Monday, December 30, 2019

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر
الفص السليماني
16 - فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إِنَّهُ يعني الكتاب مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ أي مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [ النمل:30 ]. فأخذ بعض النّاس في تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن كذلك .
وتكلّموا في ذلك بما لا ينبغي ممّا لا يليق بمعرفة سليمان بربّه . وكيف يليق ما قالوه وبلقيس تقول فيه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ[ النمل : 29 ] . أي مكرّم عليها وإنّما حملهم )
فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية
إنما وصف الحكمة بالرحمانية لأن من جملتها بيان أسرار الرحمة الامتنانية الرحمانية والرحمة الوجوبية الرحيمية الداخلة فيها .
وخص الحكمة الرحمانية بالكلمة السليمانية لعموم حكمها ، فإن الكلمة السليمانية علوم سلطنة بالنسبة إلى الإنس والجن والوحش والطير .
كما أن الرحمن حكمه شامل للموجودات كلها ( إنه ) يعني الكتاب ( من سليمان ) فهذا بيان للمرسل ( وإنه ) ، أي مضمونه : ( بسم اللّه الرحمن الرحيم ) وهذا بيان لمضمون الكتاب ، فالكتاب مصدر باسم اللّه لا باسم سليمان كما توهمه بعض أهل الظاهر وإليه أشار بقوله :
( فأخذ بعض الناس في ) بيان جهة ( تقديم اسم سليمان على اسم اللّه ولم يكن ) الأمر ( كذلك ) ، أي لم يكن اسم سليمان مذكورا في الكتاب مقدما على اسم اللّه .
ولكنهم توهموا التقديم ( وتكلموا في ) بيان ( ذلك ) التقديم ( بما لا ينبغي ) فقالوا :
إنما قدم اسمه على اسم اللّه وقاية له من أن يقع الخرق عليه ، فإن اسمه لكمال مهابته في قلوب الناس كان مانعا عن الخرق ، وعلى تقدير أن يقع الخرق يقع على اسمه لا على اسم اللّه تعالى ( وهذا مما لا يليق بمعرفة سليمان عليه السلام بربه ) وبوجوب تقدمه في الذكر لتقدمه في الوجود ( وكيف يليق ما قالوه ) في وجه تقديم اسم سليمان على اسم اللّه مع توهم الخرق ( وبلقيس تقول فيه ) ، أي في شأن ذلك الكتاب (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌأي مكرم عليها ) [ النمل : 29 ] ، فكيف يتوهم منها خرقه وسليمان أيضا كان عارفا بذلك فإنه لا بد لكل نبي راع أن يكون عارفا بمقادير استعدادات المدعوين .
والمراد أن بلقيس مع كمال فطانتها تقول في شأن كتابه :إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ، أي يكرم عليها ومتى لم يكرم عليها إذا كان مفتتحا بسوء أدب .
ثم أشار رضي اللّه عنه

قال الشيخ رضي الله عنه :  (على ذلك ربّما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؛ وما مزّقه حتّى قرأه كلّه وعرف مضمونه . فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفّق لما وفّقت له فلم يكن يحمي الكتاب عن الإحراق لحرمة صاحبه تقديم اسمه عليه السّلام على اسم اللّه تعالى ولا تأخيره .
فأتى سليمان بالرّحمتين : رحمة الامتنان ورحمة الوجوب اللّتان هما الرّحمن الرّحيم . فامتنّ بالرّحمن وأوجب بالرّحيم . وهذا الوجوب من الامتنان . فدخل الرّحيم في الرّحمن دخول تضمّن. فإنّه كتب على نفسه الرّحمة سبحانه ليكون ذلك للعبد بما ذكره الحقّ من)

إلى منشأ خطابهم فقال : ( وإنما حملهم على ذلك ربما تمزيق كسرى كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما مزقه حتى قرأه كله وعرف مضمونه ) فتمزيقه إنما كان لعدم كونه موفقا للقبول لفقدان المناسبة لا بمجرد أنه رأى اسمه صلى اللّه عليه وسلم مقدما على اسمه فإنه كان صدر كتابه من محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى كسرى ، ( فكذلك كانت تفعل بلقيس لو لم توفق لما وفقت له ) من إكرام الكتاب وقبوله لاستعداداتي ( فلم تكن تحمي الكتاب عن الحرق لحرمة صاحبه ) ، أي بسبب حرمة صاحبه ( تقديم اسمه ) ، أي اسم صاحبه ( عليه السلام على اسم اللّه ولا تأخيره ) عنه وذكر التأخير للمبالغة .
ولما بين رضي اللّه عنه أن قوله : « أنه من سليمان » ليس من جملة كتاب سليمان بل كان مفتتح كتابه البسملة لا غير ، شرع فيما يتعلق بالبسملة من النكات فقال : ( فأتى سليمان ) في البسملة ( بالرحمتين ) وهما : ( رحمة الامتنان ) وهي الرحمة الصادرة من محض الوهب الإلهي لا في مقابلة استعداد كلي أو جزئي ( ورحمة الوجوب ) وهي التي أوجبها الحق سبحانه على نفسه في مقابلة أحد الاستعدادين ، ثم وصف الرحمتين بما يدل على أن كلا منهما من أي اسم يفهم من الاسمين المذكورين في البسملة فقال :
( اللتان هما الرحمن الرحيم ) ، أي الرحمتان المذكورتان اللتان يقتضيهما الاسم الرحمن والاسم الرحيم ( فامتن بالرحمن ) لا في مقابلة أمر بل بمحض الموهبة فتجلى بصور الاستعدادات فالرحمة الامتناهية هي الفيض الأقدس ( وأوجب بالرحيم ) ما يقتضيه الاستعدادات الحاصلة بالرحمة الرحمانية ( وهذا الوجوب ) أيضا ( من ) مقتضيات ( الامتنان ) إذ ليس ثمة من يوجب عليه سبحانه أمرا مّا .
بل هو أوجب على نفسه كما قال :
كتب على نفسه الرحمة وحيث كان ذلك الإيجاب من محض المنة من غير وجود مقتض كانت الرحمة المرتبة عليه راجعة إلى الامتنان كما أشار إليه بقوله : ( فدخل الرحيم في الرحمن دخول تضمن ) بحيث يندرج فيه فكلما اقتضاه الاسم الرحيم يكون بعضا من مقتضيات الاسم الرحمن وهذا المعنى هو المراد بالدخول الضمني وإنما قلنا : هذا الوجوب من الامتنان ( فإنه كتب على نفسه الرحمة ) لا غيره ( سبحانه ) عن أن يكتب عليه

 قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الأعمال الّتي يأتي بها هذا العبد ، حقّا على اللّه أوجبه له على نفسه يستحقّ بها هذه الرّحمة أعني رحمة الوجوب .
ومن كان من العبيد بهذه المثابة فإنّه يعلم من هو العامل منه .
والعمل منقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان .
وقد أخبر الحقّ أنّه تعالى هويّة كلّ عضو منها ، فلم يكن العامل غير الحقّ ، والصّورة للعبد ، والهويّة مندرجة فيه ، أي في اسمه لا غير .
لأنّه تعالى عين ما ظهر وسمّي خلقا وبه كان الاسم الظّاهر والآخر للعبد ؛ وبكونه لم يكن ثمّ كان .  وبتوقّف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأوّل .)

غيره وإنما كتب ( ليكون ذلك ) المكتوب رحمة الوجوب ( للعبد ) ، أي بسبب ( بما ذكره الحق ) وعينه ( من الأعمال التي يأتي بها العبد حقا على اللّه أوجبه ) ، أي ذلك المكتوب أو ذلك الحق ( له ) ، أي للعبد ( على نفسه فيستحق ) العبد ( بها ) ، أي بتلك الأعمال .
( هذه الرحمة أعني رحمة الوجوب ومن كان من العبيد بهذه المثابة ) ، أي بمثابة أن يأتي بالأعمال التي كتب الحق على نفسه الرحمة في مقابلتها ( فإنه يعلم ) بأدنى التفات ( من هو العامل منه ) من الأعضاء فإن أعضاءه بعضها عاملة وبعضها غير عاملة وإنما قال : من العامل مع أن الظاهر ما العامل منه ، لأنه لما أسند العمل إليه فكأنه من ذوي العلم أو لأنها هوية الحق كما سيجيء ( والعمل مقسم على ثمانية أعضاء من الإنسان ) غالبا وهي اليدان والرجلان والسمع والبصر واللسان والجبهة .
( وقد أخبر الحق سبحانه ) في حديث قرب النوافل ( أنه هوية كل عضو منها فلم يكن العامل غير الحق والصورة ) ، التي يظهر منها العمل ( للعبد والهوية مندرجة فيه ) ، أي في العبد اندراج المطلق في المقيد ، لا أنه راج الحال في المحل ليلزم الحلول تعالى عن ذلك ولهذا فسره بقوله : ( أي في اسمه الحق ) ، فإن العبد المقيد اسم من أسماء الحق المطلق ( لا غير ) وإنما قلنا : الهوية مدرجة فيه ، ( لأنه تعالى عين ما ظهر ) فإن ما ظهر ليس إلا هويته المتعينة بالتعينات التي تقتضي الظهور وقوله : ( وسمي خلقا ) عطف على ما ظهر أي ما ظهر وسمي خلقا باعتبار هذا الظهور ( وبه ) ، أي بهذا الظهور المتأخر عن البطون .
(كان الاسم الظاهر والآخر للعبد وبكونه لم يكن ثم كان . وبتوقف ظهوره عليه وصدور العمل منه كان الاسم الباطن والأول ) لأنه مما يتوقف عليه ظهور الحق وصدور عمله ، ولا شك أن للموقوف عليه تقدما وأدلية بالنسبة إلى الموقوف ، فقوله : ( كان )

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإذا رأيت الخلق رأيت الأوّل والآخر والظّاهر والباطن .
وهذه معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السّلام ، بل هي من الملك الّذي لا ينبغي لأحد من بعده ، يعني الظّهور به في عالم الشّهادة .
فقد أوتي محمّد صلى اللّه عليه وسلم ما أوتيه سليمان ، وما ظهر به . فمكّنه اللّه تعالى تمكين قهر من العفريت الّذي جاءه باللّيل ليفتك به فهمّ بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتّى يصبح فتلعب به ولدان المدينة ، فذكر دعوة سليمان فردّه اللّه خاسئا . فلم يظهر عليه السّلام بما أقدر عليه وظهر بذلك سليمان .
ثمّ قوله :مُلْكاً[ النساء : 54 ] فلم يعمّ ، فعلمنا أنّه يريد ملكا ما . ورأيناه قد)

( الاسم الباطن ) والأول نشر على ترتيب اللف ( فإذا رأيت الخلق رأيت الأول والآخر والظاهر والباطن ) ، أي رأيت الحق الموصوف بهذه الأسماء ولكن في المرتبة الخلقية الفرقية لا الحقية الجمعية ( وهذه ) المعرفة المتعلقة بالرحمتين الامتنانية والوجوبية وما انجر الكلام إليه في بيانهما ( معرفة لا يغيب عنها سليمان عليه السلام بل هي من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ) ، فإنه لا ينحصر في الملك الصوري والمعنوي كيف وهو من الأنبياء الكاملين ، فمرتبة كماله تقتضي التحقق بأمثال هذه المعارف ، ولما كان الملك الذي أتاه اللّه سبحانه سليمان ولم يؤته أحدا غيره من بعده ، هو الظهور بعموم التصرف في عالم الشهادة لا التمكن منه ، فإن ذلك مما آتاه اللّه غيره من الكمل نبيا كان أو وليا فسر الملك بقوله : ( يعني الظهور به في عالم الشهادة ) ثم علله بقوله : ( فقد أوتي محمد صلى اللّه عليه وسلم ما أوتيه سليمان ) من الملك والتصرف ( و ) لكنه صلى اللّه عليه وسلم ( ما ظهر به ) كما ظهر سليمان ( فمكنه اللّه تعالى تمكين قهر من العفريت الذي جاءه بالليل ليفتك به فهم بأخذه وربطه بسارية من سواري المسجد حتى يصبح مربوطا بها ، فيلعب به ولدان المدينة فذكر ) رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( دعوة سليمان عليه السلام ) وأمسك حتى أخذه وربطه تأدبا . رواه ابن حبان
"" يشير إلى الحديث: « عن أبي هريرة يقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنّ عفريتا من الجن جعل يأتي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني اللّه منه فأردت أن آخذه فأربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم قال ثم ذكرت قول أخي سليمان رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي قال فرده اللّه خاسئا ".أهـ ""
( فرده اللّه ) ، أي العفريت بتركه هذا التأدب ( خاسئا عن الظفر به فلم يظهر نبينا صلى اللّه عليه وسلم بما أقدر عليه ) من التصرف في العفريت ( وظهر بذلك سليمان ثم قوله ملكا ) ، من غير أداة تفيد الشمول والاستغراق ( فلم يعمّ ) كل ملك (فعلمنا أنه يريد ) في دعائه ( ملكا ما ) من الإملاك لا كل
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (شورك في كلّ جزء من الملك الّذي أعطاه اللّه ، فعلمنا أنّه ما اختصّ إلّا بالمجموع من ذلك ، وبحديث العفريت ، أنّه ما اختصّ إلّا بالظّهور ، وقد يختصّ بالمجموع والظّهور .
ولو لم يقل صلى اللّه عليه وسلم في حديث العفريت : « فأمكنني اللّه منه » لقلنا إنّه لمّا هم بأخذه ذكّره اللّه دعوة سليمان ليعلم أنّه لا يقدره اللّه على أخذه . فردّه اللّه خاسئا . فلمّا قال فأمكنني اللّه منه علمنا أنّ اللّه تعالى قد وهبه التّصرّف فيه . ثمّ إنّ اللّه ذكّره فتذكّر دعوة سليمان فتأدّب معه ، فعلمنا من هذا أنّ الّذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظّهور بذلك في العموم .
وليس غرضنا من هذه المسألة إلّا الكلام والتّنبيه على الرّحمتين اللّتين ذكرهما سليمان في الاسمين اللّذين تفسيرهما بلسان العرب الرّحمن الرّحيم .)

ملك فإنه لو كان يريد كل ملك لاختص به مجموع الأملاك وكل جزء جزء أيضا ، فإنه كما أن كل جزء جزء من الملك من أفراد الملك كذلك مجموع الأجزاء أيضا من أفراده ، فيلزم أن لا يشاركه أحد في ملك ما ، والأمر ليس كذلك كيف ( وقد رأيناه قد شورك في كل جزء من الملك الذي أعطاه اللّه فعلمنا أنه ) ، أي سليمان عليه السلام ( ما اختص بفرد ) من أفراد الملك ( إلا بالمجموع من أفراد ذلك ) الملك ، أي الانفراد وهو مجموع الأفراد لما عرفت أن مجموع الأفراد أيضا فرد من ذلك الملك ، فما اختص بكل فرد فرد من أجزاء ذلك المجموع ( وعلمنا بحديث العفريت أنه ما اختص إلا بالظهور وقد يختص بالمجموع وبالظهور ) به لا بالتمكن منه وبالظهور ببعض .
( ولو لم يقل ) نبينا ( صلى اللّه عليه وسلم في حديث العفريت : فأمكنني اللّه منه ) ، أي من العفريت ( فعلمنا أنه لما هم بأخذه ذكره اللّه دعوة سليمان ليعلم أنه لا يقدره اللّه ) من الإقدار ( على أخذه فرده اللّه خاسئا ذليلا فلما قال : فأمكنني اللّه منه علمنا أن اللّه تعالى قد وهبه التصرف فيه ) ، بما شاء من الأخذ والربط وغيرهما .
( ثم إن اللّه ذكره فتذكر دعوة سليمان فتأدب معه ) كمال التأدب حيث لم يظهر بالتصرف في الخصوص فكيف في العموم ( فعلمنا من هذا ) الذي ذكر من تنكير الملك وحديث العفريت ( أن ) الملك ( الذي لا ينبغي لأحد من الخلق بعد سليمان الظهور بذلك في العموم ) لا التمكن منه في العموم ولا الظهور ببعض .
( وليس غرضنا ) المقصود بالإضافة في صدر هذا الفص وإن وقع كلام في البين ( إلا الكلام والتنبيه على الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان عليه السلام في الاسمين اللذين تفسيرهما بلسان العرب : الرحمن الرحيم ) ، فإنه عليه السلام لم يكن ممن يتكلم بلسان

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقيّد رحمة الوجوب وأطلق رحمة الامتنان في قوله :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [ الأعراف : 156 ] حتّى الأسماء الإلهيّة ، أعني حقائق النّسب .
فأمتنّ عليها بنا . فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهيّة والنّسب الرّبانيّة .
ثمّ أوجبها على نفسه بظهورنا لنا وأعلمنا أنّه هويّتنا لنعلم أنّه ما أوجبها على نفسه إلّا لنفسه . فما خرجت الرّحمة عنه . فعلى من امتنّ وما ثمّ إلّا هو ؟
إلّا أنّه لا بدّ من حكم لسان التّفضيل لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم ؛ حتّى يقال إنّ هذا أعلم من هذا مع أحديّة العين .
ومعناه معنى نقص تعلّق الإرادة عن تعلّق العلم ، فهذه مفاضلة في الصّفات)
العرب ( فقيد ) الحق سبحانه في كلامه ( رحمة الوجوب ) التي هي إحدى الرحمتين اللتين ذكرهما سليمان بالتقوى والإيمان حيث قال :" فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ " . يتقون
وقال :" بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ "  [ التوبة : 128 ] (وأطلق رحمة الامتنان ) التي هي الأخرى من تينك الرحمتين ( في قوله: " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ "حتى وسعت الأسماء الإلهية ) [الأعراف:156 ] .
ولما كانت الأسماء عبارة عن الذات مع النسب وكانت سعة الرحمة إياها باعتبار النسب لا باعتبار الذات فسرها بقوله : ( أعني حقائق النسب ) ، يعني أن الأسماء لا تسعها الرحمة الامتنانية إلا باعتبار النسب لا باعتبار محض الذات .
( فامتن عليها بنا ) يعني نوع الإنسان فأوجدنا لتكون مظاهر آثارها ومجالي أنوارها .
( فنحن نتيجة رحمة الامتنان ) المتعلق ( بالأسماء الإلهية والنسب الربانية ) التي هي بعض الأسماء الإلهية فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام فإنها أقرب إلينا وأظهر علينا . ( ثم أوجبها ) ، أي الرحمة ( على نفسه ) .
وهذه الرحمة التي أوجبها هي ظهوره علينا ومعرفتنا فإنه تعالى قيده ( بظهورنا لنا ) ومعرفتنا بأنفسنا في قوله على لسان الكمل من عباده من عرف نفسه فقد عرف ربه .
( وأعلمنا أنه هويتنا ) في مثل قوله :"وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" ( لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا لنفسه فما خرجت الرحمة عنه ) إلى غيره بل إلى نفسه .
( فعلى من امتن وما ثمة إلا هو ) وهذا على لسان غلبه الوحدة والإجمال ، ولما كان هناك جهة كثرة وتفضيل أيضا نبه عليه بقوله : ( إلا أنه لا بد من حكم لسان ) الكثرة ( التفضيل ) أيضا ( لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم ) مثلا بحسب تفاوت الاستعدادات ( حتى يقال إن هذا ) الإنسان كزيد مثلا ( أعلم من هذا ) الإنسان الآخر كعمر مثلا ( مع أحدية العين ) الظاهرة فيها.
ولما كان التفاضل مع أحدية العين فيه نوع خفاء أوضحه بتفاضل الصفات الإلهية مع أحدية الذات فقال : ( ومعناه ) ، أي معنى تفاضل الخلق في العلوم مثل ( معنى ) تفاضل صفات الحق في النقص والكمال مثل ( نقص تعلق الإرادة عن تعلق العلم ) ، فإنه ليس كل

قال الشيخ رضي الله عنه :  (الإلهيّة ؛ وكمال تعلّق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلّق القدرة . وكذلك السّمع الإلهيّ والبصر وجميع الأسماء الإلهيّة على درجات في تفاضل بعضها على بعض .
كذلك تفاضل ما ظهر في الخلق من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحديّة العين .
وكما أن كلّ اسم إلهيّ إذا قدّمته سمّيته بجميع الأسماء ونعتّه بها ، كذلك فيما ظهر من الخلق فيه أهليّة كلّ ما فوضل به ، فكلّ جزء من العالم مجموع العالم ، أي هو قابل لحقائق متفرّقات العالم كلّه ؛ فلا يقدح قولنا إنّ زيدا دون عمرو في العلم أن)

ما يتعلق به العلم تتعلق به الإرادة ، ( فهذه مفاضلة في الصفات الإلهية . وكمال تعلق الإرادة وفضلها وزيادتها على تعلق القدرة ) ، فإن الإرادة قد تتعلق بإبقاء شيء على عدميته الأصلية ولا احتياج فيه إلى القدرة فإن القدرة إنما تتعلق بإيجاد شيء أو إعدامه بعد الوجود لا إبقائه على العدم الأصلي .
فإن قلت : يكفي في تخصيص الممكن بالعدم عدم إرادة الوجود ولا احتياج فيه إلى إرادة العدم فلا تتعلق بعدم الممكن الإرادة أيضا كالقدرة .
قلت : الإرادة عندهم في الجناب الإلهي عبارة عن معنى تخصيص الممكن بأحد الجائزين لا الانبعاث الذي يكون فينا قبلا .
يبعد أن يقال : عدم إرادة الوجود هو إرادة العدم ، فإن عدم تلك الإرادة تخصص الممكن بأحد الجائزين الذي هو عدمه ( وكذلك السمع الإلهي والبصر ) بينهما تفاضل فإن البصر له فضل على السمع لقوة الانكشاف في البصر وعدمها في السمع .
( وكذلك الأسماء الإلهية على درجات ) متفاوتة ( في تفاضل بعضها على بعض ) ولما كان المقصود من بيان التفاضل بين الصفات بيان التفاضل في الخلق ذكره ثانيا كالنتيجة .
فقال ( كذلك ) ، أي مثل تفاضل الصفات ( تفاضل ما ظهر في الخلق ) من الصفات حال كون ذلك التفاضل ظاهرا
( من أن يقال هذا أعلم من هذا مع أحدية العين . فكما أن كل اسم إلهي ) لمكان اشتماله على الذات وصفة ما ( إذا قدمته سميته ) لاشتماله على الذات ( بجميع الأسماء ونعته بها ) من غير تفاوت بين الأسماء المتبوعة والتابعة نفى كل اسم أهلية الاتصاف بكل اسم.
( كذلك الأمر فيما يظهر ) الحق أو الاسم الإلهي فيه ( من الخلق فيه أهلية كل ما فوضل به ) ، أي كل صفة فوضل بها ذلك المظهر بأن يفضل عليه بعض المظاهر الأخر لاشتمال ذلك البعض عليها دون ذلك المظهر ، ولا يخفى عليها دون ذلك المظهر.
ولا يخفى أن هذه الأهلية إنما هي باعتبار اشتمال الكل على الهوية السارية الصالحة لإنشاء الصفات منها وإن كانت تختلف بحسب القوابل لا باعتبار خصوصيات المظاهر ، لكن بالنظر إلى إدراك الكل فإنهم يدركون الصفات الكمالية كالحياة والعلم وغيرهما من جميع الموجودات وإن خفيت من أكثر الناس ( فكل جزء من العالم مجموع العالم ، أي هو قابل لحقائق متفرقات العالم ) ، أي حقائق

قال الشيخ رضي الله عنه :  (تكون هويّة الحقّ عين زيد وعمرو ، ويكون في عمرو أكمل وأعلم منه في زيد ، كما تفاضلت الأسماء الإلهيّة وليست غير الحقّ .
فهو تعالى من حيث هو عالم أعمّ في التّعلّق من حيث ما هو مريد وقادر ، وهو هو ليس غيره . فلا تعلمه يا وليّي هنا وتجهله هنا وتثبته هنا وتنفيه هنا .
إلّا أن أثبّته بالوجه الّذي أثبت نفسه ، ونفيته عن كذا بالوجه الّذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنّفي والإثبات في حقّه . حين قال :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌفنفىوَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ الشورى : 11 ] فأثبت بصفة تعمّ كلّ سامع بصير من حيوان .
وما ثمّ إلّا حيوان إلّا أنّه بطن في الدّنيا عن إدراك بعض النّاس ، وظهر في الآخرة لكلّ النّاس ، فإنّها الدّار الحيوان ، وكذلك الدّنيا إلّا أنّ حياتها مستورة عن بعض العباد).

الصفات المتفرقة في أجزاء العالم ( كله ) فكل جزء منه لكمال اشتماله على الهوية قابل لكل صفة وإن لم تظهر منه لخصوصية تعينه ، أو هو موصوف بما توصف به الأجزاء الأخر . لكن هذا الاتصاف لا يظهر إلا للبعض كما قلنا وإذا كان حال المظاهر الخلقية مع الهوية السارية كحال الأسماء مع الذات .
( فلا يقدح قولنا ) في بيان المفاضلة بين المظاهر ( إن زيدا دون عمرو في العلم في أن يكون هوية الحق عين زيد وعمرو ويكون ) العلم ( في عمرو أكمل منه في زيد ) ، وإذا لم يقدح فيه ، تفاضلت المظاهر وهي ليست غير الهوية السارية .
( كما تفاضلت ) الأسماء الإلهية ( و ) هي ( ليست غير ) ذات ( الحق فهو تعالى من حيث هو عالم أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر وهو ) من حيث إحدى هاتين الحيثيتين ( هو ) من حيث الحيثية الأخرى ( ليس غيره فلا تعلمه ) ، أي الحق سبحانه بأحدية عينه ( يا ولي هنا ) ، أي في الأسماء ( وتجهله هنا ) ، أي في المظاهر ( وتنفيه هنا ) ، أي في الظاهر ( وتثبته هنا ) ، أي في الأسماء فلا ينبغي أن يقع منك الإثبات والنفي .
( إلا أن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال :لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ٌفنفى ) نفسه عن أن يكون له مثل فإن المثلية إنما تكون بين غيرين وهو عين كل شيء .
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فأثبت ) نفسه متصفة ( بصفة تعم كل سامع بصير من حيوان ) على وجه يفيد انحصار السميع البصير فيه ( وما ثمة ) ، أي في نفس الأمر ( إلا حيوان ) فوجب أن يكون عين كل شيء وإلا لم ينحصر السميع البصير فيه .
( إلا أنه ) ، أي كون كل شيء حيوانا ( بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس ) وهم المحجوبون عن سريان سر الحياة في الكل ( وظهر في الآخرة لكل الناس فإنها ) ، أي الآخرة ( هي الدار الحيوان وكذلك الدنيا ) هي الدار الحيوان بسريان الحياة في الكل ( إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد ) مكشوفة عن بعضهم .
قال علي رضي اللّه عنه : كنا في سفر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما استقبلنا حجر ولا شجر
 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد اللّه بما يدركونه من حقائق العالم .
فمن عمّ إدراكه كان الحقّ فيه أظهر في الحكم ممّن ليس له ذلك العموم .
فلا تحجب بالتّفاضل وتقول لا يصحّ كلام من يقول إنّ الخلق هويّة الحقّ بعدما أريتك التّفاضل في الأسماء الإلهيّة الّتي لا تشكّ أنت أنّها هي الحقّ ومدلولها المسمّى بها وليس إلّا اللّه تعالى .
ثمّ إنّه كيف يقدّم سليمان اسمه على اسم اللّه كما زعموا وهو من جملة من أوجدته الرّحمة .
فلا بدّ أن يتقدّم الرّحمن الرّحيم ليصحّ استناد المرحوم .)

إلا سلم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك الستر والكشف إنما يكون ( ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد اللّه بما يدركونه من حقائق العالم ) ، أي الحقائق المستورة في العالم كحقيقة العلم والحياة المستورة في الجمادات.
 ( فمن عمّ إدراكه ) كمن أدرك حياة الكل في الدنيا ( كان الحق فيه أظهر في الحكم ) ، الذي هو العلم والإدراك ( ممن ليس له ذلك العموم ) في الإدراك فلمن عم إدراكه فضل عمن ليس له ذلك العموم مع أن الكل عين واحدة .
( فلا تحجب ) نهي على البناء للمفعول يعني شهود وحدة العين ( بالتفاضل ) الواقع بين القوابل ( و ) الحال أنك ( تقول ) حين الحجاب ( لا يصح كلام من يقول إن الخلق ) بحسب الحقيقة ( هوية الحق ) لما مرت وتفاضلت بحسب الظاهر ( بعدما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت ) في ( أنها ) ، أي تلك الأسماء ( هي الحق ومدلولها المسمى بها وليس إلا اللّه ) .
فإذا لم يكن التفاضل في الأسماء مانعا عن أحدية العين فكذلك التفاضل في المظاهر لم يكن مانعا عنها كيف والمظاهر الخلقية أيضا أسماء جزئية تالية للأسماء الكلية الإلهية .

ولما فرغ عما وقع في البين رجع إلى مقصوده فقال : ( ثم إنه كيف يقدم سليمان اسمه ) في مكتوبه إلى بلقيس ( على "اسْمَ اللَّهِ " كما زعموا ) ، أي الظاهريون من أهل التفسير ( وهو ) ، أي والحال أن سليمان ( من جملة ما أوجدته الرحمة ) الرحمانية وخصصته الرحمة الرحيمية بكمالاته متأخر طبعا عن الرحيم الرحمن المتأخرين عن الاسم اللّه .
( فلا بد أن يتقدم الرحمن الرحيم ) ، عليه وضعا ليصح استناده المرحوم إليها على وجه يوافق فيه الوضع الطبع أو فلا بد أن يتقدما في نفس الأمر ويتحققا أولا لعلتهما ( ليصح استناد المرحوم ) المعلول إليهما وإذا كانا متقدمين في نفس الأمر فينبغي أن يقدما في الذكر أيضا .
  

قال الشيخ رضي الله عنه :  (هذا عكس الحقائق : تقديم من يستحقّ التّأخير وتأخير من يستحقّ التّقديم في الموضع الذي يستحقّه .
ومن حكمة بلقيس وعلوّ علمها كونها لم تذكر من ألقى إليها الكتاب ؛ وما عملت ذلك إلّا لتعلم أصحابها أنّ لها اتّصالا إلى أمور لا يعلمون طريقها ، وهذا من التّدبير الإلهيّ في الملك ، لأنّه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك خاف أهل الدّولة على أنفسهم في تصرّفاتهم ، فلا يتصرّفون إلّا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التّصرّف . فلو تعيّن لهم على يدي من تصل الأخبار إلى ملكهم لصانعوه وأعطوا له الرّشا حتّى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم .
فكان قولها :"أُلْقِيَ إِلَيَّ "[ النمل : 29 ] ولم تسمّ من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواصّ مدبّريها وبهذا استحقّت التّقدّم عليهم .
وأمّا فضل العالم من الصّنف الإنسانيّ على العالم من الجنّ بأسرار التّصريف)

(هذا ) ، أي ما زعمه الظاهريون ( عكس الحقائق ) التي ينبغي أن يكون الأمر عليها وما زعموه هو ( تقديم من يستحق التأخير ) يعني اسم سليمان ( وتأخير من يستحق التقديم ) يعني اللّه الرحمن الرحيم ولما كان من يستحق التأخير في حدّ ذاته قد يعرض له في بعض المواضع ما يقتضي تأخيره ولا شك أن هذا التقديم والتأخر عكس الحقائق فذلك قيده بقوله : ( في الموضع الذي يستحقه ) ، أي في الموضع الذي يستحق فيه من يستحق التأخير التأخير لا في الموضع الذي يستحق فيه التقديم وكذا الحال فيمن يستحق التقديم .
( ومن حكمة بلقيس وعلو ) مرتبة ( علمها كونها بحيث لم تذكر اسم من ألقى الكتاب ) ، حيث قالت :" أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ " [ النمل : 29 ] على صيغة المبني للمفعول .
( وما عملت ذلك إلا لتعلم أصحابها ) من الإعلام ( أن لها اتصالا إلى أمور ) من أحوال الملك والحوادث الذي تتجدد فيه ( لا يعلمون طريقها ) الذي منه وصل العلم بها إلى بلقيس .
( وهذا من التدبير الإلهي في الملك لأنه إذا جهل طريق الإخبار الواصل للملك ) ، أي إلى الملك .
 ( خاف أهل الدولة على أنفسهم في تصرفاتهم فلا يتصرفون إلا في أمر إذا وصل إلى سلطانهم عنهم يأمنون غائلة ذلك التصرف فلا تعين لهم ) أنه ( على يدي من تصل الإخبار إلى ملكهم لصانعوه ) ، أي عاملوه ( وأعظموا له الرشا ) جمع رشوة ( حتى يفعلوا ما يريدون ولا يصل ذلك إلى ملكهم فكان قولها :أُلْقِيَ إِلَيَّ) على صيغة البناء للمفعول .
( ولم تسم من ألقاه سياسة منها أورثت الحذر منها في أهل مملكتها وخواص مدبريها ، ولهذا استحقت ) بلقيس ( التقديم عليهم ) بالسلطنة .
( وأما فضل العالم من الصنف الإنساني ) وهو آصف بن برخيا ( على العالم من

 قال الشيخ رضي الله عنه :  (وخواصّ الأشياء ، فمعلوم بالقدر الزّمانيّ : فإنّ رجوع الطّرف إلى النّاظر به أسرع من قيام القائم من مجلسه ؛ لأنّ حركة البصر في الإدراك إلى ما يدركه أسرع من حركة الجسم فيما يتحرّك منه ، فإنّ الزّمان الّذي يتحرّك فيه البصر عين الزّمان الّذي يتعلّق بمبصره مع بعد المسافة بين النّاظر والمنظور فإنّ زمان فتح البصر زمان تعلّقه بفلك الكواكب الثّابتة وزمان رجوع طرفه إليه عين زمان عدم إدراكه . والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك . أي ليس له هذه السّرعة . فكان آصف بن برخيا أتمّ في العمل من الجنّ ، فكان عين قول آصف بن برخيا عين الفعل في الزّمن الواحد .)

الجن ) ، الذي قال :" أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ " [ النمل : 39 ] .
وقوله : ( بأسرار التصريف وخواص الأشياء ) من قبيل التنازع بين العالمين ، أي العالم بأسرار يتمكن من العلم بها إلى التصرف في العالم وبخواص الأشياء التي يتوسل بها إلى ذلك التصرف ( فمعلوم بالقدر الزماني ) فمن كان زمان إتيانه بالعرش أقل فهو أفضل فالعالم الإنساني أفضل .
( فإن رجوع الطرف ) الإتيان في كلامه موقت بارتداد الطرف ورجوعه ( إلى الناظر به ) ، أي بالطرف ( أسرع ) مما وقت الجني الإتيان بالعرش به أعني ( من قيام القائم من مجلسه لأن حركة البصر ) يعني تعلق الإبصار بالمبصر سماه حركة بناء على توهم خروج النور من البصر إلى المبصر فإن جعلت حركة البصر عبارة عن انفتاح الجفنين ورجوعه عن انطباقهما فهي حركة حقيقة لكن كلامه في الأولى أظهر وعلى كل تقدير فحركة المبصر.
( في الإدراك إلى ما يدركه ) من المبصرات ( أسرع من حركة الجسم فيما يتحرك منه ) ، أي في مسافة يتحرك الجسم مبتدئة حركته منها ، أي من قطعها ( فإن الزمان الذي يتحرك فيه البصر ) إلى المبصر ( عين الزمان الذي يتعلق بمبصره ) ، أي أن حركة البصر نحو المبصر عين تعلقه بالمبصر فإنهما آنيان لا زمانيان إلا أن إطلاق الزمان على المعنى الأعم من الآن والزمان شائع فالحركة والمتعلق يقعان في آن واحد .
( مع بعد المسافة بين الناظر والمنظور فإن زمان فتح البصر وحركته ) نحو المبصر إذا أراد الناظر أن ينظر إلى فلك الكواكب الثابتة مثلا ( زمان تعلقه ) بعينه ( بفلك الكواكب الثابتة ) بل آنة آنة ( وزمان رجوع طرفه إليه عين زمان عدم إدراكه ) بل آنة آنة ( والقيام من مقام الإنسان ليس كذلك ، أي ليس له هذه السرعة ) فإنه زمان لا آني .
( فكان ) قول ( آصف بن برخيا ) أتم وأسرع ( في العمل من الجن ) حيث لم يتخلف عنه العمل بخلاف قول العفريت فإنه قد تخلف عنه العمل ( فكان عين قول آصف بن برخيا ) " أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ" [ النمل : 40 ] .
( عين الفعل ) الواقع ( في الزمان الواحد ) يعني الآن وهذا على سبيل المبالغة فإن قوله :
زماني وفعله آني والكون القول عين الفعل قال تعالى بعد قوله :" أَنَا آتِيكَ " من غير

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فرأى في ذلك الزّمان بعينه سليمان عليه السّلام عرش بلقيس مستقرّا عنده لئلا يتخيّل أنّه أدركه وهو في مكانه من غير انتقال
.
ولم يكن عندنا باتّحاد الزّمان انتقال ، وإنّما كان إعدام وإيجاد من حيث لا يشعر بذلك إلّا من عرفه ، وهو قوله تعالى :بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ.
ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ما هم راؤون له .
وإذا كان هذا كما ذكرناه ، فكان زمان عدمه - أعني عدم العرش - من مكانه عين وجوده عند سليمان من تجديد الخلق مع الأنفاس . ولا علم لأحد بهذا القدر بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنّه في كلّ نفس لا يكون ثمّ يكون .
ولا تقل « ثمّ » تقتضي المهلة ، فليس ذلك بصحيح ، وإنّما « ثمّ » تقتضي تقدّم)

تعرض لفعل آخر فلما رآه مستقرا ( فرآه في ذلك الزمان بعينه ) ، أي رأى ( سليمان عليه السلام عرش بلقيس مستقرا عنده ) وإنما قال مستقرا عنده ، ولم يقتصر على قوله : "فَلَمَّا رَآهُ " ( لئلا يتخيل ) على صيغة البناء للمفعول ( أنه أدركه وهو في مكانه ) برفع الحجاب بينهما ( من غير انتقال ولم يكن عندنا ) ، أي لم يتحقق عندنا يعني المكاشفين بالخلق الجديد .

( باتحاد الزمان ) ، أي بسبب وحدته وكونه آنا ( انتقال ) لأن الانتقال حركة والحركة زمانية ( وإنما كان إعدام إيجاد ) في آن واحد بأن إعدامه في سبأ ووجدانه عند سليمان عليه السلام ( بحيث لا يشعر أحد بذلك إلا من عرفه ) ، أي الخلق الجديد الحاصل في كل آن ( وهو ) .

أي عدم شعورهم بذلك ما يدل عليه ( قوله تعالى :"بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ " [ ق : 15 ] ولا يمضي عليهم وقت لا يرون فيه ) ، أي في ذلك الوقت مثل ( ما هم راؤون له ) في وقت قبله فيتوهمون أن المرئي في الوقتين واحد فلا يفهمون الخلق الجديد .
( وإذا كان هذا ) ، أي حصول العرش عند سليمان ( كما ذكرناه ) ، أي بطريق الإعدام والإيجاد ( فكان زمان عدمه أعني عدم العرش من مكانه عين وجوده ) ، أي عين زمان وجوده عند سليمان ( من ) قبيل ( تجديد الخلق مع الأنفاس ) بأن يكون في كل نفس بل في كل آن وجود مجدد شبيه بالوجود السابق على قدر خفي من التفاوت ( ولا علم لأحد بهذا القدر ) من التفاوت فيتوهم أن الوجود المتجدد بعينه هو الوجود الزائل ، فلا يشعر بتجديد الخلق مع الأنفاس ( بل الإنسان لا يشعر به من نفسه أنه في كل نفس لا يكون ) لزوال وجود ( ثم يكون ) لعرض وجود آخر ، لأن زمان الزوال والعروض واحد والوجودان يشبهان من غير تفاوت ( ولا تقل ) لفظة.
( ثم ) في قولك : لا يكونان ثم يكون ( تقتضي المهلة ) أو تخلل الزمان بين العدم والوجود فلا يكونان في زمان واحد ( فليس ذلك ) ، أي
  
قال الشيخ رضي الله عنه:  (الرّتبة العلّيّة عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشّاعر :
كهزّ الرّديني ثمّ اضطرب
وزمان الهزّ عين زمان اضطراب المهزوز بلا شكّ . وقد جاء بثمّ ولا مهلة .
كذلك تجديد الخلق مع الأنفاس : زمان العدم زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة .
فإنّ مسألة حصول عرش بلقيس من أشكل المسائل إلّا من عرف ما ذكرناه آنفا في قصّته .
فلم يكن لآصف من الفضل في ذلك إلّا حصول التّجديد في مجلس سليمان عليه السّلام .
فما قطع العرش مسافة ، ولا زويت له أرض ولا خرقها لمن فهم ما ذكرناه .
وكان ذلك على يدي بعض أصحاب سليمان ليكون أعظم لسليمان في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها . وسبب ذلك كون سليمان هبة اللّه تعالى لداود)

القول باتحاد الزمان ( بصحيح وإنما ثمّ تقتضي الرتبة العلية ) من العلو ( عند العرب في مواضع مخصوصة كقول الشاعر" كهز الرديني ثم اضطرب " وزمان الهز متقدم على زمان اضطراب المهزوز بلا شك وقد جاء بثم ولا مهلة ) بناء على أن الهز مقدم بالذات على اضطراب المهزوز فجعل هذا التقدم بمنزلة التقدم الزماني .
واستعمل ثم فيه ( كذلك ) ، أي كما أن زمان الهز واضطراب المهزوز كذلك ( تجديد الخلق مع الأنفاس زمان العدم ) فيه ( زمان وجود المثل كتجديد الأعراض في دليل الأشاعرة ) حيث ذهبوا إلى تعاقب الأمثال على محل العرض من غير خلو آن من شخص من العرض مماثل للشخص الأول .
فيظن الناظر أنها شخص واحد مستمر وإنما ذهبنا إلى ما ذهبنا من تجديد الخلق مع الأنفاس ( فإن مسألة حصول عرش بلقيس من أشكل المسائل إلا عند من عرف ما ذكرناه آنفا في قضيته ) من الإيجاد والإعدام ( فلم يكن لآصف من الفضل ) على العالم من الجن بأسرار التصريف .
( في ذلك إلا حصول التجديد في مجلس سليمان عليه السلام فما قطع العرش مسافة ولا زويت ) ، أي طويت ( له أرض ولا خرقها ) ، أي العرش الأرض وذلك ظاهر ( لمن فهم ما ذكرناه ) من الإعدام والإيجاد ( و ) إنما ( كان ذلك ) الفعل العظيم والتصرف القوي ( على يدي بعض أصحاب سليمان ) لا على يديه .
( فيكون أعظم ) ، أي أشد إعظاما ( لسليمان في نفوس الحاضرين من بلقيس وأصحابها وسبب ذلك ) ، أي سبب ظهور سليمان بهذا التصرف الجاري على يدي

قال الشيخ رضي الله عنه :  (عليهما السّلام من قوله تعالى :وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ[ ص : 30 ] . والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الجزاء الوفاق أو الاستحقاق .
فهو النّعمة السّابغة والحجّة البالغة والضّربة الدّامغة .
وأمّا علمه فقوله تعالى :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ مع نقيض الحكموَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً[ الأنبياء : 79 ] . فكان علم داود علما مؤتى آتاه اللّه ، وعلم سليمان علم اللّه في المسألة إذ كان هو الحاكم بلا واسطة . فكان سليمان ترجمان حقّ في مقعد صدق . كما أنّ المجتهد المصيب لحكم اللّه الّذي يحكم به اللّه في المسألة أو تولّاها بنفسه أو بما يوحى به لرسوله له أجران ، والمخطيء لهذا)

بعض أصحابه ( كون سليمان عليه السلام هبة اللّه تعالى لداود ) من قوله تعالى :وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ[ ص : 30 ] ( والهبة عطاء الواهب بطريق الإنعام لا بطريق الجزاء الوفاق أو الاستحقاق ) ، أي الموافق لأعمال الموهوب له قد أستحقه بمحض استعداده له .
وكان المراد أن لا يكون أحد الأمرين ملحوظا للواهب باعثا له على الهبة وإلا فلا بد لها بحسب الواقع من الاستحقاق ( فهو ) ، أي سليمان ( النعمة السابغة ) على داود بل على العالمين أما على داود فلأن الخلافة الظاهرة الإلهية كملت لداود وظهرت أكمليتها في سليمان عليهما السلام وأما على العالمين فلما وصل منه إليهم من آثار اللطف والرحمة ( والحجة البالغة ) من حيث كان يبلغ المستبصرين بالبرهنة إلى مقاصدهم ( والضربة الدامغة ) للمنكرين الجاحدين بالسيف .
( وأما علمه فقوله ) ، أي لما يدل عليه قوله ( ففهمناها سليمان مع نقيض الحكم ) ، أي مع وجود نقيض حكمه من داود عليه السلام في مسألة الزرع وأكل الماشية إياها ( وكلا ) من داود وسليمان ( آتاه اللّه حكما وعلما فكان علم داود علما مؤتى آتاه اللّه ) من حيث اجتهاده فيما أوحي ( وعلم سليمان ) بعينه ( علم اللّه في المسألة ) المختلف فيها ( إذا كان هو ) ، أي اللّه العالم بها في مظهر سليمان ، لأنه فني عن نفسه بتجلي الاسم العليم المفهوم من قوله تعالى :فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ[ الأنبياء : 79 ] .
إذا الظاهر أنه لا يوحى إليه وحيا ظاهرا وإلا فالظاهر أن يقال :" فَأَوْحَيْنا إِلى سليمان" ( و ) كما أنه هو العالم في مظهر سليمان فلذلك هو ( الحاكم بلا واسطة ) فإن الحكم يترتب على العلم ( فكان سليمان ) الذي فهمه اللّه تلك المسألة له فضيلتان :
إحداهما : فضيلة التفهيم في العلم
وأخراهما : كونه ( ترجمان حق في مقعد صدق ) في الحكم ( كما أن المجتهد المصيب لحكم اللّه الذي يحكم به اللّه في المسألة أو تولّاها بنفسه أو بما يوحي به ) اللّه في المسألة لو تولاها نفسه أو بما يوحي به ( لرسوله له أجران ) : أجر الاجتهاد وأجر الإصابة

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( الحكم له أجر مع كونه علما وحكما .
فأعطيت هذه الأمّة المحمّديّة رتبة سليمان - عليه السّلام - في الحكم ، ورتبة داود - عليه السّلام - . فما أفضلها من أمّة .
ولمّا رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدّة عندها قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ[ النمل : 42 ] وصدقت بما ذكرناه من تجديد الخلق بالأمثال ، وهو هو ، وصدق الأمر ، كما أنّك في زمان التّجديد عين ما أنت في الزّمن الماضي .
ثمّ إنّه كمال علم سليمان التّنبيه الّذي ذكره في الصّرح .قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَوكان صرحا أملس لا أمت فيه من زجاج . فلمّا رأته حسبته لجّة أي ماءوَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها[ النمل : 44 ] . حتّى لا يصيب الماء ثوبها . فنبّهها بذلك على أن عرشها الّذي رأته من هذا القبيل وهذا غاية الإنصاف . فإنّه أعلمها بذلك إصابتها في قولها :"كَأَنَّهُ هُوَ"[ النمل: 42 ] .)

(و ) المجتهد ( المخطىء لهذا الحكم له أجر ) واحد هو أجر الاجتهاد ( مع كونه ) ، أي كون ما أدى إليه اجتهاد المخطىء ( علما ) في الشرع ، أي أعطاه الشرع حكم العلم وهو وجوب العمل بموجبه ( وحكما ) يجب العمل به ما لم يظهر خطؤه ( فأعطيت هذه الأمة المحمدية رتبة سليمان ) بالإصابة ( في الحكم ورتبة داود عليهما السلام ) بالاجتهاد ( فما أفضلها مرتبة ) .
ثم أنه رضي اللّه عنه أشار بوجه آخر إلى كمال علم سليمان عليه السلام في قصة بلقيس .
فقال : ( ولما رأت بلقيس عرشها مع علمها ببعد المسافة واستحالة انتقاله في تلك المدة عندها قالت :كَأَنَّهُ هُوَ) حاكمة بالمشابهة والمغايرة ( وصدقت لما ذكرناه من تجديد الأمثال وهو هو ) في نفس الأمر ( وصدق الأمر ) في حكمه بالاتحاد ( كما أنك في زمان التجديد عين ما أنت في الزمان الماضي .
ثم إنه من كمال علم سليمان التنبيه الذي ذكره في الصرح فقيل لها :ادْخُلِي الصَّرْحَوكان صرحا أملس لا أمت ) ، أي لا عوج ولا بثق. " "
 ( فيه من زجاجفَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةًأي ماء ، فكشفت عن ساقيها حتى لا يصيب الماء ثوبها فنبهها بذلك على أن عرشها الذي رأته من هذا القبيل . وهذا غاية الإنصاف فإنه أعلمها بذلك ) ، أي بكون الصرح مماثلا للماء ( إصابتها في قولها "كَأَنَّهُ هُوَ") ، فإنه كما كان الصرح مماثلا للماء
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فقالت عند ذلك :" رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ" أي إسلام سليمان "لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" [ النمل : 44 ] .
فما انقادت لسليمان وإنّما انقادت للّه ربّ العالمين ، وسليمان من العالمين .
فما تقيّدت في انقيادها كما لا تتقيّد الرّسل في اعتقادها في اللّه .
بخلاف فرعون فإنّه قال :"رَبِّ مُوسى وَهارُونَ"( 48 ) وإن كان يلحق بهذا الانقياد البلقيسي من وجة ، لكن لا يقوى قوّته فكانت أفقه من فرعون في الانقياد للّه .
وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال :آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ[ يونس : 90 ] » فخصّص ، وإنّما خصص لما رأى السّحرة قالوا في إيمانهم باللّه :رَبِّ مُوسى وَهارُونَ( 48 ) [ الشعراء : 48 ]
.
فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان إذ قالت :مَعَ سُلَيْمانَ فتبعته .)

كذلك كان وجود العرش عند سليمان عليه السلام مماثلا لوجوده في سبأ وهذا تنبيه فعلي كالتنبيه القولي في سؤاله بقوله : أهكذا عرشك حيث لم يقل : هذا عرشك فتنبهت بهذين التنبيهين لتحديد الخلق مع الأنفاس وهو آية كاملة على قدرته تعالى باعثة على الإيمان به ( فقالت عند ذلك ) التنبيه (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) ، أي بالكفر والشرك إلى الإيمان (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) ، أي إسلام سليمان ("لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ"[ النمل : 44 ] فما انقادت لسليمان وإنما انقادت للّه رب العالمين وسليمان من العالمين فما تقيدت في انقيادها ) برب سليمان .
( كما لا تتقيد الرسل في اعتقادها في اللّه ) برب دون رب بل بالرب المطلق ( بخلاف فرعون فإنه قال :رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ( 122 ) [ الأعراف : 122 ] ، أي قال ما مؤداه ذلك فإنه قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، ولا شك أن الذي آمنت بنو إسرائيل هو رب موسى وهذا الانقياد الفرعوني.
( وإن كان يلحق هذا الانقياد البلقيسي من وجه ) فإن رَبِّ مُوسى وَهارُونَ( 122 ) رب العالمين ( ولكن لا يقوى قوته ) لسراية أثر انقيادها إلى اللفظ والمعنى بخلاف أثر انقياده فإنه لم يتعد إلى اللفظ ( فكانت بلقيس أفقه من فرعون في ) بيان ( الانقياد للّه ) الرب المطلق ( وكان فرعون تحت حكم الوقت حيث قال :" آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ"[ يونس : 90 ] فخصص ) الرب الذي آمن به بالذي آمنت به بنو إسرائيل ( وإنما خصص لما رأى السحرة الذين هم أراذل الناس ) ، ولذلك جعلهم معارضين لموسى إهانة له ( قالوا في إيمانهم باللّهرَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ( 122 ) ، فاستنكف عما يوهم تقليدهم لاحتشامه وعلوه في الأرض فغير العبادة وقال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ولم يقل بـ "رَبِّ مُوسى وَهارُونَ"( 122 ) وإن كان مؤداهما واحدا ( فكان إسلام بلقيس إسلام سليمان ) ، أي مثل إسلامه غير مقيد برب
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما يمرّ بشيء من العقائد إلّا مرّت به معتقدة ذلك . كما نحن على الصّراط المستقيم الّذي الرّبّ تعالى عليه لكون نواصينا في يده . ويستحيل مفارقتنا إيّاه .
فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتّصريح ، فإنّه قال :وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ[ الحديد : 4 ] ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا .
فهو اللّه تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه ، فما أحد من العالم إلّا على صراط مستقيم وهو صراط الرّبّ تعالى .
وكذلك علمت بلقيس من سليمان فقالت :لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ[ النمل : 44 ] وما )

مخصوص ( إذ قالت ) : أسلمت ( مع سليمان ) لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ( فتبعته فما يمر ) سليمان ( بشيء من العقائد إلا مرت به معتقدة ذلك كما كنا نحن على الصراط المستقيم الذي الرب تعالى عليه لكون نواصينا في يده وتستحيل مفارقتنا إياه ) ، فقوله ذلك إما مفعول لمعتقدة ، أي معتقدة بأمر سليمان به ، وإما مبتدأ خبره كما كنا والأول أظهر ، ولعله رضي اللّه عنه أراد بعموم اعتقادها لما مر به سليمان إحاطته به إجمالا لا تفصيلا فإن مساواة اعتقادها لاعتقاده كما وكيفا مستبعدة جدا .
( فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح ) . وذلك لأن معيته الذاتية معنا عبارة عن قيوميته لنا بتجليه الوجود فينا أو معيتنا معه عبارة عن قيامنا به ضمن ذلك التجلي ومعنى به قيامنا ظهور ظلالنا وعكوسنا فيه .
فإن أعياننا الثابتة لا تزال على العدمية ما شمت رائحة الوجود فنحن معه وقائمون به في ضمن ظلالنا وعكوسنا فيه وهو معنا بالقيومية بصريح ذاته وظاهر وجوده فنحن معه بالتضمين وهو معنا بالتصريح .
وعلى هذا المنوال وقع في التنزيل بيان معيته ومعيتنا معه ( فإنه قال ) في بيان معيته معنا ( وهو معكم أينما كنتم ) ، فصرح بمعيته معنا ( ونحن معه بكونه ) ، أي بسبب كونه ( آخذا بنواصينا ) كما يدل عليه قوله تعالى :ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها[ هود : 56]
، ولا شك أن المأخوذ بناصيته يكون مع الآخذ بها ، فمعيتنا معه لا تفهم من صريح الآية بل هي مندرجة في ضمنها مفهومة بالتبعية ، وإن كان آخذا بنواصينا ( فهو تعالى مع نفسه حيث ما مشى بنا من صراطه ) ، فالصراط الذي مشى بنا عليه صراطه الذي هو عليه .
( فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم وهو صراط الرب تعالى ) الصراط ، الذي يمشي بناء عليه ( وكذا ) ، أي مثل ما قلنا من أنه ما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم هو صراط الرب.
 (علمت بلقيس من ) حال ( سليمان ) فعلمت أنه ليس إلا على صراط مستقيم وهو صراط الرب فتبعته وهو تابع منقاد لربه الذي يمشي به فتبعت بلقيس مضاربه وانقادت له ( فقالت ) أسلمت (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وأضافت الرب الذي

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( خصّصت عالما من عالم .
وأمّا التّسخير الّذي اختصّ به سليمان وفضّل به على غيره وجعله اللّه له من الملك الّذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره . فقالفَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ[ ص : 36 ] . فما هو من كونه تسخيرا ، فإنّ اللّه يقول في حقّنا كلّنا من غير تخصيص :وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ[ الجاثية :13 ] . وقد ذكر تسخير الرّياح والنّجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر اللّه . فما اختصّ سليمان - إن عقلت - إلّا بالأمر من غير جمعيّة ولا همّة ، بل بمجرّد الأمر . وإنّما قلنا ذلك لأنا نعرف أنّ أجرام العالم تنفعل لهمم النّفوس إذا أقيمت في مقام الجمعيّة .
وقد عاينّا ذلك في هذا الطّريق . فكان من سليمان مجرّد التّلفّظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همّة ولا جمعيّة .
واعلم - أيّدنا اللّه وإيّاك بروح منه - أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أيّ عبد كان فإنّه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته ، ولا يحسب عليه ، مع كون سليمان عليه السّلام طلبه من ربّه تعالى . فيقتضي ذوق الطّريق أن يكون قد عجّل له ما ادّخر لغيره)

أسلمت له إلى العالمين كلهم ( وما خصصت عالما من عالم ) بإضافة الرب إليه كما خصص بنو إسرائيل موسى وهارون بذلك ، فإن منشأ التخصيص اعتقاد أن ما عدا المضاف إليه ليس على صراط مستقيم والأمر بخلاف ذلك كما علمت .
( وأما التسخير الذي اختص به موسى عليه السلام وفضل غيره وجعله اللّه له من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده فهو كونه عن أمره ) ، أي وجود الشيء لمجرد أمره وقوله ( فقال : فسخرنا له الريح تجري بأمره ، فما هو من كونه تسخيرا فإن اللّه يقول في حقنا كلنا من غير تخصيص "وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ."
وقد ذكر تسخير الرياح والنجوم وغير ذلك ولكن لا عن أمرنا بل عن أمر اللّه ، فما اختص سليمان إن عقلت إلا بالأمر من غير جمعية ولا همة بل لمجرد الأمر ، وإنما قلنا ذلك لأنا نعلم أن أجرام العالم تنفعل لهممهم النفوس إذا أقيمت في عالم الجمعية ، وقد عاينا ذلك في هذا الطريق فكان من سليمان مجرد التلفظ بالأمر لمن أراد تسخيره من غير همة ولا جمعية ) .
(واعلم أيدنا اللّه وإياك بروح منه أن مثل هذا العطاء إذا حصل للعبد أي عبد كان فإنه لا ينقصه ذلك من ملك آخرته ولا يحسب عليه مع كون سليمان عليه السلام طلبه من ربه تعالى فيقتضي ذوق الطريق أن يكون قد عجل له ) ، أي لسليمان في الدنيا ( ما أدّخر لغيره

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ويحاسب به إذا أراده في الآخرة .
فقال اللّه له :هذا عَطاؤُنا ولم يقل لك ولا لغيرك "فَامْنُنْ" أيّ أعط "أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ" [ ص : 39 ] .
فعلمنا من ذوق الطّريق أنّ سؤاله ذلك كان عن أمر ربّه . والطّلب إذا وقع عن الأمر الإلهي كان الطّالب له الأجر التّامّ على طلبه . والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك ، فإنّ العبد قد وفّى ما أوجب اللّه عليه من امتثال أمره فيما سأل ربّه فيه ؛ فلو سأل ذلك من نفسه عن غير أمر ربّه له بذلك لحاسبه به .
وهذا سار في جميع ما يسأل فيه اللّه كما قال لنبيّه محمّد صلى اللّه عليه وسلم :" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" [ طه : 114 ] . فامتثل أمر ربّه فكان يطلب الزّيادة من العلم حتّى كان إذا سيق له لبن يتأوّله بالعلم كما تأوّل رؤياه لمّا رأى في النّوم أنّه أتي إليه بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر بن الخطّاب . قالوا فما أوّلته قال العلم . وكذلك لمّا أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللّبن فقال له الملك أصبت الفطرة أصاب اللّه بك أمّتك . فاللّبن متى ظهر فهو صورة العلم ، فهو العلم تمثّل في صورة اللّبن كجبرئيل تمثّل في صورة بشر سويّ لمريم .)

ويحاسب به إذا أراده ) ، أي الحساب ( في الآخرة فقال اللّه له ) ، أي لسليمان (هذا عَطاؤُنا) ، فنسب العطاء إلى نفسه ( ولم يقل : لك ولا لغيرك ) مما يدل على نسبته إلى العبد (فَامْنُنْ، أي أعطأَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [ ص : 39 ] ، فما نسب إلى العبد إلا الإعطاء أو الإمساك بما لا يحاسب عليه .
( فعلمنا من ذوق الطريق أن سؤاله ذلك كان عن أمر ربه . والطلب إذا وقع على الأمر الإلهي كان الطالب له الأجر التام ) من غير تبعة حساب ولا عقاب ( على طلبه ) ، فإن طلبه ذلك امتثال أمر وعبادة ( والباري تعالى إن شاء قضى حاجته فيما طلب منه وإن شاء أمسك فإن العبد قد وفى ما أوجب اللّه عليه من امتثال أمره فيما سأل ربه فيه ) حيث قال :"ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"[ غافر : 60 ] .
( فلو سأل ذلك من نفسه من غير أمر ربه له لحاسبه به . وهذا سار في جميع ما يسأل فيه تعالى كما قال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام :وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماًفامتثل أمر ربه فكان يطلب الزيادة من العلم حتى كان إذا سيق له لبن ولو في اليقظة يتأوله علما كما تأول رؤياه لما رأى في النوم أنه أتي بقدح لبن فشربه وأعطى فضله عمر به الخطاب قالوا : فما أولته ، قال : العلم . وكذلك لما أسري به أتاه الملك بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر فشرب اللبن فقال الملك : أصبت الفطرة ) ، أي ما كنت مفطورا عليه من قابلية العلم والمعرفة .
( أصاب اللّه بك أمتك ، فاللبن متى ظهر فهو صورة العلم فهو العلم تمثل في صورة اللبن كجبريل تمثل في صورة بشر سوي لمريم .).

قال الشيخ رضي الله عنه :  (ولمّا قال عليه السّلام : « النّاس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » نبّه على أنّه كلّ ما يراه الإنسان في حياته الدّنيا إنّما هو بمنزلة الرّؤيا للنّائم خيال فلا بدّ من تأويله.
إنّما الكون خيال  ...  وهو حقّ في الحقيقة
والّذي يفهم هذا  ...  حاز أسرار الطّريقة
فكان صلى اللّه عليه وسلم إذا قدّم له لبن قال : " اللّهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه " لأنّه كان يراه صورة العلم ، وقد أمر بطلب الزّيادة من العلم ؛ وإذا قدّم له غير اللّبن قال : « اللّهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه » .
فمن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإنّ اللّه لا يحاسبه به في الدّار الآخرة ، ومن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن غير أمر إلهيّ فالأمر فيه إلى اللّه ، إن شاء حاسبه به ، وإن شاء لم يحاسبه . وأرجو من اللّه في العلم خاصّة أنّه لا يحاسبه به .
فإنّ أمره لنبيّه بطلب الزّيادة من العلم عين أمره لأمّته فإنّ اللّه يقول :لَقَدْ).

ولما قال عليه الصلاة والسلام : « الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا » . رواه البيهقي
نبه على أن كل ما يراه الإنسان في حياته الدنيا إنما هو بمنزلة الرؤيا للنائم ).
 في أنه صور يعبر بها عن الأمور الواقعة والذي ينتفع فهو من هذه الحيثية ( خيال فلا بد من تأويله . إنما الكون ) ، أي عالم الصور والأشكال أو العالم كله لأنه ظل للغيب المطلق والأعيان الثابتة.
( خيال ) يتوهم أن له وجودا في نفسه ( و ) ليس كذلك بل ( هو حق في الحقيقة ) يعني عين الوجود الحق الذي يعني بهذه الصورة الخيالية ( كل من يفهم هذا ) المعنى الذي ذكرناه ( حاز ) ، أي جمع ( أسرار الطريقة ) الذي هي نتيجة سلوك الطريقة المسلوكة لأرباب السلوك .
( وكان صلى اللّه عليه وسلم إذا أتي بلبن قال : « اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه » لأنه كان يراه صورة العلم وقد أمر بطلب الزيادة من العلم وإذا أتي بغير لبن قال : « اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه » . رواه النسائي و أبو داود وغيرهما.
 فمن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال عن أمر إلهي فإن اللّه لا يحاسبه به في الدار الآخرة ، ومن أعطاه اللّه ما أعطاه بسؤال من غير أمر إلهي فالأمر فيه إلى اللّه إن شاء حاسبه ، وإن شاء لم يحاسبه وأرجو من اللّه في العلم خاصة أنه لا يحاسبه ) ، أي طالبه به .
( فإن أمره لنبيه عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة من العلم عين أمره لأمته فإن اللّه يقول :لَقَدْ

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ الأحزاب : 21 ] . وأيّ أسوة أعظم من هذا التّأسّي لمن عقل عن اللّه تعالى .
ولو نبّهنا على المقام السّليمانيّ على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه فإنّ أكثر علماء هذه الطّريقة جهلوا حالة سليمان عليه السّلام ومكانته وليس الأمر كما زعموا .)
كان"َ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] وأي أسوة أعظم من هذا التأسي لمن عقل عن اللّه .
ولو نبهنا على المقام السليماني على تمامه لرأيت أمرا يهولك الاطلاع عليه ) ، وإنما قلنا ذلك ( فإن أكثر علماء الطريقة جهلوا حالة سليمان ومكانته ) ، وزعموا أنه أحب ملك الدنيا وطلب أن لا يكون ذلك لغيره .
( وليس الأمر كما زعموا واللّه سبحانه أعلم بالحقائق ) .
تم الفص السليماني
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment