Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

15 - The Wisdom of Prophecy in the Word of Jesus

الفقرة التاسعة عشر:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا هذه الكلمة العيسويّة لمّا قام لها الحقّ في مقام « حتّى نعلم ويعلم » استفهم عمّا نسب إليها هل هو حقّ أم لا مع علمه الأوّل بهل وقع ذلك الأمر أم لا .
فقال له :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ.  فلا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم .  لأنّه لمّا تجلّى له في هذا المقام وهذه الصّورة اقتضت الحكمة الجواب في التّفرقة بعين الجمع.   فقال وقدّم التّنزيه سُبْحانَكَ فحدّد بالكاف الّتي تقتضي المواجهة والخطاب .ما يَكُونُ لِيمن حيث أنا لنفسي دون كأَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ أي ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي .إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللّسان الّذي أتكلّم به كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ربّه في الخبر الإلهي فقال : « كنت لسانه الّذي يتكلّم به » . فجعل هويّته عين لسان المتكلم ؛ ونسب الكلام إلى عبده . ثمّ تمّم العبد الصّالح الجواب بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي.  والمتكلّم الحقّ .  ولا أعلم ما فيها فنفى العلم عن هويّة عيسى عليه السّلام من حيث هويّته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر .وَلا أَعْلَمُ [ المائدة : 116 ] فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلّا اللّه .  ففرّق وجمّع ووحّد وكثّر ، ووسّع وضيّق . )

قال رضي الله عنه :  (وأما هذه الكلمة) الإلهية (العيسوية) التي قال تعالى فيها :" وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ" [ النساء : 171 ] (لما قام لها الحق) تعالى (في مقام) : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتّى نعلم الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ" [ محمد : 31 ] .
قرأ القراء السبعة بالنون ، وقرأ أبو بكر شعبة عن عاصم وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلو أخباركم بالياء المثناة التحتية في الثلاثة يعني حتى نعلم أو يعلم هو تعالى من حيث نزوله إلى صورة العارفين به الكاملين بوصف القيومية في ظواهرهم وبواطنهم .
فإن علمهم نزول علمه وباقي صفاتهم وأسمائهم وأنها لهم كذلك استفهمها ، أي العيسوية الحق تعالى عما نسب بالبناء للمفعول ، أي نسب الكافرون إليها من دعوى الإلهية هل هو حق أم لا مع علمه تعالى بعدم وقوع ذلك منه عليه السلام العلم الأوّل الذي له باعتبار ذاته قبل النزول بالقيومية إلى صور الكاملين ، فإن علم الكاملين في هذا النزول الإلهي علمه تعالى أيضا العلم الثاني الترتيبي ، والأوّل هو العلم المجموعي بهل متعلق باستفهامها (وقع ذلك الأمر) وهو دعوى الألوهية أم لا ، أي لم يقع منه .
قال رضي الله عنه :  (فقال) تعالى له ، أي لعيسى عليه السلام (أأنت قلت للناس) ، أي لقومك من بني إسرائيل " اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ" ، أي معبودينم ِنْ دُونِ اللَّهِ، أي مع اللّه تعالى حتى يبقى المعبود ثلاثة .

وهذا المذكور مرجع أمر الكافرين ومحط قولهم في التثليث فلا بد في مقام الأدب من الجواب للمستفهم ، أي طلب الفهم ، ولو في التقدير والتنزيل لأنه تعالى لما تجلى ، أي انكشف تعالى له ، أي لعيسى عليه السلام في هذا المقام المذكور وهو النزول بالقيومية إلى الصورة العيسوية من قوله تعالى :أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ[ الرعد : 33 ] .
والتجلي في هذه الصورة اقتضت فيه الحكمة الإلهية الجواب عما وقع السؤال عنه في حال التفرقة بين المتجلي والصورة في مقام الفرق ليكون مخاطبا اسم فاعل ومخاطبا اسم مفعول بعين الجمع بينهما في وحدة الأمر .

قال رضي الله عنه :  (فقال) عيسى عليه السلام (وقدم التنزيه )على التشبيه (سبحانك) فسبحان كلمة تنزيه ، أي أنزهك عن ظاهر معنى هذا الاستفهام من حيث أنت ، وعما لا يليق بك فحدد ، أي شبه بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب للحق تعالى وذلك يقتضي امتيازه بالصورة والتعيين عن غيب إطلاقه ما يكون ، أي يليق ويحسن لي ، أي (من حيث أنا لنفسي دونك أن أقول) ، أي قولي فاعل يكون ما ليس لي بحق ، أي ما تقتضيه ، أي تتهيأ له وتستعد لقبوله هويتي ، أي ماهيتي الحادثة ولا ذاتي المخلوقة الثابتة في علمك القديم قبل وجودها ، وبعد هذا الاعتذار إليك مما كذب علي الكافرون إن كنت قلته .
أي ما سبق من دعوى الألوهيةفَقَدْ عَلِمْتَهُ[ المائدة : 116 ] فلا يخفى عليك لأنك تكون أنت القائل حينئذ ، لأن لساني ينطق بك وذاتي كلها قائمة بك لك ، فقولي ظهور قولك كما أن ذاتي ظهور ذاتك ، لا قولي قولك وذاتي ذاتك ، كما يظن المشركون .

قال رضي الله عنه :  (ومن قال أمرا )، أي كلاما (فقد علم ما قال) خصوصا الذي لا يضل ولا ينسى ومع ذلك أيضا أنت اللسان وهو تشبيه الذي أتكلم به تنزيه لذلك التشبيه ، أي لا اللسان الذي لا يتكلم به وهو القطعة من اللحم في الفم كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ربه تعالى في الخبر الإلهي ، أي الحديث القدسي فقال فيه من جملة ما قال كما سبق ذكره (وكنت لسانه الذي يتكلم به .)

قال رضي الله عنه :  (فجعل) الحق تعالى (هويته) ، أي ذاته التي هي الوجود المطلق عين لسان المتكلم من حيث انصباغه بنور الوجود المطلق نظير كل شيء كما قال اللّه تعالى :اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ[ النور : 35 ] ، أي القيوم عليها بوجوده المطلق .
(ونسب) تعالى (الكلام) في هذا الخبر الإلهي إلى عبده لا إليه تعالى بقوله الذي يتكلم به (ثم تمم العبد الصالح) وهو عيسى عليه السلام (الجواب بقوله : )

