Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشّهوة في مريم فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ، ومن ماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النّفخ لأنّ النّفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء .  فتكوّن جسم عيسى من ماء متوهّم ومن ماء محقّق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ، ومن أجل تمثّل جبرئيل على صورة البشر حتّى لا يقع التّكوين في هذا النّوع الإنساني إلّا على الحكم المعتاد . فخرج عيسى يحيي الموتى لأنّه روح إلهيّ ، وكان الإحياء للّه والنّفخ لعيسى كما كان النّفخ لجبرائيل والكلمة للّه . )

قال رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم) عليها السلام حين اطمأن قلبها بأنه ملك لا بشر ، وانبسطت عن قبضها ، وانشرح صدرها ، وأمنت منه السوء والفاحشة فخلق جسم عيسى عليه السلام ("مِنْ ماءٍ") ، أي من مني محقق وجوده من مريم عليها السلام ، ولا ينكر منها سريان الشهوة فيها عند رؤية البشر السوي لأنه أمر طبيعي لا يدخل تحت التكليف ، كحالة الجوع والعطش عند رؤية المأكل والمشرب خصوصا ، وليس من جهتها قصد لوجود ذلك ولا إرادة له .

وللّه تعالى في ذلك إرادة مقتضية لحكمة عظيمة ، فأنفذها سبحانه على طبق قضائه الأزلي وتقديره ومن ماء متوهم وجوده (من جبريل) عليه السلام لما جاء في صورة البشر السوي ، فإن النفخ كان من فم ذلك البشر السوي ، والفم فيه ماء الريق (سرى ذلك) الماء (في رطوبة ذلك النفخ ، لأن النفخ من الجسم الحيواني) وهو ماء فيه حياة نامية متحركة بالإرادة (رطب لما فيه).

أي في ذلك النفخ (من ركن الماء) فكان الهواء والماء من صورة النافخ ، والنار والتراب من صورة المنفوخ فيه ، وهو مريم عليها السلام ، فالنار من الشهوة والتراب من كثافة جرم المني ، فقد اجتمعت العناصر الأربعة على طريقة سائر المولدات (فيكوّن) بسبب ذلك جسم عيسى عليه السلام من ماء متوهم الوجود وماء محقق الوجود كما قال تعالى في حق كل إنسان إنه "خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ ( 6 ) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ  "( 7 ) [ الطارق : 6-7] .

قال رضي الله عنه :  (وخرج) عيسى عليه السلام (على صورة البشر من أجل أمه) ، فإنها صورة بشر (ومن أجل تمثل جبريل) عليه السلام (في صورة البشر) فقد ظهر بشر من بين بشرين بحسب الظاهر كغيره من الناس (حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على هذا الحكم المعتاد) والأمر في الباطن ليس كذلك ، فإنه ظهور روح من بين روح وبشر ، فرفع مع الأرواح بعد نزوله منها ، وسينزل نزولا آخر على المنارة البيضاء شرقي دمشق نظير نزوله أوّلا على المنارة العذراء البيضاء ، ويغلب عليه حكم تلك المنارة ، فتأخذه الطبيعة النورانية المنيرة له ، فيتزوج وينكح ويتبع الشريعة المحمدية ، ويموت ويدفن بالحجرة كما ذكرناه قريبا .

قال رضي الله عنه :  (فخرج عيسى) عليه السلام ("يحى الموتى" لأنه روح إلهي) من أمر اللّه تعالى وكان الإحياء للموتى الظاهر من عيسى عليه السلام للّه تعالى فالمحيي هو اللّه تعالى وحده والنفخ في الطير الذي خلقه من طين وأحياه بالتوجه على أجسام الموتى وأرواحهم المفارقة لعيسى عليه السلام ، فالنافخ هو كما كان في خلقه عيسى عليه السلام النفخ في مريم عليها السلام لجبريل عليه السلام والكلمة ، أي تفصيل حروفها بتبيين أعضاء عيسى عليه السلام وتركيب بنيته وهيئته وتسوية صورته وتوجيه معانيه الباطنية بانتشار قواه الروحانية للّه تعالى وحده ، فالنافخ هو جبريل عليه السلام والمتكلم بإظهار كلمته هو اللّه تعالى .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم فخلق جسم عيسى عليه السلام من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبرائيل سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه ) أي في الجسم الحيواني .
قال رضي الله عنه :  ( من ركن الماء فيكون جسم عيسى عليه السلام من ماء متوهم ) ماء جبرائيل ( و ) من ( ماء محقق ) ماء مريم فكان لكل واحد منهما خواص تظهر من عيسى عليه السلام .

قال رضي الله عنه :  ( وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ومن أجل تمثل جبرائيل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني الأعلى الحكم المعتاد ) فإن حفظ هذه الصورة الشريفة واجب على أنه لو لم يكن على هذه الصورة لما كان نبيا مبعوثا إليهم لعدم بقاء المناسبة بينه وبينهم .
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السلام ) بسبب تكونه من هذين الأمرين ( يحيي الموتى لأنه روح إلهي وكان الأحياء للَّه والنفخ لعيسى عليه السلام كما كان ) النفخ ( لجبرائيل والكلمة للَّه)

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم: فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء. فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.  فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
معناه ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ومن ماء متوهّم من جبرئيل سرى في رطوبة ذلك النفخ ، لأنّ النفخ من الجسم الحيواني رطب ، لما فيه من ركن الماء ، فخلق جسم عيسى من ماء متوهّم ومن ماء متحقّق .
وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ومن أجل تمثّل جبرئيل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد ) .

قال العبد : أمّا سراية الشهوة في مريم فبأمر الله " لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا " ، ولا سيّما وكان الله قبل ذلك أنبأ مريم وبشّرها " بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " ابن مريم ، أي تولَّد منها روح حين " قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ " .
وإنّما قالت ذلك بحكم العادة المتعارف في التوليد البشري ، فلو غلب عليها إذ ذاك شهود قدرة القدير ، لم تقل ذلك بحكم العرف ، بل بحكم الكشف والشهود .
فقال الملك : " كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ " ، أي خلق الولد بلا مسّ البشر بصورة الوقاع ، " وَلِنَجْعَلَه ُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا " هذا في وقت النفخ .
والذي قبل ذلك وهي في محرابها " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمن الْمُقَرَّبِينَ " الآية « 6 » ، فانتظرت ذلك من الله .
فلمّا قال جبرئيل : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " تذكَّرت وزال عنها القبض ، فسرت الشهوة من حيث ما اشتهرت ، وتمنّت وقوع ما بشّرها الله به ، فنفخ أمين الله عند انشراح صدرها روح الله .
فخرج منشرح الصدر ، غالبا عليه البسط ، حسن الصورة ، بسّاما ، طليق الوجه ، مستبشرة ، رزقنا الله وإيّاك الاجتماع به يقظة ورؤيا في الدنيا والآخرة ، إنّه قدير .
وأمّا خلق جسم عيسى عليه السّلام من ماء محقّق فمن حيث سراية الشهوة فيها ، ومن ماء متوهّم فمن حيث توهّم مريم أنّ الرسول بشر أو روح في صورة بشرية ، وإذا ظهر الروح في صورة بشرية بأمر الله لإيجاد الولد ، فبما زعمت عرفا لا يكون إلَّا من ماء الرجل ، فتأثّرت بالوهم ، فوجد من ذلك ماء روحاني نوراني ، منه خلق جسم  الروح صلوات الله عليه ثمّ الروح لمّا لم يكن جسمانيا وليس فيه ماء حسيّ عرفا .
ولكن في قانون التحقيق لمّا تحقّقت ممّا أسلفنا في هذا الكتاب أنّ الأرواح وإن كانت غير متحيّزة ولكن في قوّتها ومن شأنها أنّها شاءت أو شاء الحق .
ظهرت في صورة متمثّلة كالمتحيّز وحينئذ أضيف إليها ما يضاف إلى تلك الصورة الجسمية من الأوصاف والأحكام واللوازم ، فلمّا ظهر الروح الأمين لمريم في صورة من شأنها أن يكون الولد عند التوليد من مائها ، أعني صورة البشر السويّ ، أي التامّ الخلق .
فتوهّمت عليها السّلام من حيث هذا السرّ مضافا إلى ما ذكر قبل أن يكون الولد من ماء وبه النفخ الواقع من الصورة الجبرئيلية التمثيلية في صورة البشر .
فظهرت رطوبة الحياة الروحية من ذلك الريح المنفوخ وهو هواء حارّ رطب ، ولا سيّما وجبرئيل سلطان العناصر أجرى في نفسه الرحماني روح الماء والحياة الذي عليه عرش الرحمن ، فتكون صورة الروح الظاهرة من هذا الماء الروحاني الإلهي الرحماني الساري في الماء البشري المريمي القدسي .
وأمّا خروجه على صورة البشر فلأنّ صورته نتيجة الصورة البشرية من جانب جبرئيل ومن جانب أمّه ، فأشبه الأصل ، ولما ذكره سلام الله عليه فاذكر ، حتى لا يكون التكوين والإيجاد الإنسانى إلَّا بالصورة الإنسانية تشريفا لهذه الصورة وتنزيها أن يتكوّن إلَّا عن الإنسان في الإنسان .
فإنّ خلق الإنسان مخصوص بالله من كونه متجلَّيا في صورة إنسانية ، ولهذا خمّر طينة آدم بيديه أربعين صباحا ، فكان الله تبارك وتعالى يتجلَّى في صورة إنسانية وتخمّر طينة في مادّة نورية لاهوتية .
من حيث الأحدية الجمعية البرزخية العظمى التي مرّ مرارا ذكرها ، فتذكَّر ، وكذلك الله ما تجلَّى من حضرة من الحضرات لإيجاد نوع أو جنس فما دونها وما فوقها إلَّا على صورة ذلك النوع والجنس والصنف والشخص الذي يريد إيجاده كائنا ما كان .
وبعد خلقه تامّا كاملا ارتضاه صورة له ، وكان هو ربّه وروحه ، فهو صورة أنانيّة الحقّ ، وهويتها - من حيث ذلك التجلَّي الأوّل الذي تجلَّى لإيجاده - على صورة عينه الثابتة ، فافهم - وما أظنّك تفهم - إن شاء الله العليم .

قال رضي الله عنه : ( فخرج عيسى يحيي الموتى ، لأنّه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى ، كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله ) .
قال العبد : اعلم أن الكلم وإن كانت كثيرة بحسب حضرات المتكلَّم منها ، ولكنّها تنحصر في أمّهات ثلاث :
الأولى : كلمة هي هيئة أحدية جمعية من حروف ظاهرة ملكية شهادية كونية جسمانية كسائر الموجودات الجسمانية ، فإنّ كل موجود موجود جسمانيّ كلمة إلهية كذلك .
الثانية : وكلمة هي هيئة جمعية من حروف باطنة ملكوتية روحانية ، كالموجودات الإبداعية الروحية كالأرواح والعقول والنفوس والملائكة ، فإنّها كلمات رحمانية قدسية طاهرة سبّوحيّة .
والثالثة : كلمة هي هيئة أحدية جمعية بين حقائق حرفية إلهية ، وحروف روحية جسمانية وهي حقائق الكمّل من النوع الإنساني ، ولكنّ الغالب على كل واحد من الكمّل حكم مرتبة من هذه المراتب .
فكانت الكلمة العيسوية المسيحية الظاهرة هيأة أحدية جمعية بين حقائق حرفية إلهية ، وحقائق حرفية روحية إلهية أيضا ، وحقائق حرفية جسمانية روحانية إنسانية في مرتبة البطون ، والغالب على حرف جسمانيته الحروف الروحية والغالب على حرف روحيته الحروف اللاهوتية.
ولهذا قيل فيه : " إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ " غلطا من جهة القائل المنحرف .
فلو قالوا : هو الله ، لم يكن غلطا ، فإنّ هوية الصورة العيسوية المسيحية الروحية لله ، كما أنّه هوية الإنيّات كلَّها بلا حصر في شيء منها ، ولكنّهم ادّعوا الحصر ، فكفروا وجهلوا وغلطوا ، فافهم ، فإنّه بحث شريف لطيف عال غال ، حقّقنا الله وإيّاك بتحقّقه وتحقيقه بحسن توفيقه ، إنّه على ما يشاء قدير .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال رضي الله عنه :  (فسرت الشهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ، ومن ماء متوهم من جبريل سرى في رطوبة ذلك النفخ ، لأن النفخ من الجسم الحاوانى رطب لما فيه من ركن الماء ، فتكون جسم عيسى من ماء متوهم ومن ماء محقق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنسانى إلا على الحكم المعتاد )

إنما سرت الشهوة في مريم حين قال لها ما قال ، لأنها آنست حين كانت في محرابها بقول الملائكة في قوله تعالى"إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه اسْمُه الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ . وَجِيهاً في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومن الْمُقَرَّبِينَ " –
فكانت منتظرة من الله إنجاز وعده . فلما سمعت قول جبريل تذكرت وعلمت أنه حان وقت ذلك وانبسطت ودنا منها جبريل في صورة البشر عند النفخ فتحركت شهوتها بحكم البشرية لأن أكثر هيجان الشهوة في النساء وقت النقاء من الحيض ، وكان انتباذها من فوتها للاغتسال وقت انقطاع الدم ، وكان الوقت وقت غلبة الشهوة ودنو جبرائيل منها في صورة الشاب الحسن ، وتصورت أنه وقت إنجاز وعد ربها – " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " .

فاجتمعت الموافقة لما قدر الله من غلبة الشهوة وتمنى ما بشر الله بها وفرح بمداناة الشاب المليح ، فتحركت الشهوة كما في الاحتلام بعينه ، فاحتلمت وجرى ماؤها مع النفخ إلى الرحم النقي الطاهر فعلقت وخلق من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم متخيل من نفخ جبريل .

"" أضاف بالي زادة : ( من ماء متوهم ومن ماء محقق ) فكان لكل واحد منهما خواص تظهر من عيسى اهـ . بالى
فإن حفظ هذه الصورة الشريفة واجب على أنه لو لم يكن على هذه الصورة لما كان نبيا مبعوثا إليهم لعدم بقاء المناسبة بينه وبينهم هذه الصورة صورة الآيات أو صورة عيسى .اهـ بالى . ""

 لأن النفخ من الحيوان رطب فيه أجزاء لطيفة مائية بالفعل مع أجزاء هوائية سريعة المصير إلى الماء ، واجتمع الماءان المحقق والمتكون لتوهمها من مادة النفخ فتكون جسم عيسى روح الله منهما في وقت غلب على أمه البسط والروح بتحقق ما بشرت به في تصورها .
فخرج منشرح الصدر طليق الوجه متبشرا بساطا حسن الصورة غالبا عليه البسط والماء المتوهم ، جاز أن يكون من توهمها أن الولد لا يكون إلا من ماء الرجل فخلق الماء من النفخ بقوة وهمها.
وأن يكون من جهة جبريل لأنه سلطان العناصر يقدر أن يجرى من نفسه الرحماني روح الماء في النفخ فيجعله ماء ، وأما كون عيسى على صورة البشر فلانتسابه إلى أمه ولتمثل جبريل في صورة البشر السوي فكان تكونه على السنة المعتادة والحكمة المتعارفة .
ولأن أشرف الصور هي الصورة الإنسانية المخلوقة على صورة الله تعالى المكرمة عند الله ، ولأن الله لا يتجلى في الحضرات الإيجادية إلا في صورة النوع الذي يوجده أي نوع كان .
ولهذا لما خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا كان متجليا في صورة إنسانية .

ولهذا قال الشيخ رضي الله عنه : حتى لا يقع التكوين الإنسانى إلا على الحكم المعتاد في هذا النوع ، فإن تكوين عيسى كان في هذا النوع .

قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى يحيى الموتى لأنه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله )
كل موجود كلمة من الله : إما كونية كالأجساد وإما إبداعية كالأرواح ، وإما أحدية جمعية من الظاهر والباطن ، واللاهوت والناسوت كالإنسان الكامل .
والغلبة في كل كامل إنما تكون لمرتبة من المراتب ، وكان الغالب على عيسى حكم اللاهوت فلذلك كان يحيى الموتى وكان الغالب على جسمانيته حكم الروح ، فلذلك رفع إلى الله وبقي عنده في الصورة الروحانية المثالية ، وقد مر أن الفعل والتأثير لا يكون إلا لله ، فلهذا كان الإحياء لله عند نفخ عيسى والكلمة لله عند نفخ جبريل .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.  فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .
 قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم وخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبرئيل . سرى في رطوبة ذلك النفخ من الجسم ، لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء . )

اعلم ، أن للشهوة روحا معنويا  وهي المحبة الذاتية التي كانت سببا لوجود العالم ، كما قال : ( فأحببت أن أعرف ) .
فلما تعلق إرادة الله بإيجاد عيسى عليه السلام ، من مريم ، تحرك الشهوة الكامنة فيها بأمر الله ، ونفخ الروح الأمين حين تمثله بالصورة البشرية فيها ماء يشبه البحار ، فإن في النفس أجزاء صغارا مائية مختلطة بالأجزاء الهوائية ، فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ، ومن ماء متوهم من جبرئيل .

وإنما جعله متوهما ، لأن النافخ روح متمثل ، والمنفوخ أيضا معنى جزئي تمثل بصورة بخار الحسى في العالم المثالي ، ومن شأن الوهم إدراك المعاني الجزئية ، فكان متوهما : لا محسوسا محضا ولا معقولا صرفا .
وأيضا ، أن مريم لما شاهدت عرفا أن الإنسان لا يتولد إلا من منى الرجل والمرأة ، توهمت أن لهذا المتمثل ماء كماء المولد للولد ، فتأثرت تأثرا تاما بوهمها ، فحصل جسم عيسى .
فعلى الأول تكون جسمه منهما ،
وعلى الثاني تكون من الماء المحقق ، والماء والمتوهم كالشرط لذلك التكون . وأطلق التكون منهما مجازا .

فإن قلت : كيف يمكن حصول الولد من ماء الأنثى وحده ، وليس لها حرارة تامة صالحة للتولد وهي من شروط التكوين ؟
وأيضا ، منى الرجل كالبذر الذي به يتولد الولد ، فعند عدمه لا يمكن حصول الولد .
قلت : لم لا يجوز أن يفيض عليها عند ظهور الروح الأمين عندها من الله تلك الحرارة الغريزية الصالحة للتوليد ؟ خصوصا عند إرادة الحق تعالى منها ذلك .
وقد قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبد خيرا هيأ أسبابه ) .
بل في قدرة القادر المطلق أن يوجد من غير وجود الوالدين ، كآدم وعزير ، ومن غير وجود المرأة ، كايجاد حوا من آدم .

وكون منى الرجل كالبذر لا ينافي أن يكون منى المرأة أيضا ذلك البذر .
ولا دليل لأحد على عدمه ، بل الدليل ثابت على وجوده .
وهو أن لنفس كل منهما قوة ما يولد المثل ، فالمني الذي حصل منها إن لم تكن صالحا لتوليد المثل ، لا يكون فيها تلك القوة .
غاية ما في الباب ، أن تلك القوة في نفس الرجل أقوى ، وقد يكون نفس المرأة أقوى تأثيرا من نفوس كثيرة من الرجال ، خصوصا إذا صارت مرأة للتجليات الإلهية .
فإذا أرادت النفس التي هذا شأنها حصول النتيجة ، أثرت في بدنها ، فحصلت الحرارة الغريزية الصالحة للتوليد .
كما مر أن العارف بهمته يخلق ما يشاء ، لكونه متصفا بالصفات الإلهية ، والعادة التي هي السنة الإلهية لا تمنع القدرة الخارقة لها .
فبولادة عيسى من غير أب ثبت الأقسام الأربعة التي للولادة : وهو حصول الولد من غير أبوين ، وحصوله بهما ، وبالذكر وحده ، وبالأنثى وحدها .
قال رضي الله عنه :  ( فسبحان الذي هو على كل شئ قدير . فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق ).

) قوله : ) وخرج على صورة البشر من أجل أمه ومن أجل تمثل جبرئيل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد .
) جواب سؤال مقدر . وهو قول القائل : لما كان النافخ جبرئيل ، والولد سر أبيه ، كان الواجب أن يظهر عيسى على صورة الروحانيين . فقال : إنما كان على صورة البشر ، لأن الماء المحقق كان من أمه وهي بشر ، ولأجل تمثل جبرئيل عند النفخ بالصورة البشرية والصور التي يشهدها المرأة ويتخيلها حال المواقعة ، لها تأثير عظيم في صورة الولد .
حتى قيل : إن امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية . ولما سئل عنها ، أخبرت بأنها حين المواقعة رأت حية .

ثم علل الشيخ تمثل جبرئيل بصورة البشر بقوله : ( حتى لا يقع التكوين )
أي ، الإيجاد في هذا النوع ، إلا على السنة المعتادة . وأيضا ، الصورة الإنسانية هي أشرف الصور . وأيضا ، لو كان على صورة غيرها ، لما حصلت المناسبة بينه وبين العباد المبعوث إليهم ، لكنه واجب أن يخلق عليها للدعوة .
كما قال رضي الله عنه  : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ) .
(فخرج عيسى يحيى الموتى ، لأنه روح إلهي ، وكان الإحياء لله والنفخ لعيسى ،
كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله . )
لما كان وجود عيسى ، عليه السلام ، بالنفخ الجبرئيلي بلا واسطة أب بشرى وروحه فائضا من الحضرة الإلهية بلا واسطة روح من الأرواح أو اسم من الأسماء ، حصل في الوجود الخارجي متصفا بالصفة  الإلهية ، وهو إحياء الموتى ، لغلبة لاهوته على ناسوته وروحانيته على جسمانيته حتى قيل فيه إنه ( روح الله ) . ولذلك ارتفع إلى السماء مقام الملائكة .

وإنما أضاف ( الإحياء ) إلى ( الله ) و ( النفخ ) بعيسى ، وإن كان في الظاهر لا يحصل إلا منه ، لأن الصفات الكمالية بالأصالة لله وبالتعبية لغيره ، لذلك أضاف ( النفخ ) إلى جبرئيل ، وأضاف ( الكلمة ) إلى الله.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال رضي الله عنه :  فسرت الشّهوة في مريم ، فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم ، ومن ماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النّفخ ؛ لأنّ النّفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء ، فتكوّن جسم عيسى من ماء متوهّم ، ومن ماء محقّق ، وخرج على صورة البشر من أجل أمّه ، ومن أجل تمثّل جبرائيل على صورة البشر حتّى لا يقع التّكوين في هذا النّوع الإنساني إلّا على الحكم المعتاد ، فخرج عيسى يحيي الموتى لأنّه روح إلهيّ ، وكان الإحياء للّه ، والنّفخ لعيسى كما كان النّفخ لجبرائيل والكلمة للّه .)
قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ، فحصل ) فيها مادة ( جسم عيسى ) ماء محققا مع رطوبة متوهمة من نفخ جبريل ، فخلق جسم عيسى الذي هو محل روحه ( من ماء محقق من مريم ) عن سريان الشهوة فيها ( وماء متوهم من نفخ جبريل ) ، وهو بهذا التوهم أفاد ماءها البارد غير القابل للروح اعتدالا أوجب قبوله إياه ( سرى ) أي : حصل ذلك الماء ضمنا ( في رطوبة ذلك النفخ ) ، فإنها وإن كانت متوهمة فهي من حيث هي عرض لا تتصور بدون المحل ، والأصل في محلها الماء ، وإنما كانت لهذا النفخ رطوبة مع كونه من الملك ؛ لأنه لا تمثل لصورة البشر الذي هو حيوان فلا نفخة عن رطوبة ؛ ( لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه ) أي : في الجسم الحيواني ( من ركن الماء ) .

فنفخه ، وإن كان إخراجا للهواء من باطنه ، فهواؤه لا يخلو من اختلاط الماء ، وهو وإن كان متوهما ؛ فهو في حكم المحقق ، ( فيكون جسم عيسى من ماء متوهم ) من نفخ جبريل ، ( وماء محقق ) من سريان الشهوة في مريم ، وكان مقتضى هذا خروج عيسى في صورة مركبة من البشرية والملكية .
ولكنه ( خرج على صورة البشر ) متمحضة ( من أجل أمه ، ومن أجل ) عيسى عليه السّلام ( تمثل جبريل ) في صورة البشر ، فإنه كما أثر توهم الماء اعتدالا في مادته أثر توهم الصورة البشرية تمحض الصورة البشرية في صورته اقتضت الحكمة الإلهية ذلك ؛ ( لئلا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني ) ، وإن كان على خرق العادة في إيجاد الولد بلا أب ( إلا على الحكم المعتاد ) من الجمع بين مائين ، ولو على وجه التوهم رعاية للحكمة بقدر الإمكان ، فكأنه جامع للعادة ولخرقها فهو أعظم من خرق العادة وحده ، وإذا كان روح عيسى من اللّه ، وإن نقله جبريل .
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السّلام يحيي الموتى ؛ لأنه روح ) من خواصه الإحياء سيما أنه ( إلهي ) ، ويختص به الإحياء الحقيقي ، والحاصل من الأرواح ظهور الحياة البشرية عليها من اللّه ، فكان ( الإحياء ) العيسوي في الواقع ( للّه والنفخ ) الموجب لإشراقها في الموتى هو الواقع ( لعيسى ) ، فاجتمع في الإحياء العيسوي الذي أسند إليه حقيقة باعتبار الظهور منه ، وإن كان مسندا إلى اللّه باعتبار الإيجاد منه حقيقة .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ) بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتداليّة البشريّة تمثّلا عند انبساطها ، ( فخلق جسم عيسى من ماء محقّق من مريم وماء متوهّم من جبرئيل ، سرى في رطوبة ذلك النفخ ) سريان الشهوة في مريم بالنفخ فإنّ للوهم سلطانا في أمر الشهوة وسائر ما به يعمل القوى الفعليّة في الإنسان .

وذلك لأنّ الوهم في المملكة الإنسانيّة بيده إطلاق ديوان التحريك وتحت أمره عمّال قضايا الفعل والتأثير ، ولذلك ترى الوهم يؤثّر في الذائقة - عند تخيّل الحموضة أو رؤيتها وتذكَّر ما يتبع ذوقها - مثل ما يتبعه في الوجود العينيّ .
ومن ثمّة كثيرا ما تتحرك به الشهوة ويستفرغ منه المني ، وذلك إنما يكون عند وجود محلّ يقبل ذلك ، كحالة انبساط مريم عند رؤية الصورة البشريّة الاعتداليّة متوجّهة إليها لأن يسرى فيها الشهوة ، وكحال النفخ في الجسم الحيوان ، لسريان الماء فيه .

قال رضي الله عنه :  ( لأنّ النفخ من الجسم الحيوانيّ رطب ، لما فيه من ركن الماء ، فتكوّن  جسم عيسى من ماء متوهّم وماء محقّق ) .
فلئن قيل : إنما يكون الماء متوهّما إذا لم يكن له صورة في العين ، وحيث بيّن أن النفخ من الجسم الرطب الحيوانيّ مشتمل على ركن الماء بالفعل كيف يكون متوهّما ؟
قلنا : إنّ الماء وإن كان له وجود عينيّ وصورة مشخّصة في النفخ المذكور ، ولكن من حيث أنّه يصلح لأن يكون مبدأ لتكوّن جسم إنسانيّ هو معنى جزئيّ إنما يدركه الوهم ، بل الوهم هو الذي حصّل للماء المذكور ذلك المعنى - على ما لا يخفى .
فهذا الوهم من مريم ، لا من جبرئيل - كما توهّمه البعض بأنّه سلطان العناصر - لأنّه لو كان كذلك جعل بسلطنته ذلك الماء محقّقا لا متوهّما ، كيف - ولا يطلق على الملك التوهّم إلا بضرب من التمحّل .
""أضاف المحقق : فيها إشارة إلى ما قاله الكاشاني : الماء المتوهم جاز أن يكون من توهمها أن الولد لا يكون إلا من ماء الرجل ، فخلق الماء من النفخ بقوة وهمها وأن يكون من جهة جبرئيل ، لأنه سلطان العناصر ،يقدر أن يجري من نفسه الرحماني روح الماء في النفخ ، فيحصله ماء.""

صورة عيسى عليه السّلام
قال رضي الله عنه :  (وخرج على صورة البشر من أجل امّه ، ومن أجل تمثّل جبرئيل في صورة البشر ، حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد )
وهو أن يكون من الأبوين ، من ذلك النوع ، وعلى صورته الطبيعيّة إذ لو لم يتمثّل جبرئيل في صورة البشر لما كان التكوين على الحكم المعتاد ، وذلك لأن التكوين والإيجاد هو الظهور من المكوّن بصورة الأثر ، فلا بدّ للفاعل من أن يتصوّر بصورة ما أراد مفعوله عليها ، حتّى يتمّ التصوّر بصورته ، فلذلك تمثّل جبرئيل بصورة البشر لأجل ذلك الحكم المعتاد والوجوب العادي.

ولذلك أيضا ورد  : " إن الله تعالى يتجلَّى في الصورة الإنسانية عند تخميره طينة آدم " .
ولا بدّ هاهنا من أن يكون مفعوله - وهو جسم عيسى - على الصورة المذكورة من التشكَّل بالشكل المعهود من تلك الأفراد ، لئلَّا يتنفّر منه طباع المستكملين من بني نوعه فيفوت الغاية المطلوبة من الإنباء والإرسال ، وذلك لأنّ تخالف الصور بالشخص تقتضي التوحّش ، كما أنّ توافقها توجب المؤانسة .

رمز إحياء الموتى بيد عيسى عليه السّلام
قال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى يحيى الموتى لأنّه روح إلهي ) كما سبق بيانه من أنّ معنوية تلك الكلمة وروحها إنّما كذا حصل من الحضور الذي حصل لمريم مع الله بجمعية منها تامّة عند رؤيتها الصورة البشريّة الاعتداليّة في أيّام انتباذها من القوم مكانا شرقيّا ، أعني أيّام نقائها من الحيض ، فإنّ فيها مزيد هيجان لشهوة النسوان ، وزمان وقوعها في مكان يشرق فيها نيّر الإظهار والإشعار .
ثمّ إن أمر التوهّم والتحقّق - الذين في أصل خلقة الكلمة العيسويّة لهما دخل في سائر أحكامها . ولذلك قال : ( وكان الإحياء لله ، والنفخ لعيسى ) في صورة إحياء عيسى الموتى ( كما كان النفخ لجبرئيل والكلمة لله ) في صورة تكوين عيسى .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. ) .  

قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم:  فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء. فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر )

 قال رضي الله عنه :  ( فسرت الشهوة في مريم ) بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتدالية المتمثلة البشرية عند انبساطها ( فخلق جسم عيسى من ماء محقق ) من مريم بلا واسطة توهم أحد .
قال رضي الله عنه :  ( ومن ماء متوهم من جبريل ) توهمته مريم فترتب وجود ذلك الماء على توهمها فإن وجود بعض الأشياء قد يترتيب على توهمه كترتب السقوط عن الجذع على توهمه ( سرى ) ذلك الماء المتوهم ( في رطوبة ذلك النفخ ) المتوهمة سراية في وهم مريم فتحقق مطابقا لما توهمته ، وإنما توهمت مريم سراية الماء في رطوبة النفخ.

قال رضي الله عنه :  ( لأن ) ذلك ( النفخ ) إنما وقع ( من ) جبريل حال تمثله في صورة الجسم الحيواني الذي هو صورته البشرية والنفخ ، أي الهواء المنفوخ ( من الجسم الحيواني رطب ) لا محالة ( لما فيه من ركن الماء ) ، فتسري منه الرطوبة إلى الهواء المنفوخ فيصير ماء ، فتوهمت مريم نفخ جبريل على هذه الحالة ، فتولدت من توهمها الماء.
قال رضي الله عنه :  ( وكوّن جسم عيسى من ماء متوهم ) حققه وهم مريم ( ومن ماء محقق من مريم ) لا دخل لتوهمها في تحققه ، ويمكن أن يراد بالماء المتوهم الهواء المنفوخ المحقق الذي مائيته متوهمة ، فتكوّن جسم عيسى من ماء تحقق ومن هواء منفوخ توهمت فيه المائية ، أو يراد بالماء المتوهم ما لا يكون له تحقق في الخارج .
ويكون معنى تكون جسم عيسى منه أن له مرتبة الشرطية فمتى لم تتوهم هذا الماء لم يتكون جسم عيسى من الماء المحقق ( وخرج ) عيسى ( على صورة البشر ) دون الملك

قال رضي الله عنه :  ( من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد. فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله. )

قال رضي الله عنه :   ( من أجل أمه ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر ) وإنما مثل في صورة البشر .
( حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد ) الذي جرت به العادة غالبا وهو تولد من شخصين إنسانيين ، ولما ذكر رضي اللّه عنه أن عيسى عليه السلام روح من اللّه نفخه جبريل في مريم وكلمته ألقاها إلى مريم ، وإن تكوّن جسمه إنما هو من ماء محقق وماء متوهم ، أراد أن يبين أن الأحوال الجارية عليه أيضا مناسبة لهذه الأمور .

فقال رضي الله عنه :  ( فخرج عيسى عليه السلام ) بحيث كان ( يحيي الموتى لأنه روح إلهي ) ومن خصائص الروح الحياة والإحياء ( وكان ) في صورة إحيائه ، أي إحياء عيسى الموتى ( الإحياء ) بحسب الحقيقة ( للّه والنفخ ) الذي يترتب عليه الإحياء صورة ( لعيسى كما كان ) في صورة تكوين عيسى ( النفخ ) ، أي نفخ الكلمة في مريم ( لجبريل والكلمة ) المنفوخة ( للّه ) فكان النفخ من عيسى بمنزلة النفخ من جبريل .
وكان كون الإحياء حقيقة من اللّه وصورة من عيسى ككون الكلمة حقيقة من اللّه وصورة من جبريل .
.
السفر الخامس عشر الفقرة الخامسة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment