Wednesday, January 1, 2020

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الخامسة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

17 - The Wisdom of Being in the Word of David

 الفقرة الخامسة عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  ( والسّابق متقدّم ، فإذا لحقه هذا الّذي حكم عليه المتأخّر حكم عليه المتقدّم فنالته الرّحمة إذ لم يكن غيرها سبق .  فهذا معنى سبقت رحمته غضبه . لتحكم على ما وصل إليها فإنّها في الغاية وقفت . والكلّ سالك إلى الغاية . فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرّحمة ومفارقة الغضب .  فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها .. فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا ....  وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا . .  فما ثمّ إلّا ما ذكرناه فاعتمد  ..... عليه وكن بالحال فيه كما كنّا . . فمنه إلينا ما تلونا عليكم .....  ومنّا إليكم ما وهبناكم منّا )

قال رضي الله عنه :  (والسابق) على الشيء (متقدم) عليه (فإذا لحقه) ، أي لحق ذلك السابق (هذا) الشيء (الذي حكم عليه) ، أي على السابق بكونه سابقا (المتأخر) عنه (حكم عليه) ، أي على ذلك المتأخر المسبوق وذلك (المتقدم) السابق فالرحمة ما سبقت الغضب إلا لما كانت متقدمة عليه ، فإذا لحقها الغضب الذي حكم عليها بالسبق إذ لولا تأخره عنها ما كانت سابقة عليه فقد حكمت الرحمة عليه بتأخره عنها (فنالته) ، أي الغضب الإلهي (الرحمة) الإلهية (إذ) ، أي لأنه (لم يكن غيرها) ، أي غير الرحمة (سبق) على الغضب حتى يناله ،

فإذا نالته الرحمة أحالته نوعا منها مع بقائه على حكمه ومقتضاه ، كالميتة إذا وقعت في المملحة فصارت ملحا كانت المملحة سابقة على تلك الميتة وكل سابق متقدم ، فإذا ألقيت تلك الميتة المتأخرة عن وجود المملحة في المملحة لم تزل المملحة متقدمة في الحكم ، فغلبت على أجزاء تلك الميتة فأحالتها ملحا مثلها وبقيت صورة الميتة على حالها ، فيقال فيها : ميتة حمار أو جمل أو طير ونحو ذلك . وفي نفس الأمر الكل ملح .

قال رضي الله عنه :  (فهذا معنى) أنه تعالى (سبقت رحمته غضبه) كما ورد في الحديث (لتحكم) ، أي الرحمة (على من وصل إليها) ممن هو آيل وراجع إليها لتأخره عنها بإدراك الغضب له ثم لا يزال يسير به الغضب خلف الرحمة حتى يصل إلى الرحمة فإنها ، أي الرحمة (في الغاية) التي إليها السير من الجميع كما قال تعالى :وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [ هود : 123 ] وقفت إذ هي رحمة اللّه تعالى ظهرت منه بظهور أمره ، فتوجهت على إيجاد كل شيء ، ثم تنوّعت أنواعا منها : نوع الغضب فساق هذا النوع منها المسمى بالغضب قوما بمخالفاتهم ومعاصيهم إليه تعالى لقيامهم بأمره من حيث لا يشعرون ، فلما رجع أمره إليه رجعوا هم أيضا إليه بحكم وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ وحكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فوجدوا الرحمة سبقتهم إليه ، لأنه غايتها فوقعوا فيها فوسعتهم ، فمنها كان ابتداؤهم وإليها كان مرجعهم وانتهاؤهم .

قال رضي الله عنه :  (والكل) ، أي كل شيء (سالك) مع الأنفاس إذ هو في خلق جديد كما مر (إلى الغاية) التي هي مستقر الرحمة وهي حضرة الحق تعالى (فلا بد من الوصول إليها) ، أي الغاية (فلا بد من الوصول إلى الرحمة) الإلهية ومن مفارقة غلبة حكم الغضب الإلهي في كل سالك إذ بالوصول إليها يستحيل الغضب رحمة كما ذكرنا (فيكون الحكم لها) ، أي الرحمة (في كل) سالك (واصل إليها) لكن حكما خاصا.

قال رضي الله عنه :  (بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها )، أي إلى الرحمة من السالكين ، فلا يزال مسمى جهنم دركاتها وأنواع العذاب فيها لأهلها إلى الأبد ، ولكن الرحمة تسع ذلك كله فتحيله إليها ، فيرجع الكل رحمة مع بقاء الغضب غضبا والعذاب عذابا .
قال تعالى :" فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ" [ الحديد : 13 ].
وفي الحديث : « لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول : هل من مزيد حتى يضع الجبار قدمه فيها فتقول : قط قط وينزوي بعضها إلى بعض » . رواه النسائي واحمد .

