Sunday, January 12, 2020

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه : (ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيّية ، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا .فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[ الشورى: 40 ]  لأنّه على صورته . فمن عفا عنه ولم يقتله . فأجره على من هو على صورته لأنّه أحقّ به إذ أنشأه له .  وما ظهر بالاسم الظّاهر إلّا بوجوده فمن راعاه إنّما يراعي الحقّ وما يذمّ الإنسان لعينه وإنّما يذمّ الفعل منه ، والفعل ليس عينه ، وكلامنا في عينه . ولا فعل إلّا للّه ؛ ومع هذا ذمّ منها ما ذمّ وحمد ما حمد .  ولسان الذّمّ على جهة الغرض مذموم عند اللّه تعالى .  فلا مذموم إلا ما ذمّه الشّرع ، فإنّ ذمّ الشّرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النّوع وإرداعا للمتعدّي حدود اللّه فيهوَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ[ البقرة : 179 ] وهم أهل لبّ الشيء الذّين عثروا على سرّ النّواميس الإلهيّة والحكميّة . )

قال رضي الله عنه : (ألا تراه ) ، أي اللّه (تعالى يقول :"وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها"[ الشورى : 40 ] فجعل) سبحانه (القصاص سيئة ، أي يسوء ذلك الفعل) يعني القصاص لا يجب (مع كونه) ، أي القصاص فعلا (مشروعا) وفيه حياة .
قال اللّه تعالى :" وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ " [ البقرة : 179 ] (فَمَنْ عَفا) فيه عن القاتل ("وَأَصْلَحَ") في عفو ذلك بأن علم انزجار القاتل لا تجرؤه على القتل ("فَأَجْرُهُ")، أي فاعل العفو("عَلَى اللَّهِ") [ الشورى : 40 ] "واللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" [ هود : 115] ،

قال رضي الله عنه : (لأنه) ، أي القاتل المعفو عنه (على صورته) ، أي صورة اللّه تعالى كما بيناه (فمن عفى عنه) ، أي عن القاتل بعد استحقاقه للقتل ووجوب القصاص في حقه (ولم يقتله فأجره) ، أي ثوابه في الآخرة والدنيا (على من هو على صورته) ، وهو اللّه تعالى (لأنه) ، أي من هو على صورته (أحق به) أن يبقى مظهرا له من غير قتل (إذ) هو سبحانه (أنشأه) ، أي خلقه (له وما ظهر) ، أي اللّه تعالى سبحانه (بالاسم الظاهر) الوارد في قوله تعالى :"هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ" [ الحديد : 3].

قال رضي الله عنه : (إلا بوجوده) ، أي وجود هذا القاتل المذكور (فمن راعاه) ، أي راعى القاتل من الناس فإنه (إنما يراعي الحق) تعالى ، لأنه الظاهر به كما أنه الباطن عنه والأوّل بغيبه والآخر بشهادته (وما يذم الإنسان) شرعا وعرفا (لعينه) ، أي لذاته أصلا (وإنما يذم) في الشرع والعرف (الفعل منه) فقط وهنا القتل الصادر منه مذموم لا هو في نفسه مذموم وإن كان حكم القتل أهدر دمه وصيره مذموما كله (وفعله) الذي صدر منه (ليس عينه) ، أي ذاته (وكلامنا في) وجوب احترام (عينه) ، أي القاتل (ولا فعل إلا للّه) تعالى خلقا وإيجادا .

قال تعالى :وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ [ الصافات : 96 ] ، أي وعملكم (ومع هذا) ، أي كون الفعل للّه مخلوقا سبحانه (ذم) تعالى (منها) ، أي من أفعال العبد التي خلقها (ما ذم وحمد) منها سبحانه (ما حمد) كما ورد ذلك في الكتاب والسنة (ولسان الذم) من كل إنسان (على جهة الغرض) النفساني لشيء من ذلك (مذموم عند اللّه) تعالى .

قال تعالى :قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ( 59 ) [ يونس : 59 ] (فلا مذموم) عند المؤمنين (إلا ما ذمه الشرع) كما أنه لا محمود إلا ما حمده ولا مدخل للذم العقلي والمدح العقلي عند المؤمنين أصلا (فإنّ ذم الشرع) في كل ما ذمه إنما هو (لحكمة يعلمها اللّه) تعالى (أو) يعلمها (من أعلمه اللّه) تعالى بها ، وكذلك حمد الشرع فيما حمده وتخييره فيما خير فيه (كما شرع القصاص) في القاتل عمدا (للمصلحة) في حق المكلفين (إبقاء لهذا النوع) الإنساني في الحياة الدنيا (وإرداعا) ، أي زجرا (للمتعدي حدود اللّه) تعالى (فيه) ، أي في هذا النوع .

قال تعالى : ("وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ") [ البقرة : 179 ] باعتبار كف الناس عن القتل خوفا من القصاص إذا أقيم على القاتل ، فيحيا من لولا الكف من القادر على القاتل لقتل ("يا أُولِي الْأَلْبابِ") ، أي أصحاب العقول الكاملة (وهم) ، أي أولو الألباب (أهل لب الشيء) ، أي خلاصته وزبدته فلهم خلاصة العقول وزبدتها (الذين عثروا) ، أي اطلعوا (على سر النواميس) ، أي الشرائع (الإلهية و) القوانين الحكمية ، وعلموا حكمها وخفايا معانيها .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  ( ألا ترى تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيئة أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا فمن عفى وأصلح فأجره على اللّه لأنه ) أي لأن المعفوّ عنه ( على صورته ) أي على صورة الحق ( فمن عفى عنه ) أي عن القاتل ( ولم يقتله فأجره ) أي أجر من عفى عنه ( على من ) وهو الحق ( هو ) راجع إلى المعفو عنه ( على صورته ) الضمير المجرور راجع إلى من ( لأنه ) أي لأن الحق ( أحق به ) أي بالعفو من ذلك العبد العفوّ ( إذا نشأه ) أي العبد ( له ) أي لنفسه ليكون مظهرا لكمالاته وأحكامه ( وما ظهر الحق ) بالاسم ( الظاهر إلا بوجوده ) أي بوجود العبد أو بوجود الإنسان ( فمن راعاه ) أي الإنسان ( فإنما يراعي الحق ) .
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " من أكرم عالما فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم اللّه تعالى".
"" ورد بلفظ : " من أكرمهم فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم اللّه". ذكره بهذا اللّفظ السّيوطي في كتابه الدّرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ""
قال رضي الله عنه :  ( وما يذمّ الإنسان لعينه ) إذا عينه مخلوق على صورة الحق ( وإنما يذم لفعله وفعله ليس عينه وكلامنا ) في مدحه ( في عينه ) لا من حيث فعله ( ولا فعل إلا اللّه ومع هذا ذم منها ) أي من الأفعال ( ما ذم وحمد ما حمد ولسان الذمّ على جهة الغرض مذموم عند اللّه ) وأما لسان الذمّ على جهة الشرع فممدوح عند اللّه فالمذموم بلسان الذمّ على جهة الغرض ليس بمذموم عند اللّه بل هو مذموم عند صاحب الغرض لعدم موافقة ذلك الشيء غرضه فذمه ليس باخبار عن الشيء على ما هو عليه فلا يكون ذمه لحكمة .

قال رضي الله عنه :  ( فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه ) فكان ذم الشرع اخبارا عن الشيء على ما هو عليه ، فذلك الذمّ لا يخلو عن حكمة ( كما شرع القصاص للمصلحة ) قوله ( إبقاء ) بيان للمصلحة ومفعول لشرع ( لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود اللّه فيه ) أي هذا النوع الانساني قال اللّه تعالى :وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ
قوله ( وهم ) مبتدأ ( أهل لب الشيء ) خبره ( الذين عثروا ) صفة أهل لبّ أي أولي الألباب أهل لبّ الشيء الذين اطلعوا ( على أسرار النواميس ) أي الشرائع ( الإلهية و ) أسرار ( الحكمية ) العقلية.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا. «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق. وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه. ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد. ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله. فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه. «ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. )

قال: فمنع الله داود، عليه السلام، فضيلة بناء بيت المقدس لأجل سفكه الدماء وإن كان غزوا لكنهم عباد الله في الجملة. 
قال: ومن شفقة الله تعالی علی الكفار قوله: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال: 61).
وقال: ومن الشفقة أخذ الدية مكان القتل وقبول العفو ولذلك لو عفى أحد الأولياء قدم على من لم يعف 
ولذلك قوله عليه السلام في الحديث المختص بالنسعة: إن قتله كان مثله 
وكذلك تسمية القصاص سيئة في قوله تعالى: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" (الشورى: 40) 
قال: وذلك لرعاية صورة الحق، 
قال: وما يذم من الإنسان إلا فعله لا صورته.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  (ألا تراه تعالى يقول : "وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها "؟  فجعل القصاص سيّئة ، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا ، ( فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُه ُعَلَى الله ) ، لأنّه على صورته ، فمن عفا عنه ولم يقتله ، فأجره على من هو على صورته ، لأنّه أحقّ به ، إذ أنشأه له ، وما ظهر بالاسم « الظاهر "إلَّا بوجوده" .)

قال العبد : هذه الاستدلالات والحجج على رجحان العفو والإبقاء على النفوس الإنسانية على قتلها كلَّها صحيحة واضحة رجيحة ، والسرّ ما ذكر من قبل ، فتذكَّر .
وكذلك في أنّه إنّما يسمّى بالاسم « الظاهر » بوجود الإنسان ، وأنّه على صورته ، فتذكَّر وتدبّر .
وأمّا صاحب النسعة فإنّه وليّ دم لمقتول وجد وليّه عند القاتل نسعة للمقتول .
والنسعة : حبل عريض كالحزام ، وقد يكون من السير أو القدّ ، فأخذه بدم من هو وليّه ، فأمر له بالقصاص وقتل ذلك القاتل ، فلمّا قصد وليّ الدم قتله ، قال صلَّى الله عليه وسلَّم : « إن قتله كان مثله » يعني في الظلم ، وأنّ كلَّا منهما قد هدم بنيان الربّ .
قال رضي الله عنه : ( فمن رعاه » يعني الإنسان « إنّما يراعي الحق ، وما يذمّ الإنسان لعينه ، وإنّما يذمّ الفعل ، وفعله ليس عينه ، وكلامنا في عينه ولا فعل إلَّا لله ، ومع هذا ما ذمّ منها ما ذمّ ، وما حمد منها ما حمد ) .
أي من عين الإنسان : إذا أضيف إليها الفعل ، فإنّه يذمّ ويحمد .
قال رضي الله عنه : ( ولسان الذّم على جهة الغرض مذموم عند الله ، فلا مذموم إلَّا ما ذمّه الشرع ، فإنّ ذمّ الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله ، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدّي حدود الله فيه ، "وَلَكُمْ في الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ " وهم أهل لبّ الشيء الذين عثروا على سرّ النواميس الإلهية والحكمية .)

قال العبد : والسرّ في ذلك أنّ الغزو والقتال في سبيل الله إنّما شرع لإعلاء كلمة الله وذكره ، إن كانت الدولة للمسلمين والغلبة للمجاهدين وإن لم يكن كذلك وكان بالعكس ،
فإنّ فيه نقصان عبيد الله الذاكرين له المقتولين في سبيله وتفويت العلَّة الغائيّة ، فذكر الله مع الأمن عن المحذور وهو الفتنة وقتل أولياء الله أفضل من الجهاد الظاهر ، وإن كان المقتول في سبيل الله على أجر تامّ ، فذلك حظَّه بهدم أبنية الرحمن في صورة الإنسان ، فاعلم ذلك .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  (ألا تراه تعالى يقول : "وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها "  فجعل القصاص سيئة أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا .)

"" أضاف بالى زادة : فأشفق الحق على عباده الذين وجب عليهم القتل ، فكيف على عباده الذين لم يجب عليهم القتل ، فأما لسان الذم على جهة الشرع فممدوح عند الله ، والمذموم على جهة الفرض مذموم عند الله ، بل هو مذموم عند صاحب الفرض لعدم موافقته لغرضه .أهـ بالى زادة . ""

"فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُه عَلَى الله "  لأنه على صورته ، فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته ، لأنه أحق به إذ أنشاه له ، وما ظهر باسم الظاهر إلا بوجوده )

هذه الحكاية والأدلة كلها أوردها لرجحان العفو على القتل لأن الإنسان خلق على صورة الله ، وقد أنشأه الله لأجله فالإبقاء على صورة الله أولى ، وكيف لا يكون أولى وما ظهر الله بالاسم الظاهر إلا بوجوده ، وأما النسعة فإنها كانت لرجل وجد مقتولا ،
فرأى وليه نسعته في يد رجل فأخذه بدم صاحبه ، فلما قصد قتله قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن قتله كان مثله في الظلم » إذ لا يثبت القتل شرعا بمجرد حصول النسعة في يد آخر وكلاهما هدم بنيان الرب ،
والنسعة : حبل عريض كالحزام ، وقد يكون من السير أو الفدم .
قال رضي الله عنه :  ( فمن راعاه ) أي الإنسان ( فإنما يراعى الحق ، وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه ، وفعله ليس عينه وكلامنا في عينه ولا فعل إلا لله ، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد ما حمد ) إذا أضيف الفعل إليه ( ولسان الذم على جهة العرض مذموم عند الله ) فإن ذم الصورة الإلهية راجع إلى ذم فاعلها الظاهر فيها لغرض يعود إلى نفس من يعلم أنه ينفعه أو يضره ،  فإنه أراد أن ينفعه فضره

قال رضي الله عنه :  ( فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع ، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمه الله ، أو من أعلمه الله كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع ، وإرداعا للمتعدى حدود الله فيه "ولَكُمْ في الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ " وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر النواميس الإلهية والحكمية )

وإذا علمت أن الله تعالى راعى هذه النشأة وراعى إقامتها فأنت أولى بمراعاتها إذ لك بذلك السعادة فإنه ما دام الإنسان حيا يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له ، ومن سعى في هدمه فقد سعى في منع وصوله لما خلق له ، وما أحسن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله " )
والسر في ذلك أن الغزو إنما شرع لإعلاء كلمته ، وذكره إن كانت الدولة للمسلمين والغلبة للمجاهدين وإن لم يكن كذلك وكان بالعكس كان فيه نقصان عبيد الله الذاكرين له ، وتفويت العلة الغائية فذكر الله تعالى مع الأمن من المحذور وهو الفتنة وقتل أولياء الله أفضل من الجهاد الظاهر ، وإن كان المقتول في سبيل الله على أجر تام ، فذلك حظه بهدم أبنية الرحمن في صورة الإنسان .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  (ألا تراه تعالى يقول : "وجزاء سيئة سيئة مثلها " . فجعل القصاص سيئة ، أي ، يسوء ذلك القتل مع كونه مشروعا . " فمن عفا فأصلح ، فأجره على الله " لأنه على صورته . )
أي ، لأن المعفو عنه ، على صورة الحق . ( فمن عفا عنه ولم يقتله ، فأجره على من هو . ) أي ، المعفو عنه . ( على صورته ) وهو الحق .
قال رضي الله عنه :  ( لأنه أحق به ، إذ أنشأه له . ) أي ، لأن الحق أحق بالعفو من عبيده ، إذا أنشأ العبد لأجل نفسه
حتى يظهر أسماؤه وصفاته به ، كما قال : ( يا بن آدم خلقت الأشياء لأجلك ، وخلقتك لأجلي ) . فلما لم يعف عنه وأمر بالقصاص منه ، مراعاة للنسل وبقائه ، وقع أجر من عفا عنه عليه ليعطيه الجنة ويعفو عن ذنوبه ويغفر سيئاته .

قال رضي الله عنه :  ( وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده . ) أي ، وما ظهر الحق بالاسم ( الظاهر ) إلا بوجود العبد ، فمن عفا عنه وأحسن إليه ، وجب أجره على الله .
( فمن راعاه ) أي ، راعى الإنسان . ( فإنما يراعى الحق . ) لأنه مظهره واسمه الظاهر .

قال رضي الله عنه :  ( وما يذم الإنسان لعينه ، وإنما يذم لفعله ، وفعله ليس عينه ، وكلامنا في عينه . ) أي ، ليس الإنسان مذموما من حيث إنه إنسان ، بل من حيث أفعاله الذميمة يذم ، وفعله ليس عينه ، فلا يبطل عينه ولا يخرب وجوده لفعله .

قال رضي الله عنه :  ( ولا فعل إلا لله ، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد . ) لأن الفعل مبدأه الصفات ، ومبدأ الصفات هو الذوات ، والذوات ليست إلا عين الوجود المتعين ، والوجود هو الحق . فالكل مستهلك في عين ذاته تعالى ، فهو الفاعل الحقيقي ، ومع هذا ذم بعض الأفعال وحمد بعضها .
وقيل معناه : ذم من الأعيان ما ذم ، وحمد ما حمد إذا أضيف إليها الفعل .
والأول أنسب لما نفى الفعل عن العبيد .

قال رضي الله عنه :  ( ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله . ) أي ، إذا ذم أحد شيئا لا يوافق غرضه وجعله مذموما ، فذلك الذم مذموم عند الله ، لأن صاحبه واقف عند غرضه وحظ نفسه ، بخلاف ما يذمه الشرع ، فإنه إخبار عما في نفس الأمر على ما هو عليه ، ولا غرض للشارع في ذلك .

قال رضي الله عنه :  ( فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع ، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله ، أو من أعلمه الله . )
وهذا تصريح منه على أن الحسن والقبح شرعي لا عقلي (كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود الله فيه ) أي ، في هذا المعنى نزل : "ولكم في القصاص حيوة يا أولى الألباب " . وهم ) ، أي ، أولوا الألباب . ( أهل لب الشئ الذين عثروا ) أي ، اطلعوا .

قال رضي الله عنه :  ( على أسرار النواميس الإلهية ) أي ، الشرائع الإلهية ( والحكمية . ) أي ، الأحكام التي  يقتضيها العقل . أي ، أولو الألباب هم الذين عرفوا أسرار الوجود وحكم الأحكام الشرعية والعقلية كلها .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  ( ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها[ الشورى : 40 ] ، فجعل القصاص سيّئة ، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا ،فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [ الشورى : 40 ] ؛ لأنّه على صورته ، فمن عفا عنه ولم يقتله ، فأجره على من هو على صورته ؛ لأنّه أحقّ به إذ أنشأه له ، وما ظهر بالاسم الظّاهر إلّا بوجوده فمن راعاه إنّما يراعي الحقّ وما يذمّ الإنسان لعينه وإنّما يذمّ الفعل منه ، والفعل ليس عينه ، وكلامنا في عينه ، ولا فعل إلّا للّه ؛ ومع هذا ذمّ منها ما ذمّ وحمد ما حمد ، ولسان الذّمّ على جهة الغرض مذموم عند اللّه تعالى ، فلا مذموم إلا ما ذمّه الشّرع ؛ فإن ذمّ الشّرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النّوع وإرداعا للمتعدّي حدود اللّه فيه "وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "  [ البقرة : 179 ] وهم أهل لبّ الشيء الذّين عثروا على سرّ النّواميس الإلهيّة والحكميّة ) .

ثم أشار إلى أن ترجيح الغيرة على الشفقة فيما لا يعم فيه الإفساد يشبه السيئة القبيحة مع حسنه في ذاته ؛ فقال : ( ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ)
أي : قتل قبيح( سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) أي : قتل يشبهه في أن تركه أولى من فعله ، فجعل القصاص سيئة، أي : مسمى بها مع أنه لا قبح فيه ، فلابدّ من تأويله ،
 ( أي : يسوء ذلك الفعل ) بالنظر إلى العفو ، وأخذ الفدية ( مع كونه ) بالنظر إلى نفسه ( مشروعا ) لا قبح فيه إذ ليس بمكروه ولا محرم ، لكنه يشبه المكروه الذي تركه أولى من فعله ، فسمي باسمه مجازا .

ثم أشار إلى ما هو الأولى ، فقال :( "فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ" ) بترك العداوة معه من كل وجه ("فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ")، ولم يذكر لمن اقتص أجرا وإن فعل مشروعا ، فكان العفو أولى منه ، وإنما كان أجر العفو على اللّه ؛ ( لأنه ) أي : الجاني المعفو عنه ( على صورته ) المعنوية التي ظهر بها في عينه الثابتة عند إشراق نوره عليها ، ( فمن عفا عنه ) ، وإن لم يقصد بذلك العفو عن صورة الحق ، ( ولم يقتله ) بعد العفو ، فإنه مبطل لأجر العفو موجب لوزر آخر ، ( فأجره على من هو ) أي : الجاني ( على صورته ) ، وإن كان الأجر بحسب القصد والنية ؛
( لأنه ) أي : العفو ( أحق ) أن يلحق ( به ) أي : بمن هو على صورته ، ( إذ أنشأه ) أي :
الجاني له ، أي : لكونه على صورته ، وما فعل بشيء فعل بما لأجله خلق ؛
وذلك لأنه ( ما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده ) ، إذ ظهوره قبله في العالمين كالظهور بالنسبة إليه ، وإن كان هذا مظهرا قاصرا بالنسبة إلى سائر المظاهر الكاملة الإنسانية ، فلا شكّ في كماله بالنسبة إلى غيرها من العالم سوى الملائكة وصالحي الجن ، وليسوا مظاهر الاسم الظاهر.

( فمن راعاه ) أي : الجاني ، ( فإنما يراعى الحق ) ، وإن لم يقصد مراعاته ترجع إلى قصد مراعاة الحق سيما إذا كان في قلبه أنه يعفو للّه ، كيف وقد خلق ذلك بخلاف عبادة الأصنام ، فإنها وإن رجعت إلى عبادة اللّه من وجه فلا يؤجر عليها ؛ لأنها لم تخلق لأن تعبد ،
وإن كانت من جملة مراتب الحق التي تقتضي كماله أن يعبد فيها ، لكن إنما يقتضى ذلك من المحجوبين عن المرتبة الجامعة ، فهي لم تخلق للعبادة بالنسبة إلى الكمّل الذين لا عبرة بغيرهم معهم على أن قصده عبادتها إفادة ظلمة في قلبه موجبة للحجاب عنه ،
وهذا ليس كذلك سيما إذا كان قصد العفو للّه مع أنه إنما يعبد المظهر لرؤيته كمال الظهور فيه ، وهو اعتقاد القصور فيه ،
ولا يتأتى ذلك في صورة العفو على أن عبادتها لو كانت مبنية على اعتقاد إلهيتها ، فلا يخفى ما في ذلك من عظم الظلمة .
ثم استشعر سؤالا بأنه كيف يكون هذا الجاني مظهرا كاملا ، وهو مذموم ؟
وكيف يكون أكمل مما في العالم غير الملائكة ، وصالحي الجن ، ولا يذم شيء منه ذمه ؟
قال تعالى :أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ[ البينة : 6 ] ، وقال :أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ[ الأعراف : 179 ] .

فأجاب عنه بقوله : ( « وما يذم الإنسان لعينه ) ؛ لأنه يشاركه في هذه العينية الكمّل والقاصرون ، ( وإنما يذم الفعل ) وهو القتل مثلا ( منه ) ، وفي نسخة : " لفعله " ، ( وفعله ليس عينه )  لا باعتبار المفهوم ، ولا باعتبار الصدق حتى يكون ذم الفعل ذم عينه .
" في نسخة أخرى: « والفعل ليس عينه » ."

( وكلامنا ) في المظهرية الكاملة للاسم الظاهر الإلهي ( في عينه ) ، إذ الفعل ليس من المظاهر الكاملة لهذا الاسم ، إذ هو من الأعراض الزائلة ؛ فلا نقصان في مظهريته باعتبار عينه لا فعله مع أن الفعل ليس بمذموم لعينه كيف ، ( ولا فعل ) من جهة الإيجاد ( إلا للّه ) ، وكيف يصدر عنه ما هو مذموم لعينه ،
ومع هذا أي : كون الأفعال كلها للّه ذم منها ما ذم كالحرام والفاسد ، وحمد منها ما حمد كالواجب والمندوب والصحيح ، وبقي منها ما بقي غير محمود ولا مذموم كالمباح ، فمدحها وذمها لا بالنظر إلى أعيانها ،
ولا بالنظر إلى صدورها من اللّه تعالى ؛ لأن المدح والذم بهذا الاعتبار حتى على وجوب رعاية الغرض الذي هو جرّ نفع أو دفع ضر إلى نفس الفاعل ؛

ولكن لسان الذم أي : إطلاقه بناء على جهة الغرض مذموم عند اللّه تعالى ؛ لتعاليه عن جر نفع أو دفع ضر عن نفسه ، وإنما يكون أحدهما في حق العباد لكن فعله في حق العباد لا يكون عن حاله إلا إذا حصل له أحدهما وهو متعال عنه ،
فإذا لا يقبح منه شيء ولا يوجب عليه شيئا كما تقوله المعتزلة بناء على أن الحسن والقبح عقليان وليس كذلك ، بل هو شرعي كما تقوله أهل السنة فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع من أفعال المكلفين من حيث هي أفعالهم ، وذلك من جهة اكتسابهم إياها إذ الشرع موضوع لهم ، وليس ذلك على سبيل التحكم .

فإن ذمّ الشرع بحكمة وهذه الحكمة غير الغرض إذ يعلمه كل عاقل ، والحكمة إنما يعلمها اللّه أو يعلمها من أعلمه اللّه من الكمّل ، وهي ما تفيد كمالا في الظهور الإلهي ، أو تدل على كمالاته دلالة كاملة سواء حصل في المحل نقص أو كمال .

( كما شرع القصاص للمصلحة ) ، وهو أيضا غير الغرض إذ لا نفع فيه للقاتل ولا للمقتول ، بل إنما شرعه ( إبقاء لهذا النوع ) بإفناء بعض أشخاصه ، ففيه نفع للبعض وهو الأكثر وضر للبعض ، وليس شيء منهما للمقتول ، ولا يجر حياة لغيره ؛ لأنها حاصلة له ، ولا يدفع ضررا عنه تحقق وقوعه بل هو أمر متوهم بدفعه ، فهذا في معنى دفع الضر في حق العامة ( وإرداعا للمتعدي حدود اللّه فيه ) ، وهو ضرر في حق غيره يدفع عنه ، فليس غرضا له ولا للّه تعالى ، فهذه المصلحة قريبة من الحكمة أو عينها ، وقد روعيت في القصاص بدليل قوله عزّ وجل :وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [ البقرة : 179 ] ، فذكر ما هي الحكمة أو المصلحة فيه .

وأشار إلى أنه لا يفهمها إلا الكمّل بقوله :يا أُولِي الْأَلْبابِ ،إذ غيرهم يرون فيه موت القاتل لا غير ، ( وهم أهل لب الشيء ) أي : باطنه المقصود منه ، وهو المسمى بالحكمة التي خص بالاطلاع عليها ( الذين عثروا على أسرار النواميس ) أي : بواطين الكلمات ( الإلهية والحكمية ) ، وهم أخص الخواص .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

قال رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول : “  وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها “  [ 42 / 40 ]  فجعل القصاص سيّئة ، أي يسوء ذلك الفعل ، مع كونه مشروعا ؟ “  فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُه ُ عَلَى الله “  لأنّه على صورته ، فمن عفى عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنّه أحقّ به إذ أنشأه له).
أي الحقّ ما أنشأ هذه النشأة الكاملة العبديّة إلا لنفسه ، فإنّه ما تصوّر إلا به .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده ، فمن راعاه إنما يراعى الحقّ ) إذ قد تقرّر غير مرّة أن العبد ممحوّ ، والعبودية ممحوّة الأثر .

مرجع الذمّ والحمد
ثمّ إنّه لما استشعر أن يقال هاهنا : كيف يصحّ أن يكون ذلك صورة الحقّ ، وهي مذمومة تارة ومحمودة أخرى ؟
نبّه على جوابه بقوله رضي الله عنه  : ( وما يذمّ الإنسان لعينه ، وإنما يذمّ الفعل منه ، وفعله ليس عينه ، وكلامنا في عينه ) أنّه صورة الحق .
فلئن قيل : الفعل له عين أيضا موجودة ، فكيف يصحّ أن يكون مرجع الذمّ - وهو العين من حيث هي - غير مذمومة ؟

قلنا : إنّ عين الفعل من حيث أنّها عين غير مذمومة ، وإنما اكتسبت ذلك من النسبة التي له إلى عين تلك الصورة ،
وأشار إلى هذا الاستكشاف بقوله رضي الله عنه : ( ولا فعل إلا لله ، ومع هذا ذمّ منها ما ذمّ ) أي ذم الفعل من العين واكتسب منها ذلك عند نسبته إليها ( وحمد ما حمد ) وفي بعض النسخ : وحمد منها .

ثمّ إنّه يمكن أن يقال : إنّ منشأ الذمّ إذا كان مجرّد نسبة الفعل إلى العين فكيف يكون الفعل منها محمودا تارة ، ومذموما أخرى ؟
فبيّن كيفية ذلك التمييز والتفصيل بقوله : ( ولسان الذمّ على جهة الغرض ) أي لغرض من الذامّ بخصوصه ، لا على جهة العموم وحفظ صورة الجمعيّة ( مذموم عند الله ولا مذموم إلا ما ذمّه الشرع ) الحافظ لتلك الصورة ، فإنّه هو الكاشف عن أحكام الأعيان وأوصافها .
إذ زمام أمر الإظهار إنّما هو بيده ، وهو الذي يتمكَّن عن إظهار بعض الأشياء بالحمد له وإخفاء الآخر بذمّه .

المشيئة والتشريع 
وبيان ذلك أنّك قد عرفت أن الأمر المقتضي لإيجاد المكوّنات - عينا كانت أو حكما - له مدرجتان في التنزل : إحداهما ذاتيّة بلا واسطة ، إنّما يتوجّه إلى تحقق الأعيان فقط ، وهو المشيئة ، والذي يتوجه لتحصيله هو الشيء ، وهو لكونه ذاتيّا لا يخالف - كما مرّ بيانه  والأخرى بالواسطة وهي إنما يتوجّه إلى أحكام الأعيان وأوصاف أفعالها وهو التشريع .
والذي يتوجّه لتحصيله هو الشرع .
وهاهنا تلويح كاشف : وهو أن شين « الشكل » الشاخص للمعاني ، إذا ظهر بحروف المدّ - التي هي مبادئ أصول الحروف وموادّ عيونها وذواتها - إنما يصلح لأن يدلّ على أعيان الموجودات فقط ، وهو « الشيء » الحاصل من أمر المشيئة .

وإذا ظهر بحروف الإظهار - أعني الراء والعين ، فإنهما لا يجتمعان في كلمة إلا ويدلّ ذلك على الإظهار فإنّهما أصل الرؤية والعيان - وهو الذي يصلح لأن يكشف عن أحكام الأعيان وإظهار أوصافها ، وذلك هو الشرع الحاصل من أمر التشريع .

وجه المذموميّة المصلحة الشرعيّة 
ثمّ إن وجه لمّية أمر الإظهار أعني بيان محموديّة بعض الأفعال وخصوصيّتها المقتضية لها ، ومذموميّة الاخرى من جلائل الحكم ودقائقها . فإنّ الكل من حيث أنّه مظهر لأوصاف الحقّ وأسمائه فهو محمود . فإن ذمّه الشرع فلمصلحة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن ذمّ الشرع لحكمة ) دقيقة لا يطَّلع عليها بالقوّة البشريّة ، بل ( يعلمها الله أو من أعلمه الله كما شرع القصاص للمصلحة ، إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدّي حدود الله فيه ) توفية لحكمي المقتضي والمانع .

والذي يكشف عن تلك المصلحة قوله تعالى : ( “  وَلَكُمْ في الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ “  [ 2 / 179 ] “  ، فخصّ الخطاب باولي الألباب تنبيها على أن هذا السرّ إنّما يختصّ به هؤلاء

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهم أهل لبّ الشيء ، الذين عثروا على سرّ النواميس الإلهيّة والحكميّة ) ، فإنّ للبّ مدرجتين : إحداهما خصوصيّة صورة الشيء ذي اللبّ ، مما يتعلَّق بظهور آثاره وخواصّه بين العباد وهي الحكميّة  والأخرى جهة أصله ومعناه ، مما يتعلَّق حقيقته من النسبة التي لها إلى الأسماء الإلهيّة .
و "الباء " يلوّح إلى هذه المدرجة الأسمائية ، كما عرفت وجه ذلك .
واللام إلى الأولى فإنّها إشارة إلى تمام التفصيل الكتابيّ ، وذلك هو تمام الحكمة .
هذا كلام وقع في البين . والحاصل منه تمهيد مقدّمة كاشفة عن غاية هذه النشأة وطريق تحصيلها برعاية بنيتها تأسّيا بالحكمة الإلهيّة . وهي أن الله تعالى راعى هذه النشأة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ألا تراه يقول «وجزاء سيئة سيئة مثلها؟» فجعل القصاص سيئة، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا.
«فمن عفا وأصلح فأجره على الله» لأنه على صورته.
فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته لأنه أحق به إذ أنشأه له، وما ظهر بالاسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه إنما يراعي الحق.
وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه، وفعله ليس عينه، وكلامنا في عينه.
ولا فعل إلا الله، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد منها ما حمد.
ولسان الذم على جهة الغرض مذموم عند الله.
فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها الله أو من أعلمه الله، كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمعتدي حدود الله فيه.
«ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب» وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر لنواميس الإلهية والحكمية. ) .

 قال رضي الله عنه :  (ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيّية ، أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا .فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[ الشورى : 40 ] لأنّه على صورته . فمن عفا عنه ولم يقتله . فأجره على من هو على صورته لأنّه أحقّ به إذ أنشأه له . وما ظهر بالاسم الظّاهر إلّا بوجوده فمن راعاه إنّما يراعي الحقّ وما يذمّ الإنسان لعينه وإنّما يذمّ الفعل منه ، والفعل ليس عينه ، وكلامنا في عينه . ولا فعل إلّا للّه ؛ ومع هذا ذمّ منها ما ذمّ وحمد ما حمد . ولسان الذّمّ على جهة الغرض مذموم عند اللّه تعالى . فلا مذموم إلا ما ذمّه الشّرع ، فإنّ الشّرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النّوع وإرداعا للمتعدّي حدود اللّه فيه)

قال رضي الله عنه :  ( ألا تراه تعالى يقول :وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فجعل القصاص سيئة أي لسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا ) ،
وما يقال : إنما يقع أمثال ذلك على سبيل المشاكلة فلا ينافي القصد من البلغاء إلى مثل تلك المعاني والخواص ( فمن عفى وأصلح فأجره على اللّه لأنه ) ، أي المعفو عنه ( على صورته ) ، أي صورة الحق ( فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو ) ، أي المعفو عنه ( على صورته ) ، وهو الحق سبحانه ( لأنه ) ، أي الحق سبحانه ( أحق به ) ، أي بالعبد المعفو عنه ( إذ أنشأه له ) ، أي لنفسه حتى يظهر به أسماءه وصفاته .

قال رضي الله عنه :  ( وما ظهر الحق باسم الظاهر إلا بوجوده فمن راعاه ) ، بأن عفى عنه ولم يقتله ( فإنما يراعي الحق ) بإبقاء مظهره حتى يتمكن من الظهور ( وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم لفعله وفعله ليس عينه وكلامنا في عينه ولا فعل إلا للّه ومع هذا ذم منها ) ، أي من الأفعال .

قال رضي الله عنه :  ( ما ذم وحمد منها ما حمد ، ولسان الذم على جهة الغرض ) بأن ذم أحد شيئا لا يوافق غرضه ( مذموم عند اللّه بخلاف ما ذمه الشرع ) ، وهذا صريح في أن حسن الأشياء وقبحها شرعي لا عقلي ( فإن ذم الشرع لحكمة يعلمها اللّه أو من أعلمه اللّه كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع وإرداعا للمتعدي حدود اللّه فيه ) ، أي في هذا النوع .

قال رضي الله عنه :  (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ[ البقرة : 179 ] وهم أهل لبّ الشيء الذّين عثروا على سرّ النّواميس الإلهيّة والحكميّة . )
وقيل : المعنى فيه أي في القصاص ورد به قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِوهم أهل لب الشيء الذين عثروا ) ، أي اطلعوا ( على أسرار النواميس الإلهية ) التي يحكم بها الشرع ( والحكمية ) التي يقتضيها العقل .

.
واتساب

No comments:

Post a Comment