قال رضي الله عنه :  (تعلم) يا أيها الحق المطلق ما في نفسي من حيث إني الحق المقيد بالصورة الصادرة منك والمتكلم بهذا القول هو عيسى عليه السلام باعتبار أنه الحق المقيد المذكور ولا أعلم أنا من حيث أني مجرد هوية وحادثة وصورة حسية ومعنوية ما فيها .
أي في النفس التي هي الحق المقيد بهويتي المذكورة وصورتي المزبورة لأنها حينئذ نفسك.
ولا أعلم ما في نفسك فنفى الحق تعالى العلم عن هوية عيسى عليه السلام ، أي عن ذاته الحادثة وصورته التي هي قيد ذلك الإطلاق من حيث هويته .
أي ماهيته المخلوقة المقيدة لإطلاق القديم بقيوميته عليها لا نفي العلم عنه من حيث إنه ، أي عيسى عليه السلام قائل .
أي متكلم بقوله : تعلم ما في نفسي ، لأنه حينئذ هو الحق المقيد المذكور ولا من حيث إنه ذو أثر كخلق الطير وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فإنه حينئذ هو الحق المقيد أيضا كما ذكرنا .
والحاصل أن الحق تعالى له اعتباران وعيسى عليه السلام له اعتباران أيضا ، والأمر واحد وهو الحق المطلق تقيد بالصورة ، فالاعتباران الأوّلان :
الحق المطلق
والحق المقيد بالصورة .
والاعتباران الآخران :
عيسى عليه السلام من حيث إنه الحق المقيد بالصورة .
ومن حيث إنه نفس الصورة المقيدة للحق ، والمستفهم بقوله :
أأنت قلت للناس هو الحق المطلق في مقام نزوله إلى الحق المقيد بالصورة ؟
استفهم من عيسى عليه السلام من اعتبار كونه نفس الصورة المقيدة للحق حتى يعلم من حيث إنه الحق المقيد بالصورة .
والجواب منه من جهة عيسى عليه السلام من اعتبار كونه نفس الصورة بتكلم عيسى عليه السلام من اعتبار كونه الحق المقيد بالصورة إنك أنت العليم الحكيم فجاء.
 أي المتكلم وهو عيسى عليه السلام من اعتبار أنه الحق المقيد تكلم عنه من حيث إنه نفس الصورة والقيد للحق المطلق بالفصل .
أي ضمير الفصل وهو قوله : أنت ويسمى العماد عند الكوفيين من علماء النحو تأكيدا ، أي على وجه زيادة التأكيد إذ التأكيد حاصل من إن واسمية الجملة للبيان ، أي إظهار مضمون هذه الجملة واعتمادا ، أي على وجه الاعتماد من المتكلم عليه ، أي على البيان المذكور إذ ، أي لأنه لا يعلم الغيب مما ذكر وغيره إلا الله تعالى فقرق .
أي عيسى عليه السلام في جوابه المذكور بينه وبين الحق تعالى بقوله :" سُبْحانَكَ " في ابتداء كلامه وبما بعد ذلك وجمع أيضا بينه وبين الحق تعالى بقوله : إن كنت قلته فقد علمته ، وبما بعده ووحّد الحق تعالى

بقوله : إنك أنت وكثر أيضا ذلك الواحد بالصور فاثبت تسبيحا ومسبحا اسم فاعل وهو نفسه ، ومسبحا اسم مفعول وهو الحق تعالى ، وقولا وحكما على ذلك القول بأنه ليس بحق ، وحقا مخلوقا وهو ما تقتضيه الهوية والذات الحادثة ، وأثبت للحق تعالى نفسا وله أيضا نفسا ، وللحق علما وله أيضا علما ووسع بقوله : إن كنت قلته فقد علمته ، وهو توسعة في أن كل ما يقوله العبد أو يفعله ، فهو يعلم الحق تعالى وهو فعل الحق تعالى .
فليقل العبد ما شاء ويفعل ما شاء ، فهو للحق حقيقة ، وله مجازا ونسبته كما قال تعالى :اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ فصلت : 40 ] .
وقال تعالى :قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا( 84 ) [ الإسراء : 84 ] وضيق أيضا بقوله :ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ[ المائدة : 116]

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

فقال رضي الله عنه  : ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها ) أي الكلمة العيسوية في اليوم الآخر ( الحق في مقام حتى نعلم ) بالمتكلم ( ويعلم ) بالغائب ( استفهمها ) أي استفهم الحق كلمة عيسى عليه السلام ( عما نسب إليها ) أي إلى كلمة عيسى عليه السلام وإلى أمها من الألوهية حتى يعلم الحق.
فقال رضي الله عنه  : ( هل هو ) أي المنسوب إليها وهو الألوهية ( حق ) واقع في نفس الأمر ( أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ) لكنه استفهم ليظهر علمه الأول عن صورة عيسى عليه السلام وإنما لم يقل عما نسب إليهما مع أن الألوهية منسوبة إليهما إذ لا يقع دعوى الألوهية عن المرأة لذلك استفهم عيسى عليه السلام عن الألوهية المنسوبة إلى أمه دون أمه فجمعها في الاستفهام .

فقال رضي الله عنه  : ( فقال له ) أي فقال اللّه لعيسى عليه السلام :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ[ المائدة : 116 ] يعني أأنت نسبت الألوهية إليك وأمرت بالناس باتخاذكما آلهين من دون اللّه أم الناس نسبوا الألوهية واتخذوكما آلهين من عند أنفسهم.
( فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ) أي لا بد في الأدب أن يجيب المستفهم الذي استفهمه جوابا موافقا لسؤاله ( لأنه لما تجلى له ) الحق ( في هذا المقام ) وهو مقام التفرقة وهو ضمير الخطاب ( و ) في ( هذه الصورة ) وهي صورة الاستفهام الإنكاري.
فقال رضي الله عنه  : ( اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ) أي اقتضت الحكمة الجواب الجامع لمقام الفرق والجمع .

فقال رضي الله عنه  : ( فقال وقدم التنزيه سبحانك فحدّد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب ) فميز أوّلا بين العبودية والألوهية وهو التفرقة فخاطبه في الجواب كما خاطبه في السؤال ( ما يكون لي من حيث أنا لنفسي ) أي من حيث عبوديتي وآنيتي (دونك ) من دون ربوبيتك وهويتك ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي ) فإن مقتضى ذاتي العبودية لا الألوهية فلا أكون أقول ما لا تقتضيه ذاتي .
فقال رضي الله عنه  : ( أن كنت قلته ) أي ما ليس لي بحق وهو الألوهية  (فقد علمته لأنك أنت القائل ) في صورتي ( ومن قال أمرا فقد علم ما قال وأنت اللسان الذي أتكلم به ) والوجود واللسان والقول كله لك وما لي إلا العدم وهذا هو جهة الجمع ( كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تعالى عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال : « كنت لسانه الذي يتكلم به » ) في أنه أخبر عن الأشياء على ما هي عليه فإن العبد إذا تقرب إليه علم الأشياء على ما هي عليه فأخبر عنها فعلمه علم الحق ولسانه لسان الحق .

فقال رضي الله عنه  : ( فجعل ) الحق ( هويته ) أي هوية نفسه بقوله كنت لسانه ( عين لسان المتكلم ) لكونه عين المتكلم بحسب الحقيقة ( ونسب الكلام إلى عبده ) بقوله الذي يتكلم به لكونه غير المتكلم بحسب التعين فالمتكلم هو العبد لكنه بالحق يتكلم وهو نتيجة قرب النوافل فجمع التنزيه والتشبيه في كلام واحد .
فقال رضي الله عنه  : ( ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله تعلم ما في نفسي ) من الكمالات والنقائص المستترة بهويتي لأن نفسي بحسب الحقيقة عين نفسك ( والمتكلم ) أي والحال أن المتكلم بهذا القول (الحق ) لكنه بلسان عيسى عليه السلام وهو إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض ( ولا أعلم ما فيها فنفى ) الحق بلسان عيسى عليه السلام ( العلم عن هوية عيسى عليه السلام من حيث هويته ) فإنه حينئذ عدم .

فقال رضي الله عنه  : ( لا من حيث أنه ) أي لا من حيث أن عيسى عليه السلام ( قائل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية عين الحق ( أنك أنت علام الغيوب فجاء بالفصل والعماد ) وهو أنت ( تأكيدا للبيان واعتمادا عليه إذ لا يعلم الغيب إلا اللّه ففرق ) عيسى عليه السلام الحق بجعله مخاطبا بقوله سبحانك ( وجمع ) بقوله إن كنت قلته فقد علمته ( ووحد ) وهو لازم للجمع ( وكثر ) وهو لازم للتفرقة ( ووسع ) من حيث سريان هويته جميع الموجودات وهو قوله " تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي" ( وضيق ) باعتبار الظاهر وهو قوله "وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" وأتى كله بالتشديد للمبالغة .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله». فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي. «إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده. ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. «إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.  ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قوله رضي الله عنه  : وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى يعلم ونعلم، يعني أنه مقام" لعيسى في مقام قوله تعالى: "لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منگم والصابرين (محمد: 31) .
وهو مقام معلوم أي يكون الحق تعالى يعلم الأمر على ما هو عليه ومع ذلك يستفهم عنه لتقوم حجته على العباد بالمعاينة .
فهذا هو المقام الذي عامل به الحق تعالی عیسی علیه السلام، في قوله:"أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"  (المائدة: 116) مع علمه تعالی بما قال.
وقد التزم" عيسى عليه السلام، الأدب في كونه أجاب مع علمه أن الله تعالی عالم بالحال غیر محتاج إلى الجواب.
لكن حيث يسئله فلا بد أن يجيب في التفرقة، لأن السؤال إنما يقع في لسان التفرقة لكونه عليه السلام، يعلم أن التفرقة هي عين الجمع.
لأن السؤال كان مع العلم فالجمع حاصل والذي يقتضيه هويته أنه ليس له من الأمر شيء .
وعلل کونه تعالى يعلم بأنه هو القائل واللسان نفسه .
ولي في هذا المعنى أبيات: 
شهدت نفسك فينا وهي واحدة    …..      كثيرة ذات أوصاف وأسماء
ونحن فيك شهدنا بعد كثرتنا     ……   عينا بها اتحد المرآئی والرائي
فأول أنت من قبل الظهور لنا  …….   وآخر عند عود النازح النای
وظاهر في سواد العين أشهده  …..       وباطن في امتیازاتی واخفاء
أنت الملقن سري ما أفوه به   ……       أنت نطقي والمصغي لنجواي
وهو قول الشيخ رضي الله عنه: 
وأنت اللسان الذي اتكلم به واستشهد بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وما ذكره إلى آخر الحكمة ظاهر.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه  : ( وأمّا هذه الكلمة العيسوية لمّا قام لها الحق في مقام « حتى نعلم ويعلم » استفهمها عمّا نسب إليها هل هو حق أم لا ؟ مع علمه الأوّل بهل وقع ذلك الأمر أم لا ؟
فقال له : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " فلا بدّ من الأدب في الجواب للمستفهم ، لأنّه لمّا تجلَّى له في هذا المقام وبهذه الصورة ، اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ، فقال - وقدّم التنزيه - : « سُبْحانَكَ » فحدّد بالكاف الذي يقتضي المواجهة والخطاب ) .
يعني : لمّا تجلَّى الحق لتحقيق العلم المطلق في التعيّن المقيّد - مع أنّ الحقيقة تقتضي الوحدة - فقام بعيسى مقام المخاطبة وثنّى وانفرد ، وكلّ منهما بتعيّنه الاختبار بأنّه هل يعلم مع علمه عمّا يستفهمه ، وهذا معنى قيام الحق له في مقام « حَتَّى نَعْلَمَ » من حيث تعيّننا في مادّة هذا التجلَّى والمادّة العيسوية .
وحتى يعلم هو من كونه هو ، لا من كونه نحن ، فحدّد عيسى بكونه عبدا مخاطبا ، فقال : " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله "  فاقتضت الحكمة العيسوية أن يثبت للتجلَّي بحسبه ، فأفرد الحق أيضا كذلك وحدّده بالكاف في " سُبْحانَكَ " كما أفرده الحق وحدّده في " قُلْتَ " وأجابه في التفرقة بعين الجمع كما خاطبه الحق .
قال : « " ما يَكُونُ لِي " من حيث أنا لنفسي دونك " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " .
يعني : من حيث الامتياز والانفراد دونك من حيث التعين ما ليس لي بحق أن أقول مثل هذا ، فليس حقّا للمتعيّن المتقيّد أن يدعو إلى نفسه مطلقا من دون الله بالعبادة .

ثمّ قال رضي الله عنه : ( أي ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي ذلك " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه ُ فَقَدْ عَلِمْتَه ُ " لأنّك أنت القائل ، ومن قال أمرا ، فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلَّم به ، كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربّه في الخبر الإلهي . فقال : « كنت لسانه الذي يتكلَّم به » فجعل هويته عين لسان المتكلَّم ونسب الكلام إلى عبده . ثم تمّم العبد الصالح الجواب بقوله : " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي " والمتكلَّم الحق ، ولا أعلم ما فيها من كونها أنت ، فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر ) .
يعني : أنّ القائل والمتكلَّم حق ، لما قدّم أنّ الحق عين لسانه .

قال رضي الله عنه  : (" إِنَّكَ أَنْتَ " فجاء بالفصل والعماد ،تأكيدا للبيان واعتمادا عليه أن لا يعلم الغيب إلَّا الله).
يعني : أكَّد المخاطبة بالتفرقة في عين الجمع بالفصل والعماد ، وهو تحقّق الإفراد للحق المطلق من حيث تعيّنه في إطلاقه وفصله عن تعيّنه الشخصي ونسبة العلم كلَّه إلى الله في الإطلاق والتقييد والجمع والفرق ، فإنّه هو علَّام الغيوب .

