Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

15 - The Wisdom of Prophecy in the Word of Jesus

الفقرة الرابعة:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السّارية في الأشياء يسمّى لا هوتا ، النّاسوت هو المحلّ القائم به ذلك الرّوح فسمّي النّاسوت روحا بما قام به . فلمّا تمثّل الرّوح الأمين الّذي هو جبرئيل لمريم عليهما السّلام بشرا سويّا تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعيّة منها ليخلّصها اللّه منه لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز . فحصل لها حضور تامّ مع اللّه وهو الرّوح المعنويّ . فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى عليه السّلام لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمّه.فلمّا قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ جئت لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين فخرج عيسى . وكان جبرئيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرّسول كلام اللّه لأمّته . وهو قوله :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ[ النساء : 171 ] . )

قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السارية) من الروح (في الأشياء يسمى لا هوتا) .
فاللاهوت أثر الروح الساري فيما مسه من ذلك الشيء على حسب ذلك الشيء .
(والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح) من الأشياء المحسوسة بالروح وهو الجسم (فيسمى الناسوت) الذي هو الجسم (روحا بما) ، أي بسبب الروح الذي (قام به) لغلبته عليه واستهلاك حكم الناسوت فيه ، كما سمي ناسوت عيسى عليه السلام روحا باعتبار غلبة الروح عليه وسمي جبريل عليه السلام روحا في حال مجيئه إلى مريم في صورة البشر السوي .

قال رضي الله عنه :  (فلما تمثل) ، أي دخل في عالم المثال وهو برزخ بين الوجود والعدم واسع جدا فيه صورة كل شيء لا تدخله إلا الروحانيون من الملائكة والجن والإنس ، فإذا دخلوه استتروا بأي صورة شاؤوا منه ، فيراهم الرائي فيها على حسب ما يريدون وهم على ما هم عليه في خلقتهم الأصلية لا يتغيرون أصلا ، نظير الملابس التي تلبسها الناس فتظهر بها من غير أن يتغير اللابس عن حاله الأصلي (الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليها السلام بشرا سويا) ، أي مستوي الخلقة معتدل الهيئة حسن الصورة (تخيلت) ، أي مريم عليها السلام أنه ، أي جبريل عليه السلام .
(بشر) من الناس ولم تعلم أنه ملك نزل في صورة إنسان وتوهمت (أنه يريد مواقعتها) عليها السلام .

قال رضي الله عنه :  (فاستعاذت باللّه تعالى منه) ، أي التجأت إليه تعالى واحتمت به باطنا وقالت :
ظاهرا أعوذ بالرحمن منك ، وخصت اسم الرحمن دون اسم اللّه ، لأنها طلبت أن اللّه تعالى يرحمها بالحفظ والصيانة من شره وأذاه (استعاذة) كانت (بجمعية) قلبية (منها) ، أي من مريم عليها السلام ، فتوجهت همتها من حضرة الرحمن المستوي على عرش قلبها بالرحمة ، فتحرك لسانها بذكره (ليخلصها اللّه) تعالى (منه) ، أي من ذلك البشر السوي لما تعلم ، أي لعلمها أن ذلك الأمر الذي توهمت منه مما لا يجوز في الشرع فيحصل لها عند ذلك حضور تام مع اللّه تعالى ، أي استحضار لقيوميته عليها وشهود لتجليه في باطنها وظاهرها فرارا من نفسها إليه سبحانه ليحميها ودخولا في ظل عنايته ليصونها ويريبها .

قال رضي الله عنه :  (وهو) ، أي ذلك الحضور التام الروح المعنوي الذي سرى فيها من توجيه الروح السوي الذي هو جبريل عليه السلام إليها وتأثير باطنه فيها (فلو نفخ) ، أي جبريل عليه السلام فيها ، أي في مريم عليها السلام (في ذلك الوقت على هذه الحالة) التي كانت عليها مريم عليها السلام من القبض والجلال (لخرج عيسى عليه السلام) صاحب قبض وجلال بحيث لا يطيقه أحد من الناس (لشكاسة) ، أي صعوبة (خلقه) ، أي عادته وطبيعته لحال أمه مريم عليها السلام ، لأن أحوال الأمهات والآباء لها تأثير في أخلاق الأولاد في خلقتهم باطنا وظاهرا .
(فلما قال) ، أي جبريل عليه السلام لها ، أي لمريم عليها السلام "إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ".
علمت أنه جبريل عليه السلام ، ثم قال لها : جئت ، أي من عند اللّه تعالى إليك ("لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا") [ مريم : 19 ] ، أي طيبا طاهرا .

فعند ذلك (انبسطت) لقوله عن ذلك القبض الذي كان فيها وزال عنها الجلال الذي قد اعتراها وانشرح صدرها لما يريده اللّه تعالى منها فنفخ ، أي جبريل عليه السلام فيها ، أي في مريم عليها السلام (في ذلك الحين فخرج عيسى) عليه السلام مفعول نفخ ، لأنه عين النفخ الجبريلي والروح الأمري والسر الإلهي .
قال رضي الله عنه :  (فكان جبريل عليه السلام ناقلا كلمة اللّه) تعالى (لمريم) عليها السلام كما ينقل الرسول من الأنبياء عليهم السلام كلام اللّه تعالى القديم المنزه عن الحروف والأصوات (لأمته) ، أي أمة ذلك الرسول بلسانه هو وحروفه وأصواته ، فيتكلمون به هم بألسنتهم وحروفهم وأصواتهم من غير أن يتغير كلام اللّه تعالى القديم عما هو عليه في الأزل ، ولا ينقطع توجه ذلك القديم الذي هو صفة من صفات المتكلم به أزلا وأبدا عن ذلك العبد المتكلم به ، وعما أتى به من الحروف والأصوات .

بحيث تبقى تلك الحروف والأصوات إذا نوى القارئ بها أنه يقرأ كلام اللّه تعالى القديم بمنزلة الصورة المثالية التي يتصوّر بها الروحاني فيستتر بها ويظهر فيها ، وهي فعله الممسوك به وهو قيومها الماسك لها ، فهي هو عند الناظر وهو غيرها في نفس الأمر ، وإذا كانت هي هو كان وجوده ظاهرا فيها وهي معدومة بعدمها الأصلي ، فلا تغير لوجوده عما هو عليه ، وإذا كان هو غيرها في نفس الأمر لم يكن لها وجود في نفسها أصلا .

قال رضي الله عنه :  (وهو قوله) تعالى في عيسى عليه السلام ("وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ") [ النساء : 171 ] سبحانه ، فعيسى عليه السلام كلمة اللّه تعالى ، كما نقول الآن من غير فرق أصلا للكلمة التي نتكلم بها نحن من القرآن والآية أنها كلمة اللّه تعالى عندنا حقيقة ، على معنى أنها مظهر للكلمة الإلهية وصورة لنا في لساننا من غير حلول ولا اتحاد ولا انحلال ، لأن قيوم الوجود لا يصح أن يحل أو يتحد أو ينحل عنه ذلك الشيء القائم به المعدوم في نفسه ، فجسد عيسى عليه السلام المشتمل على تركيب أعضائه الإنسانية بمنزلة حروف تلك الكلمة وباطنه عليه السلام مما تضمنه من الأسرار والعلوم بمنزلة معنى تلك الكلمة .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى ) الروح ( لاهوتا ) لكون الحياة صفة إلهية فيسمى الروح بسبب اتصافه بالحياة السارية في الأشياء لاهوتا ( والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح ) فالناسوت هو البدن ( فسمي الناسوت روحا بما ) أي بسبب الذي ( قام ) هو ( به ) أي الناسوت وقد يسمى المجموع روحا لقوله عليه السلام : « وهو روح منه » .

فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبرائيل لمريم عليها السلام بشرا سويا تخيلت مريم ( أنه ) أي جبرائيل ( بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية منها ) أي استعاذة بجميع قواها الروحانية من نفسها ( ليخلصها اللّه منه لما تعلم ) مريم ( أن ذلك ) الفعل ( مما لا يجوز ) للإنسان أن يفعله ( فحصل لها ) بسبب هذه الاستعاذة ( حضور تام مع اللّه ) على وجه لا يبقى مناسبته خليقية لها .
قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي الحضور التام ( الروح المعنوي ) فلما حصلت هذه الحالة لمريم لم ينفخ جبرئيل فيها في ذلك الوقت ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت ) حال كون مريم ( على هذه الحالة ) أي على الحضور التام مع اللّه ( لخرج عيسى عليه السلام لا يطيقه أحد لشكاسة ) أي لصعوبة ( خلقه بحال أمه ) لأن الولد يتبع الأم في الصفات والأخلاق .
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال ) جبرائيل ( لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّاانبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى عليه السلام فكان جبرائيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرسول كلام اللّه لأمته وهو ) أي تلك الكلمة المنقولة عن جبرائيل إلى مريم .
قال رضي الله عنه :  ( قوله تعالى وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) وتذكير الضمير باعتبار عيسى عليه السلام أو باعتبار ما بعده فإذا نفخ فيها .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.  فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز. فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.   فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها. فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
معناه ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه  : (« فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمّى لاهوتا ») .
يعني رضي الله عنه : لمّا كانت الحياة من خصوص الإلهية ، فأيّ شيء سرت فيه الحياة - أيّ نوع كان من أنواع الحياة المختلفة الظهور في الأجسام القابلة التي تسري فيها - يسمّى لاهوتا .

قال رضي الله عنه : ( والناسوت هو المحلّ القائم به ذلك الروح ، فسمّي الناسوت روحا بما قام به ) .
يعني رضي الله عنه : بالتضمّن ، ولكن إذا كان الروح قائما بصورة إنسانية يسمّى ناسوتا بالحقيقة ، وإذا قام بغير الصورة الإنسانية ، قد يسمّى ناسوتا بالمجاز ، لكونه محلا للَّاهوت .

قال رضي الله عنه : ( فلمّا تمثّل الروح الأمين الذي هو جبرئيل عليه السّلام لمريم بشرا سويّا ، تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت بالله منه استعاذة تجمّعيّة منها ليخلَّصها الله منه ، لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ مع الله وهو الروح المعنوي ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ حضورها لأجل التنفيس عنها استدعى روحا معنويا ، لأنّه لا يكون إلَّا بتجلّ نفسي رحماني في معنى الإنسان .

قال رضي الله عنه : ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على تلك الحالة ، خرج عيسى لا يطيقه أحد ، لشكاسة خلقه لحال أمّه ) .
يعني : أنّ ظهور الروح وتعيّنه في كل محلّ إنّما يكون يحسب حال ، فلمّا كانت حال مريم عليها السّلام حال الاستعاذة والضجر والتحرّج من تخيّلها وقوع المواقعة ، فلمّا رأت صورة بشرية على صورة التقيّ النجّار ، وكانت متبتّلة إلى الله ، زاهدة في الدنيا وفي النكاح ، حصورة ، فخرجت نفسها ممّا رأت ، فلو نفخ جبرئيل فيها روح الله وكلمته وأمانته على تلك الحالة ، لسرت حالتها في الروح ، فخرج كذلك منكَّس الخلق لا يطيقه أحد ، فعلم الروح الأمين منها ذلك ، فأنسها بقوله : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ".

قال رضي الله عنه : « فلمّا قال لها : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا "  ، انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها ، فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ، فكان جبرئيل ناقلا كلمة الله لمريم ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمّته وهو قوله : " وَكَلِمَتُه ُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه ُ " .)
قال العبد : أمّا سراية الشهوة في مريم فبأمر الله " لِيَقْضِيَ الله أَمْراً كانَ مَفْعُولًا " ، ولا سيّما وكان الله قبل ذلك أنبأ مريم وبشّرها " بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " ابن مريم ، أي تولَّد منها روح حين " قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ " .
وإنّما قالت ذلك بحكم العادة المتعارف في التوليد البشري ، فلو غلب عليها إذ ذاك شهود قدرة القدير ، لم تقل ذلك بحكم العرف ، بل بحكم الكشف والشهود .

فقال الملك : " كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ " ، أي خلق الولد بلا مسّ البشر بصورة الوقاع ، " وَلِنَجْعَلَه ُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا " هذا في وقت النفخ .
والذي قبل ذلك وهي في محرابها " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمن الْمُقَرَّبِينَ " الآية « 6 » ، فانتظرت ذلك من الله .
فلمّا قال جبرئيل : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " تذكَّرت وزال عنها القبض ، فسرت الشهوة من حيث ما اشتهرت ، وتمنّت وقوع ما بشّرها الله به ، فنفخ أمين الله عند انشراح صدرها روح الله .
فخرج منشرح الصدر ، غالبا عليه البسط ، حسن الصورة ، بسّاما ، طليق الوجه ، مستبشرة ، رزقنا الله وإيّاك الاجتماع به يقظة ورؤيا في الدنيا والآخرة ، إنّه قدير .

وأمّا خلق جسم عيسى عليه السّلام من ماء محقّق فمن حيث سراية الشهوة فيها ، ومن ماء متوهّم فمن حيث توهّم مريم أنّ الرسول بشر أو روح في صورة بشرية ، وإذا ظهر الروح في صورة بشرية بأمر الله لإيجاد الولد ، فبما زعمت عرفا لا يكون إلَّا من ماء الرجل ، فتأثّرت بالوهم ، فوجد من ذلك ماء روحاني نوراني .
منه خلق جسم  الروح صلوات الله عليه ثمّ الروح لمّا لم يكن جسمانيا وليس فيه ماء حسيّ عرفا ، ولكن في قانون التحقيق لمّا تحقّقت ممّا أسلفنا في هذا الكتاب أنّ الأرواح وإن كانت غير متحيّزة ولكن في قوّتها ومن شأنها أنّها شاءت أو شاء الحق .
ظهرت في صورة متمثّلة كالمتحيّز وحينئذ أضيف إليها ما يضاف إلى تلك الصورة الجسمية من الأوصاف والأحكام واللوازم ، فلمّا ظهر الروح الأمين لمريم في صورة من شأنها أن يكون الولد عند التوليد من مائها ، أعني صورة البشر السويّ ، أي التامّ الخلق .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا ، والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح فيسمى الناسوت روحا بما قام به )
لما كانت الحياة من خواص الحضرة الإلهية بل هي عين الذات الإلهية سميت الحياة السارية في الأشياء لاهوتا ، والمحل القائم به ذلك الروح الحي الذي يحيا به المحل ناسوتا وقد سمى المحل الذي يقوم به الروح روحا مجازا تسمية المحل باسم الحال كالرؤية .
وإذا كان المحل الذي يقوم به صورة إنسانية سميت ناسوتا بالحقيقة ، وإذا كان غير الصورة الإنسانية سميت ناسوتا مجازا باعتبار كونه محلا للاهوت .
"" أضاف عبد الرحمن جامي : (هو المحل القائم به ذلك الروح ) بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم بها هو الصفات السارية من الروح إليه ، والناسوت وإن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به . ولما كان اسم الروح يطلق على الصورة وعلى الصورة المثالية الجبريلية أراد أن ينبه على أنه على سبيل التجوز فقال ( فتسمى الناسوت روحا ) اهـ جامى . ""

قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليها السلام  " بَشَراً سَوِيًّا " تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللَّه منه استعاذة بجمعية منها أي بكلية وجودها ) وجوامع هممها بحيث صارت منخلعة من جميع الجهات إلى الله.

قال رضي الله عنه :  (ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي )
لأن حضورها مع الله نفس عنها الحرج الذي بها ، فحصل لها روح معنوي لا يكون إلا بتجل نفسي رحماني .

قال رضي الله عنه :  ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه )
لأن الروح في كل محل يظهر بحسب حال المحل ، فلو كان نفخ الروح فيها في حال الاستعاذة ، وهي حال التحرج والضجر من تخيلها وقوع الفاحشة من البشر الذي تمثل لها ، وكان في صورة التقى النجار لجاء عيسى منقبضا شكس الخلق على صور حال أمه لأنها لما رأته وكانت مقبلة إلى الله زاهدة في الدنيا حصورة عن النكاح تضجرت وحرجت نفسها مما رأت ، فعلم الروح الأمين منها ذلك فآنسها بقوله – " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " .

قال رضي الله عنه :   ( فلما قال لها"إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " - جئت – " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " - انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها ذلك الحين عيسى ، فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته وهو قوله – " وكَلِمَتُه أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْه " )

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى " لاهوتا ".) لأن ( الحياة ) صفة إلهية ، و ( الحي ) اسم من أسمائه وإمام الأئمة السبعة .
( و " الناسوت " هو المحل القائم به ذلك الروح . ) أي ، البدن هو المسمى ب‍ ( الناسوت ) ، كما تسمى الروح المجردة ب‍ ( اللاهوت ) .
( فيسمى " الناسوت " روحا بما قام به . ) والمراد ب‍ ( الروح ) هنا ، الروح المنطبعة في البدن ، إذا الروح قد تكون مجردة ، وقد تكون منطبعة وتسمى بالنفس المنطبعة ، وقد تسمى ( البدن ) باشتماله على الروح روحا مجازا ، كما يقال لبائع الخبز : يا خبز .
ف‍ ( الباء ) في ( بما قام ) للسببية . ويجوز أن يكون بمعنى ( مع ) أي ، البدن مع ما قام به من الروح يسمى روحا ، لذلك سمى الله تعالى عيسى ( روحا ) بقوله : ( وروح منه ) .

قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبرئيل لمريم ، عليها وعليه السلام ، بشرا سويا ، تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها . )  أي ، بجميع همها وقواها الروحانية .

قال رضي الله عنه :  (ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي . )
أي ، ذلك الحضور التام هو الروح المعنوي .
لذلك يجعل ( الحضور ) في الصلاة بمثابة الروح لها ، والصلاة مع عدم الحضور ، كالبدن الذي لا روح فيه .
وفي بعض النسخ : ( فحصل لها حضورا تاما ) . - من ( التحصيل ) .
أي ، حصل جبرئيل لمريم ، عليهما السلام ، الحضور التام بتمثله عندها في الصورة
البشرية مريدا مواقعتها .

قال رضي الله عنه :  ( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة ، لخرج عيسى ، عليه السلام ، لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه كحال أمه . )
لأن الولد إنما يكون بحسب ما غلب على الوالدين من الصفات والهيئات النفسانية والأعراض الجسمانية . و ( شكاسة الخلق ) ردائته .

قال رضي الله عنه :  ( فلما قال لها : " إنما أنا رسول ربك جئت لأهب لك غلاما زكيا " . انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها ، فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ، عليه السلام . ) وإنما انشرح صدرها وانبسطت من ضجرها ، لأن الله تعالى كان بشرها بعيسى ، كما

قال رضي الله عنه :  ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) .
فتذكرت ذلك وزال انقباضها ، فخرج عيسى ، عليه السلام ، منبسطا منشرح الصدر ( وكان جبرئيل ناقلا " كلمة الله " لمريم ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته . )
أي أخذ الكلمة العيسوية جبرئيل من الله ، فنقلها إلى مريم من غير تصرف فيها ، كما ينقل الرسول كلام الله لأمته من غير تغير وتبديل .

وفي هذا التشبه إيماء إلى تشبيه الكلمة الإلهية الروحانية بالكلمة اللفظية الإنسانية ، لأن كلا منهما إنما يحصل بواسطة التعين اللاحق على النفس في مراتبه التي تعبر النفس عليها .
والفرق أن هذه الكلمة تعينها يعرض على النفس الإنساني ، والكلمة الروحانية تعينها يعرض على النفس الرحماني . وبهذا الاعتبار تسمى الأرواح ، بل الموجودات كلها ، بكلمات الله . كما مر بيانه في صدر الكتاب .

قال رضي الله عنه :  ( وهو قوله : " وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " . ) الضمير عائد إلى ( كلام الله ) أي ، ذلك الكلام المنقول مثل قوله تعالى : ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) .
وإنما أتى بالآية المعينة ، لكونها دالة على ما هو في صدد بيانه .
وتلك الكلمة المنقولة هو الذي قال تعالى عنه : ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) .
وتذكير الضمير باعتبار المعنى وهو عيسى ، عليه السلام . أو يكون عائدا إلى ( النقل ) الذي يتضمنه قوله : ( ناقلا ) . أي ، وذلك النقل ثابت بقوله تعالى : ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) . وهذا أنسب

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  (فذلك القدر من الحياة السّارية في الأشياء يسمّى لاهوتا ، والنّاسوت هو المحلّ القائم به ذلك الرّوح فسمّي النّاسوت روحا بما قام به ، فلمّا تمثّل الرّوحالْأَمِينُ [ الشعراء : 193 ] الّذي هو جبرائيل لمريم - عليها السّلام -بَشَراً سَوِيًّا [ مريم : 17 ] تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعيّة منها ليخلّصها اللّه منه لما تعلم أنّ ذلك ممّا لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ مع اللّه ، وهو الرّوح المعنويّ ، فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى عليه السّلام لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمّه ).

وإذا كانت هذه الحياة للأشياء قابضة من الأرواح الفائضة عن اللّه تعالى ، (فذلك القدر من الحياة) قل أو كثر ( السارية في الأشياء ) من إشراق الأرواح عليها ، وقد أشرق عليها الذات الإلهية باسمها الحي ( يسمى : لاهوتا ) من غير اختصاص ذلك بالكمّل كعيسى وغيره لمناسبتها الصفة الإلهية التي هي الحياة نوع مناسبة ، لكن الكامل فيها أولى ( والناسوت هو المحل ) أي : البدن لا من حيث هو بدن فقط ، بل من حيث هو .

قال رضي الله عنه :  ( القائم به ذلك الروح )  المشرق بنور الاسم الحي الإلهي ، ولو بواسطة إشراق الأرواح العلوية عليها ، وهي الحاملة لنور ذلك الاسم بالذات ، فلا تبطل هذه الناسوتية بهذه اللاهوتية ، كما يتوهم ذلك من القول نفي الناسوت وبقاء اللاهوت ، بل غايته أن يسمي هذا البدن من حيث كونه محل ذلك الروح هو روحا كما قال رحمه اللّه .

""أضاف المحقق :  بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم بها هو الصفات السارية من الروح إليه ، والناسوت وإن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به .شرح القاشاني ص210)""

قال رضي الله عنه :  ( فسمى الناسوت روحا بما قام به ) ، فأطلقوا على أنه فنا بمعنى أنه صار مغلوبا بذلك الروح ، فنال أنوار الكواكب عند غلبة نور الشمس عليها ، وهذه إشارة إلى تأويل ما ورد في الإنجيل من لفظ اللاهوت والناسوت ، فتوهم منه الحلول والاتحاد فوقع من وقع بذلك في الضلال والإلحاد ، ولما كان للروح مع الواسطة بهذا الأثر فيما ضعف قابليته للحياة مما لم يقض منه ، فكيف إذا أثر بلا واسطة فيما قويت قابليته وفاض منه.
وما كان في ذلك المحل مما لم يقض منه حاملا معنى فيه كالحضور مع اللّه تعالى الذي كان من مريم حين استعاذتها باللّه بجمعية منها ، وكان الروح المنفوخ من اللّه تعالى جاء به هذا الروح الذي له هذا التأثير ، فكيف لا يقوى أثر فيه حتى يصير محييا للموتى ، متصرفا في أبدان الناس ، باقيا إلى الدهور .
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين ) احترز به عن الشيطان ، فإنه وإن لم يكن من المجردات يسمى روحا للطافته ، لكن ليس بأمين إذ يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ( الذي هو جبريل ) المخبر عنه بالروح في القرآن ؛ ليشير إلى أن الروح العيسوي إنما وصل إلى مريم بواسطة الروح الأمين ؛ لتتم له قوة التصرف في العوالم وقوة تحمل أعباء الرسالة ، وفسّره المفسرون بجبريل بدليل أن النازل بالقرآن على النبي عليه السّلام هو جبريل بالإجماع .

وقد قال تعالى : " نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ " [ الشعراء : 193 ، 194 ].
قال رضي الله عنه :  ( لمريم - عليها السّلام ) ؛ لتستعيذ باللّه منه أولا ، فيحصل لها حضور تام مع اللّه ، وهو الروح المعنوي ، ثم يحصل لها نشاط وانشراح يوجب سريان الشهوة فيها لحصول ما يحقق ( بشرا ) ؛ ليتوهم من نفخه رطوبة يفيد طينها اعتدالا ، ويفيض عليه الصورة البشرية ( سويّا ) ، إذ لا نشاط يوجب سريان الشهوة بدون ذلك ( تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها ) ؛ لظهوره في مكان خلوتها التي كانت تغتسل فيه غير الحيض ، ( فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية منها ) أي : جمعت في التوجه بهذه الاستعاذة إلى اللّه تعالى نفسها وقلبها وروحها وسرها وخفيها ، وجميع حواسها وقواها .
قال رضي الله عنه :  ( ليخلصها اللّه منه ) أي : من مراده الذي توهمته منه ، ولا يحصل غالبا بالاستعاذة بأي وجه كان ، بل لا بدّ لحصوله على القطع من الاستعاذة بالجمعية .
( لما تعلم أن ذلك ) المراد ( مما لا يجوز ) للمرأة بغير زوجها وسيدها ، وإن أكرهت وجب عليها الدفع بما أمكنها ، ولم يمكنها حينئذ سوى الاستعاذة المذكورة .
ولما استعاذت بجمعية فيها ، ( فحصل لها حضور تام مع اللّه ، وهو الروح المعنوي ) صار معينا في دفع الطبيعة الرديئة عن بابها للروح الأمين المفيد رطوبة متوهمة بدفع الطبيعة من حيث كونها من الملائكة ، والنفخ في هذه الحالة ، وإن كان أتم في استفاضة الروح الأكمل إلا أنه يفيد المشكاسة في الصورة الظاهرة لعيسى عليه السّلام .( فلو نفخ فيها في ذلك الوقت ) .
أي : وقت الجمعية ( على هذه الحالة ) أي : حالة الاستعاذة ( يخرج عيسى ) في الصورة الظاهرة ( لا يطيقه ) أي : لا يطيق رؤيته ( أحد لشكاسة خلقه ) مع تمام روحانيته من حيث الروح المعنوي من الاستعاذة ، ومن حيث نفخ جبريل عليه السّلام إذ الصورة لا تتبع الروح بل ( لحال أمه ) ، فإن صورة الولد تتبع الوالدين في الحال الغالبة عليها وقت المعلوق ، وحالة الاستعاذة حالة قبض وشكاسة ، فلابدّ من إذهاب ذلك بالبشارة المفيدة نشاطها المفيد صاحبتها التي هي ضد الشكاسة .

قال رضي الله عنه :  (فلمّا قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ [ مريم : 19 ] ، جئت لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] ، انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها فنفخ فيها في ذلك الحين فخرج عيسى ، وكان جبرائيل ناقلا كلمة اللّه لمريم كما ينقل الرّسول كلام اللّه لأمّته ، وهو قوله :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [ النساء : 171 ] )

قال رضي الله عنه :  ( فلما قال لها :إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) [ مريم : 19 ] ، وعرفت وصدقت بالانشراح ، وذهاب القبض منه مع بقائه هناك ، ولم يدفعه عنها كمال حضورها الكامل للتأثير ؛ لكونه من كامل الحال ؛ ولعلمه كشف عن باطنها حجاب المثال الذي كان فيه التخيل حيث حذف ؛ لأنه دلّ على لفظ الرسول "لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا" [ مريم : 19 ] تنمو فضائله بكمال روحانيته ، وتتطهر عن الرذائل الطبيعية لما ذكرنا ( انبسطت عن ذلك القبض ) الذي كان لها عن خوف المواقعة المحرمة ، (وانشرح صدرها) بالبشارة الإلهية على لسان الرسول ،(فنفخ فيها في ذلك الحين).

أي : حين انبساطها وانشراحها عيسى روحه والأمر المتوهم من مادته ، بل من البشارة والنفخ حصلت مادته الحقيقية ، إذ سرى فيها الشهوة عنهما مع رؤية صورة بشر سوي مأمون عن الفعل المحرم في وقت انقطاع الحيض لم يكن اللّه تعالى ، ولا جبريل أبا له .

إذ ( كان جبريل ناقلا كلمة اللّه لمريم ) من غير إفادة رطوبة ، ولا نقلها عن اللّه تعالى ، بل ( نقل الرّسول كلام اللّه لأمّته ) من غير نقل مادة حرف وصوت منه ، وإن حصلت عند النقل للأمة ، فهذه الرطوبة في نفخة لم تكن من اللّه ، ولا من جبريل .
إذ لم يتحقق ذلك لكونه ملكا في الحقيقة ، وإنما توهمت ذلك منه مريم كما يتوهم بعض الأمم الحرف والصوت لكلام اللّه تعالى ، وهو أي : الدليل على أن جبريل إنما هو ناقل كلمة اللّه لمريم لا مفيد لروحانية عيسى وإلا لمادته ، ولا أنه ناقل لها عن اللّه ( قوله تعالى :وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ[ النساء : 171 ] ) ، وليس ذلك إلقاء لكلامه الذي هو صفته بل الملقي ( روح منه ) أي : حاصل من كل أمه الذي هو صفته .
ولما انبسطت وانشرحت ، وقد رأت "بَشَراً سَوِيًّا" [ مريم : 17 ] مبشرا وقت انقطاع الحيض.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى « لاهوتا » ، والناسوت هو المحلّ القائم به ذلك الروح ) في الظهور .
وإن كان الروح مقوّم ما حلّ فيه في الوجود ووطئ عليه ، كما حقّق ذلك في المادّة الهيولانيّة مع الصور الجسمانيّة بلسان النظر .
و " اللاهوت " فعلوت من لاه ، يليه : إذا تستّر .
و " الناسوت " من ناس ، ينوس : إذا تذبذب وظهر بفعله .
وأنت عرفت أنّ المادّة الاميّة هي المحتجبة بالصورة الكماليّة الظاهرة بالأثر ، على ما عرفت في مراتب الصوت مادّة وصورة .
ومما يلوّح على ذلك أن ما يختصّ به الأوّل  - يعني اللام والهاء - فضله هو الدالّ على الامّ ، كما أنّ ما يختصّ به الثاني - وهو السين والنون - على الصورة الشاخصة .
يقال : سننته سنّا : إذا صوّرته .

كيفية النفخ في مريم عليها السّلام
( فسمّي الناسوت ) - مثل عيسى مثلا - ( روحا بما قام به ) أي لقيام الروح به وظهور أحكامه منه بلا تلبّس وتشوّب . فكأنّه هو ، كما قيل  :
رقّ الزجاج ورقّت الخمر  ....   فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمر ، ولا قدح   ....   وكأنما قدح ، ولا خمر
قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثّل الروح الأمين - الذي هو جبرئيل - لمريم عليهما السّلام بشرا سويّا )
أي معتدلا سنّا وخلقة ، فإنّ من شأن الأعلى أن يقدر على تصوّره بصورة الأنزل كيفما شاء ، فلمّا رأت تلك الصورة بشبابها وحسنها ، لاعتدالها سنّا وخلقة
قال رضي الله عنه :  ( تخيّلت أنّه بشر يريد مواقعتها ، فاستعاذت باللَّه منه استعاذة بجمعيّة منها ) ضرورة انضباط تلك الصورة البشريّة في متخيّلتها عند الاستعاذة .
قال رضي الله عنه :  ( ليخلصها الله منه ، لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز ، فحصل لها حضور تامّ)  صورة ومعنى ( مع الله ) وذلك الحضور( هو الروح المعنويّ ) لعيسى.
"" أضاف المحقق : قال القيصري : « فحصّل لها حضورا تامّا » من التحصيل ، أي حصّل جبرئيل لمريم عليهما السلام الحضور التام . ""
ومن هنا يقال له : "روح الله " فاللام لام العهد .

( فلو نفخ فيها ) جبرئيل ( في ذلك الوقت ) - يعني عند حضورها - ( على هذه الحالة ) - وهي حالة توحّشها وانقباضها من الصورة البشريّة - ( لخرج عيسى لا يطيقه أحد ، لشكاسة خلقه ) - أي لصعوبة خلقه وعبوسه - ( لحال امّه ) وسرايتها في الولد - لما مهّد آنفا من ترتّب الصورة الكماليّة الفصليّة على المادّة الاميّة الجنسيّة .

قال رضي الله عنه :  ( فلمّا " قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت " لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا " [ 19 / 19 ] انبسطت عن ذلك القبض ) .
برفعه حجب الوحشة ، وبسطه معها بساط التكلَّم والخطاب ، بما ينبئ عن رقيقة نسبته إليها ، مبشّرا إيّاها بأنّه مرسل إليها من عند ربّها .

( وانشرح صدرها ) ببشارة مثل ذلك الغلام ، لأنّها قد بشّرت قبل هذا به  .
إشارة إلى قوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه َ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [ 3 / 45 ]

فلمّا رأت الآثار متطابقة انشرحت بذلك ( فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى ) .
إذ قد كان جبرئيل رسولا مبلَّغ ما يظهر به الروح المعنوي الحاصل من حضورها مع الله ( فكان جبرئيل ناقلا كلمة الله لمريم . كما ينقل الرسول كلام الله لامّته ) والكلام هو الذي يظهر به الروح المعنويّ الحاصل من حضور كل من الأمم مع الله - فلا تغفل .
وفي لفظة « عي سا » ما يلوّح على تحقيق هذا المعنى عند التفصيل والتمييز .
"" أضاف المحقق :  لعل الشارح يعني أن « عي » صيغة خاطب من « وعي ، يعي » والسين والألف « سا » قلب الإنسان ولبه وروحه ، ومنزلة روح اللَّه من مريم منزلة روحها الذي حيّيت به والشارح يشير إلى وجود حروف الإنسان في « عي سا »  ""

ثمّ أنه علم من هذا الكلام أن عيسى - من حيث صورته الوجوديّة المعبّر عن ظاهرها بالكلمة ، وعن باطنها بالروح - من الله ، وجبرئيل من حيث صورته الوجوديّة ناقل له فقط .
( و ) الذي يدلّ عليه ( هو قوله : " وَكَلِمَتُه ُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْه ُ " [ 4 / 171 ] .

خلق عيسى من ماء محقق وماء متوهّم
ثمّ إنّ النفخ الجبرئيلي له حيثيّتان :
إحداهما جهة حمله كلمة الله ونقله إيّاها إلى مريم ، وهي الصادرة عنه من حيث صورته الوجوديّة الملكيّة .
والأخرى جهة بخاريّته وسراية رطوبته منها في مريم ، وهي الصادرة عنه من حيث صورته الكونيّة .
وهذه الجهة هي المشار إليها في نظمه المصدّر به الفصّ وإليه أشار بقوله :

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.  فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )

قال رضي الله عنه : (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به. )

قال رضي الله عنه : (فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء ) بل الروح الذي منه سرت تلك الحياة في الأشياء ( يسمى لاهوتا ) .
لأن الحياة صفة إلهية تستلزم صفات إلهية أخرى كالعلم والإرادة والقدرة ( والناسوت هو المحل القائم به وذلك الروح ) بل صفاته السارية منه فيه ، فإن الروح ليس قائما بالمحل بل القائم به إنما هو الصفات السارية من الروح إليه ، فالناسوت إن كان مأخوذا من الناس ليس مخصوصا به بل يطلق عليه وعلى غيره باعتبار محليته لصفات الروح وقيامها به .
ولما كان اسم الروح يطلق على الصورة المشهودة العيسوية وعلى الصورة المثالية الجبريلية ، أراد أن ينبه على أنه على سبيل التجوز فقال :
قال رضي الله عنه : ( فيسمى الناسوت روحا ) ، كما قلناه في عيسى وجبريل عليهما السلام ( بما قام به ) ، أي باسم ما قام به باعتبار قيام صفاته وظهورها فيه تسمية للمحل باسم الحال

قال رضي الله عنه :  ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز. فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي. فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.فنفخ فيها في ذلك الحين)

قال رضي الله عنه :   ( فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا ) ، أي تام الخلقة .
( تخيلت ) مريم ( أنه بشر يريد مواقعتها فاستعاذت باللّه منه استعاذة بجمعية ) ، أي بجمعية الهمم والقوى ( منها ) ، أي من مريم ( ليخلصها اللّه منه لما كانت ) مريم ( تعلم أن ذلك مما لا يجوز ) في الشرائع ( فحصل لها عند حصول تلك الجمعية حضور تام مع اللّه سبحانه ) ، بحيث لا يسع غيره .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه ، فحصل من التحصيل ، أي جبريل لها ، أي لمريم حضورا تاما مع اللّه سبحانه ( وهو ) ، أي هذا الحضور وهو ( الروح المعنوي ) الذي حييت به مريم الحياة المعنوية الحقيقية التي هي التحقق بشهود الحق سبحانه ، فلروح آخر غير الروح الأمين دخل في وجود عيسى عليه السلام الذي هو أيضا روح ( فلو نفخ جبريل فيها ) ، أي في مريم في ذلك الوقت .

أي وقت استعاذتها ( على هذه الحالة ) التي كانت عليها من تحرج صدرها وضجرها لتخيلها أنه بشر يريد مواقعتها على وجه لا يجوز في الشرائع ( لخرج عيسى عليه السلام ) بحيث ( لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه ) ، أي رداءته ( لحال أمه ) ، أي لسراية حال أمه فيه لأن الولد إنما يتكون بحسب ما غلب على الوالدين من المعاني النفسانية والصور الجسمانية .
قال رضي الله عنه :  ( فلما قال ) جبريل ( لها ) ، أي لمريم (" إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ " جئت ) من عنده (لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا[ مريم : 19 ] انبسطت ) مريم ( عن ذلك القبض ) لما عرفت أنه مرسل إليها من عند ربها ( وانشرح صدرها ) لما تذكرت بشارة ربها إياها بعيسى إذا قالت

قال رضي الله عنه :  ( عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه». )
الملائكة " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [ مريم : 45 ] .
قال رضي الله عنه :  ( فنفخ فيها في ذلك الحين ) حين الانبساط والانشراح ( عيسى ) فخرج عيسى عليه السلام منبسطا منشرح الصدر لسراية حال أمه فيه ( فكان جبريل ناقلا كلمة اللّه ) التي هي النفس الرحماني المتعين بالتعينات العيسوية في مرتبة العلم ، فنقله جبريل إلى مرتبة العين في رحم مريم بتحصيل شرائط انتقاله من العلم ،إلى العين.

فالمراد بالكلمة الحقيقة العلمية العيسوية الجامعة بين روحه وجسده الثابتة في العلم ، ويمكن أن يراد بها حقيقته الروحانية المعتين بها النفس الروحاني في مرتبة الأرواح قبل تسوية بدنه ، وتكوّن نقله عبارة عن تحصيل شرائط انتقاله من مقام تجرده إلى مرتبة تعلقه بالبدن العيسوي ، وعلى التقديرين جبريل عليه السلام هو ناقل كلمة اللّه إلى مريم لا موجدها .
قال رضي الله عنه :  ( كما ينقل الرسول كلام اللّه ) المجرد في حدّ ذاته عن الكيفيات الصوتية والحرفية فيكسوها بحسب استعداده بلسان الصوت والحرف وينقلها ( لأمته ) ، أي إلى أمته على أن تكون اللام بمعنى إلى أو لأجل أمته ( و ) الذي يدل على كون جبريل ناقلا كلمة اللّه إلى مريم ( هو قوله تعالى : "وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ " [ النساء  : 171] ).
بذلك النفخ الحاصل من الصورة الاعتدالية المتمثلة البشرية عند انبساطها
.
السفر الخامس عشر الفقرة الرابعة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment