Thursday, September 12, 2019

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني عشر فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
وهذا نص الحكمة الشعيبية ذكره بعد حكمة صالح عليه السلام، لأنه يبحث فيه عن الرحمة التي وسعت كل شيء.
فناسب ذكره بعد حكمة صالح عليه السلام المشتملة على إعطاء كل شيء خلقه من حيث إن العلم تابع للمعلوم، ولا يكون عن الشيء إلا ما هو كائن فيه.
فتشمله الرحمة وتظهره على ما هو عليه في ثبوته قبل وجوده، فقدر رحمته بإعطائها له الوجود.
فالخير مرحوم والشر مرحوم والهدى مرحوم والضلال مرحوم والكفر والإيمان والنار والجنة والعذاب والنعيم وكل شيء مرحوم. 
كذلك قال سبحانه : "رحمتي وسعت كل شيء" [الأعراف: 156]، 
وقال تعالى : " الذي أعطى كل شيء خلقه " [طه: 50]، فكأنما هذا فص تعميم لما قبله وإكمال لتلك الحكمة السابقة
(فص حكمة قلبية)، أي منسوبة إلى القلب (في كلمة شعيبية).
إنما اختصت حكمة شعيب عليه السلام بكونها قلبية، لأنها يبحث فيها عن قلب العارف بالله تعالی ووسعه للحق سبحانه ، لأنه من رحمة الله تعالى التي وسعت كل شيء.

قال رضي الله عنه : ( اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه: هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه. وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس ، وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا. )
قال رضي الله عنه : (اعلم) يا أيها السالك (أن القلب)، وهو عام في جميع القلوب من حيث ما هي قلوب، فإذا كانت نفوسا في صدور أهل الغفلة من الناس ذات وسواس كما قال الله تعالى: "ونعلم ما توسوس به نفسه " [ق: 16]، فما هي بمرادة هنا.
ولهذا قال : (أعني قلب العارف بالله) تعالى، فإن قلبه هو المراد، لأنه صاحب الاستعداد للفيض والإمداد (هو)، أي ذلك القلب (من رحمة الله) تعالى بل هو عين رحمة الله تعالى.
لأن الله تعالى ينظر به إلى عباده كلهم فيرحمهم فمن حيث شمول الرحمة لكل شيء هو منها ومن حيث رحمة كل شيء به هو عينها (وهو)، أي القلب العارف بالله تعالی (أوسع منها)، أي من رحمة الله تعالى .
من حيث إن الله تعالی ينظر به إلى العباد فيرحمهم فتظهر رحمته تعالى بكل شيء من ذلك القلب ، فيكون القلب أوسع منها من هذا الوجه .
قال رضي الله عنه : (فإنه)، أي القلب العارف بالله تعالى (وسع الحق جل جلاله) كما ورد في الحديث القدسي: "ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن"، (ورحمته تعالى لا تسعه)، لأنه غني عن أن يصله نفع منه ، لأنه الكامل بالكمال الذاتي فضلا عن أن يصله نفع من غيره.
"" أضاف الجامع : من الشواهد على صحة متن الحديث
حديث : عن وهب ابن منبه قال : إن الله عز وجل فتح السماوات لحزقيل حتى نظر إلى العرش -أو كما قال- فقال حزقيل: سبحانك! ما أعظمك يا رب! فقال الله: إن السماوات والأرض لم تطق أن تحملني، وضقن من أن تسعني، ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين. رواه أحمد ابن حنبل فى الزهد عن وهبة ابن منبه .
حديث : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : " إن لله آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها . رواه الطبراني في مسند الشاميين والجامع الكبير للسيوطي . قال الهيثمي إسناده حسن، وقال شيخه العراقى: فيه بقية بن الوليد، وهو مدلس، لكنه صرح بالتحديث فيه.  ""
فلما وسعه القلب ولم تسعة الرحمة كان القلب أوسع من الرحمة، ولا يقال إن الحق تعالى إذا نظر بالرحمة إلى كل شيء فقد وسعنه الرحمة أيضا، لأنا نقول الرحمة حضرة من حضراته سبحانه، والقلب جامع لكل الحضرات، فالوسع الذي للقلب لا يكون لغيره .
هذا الكلام المذكور هنا (لسان عموم)، وإجمال في مطلق قلب العارف ومطلق الرحمة الإلهية ومطلق الوسع (من باب الإشارة) لا صريح العبارة .
قال رضي الله عنه : (فإن الحق) تعالی (راحم) لكل ما سواه برحمته (ليس غیره) وهذا بيان لكون رحمته سبحانه لا تسعه، لأنه حضرة من حضراته وصفة من جملة صفاته.
فكيف تكون واسعة لذاته الجامعة لجميع حضراته من أسمائه وصفاته، والبعض لا يسع الكل.
وإن لم يكن هنا بعض ولا كل بل عين واحدة كافية للكل في الكل، ولكن اعتبار التعينات يقتضي ما ذكرناه من العبارات (فلا حكم)، أي ظهور أثر (للرحمة) الإلهية (فيه)، أي في الحق تعالى لامتناع ذلك عليه سبحانه أزلا وأبدا .
قال رضي الله عنه : (وأما الإشارة) وأما آلاؤه تعالى مما ذكر (من لسان الخصوص) للتعريف التفصيلي والتوقيف التحصیلی (فإن الله) تعالى (وصف نفسه على لسان رسوله و (بالنفس) بفتح الفاء كما ورد في الحديث من قوله عليه السلام «إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن» (وهو)، أي النفس مشتق (من التنفيس)، أي تفريج الكرب الذي يجده الواجد.
ومن أسمائه تعالى الواجد، وهو صاحب الوجد والشوق إلى من يحبهم من مظاهر كماله وهياكل تجلیات جماله وجلاله (وأن الأسماء الإلهية) هي (عين المسمی) بها وهو الحق تعالى في نفس الأمر.
وإن كانت غیره باعتبار النظر العقلي (وليس) ذلك المسمى (إلا هو) سبحانه (وأنها)، أي الأسماء الإلهية (طالبة)، أي متوجهة أزلا وأبدا إلى (ما تعطيه)، أي ما هو صادر عنها من الحقائق الكونية (وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء) الإلهية (إلا العالم) بفتح اللام، أي ما سوى الله تعالى من الكائنات.
قال رضي الله عنه : (فالألوهية) التي هي صفة من صفات الله تعالى والاسم منها الإله (تطلب المألوه)، أي الشيء الذي تكون تلك الصفة بإسمبنها له إلها (و) صفة (الربوبية)، والاسم منها الرب (تطلب المربوب)، أي الشيء الذي تكون بإسميتها له ربا .
وهكذا بقية الصفات الإلهية من حيث هي غير الذات الإلهية بالنظر العقلي (وإلا)، أي وإن لم يكن الأمر كذلك (فلا عين لها)، أي لا حقيقة للأسماء الإلهية (إلا به)، أي بالأثر الذي هو المألوه لصفة الألوهية والمربوب لصفة الربوبية (وجودة)، أي في حال وجود المألوه والمربوب (وتقديرا)، أي في حالة كونه مقدرة ثابتة غير موجود.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية 
قال رضي الله عنه : (فص حكمة قلبية) أي العلوم المنسوبة إلى تقلبات الحق في الصور مودعة (في كلمة شعيبية) أي في روح هذا النبي صلى الله عليه وسلم (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله) لأن قلب غيره لي قلبا واسعا فلا يعتبر عند أهل التحقيق .
قال رضي الله عنه : (هو) صادر (من رحمة الله تعالى وهو أوسع منها فإنه وسع الحق جل جلاله) كما قال : "ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي" (ورحمه لا تسعه) إذ لا يقال بلسان العموم أنه مرحوم .
و(هذا) أي عدم كون الرحمة واسعة للحق (لسان عموم من باب الإشارة فإن الحق راحم لبس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه) عندهم .
قال رضي الله عنه : (وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الحق وصف نفسه) بلسان نبيه (بالنفس) بفتح الفاء وهو قوله عليه السلام: «إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ". 
وقد ورد بلفظ "إني أجد نفس الرحمن من ها هنا" ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين، والهندي في كنز العمال ، والبيهقي في الأسماء والصفات. 
وأخرجه الألباني في تراجعاته في الصحيحة (41) "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " من حديث أبي هريرة، الضعيفة 1097،والحديث في الصحيحة 3367،بلفظ " إني لأجد نفس الرحمن من هنا - يشير الى اليمن -، قال الشيخ: واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ " عقر دار المؤمنين بالشام " وكنت خرجته في المجلد الرابع 1935- أي الصحيحة -فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة مستدركا به على تخريجي إياه في الضعيفة 1097، لكن من حديث أبي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل أوجب علي تخريجه هنا والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحا والحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله.
قال رضي الله عنه : (وهو مأخوذ من التنفيس وإن الأسماء الإلهية) بحسب الأحدية (عين المسمى) أي عين ذات الحق (وليس ذلك المسمى إلا هو) أي عين الحق .
فلم يكن الأسماء كلها إلا عين الحق (وإنها طالبة ما) أي الذي (تعطيه) أي تعطي الأسماء الإلهية للحق (من الحقائق) بيان لها .
قال رضي الله عنه : (وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء) من الحق تعالى (إلا العالم) فإذا كان الأمر كذلك (فالألوهية) وهي اسم المرتبة جامعة الأسماء الذات والصفات والأفعال كلها (تطلب المألوه) وهو اسم للعالم من حيث الوجود .
فكان العالم من حيث المألوهية مظهرة لذات الحق مع جميع لوازمه من الصفات والأفعال إذ وجود العالم عارض لذاته وماهية .
فكان مظهرا لذات الحق مع جميع لوازمه من الصفات والأفعال .
قال رضي الله عنه : (والربوبية) وهو اسم للحضرة الجامعة لأسماء الصفات والأفعال فقط (تطلب المربوب) وهي اسم للعالم من حيث الوجود مع الصفات التي تلحقه بعد الوجود فكان العالم من حيث الصفة المربوبية مظهرة لاسم الصفات وهي الرب وقد أشار إلى اتحادهما من بعد .
بقوله فأول ما (وإلا) أي وإن لم تطلب الألوهية المألوه والربوبية المربوب لا يكون شيء من المألوه والمربرب موجودة فإذا لم يكن شيء منهما موجودة لا يتحقق بشيء من الألوهية والربوبية فإذا كان نحقق الألوهية والربوبية لكونهما من الأمور الإضافية كالأبوة والنبوة موقوفة على وجود الماء والمربوب .
قال رضي الله عنه : (فلا عين) أي فلا تحقق (لها) للألوهية أو الربوبية (إلا به) أي بالمألوه أو المربوب أو بالعالم (وجودا او تقديرا) أي سواء كان العالم موجودة بالفعل أو مقدر الوجود

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية 

قال رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه، هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.  وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس، وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

قلت : لما كانت الحكمة قلبية شرع في ذكر القلب، فذكر أن قلب العارف بالله هو من رحمة الله.
قال: وهو أوسع منها وفيه اشكال لأن ما هو من الشيء كالبعض من الكل كيف يكون أوسع من الكل الذي هو بعضه؟ 
قال: لأنه وسع الحق، جل جلاله، ورحمته لا تسعه، فصارت الرحمة أوسع منه ولما كان فيه هذا الإشكال .
قال رضي الله عنه: هذا لسان عموم من باب الاشارة. 
قال: وإنما لم تسعه رحمته، لأنه راحم فلا يدخل في المرحومين بالرحمة فما وسعته.
قال: وأما الأشارة من لسان الخصوص، فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس وهو يشير إلى أنه عين أسمائه تعالى مما يظهر العالم الذي يطلبه أسماؤه الحسني بالذات، فهو في حال لولا نزاهته لكان من أجلها مكروب فالتنفيس من كربه هو عين ظهور العالم من غيب ما لم يكن إلى فضاء الكون .
ولا عين للألوهية إلا بالمألوه وجودا وتقديرا.
فأما وجودا: فلا ألوهية بالفعل ما لم يكن المألوه بالفعل.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

 12 -  فصّ حكمة قلبية في كلمة شعيبيّة
إضافة هذه الحكمة إلى الكلمة الشعيبية ، لكونها على شعب كثيرة ، كما أنّ القلب الإنساني ذو شعب كثيرة ، لتقلَّبه بين إصبعي الرحمن.
وكون شعيب حكمه وحكمه بحكمه لشعوبه وقبائله بالنصيحة والأمر بإيفاء الحقوق ، والإقلاع عن البخس والنقص ، والعدل والعذل على الجور ، وذلك عدل أقامه الله في النشأة الإنسانية بوجود القلب .
فإنّ منشأ العدل وقسمة مادّة الحياة الطبيعية وهي الدم للأعضاء الآلية والأعضاء المتشابهة الأجزاء علوا وسفلا من القلب ، فإنّ الله يوصلها من القلب إلى الكلّ بقدر استحقاق كلّ عضو عضو واستعداده بميزان العدل .

كان الغالب على دعوة شعيب الأمر بالعدل وإقامة الموازين والمكاييل والأقدار .
كما قال : " وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ " كلّ هذه الإشارات تدلّ على رعاية العدل وأحدية الجمع والاعتدال .
وكما أنّ العدل في حفظ صحّة جميع البدن وسقمه إلى القلب ، والقلب له أحدية جمع القوى الروحانية والقوى الجسمانية ومن القلب ينشعب الروح الطبيعي إلى كل عضو عضو من أعلى البدن وأسفله على ميزان العدل ، فيبعث لكل عضو ما يلائمه من الروح الطبيعي ، فافهم .
واستفاد منه موسى عليه السّلام علم الصحبة والسياسة ، وأمره بالتخلَّي عن العامّة إلَّا في وقت معلوم وقدر موزون ، وكان الغالب على موسى عليه السّلام الظاهر .
 فحصل له بصحبته جميع مقام الجمع .

قال رضي الله عنه : " اعلم : أنّ القلب - أعني قلب العارف بالله - هو من رحمة الله ، وهو أوسع منها ، فإنّه وسع الحق - جلّ جلاله - ورحمته لم  تسعه ، هذا لسان  عموم من باب الإشارة ، فإنّ الحق راحم ليس بمرحوم ، فلا حكم للرحمة فيه " .
يشير رضي الله عنه إلى قوله تعالى على لسان أكمل الرسل عليه السّلام أنّه قال :
"ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي " ففيه إشارة أيضا إلى ما ذكر آنفا من
قول أبي يزيد رضي الله عنه : لو أنّ العرش وما حواه مائة ألف ألف مرّة ، في زاوية من زوايا قلب العارف ، ما أحسّ به .
وإذا كان كذلك والعرش مستوى الرحمن برحمته العامّة التي عمّت العالمين ، والرحمة إنّما تنزل من العرش المحيط بالكرسيّ الذي وسع السماوات والأرضين ، فإنّها في جوفه كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، ومع هذا ، فهو كما ذكرنا لو كان في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به فالقلب أوسع من الرحمة التي وسعها العرش بما وسع المرحومين جميعا .

وأمّا كونه لسان العموم فلما عمّت علوم علماء الرسوم المؤمن ، بقوله : « ما وسعني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي » وأنّه راحم غير مرحوم ، وأنّ الرحمة التي هي صفة من صفاته الذاتية أو نسبة من النسب الإلهية لا تحيط به تعالى ، فإنّها لو أحاطت به تعالى ، لوسعته ، ولا تحيط به فلا تسعه ، مع أنّ القلب وسعه بما أخبر عن نفسه وتقرّر في العموم .

قال رضي الله عنه : « وأمّا الإشارة من لسان الخصوص فإنّ الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس ، وأنّ الأسماء الإلهية عين المسمّى وليست إلَّا هو ، وأنّها طالبة ما تعطيه من الحقائق ، وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء الإلهية إلَّا العالم ، فالألوهية تطلب المألوه ، والربوبية تطلب المربوب ، وإلَّا فلا عين لها إلَّا به وجودا وتقديرا)
يعني رضي الله عنه : أنّ الربوبية لكونها ذاتية للربّ هي عينه ، لأنّها لو لم تكن عينه ، لكانت غيره من جميع الوجوه ، فلم تكن الذات بدونها ربّا ، واحتاجت إلى ذلك الغير في كونها ربّا والذات غنيّة ، وربوبيتها ليست غيرها ، فهي عينها .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
إنما خصت هذه الكلمة الشعيبية بالحكمة القلبية لأن الغالب على شعيب عليه الصلاة والسلام الصفات القلبية ، من الأمر بعدل وإيفاء الكيل والوزن بالقسط ، والقلب هو مظهر العدل وصورة أحدية الجمع بين الظاهر والباطن واعتدال البدن وعدالة النفس ، ومنه يصل الحياة والفيض إلى جميع الأعضاء على السوية بمقتضى العدل ، وله أحدية جميع القوى الروحانية والنفسانية ، ومنه تنشعب هذه القوى بالقسطاس المستقيم ويتوزع على عضو عضو بمقتضى استعداده وقوة قبوله ، ويأتيه المدد إليها دائما على نسبة محفوظة القدر بالعدل ، وله إيفاء كل ذي حق ، وقد استفاد موسى عليه السلام علم الصحبة والسياسة والخلوة والجلوة ومقام الجمع والفرق منه عليه الصلاة والسلام ، وكلها من القلب القائم بالعدل ومراعاة أحكام الوحدة في الكثرة ، ولا يقوم بأحكام العالمين في الوجود إلا القلب ، ولهذا كان محل المعرفة دون غيره .

قال رضي الله عنه : "اعلم أن القلب : أعنى قلب العارف باللَّه هو من رحمة الله وهو أوسع منها ، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه ، هذا اللسان عموم من باب الإشارة ، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه " .
إنما قال : إن القلب من رحمة الله ، لقوله تعالى : "رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" والقلب شيء ، وإنما كان أوسع منها لقوله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : « ما وسعني أرضى ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن » .
والحق محيط بالكل والرحمة تنزل من مستوى الرحمن الذي هو العرش المحيط إلى كل العالم بما فيه ، وقد قال أبو يزيد : لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به ، لأنه لا يبقى مع الحق وتجليه وجود لشيء فكيف يحس بالعدم ، وإنما قال هذا لسان العموم ، لأن عامة العلماء قائلون بهذا الحديث المذكور ، وبأن الله تعالى راحم غير مرحوم ، ولأن الرحمة صفة من صفات الله تعالى قائمة به فلا تسعه والقلب يسعه .
وإنما قال : من باب الإشارة ، لأن في لسانهم رمزا إليه من قبيل المفهوم لا المنطوق ، فإنهم لا يصرحون به ولكن يلزمهم .

قال رضي الله عنه : "وأما الإشارة من لسان الخصوص ، فإن الله تعالى وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس ، وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو ، وإنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم ، فالألوهية تطلب المألوه والربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا وتقديرا ".

والدليل عليه ترتيب قوله : "الْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ " وما قال للرب إله العالمين ، وقد مر أن الأشياء في ذات الباري تعالى بالقوة كالشجرة في النواة ليست لها فيه عين ، وهي كرب الرحمن فوصف نفسه بالنفس وهو الإيجاد إذ به نفس عن كربه بالوصف له والذات مع أي وصف اعتبر معه اسم والأسماء الإلهية عين المسمى ، فليس النفس إلا هو لأن الصفة نسبة والنسب أمور عقلية ، وليست الأسماء في الحقيقة إلا عين الذات مع اعتبار فقط ، والأسماء تطلب مقتضياتها كما ذكر غير مرة ، ومقتضياتها ليست إلا الحقائق التي هي أجزاء العالم ومجموعها العالم ، وهو المألوه والمربوب فالألوهية التي هي الحضرة الأسمائية ، والربوبية التي هي حضرة الأفعال الصادرة عن الأسماء تطلب العالم بما فيه ولم تثبت إلا به لأنها من الإضافيات فلا عين لها بدون المضاف وجودا وتقديرا .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
قد مر في المقدمات أن ( القلب ) يطلق على النفس الناطقة إذا كانت مشاهدة للمعاني الكلية والجزئية متى شاءت . وهذه المرتبة مسماة عند الحكماء ب‍ ( العقل المستفاد ) .
وقد يطلق على ناطقة من اتصف بالأخلاق الحميدة ، وجعلها ملكة .
وإنما تسمى بالقلب لتقلبها بين العالم العقلي المحض ، وعالم النفس المنطبعة ، وتقلبها في وجوهها الخمسة التي لها إلى العوالم الكلية الخمسة  وله أحدية الجمع بين الأسماء الإلهية والظهور بحكم كل منها على سبيل العدالة .
وهو برزخ بين الظاهر والباطن ، ومنه يتشعب القوى الروحانية والجسمانية ، ومنه الفيض على كل منها ، وهو صورة المرتبة الإلهية ، كما أن الروح صورة المرتبة الأحدية ، لذلك وسع كل شئ حتى الحق .
ولما كان كثير الشعب والنتائج ، وكان شعيب ، عليه السلام ، كثير النتائج  والأولاد متحققا بمقام القلب - مشاهدا للمعاني الكلية والجزئية متخلقا بالأخلاق الإلهية قائما بالعدل الذي هو سبب وجود العالم آمرا بإيفاء الحقوق في المكيال والميزان والقسطاس المستقيم بمقتضى استعداد كل من الناس - أضاف ( الحكمة القلبية ) إلى كلمته .

قال الشيخ رضي الله عنه : (واعلم ، أن القلب ، أعني قلب العارف بالله ، هو من رحمة الله ، وهو أوسع منها ، فإنه وسع الحق جل جلاله ، ورحمته لا تسعه ) .
إنما قال : ( أعني  قلب العارف ) لأن قلب غيره ليس مصطلحا عند الخواص ، بل عند العوام ، كما يسمى ( لب ) الشئ واللحم الصنوبري أيضا ب‍ ( القلب ) .
وإنما قال : ( بالله ) - دون غيره من الأسماء - لأنه مجمع الأسماء ، و ( القلب )
قابل لفيضها كلها ، والعارف به عارف بغيره ، والعارف لغيره لا يكون عارفا به ،
إذ العارف بالأفعال وأحكامها ليس عارفا بالله وظهوراته وأسمائه .
وليس المراد هنا ب‍ ( الرحمة ) الوجود ، إذ القلب ليس أوسع من الوجود ،  
بل ما به يتعطف على عباده ويشفق عليهم ويرحمهم فيهب لهم الوجود . لذلك
قال : ( هو من رحمة الله ) أي ، صادر منها .
وقال : ( فان الحق راحم ليس بمرحوم ) .  ولو كان بمعنى الوجود ، لصدق أنه ( مرحوم ) كما يصدق أنه موجود .
وقوله : ( فإنه وسع الحق ) إشارة إلى ما نقله النبي ، صلى الله عليه وسلم ،
عن الله تعالى أنه قال : " ما وسعني أرضى ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن التقى
النقي "  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذا لسان عموم من باب الإشارة ، فإن الحق راحم ليس بمرحوم ، فلا حكم للرحمة فيه ) .
أي ، كون الرحمة لا تسعه لسان عموم الخلائق وعلماء الظاهر ،  والإشارة إلى معتقدهم ، فإن الحق راحم مطلقا عندهم ، ليس بمرحوم بوجه من الوجوه ، فلا حكم للرحمة فيه . وأما بلسان الخواص والمحققين ، فإنه هو ( الراحم ) وهو ( المرحوم ) ، إذ لا غير والأعيان المسماة ب‍ ( العالم ) عينه ، فما يرحم الحق إلا نفسه . فهو ( راحم ) في مقام جمع الأحدية ، ( مرحوم ) في مقام التفصيل والكثرة .

وإليه أشار بقوله : ( وأما الإشارة من لسان الخصوص ، فإن الله وصف نفسه ب‍ ( النفس ) ، بفتح الفاء ، وهو من باب ( التنفيس ) )
أي ، وصف لسان نبيه نفسه بأن له ( النفس ) . وهو مأخوذ من ( التنفيس ) ، لأنه إرسال الهواء الحار من الباطن ، وإيراد الهواء البارد لترويح المتنفس عن الكرب ، فالتنفس إنما
يتنفس دفعا للكرب . فشبه النفس الإلهي بالنفس الإنساني .
وأضاف ( الكرب ) إليه لا من حيث إنه غنى عن العالمين ، بل من حيث إنه رب لهم . وكربه طلب الأسماء الإلهية الباقية في الذات الأحدية بالقوة ظهورها وعيانها ، فتنفس وأوجد أعيان تلك الأسماء ، فظهرت الإلهية .
( وأن الأسماء الإلهية عين المسمى ) . أي ، من حيث الوجود وأحدية الذات ، وإن كانت غيرا باعتبار كثرتها . ( وليس إلا هو ) .
أي ، وليس المسمى إلا عين هوية الحق ، أو وليس ذلك النفس إلا عين الهوية السارية في الموجودات كلها
.
( وإنها طالبة ما تعطيه من الحقائق ) . أي ، وإن الأسماء طالبة وجود ما تعطى الحقائق الكونية للحق من الأحكام والصفات الكونية .
وفي بعض النسخ : ( ما تعطيه من الحقائق ) . أي ، وإن الأسماء طالبة للحقائق .
وفاعل ( تعطى ) ضمير ( الأسماء ) .
ويؤكد الثاني قوله رضي الله عنه  : ( وليست الحقائق التي يطلبها الأسماء إلا العالم ، فالألوهية
تطلب المألوه ، والربوبية تطلب المربوب ) .
واعلم ، أن الشيخ رضي الله عنه  يستعمل في جميع كتبه ( المألوه ) ويريد به (
العالم ) .
واللغة يقتضى أن يطلق على الحق ، إلا في بعض معانيه . لأنه مشتق من ( أله ) وله معان متعددة :
يقال : أله ، يأله ، إلهة . أي ، عبد عبادة ، فالمألوه هو المعبود .
وثانيها ، ( الفزع ) و ( الالتجاء ) . يقال : أله إلى زيد . أي ، إلتجاء إليه ، فأجأره.
وقال : تأبط شرا . شعر : ( ألهت إليها والركائب وقف ) . فالمألوه المفزع  والملجأ .
وثالثها ، ( الثبات ) .
يقال : ألهنا بمكان كذا . أي ، أقمنا . قال الشاعر : ( ألهنا بدار ما تبيد رسومها ) . فالمألوه المثبت .
ورابعها ، ( السكون ) . يقال : ألهت إليه . أي ، سكنت إليه . فالمألوه  المسكون إليه .
وخامسها ، ( التحير ) . يقال : أله زيد . إذا تحير . فالمألوه المتحير فيه .
ولا شك أن ( المعبود ) و ( المفزوع إليه ) و ( المسكون إليه ) هو الحق و ( المتحير )
و ( المثبت ) هو العالم .
ويمكن أن يستعمل لغة في معان آخر يليق ب‍ ( العالم ) .
و ( الألوهية ) اسم المرتبة الإلهية ، أي ، هذه المرتبة تطلب وجود العالم ،
وهو المألوه ، لأن كل واحد من أسماء الصفات والأفعال يقتضى محل ولايته ليظهر
به ، كالقادر للمقدور ، والخالق للمخلوق ، والرازق للمرزوق ، وهكذا غيرها .
والفرق بين ( الألوهية ) و ( الربوبية ) :
أن ( الألوهية ) حضرة الأسماء كلها - أسماء الذات والصفات والأفعال ، و ( الربوبية ) حضرة أسماء الصفات والأفعال فقط لذلك تأخرت عن المرتبة الإلهية .
قال تعالى : ( الحمد لله رب العالمين )
.
( وإلا ) أي ، وإن لم تكن ( الألوهية ) و ( الربوبية ) طالبة للمألوه والمربوب ، لا يكون شئ منها متحققا ، كما لا يتحقق الأبوة إلا بالإبن ، والبنوة إلا بالأب ، لأنهما من قبيل المتضايفين .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا عين لها إلا به وجودا وتقديرا ) أي ، فلا عين للألوهية أو الربوبية إلا بالعالم ، سواء كان موجودا بالوجود الحقيقي ، أو مقدرا .
فقوله : ( فلا عين ) جواب الشرط المقدر . أي ، إذا كان تحقق الألوهية والربوبية موقوفا على المألوه والمربوب ، فلا عين للألوهية إلا بالمألوه ، ولا للربوبية إلا بالمربوب .
وجواب ( إلا ) محذوف ، لدلالة قوله : ( فلا عين لها إلا به ) عليه . ولا يجوز أن يكون هو جوابا ، لفساد المعنى .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

الفص الشعيبي 
12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية 
قال رضي الله عنه : (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، وهو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه: هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه. وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس: وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا. )
أي: ما يتزين به، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالقلب من حيث إنه مع وحدته واسع الظهور كل كثرة فيه، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى شعيب عليه السلام لتشعب دعوته الواحدة.
أي: تسوية الميزان بقوله: " أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين " [هود: 85].
إلى شعيب كثيرة في الاعتقادات والاختلاف والأعمال إذ لكل شيء منها میزان خاص يستقیم به إذا روعي، ويميل إلى طرفي الإفراط والتفريط إذ أخل به على ما سيشير الشيخ رحمه الله، وهي من أعمال القلب أو القوة المستمدة منه و مشابهة له في التوسط لتوه بين الروح والنفس.
فبين أولا سعته لما لا بتناهي من صور الكثرة حتى أنه أوسع من أصله ليتيسر تصور سعة الكثرة الحاصلة عن ضيق الوحدة في أوهام العامة.
فقال: (اعلم أن القلب أي: قلب العارف بالله) إذ قلب غيره، وإن أحاط بالعلوم الرسمية العقلية والنقلية ضيق عن الأمور الغير المتناهية، والمقصود بیان سعته، وهو المسمى بالقلب في قوله تعالى: "لمن كان له قلب" [ق:37] (هو من رحمة الله) ضرورة أن الموجودات كلها من رحمته، ولكن (هو أوسع) في إيجاد الصور كلها (منها فإنه وسع الحق) أي: صورة في الذهن الذي له إيجاد الصور فيه.
(ورحمته لا تسعة) إذ لا تصوره في الخارج الذي لها إيجاد الصور فيه، ولا في الذهن الذي ليس لها إيجاد شيء منها فيه.
ولذا قال صلى الله عليه وسلم عن ربه: «ما وسعني أرضي، ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي»، فكذا الكثرة أوسع من الوحدة فيما يتوهم.
ثم قال: (وهذا) أي: كون الرحمة لا تسع الحق والقلب بسعة؛ فهو أوسع منها (لسان العموم) أي: قول عامة الصوفية إذ أهل الظاهر لا يجترئون على القول بسعة القلب للحق؛ لأنها إما بالحلول المحال أو بالتمثيل، وهو باطل عندهم لقوله تعالى: "لیس كمثله شيء" [الشورى:11].
وقد ذهلوا عن حديث رؤية يوم القيامة في الصور المختلفة، وفي المنامات، وعن الفرق بين المثل والمثال (من باب الإشارة)، أي: مأخوذ من كلامهم بطريق الإشارة إذ لم يصرحوا بذلك.
وإنما قال عوام الصوفية بأن القلب أوسع من الرحمة لسعته بالحق دون الرحمة وإلا كان الحق مرحوما وهو باطل.
قال رضي الله عنه : (فإن الحق راحم وليس بمرحوم) بوجه من الوجوه، (فلا حكم للرحمة فيه) لا بإيجاده في الخارج ولا في الذهن، (وأما الإشارة) المأخوذة (من لسان الخصوص) أي كلام خواص الصوفية، فالرحمة أوسع من القلب أو مساوية له في السعة، وإن لم يصرحوا بذلك أيضا، فإن المفهوم من كلامهم أنه تعالى يرحم ذاته وأسماؤه بتصويرها في أعيان المكونات في الخارج.
فإن الله تعالى وصف نفسه على لسان نبيه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى (بالنفس)، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن»..
وهو رحمة من المتنفس على نفسه بإخراج الهواء الحارة، وإدخال الباردة، كيف (وهو) مشتق (من التنفيس)؛ وذلك لأن الأسماء من حيث انتسابها إلى الأشياء تطلب ظهورها بصورها وآثارها فيها، وذلك الطلب فيها كالكرب، والظهور كالتنفس فكأنها مرحومة.
قال رضي الله عنه : (والأسماء الإلهية عين المسمى) الذي صدقت عليه، (وليس) المسمى (إلا هو)، أي: الذات فكأنها أيضا مرحومة، وكيف لا تكون الذات مرحومة؟ 
(وأنها طالبة ما تعطيه) الأسماء باعتبار تضمنها معانيها الخاصة من (الحقائق) التي انتسبت تلك الأسماء إليها، باعتبار معانيها الخاصة الموجودة في الذات بواسطة عينية تلك الأسماء لها، وكيف لا تكون مرحومة باعتبار ظهورها في تلك الحقائق؟ وليست صورها الظاهرة فيها قديمة مانعة من التأثير إذ
قال رضي الله عنه : (ليست الحقائق التي طلبتها الأسماء) احتراز عن الحقائق المطلوبة للذات من معاني الأسماء؛ فإنها قديمة غير قابلة للتأثير أصلا إلا العالم القابل للتأثيرات، فالصور الظاهرة فيها حادثة، وبظهورها تحصل مطالب الأسماء؛ فالرحمة عليه رحمة على الأسماء وعلى الذات باعتبار ظهورها فيه، وكيف لا تطلب الأسماء تلك الحقائق، ولا تتصور باعتبار تضمنها للنسب
المقتضية للمنتسبين إلا بها (فالألوهية تطلب المألوه) وإن ورد أن الله غني عن العالمين.
قال رضي الله عنه : (والربوبية تطلب المربرب وإلا) أي: وإن لم يوجد المألوه والمربوب حقيقة ولا تقديرا؛ (فلا عين لها) أي: لا تعين لهذه النسب أي: الألوهية والربوبية إلا (به وجودا أو تقديرا)، فإن الألوهية والربوبية بالفعل عند وجود المألوه والمربوب وبالقوة عند تقديره وإلا فلا تتصور أصلا.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 -  فصّ حكمة قلبيّة في كلمة شعيبيّة
 [ وجه تسمية الفصّ ]
ووجه اختصاص الكلمة بالحكمة هاهنا ما ستطلع عليه من كلام المصنّف أنّ في القلب فنونا من التشعيب لا تحصى ، بها تثمر العقائد التي عليها يتصوّر في الجنّة وبها يتجلَّى عند أربابها .
وأمّا التلويح الكاشف لذلك : فهو أنّ شعيبا ( 13 ) صورة تفصيل ما للقلب من العقود ( 6 ، 13 ) ، كما أنّ القلب ( 132 ) معرب عمّا لشعيب ( 382 ) من الأربعة المحيطة بصورة السعة الإلهيّة .

وأيضا في تفصيل البيّنات القلبيّة ( أف ، أم ، ا 123 لف ا ، لف يم ، لف 381 )  ) ما يشعر بأنّ الكلمة الشعيبيّة هي الكاشفة عن حكمة القلب ، ضرورة أنّه الصورة المقوّمة إياها خاصّة ، ولذلك أخذ يتكلَّم في القلب قائلا
  سعة القلب   
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ القلب - أعني قلب العارف باللَّه  ) فإنّه يستفهم منه معاني غير ذلك ، لا دخل له هاهنا ( هو من رحمة الله ) فإنّه من الحقائق الوجوديّة المنطوية على ما في قوسي الحقائق الإلهيّة والمراتب الكيانيّة ، كما اطَّلعت على تحقيقه مرارا ، ( وهو ) لكمال سعته المذكورة ( أوسع منها ، فإنّه وسع الحقّ جلّ جلاله ، ورحمته لا تسعه ) على ما ورد : « ما وسعني أرضي ولا سمائي » ، فإنّ وجوده ورحمته ليس له مظهر غير سماء الأسماء الإلهيّة وأرض الحقائق الكيانيّة .
( هذا لسان عموم ) تكلَّم على ما ورد من الحديث غير مجاوز عن ظاهره ، ولكن ( من باب الإشارة ) لا صريح العبارة ، ( فإنّ الحق ) على فهم العموم (و) لسانه ( راحم ليس بمرحوم ، فلا حكم للرحمة فيه ) حتّى يحيط به ويسعه .

الربوبية تطلب المربوب والألوهية تطلب المألوه
قال رضي الله عنه :  ( وأمّا الإشارة من لسان الخصوص : فإنّ الله وصف نفسه بالنفس ، وهو من التنفيس )
الذي هو تفريج الكرب ، فإنّ في باطنه من الأسماء ما يطلب الظهور ويهتمّ به وذلك ممّا يستلزم الكرب.
قال رضي الله عنه :  ( وإنّ الأسماء الإلهيّة عين المسمّى ، وليست إلَّا هو ، وإنّها طالبة ما تعطيه من الحقائق ، وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء إلَّا العالم ، فالالوهة تطلب المألوه).
حتّى تثبت وتتعيّن ، فإنّ الأسماء الإلهيّة تقتضي ثبوت المألوه وتعيّنه ، كما أنّ أسماء الربوبيّة تقتضي وجوب المربوب وظهوره ، وإليه أشار بقوله : ( والربوبيّة تطلب المربوب ) حتّى تظهر به وتوجد في العين وهذا هو الفرق بين الالوهيّة والربوبيّة ، لا ما قيل في بعض الشروح « 1 » - فتأمّل .
( وإلا ) - أي وإن لم تطلب نسبة الالوهة والربوبة ، المألوه والمربوب - لم تحصل تلك النسبة أصلا ( فلا عين لها إلَّا به وجودا ) في الخارج ( وتقديرا ) في العلم ، فإنّ النسبة وإن كانت حاكمة على الطرفين ، مسمّية لهما : لكن لا وجود لها إلَّا بهما .
هذا اقتضاء الحقّ من حيث النسب الأسمائيّة الوهيّة وربوبيّة

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم )

فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية

لما كان شعيب عليه السلام مع كونه صاحب قلب قابلا لتجني الاسم الله أحدية جمع الأسماء الإلهية المتشعبة إلى ما لا يتناهی مضاهيا للقلب، سواء أريد به النفس الناطقة في بعض مراتبها أو اللحم الصنوبري الذي هو متعلقها وسحل تصرفاتها لتشعبه إلى شعوب وقبائل كما ينبیء عنه اسمه.
وفي إيتاء كل ذي حق حقه بالقسط والعدل كما يدل عليه أمره أمته بذلك، فإن القلب بكل واحد من معنييه متشعب إلى شعب كثيرة موفي كل ذي حق منها حقه.
وصف الشيخ رضي الله عنه الحكمة المنسوبة إلى كلمته بالقلبية وصدر ببيان أحوال القلب.
فقال : (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله) أحدية جمع الأسماء كلها، فإن صاحب القلب في اصطلاح هذه الطائفة إنما هو العارف بالاسم الله أحدية جميع الأسماء، فمن لم يكن عارف بالله سواء لم يكن عارفا أصلا أو كان عارفا ببعض الأسماء المخصوصة دون بعض، فلا يسمى قلبه قلبا إلا مجازا ولا يصح الحكم عليه بالسعة المذكورة.
(هو من رحمة الله ورحمته) رأفته ولطفه فإن تعينات الأشياء في العلم بالفيض الأقدس، ووجوداتها في العين بالفيض المقدس إنما هي من الأسماء اللطيفة الجمالية (وهو)، أي القلب (أوسع منها)، أي من رحمة الله ، فإن سعة القلب عبارة عن إحاطتها بالأشياء اعتبار جامعيتها للأشياء.
فإنها حقيقة جامعة لها أو باعتبار العلم والشهود وسعة الرحمة عبارة عن شمول الأشياء ووصول اثاره إليها ولا شك أن علم القلب وشهوده أوسع من رحمته (فإنه)، أي القلب باعتبار علمة وشهوده (وسع الحق جل جلاله) بتجلياته الذاتية والأسمائية كما أنه وسع الأشياء علما وشهودا.
(ورحمته) و إن وسعت کل شيء (لا تسعه)، أي الحق سبحانه (وهذا)، أي المتقول بأن رحمة الله لا تسعه (لسان عموم)، أي عامة العلماء قائلون به ولكن قولهم هذا (من باب الإشارة) لا صريح العبارة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية )

فإنهم لم يصرحوا به ولكن يلزم مما صرحوا به من عقائدهم (فإن الحق راحم) عندهم (ليس بمرحوم) فإنهم لم ينتبهوا لكرب الأسماء الإلهية والتنفس عنها بإيجاد العالم (فلا حكم للرحمة فيه) ولا يصل أثر منها إليه فلا تسعه.
(وأما الإشارة من لسان الخصوص)، فهي أن رحمة الله تسعه (فإن الله سبحانه وصف نفسه) على لسان نبيه (بالنفس) حيث قال صلى الله عليه وسلم :" إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن" .
(وهو)، أي النفس (من التنفيس) وهو تفريج الكروب فإن المتنفس إنما يتنفس دفعة الكرب الهواء الحار عن باطنه وطلبة لراحة ورود الهواء البارد عليه ، فالتنفيس في الجناب الإلهي إشارة إلى التخلص من كرب طلب الأسماء الإلهية الظهور، ومن كرب طلب الحقائق الكونية الوجود.
ولا شك أن التفريج عن الكرب رحمة فرحمة الله تسعه ، ولما كان لقائل أن يقول: منشأ هذا الطلب الأسماء لا محض الذات فالتخلص من الكرب يكون للذات من حيث الأسماء لا من حيث هي فلا تكون الراحة شاملة لها .
دفعه بقوله :
(وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليست)، أي الأسماء (إلا هو)، أي المسمى فيكون تکرارة وتأكيدة للأول.
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وليس بدون تاء التأنيث، أي لبس المسمى إلا هو أي الحق فتكون الأسماء عين الحق وإذا وسعتها الرحمة وسعته (وأنها)، أي الأسماء (طالبة ما تعطيه) تلك الأسماء ثبوت في العلم ووجودا في العين (من الحقائق).
أي الحقائق الكونية بيان لما أعني الأسماء طلب الحقائق التي ثبوتها في العلم ووجودها في العين بتلك الأشياء.
(وليست الحقائق التي تطلب الأسماء) لتكون مجالی أحكامها ومظاهر آثارها (إلا العالم) بما فيه من الأجناس والأنواع والأشخاص (فالألوهية) التي حضرة الأسماء الوجوبية المؤثرة في الكون (تطلب المألوه) الذي هو متعلق تأثيراتها وتصرفاتها ضرورة توفيق تحقق النسبة على تحقق المنتسبين. 
ولما كانت الإلهية والألوهية عبارة عن مرتبة الأسماء المؤثرة كان معنى الإله المؤثر بأسمائه فيكون معنى اسم الفاعل لا سيما اشتق رضي الله عنه لما يقابله ، أي المتأثر المألوه اسم مفعول فيكون المألوه موجودة من معنا. 
الاصطلاحي لا معانيه اللغوية فلا إشكال (و) كذلك (الربوبية) التي هي حضرة الأفعال .

قال رضي الله عنه :  (تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(
(تطلب المربوب) الذي هو متعلق آثارها، وإذا كانت الألوهية والربوبية يطلبان المألوه، والمربوب ليس إلا العالم ، فإن كان العالم يكون للألوهية أو الربوبية عين .
(وإلا)، أي وإن لم يكن العالم لم يكن لها، أي الألوهية والربوبية عين (فلا عين لها)، أي للألوهية والربوبية (إلا به)، في العالم (وجودا) في العين .
(وتقديرا) في الذهن يعني خارج ودها

المواقف الروحية والفيوضات السبوحية شرح الأمير عبد القادر الجزائري 1300 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله و رحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه.
وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.(
شرح الفص الشعيبي
الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، (باللام لا بالباء) والصلاة والسلام الأمان الأكملان على أفضل من كل من جاء عن الله رضي الله عنه بالأنبياء، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم الأولياء، أما بعد:
 فإن الأخ العزيز الذي كان أراد مني، إيضاح ألفاظ الفص الإسماعيلي أراد مني أيضا إيضاح ألفاظ الفص الشعيبي.
فإنه استصعبه وحق له أن يستصعب فإنه جمع مسائل متشعبة كثيرة مستصعبة، فأجبته لذلك مستمطرا فيض الإله الرب المالك .
وقلت : اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن سهلا إذا شئت، هذا مع علمي أن ما أذكره في حل ألفاظ سيدنا الشيخ هو كنسبة القشر إلى اللب . 
وقد رأيت مبشرة عند شروعي في الكتابة على هذا الفص : رأيت إني وقفت على باب بيت فوجدته مغلقا عليه قفل من  حديد ولا مفتاح عليه، فحرکت القفل تحریکات فانفتح، فلما دخلت البيت وجدت مفتاحه داخله، وأخذته فتعجبت لذلك. 
فأولت البيت بالفص الشعيبي وكونه مغلقا يدل على أنه ما دخله أحد ممن تكلم على الفص الشعيبي، وكوني وجدت مفتاحه في وسطه وأخذته يدل على أني أعطيت الأذن في الدخول لهذا البيت الذي هو الفص الشعيبي.

قول سيدنا في (فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية): اعلم أن القلب - أعني قلب العارف بالله - هو من رحمة الله ، وهو أوسع منها، فإنه وسیع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه : هذا لسان عموم من باب الإشارة، فإن الله راحم ليس بمرحوم فلا حكم للرحمة فيه. "فإن الحق"
يقول رضي الله عنه إن قلب العارف بالله وإن كان مخلوقا بالرحمة التي وسعت كل شيء، والقلب شيء من الأشياء، فالشيء أعم العام. 
وهو كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه. 
فإنه تعالى خلق قلب العارف به وجعله أوسع من رحمته ، لأن قلب المؤمن العارف بالله تعالى وسع الحق.
كما ورد في الخبر النبوي القدسي أن الله تعالى يقول : "ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن الهين الورع ".
وهذا الخبر وإن ضعفه الحفاظ فقد صححه أهل الكشف ، وقيد هذا الوسع بالقلب المؤمن، فهو وسع الخصوص لا وسع العموم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى فإن قلب غير المؤمن لا يكون محلا للمعرفة بالله تعالى فلا يسع الحق تعالى الوسع المخصوص بالعارفين.
إذ لا تكون المعرفة به تعالى إلا بتعريفه ، لا بحكم النظر العقلي، ولذا قيده سیدنا بقوله (أعني قلب العارف بالله) فرحمته تعالى مع اتساعها يستحيل عقلا لا شرعا وکشقا، إذ الكشف لا يخالف الشرع أن تسعه تعالى.
فرحمته لا تتعلق به ولا تسعه ، فلا يوصف تعالى بأنه مرحوم، وإن كانت منه فلا تعود عليه السلام.
وليس المراد بالقلب في الحديث الرباني اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، فهذا موجود في البهائم، فلا قدر له. 
وإنما المراد اللطيفة الربانية الروحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان والمخاطب المعاقب، وقد تحير أكثر الخلق في وجه علاقته بالنسب النباتي الجسماني . ثم اعلم أن هذا الوسع أنواع:
الأول : وسع العلم والمعرفة بالله ، إذ لا شيء في الوجود بعقل آثار الحق ويعرف ما يستحقه كما ينبغي،مثل الإنسان فغير الإنسان إنما يعرف ربه من وجه دون وجه.

الثاني: وسع الكشف عن محاسن جماله تعالى، فيذوق لذة الأسماء الإلهية فإذا تعقل علم الله في الموجودات مثلا ذاق لذتها وعلم مكانة هذه الصفة ، وقس على هذا.

الثالث: وسع الخلافة، وهو التحقق بالأسماء الإلهية حتى يرى ذاته ذات الحق تعالى فتكون هوية العبد عين هوية الحق، فيتصرف في الوجود تصرف الخليفة . 
حيث كان القلب هو النور الإلهي والسر العلي المنزل في عين الإنسان لينظر به إليه ، وهو روح الله المنفوخ، فما دام هذا لسان خصوصي. 
وأما لسان خصوص الخصوصي فهو أن قلب العبد العارف عين هوية الحق، فما وسعه غيره فإن روحه المنفوخ في ادم هو عين ذاته ما هو غيره.
 فما وسع الحق إلا الحق. 
فهو تعالی دار الموجودات وعين قلب عبده المؤمن العارف دار له. 
يقول سيدنا رضي الله عنه : 
فمن كان بیت الحق فالحق بيته     ……   فعين وجود الحق عين الكوائن
ومما تقدم من كون رحمته تعالى لا تسعه وأنه راحم لا مرحوم، ولا حكم للرحمة فيه، هو إشارة من لسان عموم، يعني بالعموم ، علماء الرسوم المحجوبين عن الرقائق والدقائق . 
وأما لسان الخصوص أهل الكشف والوجود الذين آتاهم الله رحمته من عنده وعلمهم من لدنه علما .
فهو ما أشار إليه سيدنا بقوله : (وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس: وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم، فالألوهية تطلب المألوه، والربوبية تطلب المربوب. وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا. )
يقول رضي الله عنه من باب الإشارة بلسان الخصوص لا من باب التفسير ، للخبر الوارد أن الله تعالى وصف نفسه ، أي ذاته بالنفس (بفتح الفاء) وهو مأخوذ من التنفيس، أي التوسيع والتسريح ضد الضيق والحرج.
ولا يكون التنفيس والسراح إلا بعد ضيق وشدة، أشار بهذا الإمام إلى ما رواه أحمد  رضي الله عنه في مسنده ، أنه قال: «إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن". وفي روايته للطبراني "إني أجد نفس ربکم قبل اليمن".
فنفس الله تعالى عن رسوله بالأنصار رضي الله عنهم . فأووه وناصروه، فإن أصل الأنصار من اليمن، خرجوا منه وقت خراب سد مأرب، و تفرقت قبائل اليمن في الأقطار . 
كما نفس الله بالنفس الداخل الخارج عن قلب الإنسان والحيوان، فإنه بالنفس يخرج الهواء الحار ويستنشق الهواء البارد. ولولا ذلك لهلك في حينه. 
ومعلوم أن الأسماء الإلهية عين المسمى باعتبار، وذلك أن للأسماء الإلهية اعتبارین، اعتبار کونه تعالى ذكر نفسه بهذه الأسماء أزلا من كونه متکلما، فهي قديمة غير مكيفة ولا محدودة ولا مشتقة، وهي عين المسمى. 
إذ الوحدانية هنالك من جميع الوجوه فلا تعداد، واعتبار هذه الأسماء التي بأيدينا، وهي أسماء لتلك الأسماء، وهي التي تطلب المعاني بحكم الدلالة لأنها ألفاظ وألقاب، وهي غير المسمى، وهي المشتقة. 
هذا لسان صفوة خاصة الخاصة، وأما لسان الخاصة فهو أن الأسماء الإلهية عين المسمى من حيث الدلالة على المسمی، مع قطع النظر عما يفهم من الأسماء، فإن المسمى واحد، والمفهوم من الأسماء ليس بواحد، وإن الأسماء الإلهية ما تعددت جزائها، فلا بد من سبب يعقل لتعددها ، وهو موضع حيرة.
هل الاسم هو اسم له تعالى؟ 
أو أسم لما هو المفهوم؟ 
أو اسم لهما؟ 
وليس في الوجود الخارجي العيني إلا هو تعالى، والأسماء نسب واعتبارات به.
و مراتب للذات لما هو الحق والتحقيق، لا أعيان زائدة كما عليه أكثر المتكلمين . والأسماء وإن كانت عين المسمى الذات للغني عن العالمين، فهي طالبة ما تعطيه من الحقائق المفهومة منها.
فطلبت طلب استعداد ظهور آثارها بما تعطيه حقيقة كل اسم، وليست الحقائق التي تطلبها الأسماء لتظهر بها إلا العالم. وهو كل ما سوى الله تعالى فالألوهية التي أعظم مراتب الإله المعبود تطلب المألوه، وهو العابد . 
والربوبية التي هي مرتبة الرب أخص من مرتبة الألوهية، تطلب المرهوب الذي يحصل التصرف فيه ويظهر به سلطانها. 
وإلا لو لم تكن الأسماء طالبة ولا يعطيها الحق ما تطلبه من الظهور، فلا ظهور لها ولا عين إلا بالعالم وجودا عند إيجاد العالم بالفعل. 
وتقديرا قبل إيجاد العالم بالصلاحية، إذ هو تعالی مسمي بهذه الأسماء أزلا. 
ولا عالم ولا موجود سواه، لأن الأعيان الثابتة لم تزل ناظرة إلى ربها حال ثبوتها نظر افتقار . فلو زال العالم وجودا أو تقديرا لزالت الأسماء، حتی الفناء عن العالم، إذ لو لم يتوهم لم يصح الفناء عنه ، "ثم" غني عن من؟.
فالحق تعالى من حيث ذاته الأحدية غني عن العالمين . بل غني عن أسمائه، إذ ليس ثمة من يتفرق إليه أو يتسمى له.
.
    


واتساب

No comments:

Post a Comment