Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134هـ:
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
هذا فص الحكمة العيسوية ، ذكره بعد حكمة العزير عليه السلام ، لأنه كان في بني إسرائيل بعد العزير عليه السلام ، وقد ادعى فيه ما ادعي في العزير من طائفة من اليهود ، ولأن حكمة عيسى عليه السلام نبوية روحانية تناسب ذكرها بعد مبحث النبوة في حكمة العزير عليه السلام.
(فص حكمة نبوّية) منسوبة إلى النبوّة من النبأ وهو الخبر والنبوة وهي الرفعة في (كلمة عيسوية).
إنما اختصت حكمة عيسى عليه السلام كونها نبوّة ، لأنه من روح اللّه تعالى والنبوة إخبار الروح بالوحي في القلوب على وجه خاص من روحانية جبريل عليه السلام عن أمر اللّه تعالى
شعر :
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين )
(عن ماء ) متعلق يتكون في البيت الثاني مريم ، أي منها الذي نزل أو عن نفخ جبرين بالنون بدل عن اللام لغة في جبريل وهو الملك المعروف عليه السلام في صورة متعلق بنفخ البشر الموجود من طين ، وهو مريم عليها السلام .
قال تعالى :" وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ" [ الأنبياء : 91 ] .
والوارد في الأحاديث : أن حمل مريم بعيسى عليه السلام كان بنفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها فحملت به ووضعته من وقتها على الأشهر كرامة لها ومعجزة له صلى اللّه عليه وسلم وإنما نسب النفخ في الآية إلى اللّه تعالى جريا على عادته سبحانه في نسبة الأمور إليه تعالى تارة إلى الواسطة أخرى لقوله تعالى :" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها " [ الزمر : 42 ] مع قوله سبحانه : " قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ" [ السجدة : 11 ] .
وقوله تعالى : " زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ " [ النمل : 4 ]
مع قوله سبحانه :" وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ" [ الأنفال : 48 ].

(تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين )
قال رضي الله عنه :  (تكون) بالتشديد للواو أي تصور (الروح) ، وهو عيسى عليه السلام من قوله تعالى :" وَرُوحٌ مِنْهُ " في ذات نورانية شريفة مطهرة عن حكم الطبيعة ، أي غلبتها عليه بمقتضياتها تدعوها ، أي تلك الطبيعة يعني تسميها الذات المطهرة بسجين كما قال تعالى :" كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ" [ المطففين : 7 ] ، أي أنفسهم المكتوب فيها بأقلام حركاتهم الاختيارية في مخالفة الأوامر الإلهية لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ( 8 ) كِتابٌ مَرْقُومٌ"  [ المطففين : 7 - 9 ] ، وهو غلبة الطبيعة عليهم بمقتضياتها .
وقال تعالى : " يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ" [ آل عمران : 55 ] ، أي مخرج لك عن حكم الطبيعة وَرافِعُكَ إِلَيَّ، أي إلى حضرتي في جوار الملأ الأعلى وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أي من حالتهم التي غلبت عليهم فيها الطبيعة بمقتضياتها .

(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين)
قال رضي الله عنه :  (لأجل ذلك) ، أي كونه مطهرا من حكم الطبيعة المقتضية التركيب والانحلال بسرعة قد طالت إقامته فيها ، أي في تلك الذات المطهرة ولم ينفصل عنها من حين ولد إلى الآن فزاد عمره عليه السلام على ألف سنة بتعيين .
لأنه رفع قبيل بعثة نبينا عليه السلام فله الآن حياة بالحياة النورانية الغالبة عليه من حكم غلبة الروح الأمري في صورته البشرية ، وصاحب هذه الحياة لا يموت أبدا كالخضر عليه السلام ، فإنه حي بهذه الحياة النورانية لا الحياة الظلمانية الطبيعية ، التي يموت صاحبها بالموت الطبيعي.
وينحل تركيبه لغلبة الحيوانية فيه على الإنسانية ، ولعل الخضر حين يقتله الدجال في آخر الزمان يكون بعد غلبة الطبيعة عليه ، ولهذا يظهر له فيعرفه ويقدره اللّه تعالى كما أقدر اليهود على زكريا ويحيى وغيرهما من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام فقتلوهم .
فإذا نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان يخالط الأحياء بالحياة الطبيعية ، كما كان نبينا صلى اللّه عليه وسلم نيابة عنه في شريعتنا هذه المحمدية فيأكل ويشرب ويتزوج وينكح ، ثم يموت بالموت الطبيعي ، ويدفن في حجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم كما مات نبينا صلى اللّه عليه وسلم متابعة سنته عليه السلام .
لأنه يصير من أمته عليه السلام فالموت النفساني فرض في الحياة الدنيا كما قال عليه السلام : « موتوا قبل أن تموتوا » . الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع ابن حجر العسقلاني
وقال تعالى في عيسى عليه السلام :يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ[ آل عمران : 55 ] ،

أي من حظوظ نفسك فنفسك قائمة بيدي لا بيدك وهو قول نبينا عليه السلام : « والذي نفسي بيده » والموت الطبيعي سنة محمدية ، وعيسى عليه السلام مات الموت النفساني ، ثم رفع إلى السماء ولم يمت الموت الطبيعي فلا بد أن ينزل في آخر الزمان ، ويموت الموت الطبيعي أيضا كما مات نبينا صلى اللّه عليه وسلم ويدفن معه في حجرته كما ورد في الأخبار الصحيحة .

(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
قال رضي الله عنه :  (روح) ، أي عيسى عليه السلام منفوخ (من) أمر (اللّه) تعالى بلا واسطة قال تعالى :" وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" [ النساء : 171 ]( لا) روح (من غيره) سبحانه كالروح الحيواني المنفوخ بواسطة الطبيعة فإنه عليه السلام لما نفخ في فرج مريم لم يتدنس بطبيعة أب جسماني ، ولا انبعث في رحم أمه عن مقتضى شهوة نفسانية ، فلم يكن كغيره من الناس أصلا ، ولهذا أمكن أن يبقى في السماء من غير قوت كما هو مقتضى الخلقة الملكية ، ونبينا صلى اللّه عليه وسلم لما صعد إلى السماء ليلة المعراج بعد الإسراء كان ذلك له من غلبة الروحانية الأمرية عليه كعيسى عليه السلام ، ولكن حقيقة مقامه المحمدي الجامع للطبيعة وغيرها اقتضى هبوطه إلى الأرض في تلك الليلة وعدم بقائه في السماء شرفا لمقام الكشفي الجامع .

قال رضي الله عنه :  (فلذا) ، أي لكونه عليه السلام روحا من اللّه تعالى من أمر اللّه تعالى بلا واسطة أحيا الجسم الموات بإذن اللّه تعالى وإنشاء ، أي خلقه عليه السلام بإذن اللّه تعالى (الطير من طين) .
قال تعالى :" وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي" [ المائدة  :110]
وقال تعالى حكاية عنه عليه السلام :" وَرَسُولًا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ " تعالى [ آل عمران : 49 ] .

(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون)
(حتى يصح له من ربه) ، الذي خلقه (نسب) بقطع الأنساب عنه وصدوره عنه بلا واسطة ؛ ولهذا قال :" وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا" [ التحريم : 12 ] ونسب تعالى النفخ إليه سبحانه مع أنه بالملك ، كما أن جميع الأنساب ترتفع يوم القيامة في ذلك النشىء الأخروي " وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى"( 47 ) [ النجم : 47 ] .
وفي الحديث  يقول تعالى : " اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم " رواه الحاكم
وهو قوله تعالى : " فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ" ( 101 ) [ المؤمنون 101 ].
فتكون الناس في يوم القيامة مثل خلقة عيسى ابن مريم عليه السلام عن اللّه تعالى سبحانه ، ويظهر سر قوله عليه السلام : « إن اللّه خلق آدم على صورته ».
وفي رواية : « على صورة الرحمن » وهم في الدنيا كذلك ، ولكن حجاب الطبيعة مانع من شهود الأمر على ما هو عليه عند البعض ، وليس في القيامة إلا ظهور الأمر على ما هو عليه ، وشهود الكل له كما قال تعالى : "وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ " [ النور : 25 ]

وقال تعالى :" فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ " [ ق : 22 ] ، وقال تعالى :" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ "[ آل عمران : 106 ] الآية .
به ، أي بسبب هذا النسب المخصوص (يؤثر) عيسى عليه السلام بإذن اللّه تعالى (في العالي) ، وهو إحياء الموتى ونفخ الروح في الطير ، لأنه تصرف في العالم الروحاني وهو أعلى من الجسماني (وفي الدون)، أي السافل وهو تصوير صورة الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص .

(الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين )
(اللّه) سبحانه (طهّره) ، أي عيسى عليه السلام (جسما )، أي من حيث جسمه فغلبت عليه الروحانية ، وانسلخ من عالم الطبيعة ، فخرج من الظلمات إلى النور على معنى أنه تعالى خلقه طاهرا كذلك حيث لم يخلقه بواسطة الأب الجسماني الطبيعي ، بل بالأب الجسماني النوراني ، وهو صورة البشر السوي التي جاء بها جبريل عليه السلام إلى مريم .
فخرج عيسى عليه السلام كذلك صورة جسمانية نورانية لا طبيعية ظلمانية ، فكان صورة جبريل عليه السلام لما جاء أمه فاستعاذت منه مخافة أن يكون جسما طبيعيا ظلمانيا ، فعرفته فنفخ فيها حتى ظهر عيسى عليه السلام في صورة الملائكة عليهم السلام ، فهو إنسان ملك لا إنسان حيوان ، ولما طلبوا نزول الملائكة بأحكام الشريعة للتبليغ من غير واسطة بشر بقولهم :"وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً" [المؤمنون : 24 ] .
قال تعالى :" وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ" ( 9 ) [ الأنعام : 9 ] ، يعني من الصورة الإنسانية وحقق تعالى ذلك بخلق عيسى ابن مريم عليه السلام كما قال سبحانه :" إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ ( 59 ) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ( 60 ) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ " [ الزخرف : 59 - 61 ] ؛ ولهذا ينزل عليه السلام في آخر الزمان فيكون نزوله من أشراط الساعة .

قال رضي الله عنه :  (ونزّهه) عليه السلام (روحا) ، أي من حيث هو روح ، لأنه من أمر اللّه تعالى فله التنزيه التام والتقديس العام (وصيّره مثلا )، أي نظيرا له تعالى في خلافته عنه في الأرض ، يحكم بأحكامه ويقوم بصفاته ويتسمى بأسمائه ويتحقق بذاته ويفعل بأفعاله كما قال (بتكوين) ، أي بسبب تكوينه أي خلقه الطير من الطين أو مثلا مكونا ، أي مخلوقا . وهذا معنى كون آدم عليه السلام مخلوق على صورة الحق تعالى .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
 قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
ولأجل حصول هذه الحكمة في كلمته أخبر عن نبوته في المهد بقوله "إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " بخلاف سائر الأنبياء فإنهم لا يدعي أحد منهم مثل ذلك والمراد بها النبوة العامة لا النبوة التشريعية فعيسى عليه السلام ختم النبوة العامة والولاية العامة فالأنبياء والأولياء لا يأخذونها إلا من مشكاته إلا ختم الرسل
( شعر ) :
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
قال رضي الله عنه :  ( عن ماء مريم ) استفهام تقرير حذفت همزته ( أو ) بمعنى الواو ( عن نفخ جبرين ) أي جبرئيل قوله ( في صورة البشر الموجود ) ظرف لجبرين أي المخلوق ( من طين ) وقوله عن ماء مريم متعلق بقوله :
(تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين)
قال رضي الله عنه : ( تكون الروح ) العيسوي ( في ذات مطهرة ) وهي ذات مريم ( من الطبيعة ) أي من أدناسها وأرجاسها ومقتضياتها من اللذات الشهوانية ( تدعوها ) أي الطبيعة التي تدعو مريم أي شأن هذه الطبيعة أن تدعو مريم ( بسجين ) أي بجحيم
(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين)
قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك ) أي لأجل تكون الروح العيسوي في الذات المطهرة ( قد طالت إقامته فيها ) أي في السماوات فإن طهارة المحل تبعد الحال عن الكون والفساد ( فزاد على ألف بتعيين ) مبين في علم التواريخ .
(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
قال رضي الله عنه :  ( روح ) خبر مبتدأ محذوف ( من اللّه لا من غيره ) أي هو خلقه اللّه بذاته لا بواسطة روح من الأرواح ( فلذا ) أي فلكون روحه من اللّه بغير واسطة ( أحي الموات وأنشأ الطير من طين ) بسبب تقربه إلى اللّه وتحققه بصفاته الخاصة به وإنما أحي الموتى وأنشأ الطير.
(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون)
قال رضي الله عنه :  ( حتى يصح ) أي كي يصح أو معناه لأجل إحياء الأموات وإنشاء الطير صح ( له من ربه نسب ) بفتح النون مصدر والمراد به وصف أو بالكسر جمع نسبة وكلاهما صحيح ( به ) أي بسبب هذا النسب ( يؤثر في العالي ) وهو إحياء الموتى من الإنسان ( وفي الدون ) وهو خلق الطير المعروف من الطين .

(الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين )
قال رضي الله عنه :  ( اللّه طهره جسما ) من أرجاس الطبيعة ( ونزهه روحا ) عما يوجب
النقائض وزينه بالصفات الإلهية والأخلاق الكريمة ( وصيره ) أي جعله ( مثلا ) أي مماثلا له تعالى ( بتكوين ) أي بسبب تكوين الطير .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
قال رضي الله عنه :  (  عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين .. تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين .. لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين  .. روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين .. حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون .. الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
قلت قوله : من ماء مريم أو من نفخ جبرئيل في صورة البشر الموجود من طين
يعني أن الله تعالى خلق من ماء مريم ومن نفخ جبرئیل عیسی ، عليهما السلام، في صورة أبيه آدم، فإنه الموجود من طين.
قوله: أو المراد الواو كما قال: "أو یزیدون" (الصافات: 147).

البيت الثاني: تكون الروح إلى آخره. یعنی أن روح عیسی مطهرة من ظلمة الطبيعة التي تدعوها "بسجین"   وسجین اسم من أسماء دار الفجار. 
وأقول: إن هناك اعتبارا آخر يكون فيه الأجسام أكمل من الأرواح وأثبت في الوجود الإلهي.
البيت الثالث : لأجل ذلك قد طالت إقامته فيها إلى آخره، يعني لأجل كون الروح تكون من ذات مطهرة طال عمر عیسی علیه السلام، فهو إلى الآن حي وقد زاد على ألف سنة من تاريخ تكون روحه.
البيت الرابع: روح من الله لا من غيره إلى آخره، يعني لما كانت روح عیسی، عليه السلام، هي من الله لا من غيره لا جرم أحيا الموتى وخلق من الطين طائرا فنفخ فيه فعاش.

والبيت الخامس: "حتى يصح له من ربه نسب إلى آخره، يعني بذلك النسب، يكون التأثير في العالي وفي الدون.
البيت السادس: الله طهره جسما ونزهه روحا وصيره مثلا بتکوین، یعنی طهر جسمه ونزه روحه عن الطبيعة وصيره بالتكوين مثلا له في إحياء الموتی وجميع ما أتی به إلى أبيات الشعر التي يقول فيها: فلولاه ولولانا، لا يحتاج إلى شرح، لوضوحه وإن كان غريب المسلك.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فصّ حكمة نبويّة في كلمة عيسوية
قال العبد : أضيفت هذه الحكمة النبويّة إليه عليه السّلام لاختصاصه بالنبوّة وهو في المهد قبل بلوغه إلى زمان البعث للنبوّة ، كما أشار إليه الكامل صلى الله عليه وسلم :
« ما بعث نبيّ إلَّا على رأس أربعين » فإنه عليه السّلام قد أنبأ أمّه - وهو في بطنها - بقوله :
" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا "  .
لقد أسند الشيخ حكمته إلى النبوّة لكون الغالب على عيسى عليه السّلام الإنباء عن الحق وإنباء الحق عنه له وعن نفسه ولعلوّه وارتفاعه الروحي والإلهي عن أبناء البشر ، كما ستعرف .
وبقوله في المهد : " وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " كما مرّ في الفهرس ويأتي فيما بعد .
قال رضي الله عنه :
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين)
(تكون الروح في ذات مطهرة   ...... من الطبيعة تدعوها بسجين )

يشير رضي الله عنه إلى أنّ تكوّن الروح في حكم النظر العقلي يجوز أن يكون عن نفخ جبرئيل عليه السّلام فإنّ الروح الأمين على أنباء الله التي أنبأ بها جميع الأنبياء عن الحق بنبوّاتهم .
ويجوز أن يكون من حيث طهارة المحلّ وهو مريم عليها السّلام فإنّها أيضا منبأة من عند الله بما يكون عنها بقوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه ُ اسْمُه ُ الْمَسِيحُ " وذلك عين الإنباء من عند الله وقد أنبأت نبيّ الله زكريّا بقولها :
" هُوَ من عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ من يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ " ، فصلحت إضافة تكوّن عيسى عليه السّلام نبيّا عن نفخ جبرئيل الأمين في صورة البشر ، وعن مائها الطاهر ، وعنهما معا ، ومقتضى الكشف أنّ النبوّة كانت مدرجة في الكلمة الإلهية وهي وجود عيسى ، فبدأ - رضي الله عنه - في نظمه مستفهما لهذا الاحتمال في النظر العقلي .
قال : الأصل في وجود نشأته عليه السّلام إمّا جبرئيل عليه السّلام أو مريم عليها السّلام أو هما معا .

وفي الكشف الاسم هو الكلمة الإلهية التي أنبأ الله بها أمّه وجبرئيل بكلّ نبأ واقع على لسانه وفي قلب أمّه وعن جبرئيل بالنسبة إلى أمّه وإليه ، لأنّ الإنباء الحقيقي إنّما هو للوجود المتعيّن في مظهرية كلّ منهم ، وهو الكلمة والروح الحقيقي .

قال - رضي الله عنه - :
(لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين )
يشير رضي الله عنه إلى إقامة روح الله في الصورة البشرية الطبيعية من جهة أمّه .
فإنّ تكوّن الروح بشرا إنّما كان من أجل المحلّ القابل وهي الطبيعة ، فإنّ وجود مريم من أظهر المظاهر الطبيعية وأصفاها ، ووجوده عليه السّلام ضرب مثل وإنباء من الله لمن عقل عنه لوجود الروح الإنساني الكمالي عن الطبيعية من حيث التعيّن وظهور أحكام الروح وآثاره وقواه في مظاهرها الطبيعية الجسمانية .
لأنّ الروح الإنساني بعينه حادث بحدوث البدن ، ولم يكن هذا التعيّن موجودا قبل النشأة الطبيعية ، فإنّ وجود الروح قبل وجود البدن وجود روحاني في صورة روحانية نورانية فلكية وعرشية ونورية ومثالية .
وإنّما ظهرت آثار قواه وتصرّفاتها في العالم مظاهرها بين البدن ، ومتعلَّق الحدوث إنّما هو التعيّن ، والحدوث في الصور العنصرية والمزاج الجسماني ، وليس ذلك إلَّا لقواها وآثارها وتصرّفاتها في الأرواح الثلاثة : الطبيعيّ والحيواني والنفساني ، فافهم .

قال رضي الله عنه  :
(روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين)
يشير رضي الله عنه: إلى أنّ هذا الروح الكامل مظهر الاسم « الله » وأنّ النافخ له هو الله من حيث الصورة الجبرئيلية ،ليس من حضرة اسم آخر من الأسماء التابعة الفرعية.
فإنّ كلم أرواح سائر الأنبياء كما علمت ممّا تقدّم وإن كانت من حضرة الاسم « الله » ولكن من حيث تجلَّيه من سائر الحضرات الإلهية إلَّا أنّه من باطن أحدية جمع الحضرة الإلهية .
كما مرّ في شرح فصّ شيث عليه السّلام فتذكَّر ، فتعيّن هذا الروح من باطن الحضرة الإلهية ، ولهذا قال الله تعالى إنّه روح الله وكلمته ، فالكلمة لباطن الله وهويّته الغيبية ، والروح لله ، ولهذا هو عبد الله ومظهره وقد ظهر به ، من الدلائل على ذلك الإحياء والإبراء والخلق .

قال رضي الله عنه :
(حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون )
يشير رضي الله عنه : إلى الإحياء والخلق ، فإنّ الإحياء من خصوص الإلهية وكذلك الخلق ، " قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ "  فلمّا ظهرا منه ، صحّ له نسب من الاسم الله ، فأثّر بالإحياء والإبراء وقد عجز عن ذلك غيره في الصور العالية الإنسانية ، وأثّر في الدون بالخلق ، وهو صورة الخفّاش .
قال رضي الله عنه :
(الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين )
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ جسمانيّته تمثّليّ روحاني ، ليس فيها من التلوينات الطبيعية البشرية ما يقدح في روحانيته ، فإنّ صورته روح متجسّد في رأي العين وليس فيها من الجسم إلَّا حقيقة الجسمية التي بها يثبت متحيّزا لعيان العيون ، ويبقى كذلك مدّة مديدة .
وذلك من طينة أمّه الطيّبة الطاهرة ، وتنزيه روحه عن التقيّد بمرتبة جزئيّة من مراتب الأسماء وعن آثار الطبيعة فيه ، كما في غيره من الأرواح البشرية ، فإنّها بحسب الطبيعية والصور الجسمانية ، بخلاف صورته - صلوات الله عليه - فإنّها روحانية بحسب الروح ، فلا يقيّده حيّز بالحصر والحبس ، بل هو مطلق.
ولهذا ما قتل وما صلب في الصحيح كما أخبر الله عنه ولكن خيّل لهم ذلك ، وشبّه شبهه حين ألقي شبهه على من سعى في دمه ، وكذلك جميع أحواله الطبيعية من الأكل والشرب تمثيل إلَّا ما قال الله تعالى عنه : " كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ "  في رأي العين ، فكان يتغذّى بروحانية الطعام الذي يريهم أنّه يأكله أو يشربه لا غير .

وأمّا تصيّره مثلا فهو بتكوين الجوهر الطيري من الطين ، وتكوين الأعراض من الحياة والصحّة والألوان بلا مادّة ظاهرة ، فصحّت له المثلية من هذه الوجوه ظاهرا في نشأته الأولى النبويّة ، وبكونه خليفة الله في نشأته الثانية بختمية الولاية العامّة ، كما علمت في شرح الفصّ الشيثي ، فتذكَّر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
إنما اختصت الكلمة العيسوية بالحكمة النبوية ، وإن كان جميع هذه الحكم نبوية لأن نبوته فطرية غالبة على حاله ، وقد أنبأ عن الله في بطن أمه بقوله "أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ  رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا"   وفي المهد بقوله " آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا " إلى بعثته وهو الأربعون لقوله عليه الصلاة والسلام « ما بعث نبي إلا بعد تمام الأربعين » .
وقيل إنها ليست مهموزة من النبأ ، بل ناقصة من نبا ينبو نبوا بمعنى ارتفع لارتفاع مقامه كما يأتي ، ولقوله : " بَلْ رَفَعَه الله إِلَيْه " ولختم الولاية عليه ، والله أعلم .
قال الشيخ رضي الله عنه :  
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين  .... في صورة البشر الموجود من طين )
( تكون الروح في ذات مطهرة  .....   من الطبيعة تدعوها بسجين )
لما كانت النبوة مدرجة في الكلمة الإلهية التي هي حقيقة عيسى الملقب بروح الله في ذات مطهرة من عالم الطبيعة في حالة كونك تدعو تلك الطبيعة أو يدعوها الظاهرة في صورة بشرية طبيعية احتمل تكونه من ماء مريم لنشأته الطبيعية ، فإنها نفس طاهرة منبأة من عند الله بما يكون عنها في قوله تعالى : " إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه اسْمُه الْمَسِيحُ ".
"" أضاف بالي زادة : ( عن ماء مريم ) استفهام تقرير حذفت همزته ( أو ) بمعنى الواو ( عن نفخ جبرين ) أي جبريل ( في ) يتعلق بجبرين ( صورة البشر الموجود ) أي المخلوق ( من طين ) وعن متعلق بقوله : ( تكون الروح ) العيسوى ( في ذات مطهرة ) ذات مريم ( من الطبيعة ) أي من أدناسها وأرجاسها ومقتضياتها من اللذات الشهوانية ( تدعوها ) أي الطبيعة التي تدعو مريم أي شأن هذه الطبيعة أن تدعو مريم ( بسجين ) أي جحيم .اهـ بالى  زادة.""

ومن نفخ جبريل فإنه الروح الأمين على أنباء الله التي أنبأ بها جميع الأنبياء عن الحق ومنهما جميعا بحسب روحانيته وجسمانيته فاستفهم عن وجود نشأته ، أنه من أيهما تكون لاحتمال الجميع في النظر العقلي .
 فقال : أعن ماء مريم بل أعن نفخ جبرين تكون هذا الروح ، وهذا الاستفهام مبنى على النظر العقلي .
وأما بحسب الكشف فهو الكلمة الإلهية التي أنبأ الله أمه وجبريل هو الواسطة الذي وقع على لسانه إلى أمه وأداه إلى قلبها كسائر الأنباء التي ألقاها إلى الأنبياء ، ولا بد من توسط الروح الذي هو جبريل ليتعين هذا الروح والكلمة الإلهية ويصل إلى مريم عليها السلام :

(لأجل ذلك قد طالت إقامته  ....   فيها وزاد على ألف بتعيين )
أي من أجل تكون هذا الروح في ذات مطهرة من الطبيعة الفاسدة وهي الصورة المثالية ، أو ذات كائنة من عالم الطبيعة طهرت من الخبائث وهو صورة عيسى أو أمه .
"" أضاف بالي زادة : (لأجل ذلك ) أي لأجل تكون الروح العيسوى في الذات المطهرة ( قد طالت إقامته فيها ) أي في السماوات ، فإن طهارة المحل تبعد الحال عن الكون والفساد ( فزاد على ألف بتعيين ) مبين؟؟؟ في علم التواريخ إلى حين اهـ بالى . ""

طالت إقامتها في صورة البشر وزاد طول إقامتها على ألف على التعيين ، فإن مولد عيسى كان قبل مولد النبي عليه الصلاة والسلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة .
وقد بقي بعد ، وسينزل ويدعو الناس إلى دين محمد عليه الصلاة والسلام فزاد على ألف بالتعين فعلى هذا طال إقامته في صورة البشر إما معللا بطهارته ونزاهته من الطبيعة وإما بطهارة أمه ، وكونه في صورة البشر إنما هو لأجل المحل القابل وهو الطبيعة :
( روح من الله لا من غيره فلذا   ....   أحيا الموات وأنشأ الطير من طين )
أي هو روح كامل مظهر لاسم الله ، والله هو النافخ له من حيث الصورة الجبريليه لا غيره ، فهو من اسم ذاتي لا من اسم من الأسماء الفرعية ، فيكون بينه وبين الله وسائط كثيرة كسائر أرواح الأنبياء .
فإنها وإن كانت من حضرة اسم الله لكن بتوسط تجليات كثيرة من سائر الحضرات الأسمائية وعيسى تعين من باطن أحدية جمع الحضرة الإلهية ، ولهذا سماه روحه وكلمته وكانت دعوته إلى الباطن والعالم القدسي .
"" أضاف بالي زادة : ( روح ) خبر مبتدإ محذوف ( من الله لا من غيره ) أي خلقه الله بذاته لا بواسطة روح من الأرواح ( فلذا ) أي فلكون روحه من الله لا من غيره ( أحيا الموات وأنشأ الطير من طين ) بسبب تقربه إلى الله وتحققه بصفاته أحيا الموات وأنشأ الطير اهـ بالى . ""

 فإن الكلمة إنما هي من باطن الله وهويته الغيبية من الله واسمه الجبريلى ولهذا هو عبد الله ومظهره ، وظهر عليه صفاته من إحياء الموتى والخلق وأنشأ الطير من الطين وأبرأ الأكمه وغيرها :
( حتى يصح له من ربه نسب  ....  به يؤثر في العالي وفي الدون )
أي لما صدر من الله بلا وسائط لا من غيره صح له نسب بظهور صفاته تعالى منه وصدور أفعاله الخاصة به عنه من إحياء الموتى وخلق الطير ، وبتأثيره في الجنس العالي من الصور الإنسانية بإحيائها ، وفي الجنس الدون كخلق الخلق الخفاش من الطين وهما من خصائص الله.
"" أضاف بالي زادة : ( حتى يصح ) أي كي يصح ( له من ربه نسب ) بفتح النون مصدر ، أو بالكسر جمع نسبة وكلاهما صحيح ( به ) أي بسبب هذا النسب ( يؤثر في العالي ) وهو إحياء الموتى من الإنسان ( وفي الدون ) خلق الطير المعروف من الطين اه ( الله طهره جسما ) من أرجاس الطبيعة ( ونزهه روحا ) عما يوجب النقائص وزينه بالصفات الإلهية ( وصيره ) جعله ( مثلا ) أي مماثلا له تعالى ( بتكوين ) أي بسبب تكوين الطير اهـ بالى . ""

 كما قال تعالى : " قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ " - :
( الله طهره جسما ونزهه   .....  روحا وصيره مثلا بتكوين )

وفي نسخة : لتكوين ، أي الله خاصة طهر جسمه عن الأقذار الطبيعية ، فإنه روح متجسد في بدن مثالي روحاني ولذلك بقي مدة مديدة زائدة على ألف في زماننا هذا ، ومن الهجرة سبعمائة وثلاثون بثلاثمائة وستة وثلاثين ، فإن من ميلاد النبي إلى زماننا هذا سبعمائة وإحدى وثمانين سنة ، وذلك إما من صفاء جوهر طينته ولطافتها وصفاء طينة أمه وطهارتها ، ونزه روحه وقدسه من التأثر بالهيئات الطبيعية والصفات البدنية لتأيده بروح القدس الذي هو على صورته ، ولهذا ما قتل وما صلب كما أخبر الله عنه لتجرده عن الملابس الهيولانية ، وصيره مثلا له بتكوين الطير من الطين وتكوين الأعراض من الحياة والصحة في الموتى والمرضى في نشأته الأولى ، وبكونه خليفة الله وخاتم الولاية في نشأته الثانية أي مثله في الصفات ، أو صيره مثل الخلق في الصورة بتكوينه تعالى إياه من الطبيعة الجسمانية .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
إنما نسب الحكمة النبوية إلى الكلمة ( العيسوية ) لأنه عليه السلام نبي بالنبوة العامة أزلا وأبدا ، وبالنبوة الخاصة حين البعثة .
لذلك أنبأ عن نبوته في المهد بقوله : ( وآتاني الكتاب وجعلني نبيا ) . وأنبأ في بطن أمه عن سيادته الأزلية بقوله : ( لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ) . أي ، سيدا على القوم ، ولذلك غلب عليه الأنبياء عن أحوال الروحانيين ، وكانت دعوته إلى الباطن أغلب .
وقيل إنها من ( نبا ، ينبوا ) - غير مهموز - بمعنى ارتفع ، لارتفاعه إلى السماء ،
كما قال تعالى : ( بل رفعه الله إليه ) .

وليس المراد بالنبوة التشريعية التي هي مشتركة بين الأنبياء ، ليلزم اشتراكهم فيها ، بل المراد بها النبوة العامة الأزلية .
ولا اشتراك لأحد من الأنبياء والأولياء فيها ، لأن النبوة العامة نتيجة الولاية ، والأنبياء والأولياء لا يأخذون الولاية إلا من مشكوته ، وهو صاحب هذا المقام أزلا وأبدا لخاتميته كما مر في الفص الثاني ، فله النبوة العامة الأزلية بالأصالة .
وغيره لا يتصف بالولاية والإنباء إلا عند تحصيل شرائطها ، كما أن نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، نبي أزلا بالنبوة التشريعية وغيره من الأنبياء لا يكون إلا عند البعثة .

ولهذا السر جعل هذه الحكمة بعد الحكمة القدرية ، لأنه بين الولاية فيها ، وجعل لها النبوة العامة ، وتكلم عليها بما قدر الله ، فأردفها ليتكلم على بعض خواصها في الكلمة العيسوية . والله أعلم .
شعر :
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين  ... في صورة البشر الموجود من طين)
(تكون الروح في ذات مطهرة   ......       من الطبيعة تدعوها بسجين )
استفهام على سبيل التقرير .
تقديره : أعن ماء مريم أو عن نفخ جبرئيل ، أو عنهما معا ، تكون هذا الروح ؟
ف‍ ( أو ) بمعنى ( الواو ) .
و ( جبرين ) لغة في جبرئيل كجبرئيل . أي ، يكون روح الله عن ماء مريم ونفخ جبرئيل معا حال كونه متمثلا في صورة البشر الذي خلق من الطين ، كما قال تعالى : ( فتمثل لها بشرا سويا ) .
فجسمانيته من ماء مريم ، وروحانيته من نفخ جبرئيل ، فإنه تلقاها من الله بغير واسطة وألقاها إلى مريم .
وإنما قال : ( في صورة البشر ) لأنه ملك ظاهر في الصورة البشرية وليس ببشر .
و ( الذات المطهرة ) يجوز أن يكون مريم ، عليها السلام ، التي تطهرت من غلبة أحكام الطبيعة المطلقة عليها ، أو من الطبيعة المسماة ب‍ ( السجين ) .
فالمراد الطبيعة الخاصة التي هي في المرتبة السفلى ، وهو عالم الكون والفساد ، لا مطلق الطبيعة ، لذلك سميت بالسجين ، إذ الأملاك السماوية والسماوات كلها عنده طبيعة عنصرية ، وما فوقها طبيعة غير عنصرية . كما سنذكره في هذا الفص .

وتطهرها منها خروجها عن أحكام عالم التضاد لغلبة النورية عليها .
ويجوز أن يكون الذات العيسوية  التي تعلقت به الروح العيسوي . فالتكون بمعنى الظهور ، لا الحدوث .

ويؤيد الثاني قوله : ( لأجل ذلك قد طالت إقامته ) وإن كان الأول أسبق في الذهن .
و ( تدعوها ) صفة ( الطبيعة ) . أي ، من الطبيعة المدعوة بالسجين .
و ( تاء ) هـ للخطاب إلى العارف المحقق ، أي بتسميها . أو ب‍ ( الياء ) المنقوطة من تحت .
أي ، يدعوها الله في كلامه بالسجين . وفيه إشارة إلى أن عالم الكون والفساد عين الجحيم ، كما قال ، عليه السلام : ( الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ) .
أو مآله إلى الجحيم عند قيام الساعة . و ( من الطبيعة ) متعلق ب‍ ( مطهرة ) و ( السجين ) مأخوذ من السجن .
وإنما جعل عالم الكون والفساد سجينا ، لأن كل من هو فيها مسجون محبوس مقيد بالتعلقات الجسمانية والقيود الظلمانية ، محجوب عن الأنوار الروحانية ، إلا العارفون الذين قطعوا تعلقاتهم الجسمانية ، وخلصوا عن القيود الظلمانية ، ورفعوا الحجب ، وتنور بواطنهم بأنوار الروح ، فخرجوا إلى فضاء عالم القدس .
فهم الذين فازوا بالنعيم بعد ورودهم إلى الجحيم ، كما قال الصادق ، عليه السلام ، حين قرئ عنده : وإن منكم إلا واردها : ( جزناها وهي خامدة ) .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (لأجل ذلك قد طالت إقامته  ... فيها فزاد على ألف بتعيين  )
أي ، لأجل أن الذات المنفوخ فيها الجسم العيسوي ، وهي مريم عليها السلام ،
كانت مطهرة عن غلبه أحكام الطبيعة عليها ، طالت إقامته في السماء ، فإن طهارة
بدن الوالدين - مما يوجب النقص - توجب طهارة بدن الولد أيضا منه هذا على الأول
.
وأما على الثاني ، فمعناه : ولأجل أن الذات المنفوخ فيها الروح العيسوي وهو بدنه - كانت مطهرة من أدناس الطبيعة وأرجاسها ومن أحكامها المتضادة المقتضية للانفكاك وخراب البدن سريعا - طالت إقامته فيها .
أي ، إقامة الروح في تلك الذات حتى زاد ألف سنة .
فإنه ، عليه السلام ، بعث قبل نبينا ، صلوات الله عليهما ، بخمسمائة وخمس وخمسين سنة . وهذا مبنى على أنه ببدنه في السماء ومن ولادة نبينا ، صلى الله عليه وسلم ، إلى زماننا هذا سبعمأة وأحد وثمانون سنة ، فالمجموع ألف وثلاثمأة وست وثلاثون سنة .

وتحقيقه : أن البدن الحاصل من الجسم الكثيف الظلماني مشارك في الحقيقة والجوهرية مع الجسم اللطيف النوراني الذي منه أجسام الأفلاك ، بل لا يمكن أن يتعلق الروح المجرد بهذا الجسم الكثيف أيضا إلا بواسطة ذلك الجسم اللطيف .

ولذلك يتعلق أولا بالروح الحيواني الذي هو الجسم اللطيف البخاري الحاصل من امتزاج لطائف الأركان الأربعة بعضها مع بعض ، ثم بواسطته يتعلق بالقلب ، ثم الكبد ، ثم الدماغ . على ما هو مقرر عند الحكماء . وفي قوة هذه الجسم الكثيف أن تبدل بذلك الجسم اللطيف وبالعكس ، عند تعلق القدرة الإلهية بذلك ، إذ الكثافة واللطافة من عوارض حقيقة الجسم ، خصوصا إذا تنورت النفس بالنور الرباني ، فتنورت بدنها ، كما قال : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) .
وحينئذ يشارك صاحبه الملائكة ويرتفع إلى مقامهم . فارتفاع عيسى ، عليه السلام ، إلى السماء من هذا القبيل . وسيجيئ بيانه أكثر من هذا ، كما سنذكره في ( الفص الإلياسي ) .
والسماء ، عند أهل الحقيقة ، عنصري ، قابل للخرق والالتيام ، كما سنذكره ، وقوله تعالى عن لسانه : ( فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) .
حينئذ يكون محمولا على أن ( التوفي ) عبارة عن رفعه إلى السماء ، لا على المفارقة
بين الروح وبدنه .

قيل : إن حقيقة عيسى ، عليه السلام ، ظهرت بالصورة المثالية المتجسدة في هذا العالم . كما صرح هذا القائل بقوله : ( فإنه روح متجسدة في بدن مثالي روحاني ، لذلك بقي مدة مديدة ) . وفيه نظر .
لأن الصورة المتجسدة لا يحتاج إلى الأكل والشرب في دار الدنيا ، وقد قال الله فيه وفي أمه : ( وكانا يأكلان الطعام ) .
وأيضا ، إنما يتجسد الأرواح بالصورة الحسية بأمر الله تعالى لمقاصد تتعلق بالعباد ، فإذا انقضت ، رجعوا إلى ما كانوا عليه .
وذلك مدة يسيرة بين العباد الذين في دار الدنيا ، لا مدة ألف سنة وفي السماء .
والظهور ثانيا لا يحتاج إلى بقاء الصور المتجسدة مدة طويلة ، لأن لهم قوة الظهور والتجسد في كل آن  ( روح من الله لا من غيره فلذا  ..... أحيا الموات وأنشأ الطير من طين )
واعلم ، أن الأرواح المهيمة التي منها العقل الأول وأرواح الأفراد والكمل كلها

صف واحد ، حصل من الله ليس بعضها بواسطة بعض ، وإن كانت الصفوف  الباقية من الأرواح بواسطة العقل الأول ، فإنه واسطة التدوين والتسطير للكمالات الوجودية .
والروح العيسوي من الصف الأول ، لذلك قال : ( روح من الله لا من غيره . )
أي ، الروح العيسوي فائض من الحضرة الإلهية مقام الجمع بلا واسطة اسم من الأسماء وروح من الأرواح ، كما قال تعالى : ( وروح منه ) .

أي ، من الله . لذلك أحيا الأموات وخلق الطير من الطين ، وهو الخفاش .
قال تعالى حاكيا عنه : ( إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ) . فانفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله . وأبرء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله .
فهو مظهر للإسم الجامع الإلهي ، كنبينا ، صلى الله عليه وسلم .
لذلك كمل نسبته إليه في كونه صاحب الاسم الأعظم ، وقرب ظهوره بظهوره ، وينزل من السماء مرة أخرى ، ويدعو الخلق بدين نبينا ، صلى الله عليه وسلم .

( حتى يصح له من ربه نسب .... به يؤثر في العالي وفي الدون )
قال رضي الله عنه :  ( النسب ) بفتح النون ، وبالكسر ، وهم . أي ، إحياء الأموات وخلق الطير ، ليصح نسبه ، ونسبته إلى الله بكونه صادرا منه مظهرا للإسم الجامع الإلهي ، لا  بأنه ابنه ، كما يقول الظالمون . تعالى عنه علوا كبيرا .

( به يؤثر ) أي ، بذلك النسب يؤثر في العالي ، أي فيمن له العلو المرتبي كالإنسان ، وفيمن له السفل المرتبي وهو الدون كالطير ، بإحياء الموتى وخلق الطير ، أو يؤثر ويتصرف في العالم العلوي السماوي والسفلى الأرضي كلها .
(الله طهره جسما ونزهه ..... روحا وصيره مثلا بتكوين )
 وفي بعض النسخ : ( لتكوين ) .
أي ، الله طهر جسمه وبدنه من الأدناس الطبيعية التي بواسطتها يتصرف الشيطان في الإنسان ، كما شق جبرئيل صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطهره ونزه روحه عما يوجب النقائص والمذام ، وحلاه بجميع الكمالات والمحامد .

قال رضي الله عنه :  ( وصيره مثلا ) أي ، متماثلا لربه في إحياء الأموات وخلق الطير وتكوينه لكونه مخلوقا على صورته .
وإطلاق المثلية هنا مجاز ، إذ لا مثل له ولا نظير ، لكون الكل منه . أو صيره مماثلا لآدم في كونه تكون من غير أب ، كما تكون آدم من غير أب .
قال تعالى : ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ) .
وتقديم اسم ( الله ) يفيد التعظيم - كما يقال : السلطان أمر بهذا الحكم - واحصر ، على أنه طهر جسمه من غير واسطة لا غيره ، كما أوجد روحه من غير واسطة .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
الفصّ العيسوي
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
أي : ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني الباحث عن رتبة خاصة في النبوة ظهر بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى عيسى بن مريم - عليهما السلام ، إذ ظهر بها في بطن أمه "أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا" [ مريم : 24 ] ، وفي المهد قال :" إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا " [ مريم : 30 ] ، وفي حال الكهولة :" أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ"[ آل عمران : 49 ] إلى قوله :" وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ " [ آل عمران : 49 ] .

"" أضاف المحقق : لفظة النبي التي وردت بالهمز وبدونه ، فبالهمز مشتق من النبأ بمعنى الإخبار فنسب الشيخ حكمته إليه ؛ لأنه أنبأ عن نبوته في المهد بقوله :آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا[ مريم : 30 ] .
وفي بطن أمه بقوله :أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا[ مريم : 24 ] أي : سيدا على القوم بالنبوة ، فله زيادة خصوصية بها ، وبدون الهمز من نبا ينبو بمعنى ارتفع لارتفاعه إلى السماء ، قال تعالى :"بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ"[ النساء : 158 ] ( شرح الجامي ص  325 ) .""

قال رضي الله عنه : 
(عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين   ....   في صورة البشر الموجود من طين)
ولما كانت له هذه الرتبة لطهارة فطرته ، واتصاله بالأرواح العلوية ؛ ولذلك رفع إلى السماء أخذ يبحث عنها ؛ فقال ( عن ) متعلق يتكون ، وهمزة الاستفهام محذوفة والمنفصلة حقيقية أي : بل عنهما جميعا يكون ( ماء مريم ) عن سريان الشهوة فيها .
إذ قال لها جبريل عليه السّلام : " إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا "[ مريم : 19 ] ، وقد تمثل لَها" بَشَراً سَوِيًّا" [ مريم : 17 ] ، إذ لا بدّ منه لفيضان الروح على الجسم الإنساني ، فإنه من ماء المرأة ، ومن ماء الرجل بحسب السنة الإلهية التي لم تجد لها تبديلا وتحويلا .

 فلذا قال رضي الله عنه : ( وعن نفخ جبرين ) أي : جبريل ، فإنه من حيث تضمنه النفس المشبه بالنفس الحيواني حامل رطوبة متوهمة ، وذلك لظهوره ( في صورة البشر ) ( الموجود من طين ) ، وهو تراب مبلول بالماء ، فلا يخلو نفسه عن رطوبة محققة ، فما تمثل به يوجب نفخة رطوبة متوهمة يفيد اجتماعهما تركيب جسم إنساني معتدل

تكوّن الرّوح في ذات مطهّرة    ....    من الطّبيعة تدعوها بسجّين
قال رضي الله عنه :  ( تكون ) أي : فاض ( الروح ) العيسوي ( في ذات ) .
أي : جسم إنساني هو ذاته المعروضة لحيوانه من الروح ( مطهرة ) ( من الطبيعة ) الحيوانية من حيث تركيبها من المختلفات المحققة المستدعية انحلالها عند بطلان اعتدالها المبطل تدبير الروح عنها ، وإن كان ذلك التركيب بعينه عند اعتدال أجزائه يستدعي تدبيره في جسمه ؛ لذلك ( يدعوها ) أي : تلك الطبيعة ( بسجين ) بحبس الروح العلوي . ثم تخليه عند بطلان اعتداله
لأجل ذلك قد طالت إقامته    ....    فيها فزاد على ألف بتعيين
قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك ) أي : لتطهر ذاته عن تلك الطبيعة المستدعية تدبير الروح تارة وإخلاؤه تارة
قال رضي الله عنه :  ( قد طالت إقامته ) أي : إقامة روحه ( فيها ) أي : في ذاته ، ( فزاد ) قدر إقامته فيها ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) في هذا الألف المزيد عليه ، إذ لا تتصور زيادة على شيء بدون تعيين ذلك الشيء ؛ وذلك لأنه عليه السّلام ولد قبل نبيّنا عليه السّلام بخمسمائة وخمس وخمسين سنة ، وقد بقي بعد ، وقد مضى بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر من خمسمائة سنة.
وإذا كانت الذات العيسوية منزهة عن الطبيعة ، فالروح المتكون فيها

روح من اللّه لا من غيره فلذا    ....    أحيا الموات وأنشأ الطّير من طين
(روح من اللّه لا من غيره) من العقول والنفوس والأفلاك والعناصر ؛ لأن فيضانه يختلف باختلاف المحل نزاهة وتعلقا.
حتّى يصحّ له من ربّه نسب    ....    به يؤثّر في العالي ، وفي الدّون
اللّه طهّره جسما ونزّهه    ....    روحا وصيّره مثلا بتكوين

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
بسم الله الرّحمن الرّحيم
 15 - فصّ حكمة نبويّة في كلمة عيسويّة
  وجه تسمية الفصّ  
إنّما اختصّت الكلمة العيسويّة بين الأنبياء كلَّها بالحكمة النبويّة لما قد اطَّلعت عليه أولا من أن النبوة - التي هي الإخبار عن الله بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامها كلها - مبنى أمرها على الوجود الكلاميّ ، ومنشأ ظهورها من النقطة النطقيّة التي بها ينطبق قوسا البطون والظهور ، ويتمّ الكمال الوجوديّ بالشهوديّ ، والظهوريّ بالشعوريّ .

ثمّ إنّ الكلمة العيسويّة هي التي تفرّدت بين الكلمات بمظهرية هذه المرتبة من الوجود استقلالا ، بدون تعلَّم ولا تعمّل اكتساب وتدبّر - دون غيرها من الأنبياء - فهي التي تظهر هذه المرتبة لذاتها ، ولذلك ترى أول أثر يترتّب على شخصه الكماليّ هو هذه ، إذ تكلَّم في بطن امّه بقوله : أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [ 19 / 24 ] وفي المهد بقوله : آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا  [ 19 / 30 ] .
وهذا هو وجه المماثلة والمشابهة بينه وبين آدم ، على ما أفصح عنه قوله :
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَه ُ من تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَه ُ كُنْ كلمة كاملة ذات نطق وكلام فَيَكُونُ [ 3 / 59 ] فإنّ « ثمّ » يدل هاهنا على أنّ أمر كُنْ إنما يتوجّه إلى مرتبة وراء خلق آدم ، مرتّبة عليه ، فعيسى مثل آدم في مصدرية الكلام الكماليّ ومظهريّة الكمال الكلاميّ بدون تعلَّم من أحد ولا تطفّل على أحد ، فلذلك اختصّت بالنبوّة .
ومما يلوّح عليه أن في لفظة « النبويّة » جميع ما في الكلمة العيسويّة من الحروف ، إمّا بأعيانها ، أو ببيّناتها .

وبيّن أن ظهور الكلمة العيسويّة بمرتبة الإنبائيّة الكلاميّة - التي بها صحّت مماثلتها لآدم - ليس على ما عليه الطبيعة الجزئيّة البشريّة ، فإنّها ليست ظاهرة بها إلا بعد تعلَّم من الأبوين ، وزيادة تدبّر وتعاون من القوى ، على استحصال تلك الملكة ، فليس لها في ذاتها إلا القابليّة لها فقط . ولذلك كان امّها من جزئيات هذه الطبيعة البشريّة ، والنفخ الجبرئيليّ فيها بمنزلة الأب .

 مبدأ خلق عيسى عليه السّلام   
فأشار إلى ذلك بضرب من التلطَّف مستفهما عن ترديد على معنى منع الخلوّ دون الجمع  قائلا :
( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين )
فإن الماء للين جوهره وكمال قبوله وانفعاله هو الامّ ، والنفخ لقوّة فعله وشدّة تأثيره هو الأب . على أن الماء هو الامّ مادّة ، كما أنّ « النفخ » « أب » في قاعدة العقد على ما يلوّحك عليه  بيّنات العدد منه ، إذا نسب إلى الأب بيّناته أو اسمه - تأمّل .
ثمّ إن ماء مريم بجوهريّته قابل لذلك ، كما أن نفخ جبرين بصورته الفعليّة فاعل له ، فلذلك ظهر الولد بجوهره
( في صورة البشر الموجود من طين )
كما أنّه بفعله في صورة الملك الموسوم بالجبرين ، وفي تبديل لامه بالنون إشارة إلى ما عليه في حالة النفخ ، أعني الصورة الإنسانية ، فإنّ النون من امّهات موادّ ذلك الاسم - كما لا يخفى - فمتعلَّق هذه الظروف كلها قوله :
( تكوّن الروح في ذات مطهّرة )
 من آثار تلك الصورة وأفعالها الهيولانيّة المظلمة ، فإن أفعال عيسى ومبدأها - أعني الروح - من جبرين ، إذ تكوّن الروح عن النفخ ، كما أن صورة البشر من الماء ، على ما يطلعك عليه تركيبه بترتيبه .

ثمّ إنّه قد حصل هاهنا صورة مزاجيّة اعتداليّة بين قاهرين قويّين :
أحدهما تكوّن روحه في ذات غير قابلة للفساد ، والتغيّر والحدوث ، مطهّرة من ذلك الأوصاف ، يجذبه إلى العلو مستقر جلالها ومسرع عزّها وإطلاقها .
والآخر تكوّن صورته ( من الطبيعة ) التي لم تزل تفسد وتتغيّر ( تدعوها ) إلى السفل معدن كمالها المسمى ( بسجّين ) الحصر والقيد .
وبيّن أن المزاج المعتدل بين القوّتين المتقاومتين ، لا بدّ وأن يكون لها بقاء بقدر قوّتهما وتكافؤهما عند تحاذيهما ، واستقرارهما في الاعتدال ( لأجل ذلك قد طالت ) للروح ( إقامته )
في تلك الذات ومكثه ( فيها ، فزاد ) مقدار إقامته ، ( على ألف ) وهو أنهى درجات مراتب المقدار وأطولها من السنة التي هي أنهى درجات مراتب الزمان وأطولها ( بتعيين ) مقداريّ عددا وزمانا .

وذلك الاعتدال فيه لقوّة أمر الروح ، حيث لم ينقهر من حكم الطبيعة مع أنّه متنزّل في مرتبتها ، ظاهر بحكمها ، كما انقهر غيره من الكلمات .
ووجه اختصاص روحه بتلك القوّة أنّه :
( روح من الله لا من غيره فلذا أحيا الموات )
إحياء إعادة( وأنشأ الطير من طين )إنشاء بدء . فتحقّق بالمبدئيّة والمعيديّة .

( حتّى يصحّ له من ربّه نسب به يؤثّر في العالي )
من المتروحين المتجرّدين ( وفي الدون ) من المتركَّبين المتدنّسين لما عرفت أنّه بصورته الاعتداليّة الجمعيّة محيط بالطرفين وجودا ، فإنّه بصورته الجسميّة التي هي نهاية المراتب الوجوديّة باقية في الجسم الكلّ ، مؤثّر في صورهم الوجوديّة ، كما أنّ محمّدا بصورته الكلاميّة التي  هي غاية الكلّ ، باق مؤثّر في كمالهم الشهوديّ .
وبيّن أن الإحاطة المذكورة إنما يتصوّر بمظهريّة الجمعيّة الإلهيّة ، وذلك إنما يتمّ بطهارة كمال قابليّته ، المطهّر بطرفيه الروحانيّ والجسمانيّ عن التدنّس والتغيّر ، حتّى يصحّ منهما المزاج الاعتداليّ المثليّ ، وإليه أشار بقوله :

(الله طهّره جسما ونزّهه  ...  روحا وصيّره مثلا بتكوين )
وقد نبّهت على وجه مماثلته بآدم ، وهذا وجه مماثلته للحقّ ، وهو الظهور بالإبداء والإعادة فعلا ، والتطهير والتنزيه ذاتا وصفة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين ) .
الفصّ العيسوي
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
قال رضي الله عنه :  ( عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين .. تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين)

فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
لفظة النبي التي وردت بالهمز وبدونه ، فبالهمز مشتق من النبأ بمعنى الإخبار فنسب الشيخ رضي اللّه عنه حكمته إليه لأنه أنبأ عن نبوته في المهد بقوله : "وآتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا "[ مريم : 30 ] .
وفي بطن أمه بقوله :" أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا " [ مريم: 24] ،
أي سيدا على القوم بالنبوّة ، فله زيادة خصوصية بها ، وبدون الهمز من نبا ينبو بمعنى ارتفع لارتفاعه إلى السماء . قال تعالى: " بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ "[ النساء : 158 ] .
ثم اعلم أن لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية وأحدية جمع للجهتين ، فإذا نظر إلى جهة الجسمانية يظن أنه تكوّن من ماء مريم وإذا نظر إلى جهة الروحانية وآثارها من إحياء الموتى وخلق الطير من الطين يحكم أنه من نفخ جبريل .

وإذا نظر إلى أحدية جمعهما يقال : إنه متكوّن منهما ، فلذا قال الشيخ رضي اللّه عنه على سبيل منع الخلق المحتمل انفراد كل من الأمرين واجتماعه في تكونه ( عن ماء مريم أو نفخ جبريل ) هو لغة في جبريل ، وهذا الكلام يحتمل أن يكون خبرا كما هو الظاهر واستفهاما للتقدير بتقدير الهمزة ( في صورة البشر الموجود في طين ) حال من جبريل .
أي عن ماء مريم أو عن جبريل حال كونه متمثلا في صورة بشرية كما قال تعالى :" فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا " [ مريم : 17 ] .

قال رضي الله عنه :  ( تكون الروح ) ، أي الحقيقة المعنوية العيسوية بصورته الشخصية الخارجية ( في ذات مطهرة عن الطبيعة ) ، أي عن غلبة أحكام الطبيعة السفلية العنصرية ( التي يدعوها ) اللّه سبحانه ويسميها في كتابه العزيز ( بسجين ) مأخوذ من السجن لأن كل ما هو في عالم الطبيعة مسجون محبوس مقيد بالتعلقات الجسمانية والقيود الظلمانية .

وفي بعض النسخ تدعوها بتاء الخطاب أو التأنيث ، أي الطبيعة تدعوها : أنت بسجين أو الطبيعة التي تدعو بتلك الذات المطهرة إلى سجين فتكون الباء بمعنى إلى

قال رضي الله عنه :  ( لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين  .. روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين .. حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون ...الله طهره جسما ونزهه  ...  روحا وصيره مثلا بتكوين)

 قال رضي الله عنه : (لأجل ذلك ) ، أي لأجل تكونه من نفخ جبريل ، لأن للأرواح صفة البقاء أو لأجل تكونه في ذات مطهرة ، لأن طهارة المحل توجب طهارة المحمول والطهارة تستدعي طول البقاء ( قد طالت إقامته ) ، أي إقامة الروح الذي هو عيسى عليه السلام ( فيها ) ، أي في صورة البشر ( على ألف ) من السنين ( بتعيين ) ، أي بتعيين الحق تلك المدة لما يقتضي استعداده إياها .
وفي رواية إلى حين ، أي زيادة ممتدة إلى حين عينه الحق سبحانه بمقتضى استعداده .

وإنما حكم بزيادة طوال إقامته على ألف لأن مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا صلى اللّه عليه وسلم بخمسمائة وخمسة وخمسين سنة وقد بقي بعده سينزل ويدعو الناس إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( روح ) ، أي هو روح ملقى ( من اللّه ) أحدية جمع الأسماء ، وكلمة ملقاة منه بواسطة جبريل إلى مريم ليكون مظهرا لهذا الاسم الجامع ( لا من غيره ).

يعني لا من غير ذلك الاسم الجامع من الأسماء التالية له ، ولا من الوسائط الكونية فهو ملقى منه بلا واسطة ( فلذا ) ، أي لكونه ملقى من هذا الاسم الجامع ، ومظهرا له ظهر منه آثار الأسماء المتكثرة كما أنه ( أحيى الموتى ) فإن إحياء الموات إنما يترتب على أسماء كثيرة من أسمائه سبحانه كالحي العليم المريد القادر المحيي ( و ) كما ( أنشأ الطير ) يعني الخفاش ( من طين ) فإن إنشاء الطير كذلك يترتب على ما سبق من الأسماء وعلى الخالق والصور أيضا ، وإنما أحيى الموتى وأنشأ الطير .
قال رضي الله عنه :  ( حتى يصح ) ، أي يثبت ويظهر ( له من ربه ) الذي هو الاسم الجامع ( نسب ) بالفتحتين أي نسبه بالمظهرية ( به ) ، أي بذلك السبب ( يؤثر في العالي ) المرتبة الذي هو الإنسان بإحياء الأموات منه بالرتبة كالطير بإنشاء نوع منه أو في العلويات ( وفي الدّون ) والسفليات ( اللّه طهره جسما ) من أدناس الطبيعة ( ونزهه روحا ) ، من الصفات الوخيمة والملكات الرذيلة ( وصيره مثلا ) ، أي مماثلا مشابها لنفسه ( بتكوين ) ، أي بجامع التكوين ، فكما أنه سبحانه يكون الأنبياء كذلك هو يكون .
وقيل :  معناه صيره مثالا لآدم بتكوينه من غير أب

.
السفر الخامس عشر الفقرة الثانية على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment