Monday, March 16, 2020

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس والعشرون فص حكمة علوية في كلمة موسوية الفقرة الثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر :85 ]. إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلّا قوم يونس .  فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه .  هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة . وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به . فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] .  لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب . فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو . فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى . )

قال رضي الله عنه :  (وأما) الإيمان في وقت اليأس والشدة واليأس من الحياة المشار إليه بمقتضى (قوله) تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ)، أي الكافرين بحيث ينقذهم من العذاب لما رَأَوْا بَأْسَنا، أي شدتنا عليهم بنزول العذاب فيهم (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي)، أي عادته تعالى (قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ ) [غافر : 85 ] .

المتقدمين كان إيمانهم لا ينفعهم عند معاينة أسباب الموت القريبة ، ولا ينقذهم من الهلاك وخسر هنالك المبطلون وقوله تعالى : " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها (إلّا قوم يونس) لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ[ يونس : 98 ] (فلم يدل ذلك) ، أي انتفى نفع الإيمان في وقت نزول العذاب (على أنه) ، أي الإيمان في ذلك الوقت (لا ينفعهم في الآخرة) ، لأن معناه لا ينفعهم ، أي لا يرفع عنهم ذلك العذاب النازل بهم ، وإذا لم ينفعهم برفع العذاب عنهم لا يلزم منه أن لا ينفعهم في الآخرة ،

وكون المعنى بأنه لا ينفعهم برفع العذاب النازل بهم يستدل عليه (بقوله) تعالى( في الاستثناء) من عدم النفع في الإيمان (إلا قوم يونس فأراد) تعالى أن (ذلك) الإيمان في ذلك الوقت (لا يرفع عنهم) ، أي عن الكفار (الأخذ) ، أي الإهلاك والتدمير (في الدنيا) ولم يستثن تعالى من هذا الأمر العام إلا قوم يونس كما قال سبحانه لما آمنوا : كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ[ يونس : 98 ] ، وملة بني إسرائيل التي مات عليها فرعون لما قال حين أدركه الغرق أنه :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] كانت هي وصية إبراهيم ويعقوب بالإيمان حين الموت ، قال تعالى :وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ( 132 ) [ البقرة : 132 ] .

والجملة حال والحال مقارنة للموت فإيمان اليأس مقبول في ملة بني إسرائيل فافهم ؛ (فلذلك) ، أي لأجل ما ذكر (أخذ فرعون) ، أي أهلكه اللّه تعالى بالغرق في البحر (مع وجود الإيمان منه) وصحة قبوله ونفعه في الآخرة ، كل إيمان يحصل في الحياة الدنيا مقبول من صاحبه ، وإن لم ينجه من العذاب الواقع يقال :
قال رضي الله عنه :   (هذا إن كان أمره) ، أي فرعون (أمر من تيقن بالانتقال) ، أي الموت والهلاك (في تلك الساعة) بالغرق في البحر (وقرينة الحال) من فرعون (تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال) بالموت والهلاك إلى الآخرة (لأنه عاين) ، أي رأى وشاهد (المؤمنين) من قوم موسى عليه السلام (يمشون على الطريق اليبس) ، أي اليابس (الذي ظهر) في أرض البحر (بضرب موسى) عليه السلام (بعصاه البحر فلم يتيقن) حينئذ (فرعون بالهلاك إذا آمن بخلاف المحتضر) بصيغة اسم المفعول ، أي الذي حضرته الوفاة وهو في النزع

قال رضي الله عنه :   (حتى لا يلحق) ، أي فرعون (به) ، أي بالمحتضر ليأسه من الحياة ورجاء فرعون للحياة (فآمن) ، أي فرعون (بالذي آمنت به بنو إسرائيل) ،
كما حكاه تعالى عنه أن قال :"آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[ يونس : 90 ] (على التيقن بالنجاة) من الهلاك بالغرق (فكان) الأمر (كما تيقن) فحصلت له النجاة (لكن على غير الصورة التي أراد) وهي النجاة من الهلاك بالغرق .

قال رضي الله عنه :   (فنجاه اللّه) تعالى (من عذاب الآخرة في نفسه) التي هي داخل بدنه بحصول الإيمان له وقبوله منه ، فإنه لا مانع من القبول لأنه الأصل حتى يوجد دليل قاطع يمنعه (ونجّى) اللّه تعالى أيضا (بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) [ يونس : 92 ] ، أي علامة
قال رضي الله عنه :   (لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه) الباقون في مصر بلا غرق (احتجب) عن الناس بالصعود إلى السماء ونحوه (فظهر) ، أي فرعون (بالصورة المعهودة) له عندهم (ميتا) لا حياة فيه (ليعلم) بالبناء للمفعول أنه ، أي فرعون هو ، أي فرعون لا غيره فقد عمته النجاة ، أي السلامة حسا في بدنه ومعنى في نفسه بحصول الإيمان له .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

فقال رضي الله عنه  : ( وأما قوله تعالى : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر : 85 ] ، إلّا قوم يونس عليه السلام فلم يدل ذلك على أنه ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناءإِلَّا قَوْمَ يُونُسَ عليه السلام فأراد الحق ) بالآية .