قال رضي الله عنه : « وفرّق وجمع ووحّد وكثّر ووسّع وضيّق » .
يعني بالتفرقة إفراد المخاطب عن المخاطب ، وبالجمع أنّه جعل الله في المادّة العيسوية وفي كل عالم من العالم وفي ذاته مطلقا ، وكثّر من حيث هذا الفرقان ، ووحّد من حيث الجمع ، وضيّق ووسّع كذلك .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )


قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ويعلم ، استفهمها عما نسب إليها هل هو حق أم لا ، مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ، فقال له : "أأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " - فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ، لأنه لما تجلى له في هذا المقام وفي هذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ، فقال وقدم التنزيه  " سُبْحانَكَ " فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب ) .
أي لما تجلى للكلمة العيسوية بتحقق العلم المطلق في المتعين المقيد مع أن الحقيقة تقتضي وحدة المطلق والمقيد والمستفهم ، قام لعيسى في مقام الاثنينية المتكلم والخاطب ، وأفرد كل منهما بتعينه ابتلاء له بظهور علمه المطلق في المظهر العيسوى مقيدا بالإضافة وهو مقام حتى نعلم ويعلم ، أي حتى يظهر علمنا فيه ويعلم هو من حيث هو هو ، لا من حيث هو نحن مستفهما إياه عما هو أعلم به منه مما نسب إليه هل هو حق أم لا ؟

"" أضاف بالي زادة(لما قام لها ) أي للكلمة العيسوية في اليوم الآخر ( الحق في مقام حتى نعلم ) بالتكلم ( ويعلم ) بالغائب ( استفهمها ) أي استفهم الحق كلمة عيسى  (عما نسب إليها ) أي كلمة عيسى اهـ. بالى زادة
( فقال له ) أي لعيسى ، وإنما لم يستفهم عن أمه مريم إذ لا تقع دعوى الألوهية عن المرأة ( أأنت قلت ) يعنى أأنت نسبت الألوهية إليكما أم الناس نسبوا ( في هذا المقام ) وهو مقام التفرقة وهو ضمير الخطاب ( وفي هذه الصورة ) أي صورة الاستفهام الإنكارى ( فقال ) أي فميز بين العبودية والربوبية وهو التفرقة ، فخاطب في الجواب كما خاطبه في السؤال. اهـ بالى زادة ""

ليظهر علمه تعالى في الصورة العيسوية عند إجابته إياه بعين الجمع صورة التفرقة ، فيكون تعين عيسى عينه بعينه تعالى في الصورة العيسوية وعلمها المضاف إليه علمه ، وهذه حكمة الاستفهام مع علمه بأن المستفهم عنه وقع أم لا ؟ لأنه إذا قال له : " أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " - لم يكن لعيسى أن يقدم التنزيه المطلق الدال على نفى التعدد عن الإلهية .
ودعوى الإلهية والغيرية مع رعاية الأدب في التجلي مع الخطاب ، والغيرية بإضافة سبحان إلى الكاف فأفرده بالتنزيه وحدده بالإضافة بحكم تجلى الخطاب في أنت قلت في مقام التجلي في جوابه ، وحدد الحق مجيبا في التفرقة بعين أحدية الجمع .
(" ما يَكُونُ لِي " - من حيث أنا لنفسي دونك – " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي ")  من حيث أنا متعين  .

قال رضي الله عنه :  ("بِحَقٍّ " أي ما يقتضيه هويتى ولا ذاتي " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه فَقَدْ عَلِمْتَه " لأنك أنت القائل ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر الإلهي فقال: « كنت لسانه الذي يتكلم به » فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده ، ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي "  والمتكلم الحق - " ولا أَعْلَمُ ما " – فيها) من كونها أنت
( ففي العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث أنه قائل وذو أثر ) أي القائل والمتكلم هو الحق
قال رضي الله عنه :  ( إنك أنت ، فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه إذ لا يعلم الغيب إلا الله )
يعنى أدى الخطاب بالتفرقة في عين الجمع بالفصل والعماد تحقيقا لإفراد الحق من حيث تعينه في إطلاقه وفصله عن تعينه الشخصي ، ليكون العلم كله منسوبا إليه في الإطلاق والتقييد والجمع والفرق ، فإنه هو  "عَلَّامُ الْغُيُوبِ " .

قال رضي الله عنه :  ( ففرق وجمع ووحد وكثر ووسع وضيق ) أي فرق بإفراد المخالطب وتمييزه عن المخاطب ، وجمع بجعل الحق متعينة في الصورة العيسوية وفي كل شيء من العالم وفي ذاته مطلقا ، ووحد بهذا الجمع من حيث أحديته المطلقة وكثر من حيث هذا الفرقان في المتعينات وضيق بجعله كل واحد من التعين ، ووسع من حيث شموله للكل من حيث هو كل .

"" أضاف بالي زادة( ما يكون لي من حيث أنا لنفسي ) أي من حيث عبوديتى وإنيتى ( دونك ) من دون ربوبيتك وهويتك ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتى ولا ذاتي ) فإن مقتضى ذاتي العبودية لا الألوهية .اهـ بالى زادة
( وأنت اللسان الذي أتكلم به ) والوجود واللسان والقول كله لك ومالي إلا العدم ، وهذا هو جهة الجمع إلى قوله ( ونسب الكلام إلى عبده ) بقوله الذي يتكلم به ، فالمتكلم هو العبد لكنه بالحق يتكلم ، وهو نتيجة قرب النوافل ، فجمع التنزيه والتشبيه في كلام واحد ( ثم تمم العبد الصالح الجواب "تَعْلَمُ ما في نَفْسِي " - ) من الكمالات والنقائص المستترة بهويتي لأن نفسي بحسب الحقيقة عين نفسك وهو إشارة إلى قرب الفرائض اهـ بالى زادة. ""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام " حتى نعلم " ويعلم ، استفهمها عما نسب إليها هل هو حق أم لا ، مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا ؟ ) .

لما تكلم في الإحياء الحسى الجسماني والإحياء المعنوي الروحاني في حكمة الكلمة العيسوية ، شرع في بيان مطلعات ما جاء في كلمته من الآيات .
ومعناه : أن الحق لما قام لها ، أي للكلمة العيسوية في مقام : ( حتى نعلم ويعلم ) الأول بالنون للمتكلم والثاني بالياء للغائب أي في مقام الفرق .
كما قال تعالى :( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ) . وقد تقدم بأنه كلمة محققة المعنى ، أي حتى نعلم ما تعطيه ذاته المعينة لنا من أحوالها ويعلم هو ما تعطيه تلك الذات له من حيث تعينها الموجب للفرق بيننا وبينه ، استفهم عن كلمته عما نسب إليها من الألوهية ، هل هو حق ؟ أي ، فهل ذلك المنسوب إليك ثابت في نفس الأمر ، أم لا . وهل وقع منك الأمر به ، أم لا.

قال رضي الله عنه :  ( فقال له : " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " . )
ولما كان الاستفهام بقوله : ( أأنت قلت ) مفيدا معنى قوله : ( حتى نعلم ) ، قال أولا : ( قام لها الحق في مقام "حتى نعلم " )
( فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم ) أي ، يجيبه من مقام التفرقة لا مقام الوحدة ، فإن فيها نوعا من دعوى الألوهية . والأنبياء والأولياء الكمل لا يزالون مختارون مقام العبودية لما فيه من مراعا ت الأدب مع الله .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام وفي هذه الصورة ، اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع . )
أي ، لأنه تعالى يتجلى في مقام التفرقة ، فاستفهم على صورة الإنكار بقوله : ( أأنت قلت ؟ ) بضمير الخطاب مرتين ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يجب في مقام التفرقة التي هي في عين الجمع . فإن الكمل لا تحجبهم التفرقة عن مقام الجمع ، ولا الجمع عن التفرقة .
قال رضي الله عنه :  ( فقال وقدم التنزيه : ( سبحانك ) . فحدد ب‍ ( الكاف ) التي يقتضى المواجهة والخطاب . )
أي ، نزه الحق أولا عن مقام هو فيه ، وهو العبودية المنعوتة بالإمكان ونقائصه اللازمة له ، وميز بين مقام الألوهية والعبودية - بكاف الخطاب - والمواجهة ، كما خاطبه الحق بضمير الخطاب ، وذلك التنزيه والتميز هو التحديد .
كما مر في ( الفص النوحي ) . لذلك قال : ( فحدد بالكاف ) . (
( ما يكون لي ) من حيث أنا لنفسي دونك ( أن أقول ما ليس له بحق ) . أي ، ما يقتضيه هويتي ولا ذاتي . ) قد مر مرارا أن لكل موجود جهتين : جهة الربوبية وجهة العبودية ، والثاني متحقق بالأول .
فقوله رضي الله عنه  : ( ما يكون لي ) أي ، لنفس من جهة العبودية والأنانية مجردة عن جهة الربوبية والهوية الإلهية أن أقول ما ليس لنفسي بحق ثابت في نفس الأمر .

وقوله : ( أي ، ما يقتضيه هويتي ولا ذاتي . ) ، تفسير لقوله : ( ما يكون لي ) .
ومعناه : ما يقتضيه عيني وهويتي أن يظهر بدعوى الألوهية من حيث نفسها المتعينة ، كالفراعنة ، وإلا ما كانت نبيا ولا من المرسلين .
قال رضي الله عنه :  ( إن كنت قلته فقد علمته ) لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا ، فقد علم ما قال .
(وأنت اللسان الذي أتكلم به ) أي ، أنت القائل في صورتي ، وأنت اللسان الذي أتكلم به بحكم أنك متجل في هويتي وعيني ومحل لها بتلك الكمالات ، فهي لك في الحقيقة ، ومالي إلا العدم .
فإن قلت : ذلك تكون أنت القائل ، والقائل لا بد أن يعلم القول الذي صدر منه .
فإن قلت قوله : ( لأنك أنت القائل ) يدل على أن الحق هو المتكلم ، وقوله : ( وأنت اللسان الذي أتكلم به ) تدل على أن العبد هو المتكلم لا الحق ، فبينهما منافاة .
قلت : الأول إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض .
والثاني إلى نتيجة قرب النوافل .
وفي الأول ، المتكلم هو الحق بلسان العبد ، وفي الثاني ، المتكلم هو العبد بلسان الحق ، فتغايرت الجهتان .
ولما فسره بما هو مناسب الحديث الرباني ، قال رضي الله عنه : ( كما أخبرنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن ربه في الخبر الإلهي فقال : "كنت لسانه الذي يتكلم به " . فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده . )

أي ، قال الله في حق عبده : ( فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ولسانه . فبي ينطق وبي يبصر وبي يسمع ) . فالمتكلم والسميع والبصير هو العبد ، لكن بالحق .
وذلك لأن هذا المقام ، أي مقام الفناء في الصفات ، مقام نتيجة النوافل لا مقام الفناء في الذات مقام نتيجة الفرائض .

قال رضي الله عنه :  ( ثم ، تمم العبد الصالح الجواب بقوله : " تعلم ما في نفسي " . ) أي ، تعلم ما في نفسي من هويتك وكمالاتك المستترة في هويتي ، وما يخطر في خاطري .
( والمتكلم الحق . ) أي ، والحال أن المتكلم بهذا الكلام هو الحق من مقام تفصيله بلسان عيسى ، عليه السلام . و ( التاء ) للخطاب إلى مقام جمعه ، فهو السامع ، كما أنه هو المتكلم .

قال رضي الله عنه :  ( ولا أعلم ما فيها . فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته ،لا من حيث إنه قائل وذو أثر.) أي ، نفى الحق المتكلم بلسان عيسى العلم عن هوية عيسى حتى لا يكون له العلم بها . وذلك النفي من حيث هويته العدمية ، لا من حيث إنه قائل أو قادر ، فإنه من هذه الحيثية حق لا غيره.

وإنما قال رضي الله عنه : ( ولا أعلم ما فيها ) ولم يقل : ( ما في نفسك ) . كما في القرآن ، تنبيها على أن نفسه عين نفس الحق في الحقيقة ، وإن كانت غيره بالتعين )  . (إنك أنت ) . فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان ، واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلا الله . ) أي ، فقال : ( إنك أنت علام الغيوب ) . فجاء بضمير الفصل والعماد ، وهو ( أنت ) ، تأكيدا للبيان ، وأنه هو علام الغيوب لا غيره . أو تأكيدا لبيان الفرق في عين الجمع ، وتحقيقا لفردانية الحق ووحدانيته ، ليكون هو علام الغيوب جمعا وتفصيلا .

قال رضي الله عنه : ( ففرق وجمع ووحد وكثر ووسع وضيق ) إنما جاء بالتشديد في الكل للمبالغة .
كما يقال ( قطع ) للمبالغة في القطع . ومعناه : فرق بإفراد الحق وجعله مخاطبا ، وجمع بجعله ظاهرا في صورته وصورة كل العالم .
ووحد من حيث ذاته الأحدية ، وكثر من حيث مظاهره التفصيلية . ووسع من حيث شمول هويته
للكل ، وضيق في كل من مظاهره الشخصية ، إذ لا يسعه فيها غيره .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  (وأمّا هذه الكلمة العيسويّة لمّا قام لها الحقّ في مقام « حتّى نعلم ويعلم » استفهم عمّا نسب إليها هل هو حقّ أم لا مع علمه الأوّل بـ هل وقع ذلك الأمر أم لا ، فقال له :"أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ "[ المائدة : 116 ] . فلا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم ؛ لأنّه لمّا تجلّى له في هذا المقام ، وهذه الصّورة اقتضت الحكمة الجواب في التّفرقة بعين الجمع ، فقال وقدّم التّنزيه :سُبْحانَكَ ،فحدّد بالكاف الّتي تقتضي المواجهة والخطاب "ما يَكُونُ لِي أَنْ " من حيث أنا لنفسي دونك "أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ".  أي : ما تقتضيه هويّتي ولا ذاتي ،إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ [ المائدة : 116 ] ؛ لأنك أنت القائل في صورتي ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللّسان الّذي أتكلّم به كما أخبرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ربّه في الخبر الإلهي ؛ فقال : « كنت لسانه الّذي يتكلّم به » ، فجعل هويّته عين لسان المتكلّم ، ونسب الكلام إلى عبده ، ثمّ تمّم العبد الصّالح الجواب بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي ،والمتكلّم الحقّ ، ولا أعلم ما فيها فنفى العلم عن هويّة عيسى عليه السّلام من حيث هويّته لا من حيث إنّه قائل وذو أثر ،وَلا أَعْلَمُ[ المائدة : 116 ] ، فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، ففرّق وجمّع ووحّد وكثّر ، ووسّع وضيّق).

فقال رضي الله عنه  : ( وأما هذه الكلمة العيسوية ) التي هي صورة النفس الإلهي القائمة بفعله كالأحياء والأموات ( لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ) ، وهو يعلم مقام يشبه الفرق مع الحمى ، وهو أنه ( يعلم ) الحوادث الزمانية بالعلم الأول مع تغير نسبته بأن علم بأنها حصلت في أوقاتها لا قبل ذلك ، فكأنه يتجدد له ذلك العلم مع ثبوت علمه الأول ؛ وذلك لأن للنفس هذا المقام ؛ فإن له التفرقة مثل الآثار مع اجتماعها بالقوة في أسمائها .

قال رضي الله عنه :  ( استفهم عما نسب إليها ) من القول بالتفرقة المحضة مع إبهام تصويرها بصورة الجمع ( هل هو حق ) واقع صدوره منه ( أم لا ) ، وهو الاستفهام ناظر إلى الفرق في المستفهم ( مع علمه الأول ) باعتبار جمعيته ( هل وقع ذلك الأمر أم لا ) ، ( فقال له :أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ المائدة : 116 ] ، فاستفهم بطريق التفرقة مع كونه في مقام الجمع ، ( فلا بدّ في ) مقتضى ( الأدب ) الواجب رعايته في هذا المقام ( من الجواب المستفهم ) من غير أن يقتصر المجيب على قوله : أنت السائل والمجيب ، ولا أن يسكت عنه بالكلية بخلاف مقام الجمع ، فإنه لا أدب فيه ، ولا جواب لعدم تميز العبد هناك ، وأما هنا فلابدّ منهما .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه لما تجلى في هذا المقام ) المثبت للعبد وجودا ، وهو الحق ، وفي ( هذه الصورة ) التي هي صورة السائل الطالب للجواب ( اقتضت الحكمة ) الموجبة رعاية مقتضى المقام ( الجواب ) الكامل ( في التفرقة ) قائمة ( بعين الجمع ) ؛ ليناسب الجواب المقام الذي أقام فيه السائل الذي هو الحق ، ( فقال : ) في الجواب المشعر بالتفرقة المحضة في الظاهر مع مقارنتها للجمع في الباطن ، ( وقدّم التّفرقة ) المشعرة بالجمع ؛ ليقارنها به ( سبحانك ) ، ( فحدد ) المنزه في مقام الجمع ( بالكاف ) المشعرة بالتفرقة ؛ لأنها ( التي تقتضي ) التفرقة ؛ لاقتضائها ( المواجهة والخطاب ) ، ولا يتصور أنه من الأمر الواحد من حيث هو واحد ، بل لا بدّ من مغايرة « ما » ، ولو اعتبارية كاعتبار القائلية والسامعية ، فيكون الجمع مقرونا بالتفرقة ؛ ليدل بطريق الانعكاس على أن الفرق المذكور بعده مقرون بالجمع .

وهو قوله :ما يَكُونُ لِيإذ ظاهره التفرقة ، ولكنه متضمن للجمع ؛ فلذلك حسن في تفسيره أن يقال : ( من حيث أنا لنفسي دونك ) أي : باعتبار التفرقة المحضة ، وإن تضمنت في الواقع الجمعأَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [ المائدة : 116 ] أي : ثابت .

ولما عم الثابت بالذات وبغير وهو ثابت له بغير ، لكنه إنما يتأتى باعتبار الجمع ، وهو نفاه هاهنا فسره بقوله رضي الله عنه : ( أي : ما تقتضيه هويتي ) أي : شخصيتي ( ولا ذاتي ) التي هي الإنسانية ، فإنهما من حيث هما من التفرقة الصرفة المانعة ثبوت ذلك لهما ، فهو إنما يتصور باعتبار الجمع ، فقال : ( إن كنت قلته ) أي : باعتبار الجمع ، ( فقد علمته ) حتى أنه لو فرض عدم علمك بالحوادث الزمانية ، لوجب أن تعلم هذا ؛ ( لأنك أنت القائل : في صورتي ) بهذا الاعتبار .
قال رضي الله عنه :  ( ومن قال أمرا ؛ فقد علم ما قال ) ، وإن جاز أن يكون من خلق شيئا لا يعلمه لو خلقه بالواسطة على زعم الفلاسفة في الحوادث الزمانية أنها مستندة إلى الحركات السماوية ؛ وذلك لأنه ليس هذا القول الإيجاد الكلام في غير كما تقوله المعتزلة أنه تعالى متكلم بكلام يوجده في جسم آخر .

بل ( أنت اللسان الذي أتكلم به ) بالنظر إلى هذا الجمع ، وإن قورن بالفرق من حيث نسبة اللسان والكلام إليّ ( كما أخبرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ربه ) لا بلسان الحال بل ( في الخبر الإلهي ) الذي سمعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحضرة الجامعة .
( فقال : " كنت لسانه الذي يتكلم به "  ، فجعل هويته باعتبار الجمع عين لسان المتكلم ) ، ويلزمه كون كلامه عينية صورة المرآة لصور الشخص المحاذي لها ، وإن قارن هذا الجمع بالتفرقة إذ ( نسب الكلام إلى عبده ) ، ولكن باعتبار الجمعية لا يكون من قبيل خلق الكلام في محل مغاير أو بواسطة ؛ فيلزمه العلم لا محالة ، فلا وجه لاستفهامه بالنظر إليها .

قال رضي الله عنه :  (ثم تمم العبد الصالح يعني : عيسى عليه السّلام الجواب )
 بإلحاق ما يفيد فوائد زائدة من إثبات العلم للّه ، باعتبار استقراره في مقر غيره ، وباعتبار ظهوره في الظهر الجامع ، ونفيه عن عيسى باعتبار هويته المشيرة إلى الفرق ، وإن أخذ مع الجمع ، بل إنه يعلمه باعتبار الجمع فقط ، ولكنه لا يكون علما محيطا بالغيوب ، بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي[ المائدة : 116 ] ، فبتعلم ما فيها من صورة كلامك كيف ( والمتكلم ) باعتبار الجمع سيما في الكلام النفسي ( الحق ولا أعلم ما فيها ) أي : ما في نفسي باعتبار الفرق ، وإن قورن بالجمع حتى صح فيها أنها نفس الحق فأصغت إليه تعالى ، وإنما هي لعيسى نسبت إليه نسبة يد العبد ولسانه إليه .

قال رضي الله عنه :  ( فنفى العلم عن هوية عيسى عليه السّلام ) المشيرة إلى الفرق لا من حيث إنه قائل بذلك القول باعتبار الجمع ، ولا ( من حيث إنه ذو أثر ) بهذا القول في الإحياء والإبراء ، فإنه ليس باعتبار الهوية بل باعتبار الجمع ، إذ لا بدّ للتأثير من كونه صورة الحق ، فلا يمكن نفي العلم من تلك الجهة .
ثم قال :"إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ "[ المائدة : 116 ] ، ( فجاء بالفصل والعماد ) أي : بالضمير المسمى ضمير الفصل عند نحاة البصرة ، وبالعماد عند نحاة الكوفة تأكيدا للبيان ؛ ليدل على أن الإحاطة بالمغيبات في اللّه على سبيل الجزم ، فلا يكون للعبد ، وإن بلغ مقام الجمع أصلا ، وإنما يكون له شيء منه بعد انقشاع التجلي الجمعي ، واعتمادا عليه لا على ما يتوهم من صيرورة العبد حينئذ في حكم الرب في العلم كما صار في التأثير ، وليس كذلك .

قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يعلم الغيب ) المطلق ( إلا اللّه ) إذ لو علمه العبد ، فإما في حال الجمع ولا بقاء له حينئذ أو بعد ذهابه ، فلا يبقى عنده إلا قدر استعداده ، وإذا فهمت هذا ( ففرق ) عيسى عليه السّلام قوله :ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ[ المائدة : 116 ].
( وجمع ) بقوله :إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ[ المائدة : 116 ] ، ( ووحد ) بقوله :تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي[ المائدة : 116 ] .
( وكثر ) بقوله :وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ[ المائدة : 116 ] ، (ووسع) بجعله علام الغيوب ، (وضيق) بحصر علم الغيب فيه .

فانظر إلى هذه التّنبئة الرّوحيّة الإلهيّة ما ألطفها وأدقّها أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [ المائدة : 117 ] ، فجاء بالاسم « اللّه » لاختلاف العبّاد في العبادات واختلاف الشّرائع ؛ ولم يخصّ اسما خاصا دون اسم ، بل جاء بالاسم الجامع للكلّ  .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قائلا : ( وأما هذه الكلمة العيسويّة ) تبيينا لقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ 3 / 59 ] .
وذلك لأنّها ( لمّا قام لها الحقّ في مقام « حَتَّى نَعْلَمَ » و « يَعْلَمِ » ) يعني مقام الاختبار المفيد للمختبر تجدّد العلم وحصول الحادث من نوعي العلم - على ما نبّهت إليه آنفا .
مقتبسا من قوله تعالى : " أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " [ 3 / 142 ] .
ومن قوله : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ 47 / 31 ]
فإنّ هذا المقام كما يفيد اختبار المخاطب يقتضي استخراج ما عليه كلمته ، من الحكم الكاشفة عن الأمر نفسه ، تنبيها للطالبين من الحاضرين ، وتبيينا للمسترشدين من الأمم الآتية ، طريق الحقّ.
وفي صيغة " حَتَّى نَعْلَمَ " وتكراره ما يدلّ على هذا .

فقال رضي الله عنه :(استفهمها عما نسب إليها : « هل هو حقّ أم لا » ؟
مع علمه الأول بـ « هل وقع ذلك الأمر أم لا » ؟
فقال: " أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله " [ 5 / 116 ]
ولا بدّ في الأدب من الجواب للمستفهم ) تفصّيا عن اختباره وما يتبعه من إظهار الأمر على ما عليه في نفسه .
وذلك ( لأنّه لما تجلَّى له في هذا المقام ) وهو مقام « حتى يعلم ونعلم » ( وهذه الصورة ) يعني صورة اتّخاذه وامّه إلهين والسؤال عنه : ( اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع ) الذي هو العبارة الكاشفة عن التوحيد الختمي ، جوابا للصورة المسؤول عنها ، وأداء لما هو مقتضى المقام .
قال رضي الله عنه :  (فـ " قالَ " وقدّم التنزيه - : " سُبْحانَكَ " فحدّد بالكاف الذي يقتضي المواجهة والخطاب ) اللذين إنّما يتحقّقان بالتشبيه ، فأتى بالقرآن الجامع في مطلع كلامه ، ثمّ فصّله بقوله :
قال رضي الله عنه :  ( " ما يَكُونُ لِي " من حيث أنا لنفسي دونك " أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ " أي ما يقتضيه هويّتي ولا ذاتي ) ذلك القول ( " إِنْ كُنْتُ قُلْتُه ُ فَقَدْ عَلِمْتَه ُ " لأنّك أنت القائل ، ومن قال أمرا فقد علم ما قال ، وأنت اللسان الذي أتكلَّم به ) .

قرب النوافل والفرائض في مكالمة عيسى عليه السّلام
وبيّن أنّ في ظاهر كلامه هذا تدافع ، حيث نسب القول إلى الله والكلام إلى نفسه ، فدفع ذلك التدافع بقوله :
قال رضي الله عنه :  ( كما أخبرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربّه في الخبر الإلهي فقال: « كنت لسانه الذي يتكلم به » فجعل هويّته عين لسان المتكلَّم ، ونسب الكلام إلى عبده).

فظهر أنّه لا تدافع بين أن يكون القائل أعني اللسان عين هويّة الحقّ . وبين أن يكون الكلام للعبد ، كما ورد به الحديث القدسي . وعلم أنّ هذا كلَّه قرب النوافل .
وإذ كان مقامه يستوعب القربين .
أشار إلى ذلك بقوله : ( ثمّ تمّم العبد الصالح ) - أي المتقرّب بالنوافل - ( الجواب ) عند مقاربته ومخاطبته بقرب الفرائض ، حيث يكون الحقّ متكلَّما والعبد آلته ( بقوله : " تَعْلَمُ ما في " نَفْسِي " والمتكلَّم الحق " وَلا أَعْلَمُ " ما فيها ) .
ثمّ لما استشعر أن يقال هاهنا : إذا كان المتكلَّم فيها هو الحقّ ، كيف يصدق منه قوله : « لا أعلم ما فيها ؟ » .
قال رضي الله عنه  : ( فنفى العلم عن هويّة عيسى من حيث هويّته ، لا من حيث أنّه قائل وذو أثر ) .
وإذ قد كان هذا القرب يستلزم الاتحاد الذاتي نبّه إليه بقوله : « ولا أعلم ما فيها » - بإيراد الضمير وبإيراد الفصل على الاتّحاد الوصفي ، الدالّ على مبدأ القول المسؤول عنه - واصله بقوله : ( " إِنَّكَ أَنْتَ " ) "عَلَّامُ الْغُيُوبِ " [ 5 / 116 ] .

قال رضي الله عنه  : ( فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه ، إذ لا يعلم الغيب إلَّا الله ) .
ثمّ إنّه لما بيّن أنّه قد أتى في هذا الجواب بالتفرقة ، التي هو عين الجمع ، أفصح عن ذلك .
بقوله رضي الله عنه  : ( وفرّق وجمع ) - بالتنزيه والخطاب - ( ووحّد وكثّر ) من حيث انتفاء القول عن نفسه وإثباته للسانه الذي هو الحقّ تعالى ( ووسّع وضيّق ) من إثبات علم الحقّ بنفسه وسلبه عنها ، وبيّن أنه حينئذ قد أتى بالمتقابلين في صورة التثليث .
وذلك هو تمام الكثرة كما لا يخفى على الواقف بأساليب علم العدد . فيكون هذا غاية فيما اقتضت الحكمة من أصل الجواب بالتفرقة التي هي عين الجمع .

وإذ قد كان السؤال المذكور إنّما هو عن مصدريّته للقول المذكور وبلاغه إلى الناس - وما سبق منه إنّما يفيد نفي استحقاقيّته من حيث هويّته لذلك القول وأن الذي يستحقّ ذلك من هو ، ثمّ تمم بتحقيق مواطن ذلك المستحقّ وتبيين مبدأ القول المذكور - أعني العلم - ولا دلالة له أصلا على قوله للناس وبلاغه لهم على ما هو مقتضى مقام النبوة .

ومبتنى أصل السؤال - لا بد في الجواب من التعرّض لذلك وأنّ القول المنبّأ به إليهم ما هو ، حتى يتمّ الجواب.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».  فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

قال رضي الله عنه :  (وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله». فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع،)

قال رضي الله عنه :  ( وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام حتى نعلم ) بصيغة التكلم ( ويعلم ) بصيغة الغيبة فالأول إشارة إلى قوله تعالى :
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ " [ محمد : 31 ]
والثاني : إشارة إلى قوله تعالى :" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ "  [ آل عمران  : 142].
والمراد بمقام حتى نعلم ويعلم مقام الاختبار المفيد للمخبر تجدد العلم وحصول الحادث من نوع القلم ( استفهمها ) أي الكلمة العيسوية ( عما نسب إليها ) وإلى أمها من الألوهية ليعلم بعلمه الثاني الاختباري ( هل هو حق ) واقع بقوله وأمره ( أم لا مع علمه الأول ) الأزلي ( بهل وقع منذ ذلك الأمر ) ، أي الأمر باتخاذهما إلهين أو القول بالاتخاذ ( أم لا فقال له تعالى :أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِولا بد ) [ المائدة : 116 ].

للمخاطب ( في ) مقام ( الأدب من الجواب للمستفهم ) وأنه كان عالما بأنه يعلم ما يجيب به ( لأنه لما تجلى له في هذا المقام ) ، أي في مقام الاختبار ( و ) في ( هذه الصورة ) ، أي صورة السؤال عن قوله : " لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ " على أن مقصود المستفهم إنما هو العلم المتجدد الاختباري لا العلم مطلقا ليحيل العلم عليه فلا جرم .

قال رضي الله عنه :  ( اقتضت الحكمة الجواب في ) صورة ( التفرقة ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه حيث فرق بين المستفهم والمجيب وأقام كل واحد في مقامه لكن لا بحيث يحجبه ذلك الجواب عن مشاهدة عين الجمع بل إنما وقع ( بعين الجمع ) بين الحق والخلق والتنزيه والتشبيه فشاهد أن الحقيقة واحدة تسمى باعتبار مقام التنزيه حقا وباعتبار مقام التشبيه خلقا .
قال رضي الله عنه :  ( فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي. «إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به». فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده. ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر. )

قال رضي الله عنه :  ( وقال ) عيسى عليه السلام ( وقدم التنزيه ) المفهوم من التسبيح ( سبحانك فحدد ) بعدما نزه بالتسبيح حدد ( بالكاف الذي تقتضي المواجهة والخطاب ) اللذان هما يقتضيان التشبيه والتحديد فجمع في هذه الكلمة .
( ثم قال ) عليه السلام (ما يَكُونُ لِيمن حيث أنا ) ملاحظ ( لنفسي ) فقط ( دونك ) ، أي دون أن ألاحظ أن أظهر بصورة نفسي أنت وهذا لسان التفرقة ( أن أقول ما ليس لي بحق أي ما تقتضيه هويتي ) الغيبية وعيسى الثانية ( ولا ذاتي ) الموجودة خارجا .
( إن كنت قلته فقد علمته لأنك أنت القائل في صورتي ) بمقتضى قرب الفرائض ( ومن قال أمرا فقد علم ما قال وأنت اللسان الذي أتكلم به ) بمقتضى قرب النوافل فأنت الفاعل وآلة أيضا وهذا لسان الجمع ( كما أخبرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الخبر الإلهي ) .

والحديث القدسي الوارد في قرب النوافل ( وقال ) تعالى : ( كنت لسانه الذي يتكلم به فجعل هويته عين لسان المتكلم ونسب الكلام إلى عبده ) كما يقتضيه قرب النوافل ، فإن الفاعل في قرب النوافل إنما هو العبد والحق آلة ، ولما كان مقامه يستوعب القربين.
أشار إلى ذلك بقوله : ( ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله : تعلم ما في نفسي والمتكلم بهذا ) القول ( هو الحق ) كما تقتضيه قرب الفرائض وعيسى عليه السلام آلة للحق في هذا التكلم وكذا المتكلم.
 بقوله رضي الله عنه  : ( ولا أعلم ما فيها ) هو الحق لكن من حيث التعين العيسوي ولما كان المتكلم بقوله : تعلم ما في نفسي هو الحق بكون ضمير المتكلم فيه كناية عن الحق سبحانه فتكون النفس نفسه فيكفي في قوله : ولا أعلم ما فيها إرجاع الضمير المجرور إلى النفس ولا حاجة إلى التصريح كما في القرآن حيث قال : " وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ" .
أو المراد : لا أعلم ما في نفسي فكيف أعلم ما في نفسك ( فنفى العلم عن هوية عيسى ) بل عن نفسه ( من حيث هويته لا من حيث أنه ) ، أي عيسى ( قابل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية هو الحق لا غير.

قال رضي الله عنه :  («إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله. ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق  )

( قابل وذو أثر ) فإنه من هذه الحيثية هو الحق لا غير ("إِنَّكَ أَنْتَ " عَلَّامُ الْغُيُوبِ ).
( فجاء بالفصل والعماد ) وهما لفظة أنت ( تأكيدا للبيان ) ، أي بيان الحكم أنه هوعَلَّامُ الْغُيُوبِ *على وجه يفيد انحصار المحكوم به فيه .
( واعتمادا عليه ) ، أي على ذلك البيان في إبانة المطلوب وإنما أكد ( لأنه لا يعلم الغيب إلا اللّه ) ، فإذا حكم عليه بأنه يعلم الغيب ينبغي أن يكون على وجه يفيد التأكيد وانحصار ذلك الحكم فيه .
( ففرق ) حيث ميز بين الحق والخلق وخص كلا منهما الحكم ( وجمع ) حيث رد الكل إلى الحق سبحانه وعلى هذا القياس التوحيد والتكثير والتوسعة والتضييق المذكورة .
في قوله : ( ووحد وكثر ووسع وضيق).

  .
السفر الخامس عشر الفقرة التاسعة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله
واتساب

No comments:

Post a Comment