Saturday, January 18, 2020

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي

شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر 

إنما خصت الكلمة اليونسية بالحكمة النفسية ، لما نفس الله بنفسه الرحماني من كربه الذي لحقه من جهة قومه وأولاده وأهله ، أو لما دهمه في بطن الحوت ، أو من جهة أنه كان من المدحضين ، أو من جميع تلك الأمور حيث سبح واعترف واستغفر ( فَنادى في الظُّلُماتِ أَنْ لا إِله إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ من الظَّالِمِينَ )   فنفس الله عنه كربه ووهبه سربه وأهله .
قال تعالى :  ( ونَجَّيْناه من الْغَمِّ وكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )   وقيل نفسية بسكون الفاء لأنه ظهر بالنفس وفارقهم من غير إذن الله فابتلاه الله بالحوت أي بالتعلق البدني والتدبير الذي يلزم النفس عند استيلاء الطبيعة وخصوصا عليها ، وخصوصا عند الاجتنان في بطن الأم ، ولهذا وصف بكونه عليما .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أن هذه النشأة الإنسانية بكمالها روحا وجسما ونفسا خلقها الله على صورته ، فلا يتولى حل نظامها إلا من خلقها إما بيده وليس إلا ذلك ، أو بأمره ) .
بكمالها أو بمجموعها ظاهرا وباطنا كما ذكر في الفص الأول لأن المراد بآدم نوع الإنسان ، ولما خلقها بيديه على صورته لم يجز أن يتولى حل نظامها إلا هو.
كما قال تعالى : ( الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها )   وليس ذلك إلا لعدم جواز تخريب البنيان الإلهي إلا بيده على مقتضى حكمته أو بأمره كما في القصاص ( ومن تولاها بغير امر الله ) أي ظلما (فقد ظلم نفسه وتعدى حد الله فيها ، وسعى في خراب من أمره الله بعمارته . واعلم أن الشفقة على عباد الله أحق بالرعاية من الغير في الله ) .

يعنى أن الإبقاء على النفوس المستحقة للقتل شرعا كالكفار والمشركين وغيرهم أحق بالرعاية لأنها بنيان الرب من القتل غيرة في الله أي في حقه وفي دينه من أن يعبد غيره ويعصى مع أن الشرع حرّض على الغزو ، فإن استمالة الكفار والمخالفة معهم شفقة على خلق الله بنية حرمة من خلقه الله ورزقه رجاء في أن يدخلوا الإسلام خير من تدميرهم وإهلاكهم ، كما فعل عليه الصلاة والسلام بالمؤلفة قلوبهم وغيرهم .
وقد يثيب الله على ذلك ولا يؤاخذ على عدم الغيرة ، فإن الغيرة لا أصل لها في الحقائق الثبوتية لأنها من الغيرية ، ولا غير هناك .

قال رضي الله عنه :  ( وأراد داود عليه السلام بنيان بيت المقدس فبناه مرارا فكلما فرغ منه تهدم ، فشكا ذلك إلى الله ، فأوحى الله إليه « إن بيتي هذا لا يقوم على يدي من سفك الدماء ،
فقال داود : يا رب ألم يكن ذلك في سبيلك ؟ قال : بلى ولكنهم أليسوا عبادي ؟
قال  يا رب فاجعل بنيانه على يدي من هو منى ، (فأوحى الله إليه : إن ابنك سليمان يبنيه )،
قال رضي الله عنه :  (فالغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الإنسانية وأن إقامتها أولى من هدمها ألا ترى عدو الدين قد فرض الله فيهم الجزية والصلح إبقاء عليهم ،
قال :  "وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلَى الله "،  ألا ترى من وجب عليه القصاص كيف شرع لولى الدم أخذ الدية أو العفو ، فإن أبى فحينئذ يقتل ، ألا تراه سبحانه إذا كان أولياء الدم جماعة فرضى واحد بالدية أو عفا ، وباقي الأولياء لا يريدون إلا القتل كيف يراعى من عفا ويرجح على من لم يعف فلا يقتل قصاصا ، ألا تراه عليه الصلاة والسلام يقول:  في صاحب النسعة « إن قتله كان مثله » ألا تراه تعالى يقول : "وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها "  فجعل القصاص سيئة أي يسوء ذلك الفعل مع كونه مشروعا .)

"" أضاف بالى زادة : فأشفق الحق على عباده الذين وجب عليهم القتل ، فكيف على عباده الذين لم يجب عليهم القتل ، فأما لسان الذم على جهة الشرع فممدوح عند الله ، والمذموم على جهة الفرض مذموم عند الله ، بل هو مذموم عند صاحب الفرض لعدم موافقته لغرضه .أهـ بالى زادة . ""

( فَمَنْ عَفا وأَصْلَحَ فَأَجْرُه عَلَى الله )   - لأنه على صورته ، فمن عفا عنه ولم يقتله فأجره على من هو على صورته ، لأنه أحق به إذ أنشاه له ، وما ظهر باسم الظاهر إلا بوجوده ) هذه الحكاية والأدلة كلها أوردها لرجحان العفو على القتل لأن الإنسان خلق على صورة الله ، وقد أنشأه الله لأجله فالإبقاء على صورة الله أولى ، وكيف لا يكون أولى وما ظهر الله بالاسم الظاهر إلا بوجوده ، وأما النسعة فإنها كانت لرجل وجد مقتولا ،
فرأى وليه نسعته في يد رجل فأخذه بدم صاحبه ، فلما قصد قتله قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن قتله كان مثله في الظلم » إذ لا يثبت القتل شرعا بمجرد حصول النسعة في يد آخر وكلاهما هدم بنيان الرب ،
والنسعة : حبل عريض كالحزام ، وقد يكون من السير أو الفدم .
قال رضي الله عنه :  ( فمن راعاه ) أي الإنسان ( فإنما يراعى الحق ، وما يذم الإنسان لعينه وإنما يذم الفعل منه ، وفعله ليس عينه وكلامنا في عينه ولا فعل إلا لله ، ومع هذا ذم منها ما ذم وحمد ما حمد ) إذا أضيف الفعل إليه ( ولسان الذم على جهة العرض مذموم عند الله ) فإن ذم الصورة الإلهية راجع إلى ذم فاعلها الظاهر فيها لغرض يعود إلى نفس من يعلم أنه ينفعه أو يضره ،
فإنه أراد أن ينفعه فضره
قال رضي الله عنه :  ( فلا مذموم إلا ما ذمه الشرع ، فإن ذم الشرع لحكمة يعلمه الله ، أو من أعلمه الله كما شرع القصاص للمصلحة إبقاء لهذا النوع ، وإرداعا للمتعدى حدود الله فيه -   "ولَكُمْ في الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الأَلْبابِ " وهم أهل لب الشيء الذين عثروا على سر النواميس الإلهية والحكمية )

