Wednesday, January 1, 2020

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

17 - The Wisdom of Being in the Word of David

 الفقرة الثانية :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب.) .

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
هذا فص الحكمة الداودية ، ذكره بعد حكمة سليمان عليه السلام ، لأنه أبوه فذكره بعده وكان القياس تقديم ذكر الأب على الابن ، لأنه أصله لما وهبه اللّه تعالى لأبيه وجمع سر الخلافة الإلهية فيه وفهمه الحكمة وحققه بالرحمة كان عمل أبيه الصالح المقدم بين يديه .
والمشار به إليه قال تعالى :"وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ"( 30 ) [ ص : 30 ] .
وقال تعالى :" فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً " [ الأنبياء : 79 ] ، فقد سبق أباه بالفهم وضرب له في مقام المظهرية الإلهية بأوفى سهم .
(فص حكمة وجودية) ، أي منسوبة إلى الوجود (في كلمة داودية) إنما اختصت حكمة داود عليه السلام بكونها وجودية لأنها كانت بتصرف الوجود في الوجود ، ولهذا ورد التصريح لها بالخلافة دون آدم عليه السلام ولين لها الحديد وأوّبت معها الجبال لكما اتصالها بالوجود عن تحقق كشف وشهود انفصالها عن حكم الأعيان الثابتة الظاهرة بنور الحق سبحانه فكأنها نفس النور الوجودي من كمال المقام الشهودي .

قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّه كانت النّبوّة والرّسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب أعني نبوّة التّشريع ، كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها جزاء فإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال . فقال تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ[ الأنعام : 84 ] يعني لإبراهيم الخليل - عليه السّلام - وقال في أيّوب - عليه السّلام -وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ [ ص : 43 ] ؛ وقال في حقّ موسى - عليه السّلام -وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا( 53 ) [ مريم : 53 ] إلى مثل ذلك . فالّذي تولّاهم أوّلا هو الّذي تولّاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلّا اسمه الوهّاب .)

(اعلم) يا أيها السالك (أنه) ، أي الشأن لما كانت النبوّة والرسالة في النبي والرسول (اختصاصا إلهيا) ، أي مجرد خصوصية يختص اللّه تعالى بها من يشاء من عباده (ليس فيها) ،
أي في النبوّة وكذلك الرسالة (شيء من الاكتساب) ، أي التحصيل بالسعي أصلا (أعني) بالنبوّة (نبوّة التشريع) ، أي المقتضية لتشريع الشرائع الإلهية وتكليف العباد بها احترازا عن نبوّة الخبر كالإلهام في حق الأولياء والوحي الوارد للنحل والأرض كما قال تعالى :وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ[ النحل : 68 ] ، وقال سبحانه :يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها ( 4 ) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها( 5 ) [ الزلزلة : 4 - 5 ] .
وقوله تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [ القصص : 7 ] ، وغير ذلك فإنه كان بمعنى وحي الإلهام ونبوّة الخبر دون وحي النبوّة ونبوّة التشريع (كانت عطاياه تعالى لهم) ، أي للأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) غير النبوّة والرسالة (من هذا القبيل) ، أي من قبيل نبوّتهم ورسالاتهم مجرد اختصاصات إلهية ومحض (مواهب) رحمانية (ليست جزاء) منه تعالى لهم على عمل أصلا (ولا) هي عمل منه تعالى (يطلب) بالبناء للمفعول (عليها) ،
أي على تلك العطايا (منهم) ، أي من الأنبياء عليهم السلام (جزاء) ، لأن اللّه تعالى غني عن العالمين (بإعطائه) تعالى (إياهم) ، أي للأنبياء عليهم السلام تلك العطايا (على طريق الإنعام) منه سبحانه (والإفضال) ، أي الإحسان والتكرم .

(فقال) تعالى ("وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ " )[ الأنعام : 84 ] ابن إسحاق (يعني لإبراهيم الخليل) عليه السلام (وقال) تعالى (في أيوب) عليه السلام (" وَوَهَبْنا لَهُ") ،
أي لأيوب عليه السلام (أَهْلَهُ)، وهم أولاده وزوجاته فقيل : إن اللّه تعالى أحياهم له (وَمِثْلَهُمْ)، أي أولاده وزوجاته مقدارهم أيضا (مَعَهُمْ) [ ص : 43 ] وقال تعالى أيضا (في حق موسى) عليه السلام : ("وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا")( 53 ) [ مريم : 53 ] ، فشد اللّه تعالى عضده به وقوّاه وجعل لهما سلطانا في الأرض (إلى مثل ذلك) كقوله تعالى في زكريا عليه السلام :وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى[ الأنبياء : 90 ] ، (فالذي تولاهم) ،
أي الأنبياء عليهم السلام يعني كان وليا لهم (أوّلا) فجعلهم بمحض فضله عليهم وإحسانه إليهم أنبياء ومرسلين (هو الذي تولاهم آخرا) ،
أي قام على نفوسهم بجميع ما اكتسبوا (في عموم أحوالهم) ظاهرا وباطنا من غير نسبة إلى نفوسهم عندهم أصلا (أو) في (أكثرها) ، أي أحوالهم ، وفي الأقل بنسبتها إلى نفوسهم عندهم ونفوسهم قائمة به سبحانه كما كان يقسم صلى اللّه عليه وسلم بقوله : « والذي نفسي بيده » رواه البخارى ومسلم .
(وليس) ذلك الذي تولاهم (إلا اسمه) تعالى (الوهاب) كما ورد فعله بذلك في الآيات المذكورة

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فص حكمة وجودية ) أي فص الحكمة المنسوبة إلى الوجود الإنساني حاصلة ( في كلمة داودية ) أي في روح منسوبة إلى داود عليه السلام وإنما نسب الحكمة الوجودية إلى داود عليه السلام لأن المقصود من الوجود الإنساني الخلافة ولا يتم ذلك بكماله إلا بداود عليه السلام
لذلك ما ظهرت الخلافة في أحد مثل ظهورها في داود عليه السلام حيث خاطبه الحق
بقوله :يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً بخلاف آدم عليه السلام فإنه ليس بهذه المثابة في التصريح فلا يظهر خلافة آدم بتمامه إلا بداود .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب ) أي لا يحصل بتعلق إرادة الإنسان ( أعني نبوة التشريع ) فالنبوة العامة لكونها لازمة للولاية الكسبية خارجة عن هذا الحكم ( كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل )

قوله رضي الله عنه  : ( مواهب ليست جزاء ولا يطلب عليها منهم جزاء فاعطاؤه تعالى إياهم على طريق الإنعام والإفصال ) بدل قوله من هذا القبيل على التفضيل ( فقال :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ *يعني لإبراهيم الخليل ، وقال في أيوب :وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُم ْوقال في حق موسى :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّاإلى مثل ذلك فالذي تولاهم أوّلا ) .
أي تولا بإعطاء كمالاتهم في الدنيا من غير كسب ( هو الذي تولاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرهم ) بإعطاء درجاتهم من غير كسب فكانت نعم اللّه عليهم في الدنيا والآخرة بطريق الإفضال لكونهم مظاهر اسمه الوهاب فلا ينفك تصرف الاسم الوهاب ولا الجواد عنهم ( وليس ) متوليهم ( إلا اسمه الوهاب ).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء. فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك. فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

قلت : استفتح كلامه في معنى قوله تعالى لداود، عليه السلام: ولقد آتينا داود منا فضلا (سبأ: 10) ولم يقل جزاء بل عطاء منه وموهبة .

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

17 - فصّ حكمة وجودية في كلمة داوودية
قال العبد : قد ذكرنا علَّيّة استناد الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية في شرح الفهرست ، وفي شرح فصّ سليمان ، أنّه صورة كمال ظهور الوجود ، ونتمّمه إن شاء الله في شرح المتن .
" إنّما كانت حكمته وجودية لما تمّ في وجوده حكم الوجود العامّ في التسخير ، وجمع الله له بين الملك والحكمة والنبوّة ، ووهبه سليمان الذي آتاه التصرّف في الوجود على العموم ، وخاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريحا ، فبلغ الوجود بوجوده كمال الظهور ."
قال رضي الله عنه : « اعلم : أنّه لمّا كانت النبوّة والرسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب ، أعني نبوّة التشريع ، كانت عطاياه - تعالى - لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها منهم جزاء ، وإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال ،
فقال :  (وَوَهَبْنا لَه ُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ)  ، يعني لإبراهيم الخليل ،
 وقال في أيّوب : ( وَوَهَبْنا لَه ُ أَهْلَه ُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ )   ،
وقال في حق موسى :   ( وَوَهَبْنا لَه ُ من رَحْمَتِنا أَخاه ُ هارُونَ نَبِيًّا )   فالذي تولَّاهم أوّلا هو الذي تولَّاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلَّا اسمه « الوهّاب »
قال العبد : يشير رضي الله عنه بإسناد هذه الحكمة الوجودية إلى الكلمة الداودية ، إلى أنّ الكمال الوجوديّ والوجود الكماليّ إن يظهرا في أحدية جمع الجمع الإنساني الإلهي ، بالخلافة والنيابة الإلهية الكلَّية من حضرة الجواد الوهّاب ،
فإنّ الوجود فيض ذاتي جودي ، وهو نفس رحماني وجودي ، وهذا وإن ظهر في كل خليفة الله في أرضه وقطب قام بنيابته في نفله وفرضه في كل عصر ،عصر من الأنبياء والأولياء ، ولكن ظهوره في داوود عليه السّلام كان أتمّ وأبين ، بمعنى أنّ الله جمع له - صلوات الله عليه - بين الخلافة الحقيقية المعنوية الإلهية وبين الخلافة الظاهرة بالسيف والتحكيم الكلَّي في العالم.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
إنما خصت الكلمة الداودية بالحكمة الوجودية ، لأن الوجود إنما تم بالخلافة الإلهية في الصورة الإنسانية ، وأول من ظهر فيه الخلافة في هذا النوع كان آدم ، وأول من كمل فيه الخلافة بالتسخير داود حيث سخر الله له الجبال والطير في ترجيع التسبيح معه كما قال -   ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَه يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ والإِشْراقِ والطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَه أَوَّابٌ )   - وجمع الله به فيه بين الملك والخطاب والنبوة في قوله -   ( وشَدَدْنا مُلْكَه وآتَيْناه الْحِكْمَةَ وفَصْلَ الْخِطابِ )   - وخاطبه بالاستخلاف ظاهرا صريحا هو داود عليه السلام . ولما كان التصرف في الملك بالتسخير أمرا عظيما لم يتم عليه بانفراده ، وهبه سليمان وشركه في ذلك لقوله -   ( ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْماً وقالا الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي فَضَّلَنا )   - الآية ، وقال -   ( فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وعِلْماً )   - فكان تتمة لكماله في الخلافة بما خصصه الله به من كمال التصرف في العموم فبلغ الوجود بوجود كماله في الظهور ، وهذا هو السر في اقتران الحكمة الداودية بالحكمة السليمانية ، وتقديم السليمانية على الداودية للمزية الظاهرة له بخصوصية ، فكأنها حكمة واحدة فيما يرجع إلى ظهور كمال الوجود ، وحكمتان في ظهور الرحمانية في الفرع ، إذ كل فرع فيه ما في الأصل وزيادة تخصه ، فقدم للزيادة وللتنبيه على أنهما حكمتان متميزتان بتقديم الآخر على الأول كما فعل الله بقصة البقرة .
قال رضي الله عنه :  ) اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب أعنى نبوة التشريع كانت عطاياه تعالى لهم عليهم الصلاة والسلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ولا يطلب عليها منهم جزاء ، فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال فقال : " ووَهَبْنا لَه إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ " يعنى لإبراهيم الخليل ، وقال في أيوب : " ووَهَبْنا لَه أَهْلَه ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ " . وقال في حق موسى :" ووَهَبْنا لَه من رَحْمَتِنا أَخاه هارُونَ نَبِيًّا " إلى مثل ذلك ،
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلا اسمه الوهاب)

اعلم أنه لما كان أصل الوجود الفائض على الأشياء من محض الجود كان كماله الذي هو الخلافة الإلهية أيضا من محض الجود ،
فكانت للنبوة والرسالة التي لا بد للخلافة الإلهية منهما مع التصرف في الملك بالتسخير اختصاصا إلهيا من حضرة اسم الجواد الوهاب ، ليس للكسب والعمل فيه مدخل لا أولا بأن يكون جزاء لعمل منهم ولا آخرا بأن يطلب منهم شكرا وثناء ، ويكون قضاء لحق النعمة عليهم ،
كما ذكر في الآيات المذكورة ، وإنما خصص النبوة بالتشريع احترازا عن نبوة الإنباء العام من البحث في معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وآثاره ،
وعن علم الوراثة في قوله : « العلماء ورثة الأنبياء » . وقوله: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " .

فإن تحصيل علوم النبوة بالكسب وبالعمل الذي يثمره في قوله عليه الصلاة والسلام:  « من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم » نوع النبوة الكسبية ،
فالذي تولاهم أولا بأن أعطاهم تفضلا من غير عمل منهم تولاهم آخرا بأن يحفظ عليهم تلك النعمة في جميع الأحوال أو أكثرها ويزيدها ولا يطلب منهم شكرها مع أنهم لا يخلون بالقيام عن شكرها ، لأن نشأتهم النبوية تعطيهم القيام بحقوق العبدانية على أكمل الوجوه ،
كما قال عليه الصلاة والسلام « أفلا أكون عبدا شكورا » .

ولهذا ذكر أنه أتى داود شكرا فضلا ولم يذكر أنه أعطاه ما أعطاه جزاء لعمله ولم يطلب منه جزاء على ذلك الفضل ، وإنما طلب الشكر بالعمل من آل داود على النعمة التي أنعم بها عليهم وعلى آل داود ، ولأن النعمة على الأسلاف نعمة على الأخلاف .
"" أضاف بالى زادة : فالعبد الشكور هو الذي شكر الله على ما أنعم من غير طلب من الله الشكر ، وأما الذي شكر عن طلب ربه فليس بعبد شكور ، فما كان الشكور من العباد إلا الأنبياء خاصة لورود النص في حقهم ، وأما غيرهم من المؤمنين وإن كانوا شاكرين لكنهم لا يكونون عبدا شكورا لعدم النص في حقهم ، نعم قد أنعم الله على بعض المؤمنين ببعض نعمة من غير طلب الشكر فتبرعوا بالشكر من عند أنفسهم ، فكانوا حينئذ عبدا شكورا ولم يأت النص به اهـ بالى.""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
المراد بالحكمة الوجودية حكمة وجود العالم الإنساني ، لا مطلق الوجود ،  فإنه غير مختص بشئ من الأشياء فضلا عن أن يكون مختصا بنبي من الأنبياء .
ولما كان آدم ، عليه السلام ، أول الأفراد ولم يظهر فيه إلا ما يقتضيه تعينه من  جمعية الحقيقة الإنسانية ، وما يليق باستعداده واعتدال مزاجه الشخصي ، وما أمكن ظهور مقام الخلافة بتمامه فيه ، كما لم يظهر مقام الرسالة أولا إلا في نوح عليه السلام ، فكان أول المرسلين - ظهرت آثار تلك الجمعية وأحكامها في كل من الأنبياء بالتدريج حتى ظهرت بتمامها في داود ، عليه السلام ، وكملت في ابنه سليمان ، عليه السلام .
ولاشتراكهما في هذه الجمعية ، شركه الحق في ذلك بقوله : ( ولقد آتينا داود وسليمان علما ) .
وبقوله : ( يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ ) .

وقال رضي الله عنه : ( وكلا آتيناه حكما وعلما ) . وقالا شكرا لتلك النعمة :  ( الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) .
ولكون داود ، عليه السلام ، أول من ظهر فيه أحكام الخلافة بتمامها ، صرح الحق بخلافته ، ولم يصرح في آدم مخاطبا
فقال رضي الله عنه  : ( يا داود ، إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) .
فناسب أن يقرن الحكمة الوجودية الخصيصة بالإنسان بهذه الكلمة الداودية .  والله أعلم .
( اعلم ، أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شئ  من الاكتساب ، أعني نبوة التشريع ، كانت عطاياه تعالى لهم ، عليهم السلام ، من هذا  القبيل ) أي ، من قبيل الاختصاص والامتنان : ( مواهب ليست جزاء ولا يطلب عليها منهم جزاء . فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال )
قد تقدم مرارا أن الحق تعالى لا يعطى أعيان العالم إلا ما يقتضيه بأعيانها واستعداداتها الثابتة في
حال عدمها . فالنبوة والرسالة اللتان هما اختصاص إلهي في حق المصطفين من عباده وإن كان بحسب العناية الإلهية ، لكنها أيضا ترجع إلى أعيانهم .
كما قال في  ( الفص الشيثي ) . إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له ، هي من جملة
أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف .
فقوله  رضي الله عنه : ( اختصاصا إلهيا ) لا ينافي اقتضاء أعيانهم ذلك ، بل الاقتضاء علة الاختصاص في الفيض المقدس ، وفي الفيض الأقدس علة اقتضاء الأسماء الأول ، فلا يرد .
والغرض أنهما ليستا مكتسبتين بالأعمال والعبادات ، فهما  موهبتان من الله تعالى من حيث اسمه ( الوهاب ) و ( الجواد ) .
وليستا جزاء لعمل ، ولا يطلب الحق عليهما منهم جزاء ، أي عملا على إزائهما ، أو شكرا وثناء
على عطائهما .
فإعطاؤه ، أي إعطاء الحق ، إياهم النبوة والرسالة على طريق الإنعام عليهم والإفضال في حقهم .  ( فإعطاؤه ) إضافة إلى الفاعل ، وأحد المفعولين محذوف .
وإنما قيد ( نبوة التشريع ) ، لأن النبوة العامة التي تلزم الولاية خارجة عن هذا الحكم ، فإن الولاية في المحبين مكتسبة وفي المحبوبين غير مكتسبة .
وفي الجملة ، للكسب مدخل في الإنباء العام . ومعنى ( الكسب ) تعلق إرادة الممكن بفعل ما دون غيره ، فيوجده الاقتدار الإلهي عند هذا التعلق ، فسمى ذلك ( كسبا ) .
هذا كلام الشيخ رضي الله عنه  : ذكره في الجلد الأول من فتوحاته في المسائل .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقال : " ووهبنا له إسحاق ويعقوب " يعنى لإبراهيم الخليل ، عليه السلام ، وقال في أيوب ، عليه السلام : " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " . وقال في حق موسى ، عليه السلام : " ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا " إلى مثل ذلك . فالذي تولاهم  أولا ، هو الذي تولاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرها . )
أي ، الذي تولاهم أولا وأوجدهم من غير عمل سابق وكسب ، وجعلهم أنبياء مرسلين وتمم عليهم
نعمة ، تولاهم آخرا بحفظ تلك النعم عليهم وإيصالهم إلى كمالاتهم المقدرة  لهم .
أو تولاهم أولا حال إفاضة أعيانهم الثابتة بحيث كانت مستعدة لهذه النعم  وقابلة طالبة لها ، تولاهم آخرا بإيجادهم على مقتضى تلك الأعيان .
وإنما قال رضي الله عنه : ( في عموم أحوالهم أو أكثرها ) لئلا يلزم وجوب كونهم في جميع الأحوال كذلك .
( وليس ) ذلك المتولي . ( إلا اسمه "الوهاب" .) ) أي ، فلم يقرن الحق ما أعطاه لداود جزاء ، أي عملا ، يطلب الحق إياه من داود ، عليه السلام .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

الفص الداودي
17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالكمالات الوجودية المذكورة ، التي لأجلها كان كل الوجود ظهر بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى داود عليه السّلام ؛ لجمعه بين كمال النبوة بما أوتي من الحكمة ، وفصل الخطاب ، وكمال الولاية بما أوتي من تأويب الجبال والطير معه في التسبيح ، وكمال الخلافة بالتنصيص الإلهي عليها دون خلافة آدم وسائر الخلفاء من ذريته ، وكمال الهيئات الخاصة كسليمان عليه السّلام .

(اعلم أنّه كانت النّبوّة والرّسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب أعني نبوّة التّشريع ، كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها جزاء ؛ فإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال ، فقال تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ[ الأنعام : 84 ] يعني لإبراهيم الخليل عليه السّلام ، وقال في أيّوب عليه السّلام :وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ[ ص : 43 ] ؛ وقال في حقّ موسى عليه السّلام :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا[ مريم : 53 ] إلى مثل ذلك ؛ فالّذي تولّاهم أوّلا هو الّذي تولّاهم آخرا في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلّا اسمه الوهّاب ) .

فأشار أولا إلى أن هذه الأمور بلغت أولا من الكمال بحيث لا يقابلها شيء ، فلا يقع جزاء على شيء ، ولا يطلب صاحبها بعمل أو شكر ، فقال : ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيّا ) لعبده ابتداء بتكميله بطريق الجذب ( ليس فيها شيء من الاكتساب ) ، وإلا كان الكسب علته ، وهي أعلى من المعلول ، فلا يكون هذا من الكمالات المطلقة التي هي المقصودة بالذات .
ثم فسّر النبوة بقوله : ( أعني نبوة التشريع ) ؛ ليشير إلى أنها وإن كانت أدنى من ولاية النبي ونبوته العالية ؛ فهي لا تكون إلا لمن يكون جامعا للولاية والنبوة العالية ، فهي نهاية الكمالات باعتبار انضمامها معهما ، وهذا لازم لها ، فكأنها أكمل الأشياء بالذات ( كانت عطاياه تعالى لهم عليه السّلام من هذا القبيل ) .
أي : الاختصاص الإلهي ليست في مقابلة شيء سابق أو لا حق ، فكانت ( مواهب ليست جزاء ) على ما سبق منهم ، وإلا لاستحقه من سبق له مثله ، فيلزم أن يساويهم آحاد أممهم في ذلك ، ( ولا يطلب عليها جزاء ) من عمل أو شكر ؛ لأنه إن طلب ما لا يكافئها ، فلا يليق بالحكم الجواد ذلك ، وإن طلب المكافئ عجزوا في جميع وجوهها بخلاف ( إعطائه ) في حسنات غيرهم عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فصاعدا ،

فإن في ذلك وجه مقابلة العمل في الجملة ؛ ولذلك لم يكن هذا ( كإنعامه ) على سائر العمال في التضعيف بل بطريق ( الإفضال ) لهم على غيرهم من كل وجه .
واستدل على هذا بالاستقرار لما ورد في عطاياهم إذ نسب جميعها إلى اسمه الوهاب الذي لا يكون عطاؤه في مقابلة شيء أصلا بقوله : فقال :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ[ الأنعام : 84 ] ، ولما توهم عود الضمير إلى داود لسوقه نص الكلام في حقه فسره بقوله :
( يعني لإبراهيم الخليل ) ، ( وقال في حق أيوب :وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ) [ ص : 43] ،
(  وقال في حق موسى عليه السّلام :وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا[ مريم : 53 ] إلى مثل ذلك ، كقوله :وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ[ ص : 30 ] ،

وإذا كانت عطاياهم كنبوتهم في امتناع دخول الكسب فيهما ، ( فالذي تولاهم ) من أسماء اللّه تعالى ( أولا ) بإعطاء النبوة ( تولاهم آخرا ) بإعطاء المواهب ( في عموم أحوالهم أو أكثرها ) تردد لجواز أن يكون لهم أعمال يجزون عليها بمقدار ما يجزى به الكل في أممهم في التضعيف لا أزيد منه ، ( وليس ذلك ) المتولي ( إلا الاسم الوهاب ) ،
وإن اقتضى كل عطاء اسما خاصّا ، وأيضا وإن كان لكل نبيّ اسم كلي إلهي خاص لا يكون لغيره إلا أنها في الهبة راجعة إلى هذا الاسم ، لكن إنما يعلو عطاؤه بمساعدة تلك الأسماء ، وإلا نقص بقدر عدم مساعدتها .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

17 - فصّ حكمة وجوديّة في كلمة داودية
ويلوّح على تلك النسبة بيّنات عددهما.
النبوّة والرسالة اختصاص إلهي ، لا كسبي
وبيّن أن مراتب كمال العباد ومدارج ترقّيهم فيه ضربان :
أحدهما : ما يصلح لأن تحصل لهم وراثة من « 2 » أعمالهم المعدّة لهم في استحصاله ، كاستفاضة المعارف واستعلام الحقائق واستجلاب تطوّرات الأحوال وفنون الأذواق بضرب من الأفكار الصافية والتوجّهات الخالصة عن الشوائب المشوّشة .
وثانيهما : ما لا يصلح لأن يكون من العبد عمل يوازيه ، ويورث ذلك ، لجلالة شأنه عن رتبة العبد بما هو عبد ، واختصاصه بالحق ، كالرسالة والنبوّة التشريعيّة ،
ولما كان من مقتضى الكلمة الداوديّة ومؤدّى كمالاته الخصيصة به أمر الخلافة وكمالها الذي هو الرسالة والنبوّة التشريعيّة ،
صدّر الفصّ بتحقيقها قائلا : ( اعلم أنّه لما كانت النبوّة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب - أعني نبوة التشريع - ) ، وهو وضع الصور الجزئيّة والأحكام التكليفيّة - الكاشفة عن الأمر وتفصيله - على ما هو حقّ الإنباء وكماله .
وقد احترز به عن نبوّة تعريف الحقائق الكليّة وتبيين العلوم الإلهيّة - مما يمكن اكتسابه بوراثة الأعمال الفكرية والمهيّجات الذوقيّة ، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :
" من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم " أو بقرب نسبة الأنبياء ووراثتهم ذلك منهم ، كما قال: " العلماء ورثة الأنبياء " .
وذلك لأنّه قد يستحصل كليّات الحقائق الأسمائيّة والمعارف الإلهيّة الجمليّة بالفكر وسائر ضروب التوجّهات وفنون التعمّلات ، دون جزئيّات تفاصيل  تلك الحقائق ، على طبق ما في العين من الأشخاص الخارجيّة .

فإنّ ذلك من الخصائص الإلهيّة التي إنما يتحقّق بها العبد بطريق الوهب فقط وبيّن أن حكم الأصول الكليّة يسري في الفروع وجزئيّاتها ، فلذلك ( كانت عطاياه لهم من هذا القبيل : مواهب ليست جزاء ) لسوابق أعماله الوارثة لها ( ولا يطلب عليها منهم جزاء ) بلواحق شكره المستجلبة للمزيد عليها .

( فإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال ) بدون سوابق مقتضيات ولا لواحقها
( فقال : “  وَوَهَبْنا لَه ُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ “  [ 6 / 84 ] يعني لإبراهيم الخليل ، وقال في أيوب : “  وَوَهَبْنا لَه ُ أَهْلَه ُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ “  [ 38 / 43 ] ، وقال في حقّ موسى : “  وَوَهَبْنا لَه ُ من رَحْمَتِنا أَخاه ُ هارُونَ نَبِيًّا “  [ 19 / 53 ] ، إلى مثل ذلك ) مما حصل لسائر الأنبياء من جلائل النعم ودقائقها بطريق الوهب ، على ما نصّ عليه في كلامه .
وفي هذه الآيات الكريمة ما يكشف عن كمال تحقّق الخليل وبلوغه فيه مبلغ التمام ، حيث أنّ موهوبه ليست فيه نسبة ولا غيبة مما هو مقتضى السلوب والإضافات ، بل محض الوجود - كما اطَّلعت عليه في فصّه ، فتذكَّر .

( فالذي تولَّاهم أوّلا ) في كليّة أمرهم - أعني النبوّة التشريعيّة - ( هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم ) الجزئيّة ( أو أكثرها ) ، فإنّه يمكن أن يكون بعض تلك الجزئيّات بالكسب ولكن على سبيل الندرة . ويعلم من هذا الكلام وجه امّية الخاتم ، ومعنى قوله : "أنتم أعلم بأمور دنياكم " .
( وليس ) ذلك المتولي أوّلا وثانيا ( إلا اسمه الوهّاب ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب: أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب)

الفصّ الداودي
17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّه كانت النّبوّة والرّسالة اختصاصا إلهيّا ليس فيها شيء من الاكتساب أعني نبوّة التّشريع ، كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السّلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء ، ولا يطلب عليها جزاء فإعطاؤه إيّاهم على طريق الإنعام والإفضال . فقال تعالى : "وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ"[ الأنعام : 84 ] يعني لإبراهيم الخليل عليه السّلام وقال في أيّوب عليه السّلام : وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ"[ ص : 43 ] ؛)
فص حكمة وجودية في كلمة داودية
إنما وصف الحكمة المودعة في الكلمة الداودية بالوجودية ، لأن المراد بالوجودية إما معناه المشهور أو بمعنى الوجدان وعلى كل من التقديرين فلوصف الحكم الداودية بالوجودية به نوع اختصاص ، أما على الأول فلأن المراد بالوجود الإنساني الكمالي لا مطلقا إذ لا اختصاص له بشيء ، وكمال الوجود الإنساني إنما هو بظهور حقائق الخلافة بتمامها ،
وهي قد ظهرت فيما تقدم من الأنبياء بالتدريج حتى ظهرت بتمامها في داود عليه السلام كلمة ابنه الذي هو منه ، وأما على الثاني فلأن داود عليه السلام إنما وجد هذا الحكم بمجرد الوهب من غير تجشم كسب كما سيأتي فتكون حكمة وجدانية محضة لا دخل فيها للتعمل والكسب حتى لا يصح استنادها إليه إلا بأنه وجدها لا بأنه اكتسبها إلى غير ذلك من العبارات .

( اعلم ) أيها الطالب المسترشد ( أنه لما كانت النبوة والرسالة ) التي هي خصوص مرتبة في النبوة ( اختصاصا إلهيا ليس ) يجزي ( فيها شيء من الاكتساب أعني ) بالنبوة المحضة ببعض العمل اختصاصا إلهيا ( نبوة التشريع كانت عطاياه تعالى لهم ) ، أي للأنبياء ( عليهم السلام من هذا القبيل ) ، أي من قبيل الاختصاص والامتنان ( مواهب ليست جزاء ) لعمل من أعمالهم ( ولا يطلب عليها منهم جزاء فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال ) ، ولذلك عبر سبحانه عن هذا الإعطاء بالهبة التي لا يطلب عليها عوض ولا عرض ( فقال تعالى :وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ[ الأنعام : 84 ] ، يعني ( لإبراهيم الخليل عليه السلام وقال في أيوب عليه السلام :وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ[ ص : 43 ] ، وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) سورة ص

قال رضي الله عنه :  (وقال في حقّ موسى عليه السّلام وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا( 53 ) [ مريم : 53 ] إلى مثل ذلك . فالّذي تولّاهم أوّلا هو الّذي تولّاهم [ آخرا ] في عموم أحوالهم أو أكثرها ، وليس إلّا اسمه الوهّاب . )

وقال في حق موسى عليه السلام : "وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا"( 53 ) [ مريم : 53 ] ) ، متضمنا ذلك الوهب الإلهي المذكور في هؤلاء الأنبياء ( إلى مثل ذلك ) الوهب بالنسبة إلى من عداهم ( فالذي ) ، أي الاسم الذي ( تولاهم أولا ) حيث اختصهم بالنبوة والرسالة ( هو ) بعينه الاسم ( الذي تولاهم ) ثانيا بعد اختصاصهم بهما ( في عموم أحوالهم وأكثرها وليس ذلك ) الاسم المتولي ( إلا اسمه الوهاب ) .
ثم لما بين ذلك المعنى في بعض الأنبياء أراد أن ينتقل إلى داود عليه السلام الذي هو 
المقصود بالذكر ههنا فقال :


.
العودة إلى الفهرس
السفر السابع عشر الفقرة الثانية على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment