Thursday, September 12, 2019

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

12 - The Wisdom of the Heart in the Word of Shu'aib 

الفقرة العشرون:
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشيخ عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
اعلم أن القلب وإن كان موجوداً من رحمة ٍ فإنه أوسع من رحمة الله. لأن الله أخبر أن قلب العبد وسعه [ووسعني قلب عبدي .. ] ورحمته لا تسعه.
فإنها لا يتعلق حكمها إلا بالحوادث.
وهذه مسألة عجيبة إن عُقلت، وإذا كان الحق كما ورد في الصحيح يتحول في الصور مع انه في نفسه لا يتغير من حيث هو.
فالقلوب له كاشكال الأوعية للماء يشكل بشكلها مع كونه لا يتغير عن حقيقته. فافهم.
ألا ترى أن الحق كل يومٍ هو في شأن.
كذلك القلب يتقلب في الخواطر.
ولذلك قال: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ق: 37].
ولم يقل، عقل، لأن العقل يتقيد بخلاف القلب. فافهم.

إنّما خصّت الحكمة القلبية بالكلمة الشعيبية لأمرين:
أحدهما رعاية المفهوم من اسمه عليه السلام، و هو «التشعيب»، فانّ شعيبا عليه السلام كان من العرب، و اسمه اسم عربى كذا ورد في النقل أنّ هودا و صالحا و شعيبا و يونس و لوطا كانوا من العرب.
و بالجملة، فلمّا كان القلب منبع الشعب المنبثّة في أقطار البدن الإنساني- بل في سائر الحيوانات التامّة الخلقة و هو أوّل ما يتكوّن من الإنسان و الحيوان- و كان شعيب عليه السلام أيضا كثير الشعب لكثرة نتائجه و أولاده، ناسب التخصيص المذكور.
و الأمر الآخر أنّه كان الغالب على شعيب عليه السلام الصفات القلبية من الأمر بالعدل و إيفاء الكيل و الوزن بالقسط. و القلب هو مظهر العدل و صورة أحدية الجمع بين الظاهر والباطن واعتدال البدن وعدالة النفس، ومنه يصل الحياة والفيض إلى جميع الأعضاء على السوية بمقتضى العدل.
وله أحدية جمع القوى الروحانية والنفسانية و البدنية.
ومنه ينشعب هذه القوى بالقسطاس المستقيم و تتوزّع على كل عضو عضو بمقتضى استعداده و قوّة قبوله، و يأتى المدد إليها دائما على نسبة محفوظة القدر بالعدل.
و له إيفاء كل ذى حق حقّه.
(اعلم أن القلب)، يعنى قلب العارف باللَّه، لأنّ قلب غيره لا يسمّى‏ «قلبا» في عرفهم إلّا مجازا، كما قيل، وإنّما قلنا «باللَّه» لأنّ قلب العارف بغيره من الأسماء ليس له السعة المذكورة فيما بعد.

(و ان كان)، أي القلب، (موجودا من رحمة الله)، أي الوجود المفاض عنه على عباده، أو ما به يتعطّف عليهم و يشفق عليهم و يرحمهم، فيهب لهم الوجود، فإنه، أي القلب، أوسع من رحمة الله، لان الله أخبر على لسان رسوله صلّى الله عليه و سلم في حديث قدسي أن قلب العبد وسعه جمعا و تفصيلا.
حيث قال سبحانه، «ما وسعني»، أي من حيث مرتبتي جمعى و تفصيلى، «أرضى»، أي الأجسام السفلية، «و لا سمائى»، أي الأرواح العلوية، «و وسعني» من حيثهما «قلب عبدى المؤمن، فانّه يتقلّب معى و فىّ و بى و لي بحسب تقلّبى في الشؤون».
و رحمته لا تسعه إلّا في مرتبة تفصيله، فإنها، أي الرحمة، لا يتعلق حكمها الا بالحوادث، التي هي مرتبة تفصيله.
فان قيل، «رحمته تسع القلب، و القلب لا يسع نفسه، فلا يكون القلب أوسع» قلنا، «القلب يسع نفسه من حيث الاحاطة العلمية، و كيف لا، و قد وسع الحق جمعا و تفصيلا، فلا يشذّ عنه شي‏ء من الموجودات.»
(و هذه،) أي كون القلب أوسع من رحمة الله سبحانه، مسألة عجيبة و فائدة غريبة ان عقلت و فهمت منها المراد و استفدت منها ما ينبغي أن يستفاد. و الله ولى الرشاد و الموفّق للسداد.
اعلم أنّ لكل قلب خمسة أوجه:
وجه مواجه حضرة الحق سبحانه، لا واسطة بينه و بين الحق و وجه يقابل به عالم الأرواح، و من جهته يأخذ من ربّه ما يقتضيه استعداده بواسطة الأرواح
و وجه يختصّ بعالم المثال، و يحتظى منه بمقدار نسبته من مقام الجمع و بحسب اعتدال مزاجه و أخلاقه و انتظام أحواله في تصرّفاته و حضوره و معرفته و وجه يلي عالم الشهادة و يختصّ بالاسم «الظاهر» و «الآخر»،
و وجه جامع يختصّ بأحدية الجمع، و هي التي تليها مرتبة الهوية المنعوتة بالأوّلية و الآخرية و الظهور و البطون و الجمع بين هذه النعوت الأربعة.
و لكل وجه مظهر من الأناسى. و الذي هو صورة قلب الجمع و الوجود، كنبيّنا صلّى الله عليه و سلّم، فانّ مقامه نقطة وسط الدائرة الوجودية.
فوجوه قلبه الخمسة تواجه كلّ عالم و حضرة و مرتبة و تضبط أحكام الجميع و تظهر بأوصافها كلها بالوجه الجامع المنبّه عليه آنفا.
و إذا عرفت هذا، فنقول، أعظم الأشياء الموصوفة بالسعة من جانب الحق و الرحمة و القلب الإنساني و العلم، فانّه قال في سعة الرحمة، «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ».
و قال في الرحمة و العلم معا بلسان الملائكة، «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً»، و قال في سعة القلب الإنساني، «ما وسعني أرضى و لا سمائى، و وسعني قلب عبدى المؤمن» الحديث.
و لا شك أنّ بين سعة كل واحدة من هذه الثلاثة و بين الآخرين تفاوتا لا يعرف حقيقته ما لم يعرف حقيقة الرحمة و أحكامها و حقيقة العلم و كيفية تعلّقه بالمعلومات و حقيقة القلب الذي وسع الحق.
فلنبدأ- بتأييد الله و إمداده- بذكر سعة العلم الذاتي الإلهي و تعلّقه بالحق و بالمعلومات، فنقول، اعلم أنّ تعلّق علم الحق بذاته على نوعين، و كذلك تعلّقه بالمعلومات:
فانّ للحق تعيّنا في عرصة تعقّله نفسه، و لهذا التعيّن الإطلاق بالنسبة إلى تعيّن كل شي‏ء في علم كل عالم و بالنسبة إلى تعيّن الحق في تعقّل كل متعقّل، فعلمه سبحانه يتعلّق من حيث تعيّنه في نفسه و من حيث تعيّنه في تعقّل كل متعقّل.
و يتعلّق علمه تعالى أيضا بذاته على نحو آخر، و هو معرفته بذاته من حيث إطلاقها و عدم انحصارها في تعيّنها في نفسها.
و هذه المعرفة هي معرفة كلية جملية.
و يتعلّق علمه بالمعلومات أيضا على نحوين: أحدهما باعتبار تعيّنها في علمه و تعقّل امتياز بعضها عن بعض، غير أنّ هذا النحو من التعلّق العلمي لا يشمل جميع الممكنات، بل يختصّ بما قدّر دخوله في الوجود في دور أو أدوار محصورة.
و أمّا بالنسبة إلى جميع الممكنات من حيث أنّها غير متناهية، فانّ العلم لا يتعلّق بها إلّا تعلّقا كليا جمليا، كما أشرت إليه في شأن الحق سبحانه من حيث إطلاقه.
و علّة هذا الشبه و الاشتراك التامّ بين الحق و الممكنات هو أنّها في التحقيق الأوضح شئون ذاته الكامنة في إطلاقه و غيب هويته، و لا مخلص لأحد في علمه بالحق من تجاوز التعيّنات التعقّلية و الانتهاء إلى تعيّن الحق في تعقّله نفسه و شهوده.
اتّصال ذلك التعيّن من وجه بالإطلاق الذاتي الغيبى العديم الوصف و الاسم و الرسم و الحصر و الحكم، إلّا لمن كان حقيقته البرزخ الجامع بين الوجوب و الإمكان و أحكامهما فانّه يواجه باطلاقه غيب الذات باعتبار عدم مغايرته له دون توهّم تعدّد و امتياز.
فافهم و تدبّر غريب ما أسمعت و ما عليه نبّهت، تعرف أنّه ليس شي‏ء أوسع من العلم بشرط
معرفته على الوجه المذكور.

و أمّا سعة الرحمة المشار إليها في الكتاب و السنّة، فتختصّ ببعض المحدثات المتعيّنة في اللوح المحفوظ بكتابة القلم الأعلى. و هي المنشعبة إلى مائة شعبة، كما أشار إليه صلّى الله عليه و سلّم.
و أمّا سعة القلب الذي وسع الحق، فهي عبارة عن سعة البرزخية المذكورة الخصيصة بالإنسان الحقيقي، الذي هو قلب الجمع و الوجود.
فالإنسان الحقيقي الذي هو قلب الجمع و الوجود، و قلبه برزخيته، و علمه المنبّه عليه آنفا. فافهم.
و إذا كان الحق سبحانه كما ورد في الصحيح يتحول يوم القيامة لأهل المحشر في الصور، أي صور اعتقاداتهم بحسب قابلياتهم و موجب استعداداتهم، (مع أنه تعالى في نفسه لا يتغير) عمّا هو عليه من حيث هو.
(فالقلوب) المتجلّى لها له، أي للحق سبحانه، (كأشكال الاوعية) المتشكّلة بأشكال مخصوصة، كالاستدارة و التثليث و التربيع و غيرها، (للماء)، الذي ليس مقيّدا بشكل مخصوص لكنّه (يتشكل بشكلها)، أي الأوعية، (مع كونه) في حد ذاته (لا يتغير عن حقيقته) المائية.
"" أضاف الجامع : قال الشيخ عبد الكريم الجيلي فى العينية :
و لكنها أحكام رتبتك اقتضت ..... …ألوهية للضد فيك التجامع
و ما الخلق فى التمثال إلا كثلجة ..... …و أنت بها الماء الذى هو نابع
فما الثلج فى تحقيقنا غير مائه ..... …وغير ان فى حكم دعتها الشرائع
و لكن بذوب الثلج يرفع حكمه ..... و يوضع حكم الماء و الأمر واقع
تجمعت الأضداد فى واحد البها ..... و فيه تلاشت فهو عنهن ساطع
فكل بهاء فى ملاحة صورة ..... …على كل قد شابه الغصن يانع   ""
(فافهم ) ما ذكرنا من المثال لتعرف منه حال الممثّل له، فانّه كما أنّ الماء لا شكل له في نفسه يتقيّد به- بل يتشكّل بشكل وعائه.
كذلك الحق المطلق سبحانه ليس له في ذاته صورة مخصوصة يتجلّى بها، بل يتجلّى على صورة العبد المتجلّى له، فانّ أهل التجلّيات إنّما يرد عليم التجلّى بحسب استعداداتهم و خصوص قابلياتهم الوجودية.
و كذلك استعداداتهم في عرصة الوجود العيني إنّما تكون بموجب استعداداتهم الغيبية الغير المجعولة في حضرة العلم الذاتي. فمهما حصل تجلّ لمتجلّى له في حضرة الوجود العيني، فانّما يحصل على صورة استعداد العين الثابتة الأزلية التي لهذا المتجلّى له.

فأرباب الاستعدادات المخصوصة- التي تعطيهم استعداداتهم الاعتقادات الجزئية التقيّدية«1»- إذا تجلّى الحق لهم، رأى كلّ أحد صورة معتقده فيه فما رأى سوى نفسه و ما جعله في نفسه من صور الاعتقاد. و العبد الكامل ليس كذلك، فانّ له استعدادا كليا و قابلية أحدية جمعية، و خصوصه الإطلاق من كل قيد و السراح من كل حصر و الخروج عن كل طور. فهو يقابل باطلاقه عن نقوش القيود الاعتقادية إطلاق الحق و يقابل كذلك كلّ حضرة من الحضرات التي يكون منها و فيها و بحسبها التجلّى بما يناسبها ممّا فيه من تلك الحضرة.
فيقبل جميع التجلّيات مع الآنات بمرائيه و مجاليه التي فيه من غير مزاحمة.
و التجلّى الذاتي الغيبى دائم الاشراق من الغيب المطلق الإلهي الذاتي على غيب قلبه المطلق الإلهي الأحدى الجمعى الكمالي- جعلنا الله و إيّاك من أهله بحوله و طوله.
(ألا ترى) هذا توضيح و تنوير لما سبق من تحوّل الحق في الصور- (أن الحق «كُلَّ يَوْمٍ»)، أي كلّ آن- فانّ «الآن» هو يوم الذات، لا ينقسم أبدا- «هُوَ في شَأْنٍ» و ما أعظم شأن ذى الشأن الذي هذا شأنه في كل آن!
كذلك، أي كما يتقلّب الحق سبحانه في شئونه، كذلك، القلب يتقلب حسب تقلّبه سبحانه في الخواطر و الصفات و الأحوال. و لذلك، أي و لتقلّب القلب في الخواطر، قال سبحانه، «إِنَّ في ذلِكَ»، أي القرآن، «لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» يتقلّب في أنواع الصور و الصفات.
و لم يقل، «له العقل»، لان العقل يتقيد بالاعتقادات الجزئية، فيحصر الأمر الإلهي- الذي لا ينحصر- فيما يدركه، بخلاف القلب، فانّه لكونه محلّا لتجلّيات مختلفة من الإلهية و الربوبية و تقلّبه في صورها يتذكّر ما نسيه ممّا كان يجده قبل ظهوره في هذه النشأة العنصرية، و يجد هنا ما أضاعه، كما قال عليه السلام، «الحكمة ضالّة المؤمن». فافهم.

اعلم أنّ بين «القلب» و «القبول» و «القابلية» مناسبة معنوية و لفظية: أمّا المعنوية، فلأنّ له قابلية قبول صور جميع التجلّيات.
و أمّا اللفظية، فلأنّه لو لا قبليّة بعض حروف «القلب» و «القابل» و قلبه، لكان هو هو- و قلب الشي‏ء لغة أن يجعل أوّله آخره أو ظاهره باطنه جمعا و فرادى.
و إذا قلبت لفظ «القلب»، فانّ «القبول» و «القابلية» من تقاليبه.
و أمّا «العقل» لغة، فهو القيد و الربط و الضبط. فمقتضاه التقييد. 
و حقيقة الذكرى بالحق عن الحق- المطلق عن كل قيد، حتّى عن قيد الإطلاق الذي يقابله التقييد- تنافي العقل، الذي حقيقته القيد و الضبط.
و لهذا ظهر هذا الحصر و القيد أوّلا في العقل الأوّل، الذي عقل نور التجلّى المطلق باستعداده الخصوصى التقييدى.
فأقامه الله لمظهرية هذا السرّ، و هو القيد.
فحقيقته تقييد النور المطلق. فقال له الحق، «اكتب»، أي قيّد و اجمع علمى في خلقى إلى يوم القيامة.
و ذلك قيد لقيد في قيد.
و قبول جميع التجلّيات الغير المتناهية دائما أبدا ليس إلّا للحقيقة الانسانية الإلهية الأزلية الأبدية الكمالية الجمعية الأحدية، فهي قلب الوجود الحق، و له حقيقة الذكرى.
 .

واتساب

No comments:

Post a Comment