Thursday, September 12, 2019

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

12 - The Wisdom of the Heart in the Word of Shu'aib 

الفقرة الخامسة عشر:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم. ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها». وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غير أن )
قال رضي الله عنه :  (وقد ذكرنا في صورة الترقي بعد الموت) لأهل السير والسلوك في الدنيا لا اللذين ماتوا على الانقطاع عن الله تعالى للختم على قلوبهم (في المعارف الإلهية) التي هي عبادة الكمل من أهل الله تعالى إلى الأبد.
وإن كان لها عندهم في الدنيا إشارات جسمانية تسمى عبادات التكليف تنقطع بموت الجسد (فی کتاب التجليات) الإلهية (لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة) العارفين بالله تعالى (في الكشف و) ذكرنا (ما أفدناهم في هذه المسألة) وهي الترقي بعد الموت (مما لم يكن عندهم) من قبل ذلك.
وعبارته رضي الله عنه في كتابه المذكور في تجلي سريان التوحيد: 
رأيت ذا النون المصري في هذا التجلي وكان من أطراف الناس .
فقلت له: يا ذا النون عجبت من قولك وقول من قال بقولك: إن الحق تعالی بخلاف ما يتصور ويتمثل ويتخيل، ثم غشي علي، ثم أفقت وأنا أرعد.
 ثم رمزت وقلت : كيف يخلو الكون عنه والكون لا يقوم إلا به، وكيف يكون عين الكون وقد كان ولا كون، وكبف با حبيبي يا ذا النون وقبلته ، أنا الشفيق عليك لا تجعل معبودك عين ما تصورته.
ولا تخلي ما تصورته عنه، ولا تحجبك الحيرة عن الحيرة.
وقل ما قال، فنفى وأثبت : "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى : 11] ليس هو عين ما تصور ولا يخلو ما تصور منه.
 فقال ذو النون : هذا علم فاتني وأنا حبيس، والآن قد سرح عني فمن لي به وقد قبضت على ما قبضت .
فقلت: يا ذا النون ما أريدك هكذا ومولانا وسيدنا يقول: "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " [الزمر: 47] . والعلم لا يتقيد بوقت ولا زمان ولا بنشأة ولا بحالة ولا بمقام .
فقال لي: جزاك الله خيرا عني قد بين لي ما لم يكن عندي وتجلت به وتحلت به ذاتي وفتح لي باب الترقي بعد الموت وما كان لي خبر منه جزاك الله خيرا وذكر من هذا القبيل أشياء كثيرة في كتابه المذكور وقعت له مع الجنيد والشبلي وابن عطاء والحلاج وغيرهم رضي الله عنهم. 
قال رضي الله عنه :  (ومن أعجب الأمر أنه)، أي العبد مطلقا في الدنيا وفي الآخرة (في الترقي) في معرفة الله في الوجهة التي هو متوجه إليها والتجلي الإلهي الذي هو فيه من حضرة أي اسم كان في قبضة جمال أو قبضة جلال (دائما) في جميع الأحوال التي يكون فيها ولهذا تری کل متوجه إلى أمر متقن ذلك الأمر متزايد فيه كل وقت ما دام توجهه عليه السلام.
قال رضي الله عنه :  (ولا يشعر) ذلك العبد (بذلك)، أي بالترقي الدائم (للطافة الحجاب) بين نفسه الوهمية الثابتة وبين ربه المتحقق للوجود (ورقته)، أي الحجاب ولبس الحجاب إلا نفسه الوهمية الثابتة من غير وجود، وأحوالها الوهمية أيضا مثلها الثابتة من غير وجود، فيظن أنه الموجود الحقيقي لرقة الحجاب الذي هو نفسه بينه وبينه، حيث
ظهر له ذلك الموجود الحقيقي بصورة الحجاب الذي هو نفس العبد الحائلة بينهما ، والنفس مع كونها غير موجودة بل هي ثابتة مع أحوالها متبدلة في كل وقت.

قال تعالى: "بل هم في لبس من خلق جديد" [ق: 15]، فكل خلق يأتي بحجاب عند الجاهل بل يأتي بظهور وتجلي، ويذهب بظهور وتجل عند العارف ، وكل حجاب أو ظهور ترقی بغیر شعور أو بشعور.
(و) لأجل (تشابه الصور) أيضا التي هي النفس وأحوالها والحجاب والظهور.
فإن كل وقت فيه صورة تشبه الصورة التي كانت قبلها وبعدها صورة تشبهها أيضا، وهكذا وليس الشبه في الصور من كل وجه بل من وجه واحد أو وجهين أو أكثر، بحيث تصدق المغايرة وهو أمر خفي لا يشعر به إلا العارف إذا علم الأسماء الإلهية، وعلم تجلياتها .
قال رضي الله عنه :  (مثل قوله) تعالى في ثمر الجنة (وأتوا)، أي آتاهم الله تعالى (به متشابها)، أي يشبه بعضه بعضا غير أنه لا بس في الآخرة واللبس في الدنيا .
قال رضي الله عنه :  (وليس هو)، أي الشأن الواحد من الأشياء المتشابهة (عين) الشيء (الآخر) ولهذا تعددت (فإن الشبيهين) تثنية شبيه وهو المشابه (عند العارف) بالله تعالى (من حيث إنهما شبیهان غیران)، أي كل واحد منهما مغايرة للآخر وهكذا إذا حكم بالشبه بينهما فإنه يلزم من ذلك المغايرة بينهما أيضا .
وإن حكم بالاتحاد لم يكن بينهما شبه فلم تكن مغايرة والخلق جديد مع الأنفاس وإن كان الجاهل عنه في الالتباس كما قال تعالى: "بل هم في لبس من خلق جديد" [ق: 15]، ولا معنى لتجديد الخلق إلا تكراره والحس يقضي بالشبه المقتضي للمغايرة كما ذکر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قوله رضي الله عنه  : (وقد ذكرناه صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا بعض من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف) وهي أكابر الأولياء كالجنيد والشبلي وأبي يزيد وغيرهم (وما) أي الذي (أفدناهم في هذه المسألة مما) أي من الذي لم يكن عندهم، فقد استفادوا هذه المسألة من الشيخ بعد الموت فيحصل الترقي في العلم بالله بعد الموت (ومن أعجب الأمور أنه) أي الإنسان ثابت (في الترقي دائما) من ابتداء سيره إلى انتهائه بحسب العوالم باعتبار كل يوم هو في شأن فيترقی الإنسان من شأن إلى شأن آخر .
قال رضي الله عنه : (ولا يشعر بذلك) الترقي (للطائفة الحجاب ورقته) فإن الترقي حجاب لطيف ورقيق لا يشعر به صاحبه في كل زمان فرد ولا يشعر بذلك (لتشابه الصور مثل قوله تعالى: «وأتوا به، متشابها" (البقرة: 25] .
في حق أهل الجنة فإن عدم تميزهم بين الأثمار لإتيانها متشابها في الصور فلذلك قالوا عند الآيتان : "هذا الذي رزقنا من قبل " .
قال رضي الله عنه : (وليس هو) ضمير شأن أسم ليس (الواحد) مفسر له (عين الآخر) خبره أي وليس ذلك المشابه الواحد عين المشابه الآخر (فان الشبيهين عند العارف) من حيث (انهما شبیهان) قوله : (غير أن) خبر أن في قوله فإن الشبيهين وشبيهان خبر أن في قوله أنهما

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم. ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».  وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قوله في الهوية: إن بعض العباد ينكشف له على حكم معتقده فيها، فيتحول الظن علما، فهذا فيه تجوز، لأنه إذا اعتقد ما لا يراه يستحيل أن يكون الرؤية مثله سواء، بل لا بد من مخالفة ما حتى يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب. 
ثم ذكر أن الترقي قد يكون للإنسان وهو لا يشعر به وهذا لا شك فيه ، بشهود الوحدانية بالتدريج وهو لا يشعر فيظن أنه لم يفتح له.
 ثم مثل شهود الكثرة في العين الواحدة بأخذ حد الهيولى في كل صورة ، صورة من صورها وهو تمثیل حسن، لكن في مدارك الأفكار.
ثم قال: فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه، فإنه على صورته خلقه، بل هو عين هويته وصورة حقيقته ثم شرع في أن النفس ما عثر أحد من علماء الرسوم على معرفتها إلا الإلهيون من الأنبياء والصوفية خاصة. 
قال: ولا سبيل إلى معرفة النفس بطريق النظر الفكري، ثم ذكر أن الناس كل نفس يتجددون "هم في لبس من خلق جديد" [ق: 15] فهم لا يشعرون بالتجدد وهم فيه، لأنهم أوتوا به متشابها والأشباه أغيار.
قال: وما عثر أحد على تجدد الأمر كله في العالم من أرباب النظر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه : « وقد ذكرنا صورة الترقّي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب « التجلَّيات » لنا عند ذكرنا بعض من اجتمعنا [ به ] من الطائفة في الكشف ، وما أفدناهم في هذه المسألة ممّا لم يكن عندهم ، ومن أعجب الأمر أنّه » أي الإنسان « في الترقّي دائما ولا يشعر بذلك ، للطافة الحجاب ورقّته وتشابه الصور مثل قوله : " وَأُتُوا به مُتَشابِهاً " وليس هو الواحد عين الآخر ، فإنّ الشبيهين عند العارف من حيث إنّهما شبيهان غير ان".
قال العبد : اعلم أنّ للعبد من حيث استعداده الذاتيّ استعدادات غير متناهية ، مجعولة بحسب التجلَّيات والآنات وأطوار الوجود دنيا وآخرة برزخا وحشرا وفي الجنان ولثبت الرؤية وغيرهما من حيث يشعر ولا يشعر .
وكلّ ما دخل في الوجود ووجد صار واجب الوجود بواجب الوجود لذاته بذاته ، فلا ينقلب أبدا عدما ، فهو مع الآنات في الترقّي ، فإنّه دائم القبول للتجلَّيات الوجودية الدائمة أبد الآباد ، ولكنّه قد لا يشعر بذلك إن كان من أهل الحجاب ، للطافته ورقّته .
وأنّه أبدا في تجلَّيات تتوالى عليه ، وتزداد - بكل استعداد لتجلّ - تجلَّيات أخر علمية أو شهودية أو حاليّة أو مقامية أو جمعا أو أحدية جمع ، ولتشابه صور التجلَّي لا يعثر على ذلك كالأرزاق التي تؤتى بها متشابهة ، " كُلَّما رُزِقُوا مِنْها من ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا من قَبْلُ " ومعلوم أنّ هذا الرزق الآتي في زمان غير الآتي في غيره ، والكلّ رزق.
والفرق بين التعيّنات ظاهر وبيّن عند أهل الكشف ، خفيّ عند أهل الحجاب ، لأنّ الشبيهين على كل تقدير ، بينهما تغاير في التعيّن ، فهما غيران ، ولكنّ الصحيح لا يقتضي الغيرية في الحقيقة ، لكون العين واحدة مترائية ومتظاهرة في صور متشابهة غير متناهية من الكثرة .
كما أنّ مدلول القادر والخالق والرازق إنّما هو الله ، فإنّه هو الرزّاق القادر الخالق ، ولكن صور التجلَّي من جهة القادرية والخالقية والرازقية متغايرة ، والمسمّى واحد بلا خلاف .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

 قوله رضي الله عنه : (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا ، عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف ، وما أفدناهم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم ، ومن أعجب الأمر أنه في الترقي دائما ، ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ورقته وتشابه الصور مثل قوله : " وأُتُوا به مُتَشابِهاً ") .
 أي من أعجب أحوال الإنسان أنه في الترقي دائما من أحوال استعداد عينه ، فإن أحوال الأعيان أمور معلومة عند الله ثابتة في القوة يخرجها الله إلى الفعل دائما ، فيجعل من الاستعدادات الأزلية الغير المجعولة استعدادات مجعولة غير متناهية بحسب الأطوار في الدنيا والآخرة والبرزخ والحشر ودار الثواب وكثيب الرؤية وسائر المواطن من حيث لا يشعر ومن حيث يشعر ، ولما ثبت أن الوجود من حيث هو وجود واجب بذاته ، وكل ما وجد وجد به فلا يقبل العدم أبدا فهو مع الآنات يتجدد ويترقى ، فكل شيء في الترقي مع الآن لأنه دائم القبول للتجليات الإلهية الوجودية أبد الآباد ، وبكل تجل يزداد قبوله لتجل آخر .
"" أضاف بالي زادة(ومن أعجب الأمور أنه ) أي الإنسان ثابت (في الترقي دائما) من ابتداء سيره إلى انتهائه بحسب العوالم باعتبار - كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ  فيترقى الإنسان من شأن إلى شأن ( ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ) فإن الترقي حجاب لطيف لا يشعر به صاحبه في كل زمان فرد (وتشابه الصور مثل قوله "وأُتُوا به مُتَشابِهاً ") في حق أهل الجنة فإن عدم تميزهم بين الأثمار لإتيانها متشابهة في الصور ، فلذلك قالوا عند الإتيان " هذَا الَّذِي رُزِقْنا من قَبْلُ "  اهـ بالى . ""

ولكنه قد لا يشعر بذلك لاحتجابه أو للطافة حجابه ورقته ، وقد يشعر لكونها تجليات علمية أو ذوقية خيالية أو مقامية أو وجدانية أو شهودية جمعا وجمع جمع أو أحدية جمع وفرق ، وقد تتشابه صور التجليات فلا تتميز ولا تنضبط كما في الأرزاق في قوله : " كُلَّما رُزِقُوا مِنْها من ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا من قَبْلُ وأُتُوا به مُتَشابِهاً " .

قال رضي الله عنه : " وليس هو الواحد عين الآخر ، فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان غيران ".
الضمير في ليس وعين الآخر خبر بعد خبر ، أي وليس الرزق في الأزمنة رزقا واحدا حتى يكون هذا عين الآخر لأن الشبيهين غيران عند أهل التحقيق متشابهان فكذلك التجليات المتعاقبات ، وأن بالفتح في أنهما مع اسمها وخبرها مبتدأ وخبره الظرف المقدم أو فاعل الظرف ، والجملة الظرفية خبر إن بالكسر وغيران بدل من شبيهان أو صفة بمعنى متغايران .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه : (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية ، في كتاب التجليات لنا ، عند ذكرنا بعض من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف . وما أفدنا هم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم . )
ولما كان ظهور الحق في صور ما كان يعتقد أن الحق يتجلى بها ترقيا حصل للعبيد بعد انتقالهم إلى دار الآخرة ، أكد بما وقع له في بعض مكاشفاته من أنه أفاد أكابر الأولياء ، كالجنيد والشبلي وأبى يزيد وغيرهم قدس الله أسرارهم ، وحصل لهم الترقي بعد الموت
.
وهذا ( الترقي ) ليس مخصوصا بطائفة دون طائفة ، لأن العارفين ببعض التجليات يحصل لهم البعض الآخر ، فيحصل لهم الترقي .
وكذلك المحجوبون من المؤمنين والمشركين والكافرين : فإن انكشاف الغطاء عنهم ترق ، وظهور أحكام أعمالهم ترق ، وشهود أنواع التجليات ، وإن لم يعرفوا حقيقتها ،ترق،
وحصولهم في البرازخ الجهمية والجنانية أيضا ترق ، لوصولهم فيها إلى كمالهم  الذاتي ، وارتفاع العذاب عنهم بعد انتقام ( المنتقم ) منهم ترق ، وشفاعة الشافعين لهم ترق . ولولا مخافة التطويل ، لأوردت مراتب الترقيات في الآخرة مفصلا ، وللعارف غنية فيما أشرت إليه .
فقوله تعالى  : "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا " .
إنما هو العمى عن معرفة الحق لا غير ، لأن الحق متجل دائما أبدا ، وهو أعمى عنه .
فإذا انكشف الغطاء ، ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها ، لكن لا يرتفع العمى بالنسبة إلى معرفة الحق .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم ، انقطع عنه عمله إلا عن ثلاث " لا يدل
على عدم الترقي ، لأنه ليس بالعمل ، بل بفضل الله ورحمته ، والعمل أيضا مستند إليه.
ولئن سلم ذلك ، فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها بالأعمال لا تحصل له إلا بالعمل ، لا مالا يتوقف عليها مما سبقت له العناية الأزلية على حصوله بلا عمل . والاطلاع بأحوال غيره من السعداء والأشقياء أيضا من مراتب الترقي . والله أعلم بالحقائق ولكون الترقي ليس مخصوصا بطائفة وموطن معين وزمان خاص .

قال رضي الله عنه : (ومن أعجب الأمر أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك ، للطافة الحجاب ورقته وتشابه الصور مثل قوله : "وأتوا بها متشابها " . )
أي ، ومن أعجب الأحوال أن الإنسان دائما في الترقي من حين سيره من العلم إلى العين ، فإن عينه الثابتة لا تزال تظهر في صورة كل من مراتب النزول والعروج ، وفي جميع العوالم الروحانية والجسمانية في الدنيا والآخرة ، وكل صورة ظهرت هي فيها ، كانت بالقوة فيها ، وحصولها بالفعل بحسب استعداداتها الكلية والجزئية من جملة ترقياته ، فلا يزال في كل آن مترقيا ولا يشعر به في كل زمان جزئي ، وإن كان يشعر به بعد مدة ، أو لا يشعر به أصلا .
وذلك لتشابه الصور التي تعرض على عينه في كل آن ، إذا كانت من جنس واحد ، كما تشابه عليهم صور الأرزاق .
قال تعالى : " كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا بها متشابها"
قوله رضي الله عنه  : ( للطافة الحجاب ورقته ) أي ، ولا يشعر بصورة الترقي ، للطافتها ورقتها . وإنما جعلها ( حجابا ) ، لكون صور المراتب كلها حجبا للذات الأحدية :
 منها حجب نورانية ، ومنها حجب ظلمانية ، كما قال ، صلى الله عليه وسلم :
قال صلى الله عليه وسلم   : "إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره" .

قال رضي الله عنه :  (وليس هو الواحد عين الآخر ، فإن الشبيهين عند العارف من حيث إنهما شبيهان غيران . )
يجوز أن يكون ( هو ) تأكيدا للضمير المستتر . و ( الواحد ) عطف بيان له .
و ( عين الآخر ) خبر ( ليس ) . ويجوز أن يكون ( هو ) بمعنى ذلك ، كما استعمل الشاعر بقوله :  فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق أي ، كان ذلك .
والإشارة إلى ( الحجاب ) أي ليس ذلك الحجاب الواحد عين الحجاب الآخر ، يعنى ، ليس تلك الصورة عين الصورة الأخرى ، لأن الشبيهين غيران ، إذ لا يمكن أن يكون الشئ الواحد شبيها لنفسه . فهما من حيث أنهما شبيهان غيران .
فقوله : ( غير ان ) خبر ( إن ) بالكسر . و ( شبيهان ) خبر ( أن ) بالفتح .
تقديره : فإن الشبيهين غيران من حيث أنهما شبيهان .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه :  وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم. )
قال الشيخ رضي الله عنه :  (قد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في کتاب «التجليات» لنا عند ذكرنا بعض من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف) أي: في وقت کشف أرواحهم في تلك التجليات التي كانوا فيها، وذكرنا فيه .
(ما أفدناهم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم) : فذكر رضي الله عنه  ما جرى بينه وبين الحلاج في تجلي العلة،
وبين ذي النون المصري في تجلي سريان التوحيد،
وبين الجنيد في تجلي التوحيد.
وبين يوسف بن الحسين في تجلي ذي التوحيد.
وبين ابن عطاء في تجلي من تجليات المعرفة.
وبين سهل بن عبد الله التستري في تجلي نور الغيب.
وبين المرتعش في تجلي من تجليات التوحيد.وأفاد هؤلاء ما لم يكن عندهم.
وذكر ما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب في تجلي النور الأحمر.
وبين أبي بكر الصديق في تجلي النور الأبيض خلف سرادق الغيب.
وبين عمر في تجلي النور الأخضر خلف سرادق الحق.
واستعاذ من هؤلاء ولم أورد تفصيل ذلك التطويل.

قال رضي الله عنه : ( ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ورقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها». وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران ،)
ثم أشار إلى أن الترقي في المعارف الإلهية ليس بطريق الكسب المحتاج إلى الآلات حتى ينقطع بالموت، بل بطريق الوهب، وامتناع تكرر المتجلي يمنع بقائه زمانين؛ بل غايته أنها تجليات متشابهة في الظاهر وبعضها أرفع من بعض؛ فقال: (ومن أعجب الأمر) أي: أمر التجلي الشهودي (أنه في الترقي دائما) حال اختلافه واتفاقه ضرورة أن كل تجلي ترق من أدنى إلى أعلى إذ إلى الأدنى يكون حجبا، وإلى المساوي منعا للفضل الإلهي مع وجوب تحققه في التجلي الشهودي؛ ولكنه قد (لا يشعر بذلك للطافة الحجاب) الكائن أو" المرتفع .
ثانيا، وليست هذه اللطافة بمعنى أنه لطف بالمتجلی له؛ لئلا تحرقه سبحات وجه المتجلي؛ بل بمعنی (رقته)؛ لأنه لم يرتفع بذلك المعني.
(وتشابه الصور) أي: الصور التجليات بحيث لا يعرف أن الثاني غير الأول؛ فهذا التشابه في صور التجليات (مثل) التشابه في ثمار الجنة التي مبدؤها هذه التجليات، وهو المذكور في (قوله تعالى: "وأتوا به متشابها " [البقرة:25]، وليس هو)
أي: المتشابه (الواحد) بدل من هو (عين الآخر)، وإن توهم عينيته، فكذا في التجلي (فإن الشبيهين عند العارف)، وإن اتحدا بحسب العين (من حيث إنهما شبيهان غیران) لامتناع تشبيه الشيء بنفسه ولا ينافي هذا مذهبه في التوحيد.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

التكامل بعد الموت
ثمّ إذ قد استشعر أن يقال هاهنا : كيف يصحّ ذلك وبعد الموت ينبت على العبد مدارج ترقّيه وينقطع انتظام أسبابه ؟
قال رضي الله عنه  : ( وقد ذكرنا صورة الترقّى بعد الموت في المعارف الإلهيّة )
خاصّة ( في كتاب التجلَّي لنا ، عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف ، وما أفدناهم في هذه المسئلة مما لم يكن عندهم ومن أعجب الأمر أنّه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ورقّته ) .
فإنّ التخالف بين الصور وتمايزها إنّما يترتّب على قوّة الحجاب الكوني وكثافته - كما سبق تفصيل ذلك في المقدّمة .

 الكثرة في الوحدة وعكسها
ثمّ إنّ تلك الحجب الكونيّة يوم القيامة إذ لطفت لزمها عدم التمايز ( وتشابه الصور ، مثل قوله تعالى : " وَأُتُوا به مُتَشابِهاً ") في الآية الكريمة الكاشفة عن أمر غذاء أهل القيامة وأرزاقهم القائلة ("كُلَّما رُزِقُوا مِنْها من ثَمَرَةٍ ") متجدّدة ( رِزْقاً ) خاصّا ( قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا من قَبْلُ ) * بعدم التمايز بين صور الأرزاق وغلبة قهرمان المعنى فيها ( وَأُتُوا به مُتَشابِهاً ) .
( وليس ) ذلك الرزق المتشابه ( هو الواحد عين الآخر ، فإنّ الشبيهين - عند العارف - أنّهما شبيهان غيران ) أي الأمران المتشابهان عند العارف لهما حكمان :
أحدهما التشابه والتناسب ،
والآخر التغاير والتخالف .
فـ « هو » ضمير الفصل و « الواحد » خبر ليس و « عين الآخر » خبر آخر له ، ف « أنّ » المفتوحة مع معمولها مفعول العارف ، والظرف معمول الشبيهين و " غيران " خبر أنّ .
وفي بعض الشروح: « من حيث أنّهما شبيهان » هكذا صحّحه ، وذلك كأنّه الحاق من الشارح .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم. ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها». وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما ، شبيهان، غيران )

قال رضي الله عنه :  (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف) كذي النون المصري والجنيد وسهل بن عبد الله ويوسف بن الحسين والحلاج قدس الله أسرارهم (وما أفدناهم في هذه المسألة)، أي مسألة المعارف الإلهية (ما لم يكن عندهم) لما يدل على عدم الترفي بعد الموت من قوله تعالى: "ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا" إنما هو بالنسبة إلى معرفة الحق لمن لا معرفة له أصلا ، فإنه إذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها.

