Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

15 - The Wisdom of Prophecy in the Word of Jesus

الفقرة الثالثة عشر:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
شعرقال رضي الله عنه : 
فلولاه ولولانا ... لما كان الذي كانا)
قال رضي الله عنه :  (فلولاه )، أي الحق تعالى الذي هو نور السماوات والأرض بالعلم الإلهي الظاهر في القابل المستعد له من أهل السماوات والأرض على حسب قابليته واستعداده ، والكل قابل ومستعد لما هو فائض عليه من ذلك النور ومن طلب فوق قابليته واستعداده لا يجد ذلك ؛ ولهذا قال :
ولولانا فإن النور عين الوجود ، وقد اتصف بالوجود كل شيء ، فهو متصف بالعلم ولا علم إلا باللّه كما أنه لا جهل إلا باللّه تعالى ، والجاهل ناقص العلم باللّه تعالى ، فلا جهل باللّه من كل وجه بل الكل عالم باللّه .
ولكن قال تعالى : " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " [ يوسف : 76 ] ، وأخبر أنه سبحانه :"رَفِيعُ الدَّرَجاتِ"[ غافر 15 ] ،
وقال سبحانه : " يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ " [ المجادلة 11 ]
والكل آمنوا ولو من وجه والكل أُوتُوا الْعِلْمَ ولو بشيء ، فهم مرفوعون ولكن رفعتهم درجات متفاوتة ، وذلك عين ما هم فيه وهي درجاته ، لأنه رفيع الدرجات لما كان الذي كانا وهو الظهور الصفاتي في عين البطون الذاتي ؛ ولهذا قال .

(فإنا أعبد حقا  ...  وإن الله مولانا)
قال رضي الله عنه :  (فإنا) معشر الكائنات (أعبد) جمع عبد (حقا) على حسب ما في كل واحد من العبودية ، فالبطون بالربوبية على مقدار الظهور بالعبودية .
فمن كثرت عبوديته كثر فيه ظهور ربوبية اللّه تعالى .
ومن قلّت فيه العبودية ، كثر فيه بطون الربوبية .
وأن اللّه سبحانه (مولانا) بربوبيته لنا وهذا حكم الظهور والبطون وهما تجليان صفاتيان.
 وأما التجلي الذاتي فقد أشار إليه بقوله:  

(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا )
قال رضي الله عنه :  (وأنا) معشر الكائنات أيضا (عينه) ، أي بعد فنائنا في أنفسنا ذوقا وكشفا ،لأنه لا يبقى إلا هو.
(فاعلم) يا أيها السالك هذه الأنانية الذاتية بعد تلك الأنانية الصفاتية الاسمائية ، وهذا الجمع بعد ذلك الفرق إذا ما قلت أنت أو أنا إنسانا فإن الإنسان هو الكامل في النشأة ، العارف بنفسه وبربه الجامع بالمعنى الفارق بالصورة ، وما عداه من الناس فهو إنسان ناقص ، غلبت عليه الحيوانية ، ولم يكمل فيه ظهور الربوبية لنقصان العبودية .

(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا  )
قال رضي الله عنه :  (فلا تحجب) يا أيها السالك عن العين الإلهية الحقيقة الوجودية المطلقة (بإنسان) كامل أو ناقص ، فإنه ظهور لتلك العين المطلقة على التمام أو على النقص .
فقد أعطاك ، أي الحق تعالى برهانا فيك على أنه عينك تشهده منك ذوقا وكشفا في طور كمالك ، وهو قوله تعالى في يوسف عليه السلام :"لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ"[ يوسف : 24 ] .

ثم أشار إلى جمع الجمع وهو الفرق الثاني بعد الجمع بقوله :
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
قال رضي الله عنه :  (فكن) يا أيها السالك (حقا) بعين وجودك القائم الدائم (وكن خلقا) بصورك الثلاث الصورة الروحانية العقلية ، والنفسانية الخيالية ، والجسمانية الطبيعية العنصرية .
تكن حينئذ باللّه تعالى متحققا من حيث صورتك الروحانية العقلية رحمانا مستويا بصورتك النفسانية الخيالية على عرش جسمانيتك الطبيعية العنصرية.

وصورتك الجسمانية الطبيعية العنصرية لها قلب وهو عرشها ، ودماغ وهو كرسيها ، وصفات سبعة هي كواكبها ، في أفلاك سبعة ، وهي قواها العرضية ، في مواضع سبعة هي سمواتها ، ويظهر عن تلك الكواكب في سباحتها في أفلاكها مواليد أربعة جماد العمل القاصر ، ونبات العمل المتعدي ، وحيوان الاعتقاد القاصر ، وإنسان الاعتقاد المتعدي ، عن عناصر أربعة : تراب الخاطر ، وماء النية، وهواء العزم، ونار الهمة.
وهو قوله :
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا )
قال رضي الله عنه :  (وغذّ) أمر من الغذاء وهو القوت الذي به القوام (خلقه) تعالى ، أي مخلوقاته وهي المواليد الأربعة فيك العمل القاصر والمتعدي ، والاعتقاد القاصر والمتعدي ، فعملك واعتقادك خلقه سبحانه .
وذلك في يوم القيامة متصوّر في صورة حسنة أو قبيحة ، يحشر مع صاحبه ويوزن ويحاسب عليه ويجازى به ، فأمره أن يغذيه أي يقيته ويمده منه تعالى بماء النية ومأكل الإخلاص تكن حينئذ يا أيها الفاعل ذلك روحا لذلك العمل والاعتقاد القاصر والمتعدي الذي خلقه اللّه فيك فيكون عملك حيا .

وكذلك اعتقادك بنوعيه فيحملك بكونه مظهرا لك كونك متجليا به ، فهو كلمك الطيب الصاعد بك إلى ربك كما قال سبحانه: " إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" [ فاطر : 10 ]
كما أن عمل ربك حي بربك ، وعلمه كذلك فهو مظهر له لأنه متجل به ، فهو نازل إليك منه تعالى وتكن ريحانا ، أي زكاء أو طيبا لعملك  واعتقادك القاصر والمتعدي ، أو أن المعنى قيام السالك بالفرق والجمع حتى يكون متحققا في نفسه بجمع الاسم اللّه ، وظاهرا بين الناس بفرق الاسم الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء .
فهو مأمور حينئذ أن يغذي خلق اللّه من كل من وجده مؤمنا به بالغذاء الرحماني ، وهو العلم الإلهي منه تعالى لا من نفسه بحسب فتوح الوقت ، فإنه يكون له حينئذ روحا معنويا بنفخه فيه ، فيحييه به حياة علمية ذاتية إلى الأبد ، وريحانا : أي جنة معنوية يدخله فيها ، عيونها جارية وقطوفها دانية .

(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا  )
قال رضي الله عنه :  (فأعطيناه ) ، أي الحق تعالى (ما يبدو) ، أي يظهر من العمل والاعتقاد بنوعيه به ، أي بقدرته فينا ، وهو الكلم الطيب الذي يصعد إليه ، وإذا أعطيناه ذلك فلا يبقى عندنا دعوى له ، فإذا قدمنا عليه لا نقدم عليه بشيء بل نقدم عليه به ، لأنه هو الذي يبقى عندنا فنعمل به ما نعمل وأعطانا هو أيضا ما يبدو ، أي يظهر بنا من عمله وعلمه وهو كلماته التامات .
فإذا قدم علينا لا يقدم علينا أيضا بشيء ، وإنما يقدم علينا بنا لأننا نحن الذين نبقى عنده فيعمل بنا ما يعمل ، أو المعنى أن الذي نغذي به خلقه من الطالبين لمعرفته إذا أعطيناهم إياه فقد أعطيناه ما يظهر به سبحانه فينا من فيضه ، وأعطانا هو أيضا ما يظهر بنا فيه من استعدادنا لكماله وفيض جلاله وجماله
 .
(فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا )
قال رضي الله عنه :  (فصار) بسبب ما ذكر منا ومنه سبحانه الأمر الإلهي الواحد (مقسوما ) بيننا وبينه بإياه وهو البطون والجمع وإيانا وهو الظهور والفرق .

(فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا  )
قال رضي الله عنه :  (فأحياه) سبحانه من حيث ظهوره بنا الوجود الحق (الذي) هو (يدري) به ، أي يعلمه فلا يعلمه غيره وهو لقلبي الذي وسعه كما ورد : « ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن ".
حين أحيانا نحن أيضا من حيث بطونه عنا بما أحيا به نفسه في ظهوره بنا .

(فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا   )
قال رضي الله عنه :  (فكنا) بانقلاب الأمر الذي وسعناه به وهو قلبنا (فيه) سبحانه (أكوانا) جمع كون وأعيانا جمع عين وأزمانا جمع زمان ، وذلك جميع العوالم في بصائر العارفين كلها ثابتة من غير وجود لأنه عين الوجود ، فلا يصير وصفا لغيره وهو قوله تعالى :" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا" [ إبراهيم : 27 ].
أي يجعلهم ثابتين لا منفيين فإن المنفي هو المحال وهم ممكنون والمضارع حكاية الأزل .
ثم قال تعالى بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وهو عين الوجود الحق من حيث هو أمر نازل كلمح بالبصر .
ثم عمم تعالى هذا الحكم فيهم فقال: " فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ" [ إبراهيم : 27 ] ، أي يحيرهم فلا يهديهم إلى معرفة الأمر على ما هو عليه لظلمهم لأنفسهم أو لغيرهم ، فكلما عدلوا عن الحق عدل بهم " فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ"[ يونس : 32 ] .

(وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا )
(وليس) ما ذكر من شهود الثبوت في الوجود (بدائم فينا) معاشر المؤمنين (ولكن ذاك أحيانا )، أي في أوقات دون أوقات ، فلا بد من شهود الثبوت في الوجود ، وشهود الوجود في الثبوت ، فالوجود واحد والثبوت كثير ، والوجود مطلق والثبوت مقيد ، والوجود له الظهور والبطون والثبوت له الظهور والبطون ، وهما كالليل والنهار ، بل الليل والنهار كما قال تعالى :" وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وهي القمر وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً"[ الإسراء : 12 ] وهي الشمس .
وفي الحديث : " فإنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " رواه الترمذي في سننه
. وفي رواية أخرى : " كما ترون الشمس في الظهيرة ". رواه الدارقطني

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)

قال رضي الله عنه :   
(فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا )
( فلولاه ولولانا ) أي ولو لم يكن الحق وأعياننا ( لما كان الذي كانا ) أي لما ظهر في الكون ما ظهر وهو بيان لاتحاد الإنسان مع الحق في الربوبية
( فأنا أعبد حقا  ....    وأن اللّه مولانا )
وهو بيان للفرق
( وأنا عينه فاعلم   .....  إذا ما قلت إنسانا )
أي إذا سميت عينك بإنسان أي لا ينافي عينيتنا مع الحق إنسانيتنا
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا )
( فلا تحجب ) على صيغة المجهول ( بإنسان ) أي لا تحجب بأن تسمى بالإنسانية عن عينيتك مع الحق ( فقد أعطاك ) على عينيتك أو عينيتنا مع الحق ( برهانا ) وهو قوله كنت سمعه وبصره وغير ذلك
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا )
( فكن حقا ) بحقيقتك وروحك ( وكن خلقا ) بنشأتك العنصرية (تكن باللّه رحمانا)  أي عام الرحمة بإفاضتك الكمالات الإلهية على عباده
(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذ خلقه منه ) الضميران عائدان إلى اللّه ( تكن روحا ) وغذاء روحانية الخلق يغتذي بك ويتلذذ بك ( وريحانا ) تشم من نفخات إنسك مع الحق .
(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا )
( فأعطيناه ما يبدو به ) أي أعطيناه الحق ما يظهر به من صورة استعدادنا ( فينا ) من الأسماء والصفات كالحياة والعلم والقدرة فيظهر فينا بهذه الصفات بحسب استعدادنا وفاعل ما يبدو ضمير عائد إلى الحق وبه عائد إلى الموصول ( وأعطانا ) ما ظهرنا به من وجودنا وأحوالنا  ومقتضيات ذواتنا
(فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا )
( فصار الأمر مقسوما بإياه ) أي بما أعطيناه إياه ( وإيانا ) أي بما أعطاه إيانا
(فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا )
( فأحياه ) الضمير للقلب المذكور حكما أي أحيى قلبي بالحياة العلمية ( الذي يدري بقلبي ) أي يعلم قلبي واستعداده الأزلي ( حين أحيانا ) بالحياة الحسية .
(فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا )
( وكنا فيه ) أي وكنا في غيب الحق قبل الحياة ( أكوانا وأعيانا وأزمانا ) لا حياة لنا بالحياة الحسية والعلمية
(وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا )
( وليس ) هذا المذكور وهذا التقرب مع اللّه ( بدائم فينا ولكن ذاك أحيانا ) أي وقتا دون وقت كما قال عليه السلام:

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
 
قوله : فلولاه و لولانا لما كان الذي كانا يعني لولا لاهوته تعالى لما أحيا عيسى الموتى وإبراء الأكمة والأبرص 
ولولانا سوتنا وهو قسط عيسى من أمه، لما حصل التواضع من عيسى 
حتى قال لأصحابه: إذا لطمك على خدك فأدر له الخد الآخر وإذا أخذ رداءك فزده قميصك وإذا سخرك ميلا فامض معه ميلين، 
فصح قوله: فلولاه ولولانا لما كان هذا الوصفان التواضع والرفعة.
قوله: 
فإنا أعبد حقا   …..     وأن الله مولانا 
يعني بال" أعبد"، الأعيان الثابتة وهي الممکنات عنده.
قوله: 
وإنا عينه فاعلم   …..  إذا  ما قلت إنسانا 
يعني أنه إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه إنسان عين الحق وقد تقدم ذكر  ذلك في كلمة آدم عليه السلام.
قوله: 
فلا تحجب بإنسان  ……    فقد أعطاك برهانا
يعني لا تستبعد أن يكون الإنسان هو إنسان عین الحق فقد أعطاك برهانا على ذلك. ذكره في حكمة آدم، عليه السلام، وفي غيرها.
قوله: 
فكن حقا وكن خلقا   ……     تکن بالله رحمانا
يعني" فصرح في نفسك بأنك حق خلق باعتبار الأسماء الكونية والأسماء الإلهية التي فيك بما أنت إنسان فتصير بذلك رحمانا أي جامعا لوجودات المراتب.
قوله: 
وغذ خلقه منه     ……         تکن روحا وريحانا
يعني ما تقدم مما ذكره أن الخلق غذاء الحق وبالعكس وقد تقدم ذكر ذلك. قال: وإذا صرت غذاء فأنت الروح له والريحان.
قوله: 
فأعطيناه ما يبدو   …..    به فينا وأعطانا 
يعني أن ظهورنا في وجوده أعطيناه به أنه الآخر والظاهر من كوننا آخرا وظاهرين وأعطانا هو الوجود فإن الوجود له لا لنا. 
قوله: 
فصار الأمر مقسوما  …….     بإياه وإيانا
یعنی صارت الحضرة الإلهية مجموع الأسماء الكونية والأسماء الإلهية وهي منا ومنه.
قوله: 
فأحياه الذي أدري     …..      بقلبي حين أحيانا
وأحياه الذي أدري أي ظهورنا أحياه، أي أحيا له اسما كالخالق المتحصل من المخلوق والرازق المتحصل من المرزوق وحصول حياته لو كانت حين حصلت لنا الحياة منه.
قوله: 
فكنا فيه أقواتا    ….   وأعيانا وأزمانا 
يعني بالأقوات " ما تقدم من الغذاء ويعني بالأعيان ظهوراتنا بأزمانها.
قوله: 
وليس بدائم فينا   …   ولكن ذاك أحيانا 
يعني لا يدوم لنا هذا الشهود أي أنه غذاؤنا ونحن غذاؤه، وأنا أحييناه كما هو أحيانا، فإن هذا إنما يظهر في بعض الأوقات.
وأقول: إن الشهود إذا حصل لا يتغير وأما توهم الشهود، فهو الذي يتغير وما تجلي الله لشيء، فاحتجب عنه بعد ذلك.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
 
قال رضي الله عنه  : ( فلولاه ولولانا  ....  لما كان الذي كانا)
يعني رضي الله عنه : أنّه لا بدّ في كون الأفعال الكونية والإلهية من الله من صدور وجود أعيانها ، ولا بدّ أيضا من الحقائق الكلَّية الكمالية العبدانية القابلة للوجود الحق الواحد وأكوانه الفعلية من التجليات والتعيّنات ، فنحن بعبوديّتنا ومألوهيّتنا ومربوبيتنا نظهر كونه ذا أسماء وتجلَّيات .
والله بإلهيته وربوبيته يفيض علينا الوجود وعلى الأكوان وعلى الأفعال الصالحة ، إضافة إلى الله من وجه ، و إلينا من وجه ، ولا بدّ منه .
كما قلنا في الغرّاء التائية :
فلا بدّ منه     ....   إنّه كلّ بدّنا
ولا بدّ منّا     ....  في أصحّ الأدلَّة
قال رضي الله عنه  :
(فإنّا أعبد حقّا    .....    وإنّ الله مولانا)
(وإنّا عينه فاعلم  .....   إذا ما قلت إنسانا)
يعني : أنّ المظهر كهو في ذاته بخلاف غير الإنسان من الأعيان ، وإن كان الحق عين الكلّ وعين كلّ عين ، ولكن كون الحق في كل عين بحسبها لا بحسب الحق ، فلا يصحّ فيها أن يقال : إنّ هذا العين عين الحق ، بخلاف الإنسان مع كون الحق عينه يكون هو عين الحق .

قال رضي الله عنه  :
(فلا تحجب بإنسان    ......   وقد أعطاك برهانا )
يعني : أنّ الإنسان وإن كان في العرف اسما من أسماء الأكوان من حيث شخصه ، ولكنّه في الحقيقة هو اسم للحق مع كونه - تعالى - عين الأعيان والوجود والمراتب ، فإنّ الحق من كونه إنسانا هو عين العالم لا من كونه ربّا إلها ، فإنّ الإله إله أبدا لا مألوه ، والربّ ربّ أبدا لا مربوب ، والإنسان - برزخيّة بين بحرى الربوبية والمربوبية - عين البحرين ، فافهم ، فإنّه البرهان الذي أعطاكه الإنسان .

قال رضي الله عنه - :
(فكن حقا وكن خلقا   ......   تكن بالله رحمانا)
يشير رضي الله عنه : إلى تمام المدّعى أنّك بإنسانيتك وبرزخيتك لك أن تكون عين الحق ، فتقوم بك جميع الأشياء الإلهية ، ولك - بما ذكرنا كذلك - أن تكون خلقا فتكون في أعمّ الحقائق والأعيان ، فتعمّ الحق بمظهريتك الكلَّية الجامعة للذات الإلهية والأسماء كلَّها ، وتعمّ الخلق برحمة الله وفيضه الواصل إلى العالم كلَّه ، من كونك خليفته والواسطة ، وتقوم بجميع ما يحتاج العالم إليه وتسعه ، فتسع الحق والخلق بعين ما وسع الحقّ بك ذلك ، فتكون رحمانا ، لعموم وجودك .

قال رضي الله عنه :
( وغذّ خلقه منه   .....    تكن روحا وريحانا)
يشير رضي الله عنه :  إلى ما قرّرنا من قبل أنّ الحقّ بالوجود غذاء الخلق ، إذ به قوامه وبقاءه وحياته ، كالغذاء به يكون قوام المغتذي وحياته وبقاؤه .
وكذلك تغذّي أنت بالوجود الحق الفائض جميع الخلق ، لأنّك النائب في ذلك عن الله ، وكذلك تغذّي الوجود الحقّ بأحكام الكون وصوره ، وتوجد بذلك له أسماء وصفات ونعوتا وأحكاما ونسبا وإضافات ، وبهذا تكون روحا للحقائق الكونية العدمية تريحها بالوجود عن العدم ، وتروّحها عن ظلمتها بنور القدم ، وكذلك تكون ريحانا للوجود الحق بالروائح الخلقية الكيانية والنشآت الصورية الإمكانية .

قال رضي الله عنه  :
(فأعطيناه ما يبدو     .....    به فينا وأعطانا)
( فصار الأمر مقسوما  .....     بإيّاه و إيّانا )
أي أعطانا الحق من خصوصيات قابلياتنا ما يظهر به فينا في تعيّنه بنا ، وأعطانا وجودا به أيضا ظهورنا لنا ، فصار الأمر الوجودي ذا وجهين له نسبة إلينا ونسبة إليه ، فيقسم في العقل قسمين لا في العين فقرّبنا عين العينين ، ولهذا سمّانا إنسان العين لأهل الإشارة والفوز بالحسنيين في الطرفين .

قال رضي الله عنه  :
( فأحياه الذي يدري    ....    بقلبي حين أحيانا )
(وكنّا فيه أكوانا        ......   وأزمانا وأعيانا )
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ الحقائق الكلَّية الإنسانية أعيان الشؤون الذاتية الإلهية ، والوجود الحق مظهر ومجلى لتلك الأعيان ، فإنّا نحن فيه أكوانه الأزلية التي كان بنا ولم نكن معه لأعياننا ، لكوننا عين كونه الذي كان ولم نكن في غيب العلم الأزلي .
وكذلك في الوجود العيني بكوننا ، ويكون سمعنا وبصرنا وأعياننا وقوانا وجوارحنا في قرب النوافل ، ونكون أيضا كذلك سمعه وبصره ولسانه وأعيان أسمائه وأكوانه .
وأمّا كوننا أزمانا فيه فمن حيث إنّ مظهرياتنا موجبة لتقدّر الاسم الدهر ، فإنّ مبدأ إضافة الوجود وتعيّنه امتداد النفس الرحماني والفيض الوجودي إلى أبد الأبد ، لا يتقدّر ولا يتعين إلَّا بحسب القوابل ، والزمان مقدار حركة الفلك المحيط عرفا فلسفيا  وهو عند المحقّق صاحب الكشف صورة الزمان لا حقيقته ، وحقيقته معنى امتداد أمداد الأنفاس الرحمانية والتجلَّيات الوجودية بالتعلَّقات الإرادية الإلهية إلى الحقائق والأعيان لإيجاد الأكوان في حضرة الإمكان .

فلو لا الحقائق الكيانية ، وأقدارها في قابلياتها وخصوصياتها في مراتبها الذاتية ، وتقدّمها وتأخّرها المرتبتان الذاتيتان ، لما تعيّنت المقادير الإيجادية ، فنحن بكمال قابلياتنا وسعتها نقبل أمداد الأنفاس الرحمانية بالتقدّم وبالتأخّر في القابليات الناقصة التابعة ، فإنّ الحقائق منها تابعة ومنها متبوعة ، وملزومة ولازمة ، ولوازم لوازم وعوارض ولواحق .
فالحقائق المتبوعة الملزومة الكاملة تقبل الوجود أوّلا ومنها ينفذ نور الوجود إلى التوابع واللوازم وما ذكر ، فتحقّق بين المبادي والغايات حقيقة التقدّم والتأخّر الذاتي والمرتبي بحقيقة معقولية امتداد الوجود من أوّل قابل - مثلا - إلى آخر موجود .
فحقيقة الزمان معقولية ذلك الامتداد ، ومعقولية تعلَّقه بكل عين عين حقيقة الآن الذي لا ينقسم ، فإنّ تعلَّق النور النفسي الوجودي الحق بكل عين غير قبوله باستعداده الذاتي ، ومعقولية أحدية جمع الامتدادات والتعلَّقات النورية الوجودية النفسية الإلهية إلى ما لا يتناهى حقيقة الاسم الدهر ، فمن حيث إن الوجود بنا وبحقائقنا يتقدّر ويتعين كنّا فيه أزمانا .

وقد قال بعض المحقّقين من أهل الحق :
الوقت وعاء لما قدّر أو فيه ، ونحن كذلك أوعية لما يتقدّر فينا من التجلَّي والتعين وتنوّعاتهما إلى الأبد ، فافهم .
وفيه إشارة أيضا إلى أنّا بحقائقنا وأعياننا الثابتة كنّا في الحق قبل قبول الوجود أزمانا لا تعرف أوّليّة ، إذ لا مبدأ وأزماننا بمعنى الحقيقة الذاتية ، لا بصورة الزمان ، فافهم ذلك .

قال رضي الله عنه :
( وليس بدائم فينا   ....   ولكن ذاك أحيانا )
يشير إلى ما قاله زين العابدين عليه السّلام : « لنا وقت يكوننا فيه الحق ولا نكونه » وإلى قوله صلى الله عليه وسلم « لي مع الله وقت » وهو زمان غلبة حقّية الإنسان الكامل على خلقيته ، وليس ذلك بدائم فيه ، فإنّ ذلك مقتضى الحقيقة الإنسانية الكمالية ، فإنّه الحق الخلق الجامع بين بحري الوجوب والإمكان ، المطلق في جمعه بين الحقّية والخلقية عن الجمع والإطلاق دائما ، فليس له أن يكون على الدوام حقا محضا ، فإنّ ذلك لحقيقة الحق لا غير ، لا شريك له في خصوصه سبحانه .

وفي هذا المقام سرّ للخواصّ وهو :
أنّ الإنسان الكامل في كل عصر يقابل دائما بمألوهيته ومربوبيته وعبوديته الذاتية وخلقيته الكاملة حضرة الألوهية ، والربوبية والحقّية ، وكذلك يقابل بربوبيته وبما فيه من الألوهة وصورة الله من جهة خلافته وتحقّقه بجميع الأسماء الإلهية حضرة الكون والخلق بالإمداد والفيض الواصل إلى العالم بواسطته ولا بدّ ، وإلَّا فلا يكون خليفة ، فهو يسع بأحد طرفيه ما يقابله من الحقية والخلق ، وبجمعه بينهما يحاذي ويقابل الجمعية الإلهية بين حضرات الأسماء والمسمّيات وحقائق المسمّيات - بكسر الميم اسم فاعل - والمعيّنات كذلك وهي - دون تعيّن حقا وخلقا - جانب إطلاق الحق ، فهو من هذا الوجه حق دائما ، وخلق دائما ، جامع بينهما ، مطلق في كل ذلك ، كما هو ربّه ، فيكون على هذا الذوق .
قوله رضي الله عنه : « وليس بدائم فينا » فافهم هذا السرّ .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)

يقول رضي الله عنه  :
( فلولاه ولولانا    ....   لما كان الذي كانا )
أي لا بد في الأكوان والتجليات الفعلية من الحق الذي هو منبع الفيض والتأثير، ومن الأعيان القابلة التي تقبل التأثير وتتأثر فتظهر التجليات الأسمائية والأفعالية ، ووجه الارتباط بما قبله أن الإحياءين وجميع الأفعال والأكوان لا بد لها من الألوهية والعبدانية ليتحقق الفعل والقبول والتجلي والمجلى
"" أضاف بالي زادة(فلولاه ولولانا ) أي فلو لم يكن الحق وأعياننا ( لما كان الذي كانا ) أي لما ظهر في الكون ما ظهر وهو بيان لاتحاد الإنسان مع الحق في الربوبية : ( فأنا أعبد حقا  وإن الله مولانا )
وهو بيان للفرق ( وأنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا ) أي إذا سميت عينك بإنسان لا ينافي عينيتنا مع الحق إنسانيتنا اهـ بالى . ""

يقول الشيخ رضي الله عنه  :
( فأنا أعبد حقا      .....     وإن الله مولانا )
(وأنا عينه فاعلم   ......    إذ ما قلت إنسانا )

أي أنا أعبد الحقيقة لأنا نعبده بالعبادة الذاتية أي الأحدية الجمعية ، وإن الله بجميع الأسماء متولينا وولينا ومدبر أمورنا بخلاف سائر الموجودات ، فإنهم عبيده ببعض الوجوه والله مولاهم ببعض الأسماء . وأما الإنسان الكامل فإنه عين الحق لظهوره في صورته بالأحدية الجمعية ، بخلاف سائر الأشياء ، فإنها وإن كان الحق عين كل واحد منها فليست عينه لأنها مظاهر بعض أسمائه فلا يتجلى الحق فيها على صورته الذاتية ، وأما إذا قلت إنسانا أي إنسانا كاملا في الإنسانية فهو الذي يتجلى الحق على صورته الذاتية فهو عينه
( فلا تحتجب بإنسان ....   فقد أعطاك برهانا )
أي فلا تحتجب بالإنسان عن الحق من حيث أن الإنسان اسم من أسماء الأكوان من حيث شخصه ، فإنه من حيث الحقيقة اسم من أسماء الحق من حيث كونه تعالى عين الأعيان بل هو الاسم الأعظم المحيط بجميع الأسماء .
"" أضاف بالي زادة( فلا تحتجب ) بصيغة المجهول ( بإنسان ) أي بأن تسمى بالإنسانية عينيتك مع الحق ( فقد أعطاك ) على عينيتك أو عينيتنا مع الحق ( برهانا ) وهو قوله « كنت سمعه وبصره » اهـ بالى . ""

إلا أن الله تعالى إله رب دائما ، وما يطلق عليه اسم السوي مألوه مربوب دائما ، والإنسان برزخ بين مجرى الإلهية والمألوهية ، والربوبية والمربوبية عين البحرين ، فلا تكن محجوبا بمألوهيته عن إلهيته فقد أعطاك برهانا على إلهيته وربوبيته :

( فكن حقا وكن خلقا  ....   تكن باللَّه رحمانا )
هذا تمام المدعى : أي كن بنور حبك حقا بحسب الحقيقة ، وكن خلقا بحسب الصورة البشرية ، فتقوم بك من حيث حقيقتك جميع الأسماء الإلهية
وتعم بخليقتك جميع الحقائق والأعيان فتعم الحق بحقيقتك الجامعة للذات الإلهية والأسماء كلها .
وتعم الخلق من رحمة الله وفيضه الواصل إلى العالم كله من حيث أنك خليفته على العالم ورابطة وجوده .
وتقوم بجميع ما يحتاج إليه العالم فوسع الحق والخلق بعين ما وسع الحق بك ذلك فتكون رحمانا لعموم وجودك وسعة رحمتك وجودك .
"" أضاف بالي زادة(فكن حقا ) بحقيقتك وروحك ( وكن خلقا ) بنشأتك العنصرية ( تكن باللَّه رحمانا ) أي عام الرحمة بإفاضتك الكمالات الإلهية على عباده اه ( وغذ خلقه منه ) أي من الله ( تكن روحا ) أي غذاء روحانيا لخلقه يغتذي بك ويتلذذ بك ( وريحانا ) حتى تشم من نفحات أنسك مع الحق .
( فأعطيناه ما يبدو . به ) أي أعطينا الحق ما يظهر به من صور استعدادنا ( فينا ) من الأسماء والصفات كالحياة والعلم والقدرة فيظهر فينا بهذه الصفات بحسب استعدادنا ، وفاعل ما يبدو ضمير عائد إلى الحق ، وبه عائد إلى الموصول ( وأعطانا ) ما ظهرنا به من وجودنا وأحوالنا اهـ بالى زادة ""

قال الشيخ رضي الله عنه:
( وغذ خلقه منه   ....  تكون روحا وريحانا )
إشارة إلى ما سبق من أن الحق بالوجود غذاء الخلق ، إذ به قوامه وبقاؤه وحياته كالغذاء الذي به قوام المتغذى وبقاؤه وحياته ، فغذ أنت بالوجود الحق لأنك النائب في ذلك عن الله ، وقد تغذى الحق بأحكام الكون وصور الخلق كما تقرر من قبل .
فظهر له بذلك أسماء وصفات ونعوت وأحكام ونسب وإضافات ، فيكون هذا روحا للحقائق الكونية العدمية تريحها بالوجود عن العدم وتروحها عن ظلمتها بنور القدم ، وتكون ريحانا للوجود الحق بالروائح الحقيقية الكائنة والنشأة الصورية الإمكانية :
( فأعطيناه ما يبدو   ....    به فينا وأعطانا)
(فصار الأمر مقسوما  .....   بإياه وإيانا )

أي أعطينا الحق من قابلياتنا ما يظهر به فينا بنا ، وأعطانا الوجود الذي به ظهرنا ، فصار الأمر الوجودي ذا وجهين : نسبة إلينا ، ونسبة إليه تعالى .
"" أضاف بالي زادة( فصار الأمر مقسوما بإياه ) أي بما أعطيناه إياه ( وإيانا ) أي بما أعطاه إيانا .اهـ بالى""

 منقسما باعتبار العقل لا في العين إلى قسمين :
 قسم له منا ، وقسم لنا منه
 وقد وضع الضمير المنصوب المنفصل موضع المجرور المتصل ، لأن المراد اللفظ أي بهذين اللفظين .
كأنه قال : بأن أعطينا الظهور بنا إياه وأعطى الوجود به إيانا .
( فأحياه الذي يدرى   ....   بقلبي حين أحيانا)

أي حين أحيانا وأوجدنا بوجوده أحياه وأظهره الذي يعلمه في قلبي من حياته بحياتنا وظهوره بصورنا وسمعنا وبصرنا كما ذكرنا في قرب الفرائض ، ومنه قوله : سبحان من أودع ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب ، ثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب .
"" أضاف بالي زادة( فأحياه ) الضمير القلب المؤخر لفظا المقدم معنى : أي أحيا قلبي بالحياة العلمية ( الذي يدرى . بقلبي ) أي يعلم قلبي واستعداده الأزلي ( حين أحيانا )  بالحياة الحسية . اهـ بالى
( وكنا فيه ) أي وكنا في غيب الحق قبل الحياة ( أكواناوأعيانا وأزمانا) لا حياة لنا بالحياة الحسية والعلمية اهـ ( وليس ) هذا المذكور أو هذا التقريب مع الله ( بدائم فيناولكن ذاك أحيانا) أي وقتا دون وقت كما قال « لي مع الله وقت لا يسعني » الحديث اهـ بالى . ""

( فكنا فيه أكوانا   ....   وأعيانا وأزمانا )
وكنا في الأزل قبل أن يوجدنا أكوانا في ذاته : أي كانت حقائقنا أعيان شؤونه الذاتية الإلهية ، والوجود الحق مظهرا لنا ومجلى لتلك الأعيان ، فكنا فيه أكوانه الأزلية التي كان بنا ، ولم نكن معه لكوننا عين كونه الذي كان ، ولم نكن في غيب العالم الأزلي وكذلك في الوجود العيني أحيانا ، وكوننا بأن كان سمعنا وبصرنا وقوانا وجوارحنا ، وفي الجملة أعياننا في قرب النوافل فكنا سمعه وبصره ولسانه وأعيان أسمائه وأكوانه في قرب الفرائض .
وأما كوننا أزمانا فيه فلتقدم الدهر بتقدم بعضنا على بعض وتأخر بعضنا عن بعض في الوجود والمرتبة ، فإن كل متنوع منا وملزوم من أحوالنا يتقدم في الوجود والمرتبة والشرف تابعة ولازمة ، فكنا في الحق أزمانا بالتقدم والتأخر في المظهرية ، وصار امتداد النفس الرحماني بنا أنفاسا وأوقاتا وامتداد الدهر أزمانا .

( وليس بدائم فينا   .....   ولكن ذلك أحيانا )
أي وليس ذلك القرب أي قرب الفرائض والنوافل دائما فينا ولكن أحيانا ، لقوله عليه الصلاة والسلام « لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل »
وقول زين العابدين : لنا وقت يكوننا فيه الحق ولا يكوننا ، وهو زمان على حقيقة الإنسان الكامل على خلقه .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
قال رضي الله عنه :  
(فلولاه ولو لأنا   ......   لما كان الذي كانا )
أي ، فلو لا الحق الذي هو منبع القوى والقدرة ومعدن الكمالات الظاهرة في البشر المفيض بأسمائه وصفاته الأنوار في العالم ، ولولا أعيان الثابتة في العدم ، لما حصل في الوجود ما حصل ، ولا ظهر في الكون ما ظهر .
والمراد بقوله : ( ولولا نا ) ليس الإنسان فقط ، بل أعيان العالم كله .
قال رضي الله عنه :  
(فإنا أعبد حقا   ......   وإن الله مولانا )
لقبول ما يفيض علينا وإظهار صفاته الغيبية فينا ، والعبودية تطلب الربوبية ، فربنا ومولانا المفيض علينا الصفا ت الكمالية هو الله لا سواه . وإنما جاء بالاسم ( الله ) دون غيره من الأسماء ، لأنه هو الاسم الجامع للأسماء كلها ، والعالم بأسره مظاهره .
قال رضي الله عنه :  
( وإنا عينه فاعلم  ......  إذا ما قلت إنسانا )
أي ، إنا وأعيان العالم عين الله ، لأنها أسماؤه ، والأسماء من وجه عين المسمى ، وهو من وجه ( الأحدية ) . كما مر في المقدمات .
ومعنى ( إذا ما قلت إنسانا ) أي ، إذا جعلت العالم من حيث أحدية جمعه ، مسمى بالإنسان لكبير ، وإنا عين الله ، إذا ما قلت إنه هو الذي ظهر بصورة الإنسان الكامل ، فيسمى باسم الإنسان .
كما قال رضي الله عنه  شعر :
( سبحان من أظهر ناسوته  .....  سر سنا لاهوته الثاقب )
( ثم بدأ في خلقه ظاهرا  ..... في صورة الآكل والشارب )  
لأنا مشتركون في الحقيقة الإنسانية مع الكامل .
فقوله : ( إنا ) يكون عن لسان أفراد الإنسان ، لا العالم .
قال رضي الله عنه :  
( فلا تحجب بإنسان  ......    فقد أعطاك برهانا )
على صيغة المبنى للمفعول . أي ، فلا يحجبنك أحد بأنك مسمى بالإنسان ، والحق مسمى بالله . أو على صيغة المبنى للفاعل . أي ، فلا يحجب نفسك بأن تجعلها مسمى بالإنسان ، وتجعل الحق : مسمى بالله .
( فقد أعطاك ) البرهان الكشفي إنك عينه باعتبار الحقيقة ، وغيره باعتبار التعين والتقيد . وأعطاك البرهان النقلي إنك عينه ، كما قال : ( كنت سمعه وبصره ) - الحديث . وقال : ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شئ عليم ) . وغير ذلك من الأخبار الواردة فيه .
قال رضي الله عنه :  
( فكن حقا وكن خلقا  ......    تكن بالله رحمانا )
أي ، فكن حقا باعتبار روحك ، وخلقا باعتبار جسدك . أو فكن حقا باعتبار حقيقتك الجامعة للحقائق كلها الإلهية والكونية ، وكن خلقا باعتبار تعينك وتقيدك وكونك مظهرا للصفات الإلهية . تكن بالله عام الرحمة على العالم ، إذ بواسطتك يحصل له ما فيه من كمالاته دنيا وآخرة ، علما وعينا ، فتكون عين اسم ( الرحمان ) المشتمل على الأسماء .
قال رضي الله عنه :  
( وغذ خلقه منه  ......  تكن روحا وريحانا  )
قد مر مرارا أن الحق غذاء الخلق من حيث وجودهم وبقائهم وجميع كمالاتهم ، إذ الحق هو الذي يختفي في صورة الخلق اختفاء الغذاء في المغتذى .
وبقاء الخلق بالحق ، كبقاء المغتذى بالغذاء . والخلق غذاء الحق من حيث إظهار أحكام أسمائه وصفاته ، إذ بالخلق تظهر الأحكام الأسمائية ، وبهم بقاؤها ، ولولا الخلق ، ما كان له أسماء وصفات .

فضمير ( خلقه ) و ( منه ) عائد إلى الله تعالى . أي ، غذاء العالم من وجود الحق بأسمائه وصفاته ، لأنك خليفة في ملكه . تكن ذا روح وراحة ، لأنك حينئذ تكون رحمة للعالمين ، فتستريح من أنفاسك الأرواح وتشم من نفحات عطرك الأشباح ، فتكون ريحانا للعالم بروحك ، وراحة للأكوان بعينك ، وأمانا  للخلق بوجودك ، فإن الدنيا لا تخرب ما دام كونك فيه .
قال تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) . والخطاب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، وللوارثين نصيب منه  
قال رضي الله عنه :  
( فأعطيناه ما يبدو  ......    به فينا وأعطانا )
أي ، فأعطيناه الحق ما يظهر بوجوده فينا من الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات الكمالية . فأعطيناه إياها برجوعنا إليه وفناءنا فيه ذاتا وصفة وفعلا ، كما قال : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) .
وأعطانا ما علم وظهر له من أعياننا من الإمكان والحدوث والفقر والعجز ، وفي الجملة ، ما طلبت استعداداتنا من صفات الكمال والنقصان بإيجادها وإظهارها في الوجود الخارجي  
قال رضي الله عنه :  
(فصار الأمر مقسوما   .......      بإياه وإيانا )
أي ، فصار الأمر الوجودي منقسما بما أعطيناه إياه من أحوالنا التي كنا عليها حال كوننا معدومين ، وبما أعطاه إيانا من الوجود والكمالات اللازمة له مع مقتضى أعياننا .
قال رضي الله عنه :  
( فأحياه الذي يدرى ....   بقلبي حين أحيانا )
أي ، أحيا قلبي بالحياة العلمية الذي هو عالم به واستعداده الحاصل له في الأزل حين أحيا أرواحنا وقلوبنا بالحياة الذاتية الحسية .

تقديره :
( الذي يدرى بقلبي   ..... أحياه حين أحيانا )
( فكنا فيه أكوانا  .....   وأعيانا وأزمانا )
أي ، فكنا في غيب الحق وفي علمه أعيانا ثابتة ، وفي عالم الأرواح أكوانا موجودة
مبدعة ، وكنا عند نزولنا إلى غيوب السماوات والأرض ومرورنا بهذه المنازل
وغيرها من منازل المعادن والنباتات والحيوانات إلى حين الوصول إلى هذه الصورة
الإنسانية أزمانا ودهورا في الغيب حتى ظهرنا في هذه الدار .
ولما ذكر كوننا في علم الحق ومراتب غيوبه وشهاداته دائما ، ذكر ما يتعلق
بطرف الحق أيضا بقوله رضي الله عنه   :
(وليس بدائم فينا  .....   ولكن ذاك أحيانا )
أي ، وليس الحق بحسب ظهوره وتجليه بدائم فينا ، ولكن ذاك أحيانا يحصل لقلوبنا استعداد ذلك التجلي الذي به يحصل الشهود والعلم الحقيقي الموجب للحياة الروحانية ، وبه يصير الحق سمع العبد وبصره وجوارحه ، والعبد سمع الحق وبصره وباقي صفاته .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
قال الشيخ رضي الله عنه :  
( فلولاه ولولانا   .....    لما كان الّذي كانا )
كما قال : ( فلولاه ولولانا ) أي : فلو لا العلم الذي به الحياة الإلهية النورية الدائمة العلية والعلماء به ، ( لما كان الذي كان ) من المخلوقات كما قال : « كنت كنزا مخفيّا ، فأحببت أن أعرف » .
ولا شكّ أن الحكمة في إيجاد الخلق إظهار نسبة الربوبية بالعبودية ، كما قال :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ الذاريات : 56 ] ، ولا يتم إلا ممن كمل في ذلك العلم .

(فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا)
( فأنا أعبد ) عبادة ( حقّا ) ، وذلك ( أن اللّه مولانا ) تدلى بذاته ، وجميع أسمائه المنفصل ظهورها في العالمين فيّ ، وأنا بكمال هذا التجلي في..

(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا)
كأني عينه ؛ فاعلم إذا ما قلت إنسانا كاملا ، فإن كماله بظهور صور الحق والخلق فيه :

(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا يحجب بإنسان ) حادث ذليل عن ظهور رب قديم جليل فيه بذاته وأسمائه ، ( فقد أعطاك برهانا ) على ذلك مثل قوله على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : « كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها » . رواه البخاري وابن حبان
وإذا لم يحجب :
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقّا ) أي : متحققا بما تجلى فيك تؤثر به في غيرك كأنك الحق ، ( وكن ) مع ذلك ( خلقا ) ؛ لأنه أصلك فلا تتوهم انقلابك إلى الحق ، ولا إنصافك بعين صفاته ، فلا تدع الربوبية لنفسك ( تكن باللّه رحمانا ) تفيض على الخلق فيضا عامّا تستفيضه منه بمناسبتك الطرفين ، وإن لم تسم بالرحمن على الإطلاق ؛ لامتناع ذلك في حق عين اللّه تعالى .
ولا يتجوز في ذلك لإيهامه المعنى الحقيقي كمثل ما يترك استعمال اللفظ في معناه الحقيقي فرارا من التوهم ، فكيف في المعنى المجازي ، وإنما استعمله الشيخ - رحمه اللّه - لتصريحه بالقرينة الرافعة للإيهام ، وفي قوله : « باللّه » أي : باللّه الذي هو الرحمن بالذات .
ثم قال : ولا يقتصر على إفاضة الفيض الرحماني ، بل :

(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا )
( غذّ ) أي : أكمل ( خلقه منه ) أي : من تجليه الخفي ، وهو الفيض الرحيمي ( تكن روحا ) أي : مفيد راحة عظيمة بتكليمهم في العلم الحقيقي ، والمقامات العلية ، والأحوال السنية ، ( وريحانا ) أي : مفيدا روائح السير في اللّه ، وباللّه ومن اللّه .
وإذا كان لنا عموم الفيض الرحماني ، وخصوص الفيض الرحيمي ، وهي التغذية باعتبار حقيقتنا وخلقيتنا :

(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) أي : الخلق بحقيتنا ( ما يبدو به ) الحق ( فينا ) من صور تجلياته ، وباعتبار خلقيتنا ما ( أعطانا ) من آثارها :

(فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا)
( فصار الأمر ) أي : أمر فيضنا مقسوما بإياه ، وإيانا بعضه من صور الحق ، وبعضه من صور الخلق .
وإذا كان كذلك :
(فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه ) أي : الخلق الذي يحييه بالحياة الإلهية بالعلم مثال علمه ونوره ( الذي يدري بقلبي ) لكنه نسب إلينا ؛ لأنه إنما أحياه فترتب إحياؤه على ( إحيائنا) :

(فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا)
(فكنا ) سبب ذلك ، وكان المحيي حقيقة هو العلم الإلهي الذي كما ( فيه أكوانا ) محدثة ، ( وأزمانا ) متغيرة ، ( وأعيانا ) ثابتة فلا تغير فيه ، وإنما هو في إفاضته وتعلقه بنا وكذا في تجليه علينا.
ولذلك :
(وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
( ليس بدائم ) ثم ( فينا ) وإن كان الأصل في تجليه ، ( ولكن ذلك ) المتجلي يكون (أحيانا) حين ارتفاع الحجب ، وهي ترتفع بالموت فيدوم بدوامه في نفسه ، فلا حجاب إلا أن يعود حجاب الكفر أو المعاصي والعياذ باللّه من ذلك .
فلذلك تسمى هذه الحياة الإلهية عليه نورية بخلاف الحياة الحيوانية ، فإنها ليست من صور أسمائه ؛ فلذلك لا يلزمها العلم الكامل ، بل هي من الآثار الحاصلة من نفسه الرحماني الذي النفخ العيسوي من مظاهره .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
قال الشيخ رضي الله عنه :   
( فلولاه ولولانا  ...   لما كان الذي كانا )
يمكن أن يجعل كناية « لولانا » عبارة عن الذين أحياهم الشرب من المشرب الختميّ ، وعين الحياة الحقيقيّة ويمكن أن يجعل لمطلق الإنسان ، وعلى الأول يكون قول :
(وإنا أعبد حقا     ....   وإنّ الله مولانا )
(وإنّا أعبد حقّا)  تعريضا بما حكى عن عيسى  " إني عبد الله " أي نحن العبيد الحقيقي لله .
( وإنّ الله مولانا ) نحن وعلى الثاني معناه أنّ العبوديّة والالوهيّة الحقيقيّتين بالإنسان وقوله

(وإنّا عينه فاعلم ......   إذا ما قلت إنسانا)
 (وإنّا عينه ) أيضا يحتمل الوجهين : فعلى الأوّل ضميره عائد إلى الحقّ . وعلى الثاني عائد إلى « الذي كانا » وهو عبارة عن الإنسان ، أي الإنسان عين الحقّ ، أو المحمّديّون هم العيون في هذا النوع ، إذ لكلّ امّة من الأمم منزلة قوّة منه ، فهم الذين يدركون أنفسهم بهم ، وذلك مخصوص بالعين بين المشاعر ( فاعلم ) ذلك( إذا ما قلت إنسانا )أي إنّه إنسان عين الحق ، أو الوجود .
(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا تحجب بإنسان ) ( فقد أعطاك ) بالعين ( برهانا ) تطلع به على جميع الحقائق - إلهيّة وكيانيّة - وتحيط منه بالكل إحاطة إنسان العين بالشخص.
(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقّا وكن خلقا )بتلك الإحاطة الوجوديّة والشعوريّة ( تكن بالله ) وتأييده ( رحمانا ) أي مبدأ فيضان الرحمة من المعارف المحيية للنفوس الهالكة .

(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذّ خلقه منه ) أي من الله ( تكن روحا ) لروحك ( وريحانا ) للمستنشقين منك روائح الحياة الأبديّة .
ثمّ لما بيّن أمر الجمع والإجمال بما لا مزيد عليه محرّضا للطالبين والواجدين أن يطعموا الخلائق من تلك الأغذية الإجماليّة ، فإنها اسّ العلوم الذوقيّة والمعارف الوجدانيّة ، أشار إلى مبدأ التفرقة الكونيّة من تلك الجمعيّة المشار إليها بحيث يفضي إلى ما هو المقصد هاهنا بقوله:

(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) عطفا على قوله : « فلا يحجب » أي نحن في ذلك التعيّن العيني أعطيناه ( ما يبدوا ) ( به فينا ) من الصور والقوالب المشتملة عليها القوابل ، ( فأعطانا ) الظهور بها وهذه النسبة منشأ التفرقة .

( فصار الأمر مقسوما  ....  بإيّاه وإيّانا)
( بإيّاه وإيّانا ) ثمّ إنّ الظهور والوجود وأحكامه من العلم والحياة لما كان هو سهم الحقّ في هذه القسمة :
(فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه الذي يدري )  ( بقلبي )حياة علميّة هي أشرف أنواعها كما سبق .
فلئن قيل : إنما يصحّ ذلك لو لم تكن تلك الحياة له أزلا ، فإنّه على تقدير أزليّة حياته وعلمه لا يتصوّر إحياؤه بوجه .
قلنا : إنّ العلوم والمعارف لله قسمان - على ما صرّح به الشيخ في أكثر تصانيفه - : منها ما يكون قديما أزليّا لازما لذاته تعالى ، ومنها ما يكون حادثا متجدّدا بتجدّد الكاملين من أشخاص الإنسان .
ووجود القسم الثاني هو الغاية لإيجاد الخلق . وفي قوله : « الذي يدري بقلبي » إشعار بخصوصيّة القسم الأخير .
فعلم أنّ الذي يعلم ويدرى بالقلب إحياؤه تعالى في هذا المظهر والنشأة ( حين أحيانا ) ثمّ لما بيّن نصيب الحق وسهمه في تلك القسمة أشار إلى نصيب العبد ، منها بقوله :
(فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا)
( فكنّا فيه أكوانا ) متحوّلة ( وأعيانا ) ثابتة ( وأزمانا ) بها نتحوّل ونثبت ، فإنّ الأمور الكونيّة منحصرة في هذه الأقسام .

وفيه إشارة إلى قرب الفرائض ، فإنّ العبد بجميع جوارحه وقواه في هذه الحضرة متجدّدة معها بالفعل ، فلا تتوهّم من : « كنّا » أنّ ذلك كان في الأزل ، كما توهّمه البعض فإن « كان » في أمثال هذه المواضع يفيد استمرار الأزمنة .
كما قال الشيخ - فيما ألحق بقوله « كان الله ولم يكن معه شيء » يعني : « والآن كما كان » :  إنّه لا حاجة إلى ذلك لدلالة " كان " عليه . اللهم إلَّا للإفصاح ودفع الاحتمال .
وبيّن أن كون العبد آلة للحق وتبعا له في الوجود والشعور كما هو قرب الفرائض أمر ذاتيّ للعبد ، فهو من الضروريّات التي لا يحتاج فيها إلى تعيين وقت وحين ، دون عكسه ، وهو كون الحقّ آلة للعبد ، وهو المعبّر عنه عندهم بقرب النوافل ، فإنّه أمر عرضي إنما يتحقّق في بعض الأحيان ولذلك أشار إلى ذلك في صورة حينيّة بقوله :
(وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
 ( وليس بدائم فينا ولكن ذاك أحيانا )فهو إشارة إلى قرب النوافل ، لا إلى قرب الفرائض ، كما توهّمه البعض  فإنّ كون الحقّ في العبد هو بأن يكون سمعه وبصره على ما لا يخفى ، فهو صريح في ذلك القرب .

كيف يصدر المادي من الروحاني 
ثمّ إنّه إذ قد ذكر ما استغربه العقول المحجوبة بالحجج النظريّة من أمر امتزاج النفخ الروحاني مع الصورة البشريّة العيسويّة ، وتركَّب مادّتها الجسمانيّة منهما ، أخذ يحقّق ذلك بإثبات القاعدة الكليّة المقنّنة الذوقيّة ، وانطباق أصول الحكم المتقنة الكشفيّة على ذلك .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
 
قال رضي الله عنه :  ( فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا ... إنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا .. وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا  ... فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا ... فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا ... وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا  ... فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا )

(فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا)
 ( فلولاه ) لتصدر عنه بعض الموجودات بواسطة كلمة كن المنسوبة إليه تعالى بحسب نزوله إليهم البعض الآخر من الموجودات ( ولولانا لما كان الذي كانا ) يعني لما وجد الذي وجد لأن الموجودات منحصرة في هذين القسمين.

(فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا)
( فإنا ) معشر الكاملين ( أعبد ) ، أي عباد مطيعون له ممتثلون أمره لنا بقول : كن ( حقا . . وإن اللّه مولانا ) وسيدنا فيجب علينا طاعته فيما أمرنا به

(وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا)
( وإنا عينه فاعلم . . إذا ما قلت ) أنت لنا ( إنسانا ) ، أي كاملا فإن ما علمنا أنه ليس بإنسان حقيقة وإنما حكم بعينية الإنسان الكامل .
لأن كماله لا يتيسر إلا بإفناء جهة خلقيته.

(فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا)
( فلا يحجب ) على البناء للمفعول ، أي لا يحجب عن شهود هذه العينية ( بإنسان ) ، أي بالصورة الإنسانية والهيئات البشرية ( فقد أعطاك ) اللّه سبحانه ( برهانا ) على تلك العينية وهو أن كلمة كن بمنزلة كن منه

(فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا)
( فكن حقا ) بإفناء جهة خلقيتك في حقيقته ( وكن خلقا ) بقيامك في مقام العبودية بحسب الصورة ( تكن ) جامعا بين جهتي الحقيقة والخلقية وواسطة بين الحق والخلق .
فحينئذ يكون ( باللّه ) ، أي بتجلياته الذاتية والأسمائية ( رحمانا ) ، أي عام الرحمة على العالمين إذ بواسطتك يحصل لهم ما يحصل من الكمالات الدينية والدنيوية .

(وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا)
( وغذ ) بتلك الجامعية والوساطة ( خلقه منه ) سبحانه باستفاضة الوجود والكمالات منه وإفاضتها عليهم ( تكن روحا ) ، أي راحة وتنفيسا لهم عن كرب العدم والنقصان ( وريحانا )  يستنشقون منك روائح الحياة العلمية والكمالات الوجودية

(فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا)
( فأعطيناه ) بالفناء فيه والرجوع إليه ( ما يبدو ) من الوجود وكمالاته ( به ) ، أي بتجلياته
(فينا ) بحسب حقائقنا واستعداداتها ( وأعطانا ) بالبقاء بعد الفناء عما أفنيناه فيه عند الفناء فيه

قال رضي الله عنه :  (  فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا .. فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا .. فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا .. وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)

فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا)
( فصار الأمر ) ، أي المعطى له ( مقسوما بإياه وإيانا ) ، أي به وبنا فتارة هو سبحانه المعطى له وتارة نحن ، أو صار الأمر المعطى مقسوما بما أعطيناه إياه وبما أعطاه إيانا .
وإنما أتى بالضمير المنصوب مع أن الظاهر المجرور ، لأنه حكاية عن الضمير المنصوب المتصل الذي هو مفعول للإعطاء ، فلما ترك الفعل صار منفصلا.

(فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا)
( فأحياه ) ، أي جعله سبحانه موصوفا بالحياة الشريفة العلمية المظهرية الحادثة ( الذي يدري ) ويعلم الأمور ( بقلبي ) وبقلب أمثالي وهو أنا وأمثالي ، فحين ظهر في أنانيتنا جعلناه موصوفا بهذه الحياة .
وأما الحياة العلمية الغير المظهرية فهي لازمة لذاته سبحانه أزلا وأبدا لا مدخل لنا في اتصافه بها وذلك الإحياء إنما كان ( حين أحيانا ) بتجليه علينا بالحياة العلمية فانصبغت فينا فحدثت لنا نسبة مخصوصة لخصوص قابلياتنا ، فهي مأخوذة مع تلك النسبة حادثة ، واتصاف الحق بها إنما هو فينا ، فنحن جعلناه موصوفا بها فهذا هو المراد بإحيائه سبحانه .

(فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا)
( وكنا ) على سبيل الاستمرار ظاهرين ( فيه ) ، أي في مرآة وجوده تارة ( أكوانا ) ، أي مكونين مبتدعين في مرتبة الأرواح ( و ) تارة ( أعيانا ) ثابتة في مرتبة العلم ( و ) تارة ( أزمانا ) ، أي ذوي أزمان في الزمانيات .

(وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا)
( وليس ) الحق ( بدائم ) ، أي بدائم التجلي ( فينا ) بالتجلي الشهودي .
وإن كان دائم التجلي بالتجلي الوجودي ( ولكن ذاك ) ، أي التجلي الشهودي يكون ( أحيانا ) بحسب الاستعدادات التي تحصل لقلوبنا .
قال عليه السلام : " لي مع اللّه وقت لا يسعني ملك مقرب ولا نبي مرسل ".
ثم أنه لما ذكر الشيخ رضي اللّه عنه : ما استغربته العقول المحجوبة من امتزاج النفخ الروحاني مع الصور البشرية العيسوية بتركب مادتها الجسمانية منهما ، أراد أن يزيل ذلك الاستغراب.
.
السفر الخامس عشر الفقرة الثالثة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله  
واتساب

No comments:

Post a Comment