Wednesday, January 1, 2020

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع عشر فص حكمة وجودية في كلمة داودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

17 - The Wisdom of Being in the Word of David

 الفقرة التاسعة عشر :
شرح فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر ابن العربي أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:
17 - فص حكمة وجودية في كلمة داودية 
اعلم أنه لما كانت النبوة والرسالة اختصاصا إلهيا ليس فيها شيء من الاكتساب:
أعني نبوة التشريع، كما كانت عطاياه تعالى لهم عليهم السلام من هذا القبيل مواهب ليست جزاء: ولا يطلب عليها منهم جزاء.
فإعطاؤه إياهم على طريق الإنعام والإفضال. فقال تعالى ووهبنا له إسحاق ويعقوب يعني لإبراهيم الخليل عليه السلام.
وقال في أيوب «ووهبنا له أهله ومثلهم معهم»، وقال في حق موسى «ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا» إلى مثل ذلك.
فالذي تولاهم أولا هو الذي تولاهم في عموم أحوالهم أو أكثرها، وليس إلا اسمه الوهاب. "2"
وقال في حق داود «ولقد آتينا داود منا فضلا» فلم يقرن به جزاء يطلبه منه، ولا أخبر أنه أعطاه هذا الذي ذكره جزاء.
ولما طلب الشكر على ذلك العمل طلبه من آل داود ولم يتعرض لذكر داود ليشكره الآل على ما أنعم به على داود.
فهو في حق داود عطاء نعمة وإفضال، وفي حق آله على غير ذلك لطلب المعاوضة فقال تعالى «اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور».
وإن كانت الأنبياء عليهم السلام قد شكروا الله على ما أنعم به عليهم ووهبهم، فلم يكن ذلك على طلب من الله، بل تبرعوا بذلك من نفوسهم كما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه شكرا لما غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
فلما قيل له في ذلك قال «أفلا أكون عبدا شكورا»؟
وقال في نوح «إنه كان عبدا شكورا».
فالشكور من عباد الله تعالى قليل.
فأول نعمة أنعم الله بها على داود عليه السلام أن أعطاه اسما ليس فيه حرف من حروف الاتصال، فقطعه عن العالم بذلك إخبارا لنا عنه
.............................................................................
1 -  المناسبة بين التسمية وداود عليه السلام :
هي أن اسم داود عليه السلام مكون من ثلاثة أحرف من غير تكرار ، والثلاثة هي أقل الفردية ، والوجود لا يكون إلا عن الفردية كما سبق أن ذكرناه فسميت حكمة وجودية في كلية داودية لمناسبة الفردية .

2 ۔ الاسم الوهاب
الله هو الوهاب بما أنعم من العطايا لينعم لا جزاء ولا ليشكر به ويذكر . 
فتوحات ج 4 / 322 . 

ص 275


بمجرد هذا الاسم، وهي الدال والألف والواو.
وسمى محمدا صلى الله عليه وسلم بحروف الاتصال والانفصال، فوصله به وفصله عن العالم فجمع له بين الحالين في اسمه كما جمع لداود بين الحالين من طريق المعنى، ولم يجعل ذلك في اسمه، فكان ذلك اختصاصا لمحمد على داود عليهما السلام، أعني التنبيه عليه باسمه.
فتم له الأمر عليه السلام من جميع جهاته، وكذلك في اسمه أحمد، فهذا من حكمة الله تعالى. "3"
ثم قال في حق داود- فيما أعطاه على طريق الإنعام عليه- ترجيع الجبال معه التسبيح، فتسبح لتسبيحه ليكون له عملها. وكذلك الطير.
وأعطاه القوة ونعته بها، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب.
ثم المنة الكبرى والمكانة الزلفى التي خصه الله بها التنصيص على خلافته.
ولم يفعل ذلك مع أحد من أبناء جنسه وإن كان فيهم خلفاء فقال «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى» أي ما يخطر لك
.............................................................................
3 - حروف اسم داود عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم 
لما كان داود عليه السلام في دلالة اسمه عليه أشبه بني آدم با دم في دلالة اسمه عليه ، صرح الله بخلافته في القرآن في الأرض كما صرح بخلافة آدم في الأرض ، فإن حروف آدم غير متصلة بعضها ببعض ، وحروف داود كذلك ، إلا أن آدم فرق بينه وبين داود بحرف الميم ، الذي يقبل الاتصال القبلي والبعدي ، فأتى الله به آخرا حتى لا يتصل به حرف سواه ، وجعل قلبه واحدا من الحروف الستة التي لا تقبل الاتصال البعدي ، فأخذ داود من آدم ثلثي مرتبته في الأسماء ، وأخذ محمد صلى الله عليه وسلم  ثلثيه أيضا وهو الميم والدال ، غير أن محمدا متصل كله ، والحرف الذي لا يقبل الاتصال البعدي جعل آخرة ، حتى يتصل به ، ولا يتصل هو بشيء بعده .
فناسب محمد آدم عليهما الصلاة والسلام من وجهين : 
الأول مناسبة النقيض بالاتصال بادم و آدم له الانفصال كداود ، والميم من آدم کالدال من محمد فجاءتا آخرا لذلك ، أعني في آخر الاسم منهما . 
والثاني مناسبة النظير التي بين آدم ومحمد. في كون الحق علم آدم الأسماء كلها ، وأعطى محمدا من جوامع الكلم ، وعمت رسالته كما عم التناسل من آدم في ذريته.
 فالناس بنو آدم ، والناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، من تقدم منهم ومن تأخر.
فتوحات ج 4 / 100   


ص 267

في حكمك من غير وحي مني «فيضلك عن سبيل الله». "4"
أي عن الطريق الذي أوحي بها إلى رسلي.
ثم تأدب سبحانه معه فقال «إن الذين يضلون عن سبيل
.............................................................................

4 - خلافة آدم وداود عليهما السلام
صرح الحق بالخلافتين على التعيين في حق آدم وداود عليهما السلام 
فقال تعالى في خلافة آدم « إني جاعل في الأرض خليفة » پرید آدم و بنيه 
وقال تعالى في داود عليه السلام « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض » ، 
ثم قال فيه ما لم يقل في آدم « ولا تتبع الهوى » وسبب ذلك لما لم يجعل في حروف اسمه حرف من حروف الاتصال جملة واحدة .
فما في اسمه حرف تصل بحرف آخر من حروف اسمه . 
فعلم أن أمره فيه تشتیت ، لما كان لكل إنسان من اسمه نصيب . 
فكان نصيبه من اسمه ما فيه من التشتيت ، فأوصاه تعالى أن لا يتبع الهوى ، لانفراد كل حرف من اسمه بنفسه ، 
ثم إن له إلى الفردية وجوها في حركاته ، فهي ثلاثة وحروفه خمسة فهو فرد من جميع الوجوه . فلولا أنه قابل لما وقعت فيه الوصية من الله ما وصاه . 
ولما علم ذلك داود بما أعلمه الله بطريق التنبيه في نهيه إياه أن لا يتبع الهوى ، ولم يقل هواك ، أي لا تتبع هوى أحد يشير عليك ، واحكم بما أوحيت به إليك من الحق ، فإن الهوى ما له حكم إلا بالاتصال ، وحروف اسم داود لا نقتضي الأتصال . فعصمه الله من وجه خاص .
واعلم أن آدم أعطى لداود من عمره ستين سنة ، حين رأى صورته بين إخوانه فأحبه، فقبل ذلك داود ، فجحد آدم بعد ذلك ما أعطاه، فانكسر قلب داود عند ذلك، فجبره الله بذكر لم يعطه آدم .
فقال في آدم « إني جاعل في الأرض خليفة » وما عينه باسمه ، ولا جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه به ، فلم يقل له  وعلمتك الأسماء كلها ، وقال في خلافة داود « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض » فسماه ، 
فلما علم الله أن مثل هذا المقام والاعتناء يورثه النفاسة على أبيه آدم ، فإنه على كل حال بشر يكون منه ما يكون من البشر ، 
فلما أراد الله تأديب داود لما يعطيه الذكر الذي سماه الله به من النفاسة على أبيه ، ولاسيما وقد تقدم من أبيه في حقه ما تقدم من الجحد

ص  277

الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب» ولم يقل له فإن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد.  "5"
فإن قلت وآدم عليه السلام قد نص على خلافته.
قلنا ما نص مثل التنصيص على داود، وإنما قال للملائكة «إني جاعل في الأرض خليفة»، ولم
.............................................................................
لما امتن به عليه ، لكون الإنسان إذا مسه الخير منوعا، غير أن آدم ما جحد ما جحده إلا لعلمه بمرتبته ، حيث جعله الله محلا لعلم الأسماء الإلهية التي ما أثنت الملائكة على الله بها ، ولم تعط بعده إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهو العلم الذي كنى عنه بأنه جوامع الكلم ، 
فعلم آدم أن داود في تلك المدة التي أعطاه من عمره ، لا يمكن أن يعبد الله فيها إلا على قدر كماله ، وهو أنقص من آدم بلا شك لمجود الملائكة وما عليهم من الأسماء الإلهية ، 
فطلب آدم أن يكون له العمر الذي جاد به على ابنه داود عليه السلام ، ليقوم فيه بالعبادة لله ، على قدر علو مرتبته على ابنه داود وغيره ، مما لا يقوم بذلك داود ، فإذا قام بتلك العبادة في ذلك الزمان المعين ، وهب لابنه داود أجر ما تعطيه تلك العبادة من مثل آدم ، 
ولو ترك تلك المدة لداود لم تحصل له رتبة هذا الجزاء ، وحصل لآدم عليه السلام من الله على ذلك رتبة جزاء من آثر على نفسه ، فإنه يجزي بجزاء مثل هذا لم يكن يحصل له لو لم يكن ترك المدة لداود ، 
فكما أحبه في القبضة حين أعطاه من عمره ما أعطاه ، كذلك من حبه رجع في ذلك ، ليعطيه جزاء ما يقع في تلك المدة من آدم من العمل ، ولا علم لداود بذلك ، 
فلما جبره الله بذکر اسمه في الخلافة ، قال له من أجل ما ذكرناه من تطرق النفاسة التي في طبع هذه النشأة واليه " لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" ، فحذره ، فشغله ذلك الحذر عن الفرح بما حصل له من تعيين الله له باسمه ، فأمره بمراقبة السبيل ، ثم تأدب الله معه حيث قال له « إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد » بما نسوا ، ولم يقل « فإنك إن ضللت عن سبيل الله لك عذاب شدید »
فتوحات ج 3 / 191 - ج 4 / 155 

5 - نفس العبارة بالنص واردة في الفتوحات ج 3 ص 191 
والأدب جماع الخير ، والحق هو الخير المحض

"" أضاف الجامع :  جاء فى تفسير روح البيان
فإن قلت : كيف يكون متابعة الهوى سببا للضلال؟.
قلت : لأن الهوى يدعو إلى الاستغراق في اللذات الجسمانية فيشغل عن طلب السعادات الروحانية التي هي الباقيات الصالحات .
فمن ضل عن سبيل الله الذي هو اتباع الدلائل المنصوبة على الحق أو اتباع الحق في الأمور وقع في سبيل الشيطان ، بل في حفرة النيران والحرمات.
"إن الذين يضلون عن سبيل الله" : تعليل لما قبله ببيان غائلته وإظهار في سبيل الله في موضع الإضمار للإيذان بكمال شناعة الضلال عنه.
"لهم عذاب شديد بما نسوا" ؛ أي : بسبب نسيانهم.
 ولما كان الضلال عن سبيل الله مستلزما لنسيان يوم الحساب كان كل منهما سببا وعلة لثبوت العذاب الشديد .
"تأدب" سبحانه وتعالى مع داود ، حيث لم يسند الضلال إليه ؛ 
بأن يقول : فلئن ضللت عن سبيلي فلك عذاب شديد لما هو مقتضى الظاهر بل أسنده إلى الجماعة الغائبين الذين داود عليه السلام واحد منهم.
واعلم أن الله تعالى خلق الهوى الباطل على صفة الضلالة مخالفا للحق تعالى ؛ فإن من صفته الهداية والحكمة في خليفته يكون هاديا إلى الحضرة بضدية طبعه ومخالفة أمره كما أن الحق تعالى كان هاديا إلى حضرته بنور ذاته وموافقة أمره ليسير السائر إلى الله على قدمي موافقته أمر الله ومخالفته هواه.
 ولهذا قال المشايخ : لولا الهوى ما سلك أحد طريقا إلى الله تعالى ، 
وأعظم جنايات العبد وأقبح خطاياه متابعة الهوى كما قال عليه السلام : "ما عبد إله في الأرض أبغض على الله من الهوى". "" تفسير روح البيان ص 22



ص 278


يقل إني جاعل آدم خليفة في الأرض.
ولو قال، لم يكن مثل قوله «جعلناك خليفة» في حق داود، فإن هذا محقق وذلك ليس كذلك.
وما يدل ذكر آدم في القصة بعد ذلك على أنه عين ذلك الخليفة الذي نص الله عليه. فاجعل بالك لإخبارات الحق عن عباده إذا أخبر.
وكذلك في حق إبراهيم الخليل «إني جاعلك للناس إماما» ولم يقل خليفة، وإن كنا نعلم أن الإمامة هنا خلافة، ولكن ما هي مثلها، لأنه ما ذكرها بأخص أسمائها وهي الخلافة.
ثم في داود من الاختصاص بالخلافة أن جعله خليفة حكم، وليس ذلك إلا عن الله فقال له فاحكم بين الناس بالحق، وخلافة آدم قد لا تكون من هذه المرتبة: فتكون خلافته أن يخلف من كان فيها قبل ذلك، لا أنه نائب عن الله في خلقه بالحكم الإلهي فيهم،  "6"
وإن كان الأمر كذلك وقع، ولكن ليس كلامنا إلا في التنصيص عليه والتصريح به.
ولله في الأرض خلائف عن الله، وهم الرسل.
وأما الخلافة اليوم فعن الرسول لا عن الله، فإنهم ما يحكمون إلا بما شرع لهم الرسول لا يخرجون عن ذلك.
غير أن هنا دقيقة لا يعلمها إلا أمثالنا، وذلك في أخذ ما يحكمون به مما هو شرع للرسول عليه السلام.
فالخليفة عن الرسول من يأخذ الحكم بالنقل عنه صلى الله عليه و سلم أو بالاجتهاد الذي أصله أيضا منقول عنه صلى الله عليه وسلم.
وفينا من يأخذه عن الله فيكون خليفة عن الله بعين ذلك الحكم، فتكون المادة له من حيث كانت المادة لرسوله صلى الله عليه وسلم. "7"
فهو في الظاهر متبع لعدم مخالفته في الحكم، كعيسى إذا نزل فحكم
.............................................................................

6 - ۔ خلافة داود عليه السلام *
الاحتمال لم يزل واردة في النص الذي جاء في داود عليه السلام كما جاء في آدم عليه السلام ، وهو قول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 2 / ص 96 
" ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض" ، لمن تقدمك أو نيابة عنا . 
وهذا يخالف ما جاء في المتن في حق داود عليه السلام حيث يقول « فإن هذا محقق » وفيه حق آدم عليه السلام « وذلك ليس كذلك ».

7 -  أنبياء الأولياء
اعلم أن النبوة البشرية على قسمين :
قسم من الله إلى عبده من غير روح ملكي بين الله وبين عبده ، بل إخبارات إلهية ، يجدها في نفسه من الغيب أو في تجليات ، لا يتعلق بذلك الإخبار حکم تحليل ولا تحريم ، بل تعریف الهي ومزيد علم بالإله . 
أو تعریف بصدق حكم مشروع ثابت أنه من عند الله لهذا النبي الذي أرسل إلى من

ص 279

***
.............................................................................
أرسل إليه ، أو التعريف بفساد حكم قد ثبت بالنقل صحته عند علماء الرسوم ، فيطلع صاحب هذا المقام على صحة ما صح من ذلك ، 
وفساد ما فسد، مع وجود النقل بالطرق الضعيفة ، أو صحة ما فسد عند أرباب النقل ، أو فساد ما ص ح عندهم ، والإخبار بنتائج الأعمال وأسباب السعادات ، وحكم التكاليف في الظاهر والباطن ، ومعرفة الحد في ذلك والمطلع ، 
كل ذلك ببينة من الله وشاهد عدل الهي من نفسه ، غير أنه لا سبيل أن يكون على شرع يخالف شرع نبيه ورسوله الذي أرسل إليه وأمرنا باتباعه ، فيتبعه على علم صحیح وقدم صدق ثابت عند الله تعالى ، وهذا كله كان في الأمم السالفة ، 
وأما في هذه الأمة المحمدية فحكمهم ما ذكرناه وزيادة ، وهو أن لهم بحكم شرع محمد ع أن يسنوا سنة حسنة مما لا نحل حراما ولا تحرم حلالا ومما لها أصل في الأحكام المشروعة ، وتسنينه إياها أعطاه له مقامه ، وإنما حكم به الشرع وقرره بقوله « من سن سنة حسنة ۰۰۰ ( الحديث ) » 
والقسم الثاني من النبوة البشرية ، هم الذين يكونون مثل التلامذة بين يدي الملك ، ينزل عليهم الروح الأمين بشريعة من الله في حق نفوسهم يتعبدهم بها ، فيحل لهم ما شاء ، ويحرم عليهم ما شاء ، ولا يلزمهم اتباع الرسل ، وهذا كله كان قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فأما اليوم فما بقي لهذا المقام أثر إلا ما ذكرنا .
وخلاصة هذا التعريف أن أنبياء الأولياء ، هم كل شخص أقامه الحق في تجل من تجلياته ، وأقام له مظهر محمد صلى الله عليه وسلم  ومظهر جبريل عليه السلام ، حتى إذا فرغ من خطابه وفزع عن قاب هذا الولي ، 
عقل صاحب هذا المشهد جميع ما تضمنه ذلك الخطاب من الأحكام المشروعة الظاهرة في هذه الأمة المحمدية ، فيأخذها هذا الولي كما أخذها المظهر المحمدي للحضور الذي حصل له في هذه الحضرة مما أمر به ذلك المظهر المحمدي من التبليغ لهذه الأمة ، 
فيرد إلى نفسه وقد وعى ما خاطب الروح به مظهر محمد صلى الله عليه وسلم  ، وعلم صحته علم يقين بل عين يقين ، فأخذ حكم هذا النبي وعمل به على بينة من ربه ، فرب حديث ضعيف قد ترك العمل به لضعف طريقه

ص 280

وكالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في قوله «أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده»،  "8"
وهو
.............................................................................
من أجل وضاع كان في روايته ويكون صحيحة في نفس الأمر ، ويكون هذا الواضع مما صدق في هذا الحديث ولم يضعه ، وإنما رده المحدث لعدم الثقة بقوله في نقله ، وذلك إذا انفرد به ذلك الواضع وكان مدار الحديث عليه ، 
وأما إذا شاركه فيه ثقة سمعه معه قبل ذلك الحديث من طريق ذلك الثقة ، 
وهذا ولي سمعه من الروح يلقيه على حقيقة محمد صل کما سمع الصحابة في حديث جبريل عليه السلام مع محمد صلى الله عليه وسلم  في الإسلام والإيمان والإحسان في تصديقه إياه ، 
وإذا سمعه من الروح الملقي فهو فيه مثل الصاحب الذي سمعه من فم رسول الله ، علما لا يشك فيه ، بخلاف التابع فإنه يقبله على طريق غلبة الظن ، لارتفاع التهمة المؤثرة في الصدق ، 
ورب حديث يكون صحيحة من طریق رواته يحصل لهذا المكاشف الذي قد عاين هذا المظهر فسأل النبي ملغ عن هذا الحديث الصحيح فأنكره ، 
وقال له لم أقله ولا حکمت به فيترك العمل به على بينة من ربه وإن كان قد عمل به أهل النقل لصحة طريقه وهو في نفس الأمر ليس كذلك ، 
وقد ذكر مثل هذا مسلم في صدر كتابه الصحيح . 
وقد يعرف هذا المكاشف من وضع ذلك الحديث الصحيح طريقه في زعمهم ، إما أن سمي له أو تقام له صورته ، فهؤلاء هم أنبياء الأولياء . 
الفتوحات ج 1 / 150 - ج 2 / 254 .
للزيادة راجع کتابنا « الفقه عند الشيخ الأكبر » 
و رؤية النبي صلى الله عليه وسلم  ص 22 .
و نزول الملائكة على البشر والإلهام ص 29
و الكرامات ص 38

8 - « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » الآية *
الوجه الأول - هدى الأنبياء عليهم السلام هو ما كانوا عليه من الأمور المقربة إلى الله ، وفي الدعاء المأثور سئواله صلى الله عليه وسلم هدى الأنبياء وعيشة السعداء ، و بالهدى تعطي التوفيق ، وهو الأخذ والمشي بهدي الأنبياء ، وتعطى البيان ، 
وهو شرح ما جاء به الحق ، إذ الهدي هديان : ، 
هدي تبیاني وهو قوله تعالى : " وما كان الله

ص 281

في حق ما يعرفه من صورة الأخذ مختص موافق، هو فيه بمنزلة ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم من شرع من تقدم من الرسل بكونه قرره فاتبعناه من حيث
.............................................................................
ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون » 
وهذا الهدی قد يعطي السعادة وفد لا يعطيها ، إلا أنه يعطي العلم ، كقوله تعالى « وأضله الله على علم » وهدى توفيقي ، وهو هدي الأنبياء عليهم السلام وهو الذي يعطي سعادة العباد " وما توفيقي إلا بالله " ، 
وإذا كان الرسول سید البشر يقال له : « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » فما ظنك بالتابع !!
الوجه الثاني - قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " اتبع ما أوحي إليك من ربك " ، فإني خلقتك متبعا اسم مفعول لا متبعا اسم فاعل ، ولذلك قال له عند ذكر الأنبياء « فبهداهم اقتده » لا بهم ، وهداهم ليس سوى شرع الله ، 
فقال : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا" ، وذكر من ذكر ، فكان الشارع لنا الله الذي شرع لهم ، فلو أخذ عنهم لكان تابعا .
الوجه الثالث - اعلم أن كل شرع بعث به نبي من الأنبياء فهو من شرع محمد صلى الله عليه وسلم من اسمه الباطن ، إذ كان نبيا و آدم بين الماء والطين ، 
فقوله تعالى له : « أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده » وما قال بهم ، إذ كان هداهم هداك الذي سرى إليهم ، فمعناه من حيث العلم ،
إذا اهتديت بهديهم فهو اهتداؤك بهديك ، لأن الأولية لك باطنا ، والأخرية لك باطنا ، والأولية لك في الآخرية ظاهرا وباطنا ، 
وعلمنا من ذلك أن محمدا صلى الله عليه وسلم  مساو لجميع من ذكره من الأنبياء ومن لم يذكره ، 
فإنه لكل نبي هدي كما ذكر « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » فهو سبحانه نصب الشرائع وأوضح المناهج ، 
وجمع ذلك كله في محمد صلى الله عليه وسلم  ، فمن رآه رأى جميع المقربين ، 
ومن اهتدى بهديه فقد اهتدى بهدى جميع النبيين ، ومن ذلك أن ما قرره النبي مع لنا مما كان شرعا للأنبياء عليهم السلام فعلتمناه على القطع فهو شرع لنا ، 
ومن هذه الآية علمنا أنه صلى الله عليه وسلم خص بعلم الشرائع كلها ، فأبان الله تعالى له عن شرائع المتقدمين ، وأمره أن يهتدي بهداهم ، وخص بشرع لم يكن لغيره . 
فتوحات ج 1 / 635 - ج 2 / 125 - ج 4 / 77 ، 82 ، 313 ، 408 

ص 282


تقريره لا من حيث إنه شرع لغيره قبله. "9"
وكذلك أخذ الخليفة عن الله عين ما أخذه منه الرسول.
فنقول فيه بلسان الكشف خليفة الله وبلسان الظاهر خليفة رسول الله.
ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نص بخلافة عنه إلى أحد.
ولا عينه لعلمه أن في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه فيكون خليفة عن الله مع الموافقة في الحكم المشروع.
فلما علم ذلك صلى الله عليه وسلم لم يحجر الأمر.
فلله خلفاء في خلقه يأخذون من معدن الرسول والرسل ما أخذته الرسل عليهم السلام،. "10"
ويعرفون فضل المتقدم هناك لأن الرسول قابل للزيادة: وهذا الخليفة ليس بقابل للزيادة التي لو كان الرسول قبلها. "11"
فلا يعطي من العلم والحكم فيما شرع إلا ما شرع للرسول خاصة، فهو في الظاهر متبع غير مخالف، بخلاف الرسل.
ألا ترى عيسى عليه السلام لما تخيلت اليهود أنه لا يزيد على موسى، مثل ما قلناه في الخلافة اليوم مع الرسول، آمنوا به وأقروه:
فلما زاد حكما أو نسخ حكما قد قرره موسى لكون عيسى رسولا لم يحتملوا ذلك لأنه خالف اعتقادهم فيه؟
وجهلت اليهود الأمر على ما هو عليه فطلبت قتله، فكان من قصته ما أخبرنا الله في كتابه العزيز عنه وعنهم.
فلما كان رسولا قبل الزيادة، إما بنقص حكم قد تقرر، أو زيادة حكم.
على أن النقص زيادة حكم بلا شك.
والخلافة اليوم ليس لها هذا المنصب . "12"
وإنما تنقص أو تزيد على الشرع الذي تقرر بالاجتهاد
.............................................................................
9 - شرع من قبلنا :
شرع من قبلنا ما يلزمنا اتباعه إلا ما قرر شرعنا منه ، مع كون ذلك شرعا حقا لمن خوطب به ، لا نقول فيه بالباطل ؛ بل تؤمن بالله ورسوله وما أنزل إليه وما أنزل من قبله من كتاب وشرع منزل ، فإن شرع محمد صلى الله عليه وسلم تضمن جميع الشرائع المتقدمة، وما بقي لها حكم في هذه الدنيا إلا ما قررته الشريعة المحمدية ، فبتقريرها ثبتت ، فتعبدنا بها نفوسنا من حيث أن محمدا قررها لا من حيث أن النبي الخصوص بها في وقتها قررها في ح 2 / 165 .

10 - ما هنا موصولة وليست بنافية .  

11 ، 12  - المعنى واحد وهو قول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 / 458.
الوارث يحفظ بقاء الدعوة في الأمة عليها ، وما حظه إلا ذلك ، حتى إن الوارث

ص 283


لا على الشرع الذي شوفه به محمد صلى الله عليه وسلم، فقد يظهر من الخليفة ما يخالف حديثا ما في الحكم فيتخيل أنه من الاجتهاد وليس كذلك: وإنما هذا الامام لم يثبت عنده من جهة الكشف ذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو ثبت لحكم به.
وإن كان الطريق فيه العدل عن العدل فما هو معصوم من الوهم ولا من النقل على المعنى.
فمثل هذا يقع من الخليفة اليوم، "13"
وكذلك يقع من عيسى عليه السلام، فإنه إذا نزل يرفع كثيرا من شرع الاجتهاد المقرر فيبين برفعه صورة الحق المشروع الذي كان عليه عليه السلام، ولا سيما إذا تعارضت أحكام الأئمة في النازلة الواحدة. فنعلم قطعا أنه لو نزل وحي لنزل بأحد الوجوه، فذلك هو الحكم الإلهي.
وما عداه وإن قرره الحق فهو شرع تقرير لرفع الحرج عن هذه الأمة واتساع الحكم فيها.
وأما قوله عليه السلام إذا بويع الخليفتين فاقتلوا الآخر منهما هذا في الخلافة الظاهرة التي لها السيف. وإن اتفقا فلا بد من قتل أحدهمابخلاف الخلافة المعنوية فإنه لا قتل فيها.
وإنما جاء القتل في الخلافة الظاهرة وإن لم يكن لذلك الخليفة هذا المقام، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عدل فمن حكم الأصل الذي به تخيل وجود إلهين، «لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا»، وان اتفقا: فنحن نعلم أنهما لو اختلفا تقديرا لنفذ حكم أحدهما، فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة، والذي لم ينفذ حكمه ليس بإله. "14"
.............................................................................
لو أتي بشرع ، ولا يأتي به ، ولكن لو فرضناه ما قبلته منه الأمة ، فلا فائدة لظهور الحال إذا لم يكن القبول كما كان للرسول .

13 -  راجع أولياء الأنبياء - هامش رقم 7 ص 279
14 - لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا « الآية »
اعلم أن العلم بتوحيد الألوهة لمسمى الله، لا توحيد الذات، فإن الذات لا يصح أن تعلم أصلا ، فالعلم بتوحيد الله علم دلیل فکري لا علم شهود کشفي ، 
فالعلم بالتوحيد لا يكون ذوقا أبدا ، ولا تعلق له إلا بالمراتب . 
قال تعالى "لو كان فيهما آلهة إلا الله" ، وهذا بطريق فرض المحال ، فوحد الإله وما تعرض لذات الله سبحانه ، لأن الفكر فيها ممنوع شرعا « لفسدتا ».
أي لم توجدا يعني العالم العلوي وهو السماء والسفلي وهو الأرض ، أي لو كان مع الله إله آخر لفسد النظام والأمر ، وقد وجد الصلاح وهو بقاء العالم ، فدل على أن الموجد له لو لم يكن واحدة ما صح

ص 284

ومن هنا نعلم أن كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنه حكم الله عز وجل، وإن خالف الحكم المقرر في الظاهر المسمى شرعا إذ لا ينفذ حكم إلا لله في نفس الأمر، لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة الإلهية لا علم حكم الشرع المقرر، وإن كان تقريره من المشيئة.
ولذلك نفذ تقريره خاصة فإن المشيئة ليست لها فيه إلا التقرير لا العمل
.............................................................................
وجود العالم ، هذا دليل الحق على أحديته ، وطابق الدليل العقلي في ذلك ، ولو كان غير هذا من الأدلة أدل منه عليه العدل إليه وجاء به. 
وما عرفنا بهذا ولا بالطريق إليه في الدلالة عليه ، فقوله تعالى و لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، هذه مقدمة. 
والمقدمة الأخرى السماء والأرض - وأعني بهما كل ما سوى الله - ما فسدتا ، وهذه هي المقدمة الأخرى ، والجامع بين المقدمتين وهو الرابط ، الفساد ، فأتجتا أحدية المخصص ، وهي المطلوب ، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان ثم إله زائد على الواحد ، لم يخل هذا الزائد إما أن يتفقا في الإرادة أو يختلفا ، ولو اتفقا فليس بمحال أن يفرض الخلاف ، النظر من تنفذ إرادته منهما ، فإن اختلفا حقيقة أو فرضا في الإرادة، فلا يخلو إما أن ينفذ في الممكن حكم إرادتيهما معا وهو محال ، 
لأن الممكن لا يقبل الضدين ، وإما أن لا ينفذا وإما أن ينفذ حكم إرادة أحدهما دون الآخر ، فإن لم ينفذ حكم إرادتيهما ، فليس واحد منهما بإله ، وقد وقع الترجيح ، فلابد أن يكون أحدهما نافذ الإرادة ، وقصر الآخر عن تنفيذ إرادته ، فحصل العجز ، والإله ليس بعاجز ، فالإله من نفذت إرادته، 
وهو الله الواحد لا شريك له، ولهذا الأصل، ما بعث رسول الله من بعثا قط ولو كان اثنين إلا قدم أحدهما وجعل الآخر تبعا ، وإن لم يكن كذلك فسد الأمر والنظام، فلا يصح إقامة ملك بين مدبرين وإن اتحدت إرادتهما، 
ولما كان لا يصح عقلا ولا شرعا تدبير ملك بين أميرين متناقضين في أحكامهما ، وإن فرض اتحاد الإرادة في حق المخلوقين ، فإن حكم العادة والشرع يأبى ذلك في حق هذين الأميرين ، فلم يرد الله تعالى أن يدبر هذا الملك إلا واحد وصرح بذلك على لسان رسوله ق : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . 
جمع الأنام على إمام واحد  ....  عين الدليل على الإله الواحد

ص 285


بما جاء به.
فالمشيئة سلطانها عظيم، ولهذا جعلها أبو طالب عرش الذات، لأنها لذاتها تقتضي الحكم.
فلا يقع في الوجود شيء ولا يرتفع خارجا عن المشيئة، "15"
فإن الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمى معصية، فليس إلا الأمر بالواسطة لا الأمر التكويني.
فما خالف الله أحد قط في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة، فوقعت
.............................................................................
فجعل الله للناس إماما في الظاهر واحدة ، يرجع إليه أمر الجميع لإقامة الدين ، وأمر عباده أن لا ينازعوه ، ومن ظهر عليه ونازعه أمرنا الله بقناله ، لما علم أن منازعته تؤدي إلى فساد في الدين الذي أمرنا الله إقامته ، 
وأصله قوله تعالى « لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا » فمن هناك ظهر اتخاذ الإمام وأن يكون واحدة في الزمان ظاهرة بالسيف . 
فتوحات ج 1 / 262 ، 680 - ج 2 / 289 ، 619 - ج 3 / 80 ، 173 - ج 4 / 13 - كتاب التدبيرات الإلهية .

15 - قول أبي طالب الملكي « مشيئته تعالی عرش ذاته »
اعلم أنه من شم رائحة من العلم بالله لم يقل لم فعل كذا وما فعل كذا ، وكيف يقول العالم بالله لم فعل كذا ؟ 
وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما يظهر وما قدم وما أخر ، وما رتب لذاته فهو عين السبب ، 
فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، فمشيئته عرش ذاته أي ملكها ، أي بالمشيئة ظهر كون الذات ملكا ، لتعلق الاختيار بها ، فالإختيار للذات من كونها إلها ، فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ، قال عليه السلام « ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» فعلق النفي والإثبات بالمشيئة فظهر الاختيار مع المشيئة، 
فإنه لیں الإرادة اختيار ولا نطق بها كتاب ولا سنة ولا دل عليها عقل ، وإنما ذلك للمشيئة ، فإن شاء كان وإن شاء لم يكن ، وما ورد ما لم يرد لم يكن ، بل ورد لو أردنا أن يكون كذا لكان كذا ، 
فخرج من المفهوم الاختیار ، فالإرادة تعلق المشيئة بالمراد .
فتوحات ج 2 / 39 - ج 3 / 48 

ص 286

المخالفة من حيث أمر الواسطة فافهم. "16"
وعلى الحقيقة فأمر المشيئة إنما يتوجه على إيجاد عين الفعل لا على من ظهر على يديه، فيستحيل ألا يكون.
ولكن في هذا المحل الخاص، فوقتا يسمى به مخالفة لأمر الله، ووقتا يسمى موافقة وطاعة لأمر الله.
ويتبعه لسان الحمد أو الذم على حسب ما يكون.
ولما كان الأمر في نفسه
.............................................................................
16 - الأمر الإرادي والأمر التكليفي
الأمر أمران ، أمر بواسطة وأمر برفع الوسائط ، فأمره سبحانه لا يتصور أن يعصى ، لأنه بكن ، إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن ، وما هو موصوف لم يكن ما يتصور منه الإباية ، 
وإذا كان الأمر الإلهي بالواسطة فلا يكون بكن ، فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة ، وإنما يكون الأمر بما يدل على الفعل ، فيؤمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، فيقال له « أقم الصلاة » « وآت الزكاة » 
فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر فيطيعه من يشاء منهم ويعصيه من شاء منهم ، والإنسان لا يقدر على دفع ما تكون في نفسه فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان ، فكان الحكم لما تكون فيمن تكون ، 
فآمن ولابد أو صلى ولابد أو صام ولابد ، على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به کن ، وقد يرد الأمر بالواسطة ولا يرد الأمر الإلهي ، فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها ، فيظهر كأنه عاص . 
وإنما هو عاجز فاقد في الحقيقة ، لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن تكون عنه ، فلا أطوع من الخلق لأوامر الحق ، أي لقبول ما أمر الحق بتكوينه فيه ، ولكن لا يشعرون ، 
وليست الاوامر التي أوجبنا طاعتها إلا الأوامر الإلهية لا الأوامر الواردة على ألسنة الرسل ، 
فإن الأمر من الخلق طائع فيما أمر ، لأنه لو لم يؤمر بأن يأمر ما أمر ، فلو أن الذي أمره يستمع المأمور بذلك الأمر أمره لامتثل ، فإن أمر الله لا يعصى إذا ورد بغير الوسائط ، 
فالأمر الإلهي لا يخالف الإرادة الإلهية ، فإنها داخلة في حده وحقيقته ، وإنما وقع الالتباس من تسميتهم صيغة الأمر - وليست بأمر - أمرا ، والصيغة مرادة بلا شك ، فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ الأوامر لا الأوامر ، فتعصى ، وقد يأمر الآمر بما لا يريد وقوع المأمور به ، فما عصى أحد قط أمر الله « إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون» .
فتوحات ج 2 / 588 - ج 4 / 424 ، 430

ص 287


على ما قررناه، لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها. "17"
فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء، وأنها سبقت الغضب الإلهي.
والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم فنالته الرحمة إذ لم يكن غيرها سبق.
فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على ما وصل إليها فإنها في الغاية وقفت والكل سالك إلى الغاية.
فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة ومفارقة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها بحسب ما تعطيه حال الواصل إليها. "18"
.............................................................................
17 - العبد مجبور في اختياره
قال تعالى " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله" ، أن تشاؤوا ، فتلك على الحقيقة مشيئة الله لا مشيئته ، وأنت تشاء بها ، ونحن نقول في النسبة الاختيارية إن الله خلق للعبد مشيئة شاء بها ، حكم هذه النسبة وتلك المشيئة الحادثة عن مشيئة الله ، 
فاثبت سبحانه المشيئة له ولنا ، وجعل مشيئتنا موقوفة على مشيئته ، هذا في الحركة الاختيارية ، وأما في الاضطرارية كحركة المرتعش فالأمر عندنا واحد، 
فالسبب الأول مشيئة الحق ، والسبب الثاني المشيئة التي وجدت عن مشيئة الحق ، فالله هو الشيء وإن وجد العبد في نفسه إرادة لذلك ، فالحق عين إرادته ، فحكم المشيئة التي يجدها في نفسه ليست سوى الحق ، 
فإذا شاء كان ما شاءه ، فهو عين مشيئة كل مشيء. 
فقوله تعالى : " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " و عزاء أفاد علما ، ليثبت به العبد في القيامة حكما ، فهو تلقين حجة ، ورحمة من الله وفضل ، أي أن العبد مجبور في اختياره فعلم الجبر آخر ما ينتهي إليه المعاذر ، وهو سبب مال الخلق إلى الرحمة ، فإن الله يعذر خلقه بذلك فيما كان منهم 
فتوحات ج 3/ 84 ، 303 ، 351 ، 457 ، 464 . 

18 - قوله تعالی «رحمتي سبقت غضبي »
سبقت الرحمة الغضب لأنه بها كان الابتداء ، والغضب عرض ، والعرض زائل وأن الرحمة لما سبقت الغضب في الوجود عمت الكون كله ، ووسعت كل شيء ، فلما جاء الغضب في الوجود وجد الرحمة قد سبقته ، 
ولابد من وجوده ، فكان مع الرحمة ، لذلك لم يخلص الغضب الإلهي من الرحمة ، فحكمت على الغضب لأنها صاحبة المحل ، فإن الحكم للسابق ، واللاحق متأخر عنه، فينتهي غضب الله في

ص 288

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلناه ... وإن لم يكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم إلا ما ذكرناه فاعتمد ... عليه وكن بالحال فيه كما كنا
فمنه إلينا ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا   "19"
.............................................................................
المغضوب عليهم ، ورحمة الله لا تنتهي ، فإن غضب الله لا يخلص من رحمة إلهية تشوبه ، فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود والتعزيرات . 
وغضبه في الآخرة ما يميم من الحدود على من يدخل النار . 
فهو وإن كان غضبا فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا والآخرة ، فيريد الله بقوله : « رحمتي سبقت غضبي » أن حكمه برحمته عباده سبق غضبه عليهم فهي تحوز العالم في الدارين بكرم الله . 
وما ذلك على الله بعزيز ، وإن كانوا في النار فلهم فيها نعيم فإنهم ليسوا منها بمخرجين .
ومن حيث المسابقة نقول قد تجاری غضب الله ورحمته في هذا الشأو ، وهو آدم وذريته ، فسبقت رحمته غضبه، فحازتنا لأن السابق يحوز قصب السبق . 
وقصب السبق هنا آدم وذريته ، ثم لحق الغضب فوجدنا في قبضة الرحمة ، قد حازتنا بالسبق ، فلم ينفذ الغضب فينا حكم التأييد . 
بل تلبس بنا للمشاهده بعض تلبس ، لما جمعنا مجلس واحد أثر فينا بقدر الاستعداد منا لذلك ، فلما انفصلت الرحمة من الغضب من ذلك المجلس أخذتنا الرحمه بحيازتها إيانا : وفارقنا غضب الله ، فحكمه فينا أعني بني آدم غير مؤبد، وفي غيرنا من المخلوقين ما أدري حكمه فيهم من الشياطين
فرحمته تعالى لما سبقت غضبه لحق الغضب بالعدم فإنه وإن كان شيئا فهو تحت إحاطة الرحمة الإلهية الواسعة ، فكيف يتسرمد العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، 
ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه . 
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم .
فتوحات ج 1 / 4 ، 749 - ج 2 / 281 ، 535 ، 673 - ج 3 / 7 ، 25 ، 333 - ج 4 / 405 
راجع كتاب الخيال - اجتماع الشيخ بآدم عليه السلام ص 94

19 - البيت الأول والثاني يشيران إلى شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب بحسب ما تقدم الكلام قبله .

ص 289


وأما تليين الحديد فقلوب قاسية يلينها الزجر والوعيد تليين النار الحديد.
وإنما الصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة، فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار ولا تلينها.
وما ألان له الحديد إلا لعمل الدروع الواقية تنبيها من الله: أي لا يتقى الشيء إلا بنفسه، لأن الدرع يتقى بها السنان والسيف والسكين والنصل، فاتقيت الحديد بالحديد.
فجاء الشرع المحمدي بأعوذ بك منك،  "20"
فافهم، فهذا روح تليين الحديد فهو المنتقم الرحيم والله الموفق.

.............................................................................
البيت الثالث : الشطر الأول - أي أن هذا من العلم الإلهي « واتقوا الله ويعلمكم الله »۰ 
الشطر الثاني : معناه أنا وهبناكم هذا العلم لا نريد منكم جزاء ولا شكورا .

20 - قوله « أعوذ بك منك »
التعوذ يكون باسم إلهي من اسم إلهي ، وهو الذي نبه عليه صلى الله عليه وسلم  بقوله : "أعوذ بك منك" ، وهذا غاية ما يصل إليه تعظيم المحدث إذا عظم جناب الله ، 
فإنه اعلم أن الحق لا يقاوم إلا بالحق ، فيكون هو الذي يقاوم نفسه ، لأنه شتان بين مقام المعني ومقام الحرف ، فقال تعالى الحرف بالحرف قال مع « أعوذ برضاك من سخطك » ، 
وقابل المعني بالمعنى فقال صلى الله عليه وسلم  « وأعوذ بك منك » وهذا غاية المعرفة . 
ومن وجه آخر لما نطق من بالاستعاذة به بضمير الخطاب من غير تعيين اسم لم يجد له مقابلا ، لأنه ما عين اسما ، فلم يجد من يستعيذ منه ، فرأى نفسه على صورته ، 
فقال : منك ، فاستعاذ بالله من نفسه ، لأن النفس الذي هو المثل وردت في القرآن ، مثل قوله تعالى «ولا تزكوا أنفسكم» أي أمثالكم ، فيتوجه قوله « وأعوذ بك منك» أن الكافين واحدة على الوجه الأول ويتوجه أن يكون الكاف في منك تعود على المثل ، وهو نفس المستعيذ ، فإنه خليفة محصل للصورة على أتم الوجوه . 

فاستعاد بالله من نفسه ، لما يعلمه من المكر الخفي الإلهي ، فإنه ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط ، بل هي شرف وابتلاء . 

فتوحات ج 1 / 108 - ج 3 / 183 - ج 4 / 190

ص 290
   .
العودة إلى الفهرس
الفقرة التاسعة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment