Wednesday, January 1, 2020

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

17 - The Wisdom of Being in the Word of David

 الفقرة الرابعة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير. وأعطاه القوة ونعته بها، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب.)

قال رضي الله عنه :  ( وسمّى اللّه محمّدا عليه الصّلاة والسّلام بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالتين . في اسمه كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد صلوات اللّه عليهما أعني التّنبيه عليه باسمه . فتمّ له الأمر عليه الصلاة والسّلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه « أحمد » فهذا من حكمة اللّه تعالى .  ثمّ قال في حقّ داود عليه السّلام ، فيما أعطاه إيّاه على طريق الإنعام عليه ، ترجيع الجبال معه بالتّسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطّير . وأعطاه القوّة ونعته بها ، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب . )

قال رضي الله عنه :  (وسمّى اللّه) تعالى (محمدا) نبينا صلى اللّه عليه وسلم (بحروف الاتصال) وحروف (والانفصال) فله أسماء متصلة كلها كمحمد ومصطفى ومجتبى وطه ، وأسماء منفصلة الحروف كرؤوف من قوله تعالى :بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (فوصله) ، أي اللّه تعالى به وأشار إلى ذلك بأسماء الاتصال وفصله تعالى عن جميع العالم المحسوس والمعقول بأسماء الانفصال فجمع سبحانه وتعالى له ، أي لنبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم (بين الحالين) ، أي حال الاتصال وحال الانفصال .
(في اسمه) صلى اللّه عليه وسلم المتصل الحروف والمنفصل الحروف (كما جمع) تعالى

قال رضي الله عنه :  (لداود) عليه السلام (بين الحالين) حال الاتصال به سبحانه وحال الانفصال عن جميع العالمين (من طريق المعنى) فقط (ولم يجعل) تعالى (ذلك) الجمع (في اسمه) ، أي اسم داود عليه السلام بل جعل في اسمه الانفصال في الحروف فقط .

قال رضي الله عنه :  (فكان ذلك) الجمع بين الحالين في الاسم (اختصاصا لمحمد) نبينا صلى اللّه عليه وسلم (على داود) عليه السلام أعني بذلك الاختصاص التنبيه عليه ، أي على الجمع بين الحالين باسمه صلى اللّه عليه وسلم كما ذكرنا فتم ، أي كمل له ، أي لنبينا صلى اللّه عليه وسلم الأمر وهو الجمع المذكور عليه الصلاة والسلام من جميع جهاته اللفظية والمعنوية وكذلك تم له الأمر في اسمه أحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فإن بعض حروفه منفصل والبعض متصل فقد جمع الاتصال والانفصال في اسم واحد ، ومثله اسمه محمود هادي وشافع ، فهذا الأمر المذكور من جملة حكمة اللّه تعالى في خلق الأنبياء عليهم السلام .

قال رضي الله عنه :  (ثم قال) تعالى (في حق داود عليه السلام فيما) ، أي في جملة ما (أعطاه) اللّه تعالى من العطايا والمواهب (على طريق الإنعام عليه ) والإحسان إليه (ترجيع الجبال معه) ، أي مع داود عليه السلام (بالتسبيح) للّه تعالى والتقديس كما قال تعالى :يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ[ سبأ : 10 ] .
أي رجعي التسبيح (فتسبح) الجبال (بتسبيحه) ، أي تأخذ منه تسبيحه وتسبح به ، كما يأخذ المتعلم الكلمة من فم معلمه ويتكلم بها هو ، فيكون رجعها ثانيا بتكلمه بها (ليكون) ، أي سبب ذلك الترجيع (له) ، أي لداود عليه السلام ثواب (عملها) ، لأنه إمامها في التسبيح وهي مقتدية به في ذلك ومتابعة له فيه وللإمام ثواب عمل كل من اقتدى به (وكذلك الطير) ، اسم جنس ، أي الطيور بأنواعها كانت تسبح معه فيكون له ثواب ترجيعها لمتابعتها له فيما يقول من التسبيح والتقديس وهو نطق الجماد له والحيوان بمثل ما يريد .

قال رضي الله عنه :  (وأعطاه اللّه) تعالى أيضا (القوّة) وهو تليين الحديد له فكان في يديه مثل العجين يفعل به ما يشاء من شدّة قوّته عليه السلام التي أمده بها (ونعته) عليه السلام ، أي وصفه اللّه تعالى (بها) في قوله سبحانه :وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ ص : 17 ] ، والأيدي جمع يد وهي القدرة والقوّة وأعطاه اللّه تعالى (الحكمة) وهي العلم باللّه تعالى مع العمل الصالح (وفصل الخطاب) ، أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل ، وذلك حكمه في بني إسرائيل وقضاؤه بينهم بالحق ، وقيل : فصل الخطاب قوله : أما بعد في كل خطبة وموعظة . قال اللّه تعالى :وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ[ ص : 20 ] .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمّى اللّه محمدا عليه السلام بحروف الاتصال والانفصال فوصله ) أي محمدا صلى اللّه عليه وسلم بذلك الاسم من جهته وصله ( به ) أي بالحق أو وصله بسبب هذا الاسم إلى الحق ( وفصله ) بهذا الاسم من جهة فصله ( عن العالم فجمع له ) أي لمحمد عليه السلام ( بين الحالتين ) حالتي الاتصال والانفصال ( في ) لفظ ( اسمه ) فعلمنا من اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم قد انفصل عن العالم واتصل بالحق بخلاف داود عليه السلام فإنه وإن علمنا انقطاعه عن العالم واتصاله بالحق لكن الاتصال بدلالة المعنى فإن الانقطاع عن العالم يوجب الاتصال بالحق فدل اسم داود عليه السلام عليه التزاما وهو معنى قوله ( كما جمع لداود عليه السلام بين الحالتين من طريق المعنى ولم يجعل ذلك ) الجمع .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( في اسمه فكان ذلك ) الجمع في اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم ( اختصاصا لمحمد عليه السلام على داود عليه السلام ) قوله ( أعني التنبيه عليه باسمه ) تفسير لقوله فكان ذلك اختصاصا .
( فتم له الأمر ) أي أمر الجمع ( من جميع جهاته ) من الاسم والمعنى ( وكذلك في اسمه أحمد فهذا ) أي الجمع بين الحالتين في اسم محمد واسم داود عليهما السلام ( من حكمة اللّه تعالى ) وهي الانقطاع عن العالم والاتصال ظاهر بالحق فلا يخلو ما في الوجود لفظا وكتابه وعقلا وخارجا عن حكمة إلهية ولا يطلع على هذا المعنى إلا من اكتحل بصره بالنور الإلهي .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم قال في حق داود عليه السلام ) والضمير المنصوب ( فيما أعطاه ) راجع إلى ما أي وما أعطاه إياه ( على طريق الانعام ) والضمير المجرور في ( عليه ) راجع إلى داود عليه السلام والجار والمجرور يتعلق بالانعام ترجيع الجبال معه التسبيح مقول قال التسبيح منصوب بترجيع أي قال اللّه في حق داود عليه السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ترجيع الجبال معه التسبيح ) في قوله سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ( فتسبح ) الجبال ( تسبيحه ليكون له ) أي لداود عليه السلام ( عملها ) أي عمل الجبال .
( وكذلك ) خبر مقدم ( الطير ) مبتدأ أي وكالجبال الطير في الترجيع معه التسبيح أو بالجر على تقدير المضاف أي وكذلك قال اللّه تعالى ترجيع الطير معه التسبيح في قوله :وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ[ ص : 19 ] .
وتسبيح الجبال والطير معه وهو تسبيح داود لا التسبيح المخصوص بكل منهما ( وأعطاه القوة ونعته بها ) في القرآن الكريم بكلامه ذا الأيد إنه أوّاب ( وأعطاه الحكمة ) أي علم الحقائق والأسماء والصفات ( و ) أعطاه ( فصل الخطاب ) قال مولانا سعد الدين في كتابه المسمى بالمطول يقال الكلام البين فصل بمعنى المفصول ففصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي ينبه من يخاطب ولا يلتبس عليه أو بمعنى الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الحق والباطل والثواب والخطأ .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال رضي الله عنه :  (وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه. فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى. ثم قال في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير. وأعطاه القوة ونعته بها، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب.)
المعنى ظاهر

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب. )

قال رضي الله عنه : « وسمّى محمّدا صلى الله عليه وسلم  بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم ، فجمع له بين الحالين في اسمه ، كما جمع لداود بين الحالين من حيث المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد على داوود ، أعني التنبيه عليه باسمه ، فتمّ له الأمر عليه السّلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسم أحمد ، فهذا من حكمة الله » .
أي إنّما سمّاهما الله لحكمة دالَّة على حقائقهما من هذه الحروف والترتيب والتركيب والوضع والوزان التي في أسمائهما لمن عقل عن الله وما أغفل شيئا من الأشياء إلَّا شاهد حكمة الله المودعة فيه .

قال رضي الله عنه  : « ثم قال في حق داوود ، فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع  الجبال معه التسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ، ليكون له عملها ، وكذلك الطير » .

قال العبد : يريد أن يوفي بحمد الله إلى الحكم والحقائق التي أوجبت ترجيع الجبال والطير لداود عليه السّلام بلسان الإشارة الكشفية ، فنقول : الجبال هي صورة الرسوخ والتمكَّن والثبات ، الخصيصة بالكمّل ، المتعيّنة حجابياتها في الجسمانيات والأماكن العالية ، المحتوية على جواهر الحقائق الكمالية التي أومأنا إليها ممّا يصعب الصعود عليها ، وقد أودعت في الحقائق الجسمية ، ممّا ليس في عالم الأرواح إلَّا روحانياتها ، ولا في عالم المعاني إلَّا معانيها وأعيان حقائقها من كمال الظهور والعلوّ وأحدية الجمع ، وما ذكرنا .

والطير صور القوى والحقائق والخصائص الروحانية في نشأة الإنسان الكامل ، ولمّا كان داوود عليه السّلام من كمال تبتّله وانقطاعه إلى الله بالمحبّة الدائمة والهيمان فيه والعشق وإيثار جنابه - تعالى - على نفسه وسواه وشدّة الشوق إليه بحيث تبعته قواه الجسمانية وقواه الروحانية ، فغلب عليه وعلى قواه الجسمانية والروحانية الانقطاع والرجوع إلى الله والتبتّل ، وتحقّق فيه هذا السرّ ، أظهر الله لسرّ تبعية ظاهره وباطنه ، كما قلنا له في التنزيه والتقديس الإلهي صورة ومثالا ترجيع الجبال والطير ، لمّا كان الغالب عليه في زمانه تجلَّي الاسم « الظاهر » على « الباطن » ، فكانت الحقائق والمعاني تظهر صورا قائمة لهم لما أهّله الله وخصّه بكمال الظهور الوجودي .
قال رضي الله عنه : « أعطاه القوّة ونعته بها وأعطاه الحكمة » يعني : وضع الأمور مواضعها ، وكان يحكم بالأحكام المؤيّدة بالحكمة .
قال : « وفصل الخطاب » .
يعني الإفصاح بحقيقة الأمر وقطع القضايا والأحكام باليقين من غير ارتياب ولا شكّ أو توقّف

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال فوصله به وفصله عن العالم ، فجمع له بين الحالتين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى ) وهو اختصاصه بالجمع بين النبوة والرسالة والخلافة والملك والعلم والحكمة والفصل بلا واسطة غيره .
قال رضي الله عنه :  ( ولم يجعل ذلك في اسمه فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهم الصلاة والسلام : أعنى التنبيه عليه باسمه ، فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه أحمد فهذا من حكمة الله ) .
أي اختصاصهما بالاسمين الدالين بحروفهما على ما ذكر من المعنيين فيهما من حكمة الله التي في تسميتهما لمن عقل عن الله ولم يعقل شيئا من الأشياء إلا شاهد حكمة الله المودعة فيه .
قال رضي الله عنه :  ( ثم قال في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال والطير معه التسبيح فتسبح بتسبيحه ليكون له عملها وكذلك الطير ) في الإنعام عليه بترجيع الجبال والطير معه والتسبيح إيماء إلى حكمة ترجيعهما بكون عملهما له ،
وهي أن الجبال تحكي بصورها رسوب الأعضاء والتمكن والثبات التي هي مخصوصة بالكمل في ظواهرهم ، والطير تحكي بطيرانها حركة القوى الروحانية فيه وفي كل عبد كامل إلى تحصيل مطالبها عند تسبيح الكامل بما يخصه من تنزيه الله عن النقص وبراءته عن صفات الإمكان وحكامه والاتصاف بصفات الوجود وأحكامه ،

ولما كان داود من كمال توجهه وتجرده وانقطاعه إلى الله بالمحبة الذاتية ، والهيمان والعشق وإيثار جنابه على نفسه وما يتعلق به تبعته ظواهره وبواطنه وجوارحه وقواه كلها .
أظهر الله تعالى سر انخراط أعضائه وقواه الروحانية في التنزيه والتقديس في صور الجبال والطير متمثلة له فرجعت معه التسبيح ، لأن الغالب في زمانه تجلى الاسم الظاهر على الباطن لما بقي من حكم الدعوة الموسوية إلى الاسم الظاهر ،
فكانت الحقائق والمعاني مظهر صور قائمة لهم لما أهله وخصه به من كمال ظهور الوجود ( وأعطاه القوة ونعته بها ) .

في قوله : ( واذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الأَيْدِ )   أي القوة ( وأعطاه الحكمة ) أي سياسة الخلق وتدبير الملك بوضع الأشياء مواضعها ، وتوجيه الأكوان إلى غاياتها بالتأييد الإلهي والأمر الشرعي.

 (وفَصْلَ الْخِطابِ ) أي الإفصاح عن حقائق الأمور على ما هي عليه ، وفصل الأحكام وقطع القضايا باليقين من غير شك وارتياب ولا توقف فيها .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال رضي الله عنه :  ( وسمى الله محمدا صلى الله عليه وسلم  بحروف الاتصال والانفصال ، فوصله به ) أي ، بالحق . وفصله عن العالم ، فجمع له بين الحالتين في اسمه ، كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى ) أي ، طريق المسمى .

قال رضي الله عنه :  ( ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود ، صلوات الله عليهما ، أعني ، التنبيه عليه باسمه . فتم له الأمر ) أي ، لمحمد ، صلى الله عليه وسلم .
قال رضي الله عنه :  ( من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه "أحمد" . فهذا من حكمة الله . )
قوله : ( هذا ) إشارة إلى ما ذكره من التنبيه بالاسم : من قطعهما عن العالم ووصلهما بالحق . أي ، هذا المعنى من جملة حكم الله الحاصلة في الوجود ، لا يخلو عن حكمة إلهية .
( ثم قال في حق داود ، عليه السلام ، فيما أعطاه ) أي ، في جملة ما أعطى داود .
( على طريق الإنعام عليه ، ترجيع الجبال معه التسبيح ) بالنصب ، على أنه مفعول لقوله ( ترجيع ) . وهو منصوب على أنه مفعول ثان ( إعطاه ) .
أو  بنزع الخافض المبين ( ما ) ، أي من ( ترجيع الجبال ) . والمفعول الثاني الضمير . أي ، فيما أعطاه إياه .
( فتسبح لتسبيحه ، ليكون له عملها . وكذلك الطير . ) بالجر . أي ، ترجيع الطير وتسبيحه . أو بالنصب . أي ، وكذلك سخر له الطير يسبح معه تسبيحه .
قال رضي الله عنه :  ( وأعطاه القوة ونعته بها ، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب . ) أي "إيضاح الغموض والتباس الأمور وكشف حقيقتها " ، وقال في حقه : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب " .
وقال : ( يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) . فجعل ترجيع الجبال معه التسبيح ، فكانت تسبح بتسبيحه لتكون له ذلك التسبيح أيضا .
وكذلك تسخير الطير لتسبح معه ليكون تسبيحه معه أيضا تسبيحا له .
وأعطاه القوة ونعته بها بقوله : ( واذكر عبدنا داود ذا الأيد أنه أواب وأعطاه الحكمة ) .
بأن جعله عالما بالحقائق ، عارفا بالله ومراتبه وأسمائه ، عاملا بمقتضى علمه ، وجعله
( فصل الخطاب ) . أي ، واسطة بين الله وعباده .
كما قال رضي الله عنه  : ( ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ) . فعينه ذلك الحجاب الذي يتجلى الحق من ورائه على العباد .

واعلم ، أن روحه ، عليه السلام ، لما توجه بكليته إلى الحضرة الإلهية بالتسبيح والتحميد ، انعكس منه النور الإلهي الفائض عليه إلى قواه وأعضائه ، فسبحت تسبيح الروح بالمتابعة ، غير التسبيح المخصوص بكل منها ، فكان كل ذلك للروح أصالة ولغيرها تبعية .
" التسبيح المخصوص قوله تعالى : "وإن من شئ إلا يسبح بحمده " "
ولما كانت الجبال الظاهرة والطير المحشورة مثالا للأعضاء والقوى الروحانية والجسمانية - وصورا ظاهرة في الخارج لهذه الحقائق التي في العالم الإنساني وكانت الأعضاء والقوى يسبحن معه بالعشي والإشراق.
حصل ذلك التأثير الروحاني أيضا في روحانية الجبال والطيور ، فيسبحن ذلك التسبيح بعينه ، فكان ذلك التسبيح له "داود" عليه السلام  بالأصالة ، ولهن بالتبعية ،
كما قال الشاعر :
فلو قيل مبكاها بكيت صبابة  ....  بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكاء  .... بكاها ، فقلت : الفضل للمتقدم

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال رضي الله عنه :  ( وسمّى اللّه محمّدا عليه الصّلاة والسّلام بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالتين في اسمه كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد - صلوات اللّه عليه - أعني : التّنبيه عليه باسمه ، فتمّ له الأمر - عليه الصلاة والسّلام - من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه " أحمد " فهذا من حكمة اللّه تعالى ، ثمّ قال في حقّ داود عليه السّلام ، فيما أعطاه إيّاه على طريق الإنعام عليه ، ترجيع الجبال معه بالتّسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطّير ، وأعطاه القوّة ونعته بها ، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب . )

ثم أشار إلى تفضيل نبينا عليه السّلام على داود باعتبار اسمه المشهور ، فقال : ( وسمي محمدا ) بحروف ( الاتصال والانفصال ) ، وهي الحاء الحلقية ، والميم الشفوية ، والدال اللسانية ،

"" أضاف المحقق :
الاتصال : هو مقام توارد الإمداد من حضرة الكريم الجواد ، وهو أحد المنازل العشرة التي يشتمل عليها قسم الحقائق ، فإن السائر إلى اللّه تعالى إذا انتهى به إلى مقام البسط الذي يوجب السكر ؛ فإن ارتقى عنه إلى مقام الصحو نزل بعده في منزلة الاتصال ، ثم ينفصل عن رؤية الاتصال المنبئ عن نوع من الانفصال .
والانفصال : مقام فوق الاتصال الذي مرّ ذكره لأن فيه يحصل الانفصال عن رؤيتهما ، أعني رؤية الاتصال والانفصال لكونهما عين الاعتلال ( لطائف الإعلام ص 5 )"" .

( فوصله به ، وفصله عن العالم ) أي : دل بوصل حروفه أولا على اتصاله بالقديم ، وبفصل الحرف الأخير منه على انقطاعه عن العالم الحادث ، وراعى فيه لطيفة أخرى هي أنه وصل ظاهريته بباطنيته أولا ، ثم ظاهريته بالجامع بين الظاهر والباطن المتوسط بينهما مع اعتبار انفصاله عن الحدوث ؛ لأنه إذا كان هو الظاهر والباطن جميعا ، فلا غيرة للعالم معه ،
( فجمع له ) أي : لمحمد عليه السّلام بين الحالتين الاتصال بالحق القديم ، والانفصال عن العالم الحادث ( في ) دلالة ( اسمه ) باعتبار اتصال بعض حروف وانفصال بعضها في الخط عليهما .
( كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ) ، بأن كان اتصاله بالحق مدلولا لمدلول انفصال الحروف ، وهو انفصاله عن العالم ؛ فإنه يدل بطريق نسبة دلالة الالتزام على اتصاله بالحق ؛ لأن انفصاله عن العالم مع كونه خليفة عليه لا يكون إلا لاتصاله بالحق ، ولكن ( لم يجعل ذلك ) الجمع داخلا في مدلول انفصال الحروف ( اسمه ) ، بل يكون مدلولا لهذا المدلول بطريق نسبة دلالة الالتزام مع عدم ظهور القرينة ،
( فكان ذلك ) الجمع بينهما في اسم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ( اختصاصا لمحمد ) فضل به على داود ( صلوات اللّه عليهما ) ؛ لقصور الدلالة الالتزامية عن دلالة المطابقة فيما دلّ بالوضع ، فكيف فيما يشبهها فيما دلّ على الملزوم بطريق الرمز الخفي مع خفاء القرينة ، فتكون هذه الدلالة كالعدم ، وعدم الدال ، وإن لم يدل على عدم المدلول ؛ فهو يشبه الدال على عدم المدلول فيدل وجود هذا الدال في حق محمد على جمعيته على كمال هذا المدلول فيه ، وعدمه في حق داود كأنه يدل على قصور هذا المدلول فيه .
ثم قال : ( أعني التنبيه عليه باسمه ) ؛ لئلا يتوهم أن لفظة ذلك إشارة إلى الجمع بين الاتصال والانفصال مطلقا ، وهو باطل لحصول ذلك الجمع لداود عليه السّلام من طريق المعنى ، وإذا كان الانفصال دلالة على الاتصال بطريق يشبه الالتزام ، وقد حصل الاتصال أيضا بالفعل في اسم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ،
( فتم له ) أي : لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم ( الأمر ) أي : أمر الجمع بينهما ( من جميع جهاته ) أي : من جهة ما يشبه دلالة المطابقة ، وما يشبه دلالة الالتزام على الاتصال الذي هو المقصود بالذات ، وقد تأكد ذلك بتكريره مع تحقق ما يشبه دلالة المطابقة على ما يقصد لأجله وهو الانفصال أيضا .

( وكذلك ) أي : كما جمع له بينهما في اسمه محمد كذلك جمع له ( في اسمه أحمد ) ؛ لأن الألف والدال فيه من حروف الانفصال ، فدل على انفصال أوليته وآخريته عن الخلق ، والحاء والميم فيه من حروف الاتصال ،
فدل على اتصال باطنيته وظاهريته بالحق ،
لكن اعتبر في الدلالة الأولى موقع الحرف ،
وفي الثانية مخرجه مع الدلالة الخطية جمعا بين وجوه المناسبة الكثيرة حيث لم تكن المناسبة الواحدة شاملة للحروف ، ( فهذا ) أي : فهم هذه الأمور من هذه الاعتبارات مأخوذ ( من حكمة اللّه ) الموجبة رعاية المناسبة بين الاسم والمسمى ،
وإن لم يكن للاسم هذه الدلالة لا بالفعل ولا بالوضع مطابقة أو تضمنا أو التزاما ، ويكفي في ذلك أنه ( تعالى ) ألهم أصولها أن يسموها بما يدل بمناسبة الخط ، والموقع ، والمخرج على هذه الأمور الجليلة ، وإن لم يشعرهم بذلك .

ثم أشار رحمه اللّه تعالى : إلى نعم أخرى على داود عليه السّلام طالب آله بالشكر عليها ، وإن لم يشعر بوجه كونها نعما عليه أو عليهم إلا بطريق دقيق لا يدركه إلا آحاد أهل التحقيق ،
فقال : ( ثم قال في حق داود عليه السّلام فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه التسبيح ) ، ووجه الإنعام به عليه أنه يحصل له ثواب تسبيحهم ، وإن كانت عبادة شخص لا تحصل لغيره حتى لا يصح فيها التوكيل إلا أن الجبال لما لم تكن من أهل الجزاء ، فلابدّ من أن يحصل ثواب عملها لغيرها ، وإلا كانت أعمالها ضائعة بالكلية ،
وليس البعض أولى من الآخر إلا بنسبة السببية ، وهي منه عليه السّلام ؛ لأنه عليه السّلام كان يسبح " فتسبح " الجبال " لتسبيحه " ، وليست من أهل الثواب ،
وهي إنما سبحت ( ليكون له عملها ) ، فتسبيحها نعمة عليه موجبة للشكر على آله من حيث إنه لما حصل له التقرب إلى اللّه تعالى بأعماله وأعمال غيره استفاض منه ما أفاض عليهم فيما أفادهم الكمالات ، ومن جملة ما أعطاه على وجه الإنعام ، وأوجب الشكر على آله ، ولم يشعر بموجبه إلا بالطريق الخفي .

( أعطاه القوة ) على الجمع بين أمور الدنيا والدين ، ( ونعته ) أي : مدحه بها ؛ بقوله :وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ ص : 17 ] ، ( وأعطاه الحكمة ) العلم اليقيني بحقائق الأشياء وصفاتها وخواصها مع تأتي وضع كل في مواضعها ، ( وفصل الخطاب ) أي :
الخطاب الفاصل بين الحق والباطل بإقامة الحجج ، ودفع الشبه على الوجه اليقيني إذ بهذه القوة ناسب الحق والخلق ، واستفاض ثم أفاض ، وتمت له الأمور العلمية والعملية بالحكمة ، والتولية بفصل الخطاب ، فكانت نعما عليه وعليهم ، وتم كل ذلك بسبب خلافته .

ولذلك قال : ( ثم المنة الكبرى ) على داود عليه السّلام الموجبة لكمال الشكر على الآل مع عدم عرفان أكثرهم ، فذرها لرؤيتهم إياها من أمور الدنيا المضرة بالدين ، وهي ( المكانة الزلفى ) عند اللّه بها كمال النبوة والولاية ( التي خصه اللّه بها ) بقوله :وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ[ ص : 25 ] ، ورتبه على هذه الخلافة التنصيص على خلافته لدلالة ( التنصيص ) من الكامل الذي ليس من شأنه ذكر المحقرات إلا لغرض التحقير على كمال النصوص ، والخلافة إذا انضمت مع النبوة والولاية كانت غاية الكمال لهما ،
فالتنصيص عليها يدل على كونها في غاية الغايات ، وتجاوزها أقصى النهايات ، وبها تتم المنة بظهور القوة ، ونفاذ الحكمة ، وفصل الخطاب ،
إذ لا يكون معها معاندة الجاهل غالبا ، ( ولم يفعل ذلك ) التنصيص بأحد أي : بخلافة ( أحد من أبناء جنسه ) من الأنبياء فضلا عن خلفائهم وعن سائر الملوك .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

وسمّي محمّدا صلَّى الله عليه وسلَّم بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصّله عن العالم ، فجمع له بين الحالتين في اسمه ) .

وذلك لأنّ الاسم محل إظهار الشخص بما هو عليه ، ولما كان محمد صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم أمر الإظهار وسلطان حكمه - الذي إنما يتحقّق في الكثرة والانفصال مع انطوائه على تمام المعنى الذي يقتضي الوحدة والاتّصال - لا بدّ وأن يكون من الحروف المختصّة به دلالة على وجهيه .

إذا عرفت هذا تبيّن لك أنّه لا بدّ من اشتمال اسمه على النوعين من الحروف ، دلالة منه على طرفيه . وسائر الأنبياء وإن كانوا ذا طرفين ولكن ليس لأحد بينهم أمر تمام الإظهار وختمه ، فلا يكون في اسمه الذي هو مبدأ الإظهار دال عليه . فلذلك قال :
" فجمع له بين الحالتين في اسمه " ، ( كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ) .

"" أضاف المحقق :
قال الكاشاني : وهو اختصاصه بالجمع بين النبوة والرسالة والخلافة والملك والعلم والحكمة.""
( فكان هذه ) الجمعيّة الاسميّة ( اختصاصا بمحمّد على داود ) لما بينهما من الاشتراك في الظهور بالخلافة والرسالة الإحاطيّة .
ومن ثمّة ترى المشترك بين اسميهما هو « الدال » الدالّ على الدولة والظهور ، ولكن لما كان في المحمد متصلا بميم التمام والكمال يكون دالَّا على جمعيّته الصوريّة والمعنويّة ، فإنّ الاتّصال يستتبع الاتّحاد الذي هو من لوازم المعاني والعلوم .
وإليه أشار بقوله : ( أعني التنبيه عليه ) - أي على الاختصاص المذكور الذي له بين الأنبياء - ( باسمه ، فتمّ له عليه السّلام الأمر من جميع جهاته ) اسما ومسمّى وصورتا ومعنى .
وفي آدم وإن كان الدال فيه مع ميم التمام ، ولكن منفصلا عنه ، غير متّصل به فلا يدلّ إلا على الدولة الصوريّة والجمعيّة الوجوديّة التي له .
( وكذلك في اسمه ) المنصوص عليه اسميّته في التنزيل في قوله تعالى “ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي من بَعْدِي اسْمُه ُ أَحْمَدُ “  [ 61 / 6 ] .
( فهذا من حكمة الله ) المستفادة من الصور المنزلة من عنده ، فإنّ الحكم منها ما يستحصل بالفكر وما يجري مجراه من أنواع التعمّلات والسعي وفنون التسبّبات والكسب . ومنها ما يستفاد من الصور الحرفيّة القرآنيّة ، والدلائل الكشفيّة العيانيّة .
وبيّن أنّ الحكم وإن كان كلها من الله ، ولكن المنتسب منها إليه أوّلا وبالذات هو الثاني .

سرّ تسبيح الجبال والطير مع داود عليه السّلام
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثمّ قال في حق داود فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه التسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطير ) ،
والوجه في تخصيص هذين النوعين بالمتابعة ، هو أنّهما أشدّ أنواع الأكوان ترفّعا على الإنسان ، وعلوّا عليه وإباء لقبول الإذعان له ، لغلوّ القساوة والخفّة فيهما ، وبيّن أن كلا منهما يمنع الانقياد وقبول التصرف .
أمّا الأوّل فلإفراطها في طرف الكثافة العاصية عن القبول.
وأمّا الثاني فلتفريطه في طرف الخفّة وعدم استقراره بين يدي الفاعل عند التأثّر والقبول .
وبيّن أنّ الطرفين مع غلوّ إبائهما وعلوّهما على الإنسان إذا دخلا في انقياده وإسلامه ، فما في أواسطهما - مما يقرّب إلى حدّ الاعتدال - يكون بذاك الانقياد أحرى وأولى .
ضرورة أنّ رقيقة نسبته إلى الإنسان أوثق وأظهر .
ولا يخفى على الواقف بأساليب هذا الكلام من المستبصرين ، أنّ تأويل الجبال والطير هاهنا بالعظام والقوى لا يوافق كمال خلافة داود وانقياد البريّة له وتسلَّطه عليها.

ثمّ هذا المعنى وإن كان له وجه في حدّه عند الكلام على الحكم الأنفسيّة ، ولكن لا يوافق هذا السياق ، فإنّه في صدد تسخير الأكوان الآفاقية له ، على ما هو من خصائص خلافته الخاصّة به ، وسيجئ في معنى تليين الحديد ما يؤيّد ذلك .

سرّ إعطاء القوّة والحكمة لداود عليه السّلام
ثمّ إنّ مثل هذه الخلافة لا بدّ وأن يكون بالقوّة التي بها يتمكَّن من الظهور سياسة وحكما . والحكمة التي بها تترتّب الأمور على الوضع الأتمّ والنظم الأليق ، والفصاحة التي بها تظهر الأشياء والأحكام فإلى هذه الأمور أشار بقوله : ( وأعطاه القوّة ونعته بها ) في كريم كتابه إظهارا لما أنعم عليه فيها ، كما هو مقتضى كمال أمر الخلافة وتمام إظهارها في قوله : “  وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّه ُ أَوَّابٌ “  [ 38 / 17 ] أيّ القوّة ( وأعطاه “  الْحِكْمَةَ “  ) أي معرفة حقائق الموجودات كلها تحقيقا ( “  وَفَصْلَ الْخِطابِ “  ) [ 38 : 17] أي إظهار ما يفصّل الأشياء ويميّزها حقّ التمييز من الكلام والخطاب اللايق بأمم زمانه .
"" أضاف المحقق :
كلام الشارح تعريض لما أورده الجندي وتبعه الكاشاني فقال : " إن الجبال تحكي بصورها رسوب الأعضاء والتمكن والثبات التي هي مخصوص بالكمل في ظواهرهم ، والطير تحكي بطيرانها حركة القوى الروحانية فيه وفي كل عبد كامل إلى تحصيل مطالبها عند التسبيح الكامل   
ولما كان داود من كمال توجهه وتجرده وانقطاعه إلى اللَّه بالمحبة الذاتية . . .
تبعته ظواهره وبواطنه وجوارحه وقواه كلها ، أظهر اللَّه تعالى سر انخراط أعضائه وقواه الروحانية في التنزيه والتقدس في صور الجبال والطير متمثلة له ...." .

وقال القيصري مكملا لكلامهم : " .... ولما كانت الجبال الظاهرة والطير المحشورة مثالا للأعضاء والقوى الروحانية والجسمانية ، وصورا ظاهرة في الخارج لهذه الحقائق التي في العالم الإنساني ... حصل ذلك التأثير الروحاني أيضا في روحانية الجبال والطير ، فسبحن ذلك التسبيح بعينه ..." . أهـ ""

ومبدأ فصل الخطاب هو ما أنعم عليه في اسمه بحسب الصورة الخطيّة كما يشعر به عبارته هذه ، كما أنّ مبدأ المعرفة ما فيه بحسب معناه ، كما لا يخفى

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى.
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة و نعته بها، وأعطاه الحكمة و فصل الخطاب.   )

قال رضي الله عنه :  (وسمّى اللّه محمّدا عليه الصّلاة والسّلام بحروف الاتّصال والانفصال ، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالتين . في اسمه كما جمع لداود بين الحالتين من طريق المعنى ، ولم يجعل ذلك في اسمه ، فكان ذلك اختصاصا لمحمّد صلوات اللّه عليهما أعني التّنبيه عليه باسمه . فتمّ له الأمر عليه الصلاة والسّلام من جميع جهاته ، وكذلك في اسمه « أحمد » فهذا من حكمة اللّه تعالى . ثمّ قال في حقّ داود )

قال رضي الله عنه :  ( وسمي محمدا صلى اللّه عليه وسلم بحرف من حروف الانفصال هي الدال وما عداها من حروف الاتصال ) فحروف الانفصال هي الدال وما عداها من حروف الاتصال ( فوصله ) ، أي دل على وصوله
 ( به ) ، أي بالحق سبحانه بحروف الاتصال (وفصله عن العالم فجمع له) ، أي لمحمد عليه الصلاة والسلام ( بين الحالتين ) الاتصال بالحق والانفصال عن العالم ( في اسمه كما جمع لداود عليه السلام بين الحالتين من طريق المعنى ) ، فإنه لا بد لكل من الكمل من ذلك الاتصال والانفصال .

قال رضي الله عنه :  ( و ) لكن ( لم يجعل ذلك في اسمه ) كما جعل في اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم ( فكان ذلك اختصاصا بمحمد وتفضيلا له على داود ) صلوات اللّه عليهما ( أعني ) باسم الإشارة المذكور في قوله فكان ذلك ( التنبيه عليه ) ، أي على الجمع بين الحالتين ( باسمه فتم له الأمر من جميع جهاته ) ، جهة الاسم وجهة المسمى .
قال رضي الله عنه :  ( وكذلك ) الأمر ( في اسمه أحمد ) جمع فيه بين الحالتين بحروف الاتصال وهي الحاء والميم وحروف الانفصال وهي الألف والدال ( فهذا من حكمة اللّه سبحانه ثم قال ) تعالى ( في حق داود ) عليه السلام :يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ[ سبأ : 10 ] ترك المقول لكونه معلوما في كتاب اللّه ولدلالة ما بعده عليه

قال رضي الله عنه :  (عليه السّلام ، فيما أعطاه إيّاه على طريق الإنعام عليه ، ترجيع الجبال معه التّسبيح ، فتسبّح لتسبيحه ليكون له عملها ، وكذلك الطّير .  وأعطاه القوّة ونعته بها ، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب . )

قال رضي الله عنه :  ( عليه السّلام فيما أعطاه ) ، أي في جملة ما أعطى داود ( على طريق الإنعام عليه ترجيع الجبال معه ) أو منصوب على أنه مفعول القول بتضمينه معنى الذكر ، أي ذكر أو منصوب على أنه المفعول الثاني لأعطاه وتكون ما مصدرية أو على أنه مفعول للإنعام ( التسبيح ) بالنصب على أنه مفعول للترجيع ( فتسبح ) الجبال ( لتسبيحه ليكون له ) ، أي لداود ( عملها ) ، أي عمل الجبال لأن تسبيحها لما كان لتسبيحه منشأ منه لا جرم يكون ثوابه عائدا إليه لا إليها لعدم استحقاقها لذلك ( وكذلك الطير ) ،
أي مثل الجبال الطير في الترجيع ، وإنما كان تسبيح الجبال والطير لتسبيحه لأنه لما قوى توجهه عليه السلام بروحه إلى معنى التسبيح والتحميد سرى ذلك إلى أعضائه وقواه ، فإنها مظاهر روحه ومنها إلى الجبال والطير ، فإنها صور أعضائه وقواه في الخارج ، فلا جرم يسبحن تسبيحه ويعود فائدة تسبيحها إليه (وأعطاه) أي داود ( القوة ونعته بها ) ،
حيث قال :وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ[ ص : 17 ] ، فإن الأيد هي القوة ( وأعطاه الحكمة ) ، أي العلم بالأشياء على ما هي عليه والعمل بمقتضاها إن كان متعلقا بكيفية العمل ( وفصل الخطاب ) لبيان تلك الحكمة على الوجه المفهم .

.

العودة إلى الفهرس

السفر السابع عشر الفقرة الرابعة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment