Sunday, January 12, 2020

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن عشر فص حكمة نفسية في كلمة يونسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
هذا فص الحكمة اليونسية ، ذكره بعد حكمة داود عليه السلام لأنه تهذيب فيها وتكميل لها وبيان لاحترام النوع الإنساني مطلقا بقدر الإمكان ، اعتبارا للخلافة العامة الثابتة لكل مكلف فيما يملك من الحقوق ، وإن جار فيها وظلم وتجاوز الحد ، فإنه مسؤول عن ذلك بعد عزله بالموت .

قال تعالى :"وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"[ الحديد : 7 ] . وقال تعالى :"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ"[ الأنعام : 165 ] ، وقال تعالى :"إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ"[ الأنعام : 133 ] . وقال تعالى ":وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ"[ الأعراف :69 ] وقال تعالى :"وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ" [ الأعراف : 74 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن جميع بني آدم خلفاء في الأرض ،
لكن ليست الخلافة الكاملة في الظاهر كخلافة الملوك أو في الظاهر والباطن كخلافة الأنبياء عليهم السلام وورثتهم من الأولياء
.
(فص حكمة نفسية) ، أي منسوبة إلى النفس الإنسانية (في كلمة يونسية) ، إنما اختصت حكمة يونس عليه السلام بكونها نفسية ، لأن الكلام فيها على النفس الإنسانية ولزوم احترامها وخلاصها من ظلمة المعصية على حسب الإمكان كما تخلصت نفس يونس عليه السلام من نفس الحوت الذي ابتلعته ونجاه اللّه تعالى من الظلم الثلاثة ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت . 
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ هذه النّشأة الإنسانيّة بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ، فلا يتولّى حلّ نظامها إلّا من خلقها ، إمّا بيده - وليس إلّا ذلك - أو بأمره . ومن تولّاها بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه وتعدّى حدّ اللّه فيها وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته ).
(اعلم) يا أيها السالك (أن النشأة)، أي الخلقة (الإنسانية) الآدمية (بكمالها) ظاهرا وباطنا (روحا)، أي من جهة الروح (وجسما)، أي من جهة الجسم (ونفسا)،

أي من جهة النفس وكذلك من جهة العقل (خلقها)، أي تلك النشأة (اللّه) تعالى (على صورته) كما ورد في الحديث : « أن اللّه خلق آدم على صورته » .
وفي رواية : « على صورة الرحمن »  وصورة الشيء مجموع صفاته ومدلولات أسمائه إذا سألت أحدا عن صورة شيء وأردت منه بيانها إذا كانت غائبة عنك لتعرفها ، فإنه يأتي لك بصفات ذلك الشيء ومدلولات أسمائه ،
فيقول لك مثلا ، الورد أحمر طيب الرائحة مستدير الورق في وسطه صفرة أخضر الساق مشوكه ونحو ذلك ، فالذي ذكره لك صورته ، وأنت تعلم أن الورد جسم مخلوق ، فتتخيل معنى الصفات التي ذكرها لك على حسب فهمك ، فتصير عارفا بالورد وصورة كل شيء عندك من محسوس ومعقول مناسبة لذلك الشيء ،
وإذا سألت أحدا عن صورة أمر معقول كمسألة ونحوها فإنه يأتيك بصفاتها أيضا ، فتفهمها وتتخيلها على حسب قوتك العقلية ، فتكون عارفا بتلك المسألة ،
وكذلك إذا أردت أن تعرف صورة ما ليس بمحسوس ولا معقول ولا جسم ولا عرض ، فإنه يوصف لك بصفاته ، فإذا فهمتها على حسب ما هو عندك من أنه ليس بمحسوس ولا معقول ولا جسم ولا عرض ، فقد عرفت ذلك الشيء وميزته عن غيره ،
وأما إذا فهمتها على غير ما هو عنك لذلك الشيء بأن فهمتها على حد ما هي منسوبة إلى غير ذلك الشيء من المحسوسات أو المعقولات أو الأجسام أو الأعرض ،
فقد أدركت ذلك الفهم إلى الضلالة في ذلك الشيء وإلى تناقضك فيه ، من أنك تعرف أنه ليس بمحسوس ولا معقول ولا جسم ولا عرض ،
ومع ذلك تفهم أوصافه أنها مثل أوصاف المحسوس أو المعقول أو الجسم أو العرض ، فيكون عندك في نفسك من تلك الصفات المذكورة لك صورة تخالف صورة ذلك الشيء التي أرادها الواصف لك وهو الجهل الفاحش والخبث القبيح ،
فاعرف صورة اللّه تعالى الواردة في الحديث التي هي مجموع صفاته سبحانه ومدلولات أسمائه ، فإن الشرع شرع لك ذلك وبسط الكلام فيه في الكتاب والسنة ،
وأنت تعلم عقلا أن الخالق لا يساوي المخلوق ولا من وجه أصلا ، إذ لو ساواه من وجه ، لجاز في حقه ما جاز في حق ذلك المخلوق من ذلك الوجه ، الجائز في حق المخلوق الفناء والزوال من كل وجه ،
والخالق تعالى لا يجوز في حقه ذلك وإلا لكان مخلوقا مثله والمخلوق عاجز ،  والعاجز ليس بخالق ، فأضيف إلى هذا التنزيه العقلي التشبيه الشرعي ، وخالف الفلاسفة ومن تبعهم في إنكارهم واقتصارهم على التنزيه العقلي حتى تبعتهم المعتزلة في إنكار رؤية الرب تعالى في الآخرة .

وافهم الصفات الشرعية الواردة في حق اللّه تعالى على حسب التنزيه العقلي تكن من المؤمنين العارفين ، وتحقق أن صورة اللّه تعالى هي مجموع صفاته ومدلولات أسمائه الواردة في الكتاب والسنة ، ولا تفهم شيئا من ذلك كما تفهمه إذا نسب إلى المخلوق ، تعرف حينئذ معنى أن اللّه تعالى خلق آدم على صورته ،
وكذلك كل إنسان من أولاد آدم مخلوق على الصورة الإلهية أي مخلوق له أعضاء جسمانية وقوى روحانية مسماة بأسماء الصفات والأسماء الإلهية ، وكل عضو منها وقوّة منها مظهر لما يناسبها من الصفات والأسماء الإلهية ،
والجميع مظهر للجميع حتى الذات للذات ، فالصورة الآدمية مظهر للصورة الإلهية ، والحضرة الربانية عند قوم ، وحجابه عليها عند قوم آخرين .

(فلا يتولى حل) ، أي إزالة (نظامها) ، أي هذه النشأة الإنسانية وإماتتها (إلا من خلقها) وهو اللّه تعالى (إما بيده ) سبحانه وهو الموت حتف الأنف وغيره (وليس) الواقع (إلا ذلك) كما قال تعالى :"يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها"[ الزمر : 42 ]
وإن كان بواسطة ملك الموت ولكن لما كان التأثير له تعالى وحده ولا تأثير لملك الموت في ذلك لم يذكره تعالى في هذه الآية في قوله سبحانه :"قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ"[ السجدة : 11 ] لم يذكر سبحانه أنه هو المتوفي لهم وذكر ملك الموت ،
لأنه خطاب للكافرين وهم لا يعرفون اللّه تعالى ولكن يعرفون المخلوق ، فنسبت الوفاة إليه مناسبة لهم (أو بأمره )، أي اللّه تعالى كقتل المحصن بالحد ، والقتل بالقصاص ، وقتل أهل الحرب والردة ونحو ذلك .

(ومن تولاها )، أي تلك الفعلة في هذه النشأة الإنسانية (بغير أمر اللّه) تعالى بأن قتل أحدا من غير حق ببغي أو قطع طريق أو نحوه (فقد ظلم) ذلك المتولي للقتل نفسه المكلفة شرعا بالكف عن مثل ذلك (وتعدى حد اللّه) تعالى (فيها ) ،
أي في تلك الفعلة المذكورة وسعى في خراب من أمر اللّه تعالى بعمارته من هذه البنية الآدمية والنشأة الإنسانية ، قال تعالى :وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً[ المائدة : 32 ] .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
 ( فص حكمة نفسية ) بفتح الفاء ( في كلمة يونسية ) ولما كان بين النفوس الناطقة وبين هذا النبي مناسبة في بعض الأحكام وهي ابتلاؤه بالحوت وابتلاؤها بالتعلق بالجسم الظلماني وغير ذلك من المناسبات الجامعة التي ذكرها داود القيصري في شرحه لهذا الكتاب .
"" أضاف المحقق :النقطة الأساسية التي يحوم حولها هذا الفص هي الإنسان طبيعته ومنزلته من الوجود .
وحكمة هذا الفص إلى يونس فلا يمكن تعليها إلا أساس أن المؤلف يعتبر يونس مجرد رمز للنفس الإنسانية الناطقة التي نادت ربها في الظلمات
وإذا كان في مقدور النفس الإنسانية وحدها أن تعرف اللّه وأن تسبحه وتقدسه فهي الجديرة وحدها بأن تحمل اسم الإنسان وأن تكون منه موضع الكرامة .""

أورد حكمتها في كلمته ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها ) قوله ( روحا وجسما ونفسا ) وقع تميزا بكمالها ( خلقها اللّه على صورته ) أي على صفته الكاملة من السمع والبصر والقدرة والإرادة وغير ذلك ، كما قال : كنت سمعه وبصره إلخ فإذا خلق اللّه هذه النشأة على صورته ( فلا يتولى ) أحد ( حل نظامها إلا من خلقها إما بيده ) أي إما حل بيده من غير واسطة في الخارج ( وليس ) سبب الحل ( إلا ذلك ) أي باليد
( أو بأمره ) أي بأمر الحق كالقصاص وغيره من الأسباب الشرعية فقوله وليس إلا ذلك جملة معترضة بين قوله إما بيده أو بأمره لحصر الحل في أحدهما فقطعت احتمال السبب الآخر غيرهما ( ومن تولاها ) أي ومن تولى حل نظام هذه النشأة ( بغير أمر اللّه ) أي بغير أمر شرعي كالقتل بغير حق ( فقد ظلم نفسه وتعدى حدّ اللّه فيها ) أي في النشأة الانسانية ( وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته ) وهو قوله تعالى :وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ[ الطلاق : 1 ] .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

قال رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.  ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

قلت : أما أن الحق تعالی خلق آدم على صورته، فهو حديث نبوي ومعناه
أن النشأة الإنسانية قد جمعت في ذاتها حقائق الأسماء الإلهية، فصارت بهذا على الصورة المقدسة، فلا يجوز لأحد أن يتعرض لفسادها 
قال: والشفقة على خلق الله أولى بالرعاية من الغيرة لله.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )
18 - فصّ حكمة نفسية في كلمة يونسية
إنّما أضيفت الحكمة النفسية إلى الكلمة اليونسية ، لما نفّس الله بنفسه الرحماني عنه كربه التي ألبّت عليه من قبل قومه وأهله وأولاده من جهة أنّه كان من المدحضين ،   ( فَالْتَقَمَه ُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ )   ،  فلمّا سبّح واعترف واستغفر   ( فَنادى في الظُّلُماتِ أَنْ لا إِله َ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ )   ، فنفّس الله عنه كربه ووهبه أهله وسربه ، قال تعالى :   ( وَنَجَّيْناه ُ من الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
"قال العبد : حاله عليه السّلام كان ضرب مثل لتعيّن النفس الناطقة بالمزاج العنصري وأهوال أحوال المزاج الطبيعي .
وفيه رواية ، أنّ حكمته مستندة إلى النفس الرحماني بفتح الفاء لما نفّس الله عنه جميع كربه المجتمعة عليه من قبل أهله ونفسه وولده وماله ."
ووجدت بخطَّ الشيخ المصنّف رضي الله عنه مقيّدا بفتح الفاء في النفس فصحّحنا النسخ به ، وكان عندنا بسكون الفاء.
وقد شرح شيخنا الإمام الأكمل أبو المعالي ، صدر الدين ، محيي الإسلام والمسلمين ، محمد بن إسحاق بن محمد في « فكّ الختوم » له على أنّها حكمة نفسية على ما سنشرح ذلك إن شاء الله ، والوجهان فيها موجّهان .

قال رضي الله عنه : ( اعلم : أنّ هذه النشأة الإنسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا ، خلقها الله على صورته ، فلا يتولَّى حلّ نظامها إلَّا من خلقها إمّا بيده - وليس إلَّا ذلك - أو بأمره ) .
قال العبد : قد تقدّم في شرح الفصّ الآدمي سرّ قوله : « خلق الله آدم على صورته » وأنّه سارى الحكم في أولاد آدم وذرّيّته ، فإنّ المراد منه النوع ، فلمّا كان الإنسان على الصورة الإلهية ، فلا يجوز أن يتولَّى حلّ نظامها إلَّا الله ، فإنّ قبض الأرواح والأنفس على اختلاف ضروبها من قبضها بملك الموت أو بالقتل والهدم وغير ذلك فإنّ الأمر يرجع في كل ذلك إلى الله.
كما قال :   ( الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ )   أي يستوفي أخذها   ( حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها ) أي يأخذها في نومها ، والأسباب الموضوعة لذلك كلَّها في قبضة الله وبيده .

وقوله : « أو بأمره » إشارة إلى الحكم الشرعي بالقصاص ) ومن تولَّاها بغير أمر الله » يعني ظلما « فقد ظلم وتعدّى حدّ الله فيها وسعى في خراب ما أمر الله بعمارته( .
اعلم : أنّ الشفقة على عباد الله أحقّ بالرعاية من الغيرة في الله » .

يعني : الإبقاء على النفوس المستحقّة للقتل شرعا والكفّار وغيرهم مع ما ورد التحريض في الشرع على الغزو شفقة عليها أحقّ بالرعاية من الغيرة في الله الموجبة للقتل ، فإنّ في القتل هدم بنيان الربّ وهو الإنسان ، وفي الإبقاء والشفقة على النفوس وإن كانت كافرة ما قد يوجب استمالة الكافر على الدين كما شوهد هذا في كثير ولا سيّما إذا أبقى عليه بنيّة ذلك ، فإنّ الله يثيبه على ذلك ، ولا يؤاخذه على عدم الغيرة فيه .
والغيرة نسبة لا أصل لها في الحقائق الثبوتية ، فإنّها من الغيرية ، وبانتفائها في حقيقة الأمر تنتفي الغيرة تحقيقا لا حميّة عصبيّة عصيّة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

18 -  فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
إنما خصت الكلمة اليونسية بالحكمة النفسية ، لما نفس الله بنفسه الرحماني من كربه الذي لحقه من جهة قومه وأولاده وأهله ، أو لما دهمه في بطن الحوت ، أو من جهة أنه كان من المدحضين ، أو من جميع تلك الأمور حيث سبح واعترف واستغفر ( فَنادى في الظُّلُماتِ أَنْ لا إِله إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ )   فنفس الله عنه كربه ووهبه سربه وأهله .
قال تعالى :  ( ونَجَّيْناه من الْغَمِّ وكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )   وقيل نفسية بسكون الفاء لأنه ظهر بالنفس وفارقهم من غير إذن الله فابتلاه الله بالحوت أي بالتعلق البدني والتدبير الذي يلزم النفس عند استيلاء الطبيعة وخصوصا عليها ، وخصوصا عند الاجتنان في بطن الأم ، ولهذا وصف بكونه عليما .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الإنسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته ، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها إما بيده وليس إلا ذلك ، أو بأمره ) .
بكمالها أو بمجموعها ظاهرا وباطنا كما ذكر في الفص الأول لأن المراد بآدم نوع الإنسان ، ولما خلقها بيديه على صورته لم يجز أن يتولى حل نظامها إلا هو.
كما قال تعالى : ( الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) وليس ذلك إلا لعدم جواز تخريب البنيان الإلهي إلا بيده على مقتضى حكمته أو بأمره كما في القصاص ( ومن تولاها بغير امر الله ) أي ظلما .
(فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها ، وسعى في خراب من أمره الله بعمارته)
يعنى أن الإبقاء على النفوس المستحقة للقتل شرعا كالكفار والمشركين وغيرهم أحق بالرعاية لأنها بنيان الرب من القتل غيرة في الله أي في حقه وفي دينه من أن يعبد غيره.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
اعلم ، أن النفس الناطقة الإنسانية مظهر الاسم الجامع الإلهي ، فهي من  حيث إنها كذلك ، برزخ للصفات الإلهية والكونية والمعاني الكلية والجزئية ، ولهذا البرزخية تعلقت بالأبدان ، إذ البرزخ لا بد أن يكون فيه ما في الطرفين ،
فجمعت بين ما هو روحاني محض ومعنى صرف مقدس عن الزمان والمكان منزه عن التغير والحدثان ، وبين ما هو جسماني طلق محتاج إلى المكان والزمان ، متغير بتغيرات الأزمان والأكوان ، فتم لها العالم العلوي الروحاني  والسفلى الجسماني ، فصارت خليفة في ملكها مدبرة لرعاياها .
ولهذا المعنى أورد الشيخ ، رضي الله عنه ، بعد الحكمة ( السليمانية ) و ( الداودية ) : تتميما لما يتعلق به الخلافة .

وإنما قارنها بالكلمة ( اليونسية ) ، لأنه كما ابتلاه الله بالحوت في اليم ، كذلك ابتلى النفس بالتعلق في الجسم . وكما أنه نادى في الظلمات : ( أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) . قال تعالى فيه : ( ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) .
كذلك توجهت النفس أيضا في عين ظلمات الطبيعة والبحر الهيولاني والجسم الظلماني إلى ربها ، فانكشف لها وحدانية الحق وفردانيته ، فأقرت بها واعترفت بعجزها وقصورها ، فأنجاها الله من مهالك الطبيعة ، وأدخلها في أنوار الشريعة والطريقة والحقيقة في مقابلة الظلمات الثلاث ،  ورزقها النعيم الروحاني في عين الجحيم الجسماني .
ولمناسبات أخر بين النفس وبينه من ابتلاع حوت الرحم النطفة المشتملة على روحانية النفس المجردة وأنوارها وكونها في الظلمات الثلاث التي هي الرحم والمشيمة والجلد الرقيق الذي فيه الجنين وغيرها من المعاني الجامعة بينهما التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم .

فهذه الحكمة حكمة ( نفسية ) ، بسكون ( الفاء ) . وقيل : نفسية ، بفتح ( الفاء ) ، لما نفسه الله بنفسه الرحماني من كربه الذي لحقه من جهة قومه وأولاده ، وغير ذلك مما جرى له في بطن الحوت . وليس في تقرير هذه الحكمة ما يدل عليه . والله أعلم بالمراد

( اعلم ، أن هذه النشأة الإنسانية بكمالها ) أي ، بجمعها ظاهرا وباطنا ) روحا وجسما ونفسا ، خلقها الله على صورته . ) أي ، صورته المعنوية التي هي صفاتها الكمالية .
( فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها ) أي ، لا يتولى حل نظام هذه النشأة الإنسانية ولا يباشرها إلا من خلق له هذه النشأة . وذلك ( إما بيده )
كما قال تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها ) . ( وليس إلا ذلك . أو بأمره . ) أي ، وليس حل نظامها إلا بيده من غير واسطة ، أو بواسطة أمره وهو الملك .

فسمى الملك ( أمرا ) ، لكونه موجودا بالأمر كما يسمى عالم الأرواح ب‍ ( الأمر ) .
) ومن تولاها بغير أمر الله ، فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب ما أمر الله تعالى بعمارته . ) ضمير ( تولاها ) ( النشأة ) . أي ، من تولى حل نظام هذه النشأة الإنسانية بغير أمر الله ، أي بغير الأمر الشرعي - لا أمر المشيئة ، فإن ذلك محال إذ لا يقع شئ إلا بالمشيئة - وتعدى حدود الله التي وضعها في محافظة النشأة الإنسانية وسعى في خراب هذه النشأة التي أمر الله بعمارتها ، فقد ظلم نفسه .
كما قال : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) . فجواب الشرط مقدر بعد الجمل الثلاث .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

الفص اليونسي
18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بالنفس الإنسانية من حيث توسطها بين الروح والجسم ؛ لاكتساب الكمالات من الجانبين إلى أن يصير صورة كاملة للحق الجامع ، فيتم تدبيرها بالحق لبدنها ، وبدن من يناسبها ذلك العلم بزينته ، وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى يونس عليه السّلام ، حيث تم تدبير نفسه لبدنها حتى حفظته في بطن الحوت إلى يوم يبعثون ؛ وذلك لأمانه عن التلف ؛ لأنه حرم على الأرض أجساد الأنبياء ، وقد سرت أنوارها إلى قومه فآمنوا ، فقبل إيمانهم بعد شهود أمارة العذاب ، ورفع عنهم بعد نزوله ، ثم لم يزل يدبرهم ، وهم مائتا ألف أو يزيدون .
قال رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ هذه النّشأة الإنسانيّة بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ، فلا يتولّى حلّ نظامها إلّا من خلقها ، إمّا بيده وليس إلّا ذلك أو بأمره ، ومن تولّاها بغير أمر اللّه ؛ فقد ظلم نفسه وتعدّى حدّ اللّه فيها وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته)

قال رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الإنسانية ) فيه إشارة إلى أن حدوثها لا ينافي كونها صورة كاملة للحق الجامع ( بكمالها ) أي : باعتبار كمال مراتبها لقبول الصورة الكاملة للحق الجامع (روحا وجسما ونفسا ) ، فإنها في هذه النشأة أكمل منها في غيرها باعتبار المرآتية خلقها اللّه على صورته الجامعة للتنزيه ، والحياة والعلم ، والإرادة ، والقدرة ، والسمع والبصر والكلام ، والظهور بذلك فيها بأتم الوجوه ، والمراد بالصورة المعنوية
كما يقال : صورة المسألة كذا ، وإذا كان ( خلقها على صورته ) ، ( فلا ) يجوز أن ( يتولى حل نظامها ) الذي به كمال مراتبها ( إلا من خلقها ) ، فإن له أن يتولى حله ( إما بيده ) أي : قدرته ، وكيف لا يكون لها حله ، ( وليس ) من خلقها ( إلا ذلك ) ، أي : يده (أو) من يحله (بأمره).

أي :  تجويزه ، فإن يد المأمور كيد الأمر عند صفاء المرآتية ، وهو أمر خفي لا يعلمه إلا هو ، فلا يتعاطاه إلا هو أو مأموره ، لكنه مأموره ، فلا يفعل ذلك عند مظنته عن العجز عن التحقيق ،
قال رضي الله عنه :  ( ومن تولاها ) أي : حل نظامها بحذف المضاف إلى الضمير ( بغير أمر اللّه ) أي : تجويزه ، ( فقد ظلم نفسه ) بأبطال مرآتيتها للحق العدل الحكيم ؛ وذلك لأنه ( تعدى حد اللّه فيها ) ، وهو ألا يقتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض من حرب المؤمنين ، أو ردة ، أو زنا بإحصان أو نحوها ، فلم يكن مظهر الاسم العدل .

قال رضي الله عنه :  ( وسعى في خرابها بما أمره اللّه بعمارها ) بالإعانة على الطاعة ، والعلوم المفيدة له كما لا تتم مرآتيته لظهور الحق فيه بصورة كاملة ؛ ولذلك عوتب يونس عليه السّلام إذ ذهب مغاضبا على عدم نزول العذاب عليهم ، وهو إذا كان بدعائه ينزل منزلة قبلهم ، فإذا كان بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه ؛ ولذلك قال :إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين َ[  الأنبياء : 87 ] ، وقيل في حقّه :فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ[ الصافات : 142 ] ،
وهذا الظلم وإن لم يكن معصية في حقّه لعصمته ، فلا شكّ أنه ترك الأولى ، وإليه الإشارة بقوله :
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

18 - فصّ حكمة نفسية في كلمة يونسية
وجه تسمية الفصّ
ووجه اختصاص الكلمة اليونسيّة بالحكمة النفسيّة ما في أصل حقيقة النفس وكنه قابليّتها من أنّها ما لم تتنزّل من معارج أعالي القدس ومطالع أنوار الجبروت إلى محاوي أسافل بحور الجسم وظلمات بطون حيتان الأمزجة ، لم يحصل لها استعداد الترقّي إلى مراقي القرب ونادي الخطاب والمناداة ، حتى فاز في عين تلك الظلمات بالتوحيد التنزيهيّ في حضرة الحضور ، والتسبيح الجمعي في مجلى الخطاب ، إلى أن نفّسه الله تعالى من كربه ونجّاه من تعبه .

فعلم أن للكلمة اليونسيّة اختصاصا بمادّة حروف النفس - بفتح الفاء كانت أو بسكونها - فإنّ الجهة الامتيازيّة بين المادّتين إنما هو الفاء والواو ، وذلك تتقاربان لفظا ومخرجا .
وإنما يفترقان رقما بالاتصال الموجب للخفاء ، والانفصال الحاكم بالظهور .
ثمّ إنّك قد عرفت عند الكلام على وجه ترتيب الكتاب ونظم فصوصه على النسق المخصوص أن الكلمة اليونسيّة هي التي تمّت بها السير الكمالي ، الذي في عرض الأرض الاعتدالي الإنساني ، صوب إظهار الأوضاع الكماليّة من الصور الشرعيّة والأحكام المشعرة ،
ولذلك تراها وقد جمعت بين الرسالة إلى مائة ألف أو يزيدون وهي منتهى مراتب الإظهار وبين الاختفاء في غياهب طبقات الظلمات ، فإنّ كل متوجّه إلى طرف ما لم يصل إلى ما يقابله من الطرف الذي يضادّه في تلك الجهة المتوجّه إليها لم يتمّ له ذلك الطرف عند التحقيق.

ومن هاهنا ترى الهويّة المطلقة - التي هي موطن كل كمال وتمام - يسمّى عند القوم بمجمع الأضداد ومعتنق الأطراف .
وبيّن أن منتهى أمر هذا الإظهار المذكور هي الخلافة المترتّبة على الرسالة .
ومن جملة أحكام الخلافة وخصائصها اللازمة لها الغلبة على بني نوعه وقهرهم وقتل الأنفس منهم ، فلذلك بنى الكلام في هذا الفصّ عليه وأطنب في تحقيقه .

من يتولَّى حلّ نظام النشأة الإنسانيّة ؟
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ هذه النشأة الإنسانية بكمالها ) - عند بروز ما استجنّ في أرض قابليّتها على مزارع الإظهار ( روحا ونفسا وجسما - خلقها الله على صورته ) الجامعة بين التنزيه الذي هو مدرك الروح ، والتشبيه الذي هو مدرج الجسم ، والجامع بينهما أعني اللطيفة التي هي النفس الناطقة وهي المسمّاة بالقلب في عرفهم الخاصّ .
فإطلاق النفس هاهنا على النفس الناطقة بالعرف العامّ الذي عليه كلمة أهل النظر والحكماء وكثيرا ما يتنزّل في هذا الكتاب على عرفهم ومداركهم ، كما قد اطَّلعت عليه في الفصّ الآدمي .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلا يتولَّى حلّ نظامها إلا من خلقها ) ، وذلك التولية ( إمّا بيده )  كما سبق بيانه في حكم المشيئة التي هي بلا واسطة .
""أضاف المحقق :  المؤلف يتعرض لما قاله القيصري : " أو بواسطة أمره ، وهو الملك ، فسمى الملك أمرا لكونه موجودا بالأمر ، كما يسمى عالم الأرواح بالأمر " .""

كما قال : “  الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها “  [ 39 / 42 ] ( وليس ) في الحقيقة ( إلا ذلك أو بأمره ) وهو الذي بالواسطة ، أي بواسطة الرسل وأحكامهم المنزلة عليهم .

فلا يحتاج إلى أن يجعل « الأمر » بمعنى « الملك » فإنّ أمر الرسل أمره بالواسطة .
وقد حقّق آنفا أنّ الواقع في نفس الأمر لا يخلو عن الأمرين ، والكلّ تحتهما وإن كان عند التحقيق - الذي بالواسطة بيد الله ، كما سبق في بحث المشيئة تحقيقه .
وكان قوله : « وليس إلا ذلك » إشارة إلى هذا المعنى .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ومن تولَّاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه ) من حيث أنه هدم صورته الكاملة ( وتعدّى حدّ الله فيها ) ومن حيث أنه حكم بالكفّ عنه ( وسعى في خراب من أمره الله بعمارته ) وهو إصلاح الصورة وإتمام أمرها . فإنّ سائر الأنبياء إنما وضعوا الأحكام لإتمام تلك الصورة وإحكام نظامها ، فإن سائر تلك الأحكام متعلقة بأفعال هذه الصورة ، والفعل تمام صورة الشخص.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الانسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها، إما بيده وليس إلا ذلك أو بأمره.
ومن تولاها بغير أمر الله فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها وسعى في خراب من أمره الله بعمارته. )

الفصّ اليونسي
18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّ هذه النّشأة الإنسانيّة بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ، فلا يتولّى حلّ نظامها إلّا من خلقها ، إمّا بيده - وليس إلّا ذلك - أو بأمره .  ومن تولّاها بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه وتعدّى حدّ اللّه فيها وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته .)

لما نفس اللّه سبحانه بنفسه الرحماني عن كرب يونس عليه السلام بتخليص نفسه القدسية عن توهم خراب صورته الجسمانية وعدم نشأته العنصرية المانعين لها عن الوصول بكمالها حين ألقاه من بطن الحوت إلى ساحل اليم ، وصف حكمته بالنفسية بسكون الفاء كما ذهب إليها أكثر الشارحين ، أو النفسية بفتحها كما تشهد بها النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه .

وظهر من ذلك وجه تصدير قصته عليه السلام بما يدل على وجوب المحافظة للنشأة الإنسانية عن هدمها وحل نظامها حيث قال :
و ( اعلم أن ) هذه ( النشأة الإنسانية بكمالها ) ، أي بتمامها ( روحا وجسما ونفسا خلقها اللّه على صورته ) الجامعة بين التنزيه الذي تدركه الروح والتشبيه الذي تحكم به القوى الجسمانية ، والجمع بينهما الذي ينكشف للطيفة القلبية الجامعة بين أحكام الروح والجسم المتوسط بينهما ، وكأنه رضي اللّه عنه أراد بهذه اللطيفة النفس وإن كانت مسماة القلب في عرفهم ،

وهي في الحقيقة غير الروح لكن باعتبار تفاعل واقع بين صفاته التجريدية الذاتية وبين أحوالها التعلقية العرضية واستقرارها على حالة متوسطة اعتدالية من غير غالبية فاحشة ولا مغلوبية كذلك كما تقول الحكماء في المزاج ( فلا يتأتى حل نظامها إلا من خالقها ) ، وهو اللّه سبحانه ( إما بيده ) ،
أي بغير واسطة الأمر التشريعي التكليفي ( وليس ) في الحقيقة ( إلا ذلك ) لأن الكل بمشيئته ( أو بأمره ) التشريعي التكليفي ( ومن تولاها بغير أمر اللّه فقد ظلم نفسه وتعدى حدود اللّه فيها ) ، أي تعدى ما عين اللّه وأوجبه عليه في شأنها من حفظها ( وسعى في خراب ما أمره اللّه بعمارته .)
    .
واتساب

No comments:

Post a Comment