر، فالتقم أمثاله من الحيات من كونها حية والعصي من كونها عصا.
فظهرت حجة موسى على حجج فرعون في صورة عصي و حيات و حبال، فكانت للسحرة الحبال ولم يكن لموسى حبل.
والحبل التل الصغير: أي مقاديرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلك علموا رتبة موسى في العلم، وأن الذي رأوه ليس من مقدور البشر: وإن كان من مقدورا لبشر فلا يكون إلا ممن له تميز في العلم المحقق عن التخيل والإيهام.
فآمنوا برب العالمين رب موسى وهارون: أي الرب الذي يدعو إليه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم يعلمون أنه ما دعا لفرعون.
ولما كفي منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف وإن جار في العرف الناموسي لذلك قال «أنا ربكم الأعلى»: أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم.
ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه و أقروا له بذلك فقالوا له: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لك . فصح قوله «أنا ربكم الأعلى».
وإن كان عين الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأيدي والأرجل وصلب بعين حق في صورة باطل لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل.
فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت إذ لا تبديل لكلمات الله.
وليست كلمات الله سوى أعيان الموجودات ،فينسب إليها القدم من حيث ثبوتها، و ينسب إليها الحدوث من حيث وجودها و ظهورها.
كما تقول حدث عندنا اليوم إنسان أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل هذا الحدوث.
لذلك قال تعالى في كلامه العزيز أي في إتيانه مع قدم كلامه «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون»: «ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين».
والرحمن لا يأتي إلا يأتي إلا بالرحمة.
ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذي هو عدم الرحمة.
وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.
ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي لا يؤمن ولو جاءته كل آية حتى يروا العذاب الأليم، أي يذوقوا العذاب الأخروي.
فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن.
ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه.
وأما آله فلهم حكم آخر ليس هذا موضعه. ثم لتعلم أنه ما يقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أي مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهية: وأعني من المحتضرين : و لهذا يكره موت الفجاءة و قتل الغفلة.
فأما موت الفجاءة فحده أن يخرج النفس الداخل و لا يدخل النفس الخارج.
فهذا موت الفجاءة. وهذا غير المحتضر.
وكذلك قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا يشعر: فيقبض على ما كان عليه من إيمان أو كفر.
ولذلك قال عليه السلام «ويحشر على ما عليه مات» كما أنه يقبض على ما كان عليه.
والمحتضر ما يكون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إيمان بما ثمة.
فلا يقبض إلا على ما كان عليه، لأن «كان» حرف وجودي لا ينجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فيفرق بين الكافر المحتضر في الموت وبين الكافر المقتول غفلة أو الميت فجاءة كما قلنا في حد الفجاءة. وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى .
فتجلى له في مطلوبه ليقبل عليه ولا يعرض عنه.
فإنه لو تجلى له في غير صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .
ولو أعرض لعاد عمله عليه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.
فمن قربه أنه تجلى له في مطلوبه وهو لا يعلم.
كنار موسى رآها عين حاجته ... وهو الإله ولكن ليس يدريه


متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
25 – نقش فص حكمة علوية في كلمة موسوية
سرت إليه حياة كل من قتله فرعون من أجله. ففراره لمّا خاف إنما كان لإبقاء حياة المقتولين. فكأنه في حق الغير.
فأعطاه الله الرسالة والكلام والإمامة التي هي الحكم كلمة الله في غير حاجته لاستفراغ همه فيها.
فعلمنا أن الجمعية مؤثرة وهو الفعل بالهمة.
ولمّا علم من علم مثل هذا ضل عن طريق هداه حين اهتدى غيره به.
فأقامه مقام القرآن في المثل المضروب:
" يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ " [البقرة: 26] وهم الخارجون عن طريق الهدى الذي فيه.


الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
25 - فك ختم الفص الموسوي
1 / 25 - اعلم ان سر اضافة هذه الحكمة الى الصفة العلوية هو من أجل علو مرتبة موسى عليه السلام ورجحانه على كثير من الرسل بامور أربعة : احدها اخذه عن الله بدون واسطة ملك وغيره .

2 / 25 - والثاني كتابة الحق له التورية بيده "ألواح التوراة" ، فان كتابة التورية احد الأمور التي باشرها الحق بنفسه دون واسطة ، على ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم في تعيين ما باشره الحق بنفسه فقال : ان الله كتب التورية بيده وغرس شجرة طوبى بيده وخلق جنة عدن بيده وخلق آدم بيديه .

3 / 25 - الثالث قرب نسبته من مقام الجمعية التي خص بها نبينا صلى الله عليه وسلم المشار اليه بقوله تعالى : " وكَتَبْنا لَه في الأَلْواحِ من كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ " [ الأعراف / 145 ] وباعتبار الحق به لما وفر حظه من عطايا  اسمه الظاهر ، أراد ان يريه طرفا من احكام الاسم الباطن للجمع بين الطرفين - ولو من بعض الوجوه.

4 / 25 - فنبهه على شرف الخضر عليه السلام وشوقه الى لقائه ، ثم اذن له في المشي اليه وجمع بينه وبينه فصحبه حتى رأى نموذجا من احكام الإرادة ، فعلم الفرق بينها وبين احكام الامر ، غير انه غلبت عليه صبغة التشريع وحالها ،
فلم يصبر كما قال صلى الله عليه وسلم : رحمة الله علينا وعلى موسى ، ليته صبر حتى يقص علينا من انبائهما ، وفي رواية اخرى متفق على صحتها ايضا : لو صبر لرأى العجب ولكن أخذته من صاحبه ذمامة . . . . الحديث .

5 / 25 - وعلى الجملة فإنه لو لم يكن من الفائدة في اجتماع موسى عليه السلام بالخضر الا علمه بان العلم الذي كان حصل له وكان يراه الغاية وان ليس بعده ما هو اشرف منه بما اراه الحق : ان لله وراء ما أعطاه من العلم علوما واسرارا يهبهما لمن يشاء من عباده ، فلم يبق له بعد ذلك وقوف عند الغاية ، لكان كافيا .

6 / 25 - واما الامر الرابع الذي ثبت به رجحانه على كثير من الرسل فاخبار نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث القيامة حال عرض الأمم عليه صلى الله عليه وسلم انه لم ير امة نبى من الأنبياء اكثر من امة موسى ،
وقوله صلى الله عليه وسلم ايضا في حديث اليهودي لما قال : والذي اصطفى موسى على البشر ولطم الصحابي له ،
وقوله : تقول هذا ورسول الله بين أظهرنا ؟
فلما اشتكى اليهودي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تفضلوني على موسى ، فان الناس يصعقون فأكون اول من تفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدرى أجوزي بصعقة الطور او كان ممن استثنى الله تعالى  .

 7 / 25- فهذا بعض ما اعرفه من كمالاته الموجبة اضافة حكمته الى الصفة العلوية ، وسأذكر في شرح الحديث الذي يتضمن ذكر قصة اجتماعه مع الخضر عليه السلام وما جرى بينهما وما يتضمنه تلك القصة من الاسرار الربانية والعلوم الغيبية وفي شرح الحديث المتضمن ذكر موته واتيان ملك الموت وقفاء عينه وما أخبر في ذلك ما يسر الحق ذكره وشاء بيانه ، والله يقول الحق.  

كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة علوية في كلمة موسوية :

مصطلح التجلي الصوري
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي في  تجليات الربوبية:
" للربوبية تجليان : تجل معنوي ، وتجل صوري .
فالتجلي المعنوي : ظهوره في أسمائه وصفاته على ما اقتضاه القانون التنزيهي من أنواع الكمالات .
والتجلي الصوري : ظهوره في مخلوقاته على ما اقتضاه القانون الخلقي التشبيهي وما حواه المخلوق من أنواع النقص . فإذا ظهر سبحانه في خلق من مخلوقاته على ما استحقه ذلك المظهر من التشبيه ، فإنه على ما هو له من التنزيه والأمر بين صوري ملحق بالتشبيه ، ومعنوي ملحق بالتنزيه . إن ظهر الصوري فالمعنوي مظهر له ، وإن ظهر المعنوي فالصوري مظهر له ، وقد يغلب حكم أحدهما فيستتر الثاني تحته فيحكم بالأمر الواحد على حجاب ".

يقول الشيخ عبد اللطيف المقري القرشي:
" التجلي الصوري : هو برزخ بين توحيد الأفعال وتوحيد الصفات ".

يقول الشيخ أحمد السرهندي :
التجلي الصوري : هو التجلي الحاصل في السير الآفاقي بجميع أقسامه ، وحاصل في مرتبة علم اليقين.

يقول ابن العربي الطائي الحاتمي عن التجلي الصوري :
يقول : " التجلي في الأنوار الطبيعية : هو التجلي الصوري المركب ، فيعطي من المعارف بحسب ما ظهر فيه من الصور ، وهو يعم من الفلك إلى أدنى الحشرات ، وهو السماء والعالم ، فهو تجل في السماء والعالم . ومن هذا التجلي تعرف المعاني ، واللغات ، وصلاة كل صورة ، وتسبيحها.


يقول الشيخ عبد الله خورد عن الرؤية والتجلي الصوري  :
وكل أحد يرى الله في المثال بصورة الحقيقة المحمدية باعتبار تقيدها بعينه الثابتة فلا يرى الله ولا يرى محمد إلا بقدر استعداده ... وجميع النسب الكمالية تترقى وتكمل وتنتهي في الدار الآخرة ، كالتجلي الصوري ، والمعنوي ، والذاتي ، والمعرفة ، والاستهلاك ، والفناء ، والبقاء .
فالتجلي الصوري إذا انتهى وكمل أمره وكمل يسمى : رؤية .

يقول الشيخ في الفتوحات الباب الثاني والخمسون وخمسمائة عن الفيض والتجلي الصوري
اعلم أيدنا الله وإياك أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت
وذلك إنا قد بينا استعداد القوابل
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور
فلو لم يكن المتجلي له على استعداد أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ما صح أن يكون له هذا التجلي فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق
هذا قول المعترض علينا قلنا له يا هذا الذي قلناه من الاستعداد نحن على ذلك الحق متجل دائما
والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك
فإن كان له ذلك فلا بد أن يبقى وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء ولا يصح أن يكون له فإنه لا بد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غشية فإنه لا يبقى له مع الشهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع
وقد قال بعضهم شهود الحق فناء ما فيه لذة لا في الدنيا ولا في الآخرة فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي
وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلي له من الاستعداد
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون كوجه الدليل في الدليل سواء بل هذا أتم وأسرع في الحكم
وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل وإلا لالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري ومن لم ير غيره ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد والذي ذاق الأمرين فرق ولا بد.
وبلغني عن الشيخ المسن شهاب الدين السهروردي ابن أخي أبي النجيب أنه يقول بالجمع بين الشهود والكلام فعلمت مقامه وذوقه عند ذلك.
فما أدري هل ارتقى بعد ذلك أم لا وعلمنا أنه في مرتبة التخيل وهو المقام العام الساري في العموم.
وأما الخواص فيعلمونه ويزيدون بأمر ما هو ذوق العامة وهو ما أشار إليه السياري ونحن ومن جرى مجرانا في التحقيق من الرجال.
والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

ويقول الشيخ الباب الثاني والعشرون وخمسمائة عن المسافرين في الله والتجلي الصوري
ثم إن المسافرين من التجار الذين أمرهم الله بالزاد الذي لا يفضل عنهم بعد انقضاء سفرهم منه شيء بل يكون على قدر المسافة فهم على ثلاثة أصناف :-
صنف منهم يسافر برا
وآخر يسافر بحرا
وآخر يسافر برا وبحرا بحسب طريقه
فمسافر البحر بين عدوين نفس الطريق وما فيه
ومسافر البر ذو عدو واحد
والجامع بينهما في سفره ذو ثلاثة أعداء
فمسافر البحر أهل النظر في المعقولات ومن النظر في المعقولات النظر في المشروعات فهم بين عدو شبهة وهو عين البحر وبين عدو تأويل وهو العدو الذي يقطع في البحر
ومسافر البر المقتصرون على الشرع خاصة وهم أهل الظاهر
والمسافر الجامع بين البر والبحر هم أهل الله المحققون من الصوفية أصحاب الجمع والوجود والشهود وأعداؤهم ثلاثة :-
عدو برهم صور التجلي
وعدو بحرهم قصورهم على ما تجلى لهم
أو تأويل ما تجلى لهم لا بد من ذلك
فمن سلم من حكم التجلي الصوري ومن القصور الذي يناقض المزيد
ومن التأويل فيما تجلى لهم فقد سلم من الأعداء وحمد طريقه وربحت تجارته وكان من المهتدين
فهذا وأمثاله يعطيه هذا الذكر وهو ذكر الالتباس من أجل ذكر التقوى لما في ذلك من تخيل تقوى الله
ولهذا أبان الله عن تلك التقوى ما هي وفصل بينها وبين تقوى الله
فقال في تمام الآية "واتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ" وجعل المجاور لهم في تقوى الله لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ برفع الحرج والسؤال فيما تزودوه في سفرهم من التقوى
فإنه فضل على تقوى الله فإن الأصل تقوى الله
فقال لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا من رَبِّكُمْ وهو التجارة مع علمك بأنه زاد التقوى وهذا القدر كاف فإن المجال فيه واسع. والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ.

موضوع : إيمان فرعون
* لا يوجد دليل قطعي الدلالة و قطعي الثبوت ان الله تعالى لم يقبل ايمان فرعون
وانه مكتوب عند الله تعالى ان فرعون مات على الكفر وغير مقبول الإبمان .

من كتاب رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلمات الشيخ الأكبر ابن العربي تأليف محمود محمود الغراب ص 314 – 316 ج 3
إيمان فرعون
لما علم فرعون الحق، وأثبت في كلامه بأن موسى عليه السلام مرسل بقوله: (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) فإنه ما جاء من نفسه، لأنه دعا إلى غيره، فبقيت تلك الخميرة عند فرعون تختمر بها عجين طينته، وما ظهر حكمها ولا اختمر عجينه إلا في الوقت الذي قال فيه: «آمَنْتُ»
فتلفظ باعتقاده الذي معه «أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ» وما سمى اللّه، ليرفع اللبس والشك،
إذ قد علم الحاضرون أن بني إسرائيل ما آمنت إلا بالإله الذي جاء موسى وهارون من عنده إليهم،
فلو قال: «آمنت بالله» وهو قد قرر أنه ما علم لقومه من إله غيره،
لقالوا: لنفسه شهد لا للذي أرسل موسى إلينا، كما شهد اللّه لنفسه، فرفع هذا اللبس بما قاله،
عند ذلك أخذ جبريل حال البحر فألقمه في فم فرعون حتى لا يتلفظ بالتوحيد، ويسابقه مسابقة غيره على جناب الحق، مع علمه بأنه علم أنه لا إله إلا اللّه،
وغلبه فرعون، فإنه قال كلمة التوحيد بلسانه كما أخبر اللّه تعالى عنه في كتابه العزيز، فجاء فرعون باسم الصلة وهو «الَّذِي» ليرفع اللبس عند السامعين ولرفع الإشكال عند الأشكال، وهذا هو التوحيد الثاني عشر في القرآن، وهو توحيد الاستغاثة، وهو توحيد الصلة، فإنه جاء بالذي في هذا التوحيد، وهو من الأسماء الموصولة، وقدم الهوية في قوله: " أنه" ليعيد ضمير "به" عليه، ليلحق بتوحيد الهوية،
ثم تمم وقال: «وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» خطاب منه للحق، لعلمه بأنه تعالى يسمعه ويراه،
قال ذلك لما علم أن الإله هو الذي ينقاد إليه ولا ينقاد هو لأحد، أعلم بذلك فرعون، ليعلم قومه برجوعه عما كان ادعاه فيهم من أنه ربهم الأعلى، فأمره إلى اللّه، فإنه آمن عند رؤية البأس، وما نفع مثل ذلك الإيمان فرفع عنه عذاب الدنيا، إلا قوم يونس، ولم يتعرض للآخرة، ثم إن اللّه صدّقه في إيمانه بقوله: "آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" [سورة يونس: آية 91]
قال تعالى لفرعون: «آلْآنَ» قلت ذلك، فأثبت اللّه بقوله: «آلْآنَ» أنه آمن عن علم محقق واللّه أعلم وإن كان الأمر فيه احتمال، فدل على إخلاصه في إيمانه، ولو لم يكن مخلصا لقال فيه تعالى كما قال في الأعراب الذين قالوا: (آمَنَّا) (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فشهد اللّه لفرعون بالإيمان، وما كان اللّه ليشهد لأحد بالصدق في توحيده إلا ويجازيه به، وبعد إيمانه فما عصى، فقبله اللّه إن كان قبله طاهرا، والكافر إذا أسلم وجب عليه أن يغتسل، فكان غرقه غسلا له وتطهيرا،
حيث أخذه اللّه في تلك الحال نكال الآخرة والأولى، وجعل ذلك عبرة لمن يخشى،
وما أشبه إيمانه إيمان من غرغر، فإن المغرغر موقن بأنه مفارق، قاطع بذلك،
وهذا الغرق هنا لم يكن كذلك، لأنه رأى البحر يبسا في حق المؤمنين، فعلم أن ذلك لهم بإيمانهم، فما أيقن بالموت، بل غلب على ظنه الحياة، فليس منزلته منزلة من حضره الموت فقال: (إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) ولا هو من الذين يموتون وهم كفار فأمره إلى اللّه تعالى. "فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ "[سورة يونس: آية 92]

 كان حكم آل فرعون في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه
كان حكم آل فرعون في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه، فإنه علم صدق موسى عليه السلام، وعلم حكم اللّه في ظاهره بما صدر منه،
وحكم اللّه في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه، وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند اللّه مخصوصا بزمان مؤقت، لا يكون إلا فيه، وبحالة خاصة، فظهر بالإيمان لما جاء زمانه وحاله،
فغرق قومه آية، ونجاة فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية،
فمن رحمة اللّه بعباده أن قال «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» يعني دون قومك «لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» أي علامة لمن آمن باللّه أي ينجيه اللّه ببدنه أي بظاهره، فإن باطنه لم يزل محفوظا بالنجاة من الشرك، لأن العلم أقوى الموانع،
فسوّى اللّه في الغرق بينهم، وتفرقا في الحكم، فجعلهم سلفا ومثلا للآخرين،
يعني الأمم الذين يأتون بعدهم، وخص فرعون بأن تكون نجاته آية لمن رجع إلى اللّه بالنجاة، فإن الحق خاطب فرعون بلسان العتب وأسمعه "آلْآنَ" أظهرت ما قد كنت تعلمه "وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" فهي كلمة بشرى لفرعون عرفنا الحق بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا،
ثم قال: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ» فبشره قبل قبض روحه «بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» يعني لتكون النجاة لمن يأتي بعدك «آيَةً» علامة،
إذا قال ما قلته تكون له النجاة مثل ما كانت لك، وما في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ولا أن إيمانه لم يقبل، وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال رؤيته إلا قوم يونس، فقوله: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» إذ العذاب لا يتعلق إلا بظاهرك، وقد أريت الخلق نجاته من العذاب، فكان ابتداء الغرق عذابا، فصار الموت فيه شهادة خالصة بريئة لم تتخللها معصية، فقبضت على أفضل عمل، وهو التلفظ بالإيمان،
كل ذلك حتى لا يقنط أحد من رحمة اللّه، والأعمال بالخواتيم، فلم يزل الإيمان باللّه يجول في باطن فرعون، وجاء طوعا في إيمانه، وما عاش بعد ذلك،
فقبض فرعون ولم يؤخر في أجله في حال إيمانه، لئلا يرجع إلى ما كان عليه من الدعوى، ثم قوله تعالى في تتميم قصته هذه «وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ»
وقد أظهرت نجاتك آية أي علامة على حصول النجاة، فغفل أكثر الناس عن هذه الآية وقضوا على المؤمن بالشقاء،
وأما قوله تعالى: (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) فما فيه نص أنه يدخلها معهم،
بل قال اللّه: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) ولم يقل (أدخلوا فرعون وآله) ورحمة اللّه أوسع من حيث أن لا يقبل إيمان المضطر، وأي اضطرار أعظم من اضطرار فرعون في حال الغرق، واللّه يقول: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وكشف السوء عنه، وهذا آمن للّه خالصا، وما دعاه في البقاء في الحياة الدنيا خوفا من العوارض، أو يحال بينه وبين هذا الإخلاص الذي جاءه في هذه الحال،
فرجح جانب لقاء اللّه على البقاء بالتلفظ بالإيمان، وجعل ذلك الغرق (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) فلم يكن عذابه أكثر من غم الماء الأجاج، وقبضه على أحسن صفة هذا ما يعطي ظاهر اللفظ،
وهذا معنى قوله: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) يعني في أخذه نكال الآخرة والأولى، وقدم ذكر الآخرة وأخر الأولى ليعلم أن العذاب - أعني عذاب الغرق - هو نكال الآخرة،
فلذلك قدمها في الذكر على الأولى، وهذا هو الفضل العظيم.

أضاف الجامع : ما يؤيد ما ذهب اليه الشيخ في مسألة ايمان فرعون
قال تعالى : "إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) سورة هود .  كله حق وواقع لا محالة.
قال تعالى : " وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) " سورة الصافات
قال تعالى : "وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)" سورة مريم . حق واقع لا محالة  للجميع مؤمن + كافر + مشركين
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40) " سورة النساء  . وهو كله حق وواقع لا محالة  للجميع مؤمن + كافر + مشركين
قال تعالى : "
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) " سورة الحديد
قال تعالى : " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ". سورة الزخرف.

الحديث في صحيح مسلم عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعث، فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم" ، فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارها؟ قال: "يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته".

الحديث في صحيح مسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذا الحديث وقال
فيه: " يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم" . وأخرجه أيضا : أحمد والبخاري ، وابن حبان. وأبو نعيم في الحلية .
والحديث فى صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".  ورواه الحاكم ورواه أحمد وغيرهم.

والحديث في سنن ابن ماجه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يحشر الناس على نياتهم". ورواه أحمد في المسند.

والحديث في صحيح ابن حبان عن جابر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد على ما مات عليه، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه".
والحديث في مسند أحمد عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات على شيء بعثه الله عليه " .
الحديث : (يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون فى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ) رواه البخاري، ومسلم  وغيرهما
الحديث لابن حبان :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «يدخل الله أهل الجنة الجنة، يدخل من يشاء برحمته، ويدخل أهل النار [النار]، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان، فيخرجون منها حمما، فيلقون في نهر في الجنة، فينبتون كما تنبت حبة في جانب السيل، ألم ترها صفراء ملتوية؟ » رواه ابن حبان في صحيحه.

الحديث لأحمد بالمسند:  (إذا خلص اللهُ المؤمنين من النارِ وأمنوا فما مجادلةُ أحدِكم لصاحبِهِ فى الحقِّ يكونُ له فى الدنيا أشدُّ مجادلةً من المؤمنين لربهم فى إخوانِهم الذين أُدخلوا النارَ
قال يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتَهم النارَ فيقولُ اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكلُ النارُ صورَهم فمنهم من أخذته النارُ إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه  فيخرجونهم فيقولون ربنا أخرْجَنا مَنْ قد أمرتنا ،
ثم يقولُ أخرجوا من كان فى قلبه وزنُ دينارٍ من الإيمان ثم من كان فى قلبه وزنُ نصف دينار ثم من كان فى قلبه مثقالُ حبة من خَرْدَلٍ"
قال أبو سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرأ : " إنَّ اللهَ لا يظلمُ مثقالَ ذرةٍ وإن تكُ حسنةً يُضاعِفْها ويؤتِ من لدنه أجرًا عظيمًا" [النساء: 40] ) اخرجه أحمد بالمسند، وابن ماجه في السنن وغيرهما .

حديث مسلم : "سمعت أسامة بن زيد بن حارثة، يحدث قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الأنصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: " يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ " قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، قال: فقال: «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟» قال: فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم". رواه مسلم

حديث مسلم : عن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقال لا إله إلا الله وقتلته؟» قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفا من السلاح، قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ".
فكل من حكم وأصر باستمرار كفر فرعون وانه كان خائفا من الموت فآمن وشهد "قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) سورة يونس" .
القائلين بعدم قبول الله تعالى ايمان فرعون يفتقرن للدليل القاطع الدلاله والقاطع الثبوت بعدم قبول الله تعالى إيمان فرعون ، والذي يطيح باحتهادهم كله كراهية ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم  فعله أسامة «أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟» ، «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟» .
كراهية وبراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مما فعله خالد ابن الوليد رضي الله عنه  عندما قتل كل من لم يحسن ان يقول اسلمنا كما جاء في حديث البخاري :
" بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فقالوا: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره، فقلت: والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره،
فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» مرتين". رواه البخاري والنسائي والترمذى والحاكم وابن حبان واحمد والبيهقي والبزار وغيرهم

أقول لهم هل شققتم عن قلب "فرعون" حتى تحكموا عليه انه عند الله مازال مكتوب كافرا غير مقبول الإيمان  ؟؟
الأصوب ات تتركوا مسأله قبول الله ايمانه لله تعاى يحكم فيها فالله.

يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر  ج 1 ص 33 :
قال شيخ الإسلام الخالدي رحمه اللّه:
والشيخ محيي الدين بتقدير صدور ذلك عنه لم ينفرد به بل ذهب جمع كثير من السلف إلى قبول إيمانه لما حكى اللّه عنه أنه قال:" حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" [يونس: 90] وكان ذلك آخر عهده بالدنيا،
وقال أبو بكر الباقلاني: قبول إيمانه هو الأقوى من حيث الاستدلال ولم يرد لنا نص صريح أنه مات على كفره انتهى
ودليل جمهور السلف والخلف على كفره أنه آمن عند اليأس وإيمان أهل اليأس لا يقبل واللّه أعلم. أهـ

ويقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر  ج 2 ص 205 :
"أنه قال بقبول إيمان فرعون جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني
على أنه قال بقبول إيمان فرعون جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني وبعض الحنابلة قالوا لأن اللّه حكى عنه الإيمان آخر عهده بالدنيا انتهى. أهـ "
قلبي قطبي، وقالبي أجفاني  ....  سرى خضري، وعينه عرفاني.
روحي هارون وكليمي موسى  ....  نفسي فرعون والهوى هاماني

"وجمهور العلماء قاطبة على عدم قبول إيمانه، وإيمان جميع من آمن في البأس لأن من شرط الإيمان الاختيار وصاحب إيمان البأس كالمجلئ إلى الإيمان والإيمان لا ينفع صاحبه إلا عند القدرة على خلافه حتى يكون المرء مختارا ولأن متعلق الإيمان هو الغيب وأما من يشاهد نزول الملائكة لعذابه فهو خارج عن موضوع الإيمان واللّه تعالى أعلم." أهـ

الإيمان في اصطلاح الشيخ الأكبر ابن العربي  في  بحث د. سعاد الحكيم :
حول مصطلح "الإيمان" ومعانيه عند الشيخ الأكبر بالنقاط التالية :
أولا : الإيمان هو فعل التصديق عامة .
إن الإيمان هنا غير مرتبط بالإسلام ، فهو فعل التصديق بشكل عام ، فكل من صدق آمن وإن كان موضوع تصديقه ضلالا ،
 وابن العربي الطائي الحاتمي بذلك ينهج نهج القرآن فيقول :
" أما الإيمان فهو أمر عام وكذلك الكفر الذي هو ضده ، فإن الله قد سمى مؤمنا من آمن بالحق ، وسمى مؤمنا من آمن بالباطل ، وسمى كافرا من يكفر بالله وسمى كافرا من يكفر بالطاغوت “.
ثانيا : الإيمان هو نور من الله ، قابل لكل ما يرد منه من دين أو شرع، حاصل في قلب العبد، موصلا إياه إلى الأمن، فهو إذن تصديق واستعداد للتصديق، قبل المشاهدة والعيان وبعدهما.

يقول الشيخ ابن العربي :
" إن الإيمان عبارة عن نور حاصل من قبل الحق تعالى ، متعين من حضرة الاسم الرحيم والهادي والمؤمن لإزالة ظلمة الهوى والطبع ، قابل لكل ما يرد منه من دين أو شرع أو نحوهما فيستحق حامله ... الأمن من سخط الرحمن ، فيسمى بهذا الوصف والحكم الخاص إيمانا وتصديقا “.

ثالثا : إن الإيمان طاقة قابلة للإيمان ، وليس إيمانا بنص محدود ، وهذه من أمهات الأفكار عند الشيخ الأكبر ، إذ إن كل ما في الإنسان من القوى كالخيال والفكر يتحول إلى طاقة مستعدة لقبول أية صورة ترد عليها ، فكمال علم كل قوة من قواه في تخلصها من كافة ما تعلم ورجوعها إلى حالة الاستعداد” ...
يظهر ذلك عند الشيخ من خلال هذا البيت :
لقد صار قلبي قابلا كل صورة ....  فمرعى لغزلان ودير لرهبان “ .
هنا يشير ابن العربي الطائي الحاتمي إلى وصول القلب عنده إلى مرتبة كماله ؛ لأن كمال القلب هو في رجوعه إلى حالة الاستعداد التي أشرنا إليها ، وعندما يصل إلى هذا الكمال يقبل كل صورة .

رابعا : فسر شيخنا الأكبر الإيمان من خلال التوازن النفسي الذي يعطيه للشخصية ، بل جعله عين ذلك التوازن ، هذا التوازن هو في الواقع ثمرة الوصول ، فيقول :
" الإيمان : هو عبارة عن استقرار القلب وطمأنينة النفس “.

وبهذا فارق ابن العربي الطائي الحاتمي علم النفس الحديث بجعله الإيمان فعلا سلبيا المؤمن فيه قابلا للإيمان وليس فاعلا له ، فالإيمان نور من الله وهو هديته لأهل منته وأحبابه “ .

تقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي للإيمان معنيان عند ابن العربي:
الإيمان هو فعل التصديق عامة، وضده الكفر.
أن الإيمان هنا غير مرتبط بالإسلام. فهو فعل التصديق بشكل عام بعيدا عن موضوع التصديق، فكل من صدق آمن وان كان موضوع إيمانه ضلالا.

وابن العربي بذلك ينهج نهج القرآن يقول:
" وأما الإيمان فهو امر عام 4 وكذلك الكفر الذي هو ضده؟،
فان اللّه قد سمى مؤمنا من آمن بالحق 5 وسمى مؤمنا من آمن بالباطل 6 وسمى كافرا من يكفر باللّه 7 وسمى كافرا من يكفر بالطاغوت 8 ". (فتوحات 3/ 338).
وفي نص آخر يبين ابن العربي :
ان الإيمان هو تصديق عامة، وان العبد سمى مؤمنا في كل فعل ايمان، ولكن فعل ايمانه باللّه يعطيه اسم " الحنيف " اي المائل يقول:
" ولهذا قال فيه حنفاء للّه 9 أي مائلين به إلى جانب الحق الذي شرعه واخذه على المكلفين من جانب الباطل، إذ قد سماهم الحق مؤمنين في كتابه
فقال في طائفة: انهم آمنوا بالباطل وكفروا باللّه فكساهم حلة الإيمان.
فما الإيمان مختص بالسعداء ولا الكفر مختص بالأشقياء، فوقع الاشتراك وتميزه قرائن الأحوال. . . " (فتوحات 4/ 57).

* تقول د . سعاد الحكيم :
الإيمان هو نور من اللّه 10 قابل لكل ما يرد منه من دين أو شرع، حاصل في قلب العبد، موصلا إيّاه إلى الأمن 11 فهو إذن تصديق واستعداد للتصديق 12 قبل المشاهدة والعيان وبعدهما.

يقول الشيخ رضي الله عنه  :
" أن الإيمان عبارة عن نور حاصل من قبل الحق تعالى، متعين من حضرة الاسم الرحيم والهادي والمؤمن لإزالة ظلمة الهوى والطبع، قابل لكل ما يرد منه [من الحق تعالى] من دين أو شرع أو نحوهما فيستحق حامله. . .
الأمن من سخط الرحمن، فيسمى بهذا الوصف والحكم الخاص أيمانا وتصديقا، وعلى التحقيق أنما هو أول اعتبار من العلم متعلق بالدين والشرع. . . من غير اعتبار تأييد بدليل وبرهان عقلي أو سمعي أو كشفي. . .
والدليل على كونه نورا قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور 13. . .
وأما الدليل على وروده على القلب 14 قوله عز من قائل " أولئك كتب في قلوبهم الإيمان" (58/ 22). . . " (تحرير البيان في تقرير شعب الإيمان ص 2 - 3).

". . . ان حقيقة الأيمان كالشمس: تشرق على بصائر القلوب دون حجاب. . . ويعبر عنه في اصطلاح القوم باسفار صبح الكشف وهو: مقام عين اليقين.
فإذا حالت بينهما غيوم الغفلات والهوى نقص الإشراق. . . فإذا ذهبت الغيوم والهوى زاد في إشراقه فاستقر القلب واطمأنت النفس وانبسطت الجوارح للعبودية 21. فالنور 22 هدية اللّه لأهل منته 23 وأحبابه وأوليائه والسعداء من عبيده ". (تذكرة الخواص فقرة 79).

وهناك نص آخر يظهر فيه الإيمان طاقة قابلة للإيمان، وليس إيمانا بنص محدود وهذه من أمهات الأفكار عند الشيخ الأكبر.
إذ أن كل ما في الإنسان من القوى كالخيال والفكر يتحول إلى طاقة مستعدة لقبول آية صورة ترد عليها، فكمال 15 علم كل قوة من قواه في تخلصها من كافة ما تعلم ورجوعها إلى حالة الاستعداد 16.
" ولقد آمنا باللّه وبرسله وما جاء به مجملا ومفصلا مما وصل إلينا من تفصيله وما لم يصل إلينا 17، ولم يثبت عندنا فنحن مؤمنون بكل ما جاء به. . .
أخذت ذلك عن ابويّ اخذ تقليد. . . فعملت على إيماني بذلك حتى كشف اللّه عن بصري وبصيرتي وخيالي. . .
فصار الأمر لي مشهودا والحكم المتخيل المتوهم بالتقليد موجودا. . .
فلم أزل أقول واعمل ما أقوله واعمله لقول النبي صلى اللّه عليه وسلم لا لعلمي ولا لعيني ولشهودي، فواخيت بين الإيمان والعيان 18 وهذا عزيز الوجود في الاتباع.
فان مزلة الاقدام للاكابر انما تكون هنا:
إذا وقعت المعاينة لما وقع به الإيمان فتعمل على عين "اي عن شهود" لا على إيمان فلم يجمع بينهما. . . والكامل من عمل على الإيمان مع ذوق العيان وما انتقل ولا اثر فيه العيان. . . " (فتوحات 3/ 323).

* تقول د . سعاد الحكيم :
وقد فسر شيخنا الأكبر الإيمان من خلال التوازن النفسي الذي يعطيه للشخصية بل جعله عين ذلك التوازن، هذا التوازن هو في الواقع ثمرة الوصول 19.
ولكنه فارق علم النفس الحديث بجعله الأيمان فعلا سلبيا المؤمن فيه قابلا للإيمان وليس فاعلا له، فالأيمان نور من اللّه وهو هديته لأهل منته وأحبابه.

يقول ابن العربي:
" الإيمان، هو عبارة عن استقرار القلب وطمأنينة النفس. وذلك ان العبد لما كان طالبا لربه مترددا في طلبه مرة إلى الوثن ومرة إلى الشمس والقمر ومرة إلى النيران، وهو في ذلك كله متحير 20 لا يستقر ولا يسكن، فلما علم اللّه منه صدق القصد أفاض على قلبه نور الهداية فاستقر القلب واطمأنت النفس. . . " (تذكرة الخواص فقرة 78).

يقول الشيخ ابن العربي عن إيمان فرعون :
" علم فرعون صدق موسى عليه السلام وأضمر الإيمان في نفسه الذي أظهره "الإيمان " عند غرقه حين رأى البأس " (فتوحات 3/ 421 طبعة بولاق).

" فلما اخذ "فرعون" قلوبهم "قلوب قومه" بالكلية إليه ولم يبق للّه فيهم نصيب يعصمهم، اغضبوا اللّه فغضب فانتقم فكان حكمهم في نفس الأمر خلاف حكم فرعون في نفسه، فإنه علم صدق موسى عليه السلام، وعلم حكم اللّه في ظاهره بما صدر عنه وحكم اللّه في باطنه بما كان يعتقده من صدق موسى فيما دعاهم إليه، وكان ظهور إيمانه المقرر في باطنه عند اللّه مخصوصا بزمان مؤقت لا يكون إلا فيه وبحالة خاصة فظهر الإيمان لما جاء زمانه وحاله فغرق قومه آية ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إيمانه آية، فمن رحمة اللّه بعباده قال فاليوم ننجيك ببدنك يعني دون قومك لتكون لمن خلفك آية أي علامة لمن آمن باللّه أن ينجيه اللّه ببدنه. . . " (فتوحات 3/ 217 بولاق).

" فعلم " فرعون" أن الذي أرسلا "موسى وهارون" به هو الحق، فحصل القبول في نفسه وستر ذلك عن قومه. . .
فلما رأى البأس قال آمنت فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه فقال له اللّه: "الأن" قلت ذلك.
فاثبت اللّه بقوله الأن انه آمن عن علم محقق واللّه اعلم. . . "
(فتوحات 3/ 697 بولاق).

" فقالت : "امرأة فرعون" لفرعون في حق موسى انه" قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ " [28/ 9] فبه قرّت عينها بالكمال الذي حصل لها. . .
وكان قرة عين لفرعون بالأيمان الذي أعطاه اللّه عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث، لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام.
والإسلام يجبّ ما قبله. . . " (فصوص الحكم ج 1 ص 201).
.
واتساب

No comments:

Post a Comment