فقال رضي الله عنه  : ( أن ذلك ) الايمان وهو الايمان عند اليأس ( لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ) عن القوم الذين هم غير قوم يونس عليه السلام كقوم عاد وصالح وغير ذلك إذ كلهم آمنوا عند ظهور العذاب من ربهم لكن لم ينفعهم إيمانهم نجاة عن عذاب الخزي في الحياة الدنيا فلا ينجيهم عن الهلاك في الدنيا وأما عدم منفعة إيمانهم في الآخرة فلم يدل تلك الآية على ذلك
فبقي على احتمال النفي في الآخرة ولا يقطع هذا الاحتمال إلا بالإجماع لأن النصوص الواردة في حقهم لا تدل على التعذيب والورود إلى جهنم وهو لا يدل على حرمانهم أبدا لكن الأمة قد اتفقوا واجتمعوا بهذه الدلالة على حرمانهم أبدا .

فلم ينفع إيمانهم في الآخرة بالإجماع كما لم ينفعهم في الدنيا فجعلوا عدم نفع إيمانهم في الدنيا دليلا على عدم نفعه في الآخرة فحكموا على شقاء الطائفة المستهلكة يقهر اللّه وعذابه بتكذيبهم النبي عليه السلام .

ونقل عن مالك رضي اللّه عنه أنه ذهب إلى أن الايمان عند اليأس وهو قبل نزع الروح عن الجسد بعد انكشاف أحوال الآخرة من الوعد والوعيد مقبول صحيح
أقول هذا المذهب منه لعدم النصوص الدالة عنده على عدم صحة الايمان في تلك الساعة وأما فرعون فقد شقي عنده سواء قبض عند التيقن بالانتقال أو قبل التيقن لوجود النصوص الدالة عنده على شقائه كسائر الأئمة

وما كانت عند الأئمة نصوصا في شقاء فرعون ليست بنصوص عند الشيخ بل هو ظاهر عنده لذلك قال وما لهم نص في ذلك مع أن لهم نصا في ذلك بحسب علمهم .

قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي فلأجل أن إيمانهم لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ( أخذ فرعون ) في الدنيا ( مع وجود الايمان منه ) أي من فرعون ( هذا ) أي جواز نفع إيمان فرعون في الآخرة ( إن كان أمره ) أي أمر فرعون في الايمان ( أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة )
كما قال المفسرون والأئمة المجتهدون أن إيمان فرعون عند تيقنه بالانتقال الذي لا ينفع الايمان في تلك الساعة فحكموا كلهم على أن فرعون شقي في الدنيا والآخرة
فالسبب بعدم صحة الايمان عندهم التيقن بالانتقال ، وأما عند المالك فإن الايمان عند التيقن صحيح لو لم يردّ الدليل ذلك الايمان فإن إيمان فرعون مردود عنده بدليل قوله تعالى :آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ[ يونس : 91 ] ،

وغير ذلك من الآيات الدالة على شقائه لا بتيقنه بالانتقال حتى لو لم يدل النص على شقائه لصح إيمانه عنده ولو عند التيقن بالانتقال بخلاف جمهور العلماء حتى لو لم يثبت شقاؤه بالنص وثبت أن إيمانه كان عند التيقن بالانتقال لم يصح إيمانه
وأما عند الشيخ فالأولى التوقف في مثل هذا الايمان حتى جاء البيان من الصحة وعدم الصحة فإنه مالكي المذهب فكأنه مال إلى مذهبه في ذلك
قال في حق فرعون إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال فإنه لو لم يردّ الدليل من النصوص والإجماع لصح عنده إيمان من تيقن بالانتقال

لذلك لم يصح إيمان فرعون عنده مع ورود ظاهر القرآن حيث جعله مؤبدا في النار في فتوحاته المكية وتوقف في هذا الكتاب
فإن الإجماع دليل عنده على عدم صحة إيمانه ثم ذكر القرينة التي لم يتفطن عليها علماء الشريعة.

بقوله رضي الله عنه  : ( وقرينة الحال تعطى أنه ) أي الشأن ( ما كان ) فرعون عند الايمان ( على يقين من الانتقال لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس ) بالفتحتين أي اليابس ( الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن ) أي وقت إيمانه ( بخلاف المحتضر ) فإنه آمن عند تيقنه بالهلاك لذلك لم يجعل إيمانه صحيحا
( حتى لا يلحق به ) أي فلم يلحق فرعون بالمحتضر على تقدير ثبوت هذه القرينة فكان أمر فرعون عنده دائرا بين الشيئين له وجه يلحق به بالمحتضر وله وجه لا يلحق به بالمحتضر بحسب دلالة ظاهر القرآن مع قطع النظر عن الإجماع.

قال رضي الله عنه :  ( فآمن ) أي إن كان أمره أمر من لم يتيقن بالهلاك آمن ( بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان على ذلك ) التقدير ( كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد ) فإن مقصوده من الايمان النجاة عن الهلاك

قال رضي الله عنه :  ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في حق نفسه ) وإنما قال في حق نفسه لعدم النجاة في حق غيره من حقوق العباد مما كان عليه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ونجى بدنه كما قال تعالى : فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92] ، أي حتى يعلم قومك ممن اعتقد بربوبيتك أنك كاذب في دعويك ( لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب ) عن أعين الناس فلا يزال اعتقادهم الباطل لعدم تيقنهم بهلاكه .

قال رضي الله عنه :  ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو ) فيزول اعتقادهم بربوبيته ( فقد عمته النجاة حسا ) من حيث الصورة المعهودة وإن كان ميتا ( ومعنى ) وهو نجاة الروح عن الحجب المبعدة عن الحق من الشرك والكفر ودعوى الربوبية التي يحصل للروح بسبب تعلقه بالبدن.
 
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة. وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر. فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به. فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد. فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب. فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

بقوله: وامن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بثوا إسرائيل وأنا من المسلمين [یونس: 90] ثم تمادي  
في كلامه الواضح إلى قوله: إن بالعلم الحادث كمل العلم الإلهي، فإن بهما حصل الكمال
ثم ذكر قصة موسی علیه السلام، مع فرعون ومضى على عادته، فإن حروفه مقلوبة وقد نسب إلى فرعون ما نسب وإلی موسی ما نسب ولفظه واف بمقصوده فلا حاجة إلى شرح.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :" فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه " ، " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة ، بقوله في الاستثناء   " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ "فأراد أنّ ذلك " يعنى الإيمان" لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ، هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك الساعة ، وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال ، لأنّه عاين المؤمن في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذا آمن ، بخلاف المحتضر ، حتى لا يلحق به ) .
يعني : لا يلحق بالمحتضر الذي يؤمن بعد تيقّنه بالهلاك .

قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقّن بالنجاة ، فكان كما تيقّن ، لكن على غير الصورة التي أراد ، فنجّاه الله من عذاب النار  في نفسه ونجّى بدنه ،
كما قال : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " لأنّه لو غاب بصورته ربما قال قومه
احتجب ، فظهر بالصورة المعهودة ميّتا ، ليعلم أنّه هو ، فقد عمّته النجاة حسّا ومعنى.)

يعني رضي الله عنه  : أنّ المخاطب في قوله :" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ " إن كان روحه ونفسه ، فمقتضى الآية أنّه بروحه منجّى .
وإن كان المخاطب مجموع الصورة والروح ، فكذلك ليتناول الخطاب المجموع ، وعلى التقديرين وعد من الله وإخبار منه بأنّه ينجّيه ، ووعد الله حق ، وإخباره صدق ، فقد عمّته النجاة جسما وروحا .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما قوله : " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه"،  ونظيره في سورة يونس مع الاستثناء في قوله  " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ"، أي في وقت رؤيتهم العذاب " فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ" )

قال رضي الله عنه :  ( فلم يك ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله ) أي بدليل قوله ( في الاستثناء " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " ) لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ،

قال رضي الله عنه :  ( فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ، وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين من الانتقال ) أي من الدنيا إلى الآخرة

قال رضي الله عنه :  ( لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس التي ظهرت بضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون الهلاك إذ آمن بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به )   أي لم يتيقن فرعون بالهلاك وقت الإيمان حتى يلحق بالمحتضر الذي يؤمن بعد تيقنه بالهلاك فلا يلحق به  .

قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد فنجاه من عذاب الآخرة في نفسه ونجى بدنه كما قال تعالى :" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً " لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب ) أي عن الأبصار فارتقى إلى السماء أو غاب بنوع آخر بناء على ما اعتقدوا في حقه أنه إله.

قال رضي الله عنه :   ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو ، فقد عمته النجاة حسا ومعنى ) حسا بالصورة ومعنى بالروح للإيمان ، لأن الخطاب إن كان للمجموع فذلك وإن كان للروح فمعناه مع بدنك ، والله أعلم بحاله .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال رضي الله عنه :  (وأما قوله : "فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده" إلا قوم يونس ، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء : "إلا قوم يونس".)
ولما ذكر الحكم والأسرار التي تضمنت الآيات في موسى وفرعون ، شرع في بيان أن مثل هذا الإيمان وإن لم يكن نافعا في الدنيا ، نافع في الآخرة ، أعني ، إيمان فرعون وغيره ممن آمن عند اليأس من غير أن يقع في الغرغرة ويرى العذاب الآخرة وبأسها وإن لم يكن نافعا في الدين نافع في الآخرة .

وأما قوله : ( فلم يك ينفعهم إيمانهم ) . الآية فلا يدل على أنه لا ينفعهم في الآخرة مطلقا ، إذ معناه أن إيمانهم لا يدفع عذابنا الذي أنزلنا عليهم في الدنيا .
وقوله تعالى : ( إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ) .
دليل على أن عدم نفعه في الدنيا لا في الآخرة . أي ، ليس هذا حكما كليا أيضا في الدنيا ، لقوله تعالى : "فلولا كانت قرية آمنت" يعنى ، عند رؤية العذاب ،
فنفعها إيمانها ، إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا .

قال رضي الله عنه :  ( فأراد ) أي الحق ( أن ذلك الإيمان لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك ) أي ، فلأجل أنه لا يرفع العذاب في الدنيا ( أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه . هذا إن كان أمره ) أي ، أمر فرعون ( أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ) أي ، هذا على تقدير أنه تيقن بالانتقال . وأما على تقدير عدم تيقنه بذلك ، فبالطريق الأولى ينفع إيمانه .

قال رضي الله عنه :  ( وقرينة الحال تعطى أنه ما كان على يقين من الانتقال ، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذا آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به . ) أي ، لم يتيقن فرعون بالهلاك إذا آمن ، فلا يلحق بالمحتضر لأنه متيقن بهلاكه ، فاستعمل "حتى" موضع " الفاء" .

قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على اليقين بالنجاة ، فكان كما تيقن ) أي، حصل النجاة كما تيقنها .

قال رضي الله عنه :  ( لكن على غير الصورة التي أراد ) لأنه أراد أن ينجو في الحياة الدنيا ( فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجى بدنه كما قال تعالى :"فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية " )
أي، فاليوم ننجي روحك من عذاب التعلق بالبدن وغواشيه الظلمانية من الكفر والشرك والاحتجاب بالحجب المبعدة ، وبدنك بالقذف إلى الساحل ، ليظهر على الصورة المعهودة
ميتا .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لو غاب بصورته وبما قالوا قومه ، احتجب ) أي ، عن الأعين فتقوى عقيدتهم بربوبيته ، لكنه أظهر ليكون آية لمن خلفه من الأمم ، فلا يدعى أحد بالربوبية . ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو . فقد عمته النجاة حسا ) من حيث البدن .
( ومعنى ) من حيث الروح .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. .  )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِه ِ[ غافر: 85].  إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء :إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ [ يونس : 98 ] ، فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدّنيا ،  فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ،
هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة ، وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ،  
بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به ، فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس :92 ] ، لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب ، فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو ؛ فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى ).

ثم استشعر سؤالا بأنه إنما يكون مستقبلا للرحمة لو آمن قبل الناس ، لكن كان إيمانه عند البأس ، فلا تنفعه بالنص، فأجاب بقوله: ( وأما قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر : 85] ، فالمراد عدم نفعه في رفع ذلك البأس الدنيوي ،
وإنما لا ينفع الإيمان في الآخرة إذا آمن عند رؤية البأس الأخروي ، وعندما يجعله ضروريّا لا لبس فيه بوجه من الوجوه كأشراط الساعة
بدليل قوله تعالى بعده : ( سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [ غافر : 85 ] ، وعدم النفع الأخروي في الإيمان برؤية البأس الدنيوي لم تصر سنة خالية ، بل هي منتظرة في الاستقبال ، وبدليل قوله تعالى : " فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ " [ يونس : 98 ] ،

فإنه أفهم أن إيمانهم نفعهم في دفع البأس الدنيوي ، ولم ينفع غيرهم فيه، (فلم يدل ذلك على أنه) ، أي : إيمان سائر الطوائف عند البأس الدنيوي ( لا ينفعهم في الآخرة ) ، بل قد يفهم نفع الإيمان عند البأس الدنيوي فقط في الآخرة ؛ (لقوله في الاستثناء إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) [يونس : 98 ]

فإنه إذا حصل الممنوع النفع بالنسبة إلى الأقوام لقوم ، فغير الممنوع في حق ذلك القوم أولى ، وإذا كان في حقهم أولى ، ففي حق غيرهم ، وإن لم يكن أولى فلا أقل من الجواز ، فقوله : فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ [ غافر : 85 ] ، وإن دلّ بظاهره على عدم نفعه مطلقا ،
أي : في الدنيا والآخرة ، ( فأراد ) تعالى من ذلك المطلق مع هذه القرائن ، ومع قوله عليه السّلام : « تقبل توبة العبد ما لم يغرغر » . ) رواه الترمذي والحاكم في المستدرك وابن حبان.
قال رضي الله عنه :  ( ذلك الإيمان لا يدفع عنهم الأخذ في الدنيا ) ، كإيمان الرقيق لا يوجب إعتاقه ، لكن أوجب نجاته في الآخرة ، واستدل العلماء على عدم نفع هذا الإيمان مطلقا بوجوه :
الأول : أنه ألجئ إلى الإيمان ، ولا قدرة له على التصرف في نفسه .
أجيب : بأنه إن أريد الإلجاء إلى التكلم بهذه العبارة الخاصة الطويلة فباطل ، ومنع التصرف في النفس بالتكلم بمثلها ، وتركه ممنوع وإن أريد الإلجاء إلى التصديق باللّه واليوم الآخر بحصول العلم الضروري به بحيث لا يمكن دفعه ممنوع ، بل غايته أنه كالعلم الحاصل بالمعجزات الباهرة ، وهو وإن أشبه العلم الضروري ، فلا يوجب الإلجاء إلى التصديق باللّه واليوم الآخر ، ولا يسلم أنه لا يمكن للعبد التصرف في نفسه بالانقياد وتركه ، وهذا بخلاف انكشاف أحوال الآخرة عند الموت وعند أشراط الساعة ، فإنها ترفع اللبس من كل وجه .

وهنا يبقي اللبس من الوجه الثاني : أن المقصود بهذا الإيمان دفع البلية ، أجيب بالمنع ، فإن غايته أن يكون كإسلام الكافر رجاء دفع مرضه ، وعند غرق السفينة ورجاء السلامة ، وكإسلام المرتد عند رؤية السيف ولو كان هذا منافيا لم يكن قبوله جائزا مع أنه واجب ؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لأسامة حين قتل من قال : لا إله إلا اللّه عند رؤية السيف : «هلا شققت عن قلبه».
رواه مسلم والنسائي في السنن الكبرى والحاكم في المستدرك .

كيف ، وقد شرع إعطاء المال للمؤلفة الشرفاء رجاء إسلام نظرائهم ؟
وقد قالوا بأن نية التبرد لا تضر بالنية المعتبرة في الوضوء ، نعم لو آمن بلسانه دون قلبه في هذه الصور ؛ فليس ثم إيمان في الواقع أصلا .

الثالث : بأن عند البأس لا يمكن للعبد الاستدلال والثواب على الإيمان ، إنما هو في مقابلة ما يتحمله من المشقة في الاستدلال .
أجيب : بأن إيمان المقلد صحيح عند جميع الفقهاء وأكثر العلماء ، ومنعه جمع من
المتكلمين وهو المشهود عن الأشعري ، وحكي عن عبد القاهر البغدادي عن الأشعري أنه عاص بترك الاستدلال غير كافر ؛ لوجود التصديق وعاقبته ، الجنة فكأنه أراد أنه ليس مؤمنا كاملا كتارك الأعمال ، وحصر ثواب الإيمان في الاستدلال باطل قرب عمل خفيف أكثر ثوابا من العمل الثقيل ، كالإيمان والحج ثم المقلد من نشأ في البادية ، ولم يتفكر في العالم والصانع ، ولم تبلغه المعجزات ، ولا ينظر فيها ، بل أخبر بذلك فصدقه ، وأما من نشأ في بلاد المسلمين وسبح اللّه تعالى عند رؤية متابعة ، فخارج عن حد التقليد ،

وقول المعتزلة : لا يكون مؤمنا ما لم يعرف كل مسألة بحجة عقلية مع رفع الشبه بطلانه يكاد يلحق بالضروريات ، فإن أكثر أهل الإسلام قاصرون أو مقصرون في الاستدلال ، ولم تزل الصحابة ومن بعدهم يجرون عليهم أحكام المسلمين .

الرابع : عدم قبوله إيمان البأس ؛ لأن عذاب الدنيا مقدمة عذاب الآخرة ، إذ ينتقل منه إليه .
أجيب : بأنه لا يلزم أن تكون لمقدمة الشيء جميع أحكامه ، فإن القبلة من مقدمات الوطء ، وليس لها جميع الحكم ، بل تكون في حكمة في الحرمة ، وفيما نحن فيه يكون من أحكام البأس ألا يندفع بالإيمان لرؤية ، كما لا يندفع عذاب الآخرة بالإيمان لرؤيته ، إلا أن عذاب الآخرة لا يندفع بالإيمان لرؤية عذاب الدنيا إذا عرفت هذا ، فالمعتمد في عدم قبول توبة المختصر وإيمانه ما ذكره الإمام حجة الإسلام الغزالي في « الإحياء » في كتاب التوبة ، وكتاب الخوف والرجاء : أنه بمشاهدة ناصية ملك الموت ينكشف له ما في اللوح المحفوظ ، فتفسير العلوم للنظر بها ضروري ، ويدل عليه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه أبو أيوب : « إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر » . أي : ما لم تتردد الروح في حلقه .

وعن الحسن : « إن إبليس قال : حين أهبط إلى الأرض ، وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام روحه في جسده ، فقال : وعزتي ولا أغلق عليه باب التوبة ما لم يغرغر » . ، انتهي كلامه .
رواه ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في « شعب الإيمان

لا يقال : فرعون كوشف له عن جبريل ، إذ هو القائل له : آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [ يونس : 91 ] .
قلنا : يحتمل أنه كوشف له في صورة البشر ، وهو لا يمنع قبول التوبة ، ويحتمل أنه كوشف له بعد الفراغ من هذه الكلمة ، ثم حكمت أشراط الساعة حكم كشف أحوال الآخرة ، أو العلم بالساعة يصير ضروريّا عند رؤيتها .

قال رضي الله عنه :  ( فلذلك ) أي : فلعدم دفع الإيمان عند البأس الدنيوي إياه ( أخذ فرعون ) أي : تم أخذه الدنيوي ( مع وجود الإيمان منه ) ، لا لما قبل أنه لم يحتمل له الإيمان لوجوه :
الأول : أنه كان دهريّا لقوله :ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [ القصص : 38 ] وأَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى[ النازعات : 24 ] ، فمثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته إلا بنور الحجة القطعية ، وهو إنما هو ظلمة ، وهو لم يقل آمنت باللّه ،
وإنما قال :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ[ يونس : 90 ] ،
فكأنه اعترف أنه لا يعرف اللّه إلا أنه سمع بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده .

أجيب : بأن العلماء لم يفرقوا بين الدهري وغيره إذا آمن بالتقليد ، بل نقل الحليمي إجماعهم على قبول إيمانه بإقراره ، وتصديقه لمجرد وجود الصانع ، ونقله إمام الحرمين عن الأكثر ، وصححه البغوي ،
ولا يسلم أن ظلمة هذا الاعتقاد لا تزول إلا بنور الحجة القطعية ، بل نور الكلمة ماحية لكل ظلمة كشفت أو لطفت ، ثم إنه ليس كل تقليد موجب ظلمة ، وإنما هو التقليد على الباطل ، وإلا لم يجب على العامة تقليد المجتهدين ، بل غايته فقد نور الدليل ،
ثم إنه ليس هاهنا ثمة ظلمة التقليد إلى ظلمة إنكار الصانع ، إذ هذا التقليد في الإقرار بالصانع ، وهو ينقص إنكاره ، فغاية أحد ظلمة حقيقية مكان ظلمة كشفية بها نور كلمة التوحيد التي لا يبقي معها ظلمة أصلا ،
وقولك : كافر اعترف أنه لا يعرف اللّه ، وإنما سمع بني إسرائيل أقروا بوجوده بخلاف الظاهر ؛ فإنه قد عرف هو وقومه صحة دلالة المعجزات ، فقد قال موسى عليه السّلام في حقه :لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ[ الإسراء : 112 ] .
وقال تعالى في حقهم : وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ[ النمل : 14 ] .
الثاني : أن بني إسرائيل لما جاوزوا البحر قالوا :اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ[ الأعراف : 138 ] ، واشتغلوا بعبادة العجل ، فانصرف قول فرعون : إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل إلى ذلك ، وكان ذلك سببا لزيادة كفره .
أجيب : بأن ذلك إنما كان بعد هلاك فرعون ، ولا شعور له بذلك ، وقد علم أنهم آمنوا برب السماوات والأرض ، فكيف ينصرف إلى ذلك ؟ !

الثالث : أن أكثر اليهود مالوا إلى التجسيم والتشبيه ؛ ولذلك اشتغلوا بعبادة العجل ، وكان إيمانه بآلهتهم إيمانا بالإله الموصوف بالجسمية .
قلنا : إنما مال إلى التجسيم مبتدعهم بعد موسى كمبتدعة هذه الأمة ، أو بعد غيبته بإغواء السامري، وإلا كانت نجاتهم من الغرق بسبب إيمانهم باللّه ، وهو إنما قصد ذلك الإيمان المنجي.

الرابع : الإيمان إنما يتم بالإفراد بالنبوة ، والملائكة والكتب واليوم الآخر ، واحتمال أنه كان شرطا في ذلك الزمان دون هذا الزمان بخلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلا بدليل .
أجيب : بأن إيمان المشترك والدهري يتم بشهادة التوحيد على ما صححه البغوي ، ونقله إمام الحرمين عن الأكثر ، ونقل الحليمي الإجماع عليه على أن قوله :وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ[ يونس : 90 ] يشمل الإيمان بالكل .

الخامس : أن جبريل جعل في فيه محل خشية أن تدركه الرحمة ، فكان ذلك قبل تمام الإيمان .
أجيب : بأن ظاهر النفي يدل على أنه تم إيمانه ، وجبريل لا يرضى بالكفر إذ هو كفر ، وإنما خشي من رحمة النجاة عن الغرق ؛ لئلا يتغير عن هذا الإيمان بعده .

قال رضي الله عنه :  ( هذا ) أي : القول بأن إيمان فرعون عند الغرق إيمان عند رؤية البأس ، إنما يكون من ( كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة ) ، والبأس إنما يكون بأسا عند تيقن الانتقال به ، وإلا كان كالمرض والغرق من حيث هو غرق لا يوجب التيقن بالانتقال ، ( وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال ) لو كان الغرق موجبا للانتقال لا محالة بحسب العادة لا من ( عاين المؤمنين ) على خلاف العادة ،
قال رضي الله عنه :  ( يمشون في الطريق اليابس ) وإن لم تكن كرامة لهم ، بل لمعجزة لموسى عليه السّلام ؛ لأنه ( الذي ظهر يضرب موسى بعصاه البحر ) لنجاة المؤمنين ، وفرعون قد صار منهم فرجا أن يعود أثر المعجزة في حقه ، ( فلم يتقين فرعون ) من هذا الرجاء ( الهلاك ، إذ آمن ) ، وإن تيقن به بعده ، فلم يكن مأواه باستثنائه ثبوتا في حقه وقت إيمانه ( بخلاف المحتضر ) إذا قلنا : لا يقبل إيمانه عند تيقنه الهلاك ، وإن لم يكاشف بأمور الآخرة ( حتى لا يلحق فرعون به ) أي : بالمحتضر لا في تيقن الهلاك ، ولا في كشف أمور الآخرة ، بل تيقن النجاة بالإيمان لمعاينتها في بني إسرائيل .

قال رضي الله عنه :  ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة ) ؛ لأنه آمن مثل إيمانهم ، فتيقن أنه ينجو مثل نجاتهم إذ لا سبب لنجاتهم سوى ذلك ، واللّه عند ظن عبده به ، ( فكان ) في أمر النجاة ( كما تيقن ) ، ( لكن ) حصلت له النجاة ( على غير الصورة التي أراد ) ، وهي النجاة من الغرق ، لكنها ربما لا تكون نجاة في نفس الأمر ، أو ربما يتغير بعدها إلى ما كان عليه قبلها ،
قال رضي الله عنه :  ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في حق نفسه ) ، أي : روحه المشار إليها بكاف الخطاب فينُنَجِّيكَ[ يونس : 92 ] ، وإن عذب بحقوق الخلق من إضلال قوم غير محصورين ، واسترقاق بني إسرائيل ، وقتل أولادهم ، (ونجّا بدنه ) عن الهلاك في البحر فألقاه إلى الساحل ، ( كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ) بالفاء الدالة على الترتيب ( نُنَجِّيكَ ) أيتها
الروح ( بِبَدَنِكَ ) أي : مع بدنك ( لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ) ،أما في نجاة الروح فما مر ألا ييأس أحد من روح اللّه ، وأما في نجاة البدن فذلك ؛ ( لأنه لو ) هلك في البحر ( غاب بصورته ) عن النظر ، ولو غاب بصورته ( ربما قال قومه ) من بقي منهم ممن يعتقد إلهيته ( احتجب ) كما يقول المؤمنين في اللّه : إنه محتجب .

قال رضي الله عنه :  ( فظهر بالصورة المعهودة ) قبل التغير ( ميتا ؛ ليعلم أنه هو ) ، إذ لو ظهر حيّا ، لربما قيل : إنه حي لا يموت ، وكذا لو تغير لقيل أنه غيره ، وهو قد ارتفع إلى السماء ( فعمته النجاة حسّا ) من حيث عدم هلاك صورة بدنه قبل الإلقاء إلى الساحل وإن ملك بعده ، وصار ميتا قبله ، ( ومعني ) من حيث نجاة روحه عن عذاب الكفر ، وإن عذب بحقوق الخلق .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.  )

إيمان فرعون ونجاته
ثمّ إنّ من تلك الدقائق ما أثبت لفرعون من نيل المراتب العلميّة الكماليّة التي أشار إليها ، وهي التي لم يتفطن لها أكثر أهل الظاهر ، مع دلالة الآيات عليها :
قال رضي الله عنه  : ( وأمّا قوله : " فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ في عِبادِه ِ " )
وكذلك قوله مع الاستثناء في سورة يونس :" فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ " أي في وقت رؤيتهم العذاب .
" فَنَفَعَها إِيمانُها "، (" إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ " فلم يدلّ على ذلك أنه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء " إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ") .
فإنّ سياق الآية دالّ على أنّ النفع المنفي من إيمانهم هو النفع الآجل ، ( فأراد أنّ ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه ) ما نفعه في ذلك .

قال رضي الله عنه  : ( هذا ) على تقدير التنزّل مع المجادل ( إن ) سلم أنّه ( كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك الساعة ) ، حتّى يكون داخلا في عموم مفهوم الآية المذكورة ( وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال لأنّه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر ، فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذا آمن ) ، بل آمن من الهلاك بإيمانه ومشاهدته المؤمنين قد نجوا به ، ( بخلاف المحتضر ) الذي تيقّن بالهلاك فآمن ( حتى لا يلحق ) فرعون ( به ) ، فإنّه ما كان الإيمان منه مسبوقا بتيقّن الهلاك سبق إيمان المحتضر فإنّه رأى المؤمنين بموسى من بني إسرائيل قد نجوا ،

قال رضي الله عنه  : ( فآمن بالذي  "آمَنَتْ به بَنُوا إِسْرائِيلَ " على التيقّن بالنجاة فكان كما تيقّن ، ولكن على غير الصورة التي أراد ) ، وذلك لأنّ إيمانه وتيقّنه على غير الصورة التي أراد موسى منه ، بأن يكون في محضر من قومه حتّى يعمّ به الخبر ، وإذا لم يكن إيمانه على ما أريد ، فلم يكن نجاته كما أراد .

قال رضي الله عنه  : ( فنجّاه الله من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّى بدنه ) أيضا من الغرق في البحر وأن يكون غائبا عن نظر قومه ( كما قال : " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً "  لأنّه لو غاب بصورته ربما قال قومه ) من المعتقدين فيه اعتقاد صدق : « إنّه ( احتجب ) بصورته » ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم ) قومه ( أنّه هو فقد عمّته النجاة حسّا ) ببدنه ( ومعنى ) بروحه ، لإيمانه قبل أن يظهر عليه من آيات الآخرة شيء ،


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (  وأما قوله «فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده» إلا قوم يونس، فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة لقوله في الاستثناء إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه.
هذا إن كان أمره أمر من تيقن بالانتقال في تلك الساعة.
وقرينة الحال تعطي أنه ما كان على يقين من الانتقال، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.
فلم يتيقن فرعون بالهلاك إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به.
فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن لكن على غير الصورة التي أراد.
فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه كما قال تعالى «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.
فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى. )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأمّا قوله :فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ [ غافر : 85 ] إلّا قوم يونس ، فلم يدلّ ذلك على أنّه لا ينفعهم في الآخرة بقوله في الاستثناء إلّا قوم يونس .
فأراد أنّ ذلك لا يدفع عنهم الأخذ في الدّنيا ، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه .
هذا إن كان أمره أمر من تيقّن بالانتقال في تلك السّاعة . وقرينة الحال تعطي أنّه ما كان على يقين من الانتقال أنّه عاين المؤمنين يمشون على الطّريق اليبس الّذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر . فلم يتيقّن فرعون بالهلاك إذ آمن ، بخلاف المحتضر حتى لا يلحق به .)

فقال رضي الله عنه  : ( وأمّا قوله تعالى ) في سورة المؤمن : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) [ غافر : 85 ]
وكذا قوله مع الاستثناء في سورة يونس فلو لا كانت قرية آمنت ، يعني عند رؤية العذاب فنفعها إيمانها ( إلا قوم يونس فلم يدل ذلك ) المذكور من الآيتين ( على أنه ) ، أي إيمانهم عند البأس ( لا ينفعهم في الآخرة ) وعدم هذه الدلالة إنما هو ( بقوله ) ، أي بدليل قوله ( في الاستثناء إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ، فإنه لما استثناهم في عدم انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بين انتفاعهم بالإيمان عند رؤية البأس بقوله : لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
ولا يلزم من ذلك عدم انتفاعهم ، أي انتفاع المستثنى والمستثنى منه جميعا به في الآخرة ولما كان عدم انتفاع المستثنى منهم بالإيمان في الحياة الدنيا مقطوعا به بمقتضى الآيتين بخلاف عدم انتفاعهم به في الآخرة .
حملها الشيخ رضي اللّه عنه على ما هو مقطوع به فقال:
فقال رضي الله عنه  : ( فأراد ) الحق ( أن ذلك ) ، أي الإيمان عند رؤية البأس ( لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا فلذلك ) ، أي لأجل أنه لا يرفع العذاب في الحياة الدنيا ( أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه هذا إن كان أمره ) ، أي أمر فرعون ( أمر من تيقن بالانتقال ) من الدنيا إلى الآخرة ( في تلك الساعة وقرينه الحال تعطى أنه كان على يقين من ذلك الانتقال ، لأنه عاين المؤمنين يمشون في الطريق اليبس الذي ظهر بضرب موسى بعصاه البحر فلم يتيقن فرعون الهلاك إذا آمن بخلاف المحتضر ) ، أي حين آمن إيمانا ملتبسا بمخالفة إيمان المحتضر فإن إيمانه لم يكن على تيقن من الهلاك بخلاف المحتضر فإنه على تيقن من الهلاك وإنما آمن على هذه الصفة ( حتى لا يلحق به ) ، أي بالمحتضر في عدم قبول إيمانه .

قال رضي الله عنه : ( فآمن بالّذي آمنت به بنو إسرائيل على التّيقّن بالنّجاة ، فكان كما تيقّن لكن على غير الصّورة الّتي أراد ، فنجّاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ، ونجّا بدنه كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [ يونس : 92 ] . لأنّه لو غاب بصورته ربّما قال قومه احتجب . فظهر بالصّورة المعهودة ميّتا ليعلم أنّه هو . فقد عمته النّجاة حسّا ومعنى . )

قال رضي الله عنه : ( فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة فكان ) ، أي حصل ( الأمر ) ، أي النجاة ( كما تيقن به لكن على غير الصورة التي أراد ) ، فإنه أراد النجاة من عذاب الدنيا ( فنجاه اللّه من عذاب الآخرة في نفسه ) ، أي روحه حين وفقه للإيمان ( ونجى بدنه عن الغرق ) بقذفه إلى الساحل .
( كما قال تعالى :فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه : احتجب ) عن الأبصار فارتقى إلى السماء أو غاب بنوع آخر على ما اعتقدوه بالألوهية ( فظهر بالصورة المعهودة ميتا ليعلم أنه هو فقد عمته النجاة حسا ) من حيث بدنه . ( ومعنى ) من حيث نفسه وروحه .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment