Wednesday, January 1, 2020

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

17 - The Wisdom of Being in the Word of David

 الفقرة الثالثة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.  فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه :  ( وقال في حقّ داود - عليه السّلام – "وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا "[ سبأ : 10 ] فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الّذي ذكره جزاء . ولمّا طلب الشّكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرّض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود .   فهو في حقّ داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حقّ آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى :" اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ" [ سبأ  : 13] .
وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا للّه على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك على طلب من اللّه ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتّى تورّمت قدماه شكرا لما غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . فلمّا قيل له في ذلك قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » ؟ وقال في نوح :" إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً " [ الإسراء : 3 ] . والشّكور من عباد اللّه تعالى قليل . فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود - عليه السّلام - أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال . فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدّال والألف والواو).

قال رضي الله عنه :  (وقال) تعالى (في حق داود) عليه السلام " وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا " [ سبأ  : 10] ،
أي فضيلة على جميع أهل زمانه بمزايا اختصه بها وعطايا منحه إياها (فلم يقرن) ، أي اللّه تعالى في كلامه (به) ، أي بذلك الفضل الذي ذكر سبحانه أنه آتاه لداود عليه السلام (جزاء) من شكر ونحوه (يطلبه) سبحانه وتعالى (منه) ، أي من داود عليه السلام في مقابلة ما آتاه (ولا أخبر) تعالى (أنه) سبحانه (أعطاه) ، أي أعطى داود عليه السلام (هذا) الفضل (الذي ذكره) سبحانه (جزاء) لداود عليه السلام على عمل سبق له .
قال رضي الله عنه :  (ولما طلب) تعالى (الشكر على ذلك) الفضل الذي آتاه لداود عليه السلام (بالعمل) الصالح (طلبه) ، أي ذلك الشكر (من آل) ، أي قوم (داود) عليه السلام ، وهم المتبعون له من أهله وأعوانه (ولم يتعرض) سبحانه (لذكر داود) عليه السلام بطلب شكر منه ولا غيره (ليشكره) تعالى (الآل) ، أي آل داود عليه السلام (على ما أنعم به) سبحانه وتعالى (على داود) عليه السلام من الفضل (فهو) ، أي ذلك الفضل (في حق داود) عليه السلام (عطاء نعمة) من اللّه تعالى عليه (وإفضال) ، أي إحسان إليه (وفي حق آله) ، أي آل داود عليه السلام (على) وجه (غير ذلك) الوجه وهو كونه (لطلب المعاوضة) من الآل وهي الشكر بالعمل الصالح .

قال رضي الله عنه :  (فقال تعالى) في ذلك الطلب : ("اعْمَلُوا آلَ") بحذف حرف النداء والتقدير (يا آل داود عليه السلام شكرا) ، أي عملا شكرا وهو المنظور فيه إلى اللّه تعالى العامل له لا إليه (" وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ") [ سبأ : 13 ] .
أي من يظهر هذا الاسم الإلهي فيه عند العمل فيعبد اللّه كأنه يراه فيكون شاكرا والشاكر من أسماء اللّه تعالى أيضا قال تعالى :" اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ " [ البقرة : 158 ] ، ثم إنه لا يرى اللّه تعالى فيراه اللّه تعالى بما يرى به نفسه فيكون شكورا وهو القليل من العباد (وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا للّه على ما أنعم به عليهم) .

من أنواع النعم (ووهبهم) من الهبات الكثيرة في ظواهرهم وبواطنهم (فلم يكن ذلك) ، أي الشكر منهم (عن طلب من اللّه) تعالى (بل) هم (تبرعوا بذلك) الشكر من تلقاء نفوسهم الفاضلة (كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم) من الليل (حتى تورمت قدماه) من كثرة التهجد (شكرا) .
أي على وجه الشكر للّه تعالى (لما) ، أي لأجل أنه (غفر اللّه) تعالى (له) ، أي لنبينا صلى اللّه عليه وسلم (ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ،أي إلى آخر عمره عليه السلام (فلما قيل له في ذلك).
أي لم تفعل كذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال صلى اللّه عليه وسلم أفلا أكون عبدا للّه تعالى من حيث الصورة شكورا من حيث القيام بهذا الاسم الإلهي والتحقق به وقال اللّه تعالى في حق نوح عليه السلام إنه ، أي نوحا عليه السلام كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الإسراء : 3 ] ، أي كلاما متحققا بنفسه وبربه والعبد الشكور ، كما ذكرنا من عباد اللّه تعالى قليل كما هو في الآية المذكورة .

قال رضي الله عنه :  (فأول نعمة أنعم اللّه) تعالى (بها على داود) عليه السلام (أن أعطاه) تعالى (اسما) سماه به (ليس فيه حرف من حروف الاتصال) ، أي متصل مع الحرف الآخر بل كل منه منفصل عن الآخر وهو اسم داود عليه السلام فقطعه اللّه تعالى عن التعلق بشيء من العالم المحسوس والمعقول بذلك الاسم إخبارا منه تعالى (لنا) معشر هذه الأمة عنه ، أي داود عليه السلام (بمجرد هذا الاسم ) الذي سماه به في الكتاب والسنة (وهي) ، أي حروف الاسم المذكور (الدال) المهملة (والألف والواو) فهي ثلاثة حروف من غير تكرار ، ومع التكرار خمسة حروف الدالان والواوان والألف ،
وقد حذفت من الكتابة إحدى الواوين لأنها جوفية فناسب استتارها مع وجودها في النطق ، كما حذفت في نظائره كطاوس وناوس ، فأوّل اسمه حرف في آخر اسم محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وآخر اسمه كذلك نظير ظهوره عليه السلام بالصورة المحمدية ، وفي وسط اسمه ثلاثة حروف من حروف العلة أحدها مكرر وهو الواو نظير النفس والعقل فإنهما ملكوتيان مستتران بالصورة الجسمانية الملكية ، وأحدهما مستتر في الآخر صورة وظاهر حركة وتدبيرا نظير الواو ، والمحذوف في الخط والحرف الآخر الألف نظير الروح المنفوخ من عالم الأمر الإلهي ،

فالصورة في الحضرة العلمية ثابتة نظير الدال الأولى ، والروح والعقل والنفس نظير الألف ، والواوين أوّل ما ظهر من تلك الصورة الثابتة في العالم على الترتيب ، ثم ظهرت تلك الصورة وهي الدال الثانية ، وعندنا كلام آخر في الاسم من حيث دال الوجود المطلق يطول ذكره ، ومن حيث واو الهوية ومن حيثيات أخر .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قوله رضي الله عنه  : (وقال في حق داود عليه السلام :وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا) الحق ( به ) أي بإعطائه لداود عليه السلام ( جزاء ) أي عملا ( يطلب منه ) .
أي بطلب الحق ذلك العمل من داود عليه السلام ( ولا أخبر ) الحق ( أنه ) أي الفاضل ( أعطاه ) أي أعطى الحق لداود عليه السلام ( هذا ) مبتدأ ( الذي ذكره ) صفة ( جزاء ) خبره أي ولا أخبر الحق أن الفضل الذي أعطى لداود عليه السلام جزاء من عمل داود عليه السلام .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ولما طلب الشكر على ذلك بالعمل طلبه ) أي طلب الحق ذلك الشكر ( من آل داود عليه السلام ولم يتعرض لذكر داود عليه السلام ) في طلب الشكر ( ليشكره ) يتعلق بطلبه أي إنما طلب الحق الشكر من آل داود ليشكر ( الآل ) الحق ( على ما أنعم به على داود ) عليه السلام حتى يزيد نعم اللّه على عباده بالشكر لقوله تعالى :لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ[ إبراهيم : 7 ] .
فكان طلب الشكر من العباد نعمة وعطاء محضا من اللّه على عباده فإعطاء النعمة على العباد أحب إليه تعالى لذلك طلب الشكر الذي يزيد به النعمة فالشكر أحب الأعمال إلى اللّه تعالى فإذا لم يطلب على ما أنعم به على داود عليه السلام من داود عليه السلام جزاء .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو ) أي ذلك الفضل ( في حق داود عليه السلام عطاء نعمة وإفضال ) فإذا طلب على ذلك من آله جزاء لم يكن النعمة في حق آله إفضالا لذلك قال : ( وفي حق آله على غير ذلك ) بالإعطاء والإفضال ( لطلب المعاوضة ) في حق آله دون داود عليه السلام ( فقال تعالى :اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) أي أشكروا اللّه يا أمة محمد على ما أنعمت به على نبيكم محمد عليه السلام كما شكر آل داود عليه السلام على ما أنعمت به على نبيهم داود عليه السلاموَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُوهو بيان لعظمة شأن الشكر عند اللّه فلا يصل إلى مرتبة الشكر من العباد إلا قليل.
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإن كانت الأنبياء قد شكروا اللّه على ما أنعم به عليهم ) الحق ( ووهبهم ) من الرسالة والنبوة والكمالات المختصة بهم ( فلم يكن ذلك ) الشكر منهم ( عن طلب من اللّه بل تبرعوا بذلك ) الشكر ( من نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تورّمت قدماه شكرا لما غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلما قيل له في ذلك ) يعني قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن اللّه غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فلم فعلت ذلك الفعل الشاق.
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( قال أفلا أكون عبدا شكورا ) لعلمه أن الشكر أعظم منزلة عند اللّه فالعبد الشكور من خواص عباده تعالى لذلك قال قل الشكور فطلب رسول اللّه والأنبياء كلهم أن يكون عبدا شكورا .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقال في نوح عليه السلام :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراًوالشكور من عباد اللّه قليل ) فالعبد الشكور هو الذي شكر اللّه على ما أنعم اللّه به عليه من غير طلب من اللّه الشكر وأما الذي شكر عن طلب من اللّه فهو ليس عبدا شكورا فما كان الشكور من عباد اللّه إلا الأنبياء عليهم السلام خاصة لورود النص في حقهم .
وهو قوله تعالى في حق نوح عليه السلام :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُور اًو قول الرسول عليه السلام : « أفلا أكون عبدا شكورا » وأما غيرهم من المؤمنين وإن كانوا شاكرين لكنهم لا يكونون عبدا شكورا لعدم ورود النص في حقهم نعم قد أنعم على المؤمنين بعض نعمة من غير طلب الشكر فتبرعوا الشكر من عند أنفسهم فكانوا حينئذ عبدا شكورا لكن الكلام في النص الإلهي.
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال ) والاتصال يعتبر إلى البعد فهذه الحروف لا تتصل إلى حرف بعدها ويتصل بها غيرها قبلها فهذه الحروف تنقطع عن الحروف الباقية وتتصل الحروف الباقية إليها فداود عليه السلام ينقطع عن العالم أي لا يميل إليه والعالم يتصل إليه لذلك ترجع الجبال معه.
( فقطعه ) أي قطع الحق داود عليه السلام ( عن العالم بذلك ) أي بإعطاء ذلك الاسم له فكان هذا الاسم سببا لقطعه تعالى عن العالم وإنما فعل الحق ذلك في حق داود عليه السلام ( إخبارا ) أي للإخبار ( لنا عنه ) أي عن العالم ( بمجرد هذا الاسم ) المنقطع الحروف قوله بمجرد يتعلق بإخبارا ( وهي الدال والألف والواو ) فلما أعطاه ذلك علمنا منه أن اللّه قد قطعه عن العالم بدون مجاهدة وكسب من داود عليه السلام فكان ذلك القطع عطاء نعمة وإفضال من اللّه على داود عليه السلام .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه : (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود. فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور». وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟ وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل. فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قلت : استفتح كلامه في معنى قوله تعالى لداود، عليه السلام: ولقد آتينا داود منا فضلا (سبأ: 10) ولم يقل جزاء بل عطاء منه وموهبة .
ولذلك لم يأمره بالشكر بل قال اعملوا آل داود شكرا، وآل داود غیر داود 
قال: وشكر الأنبياء لربهم تبارك وتعالى، هو تبرع منهم ولم يكلفوا به، ثم ذكر أمورا ظاهرة من كلامه، ومن جملتها ما ذكره من قوله تعالى: "وألنا له الحديد" (سبأ: 10) إن الحديد هنا هي قلوب قاسية كالحديد فألانها الله تعالى لداود حتى اطاعته تلك القلوب.
"وألنا له الحديد" إن الحديد هنا هي قلوب "بعض" العباد قاسية كالحديد فألانها الله تعالی لداود حتى اطاعته تلك القلوب..

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داوود عليه السّلام :   ( وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا )   فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ، ولمّا طلب الشكر على ذلك بالعمل ، طلبه من آل داوود ، ولم يتعرّض لذكر داوود ليشكره الآل على ما أنعم به على داوود ) .
قال العبد : يشير رضي الله عنه بإسناد هذه الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية ، إلى أنّ الكمال الوجوديّ والوجود الكماليّ إن يظهرا في أحدية جمع الجمع الإنساني الإلهي ، بالخلافة والنيابة الإلهية الكلَّية من حضرة الجواد الوهّاب ،
فإنّ الوجود فيض ذاتي جودي ، وهو نفس رحماني وجودي ، وهذا وإن ظهر في كل خليفة الله في أرضه وقطب قام بنيابته في نفله وفرضه في كل عصر ،عصر من الأنبياء والأولياء ، ولكن ظهوره في داوود عليه السّلام كان أتمّ وأبين ، بمعنى أنّ الله جمع له - صلوات الله عليه - بين الخلافة الحقيقية المعنوية الإلهية وبين الخلافة الظاهرة بالسيف والتحكيم الكلَّي في العالم.
وأعطاه النبوّة والحكمة وفصل الخطاب والملك الكامل والسلطان والحكم الشامل في جميع أنواع العالم وأجناسه ،
كمال ظهور حكم ذلك في سليمان ، فإنّه حسنة من حسنات داوود - على نبيّنا وعليهم السّلام وتكملة لكماله وتتمّة لفضله وإفضاله ، وسليمان مع ما أعطاه الله من الملك والسلطان موهوب لداود عليه السّلام .
قال الله تعالى :   ( وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ )   ومن جملة كمالاته الاختصاصية - التي اختصّه الله بها ممّا لم يظهر في غيره من الخلفاء والكمّل أنّ الله تعالى نصّ على خلافته .
بقوله :  ( يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ )   فحكمه بالحقّ على الخلق ، ولم يصرّح بمثل ذلك في غيره ،
وقوله تعالى :   ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً )   فيه احتمال في حق آدم عليه السّلام من كونه أوّل الخلفاء وأباهم ، ولكنّ احتمال متناول غيره من أولاده ، وقرينة الحال تدلّ على أنّ الاحتمال في حق داوود أرجح ، لأنّ آدم ما أفسد ولا سفك الدماء .
ومحاجّة الملائكة مع الربّ في جواب قوله :   ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً )   بقولهم :   ( أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ) مرجّحة للاحتمال في حق داوود ، لأنّه سفك دماء أعداء الله من الكفرة كثيرا ، وقتل جالوت وأفسد ملكه .
وجعل كما قال تعالى حكاية عن بلقيس :   ( إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ )   فظهر من داوود عليه السّلام هذا النوع من الفساد في الكفّار الذين أمر الله داوود وأولي العزم من خلفائه بإفساد ملكهم وحالهم ، لأنّه عين إصلاح الملك والدين ، فصحّ في حق داوود ما قالت الملائكة .

فلقائل أن يقول : المراد على التعيين من قوله :   ( إِنِّي جاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيفَةً )   هو داوود ، فلم تبق مرتبة وجودية إلَّا ظهر كمال داوود وخلافته فيها ، حتى في كلام الله ومرتبة اللفظ والرقم ، فلهذا نسبت الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية .
ثمّ اعلم : أنّ الشيخ رضي الله عنه أشار إلى أنّ النبوّة والرسالة تكونان بالاختصاص الإلهي ، وليستا بكسب ، ولا مجازاة عن عمل أو ثوابا عن سابق حسنة وطاعة تكونان نتيجة عنها ، ولا لشكر أو عبادة متوقّعة منهم عليهما ،
وإذا كانتا كذلك ، فلا تحصلان لأحد بتعمّل وكسب ، كما وهم فيه القائلون من أهل النظر الفكري بأنّهما تحصلان لمن كملت علومه وأعماله ، وأنّ النبوّة عبارة عن كمال العلم والعمل فكلّ من كمل علمه وعمله ، فهو نبيّ في زعمهم ،
وهذا باطل ، وإلَّا لكان كل من تكامل علمه وعمله رسولا نبيّا يوحى إليه وينزل عليه الملك بالتشريع وليس كذلك ، فكم من عالم عامل كامل في العلم والعمل ولا ينزل عليه الملك بالوحي والتشريع ، فصحّ أنّها ليست إلَّا عن اختصاص إلهي ، ومن لوازمها كمال العلم والعمل ، فلا يتوقّف تحقّقها - أعني النبوّة - على لوازمها ، فإنّ تحقّق وجود اللازم بتحقّق وجود الملزوم لا بالعكس ، وهذا ظاهر .

ولمّا كانت اختصاصا إلهيّا ، لم يطلب منهم عليها جزاء ولا شكورا - وإن وقع الشكر منهم دائما - أو ثوابا لإعمال الصالحات في مقابلة ذلك ، فليس ذلك مطلوبا بالقصد الأوّل من الاختصاص ، ولا هم مطالبون بذلك عوضا عن ذلك ،
 كما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قيامه الليل كلَّه ، حتى تورّمت قدماه ، فقيل له :
اقصر ، فقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر : « فلا أكون عبدا شكورا » ولهذا لم يرد طلب الجزاء والشكر من داوود ، وإنّما ورد ما ورد في حق آل داوود حيث جعلهم الله من آل من هذا شأن كمالاته ، فافهم .

قال رضي الله عنه : " وهو في حق داوود "   يعني ما وهبه الله « عطاء نعمة وإفضال ، وفي حق آله على غير ذلك ، لطلب المعاوضة ، فقال تعالى  ( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً )   يعني الأعمال الصالحة الزاكية عند الله   ( وَقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ )  ،
وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك عن طلب من الله ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورّمت قدماه شكرا لما غفر له من ذنبه ، ما تقدّم وما تأخّر ،
فلمّا قيل له في ذلك ، قال : « أفلا أكون عبدا شكورا ؟ »
وقال في حق نوح : ( إِنَّه ُ كانَ عَبْداً شَكُوراً )   والشكور من عباد الله قليل ، فأوّل نعمة أنعم الله بها على داوود أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال ، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدال والألف والواو » .

يشير رضي الله عنه إلى أنّ الله أخبره كشفا أنّه قطعه عن العالم من كونه غيرا وسوى بما اختصّه به من الجمع بين النبوّة والرسالة والخلافة والملك والعلم والحكمة والفصل ، بلا وساطة غيره ، وظهرت أسرار هذا القطع في حروف اسمه ، لكونه من أقطاب كمل الاسم « الظاهر » فإنّ الألقاب مع الأسماء تنزل من السماء ،
أي عن سماء الأسماء بتسمية ربّ حكيم عليم بما سمّى به كلّ عبد من الاسم ، وهذه الحروف من حروف الاسم الأعظم المتصرّف في الأكوان ، وكان هو - صلوات الله عليه - بعينه معنى الاسم الأعظم وصورته في عصره .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه :  (، وقال في حق داود: "ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا " فلم يقرن به جزاء يطلب منه ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ، ولما طلب الشكر على ذلك بالعمل طلبه من آل داود ، ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ) .

وإنما خصص النبوة بالتشريع احترازا عن نبوة الإنباء العام من البحث في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآثاره ،
وعن علم الوراثة في قوله : « العلماء ورثة الأنبياء » . وقوله: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " .
فإن تحصيل علوم النبوة بالكسب وبالعمل الذي يثمره في قوله عليه الصلاة والسلام:  « من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم » نوع النبوة الكسبية ،
فالذي تولاهم أولا بأن أعطاهم تفضلا من غير عمل منهم تولاهم آخرا بأن يحفظ عليهم تلك النعمة في جميع الأحوال أو أكثرها ويزيدها ولا يطلب منهم شكرها مع أنهم لا يخلون بالقيام عن شكرها ، لأن نشأتهم النبوية تعطيهم القيام بحقوق العبدانية على أكمل الوجوه ،
كما قال عليه الصلاة والسلام « أفلا أكون عبدا شكورا » .
ولهذا ذكر أنه أتى داود شكرا فضلا ولم يذكر أنه أعطاه ما أعطاه جزاء لعمله ولم يطلب منه جزاء على ذلك الفضل ، وإنما طلب الشكر بالعمل من آل داود على النعمة التي أنعم بها عليهم وعلى آل داود ، ولأن النعمة على الأسلاف نعمة على الأخلاف .

"" أضاف بالى زادة : فالعبد الشكور هو الذي شكر الله على ما أنعم من غير طلب من الله الشكر ، وأما الذي شكر عن طلب ربه فليس بعبد شكور ، فما كان الشكور من العباد إلا الأنبياء خاصة لورود النص في حقهم ، وأما غيرهم من المؤمنين وإن كانوا شاكرين لكنهم لا يكونون عبدا شكورا لعدم النص في حقهم ، نعم قد أنعم الله على بعض المؤمنين ببعض نعمة من غير طلب الشكر فتبرعوا بالشكر من عند أنفسهم ، فكانوا حينئذ عبدا شكورا ولم يأت النص به اهـ بالى.""

قال رضي الله عنه :  ( فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال وفي حق آله على غير ذلك لطب المعاوضة ، فقال الله تعالى :" اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ " وإن كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم فلم يكن ذلك عن طلب من الله بل تبرعوا بذلك من نفوسهم . كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فلما قيل له في ذلك قال « أفلا أكون عبدا شكورا ». وقال في نوح :" إِنَّه كانَ عَبْداً شَكُوراً " فالشكور من عباد الله قليل فأول نعمة أنعم الله بها على داود أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال ، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم ، وهي الدال والألف والواو ) .

أي أخبره كشفا أنه قطعه عن العالم من حيث كونه غيرا وسوى ، وأخبرنا إيماء ورمزا بهذا الاسم بظهور معنى القطع فيه ، فإن الألقاب تنزل من السماء

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.  فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه :  ( وقال في حق داود ، عليه السلام : "ولقد آتينا داود منا فضلا " . فلم يقرن به جزاء منه يطلبه منه ) أي ، فلم يقرن الحق ما أعطاه لداود جزاء ، أي عملا ، يطلب الحق إياه من داود ، عليه السلام .

قال رضي الله عنه :  ( ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء . ولما طلب الشكر على ذلك  بالعمل ، طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ، ليشكره الآل على ما أنعم به على داود . )
لأن الإنعام على نبي أمة في الحقيقة أيضا إنعام على تلك الأمة ، فأوجب الشكر عليهم .

قال رضي الله عنه :  ( فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة . فقال تعالى : " اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " . وإن كانت الأنبياء ، عليهم السلام ، قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك عن طلب من الله ، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم ، كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، حتى تورمت قدماه ، شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فلما قيل له في ذلك ، قال : "أفلا أكون عبدا شكورا " . وقال في نوح : " إنه كان عبدا شكورا " . والشكور من عباد الله قليل . فأول نعمة أنعم الله بها على داود ، عليه السلام ، أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال . )
أي ، ليس فيه حرف يتصل بما بعده واتصال ما قبله من الحروف به .
واتصال ما قبله في غير هذا الاسم ، لا يوجب كونه من حروف الاتصال مطلقا  .
( فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم ، وهي "الدال " و " الألف " و " الواو " ) ( إخبارا ) منصوب بفعل مقدر .

تقديره : أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال ، وجعله إخبارا لنا عنه .
أو ، فأخبر ذلك الاسم إخبارا لنا . أو حال من ( الاسم ) .
أو من ضمير الفاعل في ( قطعه ) ، أي مخبرا .
ولما كان بين الاسم والمسمى عند أهل الحقيقة مناسبة جامعة ، أشار بأن كون اسمه من حروف منقطعة بعضها عن البعض في الوجود الكتابي ، إشارة من الله وإخبار لنا أنه تعالى قطعه عن العالم ، إذ الحروف متكثرة ، والكثرة للعالم ، كما أن الوحدة للحق .
فانقطاع بعضها عن البعض يوجب اتصال كل منها إلى  نفسه وحقيقته التي هو بها هو ، فالمنقطع عن العالم والكثرة ، واصل إلى حقيقته الواحدة ، وهو الحق .
لذلك قيل : ( الاستيناس بالناس يوجب الإفلاس ) .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه :  (وقال في حقّ داود عليه السّلام :وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا[ سبأ : 10 ] فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الّذي ذكره جزاء ، ولمّا طلب الشّكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ، ولم يتعرّض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حقّ داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حقّ آله على غير ذلك لطلب المعاوضة ؛ فقال تعالى :اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ[ سبأ : 13 ] . وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا للّه على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك على طلب من اللّه ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى تورّمت قدماه شكرا لما غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ؛ فلمّا قيل له في ذلك قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » ؟ رواه البخاري ومسلم  .
وقال في نوح :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الإسراء : 3 ] ، والشّكور من عباد اللّه تعالى قليل ، فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود عليه السّلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال ، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدّال والألف والواو ) .

ثم رجع إلى المقصود من تمهيد هذه المقدمة مع الاستدلال على أن فعل الوهاب لا يقتضي من الموهوب له شيئا في مقابلة ما وهبه بقوله : ( وقال في حق داود :وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا )[ سبأ : 10 ] ، ( فلم يقرن به جزاء ) من عمل أو شكر ( يطلبه منه ) في المستقبل ، إذ لم يقل أن اشكر للّه أو اعمل له ، ( ولا أخبر أنه إعطاء هذا الذي ذكره من الفضل جزاء ) على ما مضى منه إذ لم يقل جزاء على كذا ، بل صرّح بأنه اختصاص منه ، إذ قال : منا .

قال رضي الله عنه :  ( ولما طلب الشكر على ذلك بالعمل طلبه من آل داود ) ، كالدية على العاقلة تدفع عن الجاني ؛ لكونه أخطأ مع أن تضييع الدم صعب ، فألزم من يأخذ منه الإرث أن يتحمل عنه الدية إذ الغرم بالغنم ، ( ولم يتعرض لداود ) ، فلم يقل له : وقل لا لك أن اشْكُرُوا لِلَّهِ[ البقرة : 172 ] ، وإن كان هذا الأمر ؛ ( ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ) من حيث إنه واسطة كمالاتهم وسببها ، وبه مباهاتهم بين أقرانهم ؛ لأن امتثال هذا الأمر نوع شكر على ما أنعم به عليه ، وهو إشارة إلى أنه يعرض له عليه السّلام أن يأمر آله بالشكر على ما أنعم عليهم خاصة .
قال رضي الله عنه :  ( فهو ) أي : الفضل المعطى لداود ( في حق داود عليه السّلام عطاء نعمة ) انتفع بها في الدنيا والآخرة ، ( وإفضال ) فضل بها أكثر الأنبياء - عليهم السّلام - لم يطلب عليه الشكر منه ، ولا أمره بطلبه من آله ، ( وفي حق آله ) ، وإن لم يكن نعمة عليهم وفضلا بالذات ، بل بواسطة كونه سببا لما أنعم به عليهم ( على غير ذلك ) الوجه ،
أي : وجه الإنعام والإفضال ؛ ( لطلب المعاوضة ) وهي الشكر منهم على ما هو سبب الإنعام عليهم ، فقال تعالى مخاطبا للآل ابتداء :اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً[ سبأ : 13 ] أي : على ما أنعمت به على داود ؛ لارتباط ما أنعمت به عليكم بإنعامي عليه ، فهو في حكم إنعامي عليكم .

ثم عظّم أمر هذا الشكر حتى أشار عزّ وجل إلى أنه عجز الأكبر منهم عن شكر هذا الإنعام على داود من حيث كونه سبب الإنعام عليهم فضلا عن المنعم عليه ، فقال :وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ[ سبأ : 13 ] ؛ لقلة من يعرف مقدارها ، ومقدار ما وصل إليه منها مما يوجب قربه من ربه ، والتنعم بجواره من دار خلده ( مع أن من عرف مقدارها لم يطالبوا بشكرها ) ، وهم الأنبياء - عليهم السّلام ، ( وإن كانت الأنبياء - عليهم السّلام - قد شكروا اللّه تعالى على ما أنعم به عليهم ) ، وإن كانت نعما جليلة تعجزون عن الشكر عليها ؛ لكنهم لعرفانهم بذلك العجز يصيرون شاكرين لها ، وإن كان الحق قد ( وهبهم ) تلك النعم ،

قال رضي الله عنه :  ( فلم يكن ذلك ) الشكر منهم ( على طلب من اللّه ) ، وإن طالبهم بالشكر على نعم أخرى تشاركهم فيها أممهم ، كما قال في حقّ لقمان على إيتاء الحكمة :وَاشْكُرُوا لِلَّهِ[ البقرة : 172 ] ، وكذا كلف سائر الأنبياء - عليهم السّلام - أعمالا لهم في الإتيان بها شاكرون ، لكن ليس ذلك في النعم الخاصة كالنبوة والولاية والخلافة .

قال رضي الله عنه :  ( بل تبرعوا بذلك من عند نفوسهم ) لما عرفوا أن الشكر موجب للمزيد ، وهم وإن أنعموا بهذه النعم العظيمة في الغاية ، فلا نهاية لمراتب القرب من اللّه تعالى ، والدليل على كونهم متبرعين بالشكر أنه ( قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ) متهجدا ( حتى تورمت قدماه شكرا ، لما غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) ، فلا يتصور فيه تكليف ، ( فلما قيل له في ذلك ) القيام لم يكون مع عدم الموجب له بذلك هذا الغفران ،
قال رضي الله عنه :  ( قال : « أفلا أكون عبدا شكورا ») ، وإن لم يجب عليّ ذلك ، لكن إنما تكمل عبوديتي والتحقق بالاسم الشكور بهذا الفعل ، ويتحقق المزيد بذلك ، فهذا وإن دلّ على شكره عليه السّلام كان عليه نعمة مشتركة بينه وبين أكمل أمته ، وهي غفران الذنوب ، فلنا دليل آخر على شكر الأنبياء - عليهم السّلام - على مطلق ما أنعم به عليهم من المشتركة والخاصة ، وهو ما ( قال تعالى في حق نوح عليه السّلام :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً )[ الإسراء : 4 ].
 أي : على جميع النعم الخاصة والمشتركة ، وإذا كانت النعم على الأنبياء نعما على الأمم ، ولا يعرفون مقدارها إلا نادرا ، بل لا يعرفون مقدار ما أنعم به عليهم بذواتهم أو بواسطة هذه النعم التي على أنبيائهم .
قال رضي الله عنه :  ( فالشكور من عباد اللّه ) المخصوصين بالإضافة إليه ؛ لكونهم من أمة الإجابة ( قليل ) ، وإن قاموا بالصلاة والصيام وسائر أنواع العبادات فضلا عن غيرهم ،
"" أضاف المحقق : الشكور : من لا يرى لغير اللّه نعمة ، وهذا هو الشاكر للّه حق شكره إنعاما منه ، لقوله لموسى عليه السّلام : « إذا رأيت النعم ؛ فقد شكرتني حق الشكر » ، وهذا هو العبد المشاهد نعمة اللّه في كل بلاء وعافية . ( لطائف الإعلام ص 224 ) .""

بل إنما يأتي من الأنبياء أو الأولياء الكمّل لا غير من أن غاية شكرهم أن يعرفوا عجزهم عن القيام بحقيقة شكره ،
ويعترفوا أن شكرهم لو تمّ باعتبار نعمة من النعم ، فهو أيضا نعمة موجبة لشكر آخر إلى أن يتسلسل ، وكيف يتأتى للعامة شكرها ، والحق لم يعرفها إياهم ،
وإنما عرفها من عرفها بإيماء خفي يختص بفهمه خاصة الخاصة دون غيرهم ، بل إنما عرفهم بذلك الطريق مقدماتها دونها .
قال رضي الله عنه :  ( فأول نعمة ) من النعم الوهبية التي مقدمة لسائرها ( أنعم اللّه بها على داود ) ، وهي نعمة انقطاعه عن العالم الموجب كمال اتصاله بربه ، إنما دلّ عليها بأشكال الحروف التي تركب عنها اسمه ، وذلك ( أن أعطاه أسماء ليس فيه حرف من حروف الاتصال ) بما بعده في الخط العربي ، ( فقطعه ) .
أي : دلّ على قطعه ( عن العالم بذلك ) الاسم من حيث إن الحكيم إذا سمى شخصا باسم راعى فيه المناسبة بينه وبين مسماه بوجه من الوجوه ، والمناسبة التامة أولى بالاعتبار ، وهي الشاملة لكل الحروف ، وهي هاهنا إنما هي لمناسبة الخطيئة الدالة على القطع عن المتأخر ، وهو العالم باعتبار حدوثه مع أن لكل حرف منها قوة الاتصال بما تقدمه ، والقطع عن العالم يستلزم الاتصال بالحق القديم ، فكأنه دلّ التزاما على اتصاله بالحق ، ( إخبارا لنا )
 أي : لأهل الخصوص منا ( بمجرد ) خط حروف ( هذا الاسم ) المركب من حروف الانفصال ، ( وهي الدال ، والألف ، والواو ) المنفصلة بما بعدها .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

ما آتى الله تعالى داود عليه السّلام من الفضل
(وقال في حق داود : “  وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا “  ) [ 34 / 10 ] . ( فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ) بل نسب ذلك إلى نفسه وقال : “ مِنَّا “  ، ( ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء ) بل نصّ على أنّه كان فضلا وعطاء .
( ولما طلبه الشكر على ذلك ) النعمة الجليلة ( بالعمل ) الذي هو مقتضى حكمه ( طلب من آل داود ولم يتعرّض لذكر داود ، ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حقّ داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حقّ آله على غير ذلك ، لطلب المعاوضة ) بالأعمال القلبيّة والجوارحيّة ، شكرا لتلك النعمة .

وهذا الطلب من آل داود مما عليه داود من الخلافة المطلقة المنصوص عليها .
فإنّه إذا كان يطلب من غيره المستخلفين عليهم الأعمال شكرا على ما أنعم على داود يكون غاية في تعظيم خلافته وجلال قدره ، سيّما إذا طلب ذلك من أهل الخليفة الذين هم مجبولون على التنافس والتباغض ، فإنّ دلالته على جلالة قدر الخليفة أكثر وأظهر .

(فقال تعالى : “  اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً “  [ 34 / 13 ] ، فعلم أنّ انتصاب “  شُكْراً “  إمّا على التمييز ، وإمّا على أنّه مفعول لأجله .

 شكر الأنبياء
ثمّ إنّ الشكر وإن لم يكن مطلوبا من الأنبياء عليهم السّلام ، ولكن لم يزل يواظبون عليه ، وذلك الشكر هو البالغ في الشكريّة . وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : ("وَقَلِيلٌ من عِبادِيَ الشَّكُورُ “) [ 34 / 13 ] .

وإليه نبّه بقوله :رضي الله عنه :  ( وإن كانت الأنبياء قد شكروا الله تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك عن طلب من الله ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى تورّمت قدماه ، شكرا لما غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، فلما قيل له في ذلك قال  : " أفلا أكون عبدا شكورا "
وقال في نوح : “  إِنَّه ُ كانَ عَبْداً شَكُوراً “  [ 17 / 3 ] ، فالشكور من عباد الله قليل )
وذلك لأن الشكر البالغ إلى كماله التامّ فيه هو أن يكون بلا طلب من المنعم الواهب ، وهو إنما يكون للكمّل من الأنبياء الذين يصل إليهم النعم من ديوان الوهب كما عرفت .

خصوصيّة اسم داود
ثم إنّ الخلافة التي تحقّق بها داود إنما تقتضي التصرّف والتأثير في العالم ، وهو إنما يتصور بعد قطعه عن العالم ، ضرورة أنّ المتأثّر ما لم ينفصل عن المؤثّر فيه - انفصال قطع يقابله به - لم يتمكَّن من التصرّف فيه والتسلَّط عليه كلّ التسلَّط .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فأوّل نعمة أنعم الله بها على داود أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال ، فقطعه بذلك عن العالم إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم )

فإنّ اسم « داود » يلوح على القطع بعينه بأوّل بيناته ، وذلك لأنّ الأسامي والألقاب المنزلة من سماء الوهب مخبرة عمّا اشتمل عليه المسمى من الخصائص والأوصاف التي له عند العارف بفنون دلالات الحروف ووجوه كشفها وتبيّنها ،
وهذا من خصائص علوم أصحاب الأئمّة الهداة وتلامذتهم - وقد نبّهت عليه في المقدمة - فيكون انتصاب « إخبار » على أنه مفعول له من « قطعه » لا غير.

الحروف المتصلة والمنفصلة 
ثمّ إنّ الحروف الكتابيّة التي هي الكاشفة عن الحقائق ، التي تتعلَّق بطرف الولاية والبطون - كما سبق التنبيه عليه - تنقسم بالحصر القطعي إلى ما يتّصل ويتّصل به - وهو حروف الاتّصال ، وأكثر الحروف كذلك - وإلى ما يتّصل ولا يتّصل به ، بل ينقطع به الكلمة وينفصل ، فهو جهة تمامها ، وهو حروف الانفصال .

وذلك ستّة يجمعها « روزداذ » وإلى ما لا يتّصل ولا يتّصل به ، وهذا غير ظاهر ولا معدود في الحروف .
لأنّ الظهور يستدعي مظهرا يتّصل به حتّى يتمكَّن من البروز عن سواد الخفاء على بياض الظهور ، فهذا القسم مندمج في سواد الخفاء غير معدود في جملة الحروف .
لأنّ ملاك أمرها إنما هو الإظهار والإبراز - كما عرفت - وهذا هو الهمزة فقط .

المناسبات الحرفية في اسمي محمّد وداود عليهما السّلام
ثمّ إنّ المناسب لعالم الامتزاج والاختلاط هو القسم الأوّل ،
كما أنّ الموافق لعظمة الخلافة وحشمة أمرها هو الانفراد والانقطاع عن الرعايا وهو القسم الثاني .
فلذلك سمّي داود الذي قد اختصّ في التنزيل بنصّ منشور الخلافة بحروف هذا القسم ،
( وهي : الدال ، والألف ، والواو ،)
وذلك لأنّ الاسم محل إظهار الشخص بما هو عليه ، ولما كان محمد صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم أمر الإظهار وسلطان حكمه - الذي إنما يتحقّق في الكثرة والانفصال مع انطوائه على تمام المعنى الذي يقتضي الوحدة والاتّصال - لا بدّ وأن يكون من الحروف المختصّة به دلالة على وجهيه .

إذا عرفت هذا تبيّن لك أنّه لا بدّ من اشتمال اسمه على النوعين من الحروف ، دلالة منه على طرفيه . وسائر الأنبياء وإن كانوا ذا طرفين ولكن ليس لأحد بينهم أمر تمام الإظهار وختمه ، فلا يكون في اسمه الذي هو مبدأ الإظهار دال عليه .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا». فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.)

قال رضي الله عنه :  (وقال في حقّ داود - عليه السّلام -وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا [ سبأ : 10 ] فلم يقرن به جزاء يطلبه منه ، ولا أخبر أنّه أعطاه هذا الّذي ذكره جزاء . ولمّا طلب الشّكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرّض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود .  فهو في حقّ داود عطاء نعمة وإفضال ، وفي حقّ آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى :اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ[ سبأ : 13 ] . وإن كانت الأنبياء عليهم السّلام قد شكروا للّه على ما أنعم به عليهم ووهبهم ، فلم يكن ذلك على طلب من اللّه ، بل تبرّعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتّى تورّمت قدماه شكرا لما غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . فلمّا قيل له في ذلك )

قال رضي الله عنه :  ( وقال في حق داود :"وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا "فلم يقرن فيه ) ، أي بالفضل الذي آتاه داود ( جزاء يطلبه منه ) ، كالشكر مثلا ( ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره ) من الفضل ( جزاء ) العمل من أعماله ( ولما طلب الشكر على ذلك ) الفضل ( العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ) ،
وإنما طلب من آل داود ( ليشكره الآل على ما أنعم به على داود ، فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال وفي حق آله على غير ذلك ) ، أي على غير كونه عطاء نعمة وإفضال بل عطاء.
قال رضي الله عنه :  ( لطلب المعاوضة ) منهم ( فقال تعالى ) آمرا لهم طالبا منهم الشكر بالعمل (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [ سبأ : 10 و 13 ] ،

فداود عليه السلام ليس يطلب منه الشكر على ذلك العطاء ( وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكرو اللّه تعالى على ما أنعم به عليهم ووهبهم ) إياه ( فلم يكن ذلك ) الشكر الواقع منهم منبعثا قال رضي الله عنه :  ( عن طلب من اللّه تعالى بل تبرعوا بذلك من ) عند ( نفوسهم كما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى تورمت قدماه ) ، من غير أن يكون مأمورا بالقيام على هذا الوجه ( شكرا لما غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخير.)

قال رضي الله عنه :  ( قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » ؟ وقال في نوح :إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الإسراء :3  ] . والشّكور من عباد اللّه تعالى قليل . فأوّل نعمة أنعم اللّه بها على داود - عليه السّلام - أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتّصال . فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه بمجرّد هذا الاسم ، وهي الدّال والألف والواو . )

قال رضي الله عنه :  (فلما قيل له في ذلك) قال : « أفلا أكون عبدا شكورا » وقال في نوحإِ نَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً[ الأسراء : 3 ] والشكور من عباد اللّه قليل ، فأول نعمة أنعم اللّه بها على داود أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال ) ، وهي الحروف الذي من شأنها أن تتصل بما بعدها ، فالاتصال والانفصال إنما يعتبران بالنسبة إلى ما بعد ، وأما بالنسبة إلى ما قبل فكل الحروف تقبل الاتصال ( فقطعه ) ، أي نبه على قطعه
قال رضي الله عنه :  ( عن العالم بذلك ) ، أي بأن أعطاه حرفا ليس فيه حرف الاتصال ( إخبارا لنا عنه بمجرد هذا الاسم ) ، من غير نظر إلى شيء آخر .
( وهي الدال والألف ووالواو ) ، فإن المناسبة بين الاسم والمسمى مما يفهمها أهل الحقيقة.

.

العودة إلى الفهرس

السفر السابع عشر الفقرة الثالثة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله  
واتساب

No comments:

Post a Comment