Thursday, September 12, 2019

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة التاسعة .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

12 - The Wisdom of the Heart in the Word of Shu'aib 

الفقرة التاسعة : 
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.  فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه . فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه . فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه . فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه . وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه )

قال رضي الله عنه : (فانظر) يا أيها السالك (ما أعجب أمر الله) تعالى الواحد القديم الظاهر بالصور الحادثة كلها إلى الأبد باعتبار قيامها به إيجادا وإمدادا (من حيث هويته)، أي حقيقته الواحدة المطلقة بالإطلاق الحقيقي .
قال رضي الله عنه : (ومن حيث نسبته) تعالى، أي كونه متوجها (إلى) صور (العالم) كلها (في حقائق أسمائه الحسنى) الأزلية يتحول بها في الصور على مقتضى ما تطلبه من الآثار، فيظهر في صورة الشاهد وصورة المشهود، وصورة الغافل والمغفول عنه، والعارف والمعروف، وأنواع كثيرة من غير أن يتعدد أو يتكثر أو يتحول في نفسه، أو يتبدل عما هو عليه في الأزل من إطلاقه الحقيقي، وإذا علمت هذا [شعر]
قال رضي الله عنه : (فمن) يعني كل شيء من كل عين محسوسة أو معقولة (ثمة)، أي هناك يعني في الحس والعقل في الدنيا والآخرة عند العارف والجاهل والمعتقد والمنكر (وما ثمة)، أي هناك من كل حال من أحوال عين من الأعيان المذكورة (وعين) واحدة (ثم)، أي هناك وهي المعروف الذي يتجلى لقلب العارف في كل شيء هو اعتقاد الجاهل الذي يؤمن به ويكفر بما عداه فإن الجمع (هو)، أي هويته الحقيقية والذات الغيبية (ثم)، أي هناك ظاهر في كل ما ذكر من الصور (فمن قد عمه)،
أي الحق تعالى بأن قال بعموم ظهوره في كل شيء (خصه)، أي كان ذلك القول تخصيصا له بما يعلم ذلك القائل من كل شيء، والحق تعالی أعم من ذلك التعميم المذكور بحيث يعود تعميمه تخصیص من السعة التي لا نهاية لها (ومن قد خصه).
أي خص الحق تعالى باعتقاد اعتقده فيه ونفي عنه ما عدا ذلك الاعتقاد فإنه قد (عمه)، أي عم الحق تعالی بذلك التخصيص من جهة أن اعتقاده الذي خصص الحق تعالی به دون كل ما عداه من الاعتقادات، هو اعتقاد من جملة الاعتقادات كلها، مساو لها عند دعواه أيضا بأنه تعالى لا يشابه شيئا من الحوادث.
وذلك الاعتقاد الذي خصه به حادث مثل بقية الاعتقادات، والكل مخلوق، وقد قال تعالى: "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" [الملك: 3].
وقال تعالى: "الله خالق كل شيء" [الرعد: 16].
فمساواة اعتقاده الذي خص الحق تعالی به لجميع الاعتقادات كلها بل لجميع الصور المحسوسات والمعقولات أمر لازم لذلك التخصيص، فيلزم من ذلك التخصيص التعميم سواء شعر صاحبه أو لم يشعر.
(فما عين) من جميع الأعيان المحسوسة والمعقولة أو الموهومة موجودة أصلا (سوی)، أي غير (عين) واحدة فقط، ولكنها ظاهرة في جميع صور الأعيان الكثيرة المذكورة، ثم بين تلك العين الواحدة حيث قال (فنور)، أي فهي نور من قوله تعالى: "الله نور السماوات والأرض" [النور: 35]، وذلك من حيث البطون، وأما من حيث الظهور فإن (عينه)، أي عين ذلك النور يعني ما يعاين منه (ظلمة)، لأن عينه هي الصورة الممكنة العدمية الكثيرة في الحس وفي العقل وفي الوهم والخيال في الدنيا وفي الآخرة. 
(فمن)، أي فالإنسان الذي (يغفل عن) استحضار (هذا) المشهد المذكور (يجد في نفسه غمة)، أي حزنا شديدا وهما مديدة لتعلق خواطره بالأغيار وافتتان بصیرته بفتن هذه الدار.
فتراه يبغض هذا ويحقد على هذا ويحسد هذا ويداهن هذا ويراعي هذا ويخون هذا ويكذب على هذا ويحتقر هذا ويخاف من هذا، إلى غير ذلك من أحوال الغافلين وظلمات المحجوبين الجاهلين، والله تعالى بصير به في جميع ذلك ومطلع عليه من حيث لا يشعر في كل ما هنالك.
قال سبحانه : "أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون" [الزخرف: 80].
(ولا يعرف ما قلنا هنا) من هذه الأسرار وشواهد هذه الأنوار (سوی)، أي غير (عبد) من عباد الله تعالى المخلصين العارفين به سبحانه.
(له همة) عالية لا ترضى بخسيس الأحوال و الأسافل من لذات الدنيا السريعة الزوال.
ولا تنطق إلا بمعالي الأمور ولا يقف بها المسير دون الوصول إلى حقيقة النور. 
قال الله تعالی :

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

فانظر ما أحجب أمر الله من حيث هويته) فإنه واحد في حد ذاته لا تعدد ولا كثرة فيه لأنه غني عن العالمين من هذا الوجه .
(ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى) فإنه مثکثر بهذا الوجه فلا ينافي وحدة ذاته فإنه واحد بالذات كثير بالأسماء فإذا كانت العين واحدة في الأمور المتكثرة.
شعر :
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه 
قال رضي الله عنه : (فمن ثمة) أي في الوجود أو في العالم استفهام الأولي العقول (وما ثمة) استفهام لغير ذوي العقول (وعين ثمة) أي في ذوي العقول (هو) أي العين الذي في ذوي العقول (ثمة) أي عين العين الذي في غير ذوي العقول معناه أخبر وفي عين العقلاء وغير العقلاء.
أي شيء هما في الوجوه والحال أن العين الذي في العقلاء هو العين الذي في غير العقلاء فليس في الوجود إلا هو لا غير .
والذي ظهر في صورة العقلاء في مرتبة هو الذي ظهر في صورة غير العقلاء في مرتبة أخرى فإذا كان كذلك
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
قال رضي الله عنه : (فمن قد عمه) أي الذي عم العين إلى الأفراد المخصوصة .
(خصه) أي خص ذلك العين لا غير إذ العالم يقتضي خاصة ليشمله (ومن) قد (خصه) أي جعله خاصة تحت عام (عمه) ذلك الحين الذي جعله خاصة إذ الخاص يقتضي
العام أيضا لكونهما من الأمور المتضائقة التي لا يدرك أحدهما بدون الآخر .
فالعين واحدة ظهرت في مرتبة بصورة العموم وأخرى بصورة الخصوص فالضمائر عائدة إلى العين باعتبار الوجود أو باعتبار الحق .
فما عين سوی عین   …..   فنور عينه ظلمة 
(فما) أي فليس. مع أن النور متضاد للظلمة إذ لا تضاد في الأشياء من حيث الوجود والحقيقة .
فإذا التضاد يقتضي الغير ولا غير بهذا الوجه فلا تضاد
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
(فمن يغفل عن هذا) المقام مقام الوحدة (يجد في نفسه) أي في قلبه (غمة) بضم الغين المعجمة أي الظلمة وهي حجاب الكثرة
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه 
قال رضي الله عنه : (ولا يعرف ما قلنا ) من أن العين واحدة في حد ذاته وكثيرة الأسماء والصفات (سوی عبد له همة) أي الذي لا يقنع بظواهر العلوم التي تحصل بنظر العقل بل يطلب العلم الذي يحصل عن كشف إلهي وهو صاحب قلب كما قال تعالى في القرآن المجيد "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب".

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى. فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه  . فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه . فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه . فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه . وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قوله: فمن ثم غير الله؟ وما ثم غير الله؟ وهما استفهام بمعنى الجحد والتقرير" لكون الحق ليس معه غيره. 
قوله: وما عين سوی عین الحق فهو نور عينه كالظلمة، لكونه ينبهم معناه على غير أهل الشهود.
وأما الغمة التي يجدها من يغفل، فهي غمة فقده لنفسه، لأنه يرى الحق تعالى قد ملك عليه نفسه التي هي ذاته فكان الحق الذي لم يزل، وفني الباطل الذي لم يكن ولا شك أن المحو والمحق والسحق الذي تجده هذه الطائفة ظاهره غمة.
قال : ولا يعرف ما قلنا سوى عيد له همة إلهية لا كونية، ثم فضل، رضي الله عنه، القلب على العقل لورود الآية الكريمة وهي قوله تعالى: "إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" [ق : 37] .
ولم يقل له عقل ولذلك كانت أرباب القلوب أشرف من أرباب العقول.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه :
فمن ثمّ ؟ وما ثمّ ؟   .....   وعين « ثمّ » هو ثمّة
يستفهم رضي الله عنه على بصيرة بـ « من » و " ما " في نفس الحقيقة عنها ، ويثبت أنّ الحق هو هو في كل عين عين .
« ثمّ » أي في الواقع الموجود المشهود .
قال رضي الله عنه :
فمن قد عمّه خصّ  ....    ومن قد خصّه عمّه.
أي : الحق الذي عمّ ما ثمّ بالوجود خصّ كلّ متعيّن بخصوصية وحكم وصورة وهو إن خصّه كذلك بخصوصية تخصيصه بعين عين ، فقد عمّها بالحقّية والوجود ، فكان عين الكلّ هو هو ولا غير .

قال - رضي الله عنه - :
فما عين سوى عين  ....   فنور عينه ظلمة
فمن يغفل عن هذا     .....  يجد في نفسه غمّة
ولا يعرف ما قلنا     ....  سوى عبد له همّة
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : "فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى ) .
" كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه " فانظر عجائب أمر الله من حيث هويته ، فإنه أحد لا كثرة فيه بحسب ذاته وحقيقته ، وإله واحد من حيث نسبته إلى العالم بالمعاني المختلفة التي هي حقائق الأسماء ، فأعجب ولا تغب عنه في التجليات الغير المتناهية فإنه أمر واحد لا موجود غيره :
( فمن ثمة وما ثمة    ....   وعين ثمة هو ثمة )
استفهم بمن وما عن الحقيقة الأحدية على بصيرة ، لأن الحق عين كل شيء عاقل وغير عاقل ومعنى ثم في الواقع المشهود وعين ثم هو ثمة : أي وعين موجود في الواقع هو نفس الواقع ، إذ الواقع عينه ليس غيره .
( فمن قد عمه خصه   ....   ومن قد خصه عمه )
فمن قال بأنه يعم الكل من حيث كل خصه بأنه عين كل واحد ، ومن قال بأنه خصوصية كل واحد عمه بأنه شمل الكل من حيث هو كل .
"" أضاف بالي زادة :  (فمن ثم ) أي في الوجود استفهام لأولى العقل ( ومما ثم ) استفهام لغير ذوى العقل ( وعين ثم ) أي في ذوى العقول ( هو ) أي العين الذي في ذوى العقول ( ثمة ) أي في غير ذوى العقول معناه أخبروني عن العقلاء وغير العقلاء أي شيء هما في الوجود ، والحال أن العين الذي في العقلاء هو العين الذي في غير العقلاء .
فليس في الوجود إلا هو لا غير ، والذي ظهر في صورة العقلاء في مرتبة هو الذي ظهر في صورة غير العقلاء في مرتبة أخرى .
فإذا كان كذلك ( فمن قد عمه ) أي الذي عم العين إلى الأفراد المخصوصة ( خصه ) أي خص ذلك العين لا غير إذ العام يقتضي خاصا ليشمله ( ومن قد خصه ) أي جعله خاصا تحت عام ( عمه ) أي عم ذلك العين الذي جعله خاصا إذ الخاص يقتضي العام أيضا لكونهما من الأمور المتضايفة ، فالعين واحدة ظهرت في مرتبة بصورة العموم ، وأخرى بصورة الخصوص ، فالضمائر عائدة إلى العين باعتبار الوجود أو الحق اهـ بالى .""

( فما عين سوى عين   ...    فنور عينه ظلمه )
يعنى أنه إذا كان عين كل شيء فكل عين عين العبد الأخرى ليس غيرها ، فالنور عين الظلمة ، والظلمة عين النور ، وكذا جميع المتضادات لأنها حقيقة واحدة :
( فمن يغفل عن هذا   ....    يجد في نفسه غمه )
لاحتجابه وجهله فهو مغموم أبدا :
( ولا يعرف ما قلنا     ....   سوى عبد له همه )
أي همة عظيمة : أي همة لا تقنع من الشيء إلا باللب الذي هو الحقيقة ، فلا يقف مع الصور والظواهر والتعينات


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه  : "فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته ، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق الأسماء الحسنى " .
أي ، فانظر ما أعجب أمر الله أنه من حيث هويته واحدة ، ومن حيث نسبته إلى العالم وحقائق الأسماء الحسنى ، التي تطلب العالم ، متكثرة .

قال الشيخ رضي الله عنه شعرا :
( فمن ثم وما ثمة   ....    وعين ثم هو ثمة )
( من ) و ( ما ) للاستفهام . إستفهم ب‍ ( من ) لأولى العقل ، ب‍ ( ما ) لغير أولى العقل ، لأنهما واقعان في الوجود .
أي ، إذا كان العين واحدة ، فانظر ما ثم ومن ثم ، وليس في الوجود غيره تعالى ، ظهرت في صورة هي التي ظهرت في صورة أخرى .
وتذكير ( ( هو ) ) العائد إلى ( العين ) باعتبار الحق ، أو الشئ والوجود .

(فمن قد عمه خصه    .....   ومن قد خصه عمه )
ضمير ( عمه ) و ( خصه ) عائد إلى ( العين الواحدة ) ، والمراد به ( الوجود ) لذلك
ذكره .
أي ، الذي قد عمم الوجود وبسطه على الأعيان ، هو الذي خصه أيضا بجعله وجودا معينا . ومن خصص الوجود وجعله مهية معينة ، هو الذي عممه بالنسبة إلى أفراد تلك المهية .
أو من قال بأن الوجود عام ، فقد خصه ، لأن العموم أيضا قيد مخصص .
ومن قال بأن الوجود معنى خاص ، فقد عممه أيضا ، لشموله على كل ما في الوجود .

(فما عين سوى عين  .....    فنور عينه ظلمة )
أي ، إذا كان عين العالم عين الخاص وبالعكس ، فليس عين سوى عين ، بل عين كل أحد عين العين الذي للآخر .
فعين ( النور ) هو عين ( الظلمة ) وبالعكس ، لاتحاد حقيقة الكل ، وهي عين الوجود .
اعلم ، أن ( النور ) قد يطلق ويراد به الضياء المحسوس ، وقد يطلق ويراد به الوجود : فإنه الظاهر بنفسه والمظهر لغيره .
و ( الظلمة ) أيضا يطلق على ما يقابل المعنيين :
وهو ظل الأرض أو جزء منها ، والعدم .
فقوله : ( فنور عينه ظلمة ) باعتبار المعنى الأول لهما ، فإنهما وجوديين ، لكونهما محسوسين . وقولهم : ( الظلمة عدم النور ) .
رسم لها ، إذا أريد بها المعنى الأول ، باعتبار أن الظل يستلزمه . وإذا أريد بها المعنى الثاني ، فحد لها .
(فمن يغفل عن هذا     ....    يجد في قلبه غمة )
الغم بضم ( الغين ) ، هو الكرب ، ويستعمل في الظلمة مجازا . والمراد هنا الحجاب .
ومنه ( الغمام ) أيضا ، لأنه يستر الشمس . أي ، ومن يغفل عن مقام الوحدة ، تبقى في حجاب الكثرة وظلمتها ، لأن الوحدة منبع النور ، والكثرة منبع الظلمة
.
(ولا يعرف ما قلناه     .....    سوى عبد له همة )
أي ، لا يعرف هذا المعنى إلا من له همة قوية : لا يقنع بظواهر العلوم ، ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم من العلم ، بل يقدر على خرق الحجب الناتجة من كثرة الصور ، ليصل إلى ما لا يصل إليه الفكر .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه: ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى. فمن ثم وما ثمه ... وعين ثم هو ثمه . فمن قد عمه خصه ... ومن قد خصه عمه . فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه . فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه . وما يعرف ما قلنا ... سوى عبد له همه)
قال رضي الله عنه: (فانظر) ما أعظم (ما أعجب أمر الله) في التجلي الشهودي حيث صار الواحد متجليا (من حيث هويته) ومتجلی له (ومن حيث نسبته إلى العالم)، والحيثيتان (في حقن الأسماء الحسنى).
فإنها من جهة وجوها باعتبار عينيتها للذات متجلية ومن حيث إمک۔ متجلي لها، والذات من حيث أنها غنية عن العالمين لا تكون متجلية ولا متجلي لها فيه فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ثم زاد تعجبنا.
فقال رضي الله عنه  : (فمن ثم وما ثمة) أي: هل في هذا التجلي الحق للتجلي أن الخلق المتجلي له، وهل فيه الوجود أو الصورة؟ 
وكيف تفرق (وعين ثم هو شمه) أي والحال أن العين الواحدة الموجودة في المتجلي والوجود هي الموجود في المتجلي - والصورة وتذكير الضمير العابد إلى العين لكونها بمعنى الشيني.
ثم بالغ فقال رضي الله عنه : (فمن قد عمه خصه، ومن قد خصه عمه) .
أي: وجعل الوجود أعر صورة خاصة، والصورة الخاصة وجودا عاما، وإذا كان المتجلي نفس المتجلي له والوجود نفس الصورة مع التقابل بینهما، (فما عين سوى عين) وإن كان بين الصورتين تقابل (فنور عينه ظلمة)، وإن كانت ضده صورة، وإذا كان كذلك فلا ظلمة في حق المكاشف، وإنما هي في حق الغافل.
قال رضي الله عنه : (فمن يغفل عن هذا يجد في نفسه غمه) من وجد أن الظلمة بخلاف الكاشف، فإنه مستريح بكل حال، ولهذا يقولون: الحمد لله على كل حال، ويرون في ک شيء كماله، فيتلذذون به.
ثم قال في بيان هذا المستريح : (ولا يعرف ما قلنا) من كون الكل عبنا واحد. 
فيري في كل شيء محبوبه الذي يتلذذ به (سوى عبد له همه) بترقي بها، من الخلق إلى الخالق، ومن النقائص إلى الكمالات، ومن الآلام إلى اللذات، وذلك برؤيته عينا واحدة تجلت في صور غير متناهية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه :   (فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويّته ) الذاتيّة العينيّة ، التي تقتضي إسقاط النسب  .
قال رضي الله عنه :  ( ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى ) حيث أنّ الحيثيّتين لهما عين واحدة ، وأنّ الحقّ فيها عين الحيثيّتين المتقابلتين مع وحدته الآبية عن الثنويّة والتقابل.
وهذا هو كمال الوحدة الذاتيّة ، حيث أنّه لا خارج عن واحدها أمر يثبت به للثنويّة حكم ، ويصحّ هناك نسبة ، إليه أشار في النظم المفصّح :( فمن ثمّ ؟ وما ثمّه ؟ )
منكرا جاحدا للأشخاص والماهيّات من ذوي العقول وغيرهم أن يكونوا في الخارج والواقع ، أو في تلك الحضرة ، المشار إليها في صورة الاستفهام المعرب عن الاستبعاد ، تقريرا لذلك الجحد .

قال رضي الله عنه :  ( فعين ثمّ ، هو ثمّه ) أي عين تعيّن في الواقع ، أو تحقّق بتلك الحضرة ، هو عين تلك الحضرة أو الواقع - أيّتهما شئت فقل .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فمن قد عمّه ) وأطلقه عن القيود المشخّصة والفصول المنوّعة ( خصّه ) بالإطلاق ، ونزّهه بالتنزيه الرسمي ( ومن قد خصّه ) بتلك القيود والفصول المعيّنة للعين ( عمّه ) وأطلقه عن الإطلاق المقابل للتقييد ، ونزّهه بالتنزيه الحقيقي ، كما سبق تحقيقه غير مرّة .
وإذا كان تعيين الأعيان عين تعميمها : ( فما عين ) من الأعيان الشخصيّة ( سوى عين ) آخر منها ، وإذا كان نور الإطلاق إنّما يظهر في دياجير القيود المعيّنة العدميّة ( فنور عينه ظلمة ) ضرورة تراكم الحجب الكونيّة على العين الظاهرة ، وهي ظلمات بعضها فوق بعض .
قال رضي الله عنه :  ( فمن يغفل عن هذا ) بتراكم الحجب الحاجزة له عن إدراك الحقّ ،( يجد في نفسه غمّة )لأنّ المحجوب مغموم أبدا جاهل ( ولا يعرف ما قلنا ) من الإطلاق الذاتي .
( سوى عبد له همّة ) يأنف بها أن يقلَّد أحدا في عقيدته حتّى يظهر الأمر له في مدرجة استعداده الفطري وسكينته الذاتيّة ، فلا سفينة في هذه اللجج إلَّا السكينة .
ثمّ إنّ هذه الدقيقة الجليلة لمّا كانت من المسائل الغامضة التي لا يصل إليها العقول بقوتها النظريّة أصلا ، لاستلزامه الجمع بين النقيضين ، واحتوائه للضدّين - وهو من أجلى البديهيّات من المستحيلات عندها .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )

قال رضي الله عنه :  ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.  فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه . فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه . فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه . فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه . وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه )
قال رضي الله عنه :  (فانظر ما أعجب أمر الله) وشأنه (من حيث هويته) الغيبية التي تقتضي إسقاط النسب (ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى) فأمره وشأنه من حيث هويته تقتضي حقائق الأسماء التنزيهية ، ومن حيث نسبته إلى العالم سائر الأسماء. 
فقوله في حقائق الأسماء مرتبط بقوله : أمر الله حيث يكون الأمر الواحد الذي هو الحق بإطلاقه الذاتي ظهر في الحيثيتين المتقابلتين وهو فيهما عينهما مع وحدته المقدسة عن التنزيه والتقابل .
(فمن ثم)، أي في الواقع وهو إنكار لوقوع الماهيات والأشخاص من ذوي العقول. وقوله : (وما ثم) إنكار لوقوعها من غير ذي العقول (وعين) تعين (ثم)، أي في الواقع (هو) أي الحق (ثمه)، أي في الواقع أي كل عين تعين بتعين مخصوص في الواقع هو الحق بعينه فيه .
(فمن قد عمه خشه.. ومن قد خصه عمه) 
وأطلقه عن القيود ونزهه عن الإطلاق المقابل للتقييد وإذا ثبت هذا الإطلاق.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما عين) من الأعيان (سوی عین) أخر (فنور) في أي مرتبة كانت (عينه ظلمة) يقابل باعتبار هذه الحقيقة المطلقة فإنها هي التي تظهر بصور المتقابلات .
(فمن يغفل عن هذا) الذي ذكرناه من معنى الإطلاق .
(بجد في نفسه غمه)، لأنه يجهل الأمر على ما هو عليه و الجاهل مغموم أبدا .
قال رضي الله عنه :  (ولا يعرف ما قلنا .. سوى عبد له همه ) قوية عالية لا تقنع بظواهر العلوم ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم، بل يخرق العادات ويرفع حجب التعينات ولا برضى من كل شيء إلا باللب لا تسكن مع القشور أبدا. 

المواقف الروحية والفيوضات السبوحية شرح الأمير عبد القادر الجزائري 1300 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه  )
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أعجب أمر الله) جل جلاله وعز سلطانه (من حيث هويته) السارية في كل شيء كان الأمر حقا كله ، (ومن حيث نسبته إلى العالم) وظهوره (في حقائق أسمائه الحسنى) وتشكل الأسماء الحسني بالصور كان الأمر خلقا كله
قول سيدنا رضي الله عنه :   فمن ثم ومن ثمة

 يقول رضي الله عنه مستفهما استفهام إنكار فإن (ثم) ظرفا بمعنی (هناك) ، وقد يجيء هناك بمجرد الاستبعاد.
أنكر إشارة من يشير إلى خلق بلا حق ويجعل الحق بعيدا من الخلق منعزلا عنهم (ومن ثمة): كذلك استفهام استبعاد وإنكار لا إشارة من يشير إلى حق بلا خلق، والحق هاء السكت بثم، وهي لغة. 
وفي بعض شراح مسلم (ثم) بلا هاء، يدل على المكان البعيد. وبهاء يدل على المكان القريب.

قول سيدنا رضي الله عنه :     ( وعين ثم عين ثمة )
يقول رضي الله عنه : المشار إليه بالخلق هو عین الحق، فلا يشار إلى الحق وحده وإلى الخلق وحده. 
وذلك كما يقال في الجوهر أنه قائم بنفسه ، ظاهر، شخص من أعيان غير ظاهرة، هي مجموعة، وليست عينه وليس لها وجود إلا عينه. 
فمن الجوهر ومن الصفات النفسية هكذا هذه الحضرة فهو حق في عين ما هو حق، إذا ظهر كان خلقا، وكيف يخلي الكون عنه تعالى والكون لا يقوم إلا به.
يقول سيدنا رضي الله عنه : 
دنى فتدلى رب عبد وعبده      ……      فلما التقينا لم يكن غير واحد

يرى الرائي صور الممكنات وهي أحكام الأعيان الثابتة في الوجود الحق 
فيقول ثم ما ليس ثم ما ليس ثم لأنه لا يقدر أن ينكر ما شهد، كما أنه لا يقدر أن يجهل ما علم المعلوم في هذه المسألة و خلاف المشهود المرئي بالعين .

تنبيه :
اعلم أن الإنسان لا يخلو أن يكون واحدا من ثلاثة بالنظر إلى حكم الشرع:
1- إما أن يكون ظاهريا محضا متغلغلا بحيث يؤدي ذلك إلى التجسيم والتشبيه، فهذا مذموم و مذهب باطل.
2 - وإما أن يكون جاريا مع حكم الشريعة على فهم اللسان الذي جاءت الشريعة به، حيث ما مشى الشارع مشي، وحيث ما وقف وقف، قدما بقدم، فهذا هو الحق المحمود الوسط. 
3 - وإما أن يكون باطنيا محضا معتقدا مشرب الباطنية من غير نظر إلى الشرع، وهو القائل بتجريد التوحید حالا وفعلا، وهذا يؤدي إلى تعطيل أحكام الشرائع وقلب أعيانها، وإبطال الديانات، وإلغاء المعاملات الدنيوية الجارية بين المسلمين بحكم الشرع الحق.
كما هو مذهب الزنادقة الملحدين الإباحيين الاتحاديين، فإنهم يقولون بالتوحيد المحض الذي هو مقام الجمع، فينفون الشريعة التي هي مقام الفرق.
فهم أكفر من اليهود والنصارى، وأضر على المسلمين من الشياطين المردة، بإنكارهم أحكام الله.
وما كفاهم حتى أدعوا مقام الربوبية والتجسيم بقولهم إنهم الله، ويقولون سقط عنا التكليف، لأننا وصلنا إلى أن صارت ذواتنا هي الله . 
وقولهم كل شيء نراه هو الله وليس والله ، هذا مذهب أهل الله ، وإنما أهل الله إذا أنزلهم الله في مقام التوحيد المحض كملهم بالأعمال الصالحة، وأوقفهم عند
حدود الشريعة، وإذا أنزلهم في مقام الفرق حفظهم من الشرك وأشدهم قيام العالم بوجود الحق الله. 
الله الله يا إخواني، لا يظهر أحد منكم بالتوحيد المحض يوما ما، ولا في حال ما، فالتوحيد المحض يكون عليه باطن الإنسان وعقده.
وأما ظاهره فلا بد فيه من الفرق، رب وعبد، آمر ومأمور.
فإن إظهار التوحيد المحض للعوام فتنة ، وأي فتنة وضلال، وأي ضلال وبعض الملاحدة يقول الحركة والسكون بيد الله. 
فما جعل في نفسي أداء ما أمرني به يقول وعلى الحقيقة، فهو الأمر المأمور السامع والمخاطب والمخاطب، فهذا على بصيرة تشقيه وتحول بينه وبين سعادته . 

تذييل:
وهذا لا يصدر عن أحد علم بالله عن ذوق، وإنما يصدر عن محق أخذ علمه بالله عن دليل ونظر ، أو من كتب القوم رضي الله عنهم كما ضل هؤلاء الزنادقة الذين هم في زماننا بكتب الإمام العارف بالله عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه .
فنظروا بالكتب بلا تقييد بالتقوى ومراعاة أحكام الشريعة، فضلوا وأضلوا. 
ولهذه العلة منع أهل الله بعض تلامذتهم عن مطالعة كتب الحقائق لإشرافهم على قصور ذلك المريد عن فهم ما وضع في كتب الحقائق، کهؤلاء الزنادقة الذين انتسبوا إلى الشاذلية رضي الله عنهم فإن قاصر الفهم لا يخلو إما أن يتأول كلامهم على خلاف ما أرادوه فيهلك في الهالكين.
أو يضيع العمر في النظر في الكتب من غير فائدة . فنهى مثل هذا عن مطالعة كتب الحقائق واجب. 
قول سيدنا رضي الله عنه :
فمن عمه فقد خصه   …..       ومن خصه فقد عمه 
يقول رضي الله عنه : إن من قال وأعتقد إطلاق الحق تعالى وعدم تقییده فقد خصه وقيده من حيث لا يشعر، فإن الإطلاق تقييد بعدم التقييد.لأن عدم العلامة علامة بين أصحاب العلامات. 
ومن خصه وقال بتقييده واعتقد عدم إطلاقه فقد عمه وما خصه من حيث لا يشعر، فإنه أدخله بذلك التخصيص في عموم الممکنات وحدده ، کالمنزه الصرف الحاكم على الحق تعالى بعدم تنزله وتجليه فيما شاء من الصور .
لأن غاية التنزه التحديد، ومن حد إلهه فقد جعله کنفسه في الحد والتحقيق إنه تعالى لا مقيد ولا مطلق، وما حكمنا بإطلاقه إلا من تقييدنا.

يقول سيدنا رضي الله عنه : 
فتقييده وإطلاقه من وثاقنا    …..     فماٹم إطلاق یکون بلا قيد
يعني : أن إطلاقه تعالى من وثائق تقييدنا هو إطلاق وتقييد له، لا أنه في نفس الأمر كذلك، والأمر الحق أنه تعالی غیر منعوت بإطلاق ولا تقیید، فمن أطلقه فما
عرفه ، ومن قيده فقد جهله، فهو عين الأشياء، وما الأشياء عينه. 

قال أبو يزيد رضي الله عنه : الحق عين ما ظهر وليس ما ظهر عينه، فهو تعالى عين الأشياء في رتبة التقييد وليست الأشياء عينه فيها، فلا ظهور لشيء لا تكون هويته عين ذلك الشيء.
فمن كان وجوده بهذه المثابة كيف يقبل الإطلاق أو التقييد، فالعالم مرتبط بالحق ارتباطا لا يمكن الانفكاك عنه، لأنه وصف ذاتي له من حيث أسماؤه. 
هكذا عرفه العارفون به تعالی. 

قول سيدنا رضي الله عنه : فما عين سوی عین 
يقول رضي الله عنه : فما عين مما يقال فيه أعيان من محسوس ومتخيل من كل ما يدرك سوى عين واحدة ، هي المحسوسة المتخيلة والمعقولة، وما عداها فإنما هي أعراض مجتمعة، والمقوم لها هذه العين الواحدة، فالعين وما تقع عليه، والأذن وما تسمعه، واللسان وما يصوت به، والجوارح وما تلمسه، والعقل وما يتعلقه ،
والخيال والتخيل والنخيل، 
والمتصور والمنصور والصورة، 
والمحافظ والحفظ والمحفوظ، 
فما هي إلا أعراض ونسب وإضافات في عين واحدة، هي الواحدة والكثيرة، وعليها تطلق الأسماء كلها. 
قول سيدنا رضي الله عنه : فنور عینه ظلمة 
يقول رضي الله عنه : هذه العين الواحدة هي عين النور و عين الظلمة وعين كل متنافيين من أنواع المنافات.
فقوله  ظلمة معطوف على نور، بحذف العاطف، أي فتور وظلمة عينه، أي عين العين الواحدة التي قال فيها: فما عین سوی عين 
قيل لأبي سعيد الخراز رضي الله عنه : 
بما عرفت الله؟ قال : لجمعه بين الضدين. 
ثم تلا: "هو الأول والأخر والظهر والباطن" [الحديد: الآية 3].
وعن أبو سعيد الخراز قال بعض سادات القوم
إن أبا سعيد الخراز لم يعط المقام حقه ، فإن كلامه يوهم أن هنا عينا تجمع الضدين، وليس مراده هذا وإنما مراده هي عين الضدين، فإذا ظهرت العين الواحدة بالحق و صفات الحق فهي عين النور، وإذا ظهرت بالخلق وصفات الخلق فهي عين الظلمة، والعين واحدة ، والظلمة ظلمة الطبيعة.
فإن العالم كله موجود بين النور والحق، والظلمة الطبيعية فما هو نور خالص ولا ظلمة خالصة، فهو كالظل، لأن الظلمة الحقيقية هي ظلمة المحال

وفي هذا المعنى قلت من أبيات مترجما عن هذه العين الواحدة :
أنا حق أنا خلق    ……  أنا رب أنا عبد 
أنا عرش أنا فرش   ……   وجحيم أنا خلد 
أنا ماء أنا نار      …..       وهواء أنا صلد 
أنا كم أنا كيف    …..        أنا وجد أنا فقد 
أنا ذات أنا وصف …...    أنا قرب أنا بعد
كل كون ذاك كوني  ……   أنا وحدي أنا فرد 

ولا ينبغي أن يحمل قول سیدنا :
فنور عینه ظلمة
على ما فهمه بعضهم قال : فنور عينه، أي عين ذلك النور، يعني ما يعاین منه ، لأن عينه هي الصورة الممكنة العلمية الكثيرة في الحس والعقل، وفي الوهم وفي الخيال، في الدنيا والآخرة، كيف و سیدنا رضي الله عنه  نفي الأعيان
كلها :
فما عین سوى عين 
مما يقال فيه أعيان وذوات وجواهر. 
قول سيدنا رضي الله عنه :  
فمن يغفل عن هذا   …..   يجد في نفسه غمه 
يقول رضي الله عنه : إن الذي يغفل عن هذه المعارف التي ذكرناها والأسرار التي أبديناها بأن أعرض عنها فلم يتعمل في اكتسابها يجد في نفسه غمة. 
وكل ما يستر شيئا فهو غمه، ومنه الغمام، فإنه يستر السماء عن عين الرائي. فمن يغفل عن العلوم الإلهية يجد في نفسه الناطقة، وهي الروح الجزئي ، غمة وسترا عن الحقائق الإلهية. 
وإنما يكون ذلك إذا رحمه الله بالانتباه وحصلت له حالة اليقظة، فيتحسر على ما فاته وفرط فيه، يقول يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله، ويغتم. 
ولهذا توجد فحول علماء الظاهر وساداتهم يتحسرون ويتأسفون عندما يحصل لهم اليأس من الحصول على مطلوبهم. 

يقول زعيم المتكلمين من أهل النظر فخر الدين الرازي رحمه الله :
نهاية إقدام العقول عقال        …..     وأكثر سعي العالمين ضلال 
فأرواحنا في وحشة من جسومنا  …..  وحاصل دنيانا أذى ووبال 
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا    …..  سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ويقول إمام الحرمين أبو المعالي: 
قرأت مائة ألف في مائة ألف، هذا هربا من التقليد، والآن قد رجعت إلى التقليد.
اللهم إيمانا كإيمان العجائز. والويل لابن الجويني إن لم يتداركه الله برحمته. 
ومثل هذه المقالات لا تصدر من أدني عارف بالله ، فإذا انكشف الغطاء وحصحص الحق وتبينت المراتب، مراتب العارفين بالله .
يمقت الغافل عن هذه العلوم نفسه، ومقت الله له أكبر من مقته نفسه. 
وليس المراد بالغفلة هنا غفلة الإنسان أحيانا عما يعلمه من هذا العلم الشريف المقدار العلي الدرجات على سائر العلوم، إذ العلم شریف بشرف معلومه، ولا أشرف من الله تعالى.
فإن هذا العلم له الثبوت فلا تؤثر فيه الغفلات، فلا يلزم العلم الحضور مع علمه في كل نفس ، لأنه وال مشغول بتدبير ما ولاه الله عليه، فيغفل عن كونه عالما بالله ولا يخرجه ذلك من حكم نعته بأنه عالم بالله ، مع وجود الغفلة في المحل من نوم أو غفلة ، ولا جهل بعد علم أبدا. 
إذ الإنسان محل الغفلات حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يخلون عنها. 
ولا علم عند القوم إلا ما حصل عن تجل، فإذا كان العلم حاصلا عن نظر في دليل عقلي فليس بعلم عند الطائفة ، فلا ينبغي أن تفسر الغفلة هنا بغفلة العالم بهذا العلم عن علمه أحيانا، كما فهمه بعضهم.
فإنه إذا رجع من غفلته رجع إلى علم صحيح قول سيدنا رضي الله عنه :
ولا يعرف ما قلناه   …..     إلا عبد له همه
""وردت في فصوص الحكم (ولا يعرف ما قلناه .. سوی عبد له همه)""

يقول رضي الله عنه : ولا يعرف ما قلناه في هذه (الحكمة القلبية في الكلمة الشعيبية) من المعارف الإلهية، وكشفناه من الأسرار الربانية والعلوم التي يضن بها على غير أهلها إلا عبد له همة عالية، تعلقت بالنفيس وأعرضت عن الخسيس ، وكل عبد له همة، ولكن ما كل عبد علق همته باكتساب هذه العلوم وبذل جهده في الوصول إليها وصرف وجهته عن غيرها.
"فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" [البقرة: الآية ۱٦). |
والهمة لغة، على نوع من القصد، واصطلاحا الباعث الطلبي المنبعث من النفوس والأرواح المطالب کمالية ومقاصد غائبة. 
وتتنوع بحسب تنوع أهلها واختلاف مداركهم، فمنهم من يهتم بأمور الدنيا المذكورة أصولها في قوله تعالی :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين" [آل عمران :14 ]
ومنهم من يهتم بأمور الآخرة، ومنهم من تتعلق همته بمحبة الله وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون.
من ذاق طعم شراب القوم يدريه   ….   ومن دراه غدا بالنفس يشريه 
لا يعرف الشوق إلا من يكابده   …… ولا الصبابة إلا من يعانيها 
وقول سيدنا رضي الله عنه : ("إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب") [ق: 37].

.

واتساب

No comments:

Post a Comment