قال رضي الله عنه :  (وإذا علمت أن الله تعالى راعى هذه النشأة وراعى إقامتها فأنت أولى بمراعاتها إذ لك بذلك السعادة فإنه ما دام الإنسان حيا يرجى له تحصيل صفة الكمال الذي خلق له ، ومن سعى في هدمه فقد سعى في منع وصوله لما خلق له ، وما أحسن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بما هو خير لكم وأفضل من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم ذكر الله " )
والسر في ذلك أن الغزو إنما شرع لإعلاء كلمته ، وذكره إن كانت الدولة للمسلمين والغلبة للمجاهدين وإن لم يكن كذلك وكان بالعكس كان فيه نقصان عبيد الله الذاكرين له ، وتفويت العلة الغائية فذكر الله تعالى مع الأمن من المحذور وهو الفتنة وقتل أولياء الله أفضل من الجهاد الظاهر ، وإن كان المقتول في سبيل الله على أجر تام ، فذلك حظه بهدم أبنية الرحمن في صورة الإنسان .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر الله الذكر المطلوب منه ، فإنه تعالى جليس من ذكره الجليس مشهود الذاكر ، ومتى لم يشاهد الذاكر الحق الذي هو جليسه فليس بذاكر ، فإن ذكر الله سار في جميع أجزاء العبد لا من ذكره بلسانه خاصة ، فإن الحق لا يكون في ذلك الوقت إلا جليس اللسان خاصة ، فيراه اللسان من حيث لا يراه الإنسان بما هو راء وهو البصر ) .
الذكر المطلوب من العبد هو أن يذكر الله بلسانه مع نفى الخواطر ، وحديث النفس ومراقبة الحق بالقلب بأن يكون بقلبه مع المذكور ، وبعقله متعقلا لمعنى الذكر ، وبسره فانيا في المذكور عن الذكر ، وبروحه مشاهدا له فإنه جليسه مشهود الذاكر ، فمتى لم يشاهده فليس بذاكر إياه إذ لو ذكره لرآه ، فإن الذاكر بالحقيقة يفنى عن سوى المذكور حتى عن الذكر بالمذكور وعن نفسه ، فإن نفسه من جملة السوي فيكون الذاكر هو المذكور فيحييه الله به حياة طيبة نورية بالبقاء بعد الفناء فيه ، فيهنأ فيها العيش مع الله باللَّه معية لا بالمقارنة فيشهد به في كل ما يشهده ، وذلك معنى سريان ذكر الله في جميع العبد حتى أفناه عنه وأحياه به ، وإن لم يكن ذكره إلا بلسانه فالذاكر ذلك الجزء منه الذي هو اللسان فلا يكون الحق إلا جليس اللسان لا جليسه ، إذ لم يذكره بجوامع أجزاء وجوده فيراه اللسان ويختص اللسان بحظ الإنسان

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فافهم هذا السر في ذكر الغافلين ، فالذاكر من الغافل حاضر بلا شك والمذكور جليسه فهو يشاهده ، والغافل من حيث غفلته ليس بذكر فما هو جليس الغافل ، فإن الإنسان كثير ما هو أحدى العين والحق أحدىّ العين كثير بالأسماء الإلهية كما أن الإنسان كثير بالأجزاء ، وما يلزم من ذكر جزء ما ذكر جزء آخر فالحق جليس الجزء الذاكر منه ، والآخر متصف بالغفلة عن الذكر ، ولا بد أن يكون في الإنسان جزء يذكر به فيكون الحق جليس ذلك الجزء فيحفظ باقي الأجزاء بالعناية )
هذا حال من يذكره ببعض أجزائه ويغفل عنه ببعضها فيكون الحق جليس ذلك الجزء مجالسة تمثيلية فإنه يعتقد كون الحق جليس الذاكر فإذا ذكره بجزء كان ذلك الجزء مختصا بمجالسته دون ما لم يشتغل بذكره من الأجزاء وكذلك شهوده ، وقد يختلف الذكر والشهود بحسب الأجزاء ، فإن ذكر القلب وشهوده جليسه بفضل كثير ذكر اللسان ومجالسته ، فإذا خشع القلب خشع جميع الجوارح بتبعيته ، كما قال الشيخ رضي الله عنه :
"" أضاف بالى زادة : (ولا بد في الإنسان جزء يذكر به ) إذ لو لم يكن لعدم الإنسان فيحفظ ذلك الجزء بذكر الله وجليسه ( فيحفظ باقي الأجزاء ) بسبب الجزء الذاكر ، والإنسان ما دام ذاكرا للحق فهو حي محفوظ ( بالعناية ) الإلهية ، فإذا جاء أجله نسي ذكر الله فطرأ عليه الموت .أهـ بالى زادة. ""


الصلاة والسلام فيمن لعب بلحيته في الصلاة « لو خشع قلبه لخشع جوارحه » بخلاف سائر الأجزاء ، فإن اللسان قد يذكر ويغفل عن الذكر سائر الأجزاء ، فإذا سرى الذكر في جميع أجزاء العبد وخشع العبد لربه بالكلية كان الحق إذا جليسه بشهادة الله ورسوله ، ولا بد أن يذكر بجزء ما فيكون الحق جليس ذلك الجزء ، فيحفظ باقي الأجزاء بحكم العناية أي العلم باتصاله ببعض الوجوه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وما يتولى الحق هدم هذه النشأة بالمسمى موتا فليس بإعدام وإنما هو تفريق فيأخذه إليه ، وليس المراد إلا أن يأخذه الحق إليه " وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه " فإذا أخذه إليه سوى له مركبا غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها وهي دار البقاء لوجود الاعتدال ، فلا يموت أبدا أي لا تفترق أجزاؤه ) .
يعنى ليس الموت إعداما ، وإنما هو تفريق الأجزاء المجتمعة فيقبض روحه وحقيقته إليه ، وتفرقه الأجزاء العنصرية فيجمع الله كلا إلى أصله  ( وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه )  فإذا قبضه اجتمع إليه قواه الروحانية فسوى له مركبا فعاليا وصورة جسدانية ممثلة غير هذا المركب الذي فارقه ، فإن كان من أرباب من تفتح له السماوات خالط الملأ الأعلى وأرواح القدسيين ،

كما قال : « أرواح الشهداء في قناديل معلقة تحت العرش"
وفي حديث آخر "  في حواصل طيور خضر » هي الأجرام السماوية ، وإن لم يكن من جملة من تفتح له أبواب السماء ولا يستطيع أن ينفذ من أقطار السماوات ،
"" أضاف بالي زادة : (وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه )   وموت الإنسان بسبب رجوعه إلى الله تعالى فما فعل الله الإنسان إلا بأحسن الأمور . ولما اتجه أن يقال إن هذا لا يصدق في حق أهل النار لأن النصوص تدل على تفرق أجزائهم ، أجاب عنه بقوله (وأما أهل النار) .بالى زادة أهـ ""

كما قال :  "لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ "  فلا بد من مركب من جنس الدار التي ينتقل إليها من عودات وتعلقات بصور مناسبة لقواه وحقائقه وصفاته الراسخة فيه وأخلاقه ، ومن إقامة الدار التي انتقل منها إليها مدة إلى مساعدة الطالع الإلهي الأسمائى الذي هو طالع طالعه المولدى بعد ربوبية أسمائية من سدنة الاسم العدل فتسبقه الرحمة وتناله في الغاية إن قدر له الواقي من هذه الأطوار أن يفتح له أبواب السماء بمفاتيح الأمر ،
فيسوى الله له هيكلا روحانيا نوريا مناسبا لهيئته البهية النورية في دار البقاء لوجود الاعتدال المقتضى لدوام الاتصال ، فلا يموت أبدا ولا تفترق أجزاؤه ،
كما قال تعالى :  ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولى )  
ومن جملة العودات قوله :  ( فَالْتَقَمَه الْحُوتُ وهُوَ مُلِيمٌ)    .
قال رضي الله عنه :  (وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ولكن في النار إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب أن تكون بردا وسلاما على من فيها ، بحكم الرحمة السابقة ) على ما تقدم .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذا نعيمهم فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقى في النار ، فإنه عليه الصلاة والسلام تعذب برؤيتها وبما تعود في علمه وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان ، وما علم مراد الله فيها ومنها في حقه ) قبل الإلقاء عنده .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما
مع شهود الصورة الكونية في حقه وهي نار في عيون الناس ، فالشيء الواحد يتنوع في عيون الناظرين هكذا هو التجلي الإلهي ،
وإن شئت قلت : إن الله تجلى مثل هذا الأمر ، وإن شئت قلت : إن العالم في النظر إليه وفيه مثل الحق في التجلي ، فيتنوع في عين الناظر بحسب مزاج الناظر ، ويتنوع مزاج الناظر لتنوع التجلي ، وكل هذا سائغ في الحقائق ) .
يعنى أن إبراهيم عليه السلام وجد النار بردا وسلاما مع شهود الصورة النارية ، فإنها نار في أعين الناظرين ، فإن الشيء الواحد يتنوع بحسب أحوال الناظرين ، وكذلك يكون التجلي الإلهي أي يختلف باختلاف الناظرين .

"" أضاف بالي زادة :  مع إبراهيم أحد من الناس لجاز إحراقه مع كونه في حق إبراهيم بردا وسلاما ، فكان حال أهل النار حال إبراهيم في أنه تعذب برؤيتها مع أنه لا يخلو في تلك الحالة عن الراحة الروحانية ( مثل الحق في التجلي ) أي العالم يتنوع في مرآة وجود الحق كما يتنوع الحق في مرآة العالم اهـ بالى زادة . ""

فإن شئت قلت : إن الله تعالى تجلى مثل هذا الأمر : أي تجلى تجليا واحدا يتنوع بحسب تنوع أحوال الناظر .
وإن شئت قلت : إن العالم في النظر إليه مثل الحق في التجلي ، أي العالم بفتح اللام في نظر الناظرين إليه وفيه ، كالحق في تجليه يراه الناظر إليه بحسب مزاجه على صورة غير ما يراه الآخر عليها ، كما أن المحرور يرى الهواء نارا والمبرود يراه زمهريرا ،
وأما في حق التجلي الإلهي فالمراد بمزاج الناظر حاله وهيأته الروحانية لا مزاجه الجسماني ، فإن لصاحب الكشف أجزاء لا يختلف التجلي باختلافها ، وإن لمزاج البدن أيضا مدخلا في ذلك من وجه ، فتارة يتنوع التجلي الواحد باختلاف حال الناظر ، وتارة يتنوع الناظر لتنوع التجلي على ما ذكر ،
إذ المظهر الذي غلب عليه أحكام الكثرة يتنوع التجلي الإلهي الواحد فيه بحسب أحواله فينصبغ التجلي بحكم المظهر ، وأما إذا كان الغالب على المظهر حكم الوحدة وهو قلب العبد الكامل المجرد المنسلخ عن أحكام الكثرة فإنه يتنوع بحسب تنوع التجلي ،
فإن هذا القلب مع تقلب الحق في تجلياته والحق يقلب قلبه فإنه يقلب القلوب وكلا الأمرين سائغ ، هذا في الكامل وليس ذلك في غيره

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلو أن المقتول أو الميت أي ميت كان أو أي مقتول كان ، إذا مات أو قتل لا يرجع إلى الله لم يقض الله بموت أحد ولا شرع قتله ، فالكل في قبضته فلا فقدان في حقه ، فشرع القتل وحكم بالموت لعلمه بأن عبده لا يفوته فهو راجع إليه ) .
يعنى لولا أن العبد بعد موته كان باقيا على عبوديته ومربوبيته لربه لم يحكم بموته وقتله ، فإن ربوبيته موقوفة على مربوبية هذا العبد فلا يفوته ، ولا يقبل الانفكاك عنه أصلا بل دائما في قبضة القابض الباطن ، فنقله من نشأة إلى نشأة أخرى ومن موطن إلى موطن هو به أولى ،  
فهو يقبضه عن ظهور وتجل ويبسطه في نور وتجلى آخر أعلى وأجل ، كما قال لنبيه عليه الصلاة والسلام :  " ولَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ من الأُولى "   .

فهو معه أينما كان ( على أن في قوله "وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه "  أي فيه يقع التصرف وهو للتصرف ، فما خرج عنه شيء لم يكن عينه بل هويته عين ذلك الشيء ، وهو الذي يعطيه الكشف في قوله : " وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه" ).
اسم إن محذوف لدلالة فما خرج عنه شيء لم تكن عينه عليه أي فهو راجع إليه مع أن في قوله :   ( وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه )   إيذانا بأن كل شيء عينه ، لأن لفظ الرجوع يدل على أنه الأصل الذي منه كل شيء بدا فيعيده ، فلا يقع التصرف إلا منه فيه فهو المتصرف بإبدائه عن نفسه ورجع إليه ، فهو عين ذلك الشيء بتجليه في صورته عينا وعلما ووجودا ،
فهويته هي عين ذلك الشيء إذ الذي يعطيه الكشف هو أن الذات الأحدية تجلى في صور الأعيان،
وهي عين علمه بذاته ليست أمورا زائدة على الوجود لأنها صور معلوماته وشئونه الذاتية منه بوجوده مع ثبوتها في علمه ،
وإليه عادت بقبضه إليه ، كما قال :" ثُمَّ قَبَضْناه إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً " أي لم يلبث أن يبسط .
والله الموفق .
 .
واتساب

No comments:

Post a Comment