وأما قوله عليه السلام : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " رواه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم .
فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها على الأعمال لا تحصل ، وما لا يتوقف عليها بل تحصل بفضل الله ورحمته فقد تحصل، وذلك في مراتب الترقي.

قال رضي الله عنه :  (أنهما شبیهان غیران) إذ لا يمكن أن يكون شيء شبيهة لنفسه فقوله: غيران خبر المكسورة، وشبيهان خبر أن المفتوحة، وهي مع اسمها وخبرها مفعول العارف، وفي بعض النسخ من حيث أنهما شبيهان، وكأنه إلحاف ممن لم يتضح المعنى عنده والتعويل على ما ذكرناه أولا فإنه الموافق لما في النسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي الله عنه .

المواقف الروحية والفيوضات السبوحية شرح الأمير عبد القادر الجزائري 1300هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما شبيهان، غيران )

قول سیدنا رضي الله عنه : (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة مما لم يكن عندهم).
يقول رضي الله عنه : قد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية، حيث كان العلم لا يتقيد بوقت ولا بمكان ولا بنشأة ولا بحالة ولا بمقام، في كتاب التجليات لنا، وهو كتاب لو كتب بماء العيون كان قليلا في حقه.
وهو أحق بقول القائل :
هذا كتاب لو يباع بوزنه     …..   ذهبا لكان البائع المغبونا
ذكر فيه سبعة وتسعين تجليا، أودع فيها من الحقائق والعلوم الإلهية ما لا يصدر إلا منه، ولا أقول لا يصدر إلا من مثله، فافهم. 
وذكر فيه من اجتمع به من الطائفة العلية أهل الله المشهورون بالمعارف الإلهية في أزمنتهم، اجتمع لهم في الكشف لأن أرواح الكل في البرزخ غير مقيدة كأرواح غيرهم فإذا توجه الكامل إلى روح من أرواح الكمل أو غيرهم اجتمع به اجتماعا روحانیا محققا أحق من اجتماع الأجسام، وقد عن لي أن أذكر بعض من اجتمع به سیدنا من الحمل بعد الموت، وما جرى بينه وبينهم، وما أفادهم، تتميما للفائدة.
ولتعلم منزلة سیدنا عند الله ومرتبته وتقدمه بين أولياء الله ، وأ نفوس الطالبين لهذا العلم تتشوف إلى الاطلاع على ذلك. 
وقد أعرب رضي الله عنه عن منزلته وتقدمه على الأولياء رضي الله عنهم تحدثا بنعمة الله بقوله:
ليس من لوح بالوصل له    …..    كالذي سير به حتى وصل
لا ولا الواصل عندي مثل من  …..   قرع الباب وللدار دخل
لا ولا الداخل عندي كالذي    …..    سارروه وهو للسر محل
لا ولا من سارروه كالذي     …..   صار إياهم فدع عنك العلل
فأما اجتماعه بالشبلي رضي الله عنهما :
 وكان الشبلي توفي سنته، فقد قال رضي الله عنه :  في تجل ثقل التوحيد الموحد من جميع الوجوه لا يصح أن يكون خليفة، فإن الخليفة مأمور بحمل أثقال المملكة كلها، والتوحيد يفرده إليه ولا يترك فيه منسقا لغيره. 
وقلت للشبلي في هذا التجلي : يا شبلي التوحيد يجمع والخلافة تفرق. 
فالموحد لا يكون خليفة مع حضوره في توحيده. 
فقال لي: هو المذهب فأي المقامين أتم؟ 
فقلت : الخليفة مصدر في الخلافة، والتوحيد الأصل. 
فقال لي: هل لذلك علامة؟ 
قلت: نعم. قال لي: وما هي؟ 
قلت : قل فقد قلت , فقال لي: الآن يعلم شيئا ولا يريد شيئا ولا يقدر على شيء، حتى لو سئل عن التفرقة بين يده ورجله لم يدر ، ولو سئل عن أكله وهو يأكل لم يدر أنه أكل، وحتى لو أراد أن يرفع لقمة لم يستطع ذلك لوهنه وعدم قدرته . 
فقبلته وانصرفت. 
قال الشيخ نفسه في شرحه لهذا التجلي كما نقله عنه تلميذه إسماعيل بن سودکین :
قال تعالى :
"إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا " [المزمل: 5].
ومن وجوه معاني ذلك أن يؤمر بالتوحيد مع كونه لا ينال حقيقته، فلا يبق الطلب إلا للتوحيد الذي يدرك وينال، وهو توحيد الألوهية، وفيه تتنوع الأشياء، وإذا تنوعت عليه المطالب تکثرت وثقلت عليه لكونها تخالف مقصوده الذي هو التوحيد .
والموحد من جميع الوجوه لا يصح أن يكون خليفة، لأن المستخلفين يطلبونه بوجوه كثيرة وأحكام متعددة .
قال جامع هذا الشرح الشيخ إسماعيل: وأما سکوت شیخنا على الشبلي عند سؤاله إياه فما هي؟! 
وقول الشيخ له قل فقد قلت. أراد شيخنا به قول الحقائق، وهو لسان السكوت في موطن السكوت، فيكون السكوت في موطنه عين الجواب، أي ما يقابل التوحيد إلا العلم الذي توجهت الإشارة إليه بالسكوت . 
فأخذ الشبلي يعبر عن إشارة الشيخ بسكتة عندما تحقق بلسان الإشارة .
فرضي الشيخ له بالتحقيق في ذلك المقام وقبله في فيه. 
وأما اجتماعه منصور الحلاج  رضي الله عنهما . 
وقد صلب الحلاج سنة 309 هجرية فقال رضي الله عنه في تجلي الغلبة : 
رأيت الحلاج في هذا التجلي فقلت له: يا حلاج هل تصبح عندك علية له وأشرت فتبسم. 
فقال : تريد قول القائل : يا علة العلل، یا قديم لم يزل. 
فقلت: نعم، فقال : هذه قولة جاهل : أعلم أن الله خلق العلل رئيس بعثة ، كيف يقبل العلية من كان ولا شيء، وأوجد من لا شيء، وهو الآن كما كان ولا شيء، جل وتعالى لو كان علة لارتبط ، ولو ارتبط لم يصح له الكمال تعالی الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. 
قلت : هكذا أعرفه .
قال : هكذا ينبغي أن تعرف، فاثبت.
قلت : كيف ترکت بيتك يخرب؟ 
فتبسم وقال : لما استطالت عليه أيدي الأكوان فأخليته فأفنيت ثم أفنيت ثم أفنيت، وأخلفت هاروت في قومي فأستضعفوه لغيبتي فأجمعوا على تخريبه ، فلما هدوا من قواعده ما هدوا وأرددت إليه بعد الفناء فأشرفت عليه وقد حلت به المثلاث، فأنفت نفسي أن أعمر بيتا تحكمت به أيدي الأكوان، فقبضت فيضي عنه ، فقيل مات الحلاج، والحلاج ما مات، ولكن البيت خرب والساكن ارتحل . 
فقلت له : عندي ما تكون به مدحوض الحجة. 
فأطرق، وقال : "وفوق كل ذي علم عليم" [اليوسف: 76].
لا تعرض، فالحق بيدك وذلك غاية . وسعي فتركته وانصرفت. 
قال الشيخ في شرحه لهذا التجلي: لما اجتمعت بالحلاج رحمه الله وسألته عن العلية هل تصح عنده أم لا.
فقال : هي قولة جاهل، يعني أرسطو، ثم تنزه تنزيها حسنا. 
فقلت عند سماعي بتنزيهه : هكذا أعرفه! 
فقال : هكذا ينبغي أن تعرف، فأثبت فينبغي للمتناظرين إذا ادعى أحدهما القوة في أمر ما أن يدخل عليه الآخر، في ذلك المقام، شبهة لا يعلمها فيفضحه في دعواه من نفسه، ويربح حينئذ مؤنة التعب. 
ولما قال الحلاج للشيخ : أثبت، ولم يكن مقامه يقتضي به هذا القول الشيخ.
قال له : لم تركت بيتك يخرب؟ 
فتبسم عند سماعه إشارة الشيخ و أجاب بما لا يطابق مقصود الشيخ وإشارته . 
فقال له الشيخ حينئذ، لما كفاه مؤنة نفسه بجوابه : عندي ما تكون به مدحوض  الحجة ، فعرف حينئذ الإشارة وعرف ما كان حصل منه، فأطرق. وأما اجتماعه بأبي قاسم الجنيد - رضي الله عنهما . 
وقد توفي الجنيد سنة إحدى وتسعين ومائتين، فقال في تجلي بحر التوحيد: 
للتوحيد، وهو لجة وساحل، فالساحل ينقال واللجة لا تنقال. 
والساحل يعلم واللجة تذاق. 
وقفت على ساحل هذه اللجة ورميت ثوبي وتوسطتها فاختلفت على الأمواج بالتقابل ومنعتني من السباحة فبقيت واقفا بها لا بنفسي ، فرأيت الجنيد فعانقته وقبلته، فرحب بي وسهل .
فقلت : متى عهدك بك؟ 
فقال لي : منذ توسطت هذه اللجة نسيتني فنسيت الأمد. 
فعانقني وعانقته و غرقنا، فمتنا موتة الأبد، فلا نرجو حياة ولا نشورا. 
قال الشيخ في شرحه لهذا التجلي : 
ساحل التوحيد هو توحيد الدليل، وهو الذي ينقال. وتوحيد الذات هو اللجة، وهو الذي لا ينقال. 
قوله : (ورميت ثوبي) أي تجردي عن هیکلي وبقيت مع اللطيفة ، فتوسلت اللجة، أي طلبت الذات، وهو توحيد العين .
وقوله : (لقيت الجنيد) أي له مشاركة في هذا المقام ، وإذا كان فيه فقد تجرد عن هيكله كما تجردت. 
فقلت له : متى عهدك بك؟ أي متى تجردت عن هيكلك.
 قال : منذ توسطت هذه اللجة نسيتني فنسيت الأمد. وذلك أن الأمد إنما يجري على الهيكل الذي هو میزان الأزمان، فلا يعرف الأمد الأن. 
وقول الشيخ : (فعانقني وعانقته وغرقنا فمتنا مونة الأبد). الموت ها هنا حياة الأبد، أي متنا على توحيد الدليل، فلا يجيء منا خلف لأحدية أعياننا، فمحال أن ترجع إلى توحيد الدليل، فلهذا قلنا لا نرجو حياة ولا نشورا. 
وقال رضي الله عنه في تجلي المناظرة : 
لله عبيدا أحضرهم الحق - تعالى - فيه ثم أزالهم بما أحضرهم، فكان الحضور عين الغيبة، والغيبة عين الحضور، والبعد عين القرب، والقرب عين البعد، وهذا مقام اتحاد الأحوال. 
واجتمعت بالجنيد في هذا المقام وقال لي: 
المعنى واحد. فقلت له: لا ترسله، بل ذلك من وجه، فإن الإطلاق فيه يناقض الحقائق. 
فقال : غيبته شهوده وشهوده غيبته. 
فقلت له : الشاهد شاهد أبدا، و غيبته إضافة ، والغيب غيب لا شهود فيه، لا تدركه الأبصار.
فالغائب المشهود غيبة إضافية.
فانصرف وهو يقول: الغيب غائب في الغيب، وكنت وقت اجتماعي به في هذا المقام قریب عهد بسقيط الرفرف بن ساقط العرش، في بيت من بيوت الله تعالى وفي هذا المشهد يجتمع الضدان لأنه أزالهم بما به أحضرهم من الوجه الذي أحضرهم. 
وإذا تحقق العبد بذوق هذا التجلي حكم على الحق تعالى في كونه ظاهرا، وهو باطن من ذلك الوجه الذي هو به ظاهر.

وكذلك حكم كونه أول من الوجه الذي هو آخر، لا من وجهين مختلفين ولا بنسبتين. وليس للعقل في هذا المشهد مجال، وكذلك يعلم المحقق بعد هذا المشهد كيف تضاف النسب إلى الله - تعالى - من عين واحدة، لا في الوجوه المختلفة التي يحكم بها العقل في طوره . وهذا المشهد من مشاهد العثور الذي وراء الطور العقلي. 
وهذا المشهد هو مقام اتحاد الأحوال. 
واجتمعت فيه بالجنيد - رحمه الله تعالى . 
فقال لي : المعنى واحد. 
فقلت له : في هذا المقام خاصة، لا في كل مقام، فلا ترسله مطلقا یا جنید، فإن الظاهر والباطن من حيث الحق واحد. 
وأما من حيث الخلق فلا ، فإن نسبته الظاهر من الحق إلى الخلق غير نسبته الباطن دليلان مختلفان بالنظر إلى الخلق . 
فلا يقال فيهما أنهما أحد في كل مرتبة، فلهذا قلنا لا ترسله . 
فقال الجنيد: غيبته شهوده . 
فقلت له : الشاهد شاهد أبدا، وغيبته إضافة ، والغيب غيب لا شهود فيه . 
فشهود الحق تعالى إنما هو من غيبه الإضافي، وأما الغيب المحقق فلا شهود فيه أبدا. 
فهو الغيب المطلق، ولو غاب عن الله تعالى لغابت نفسه. 
لكن لا يصح أن يغيب عنه شيء، فهو سبحانه يشهد نفسه لا كشهودنا، فإن الشهود والحجاب وجميع الأحكام في حقنا نسب وإضافات وأحكام مختلفة. 
وهو سبحانه أحدي الذات ليس فيه سواه ولا في سواه شيء منه ، وإنما هذه السنة التعريف يطلبها العارفون للتوصيل والتقريب والتأنيس والتشوق.
وقوله : "لا تدركه الأبصار" [الأنعام: الآية 103] 
فالغائب المشهود من غيبه ليس تخصيص الأبصار بنفي الإدراك عنها.
فنفى الإدراك عن الأبصار التي هي أمام العقل، لأن العقل تلميذ بين يدي الحس عند المحققين.
فلما انتمي الإدراك عن البصر الذي هو الوصف الأخص كان العقل أبعد دراگا وأبعد إلى آخر ما قال . فقد أطال في شرحه لهذا التجلي . 
وقال في تجلي توحيد الربوبية : 
رأيت الجنيد في هذا التجلي فقلت له : يا أبا القاسم، كيف تقول في التوحيد؟ 
يتميز العبد من الربا وأين تكون أنت عند هذا التمييز ؟ 
لا يصح أن تكون عبدا ولا أن تكون ربا، فلا بد أن تكون في بينونة تقتضي الاستشراف والعلم بالمقامين مع تجردك عنهم. فخجل وأطرق.
فقلت له : لا تطرق، نعم السلف کنتم لنا، ونعم الخلف كنا لكم .
الحظ الألوهية من هنالك تعرف ما أقول، للألوهية توحيد و للربوبية توحيد يا أبا القاسم.
 قید توحيدك ولا تطلق ، إن لكل أسم توحيدا وجمعا.
فقال له : كيف بالتلاق وقد خرج عنا ما خرج، ونقل عنا ما نقل! 
فقلت له: لا تخف، من ترك مثلي بعده فما فقد أنا النائب، وأنت أخي. 
فقبلته ، فعلم ما لم يكن يعلم وانصرفت. 
و اجتماعه بذي النون المصري - رحمه الله - وقد توفي ذو النون سنة خمسة وأربعين ومائتين ، وعاش تسعين سنة. 
فقال في تجلي سريان التوحيد: 
رأيت ذا النون المصري في هذا التجلي، وكان من أظرف الناس .
فقلت له: يا ذا النون، عجبت من قولك وقول من قال بقولك، إن الحق بخلاف ما يتصور ويتمثل ويتخيل، ثم غشي علي، ثم أفقت وأنا أرعد، ثم زفرت 
وقلت : كيف تخلي الكون منه والكون لا يقوم إلا به؟ 
وكيف يكون عين الكون وقد كان ولا كون يا حبيبي با ذا النون. 
وقلت له : أنا الشفيق عليك، لا تجعل معبودك عين ما تصورته، ولا تخفى عنه ولا تحكي ولا تحجبك الحيرة عن الحيرة . 
وقل ما قال فتفي وأثبت:" ليس كمثله شيء وهو السميع العليم" [الشورى: 11 ].
أليس هو عين ما تصور ولا يخلو ما تصور عنه
قال ذو النون : هذا علم فاتني، وأنا حبيس الآن، وقد برح عني، فمن له به وقد قبضت على ما قبضت !! 
فقلت : يا ذا النون ما أريدك، هكذا مولانا وسيدنا يقول:" وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" [الزمر: 47].
والعلم لا يتقيد بوقت ولا بمكان ولا بنشأة ولا بحالة ولا بمقام. 
فقال : جزاك الله خيرا، فقد أبنت لي ما لم يكن عندي، وتحلت به ذاتي، وفتح له باب الترقي بعد الموت، وما كان عندي من خير، فجزاك الله خيرا؟
قال الشيخ في شرحه لهذا التجلي
أما سريان التوحيد فهو قوله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " [الإسراء: الآية 24].
وذلك أنه ما عبد حيث ما عبد في كل معبود إلا الإلهية. 
ورتب الله تكوين الأسباب عندها غيرة أن يكون جناب الإلهية مهتضما.
وكذلك دل الشريك لكونه واسطة إلى الإله، فعبد عن نسبة الإلهية.
فصاحب الشريك أكثف حجابا وأكثر عذابا لأنه أخطأ الطريقة المخصوصة بنسبة الإلهية إلى ما لم يؤمر بنسبته إليه.
وأخطا بإضافة الشريك الذي يقربه إلى الله زلفى. 
وقوله : رأيت ذا النون في هذا التجلي هو القول ذي النون و غیره مهما تصور في قلبك وتخيل في ذهنك، بالله بخلاف ذلك. 
قال : وهذا الكلام مقبول من وجه، مردود من وجه، فرده من كونك أنت الذي تصوره في وهمك وتصنعه في ترکيبك. 
وأما وجه قبوله فإنه إذا قام عندك ابتدأ من غير تعمل له ولا تفكر فيه، فذلك تجل صحيح في عالم المثال، لا يصح أن ينكر ولا يرد. 
فاعلم أن جميع الأكوان على علم صحيح بالله تعالى فلا ينطق إلا من حقيقة، ولا يقع منها غلط أصلا، ما عدا الإنسان فإنه کثير الغلط في الألوهية. فالصور مظاهر من مظاهر الحق - سبحانه. 
فلا يصح أن يخلو منه كون أصلا، فإنه متى أخليت عنه الكون فقد حددته , ولا يصح أن يكون عين الكون فإنه تعالى قبل الكون كان ولا كون.
وإذا عرفته من هذين الوجهين فهي معرفة الإطلاق التي لا حد فيها، فلا تحجبك الحيرة بحيث تقول قد حرت فيه فلا أعرفه، بل من شرط معرفته الحيرة فيه، فقل ما قال لما نفى وأثبت تعالی : "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11].
ثم ذهب ذو النون إلى الترقي منقطع، وذلك إنما هو الترقي في درجات الجنة خاصة.
وأما الترقي في المعاني فدائم أبدا، في تعظیم جناب الحق دائم أبدا.
 فهي عبارة ذاتية عن تجل لا ينقطع ولا ينقطع مزيدها. 
وأما العبادة التكليفية فهي التي تنقطع بسقوط التكليف.
وأما اجتماعه بيوسف بن الحسين رضي الله عنهما :  وقد مات يوسف بن الحسين.
فقال رضي الله عنه في تجل ري التوحيد
لما غرقنا مع الجنيد في بحر التوحيد ومتنا لما شربنا فوق الطاقة، وجدنا عنده شخصا كريما فسلمنا عليه وسألنا عنه، فقيل لنا هو يوسف بن الحسين، وكنت قد سمعت به فبادرت إليه وقبلته.
وكان عطشان للتوحید فروي فقلت له : تعال أقبلك أخرى، فقال : رویت . 
فقلت له: وأين قولك لا يروى طالب التوحيد إلا بالحق. 
وقد روى الدون بما يسقيه من هو أعلا منه، ولا ري لأحد، فأعلم. 
فتنبه يوسف وهفا إلي، فاحتضنته ونصبت له معراج الترقي فيه الذي لا يعرفه كل عارف. 
والمعراج إليه، ومنه حظهم لا غير ، وأما نحن ومن شاهد ما شهدنا فمعارجنا ثلاثة إليه ومنه وفيه، ثم نرجع فينا واحدا وهو فيه. 
فإن إليه فيه ومنه فيه فعين إليه ومنه فيه فما ثم إلا فيه وما يعرج فيه إلا به فهو لا أنت، فتحقق هذا التجلي يا سامع الخطاب
وأما اجتماعه بابن عطاء الله  رضي الله عنهما . وقد توفي أبن عطاء الله سنة تسع وثلاثمائة .
فقال في تجل من تجليات المعرفة : رأيت ابن عطاء الله في هذا التجلي، فقلت له: يا ابن عطاء، إن غاص رجل جملك فأجلت الله، وقد أجله معك الجمل، فأين إجلالك، بماذا تميزت عن جملك، هل كان الرجل من الجمل يطلب في غوصه سوى ربه!
قال ابن عطاء الله : لذلك قلت جل الله.
فقلت له: إن الجمل أعرف بالله منك، فإنه أجله من إجلالك ، كما يطلبه الرأس من فوق تطلبه الرجل في التحت، فما تعدى الرجل ما تطلبه حقيقته.
يا ابن عطاء، ما هذا منك بجميل. 
يقول إمامنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو دليتم بحبل لوقع على الله".
فكان الجمل أعرف منك بالله ، هلا سلمت لكل طالب ربه صورة طلبه، كما سلم لك؟! 
تب إلى الله يا ابن عطاء، فإن الجمل أستاذك . 
فقال : الإقالة الإقالة . 
فقلت له: أرفع الهمة! 
فقال : مضى زمان رفع الهمة. 
فقلت له: للهمم رفع بالزمان، وبغير الزمان زال الزمان، فلا زمان أرفع الهمة في الأزمان، فلا تنال ما نبهتك عليه إلا بالترقي، فالترقي دائم أبدا. 
فتنبه أبن عطاء، وقال : بورك فيك من أستاذ. 
ثم فتح هذا الباب وترقی، فشاهد فحصل في ميزاني فأقر لي وانصرفت . 
قال الشيخ في شرح هذا التجلي: 
كل أحد يطلب الحق من حيث حقيقته، فالرأس يطلب الفوقية والرجل تطلب التحتية، لأنها في حقها أفقها. وليس في العالم حركة إلا وهي طالبة للحق. 
فلما ساخت رجل جمل ابن عطاء قال ابن عطاء : جل الله لكونه، لمح القاهر فوق عباده، ونزه الحق أن يطلب من السفل.
فقال الجمل: جل الله ، أي جل عن إجلالك، لأني طلبت الحق من حيث حقیقتي، وافق رجلي هو التحت.
وأنت عارف فينبغي لك أن توفي مراتب الطلب ولا تنكر ولا تحد من لا يقبل مراتب الحد.
وسلم لكل طالب طلبه من سائر الطوائف وسائر الطالبین، فتخرج بذلك عن الحد. فسلم یا ابن عطاء لكل طالب صورة طلبه، كما سلم أرواح العارفين بالفطرة، وهم أرواح النبات وأرواح الحيوان وأرواح المحققة. 
وأما أهل الفكر فلا، فإنهم يدعون إلى وجه خاص حيث تبدوا علمهم بعلامة مخصوصة، فإنهم لا يدعون إلا منها، وهم لا يسلمون إلا لمن وافقهم. 
وأما اجتماعه بسهل التستري رضي الله عنهما : وقد توفي سهل سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
فقال في تجلي نور الغيب
رأينا سهل بن عبد الله التستري، فقلت له: کم أنوار المعرفة يا سهل؟ 
فقال : نوران، نور عقل ونور إيمان. 
فقلت: فما مدرك نور العقل، وما مدرك نور الإيمان ؟ 
فقال : مدرك نور العقل:  "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" [الشورى: 11]. ومدرك نور الإيمان الذات بلا حد. 
قلت: أراك تقول بالحجاب ؟ 
قال : نعم 
قلت : يا سهل، حددته من حيث لا تشعر، لهذا سجد قلبك من أول قدم وقع الغلط . قال : قل، قلت: حتى تتنزل بين يدي، فجثا.
فقلت : يا سهل، مثلك يسأل عن التوحيد فيجيب بهذا، وهل الجواب إلا السكوت. 
تنبه يا سهل. ففني ثم رجع فوجد الأمر على ما أخبرناه . 
فقلت : يا سهل، أين أنا منك؟ 
فقال : أنت الإمام في علم التوحيد، فقد علمت ما لم أكن أعلم في هذا المقام. 
فأنزلته فأجلسته إلى جنب النوري في علم التوحيد، و آخيت بينه وبين ذي النون المصري وانصرفت. 
وأن  اجتماعه بالمرتعش رضي الله عنهما . وقد توفي المرتعش سنة ... 
فقال في تجل من تجليات التوحید: 
نصبت کرسيا في بيت من بيوت المعرفة بالتوحيد، فظهرت الألوهية مستوية على ذلك الكرسي، وأنا واقف وعلى يميني رجل عليه ثلاثة أثواب ، ثوب لا يرى وهو الذي يلي بدنه، وثوب ذاتي له، وثوب معار عليه . 
فسألته : يا هذا الرجل، من أنت؟ 
فقال : سل منصورا، وإذا منصور خلقه ، فقلت له: يا بني، عبد الله من هذا؟ 
فقال : المرتعش. 
فقلت له : أراه من اسمه مضطرا لا مختارا، 
فقال المرتعش: بقيت على الأصل والمختار مدع، ولا اختیار . 
فقلت له : علام بیت توحيده ؟ 
قال : على ثلاث قواعد. 
فقلت : توحيد على ثلاث قواعد ليس بتوحيد . فخجل، 
فقلت له : لا تخجل من ما هي.
قال : قصمت ظهري .
فقلت : أين أنت من سهل و الجنيد وغيرهما، وقد شهدوا بكمالي. 
فقال مجيبا بقواعد توحيده :
رب فرد ونفسي ضد      ….  قلت: ليس ذاك عندي 
فقال : ما عندكم؟ فقلنا:    ….  وجود فقدي وفقد وجدي
توحید حقي بترك حقي   ….     وليس حتي سواي وحدي 

فقال : ألحقني بمن تقدم. 
قلت: نعم، وأنصرفت، وهو يقول: 
يا قلب سمعا له وطوعا    …..     قد جاء بالعيان بعدي 
فالتفت إليه وقلت :
ظهرت في برزخ غريب   ….    فالرب ربي والعبد عبدي 
قال الشيخ في شرح هذا التجلي : 
قوله (نصبت كرسيا في بيت من بيوت المعرفة بالتوحيد فظهرت الألوهية مستوية على ذلك الكرسي)
أراد بالبيت مقاما أو حالا، وأما الكرسي فحال للمتجلي، وهو الحضرة التي ظهرت فيها الألوهية . والبيت أيضا هو الذي ظهر فيه العيد. 
قوله : ( فظهرت الألوهية). أي ظهرت جميع الأسماء ، لأن الألوهية إنما هي المرتبة الجامعية. 
وقوله : (عليه ثلاثة أثواب). فالثوب الذاتي هو ثوب العبودية والثوب الذي لا يرى هو كل ثوب لا ينقال ، والثوب المعار هو كل علم تقع فيه الدعوى، فيقال به: فلان عالم. 
والعارف يعلم أن العالم غيره لا هو، فإنه ما يعلم الأشياء إلا الحق تعالى فهذا هو معنى العارف. 
وقول المرتعش لما سأله : (سل منصورا) فأحال على غيره، فكان ذلك دعوى منه بكونه لو أجاب عن نفسه لما زاد على اسمه ولما أحال على غيره ، علم أن ذلك الغير يبين مرتبته للسائل عنه ليراه بعين كبيرة، فكانت هذه الحركة عن دعوى باطنة.
فلذلك لما قال له غيره عن أسمه المرتعش أجابه عنه بما أجابه عنه ليعلم أن حركة العارفين إنما تبنى على أصول محققة. 
ولما سأله عن توحيده على ماذا بناه قال : على ثلاث قواعد، لذلك كان لباسه ثلاثة أثواب.
وأيضا فإن هذا شرط علم الدليل، وهو علم العقلاء وليس علم المحققين. 
كذلك فإن توحيدهم توحيد النسب. 
وقوله : (قصمت ظهري، فقلت له سل سهلا وغيره عن هذه الصفة ، فإنهم يشهدون بكمالها لا بكمالي). 
"" أضاف المحقق : الجملة كما سبق أن أوردها الأمير عبد القادر هي(قصمت ظهري فقلت : أين أنت من سهل و الجنيد وغيرهما وقد شهدوا بكمالي) ""
وقوله : (رب فرد ونفي ضد) 
فالرب ههنا هو الثوب المعار، والفرد هو الثوب الذاتي، ونفي ضد هو الثوب الذي لا يرى . 
وقوله : (قلت ليس ذاك عندي) 
أي لم يكن توحيدي على ذلك الأمر، بل كله عندنا وأحد، لكونك أنت أثبت ثم نفيت. وفي نفس الأمر ليس ثم ضد فبقينا نحن على الأصل. 
وأما الرب فلا يشارك على التحقيق فلم يبق إلا ثوب العبودية وتبقى في قبالها ربوبية محضة. 
وقوله في البيت الثاني: (..........   فقلنا وجود فقدي وفقد وجدي)
أي تارة أنظره من حيث هو وتارة من حيث أنا وتارة أكون موجودا عند مخاطب بالتكليف، وتارة أكون معدوما، وتارة بما شاهدته فيوجدني بالتكليف ويفقدني بالشهود. 
وقوله في البيت الثالث(توحید حقي بترك حقي) 
أي أنه لما أثبت حقي كان ترکه حقى لكونه تعالى إنما أثبته امتنانا لا تعطيه حقیقتي، وحقيقتي تعطي أن لا حق لي.
فتوحید حقي صحيح أن أكون وحدي على ما تعطي حقيقتي الأصلية بقائها ووجدها معراة عن أوصاف الربوبية التي هي أثواب معارة على العقد. 
وهاهنا ترك المحققون الأكابر التصرف في الوجود لما أعطوه عندما رأوه عندهم عارية.
وقوله في البيت الأخير الذي ختم به
ظهرت في برزخ غريب      …..    فالرب ربي والعبد عبدي
أي بين حضرة الرب والعبد، تارة ينظر الربوبية، وتارة ينظر العبودية ، وتارة أنظر حقه الذي من به علي، فأعامله بما تقتضيه الربوبية، وتارة أنظر إلى عبوديتي فأعامله بما تقتضيه العبودية. 
وهذا البرزخ لا يقام فيه، إلا الأكابر من الرجال، فيأخذ من الربوبية علوما فيلقيها على العبودية ثم يبرزها أعمالا.
وقوله: (الرب ربي). أي الرب الذي لي خاصة لانفرادي به خاصة وعدم الوسائط بيني وبينه.
وقوله : (والعبد عبدي). أي خالص من الأكوان كلها على اختلافها، وصرت مهما أخذته من ربي خلعته على الأكوان وعينت مراتبها بما ألقيه عليها من حضرة الربوبية، وأنا أعرج تارة إلى هذا المقام الأرفع، وتارة أنزل إلى الأكوان عند وجود التكاليف، أنزل إلى الكون وأقوم بوظائف التكاليف، ثم أعود. 

والدليل على ذلك حديث القبضة التي ذكرها أبو داود السجستاني في سننه فقد تعين في ذلك الحديث ما ينبه على مقام البرزخ الذي كان آدم - صلوات الله وسلامه فيه ، وتعين فيه أيضا تدليه على عالم التكليف ليعمرها ثم برقية إلى مقام ، فانظر من مناسبتها في الحديث تجدها إن شاء الله ولنرجع إلى ما نحن بصدده .
قول سیدنا رضي الله عنه : (ومن أعجب الأمر أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور مثل قوله : "وأتوا به متشابها" [البقرة: 25]
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف من حيث إنهما شبیهان، غير ان.)
يقول رضي الله عنه : ومن أعجب نفس الأمر الذي هو مجموع الأمور والأحكام المختلفة الواقعة في جميع الإدراکات ، كما تقدم بيانه، أنه أي الإنسان ، وكذا الجان دون سائر المخلوقات في الترقي في معرفة الله دائما شقيه وسعيده في الدنيا وفي البرزخ. 
إذ الجميع تحت قبضة الأسماء الإلهية ، فهي تمشي بهم السعيد فيما يسعده والشقي فيما يشفيه .
ولا يشعر المحجوب بذلك الترقي الذي هو فيه دائما إلا بعد كشف الغطاء.
فيعرف السعيد ما ترقي فيه مما أسعده، والشقي ما ترقي فيه مما أشقاه ، فالتجلي بالترقي دائم لا حجاب عليه، ولكنه لا يعرف في الظاهر . 
وينكشف الترقي للسعيد والشقي عند رفع الحجاب . 
ورفع الحجاب مختلفة أوقاته ، فمن الناس من يرفع عنه الحجاب في الدنيا، ومنهم عند الموت، ومنهم بعد الموت ، ومنهم عند الحساب، ومنهم بعد نفوذ الوعيد. 
وإنما كان الإنسان لا يشعر بالترقي الذي له دائما للطافة الحجاب ورقته، وهو سرعة إقامة المبدل منه بلا تخلل فترة فلا يهتدي إليه، ويشعر به إلا أهل الكشف، فإن العالم في الوجود الخيالي، وحقيقة الخيال التحول من صورة إلى صورة في كل نفس. 
وسبب عدم التمييز بين الشيء و شبهه هو سرعة التبدل، كما في صاحب خفة اليد والشعبذة. 
وهذا حجاب لطيف رقيق المحجوب يظن أن المتجدد من الصور عين الزائل بحجاب المثلية بظهور أمثالها، من أجل أن الزائل يعقبه مثله، وليس الأمر كذلك. 
بل أحكام الحق تعالى وتجلياته، وأمره في كل زمان فرد وحال مختص بذلك الزمان والحال وأهلهما،
موجب الحكم بالاستمرار والدوام في الصور والأحوال ما هو إلا حجاب المثلية . و تشابه الصور ومثل الشيء ما هو عينه . 
وهذا مما يظن عامة الناس انه ظاهر واضح لا شك فيه لاستئناسهم بتجدد الأمثال المتشابهة ، وليس الأمر كما ظنوا، بل هو خفي ليس بواضح، وهذه المتشابهة في مثل قوله تعالى في صفة ثمرة أهل الجنة :
"كلما رزقوا" [البقرة: 25]. أي أهل الجنة : "منها" [البقرة: الآية ۲۵]. أي من الجنة : "من ثمرة رزقا " [البقرة: الآية ۲۰] . من ثمرات الجنة : "قالوا" [البقرة: الآية 25 ]. 
من حيث الرؤية: "هذا الذي رزقنا من قبل" [البقرة: 25]. في الدار الدنيا أو في الجنة.
" وأتوا به" {البقرة: الآية ۲5]. أي بذلك النوع : "متشابها" [البقرة: 25].
يشبه الحاصل منه في الآخرة ما كان حاصلا منه في الدنيا أو في الجنة بحيث يشبه بعضه بعضا في اللون.
وقد ورد في الحديث الصحيح: أنه يؤتي أحد أهل الجنة بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بالأخرى فيقول هذا الذي أوتينا به من قبل. 
فيقول له الملك ، كل اللون واحد والطعم مختلف، وليس هو الواحد المتجدد من المتشابهين المتماثلين عين الأحمر الزائل.
فإن الشبيهين عند العارف بالفرق بين المتجدد والزائل من حيث أنهما شبیهان غیران، ولو لم يكن المتشابهان غیرین ما قيل شبیهان. ولقيل أنها عين واحدة. 
فإن المتشابهين هما المشتركان في أمر دون أمر آخر، فلا بد من فارق بينهما عند العارف، فلا يكون الواحد عين الآخر، فإن الله ما خلق في الدنيا ولا يخلق في الآخرة صورتين متماثلتين من كل وجه لا تتميز إحداهما عن الأخرى، هذا محال لا في الخلق المحسوس ولا في صور التجلي لأهل الكشف. 
فإن الله تعالى ميز كل شيء في العالم بأمر وذلك الأمر هو الذي ميزه عن غيره وهو أحدية كل شيء. 
ولكن الأمثال توهم الرائي والسامع التشابه الذي يعسر فصله إلا على الخواص من عباد الله ، للطافة. 
ومن علم الاتساع الإلهي علم أن لا يتكرر شيء في الوجود . 
ويدل على ذلك اختلاف الأحكام على الأعيان أعيان الصور في كل حال.
فلا بد أن تكون هذه العين التي لها هذا الحال الخاص ليست تلك العين التي كان لها ذلك الحال الذي شوهد مضيه وزواله. 
وانظر هل ترى فيما ترى من المخلوقات من إنسان وحيوان ونبات صورتين متماثلتين من كل وجه؟
لا ترى ذلك أبدا، فالجاهل يقول الشي، إما واحد أو كثير، وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد، فهو يرى العين الواحدة التي هي جوهر العالم. 
وسيأتي بيان تجدد الصور عليها في كل نفس، وكل صورة غير الأخرى، فإن التجلي الإلهي لا يشرك بين صورتين، ولا تكون صورة إلا عن تجل خاص لها، سواء في ذلك الصور الحسية و العقلية والخيالية ، يقظة ومناما . فإن فعل الحق تعالى دائم . 
فهذه رؤية صاحب التحقيق لجميع صور العالم، كما يعلم صاحب التحقيق أن مدلول الأسماء الإلهية التي لا تحصى كثرتها مع اختلاف معانيها ومدلولاتها، وإن اختلفت حقائقها ومدلولاتها ترجع إلى عين واحدة. 
فهذه الكثرة الحاصلة في الأسماء الإلهية كثرة معقولة، فإنها نسب وإضافات واعتبارات. 
فتكون الكثرة في التجلي الإلهي في الصور من كل ما يطلق عليه أسم صورة کثرة مشهودة في عين واحدة مرئية، بعين الحس والخيال والعقل، والحق من وراء ذلك كله من حيث الذات، ولا يعتام عليك أيها العاقل المحجوب کون صاحب التحقيق يرى الكثرة الحاصلة من صور التجلي في العين الواحدة.

.

    
واتساب

No comments:

Post a Comment