قال رضي الله عنه :  (فمن كان) من السالكين (ذا) ، أي صاحب (فهم) منوّر بنور الإيمان كما ورد : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه ".   (يشاهد) عيانا (ما) ، أي الذي قلناه في سبق الرحمة للغضب في أهل النار الذين هم أهلها مع بقاء الكل بحاله ولا يحتاج إلى معلم يعلمه ذلك (وإن لم يكن) له (فهم) كذلك (فيأخذه) ، أي ما قلنا من الأمر المذكور عنا ويتعلمه منا إن كان قابلا لذلك ، وكان مؤمنا بنا مصدقا لكلامنا وإلا فله ما رأى وحسابه على اللّه .

قال رضي الله عنه :  (فما ثم) ، بالفتح ، أي هناك في نفس الأمر من الحق إلا ما ذكرناه في هذا المحل وغيره (فاعتمد) يا أيها السالك (عليه) ، أي على ما ذكرناه (وكن بالحال) ، أي الذوق والشهود لا التخيل والفهم لمعناه فقط (فيه) ، أي فيما ذكرناه (كما كنا) نحن فإننا على شهود منه وذوق لا تخيل لمعناه وفهم .

قال رضي الله عنه :  (فمنه) ، أي من الأمر في نفسه وأصل (إلينا ما) ، أي الذي (تلوناه عليكم) من الكلام فإنه انكشف لنا بنور اللّه تعالى الذي نحن ننظر به من حيث إنا مؤمنون فعرفناه على ما هو عليه من حيث إنا محسنون نعبد اللّه كأنا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا
.

قال تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[ النور : 35 ] والنور يكشف كل مستور (ومنّا) وأصلا (إليكم ما وهبناكم منا) ، لأنه موقوف على الكشف عنه منه فإذا أخذتموه منا تخيلتموه بأفهامكم ، فلم يصل إليكم ما الأمر عليه في نفسه من ذلك ، لأنه لا يؤخذ إلا منه بنور اللّه تعالى كما أخذناه نحن لا منا من حيث ما نحن عندكم وعلى اللّه قصد السبيل .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم فإذا لحقه ) أي المتقدم أو السابق بالسلوك إذ هو غايته لأن الكل سالك إلى الغاية ( هذا ) فاعل لحقه ( الذي ) صفته ( حكم عليه المتأخر ) أي العذاب مدة أيام دولته ( حكم عليه المتقدم ) وهو الرحمة وإلا كان ذلك العبد عدما محضا ، وهو خلاف ما وقع عليه النص والكشف من أنهما مع أهلهما يبقيان لا يفنيان ( فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق ) من موانع ظهورها والعذاب الذي اجتمع معها لا يعدّ غيرها وإن لم يكن عينها ( فهذا ) أي هذا المعنى الذي بيناه بقولنا والسابق متقدم معنى « سبقت رحمته غضبه » وما سبقت الرحمة على الغضب إلا ( لتحكم الرحمة على من وصل إليها ) .

وإنما وجب الوصول إليها ( فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب ) فكانت الرحمة مركز العالم كلها ( فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها ) لأن بعضهم يصل إليها في عين الجحيم مع بقاء الألم وبعضها يصل في دار النعيم بلا ألم.

 شعر   قال الشيخ رضي الله عنه : 
(فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا)
(فمن كان ذا فهم ) أي ذا بصيرة وصاحب كشف ( يشاهد ما قلنا ) من غير أخذ عن قولنا ( وإن لم يكن ) ذا ( فهم ) ( فيأخذه عنا ) أي فيدرك هذا المعنى عن قولنا على ما هو الأمر عليه بالعقل السليم وهم المؤمنون بحال أهل اللّه وفيه إشارة إلى أن المحبين من زمرة أولياء اللّه.

(فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا)
( فما ثمة ) أي فما في هذه المسألة في نفس الأمر (إلا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن بالحال فيه) أي فيما ذكرناه لا تكن بالقال ( كما كنا ) بالحال فيه

(فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا)
( فمنه ) أي من الحق أو من الرسول إذ ما في الكتاب كله نزل إليه من الرسول في الرؤيا وإن كان في التحقيق من اللّه ( إلينا ما تلونا ) أي الذي تلونا ( عليكم) ، (ومنا ) نزل ( إليكم ما ) أي ليس ( وهبناكم منا ) أي من عند أنفسنا .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.  فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية. فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها. فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا ... فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا ... فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . ) معناه ظاهر

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  "والسابق متقدّم فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخّر ، حكم عليه المتقدّم ، فنالته الرحمة ، إذ لم يكن غيرها سبق » .
يعني : كانت الرحمة هي السابقة بالنصّ الإلهي ، فنالت الكلّ ، فالكلّ مرحوم ، ومآل الكلّ إلى الرحمة .
ثم اعلم : أنّ الشيخ نبّه على برهان عال عظيم على زوال الشقاء وعموم السعادة في الدنيا والآخرة آخرا ، وذلك أنّ المقتضي لعموم السعادة بالرحمة وزوال الشقاوة بها كذلك سالم وهو سبق الرحمة الغضب ، فلا يلحقها الغضب ، وإلَّا لم تكن سابقة ، فإذا لحق المغضوب عليه الرحمة السابقة لكونها في الغاية ووقفت ، لم يبق للغضب المسبوق فيه حكم .

وأيضا لأنّ عين المغضوب من كونه شيئا يجب أن يكون مرحوما فإنّ رحمته وسعت كلّ شيء ، ولم يقل : سبقت رحمتي عين المغضوب ، فأعيان الأشياء مرحومة ، لكونها موجودة فلا يلحقها الغضب ، لأنّها لحقت الرحمة ولحقتها الرحمة التي وسعت والرحمة التي سبقت الغضب وبعد اللَّحوق ، فالرحمة تحكم بمقتضاها لا بمقتضى نقيضها ، وهو الغضب ، فتعمّ الرحمة جميع الحقائق .
قال رضي الله عنه : ( فهذا معنى ) سبقت رحمته غضبه ( لتحكم على من وصل إليها ، فإنّها في الغاية ووقعت ، والكلّ سالك إلى الغاية ، فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب ، فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل  إليها ) .
قال العبد : هذا برهان ظاهر .
قال رضي الله عنه :
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا  ....     وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا
وما ثمّ إلَّا ما ذكرناه فاعتمد  ....     عليه وكن بالحال فيه كما كنّا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم  ....     ومنّا إليكم ما وهبناكم منّا

يعني رضي الله عنه : ما قلناه لكم وارد إلينا من الحق ، وقد وهبناكم ، فلكم منّا ذلك ، وليس ذلك وارد من الحق إليكم ، بل منّا إلَّا ما شاء الله العزيز الحكيم .
 
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  (والسابق متقدم ، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم ، فنالته الرحمة إذا لم يكن غيرها سبق ) .
يعنى أن الأمر لما كان على ما قررناه من اقتضاء المشيئة لوجود الفعل لزم أن يكون مآل الكل إلى السعادة سواء كان الفعل موافقة وطاعة أو مخالفة ومعصية ، لأن الإيجاد وهو الرحمة ، فالرحمة وسعت كل شيء حتى المعصية لعموم النص فإنها عمت وسبقت الغضب الإلهي فلا يلحقها الغضب وإلا لم تكن سابقة ، فإذا حكم الغضب على المغضوب عليه من حيث اقتضاء المعصية والمخالفة ذلك ،
وكانت الرحمة المقدمة هي الغاية لحق الرحمة السابقة في الغاية فنالته الرحمة فحكمت عليه إذا لم يسبق غيرها ، فثبت أن المآل إلى الرحمة والسعادة فلا يبقى للغضب حكم ، وأيضا فالأعيان مرحومة لأنها موجودة وداخلة في عموم الشيء الذي وسعته الرحمة وهي الغاية المتقدمة ، فكيف للغضب المحفوف بالرحمتين حكم ، فالغضب هو العسر بين اليسرين.

قال رضي الله عنه :  ( فهذا معنى سبقت رحمته غضبه لتحكم على من وصل إليها ، فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها ، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب ، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها ) فإن حال الغضب لا يعطيه من الرحمة إلا التعوذ بالغضب والالتذاذ

بمقتضاه حتى يصير في حقه مسمى جهنم جنة ، وحال البعض الخلاف من الغضب ، وحال البعض وجدان أثر الرضا وروح الجنة ، وحال البعض البلوغ إلى الدرجات ، وفي الجملة لا يخلو أحد في العاقبة من سعادتهما وإن كانت نسبية :
( فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا .... وإن لم يكن فهم فيأخذوه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد     .....  عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم      .....   ومنا إليكم ما وهبناكم منا )
أي فمن الحق ورد إلينا ما قلنا لكم وتلونا عليكم ، وليس بوارد منه إليكم ما وهبنا لكم :
أي ما وهبنا لكم فمنا ورد إليكم ، ويجوز أن يكون المعنى منا ورد إليكم ما وهبنا لكم بل منه بواسطتنا ، وكلا المعنيين يستقيم ، وتعدية وهبنا بنفسه كقوله :" واخْتارَ مُوسى قَوْمَه " في حذف الجار وإيصال الفعل إلى مفعوله .

"" أضاف بالى زادة : (فمن كان ذا فهم ؟ ) أي ذا بصيرة وكشف ( يشاهد ما قلنا ) من غير أخذ من قولنا ( وإن لم يكن ذا فهم فيأخذه عنا ) أي يدرك هذا المعنى عن قولنا على ما هو الأمر عليه بالعقل السليم وهم المؤمنون بحال أهل الله ،
وفيه إشارة إلى أن المحبين من أهل الله ( فما في ) أي فما في هذه المسألة في نفس الأمر ( إلا ما ذكرناه فاعتمد عليه وكن بالحال فيه ) أي فيما ذكرنا ، لا تكن بالقال ( كما كنا بالحال فيه ، فمنه ) أي من الحق أو من الرسول ( نزل إلينا ما تلونا ) أي الذي تلونا ( عليكم ومنا نزل إليكم ما ) أي ليس ( وهبناكم منا ) أي من عند أنفسنا .أهـ بالى ""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم ، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر ، حكم عليه المتقدم ، فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق ) أي ، إذا لحقه حكم الغضب الذي هو المتأخر بواسطة المخالفة ، حكم عليه المتقدم بالرحمة السابقة ، فأخذته من يد ( المنتقم ) .
وحكم الغضب إما قبل أخذ المنتقم حقه منه ، أو بعده ، أو حال الانتقام ، لأن السابق على الغضب هو الرحمة ، فالمآل أيضا إليها .

قال رضي الله عنه :  ( فهذا معنى سبقت رحمته غضبه ) اعلم ، أن ( السبق ) يستعمل على معان : منها التقدم بالوجود ومنها قولهم : سبق الفرس الفرس . أي ، لحقه وتعداه .
ومنها سبقه فلان في الصنعة ، أو في الكرم . أي ، زاد عليه وغلبه .
وفي قوله تعالى : ( سبقت رحمتي غضبي ) . جميع هذه المعاني مرعية:
 أما الأول ، فإنه لو لم تكن رحمته ، لما وجد شئ من الأشياء فضلا عن الغضب .
وأما الثاني ، فلأنه يلحق الرحمة فتأخذ المجرم من يد المنتقم .
وأما الثالث ، فعند توجه ( المنتقم ) إليه من الانتقام ، قد يتوجه ( الرحمن ) بالمغفرة والرحمة إليه ، فلا يبقى له حكم عليه .

فقوله رضي الله عنه  : ( هذا ) إشارة إلى قوله : ( والسابق متقدم ) إلى آخره .
وهو يجمع المعاني الثلاث . لذلك قال : ( فهذا معنى سبقت رحمتي غضبي ) .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( لتحكم على من وصل إليها ، فإنها في الغاية وقفت ) أي ، لتحكم الرحمة على كل من وصل إليها ، أي ، إلى الرحمة . وفاعل (وصل) ضمير عائد إلى (من) .
فإن الرحمة السابقة على كل شئ لا يقف إلا في الغاية والنهاية ، ليكون ( الأول ) عين ( الآخر ) . فالرحمة الإلهية أول الأشياء وآخرها .
( والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها ) أي ، إلى الغاية .

قال رضي الله عنه :  ( فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب . ) أي ، وكل العباد ، بل وكل الأشياء ،
سالك بقطع مراتب الوجود العلمي والعيني بالحركة الدورية الوجودية ، فلا بد من الوصول إلى غاياتها وكمالاتها ، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب وأحكامه ، لأن غايات الأشياء وكمالاتها لا يكون إلا مرغوبا فيها ، لا مهروبا عنها .

قال رضي الله عنه :  ( فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها . )
أي ، فحينئذ يكون الحكم للرحمة في كل عين من الأعيان التي وصلت إلى الغاية ، فتعم الرحمة عليها جميعا ، لكن على حسب درجاتهم وتفاوت طبقاتهم : فيكون للبعض نعيم في عين الجحيم ، ولبعض آخر في الجنة ، ولآخر في ( الأعراف ) الذي بينهما .
( فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا ....  وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا )
أي ، فمن كان ذا بصيرة وعرفان مكشوف القلب ، فيشاهد ما قلنا في الوجود شهودا أعيانيا . ومن لم يكن كذلك ، ويكون مؤمنا بالأنبياء والأولياء ، فيأخذه عنا تقليدا ايمانيا .

(فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد  ....  عليه وكن بالحال فيه كما كنا )
أي ، فما في نفس الأمر إلا ما ذكرناه وبيناه لك . فاعتمد على قولنا وكن مشاهد أصحاب الحال في هذا الوجود الدنياوي ، كما كنا ، ليكون لك أرفع الدرجات ، لأنك لا تحشر إلا كما تنشر حال المفارقة .
( فمنه إلينا ما تلونا عليكم  .....  ومنا إليكم ما وهبنا كم منا )
أي ، فمن الحق نزل إلينا ما تلونا عليكم وبينا عندكم . ومنا نزل إليكم ما وهبناكم من المعارف والعلوم .
وفي بعض النسخ : ( وليس إليكم ما وهبناكم منا ) .
أي ، ليس ما ورد إليكم مما وهبناكم منا ، بل من الله . والظاهر تصحيف من الناسخ .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  ( والسّابق متقدّم ، فإذا لحقه هذا الّذي حكم عليه المتأخّر حكم عليه المتقدّم فنالته الرّحمة إذ لم يكن غيرها سبق ، فهذا معنى « سبقت رحمته غضبه » ، لتحكم على ما وصل إليها ؛ فإنّها في الغاية وقفت ، والكلّ سالك إلى الغاية ، فلا بدّ من الوصول إليها ، فلابدّ من الوصول إلى الرّحمة ، ومفارقة الغضب ، فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها).  الحديث رواه ابن حبان والبيهقي

قال رضي الله عنه :  ( السابق ) في الطريق ( متقدم ) على اللاحق فيه ، بحيث يكون أقرب إلى الغاية أو واقفا فيها ، ( فإذا لحقه هذا الذي ) كان ( يحكم عليه المتأخر ) في أثناء الطريق ، فإنه يصير حينئذ بحيث ( يحكم عليه المتقدم ) ، إذ الحكم على كل شيء للأقرب منه دون الأبعد في طريق الرجوع إلى اللّه تعالى الرحمة متقدمة والغضب متأخر .

فمن كان الحاكم عليه الغضب في أثناء الطريق يصير الحاكم عليه الرحمة في الغاية ، ( فنالته الرحمة ) لا محالة إلا أن نفرض سبق شيء ثالث عليها ، لكنه باطل ( إذ لم يكن غيرها سبق ) ، وإلا لكان أولى بالذكر ، لكن لم يرد ذلك في الأخبار أصلا مع أنه أجل مما ذكر ، فلا يجوز للكمّل ترك ذكره مع ذكر الأدنى منه ،
قال رضي الله عنه :  ( فهذا معنى ) ما قيل : « سبقت رحمته غضبه »  ، لا ما يتوهم من غلبة الرحمة على الغضب لاستلزامه كثرة المرحومين لكنه باطل لما ورد في الحديث من أنه : « يبعث إلى النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون » . رواه البخاري ومسلم

وليس هذا السبق كسبق إعلام الطريق بعضها على بعض لا يؤثر في السائرين أصلا إذ لا معنى له هاهنا ، فإنما سبقت ؛ ( لتحكم على ما وصل إليها ) ، كما حكم المتأخر على من وصل إليه في أثناء الطريق ، وليس لها رجوع عن الغاية بعد سبقها إليها ، حتى يصح أن يقال : لا يحكم على كل من وصل إلى الغاية ؛
قال رضي الله عنه :  ( فإنها في الغاية وقفت ) ، ولا يحبس أحد في أثناء الطريق بحيث لا يصل إلى الغاية ، فلا تحكم عليها الرحمة التي فيها بل ( الكل سالك ) بحيث ( إلى الغاية ) التي فيها ، ( فلابدّ ) للكلّ ( من الوصول إليها ) ، فإنه لا بدّ للحركة من المنتهى ، ( فلابدّ من الوصول إلى الرحمة ) ؛
لأن الوصول إلى الغاية مستلزم للوصول إليها ، ( ومفارقة الغضب ) الذي في أثناء الطريق كما لا بدّ للواصل إلى منتهى الحركة من مفارقة وسط الطريق ، والحكم للموصول إليه دون المفارق .
قال رضي الله عنه :  ( فيكون الحكم لها ) لكن هذا الحكم ( بحسبما يعطيه حال الواصل إليها ) ، فإن اقتضت حالته الوصول إلى الأسماء الجمالية يكون حكم الرحمة عليه أن تنتفع بها الأعيان الثابتة ، والأرواح ، والقلوب ، والنفوس ، والأركان ، فيكون مرحوما مفارقا للغضب من كل وجه ،
وإن اقتضت حالته الوصول إلى الأسماء الجلالية يكون حكم الرحمة عليها أن تنتفع بها الأعيان الثابتة لا غير ، فيكون مرحوما لمفارقة غضب البعد المطلق مع حصول البعد من تجلي الأسماء الجمالية ، وهذه الرحمة أيضا مفيدة لانتفاع الأرواح والقلوب والنفوس والأجسام في حقّ المحب ، لكن هذا محجوب لا يلتذ بها تكن عدم التلذذ بالخلق لا يخل بحلاوته في نفسه ، فكذلك هذه الرحمة والقرب .
قال رضي الله عنه :  (
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا
فما ثمّ إلّا ما ذكرناه فاعتمد .... عليه وكن بالحال فيه كما كنّا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم  ....  ومنّا إليكم ما وهبناكم منّا )
ولصعوبة فهم هذا الكلام على العوام قال :
( فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا ) بالذوق المفيد للعلم الضروري ، ( وإن لم يكن ) لأحد ( فهم فيأخذه ) تقليدا ( عنّا ) ، ولا ينبغي له أن ينكر علينا ما لم يفهم منا ، وليس لنا أن نذكر له غير ما ذكرنا عند إنكاره ،
( فما ثم ) أي : في الواقع ( إلا ما ذكرناه ) من وجوب نوع من الرحمة في الغاية لكل واحد ، وإن لم ينتفع بعضهم باعتبار غير الثابتة به ، ( فاعتمد عليه ) لا على ما قيل باختصاص الرحمة بطائفة دون أخرى من كل وجه ، ( وكن بالحال ) أي : بالذوق ( فيه ) أي : في عموم الرحمة إن لم يدركها في البعض بالحس أو العقل ، ( كما كنا ) تقليدا لنا إن لم يستقل ، فإنه ليس على العامة حرج في تقليد الكامل قبل أن يصل إلى حال التحقيق .

ثم أشار إلى وجه تلذذ المحب بتلك الرحمة ، وإن رآها المحجوب عين العذاب ، بقوله :
( فمنه إلينا ما تلونا عليكم ) من كون الرحمة في صورة العذاب ، إذ فيه رؤية المحبوب والقرب منه ، لكن هذا لمن أوتي المحبة ، وليس ذلك إلى اختيار المعذب حتى يأخذ به ، ويدفع عنه وجد العذاب كما قال ، ( وليس إليكم ) أي : إلى اختياركم ( ما وهبناكم منا ) من المحبة حتى تلذذوا بالعذاب لاختياركم ، بل يختص بمن أعطاه الحق محبته كخزنة جهنم ، وما فيها من الحيات والعقارب ، ومنه تقول النار للمؤمن : "جز يا مؤمن ، فإن نورك أطفأ لهبي ". رواه الطبراني في الكبير والحكيم الترمذي.

[ومنه دخول نبينا عليه السّلام في النار ؛ لإخراج أهلها بالشفاعة " رواه البخاري  ومسلم ومما نقل عن بعض العارفين أنه لو أدخل النار لا تبتغي منه فرحا . ]
""أضاف الجامع :
"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج بالشفاعة من النار قال: نعم" . رواه البخاري
" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يخرج قوما من النار بالشفاعة؟ قال: نعم ".رواه مسلم
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يخرج الله تعالى قوما من النار بعدما امتحشوا فيها، وصاروا فحما، فيلقون في نهر على باب الجنة، يسمى نهر الحياة، فينبتون فيها كما تنبت الحبة في حميل السيل، أو كما تنبت الثعارير، فيدخلون الجنة، فيقال: هؤلاء عتقاء الله عز وجل من النار ". رواه ابن حجر العسقلاني في المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية والمطالب العالية على رواية البخاري . ""

ثم شرع في بقية النعم التي طولب آل داود بالشكر عليها ، وهي النعمة التي بها تمام أمر الخلافة ، وهي مشيرة إلى كون الرحمة في عين النعمة ، وإلى المقصد الأعلى من النبوة والولاية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

( والسابق متقدّم ) في الوجود ونفاذ الأمر ، ( فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخّر ) يعني الغضب المسبوق بالقهر والشقاوة ( حكم عليه المتقدّم ) يعني الرحمة السابقة باللطف والسعادة ، ( فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق ) بالعلو الإحاطي الذي هو أثر التقدّم الذاتي.

 سبقة الرحمة على الغضب
قال رضي الله عنه :  ( فهذا معنى « سبقت رحمته غضبه » لتحكم على من وصل إليها . فإنّها في الغاية وقفت ) ، وهي الحدّ المحيط الذي ما وراءه شيء ، ( والكل سالك إلى الغاية ) ، متوجّه إليها في الحركة الظهوريّة ، ( فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب ) الذي له عند فقدان الغاية والحدّ ( فيكون ) الحاكم هو الغاية ،
و ( الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها ) وإذ كانت أحوال الواصلين متخالفة الأنواع ، تكون سعاداتهم متخالفة بحسبها .
ثمّ إنّه إذ قد انساق الكلام في الحكمة الوجوديّة إلى هذه الجمعيّة الحقيقيّة والتفصيل الجمعيّ ، حان أن ينتقل إلى النظم ويتنقل في مجلس انبساط الذوق ونشوات معارفه المنعشة للروح بلطائف ثمرات الوقت ويوانع الزمان ،

من مقطعات التفصيل ومنظومات الإجمال ، فإنّك قد نبّهت غير مرّة على أنّ النظم يكشف عن وجوه جمال الإجمال ما لا يكشفه غيره من العبارات ،
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا    ....   وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا
بقوله رضي الله عنه  :( فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا ) مشاهدة يقين عينيّ ، فإنّه يفهم من مسطورات صحائف الأكوان ، سيّما في هذه الأوان ، أمر الإجمال على التفصيل الذي حقّقه ، واقتصاره على الفهم تنبيه على أنّ الزمان هذا مما يكفيه مجرّد الفهم ، ولا يحتاج إلى ترقّيه إلى رتبة الذوق ، لأنّ العقل إذا صفى موارد إدراكاته عن شوائب التقليدات وشواكل العقائد من الخياليّات لا يقصر فهمه عن إدراك الحقّ فيه .

قال رضي الله عنه :  ( وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا ) وذلك أيضا بعد تصفية الباطن عن ضروب العقائد التقليديّة الظنيّة ، حتى يكون له قابليّة الأخذ من ذوي الحقائق اليقينيّة .

وفيه استشعار ما ورد في الحديث  : « الناس عالم أو متعلَّم والباقي همج » .
"" عن خالد بن معدان، قال: الناس عالم ومتعلم، وما بين ذلك همج لا خير فيه". إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة ابن حجر العسقلاني""
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: «الناس عالم، ومتعلم، ولا خير، فيما بعد ذلك». رواه الدارامي""
"" وروي عن علي رضي الله عنه قال: «الناس ثلاث، فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة، والباقي همج رعاع أتباع كل ناعق» جامع البيان للقرطبي ""

وإليه إيماء بقوله : ( فما ثمّ إلا ما ذكرناه   ....  فاعتمد عليه وكن بالحال ) التي أنت ( فيه ) في زمانك ، ( كما كنّا ) في زماننا

فمنه إلينا ما تلونا عليكم  .....    ومنّا إليكم ما وهبناكم منّا
قال رضي الله عنه :  ( فمنه إلينا ما تلونا عليكم ) من الصور الكتابيّة والكلاميّة المنزلة التي هي الكاشفة عن كنه التفاصيل ، كما بيّن في ديباجة الكتاب ،
قال رضي الله عنه :  (ومنّا إليكم ما وهبناكم منّا ) من الحقائق والمعارف التي هي لبّ تلك الصور ، وتلك الحقائق هي عين حقيقة الكمّل وفصّ كلمتها ، لا غيرها عند التحقيق . ف : « منّا » الثانية ، بيان ل « ما » على هذا التقدير .
ويحتمل أن يكون صلة للوهب ، والأولى منها ابتدائية .
ولما كانت هذه الحكمة من خزانة الوهب - كما بيّن - وباطن الكلمة الداوديّة وبيّناتها كاشفة عنها ، صرّح بعبارة الوهب تطبيقا لما مهّد سابقا .

وحاصل هذا الكلام أنّ الواصل إليه من المبدء بوساطة النبيّ صلَّى الله عليه وسلم إنما هو الكلام المتلوّ الكاشف عن الكل ، ذوقا لا لغة ووضعا .

وأما المعارف التي أظهرها وباح بإفشائها في عبارات دالَّة عليها وضعا ولغة ، فهي مستنبطة أولا من أصل حقيقتها ، التي هي الكتاب الجامع ،
ولتوافق النسخ وجد الكلام المنزل مطابقا له كما قيل :
يا معدن الأسرار يا كنز الغنى    .....    يا مشرق الأنوار للمتوسّم
يا عين غيب الله يا سرّ الهدى     .....    يا نقطة الخط البديع الأقوم
اقرأ كتابك قد كفى بك شاهدا     .....    يهديك منك علوم ما لم تعلم
وافقه رسوم هياكل قد أنزلت     .....    ينبئك عن سرّ الكتاب المبهم

وفي ترك لام الصلة بين « الوهب » ومفعوله إشعار بما بين الواهب والموهوب له من وجوب المناسبة الاتّصالية ، وعدم تخلَّل الوسائط هنالك.

تأويل تليين الحديد لداود عليه السّلام
ثمّ إنّه من الحكم المختصّة بالكلمة الداوديّة أمر تليين الحديد ، وهو إشارة إلى بلوغ تأثيره لدى الإبلاغ إلى أعصى البريّة للقبول ، وأقواها للإباء عند الدعوة النبويّة ، فإنّ قابليّات الأمم واستعداداتهم متخالفة في ذلك :
فمنهم من ليس له في مقابلة تلك الدعوة إلا القبول والإذعان ، وسائر الأنبياء في تسخيرهم متساوي القوّة لا اختلاف لهم في ذلك .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها.
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا . )

قال رضي الله عنه :  ( والسّابق متقدّم ، فإذا لحقه هذا الّذي حكم عليه المتأخّر حكم عليه المتقدّم فنالته الرّحمة إذ لم يكن غيرها سبق .  فهذا معنى سبقت رحمته غضبه . لتحكم على ما وصل إليها فإنّها في الغاية وقفت . والكلّ سالك إلى الغاية . فلا بدّ من الوصول إليها ، فلا بدّ من الوصول إلى الرّحمة ومفارقة الغضب .  فيكون الحكم لها في كلّ واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها .. فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا  ...وإن لم يكن فهم فيأخذه عنّا )

قال رضي الله عنه :  ( والسابق ) بهذه المعاني ( متقدم فإذا لحقه ) بالاستحقاق به ( هذا ) البعد ( الذي حكم عليه المتأخر ) يعني الغضب ( حكم عليه المتقدم ) يعني الرحمة ( فنالته الرحمة ) وأخذته من يد غضب المنتقم ( إذا لم يكن غيرها ) ، أي غير الرحمة .

قال رضي الله عنه :  ( سبق فهذا معنى سبقت رحمته غضبه ، لتحكم ) ، أي الرحمة ( على من وصل إليها فإنها في الغاية وقفت ، والكل سالك إلى الغاية فلا بد من الوصول إليها ) ، أي إلى الغاية ( فلا بد من الوصول إلى الرحمة ) ، التي هي الغاية ( ومفارقة الغضب ) الذي عليه الرحمة ( فيكون الحكم لها ) ، أي الرحمة ( في كل واصل إليها ) ، أي إلى الغاية ( بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها ) ، أي بحسب درجاتهم وتفاوت طبقاتهم فيكون للبعض نعيم في عين الجحيم ولبعض آخر في الجنة ولآخر في الأعراف الذي بينهما .

قال رضي الله عنه :  ( فمن كان ذا فهم ) عظيم يورثه الذوق والكشف ( يشاهد ما قلنا ) ، شهود أعياننا

قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا .)
قال رضي الله عنه :  (وإن لم يكن ) له ( فهم فيأخذه عنا ) أخذا تقليديا وإيمانيا ( فما ثمة ) ، أي في نفس الأمر ( إلا ما ذكرناه فاعتمد . . عليه وكن بالحال فيه ) ، أي فيما ذكرناه يعني اجتهد حتى يصير حالك ولا تكتف بمجرد التقليد ( كما كنا ) الفعل منسلخ عن الزمان ، أي كما نحن بالحال فيه ( فمنه ) ، أي من الحق تعالى نزل ( إلينا ) وفاض علينا ( ما تلونا عليكم . . ومنا ) ، نزل ( إليكم ما وهبناكم منا ) فمنا ثانيا تأكيدا للأول أو متعلقا بوهبناكم من أحوالنا التي نزلت إلينا من الحق سبحانه .

 .
العودة إلى الفهرس
الفقرة الخامسة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment