Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

15 - The Wisdom of Prophecy in the Word of Jesus

الفقرةالأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
15 - فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
عن ماء مريم أو عن نفخ جبرين ... في صورة البشر الموجود من طين
تكون الروح في ذات مطهرة ... من الطبيعة تدعوها بسجين
لأجل ذلك قد طالت إقامته ... فيها فزاد على ألف بتعيين
روح من الله لا من غيره فلذا ... أحيا الموات وأنشا الطير من طين
حتى يصح له من ربه نسب ... به يؤثر في العالي وفي الدون
الله طهره جسما ونزهه  ....  روحا وصيره مثلا بتكوين
اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شيئا إلا حيي ذلك الشيء وسرت الحياة فيه.
ولهذا قبض السامري قبضة من أثر الرسول الذي هو جبريل عليه السلام وهو الروح.
وكان السامري عالما بهذا الأمر.
فلما عرف أنه جبريل، عرف أن الحياة قد سرت فيما وطئ عليه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أي بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها في العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إليه اسم الصوت الذي لتلك الصورة كالرغاء للإبل والثؤاج للكباش واليعار للشياه والصوت للإنسان أو النطق أو الكلام.
فذلك القدر من الحياة السارية في الأشياء يسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلك الروح. فسمي الناسوت روحا بما قام به.
فلما تمثل الروح الأمين الذي هو جبريل لمريم عليهما السلام بشرا سويا تخيلت أنه بشر يريد مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعية منها ليخلصها الله منه لما تعلم أن ذلك مما لا يجوز.
فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوي.
فلو نفخ فيها في ذلك الوقت على هذه الحالة لخرج عيسى لا يطيقه أحد لشكاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربك» جئت «لأهب لك غلاما زكيا» انبسطت عن ذلك القبض وانشرح صدرها.
فنفخ فيها في ذلك الحين عيسى: فكان جبريل ناقلا كلمة الله لمريم كما ينقل الرسول كلام الله لأمته، وهو قوله «وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه».
فسرت الشهوة في مريم:
فخلق جسم عيسى من ماء محقق من مريم ومن ماء متوهم من جبريل، سرى في رطوبة ذلك النفخ لأن النفخ من الجسم الحيواني رطب لما فيه من ركن الماء.
فتكون جسم عيسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبريل في صورة البشر حتى لا يقع التكوين في هذا النوع الإنساني إلا على الحكم المعتاد.
فخرج عيسى يحيي الموتى لأنه روح إلهي، وان الإحياء لله والنفخ لعيسى، كما كان النفخ لجبريل والكلمة لله.
فكان إحياء عيسى للأموات إحياء محققا من حيث ما ظهر عن نفخه كما ظهر هو عن صورة أمه.
وكان إحياؤه أيضا متوهما أنه منه وإنما كان لله.
فجمع بحقيقته التي خلق عليها كما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق: ينسب إليه الإحياء بطريق التحقيق من وجه وبطريق التوهم من وجه، فقيل فيه من طريق التحقيق «هو يحي الموتى»، وقيل فيه من طريق التوهم «فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني» فالعامل في المجرور «يكون» لا قوله «تنفخ».
ويحتمل أن يكون العامل فيه تنفخ، فيكون طائرا من حيث صورته الجسمية الحسية.
وكذلك «تبرئ الأكمه والأبرص» وجميع ما ينسب «إليه وإلى إذن الله وإذن الكناية في مثل قوله بإذني وبإذن الله.
فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فيكون النافخ مأذونا له في النفخ ويكون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا كان النافخ نافخا لا عن الإذن، فيكون التكوين للطائر طائرا بإذن الله، فيكون العامل عند ذلك «يكون».
فلو لا أن في الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذين الوجهين. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العيسوية تعطي ذلك.
وخرج عيسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم في خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا يرتفع عليه ولا يطلب القصاص منه.
هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكما وحسا.
وما كان فيه من قوة الإحياء والإبراء فمن جهة نفخ جبريل في صورة البشر.
فكان عيسى يحيي الموتى بصورة البشر.
ولم يأت جبريل في صورة البشر وأتى في صورة غيرها من صور الأكوان العنصرية من حيوان أو نبات أو جماد لكان عيسى لا يحيى إلا حتى يتلبس بتلك الصورة ويظهر فيها.
ولو أتى جبريل أيضا بصورته النورية الخارجة عن العناصر والأركان إذ لا يخرج عن طبيعته لكان عيسى لا يحيي الموتى إلا حتى يطهر في تلك الصورة الطبيعية النورية لا العنصرية مع الصورة البشرية من جهة أمه.
فكان يقال فيه عند إحيائه الموتى هو لا هو، و تقع الحيرة في النظر إليه كما وقعت في العاقل عند النظر الفكري إذا رأى شخصا بشريا من البشر يحيي الموتى، و هو من الخصائص الإلهية، إحياء النطق لا إحياء الحيوان، بقي الناظر حائرا، إذ يرى الصورة بشرا بالأثر الإلهي.
فأدى بعضهم فيه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحيا به من الموتى، و لذلك نسبوا إلى الكفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذي أحيا الموتى بصورة بشرية عيسى.
فقال تعالى «لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» فجمعوا بين الخطأ والكفر في تمام الكلام كله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مريم، فعدلوا بالتضمين من الله من حيث إحياء الموتى إلى الصورة الناسوتية البشرية بقولهم ابن مريم وهو ابن مريم بلا شك.
فتخيل السامع أنهم نسبوا الألوهية لصورة وجعلوها عين الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهوية الإلهية ابتداء في صورة بشرية هي ابن مريم، ففصلوا بين الصورة والحكم، لا أنهم جعلوا الصورة عين الحكم كما كان جبريل في صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بين الصورة والنفخ وكان النفخ من الصورة، فقد كانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتي.
فوقع الخلاف بين أهل الملل في عيسى ما هو؟
فمن ناظر فيه من حيث صورته الإنسانية البشرية، فيقول هو ابن مريم.
ومن ناظر فيه من حيث الصورة الممثلة البشرية فينسبه إلى جبريل.
ومن ناظر فيه من حيث ما ظهر عنه من إحياء الموتى فينسبه إلى الله بالروحية فيقول روح الله.   أي به ظهرت الحياة فيمن نفخ فيه.
فتارة يكون الحق فيه متوهما- اسم مفعول وتارة يكون الملك فيه متوهما،
وتارة تكون البشرية الإنسانية فيه متوهمة: فيكون عند كل ناظر بحسب ما يغلب عليه.
فهو كلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله، وليس ذلك في الصورة الحسية لغيره، بل كل شخص منسوب إلى أبيه الصوري لا إلى النافخ روحه في الصورة البشرية.
فإن الله إذا سوى الجسم الإنساني كما قال تعالى «فإذا سويته» نفخ فيه هو تعالى من روحه فنسب الروح في كونه وعينه إليه تعالى.
وعيسى ليس كذلك، فإنه اندرجت تسوية جسمه وصورته البشرية بالنفخ الروحي، وغيره كما ذكرناه لم يكن مثله.
فالموجودات كلها كلمات الله التي لا تنفد، فإنها عن «كن» وكن كلمة الله. فهل تنسب الكلمة إليه بحسب ما هو عليه فلا تعلم ماهيتها، أو ينزل هو تعالى إلى صورة من يقول «كن» فيكون قول كن حقيقة لتلك الصورة التي نزل إليها وظهر فيها؟
فبعض العارفين يذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم يحار في الأمر ولا يدري.
وهذه مسألة لا يمكن أن تعرف إلا ذوقا كأبي يزيد حين نفخ في النملة التي قتلها فحييت فعلم عند ذلك بمن ينفخ فنفخ فكان عيسوي المشهد.
وأما الإحياء المعنوي بالعلم فتلك الحياة الإلهية الدائمة العلية النورية التي قال الله فيها «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس» فكل من أحيا نفسا ميتة بحياة علمية في مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحياه بها وكانت له نورا يمشي به في الناس أي بين أشكاله في الصورة.
فلولاه ولولانا ...     لما كان الذي كانا
فإنا أعبد حقا     ...    وإن الله مولانا
وإنا عينه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا
فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاك برهانا
فكن حقا وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا
وغذ خلقه منه ...    تكن روحا وريحانا
فأعطيناه ما يبدو ...    به فينا وأعطانا
فصار الأمر مقسوما   ...    بإياه وإيانا
فأحياه الذي يدري  ...   بقلبي حين أحيانا
فكنا فيه أكوانا    ...     وأعيانا وأزمانا
وليس بدائم فينا   ...  ولكن ذاك أحيانا
ومما يدل على ما ذكرناه في أمر النفخ الروحاني مع صورة البشر العنصري هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني ولا بد لكل موصوف بصفة أن يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة.
وقد عرفت أن النفس في المتنفس ما يستلزمه.
فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم.
فهو لها كالجوهر الهيولاني، وليس إلا عين الطبيعة.
فالعناصر صورة من صور الطبيعة.
وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أيضا من صور الطبيعة وهي الأرواح العلوية التي فوق السموات السبع.
وأما أرواح السموات السبع و أعيانها فهي عنصرية، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تكون عن كل سماء من الملائكة فهو منها، فهم عنصريون و من فوقهم طبيعيون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعني الملأ الأعلى لأن الطبيعة متقابلة، و التقابل الذي في الأسماء الإلهية التي هي النسب، إنما أعطاه النفس.
ألا ترى الذات الخارجة عن هذا الحكم كيف جاء فيها الغنى عن العالمين؟.
فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، وليس إلا النفس الإلهي.
فبما فيه من الحرارة علا، وبما فيه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فيه من اليبوسة ثبت ولم يتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.
ألا ترى الطبيب إذا أراد سقي دواء لأحد ينظر في قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد كمل فيسقيه الدواء ليسرع في النجح.
وإنما يرسب لرطوبته وبرودته الطبيعية.
ثم إن هذا الشخص الإنساني عجن طينته بيديه وهما متقابلتان و إن كانت كلتا يديه يمينا فلا خفاء بما بينهما من الفرقان، و لو لم يكن إلا كونهما اثنين أعني يدين، لأنه لا يؤثر في الطبيعة إلا ما يناسبها و هي متقابلة.
فجاء باليدين: ولما أوجده باليدين سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلك الجناب باليدين المضافتين إليه.
وجعل ذلك من عنايته بهذا النوع الإنساني فقال لمن أبى عن السجود له «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت» على من هو مثلك- يعني عنصريا أم كنت من العالين عن العنصر ولست كذلك.
ويعني بالعالين من علا بذاته عن أن يكون في نشأته النورية عنصريا وإن كان طبيعيا.
فما فضل الإنسان غيره من الأنواع العنصرية إلا بكونه بشرا من طين، فهو أفضل نوع من كل ما خلق من العناصر من غير مباشرة.
والإنسان في الرتبة فوق الملائكة الأرضية والسماوية، والملائكة العالون خير من هذا النوع الإنساني بالنص الإلهي.
فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس
وأما هذه الكلمة العيسوية لما قام لها الحق في مقام «حتى نعلم» ويعلم، استفهما عما نسب إليها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلك الأمر أم لا فقال له «أ أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله».
فلا بد في الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له في هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحكمة الجواب في التفرقة بعين الجمع، فقال: وقدم التنزيه «سبحانك» فحدد بالكاف التي تقتضي المواجهة والخطاب «ما يكون لي» من حيث أنا لنفسي دونك «أن أقول ما ليس لي بحق» أي ما تقتضيه هويتي ولا ذاتي.
«إن كنت قلته فقد علمته» لأنك أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذي أتكلم به كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه في الخبر الإلهي فقال «كنت لسانه الذي يتكلم به».
فجعل هويته عين لسان المتكلم، ونسب الكلام إلى عبده.
ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما في نفسي» والمتكلم الحق، ولا أعلم ما فيها. فنفى العلم عن هوية عيسى من حيث هويته لا من حيث إنه قائل وذو أثر.
«إنك أنت» فجاء بالفصل والعماد تأكيدا للبيان واعتمادا عليه، إذ لا يعلم الغيب إلا الله.
ففرق وجمع، ووحد وكثر، ووسع وضيق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتني به» فنفى أولا مشيرا إلى أنه ما هو.
ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال «إلا ما أمرتني به» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.
فانظر إلى هذه التنبئة الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل.
ثم قال «ربي وربكم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصل بقوله «ربي وربكم» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.
«إلا ما أمرتني به» فأثبت نفسه مأمورا وليست سوى عبوديته، إذ لا يؤمر إلا من يتصور منه الامتثال وإن لم يفعل.
ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبة ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:
فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر.
فيقول الحق «أقيموا الصلاة» فهو الآمر والمكلف والمأمور.
ويقول العبد «رب اغفر لي» فهو الآمر والحق المأمور.
فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه العبد من الحق بأمره.
ولهذا كان كل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكنا من ذلك. فلا بد من الاجابة و لو بالقصد.
ثم قال «وكنت عليهم» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شهيدا ما دمت فيهم» لأن الأنبياء شهداء على أممهم ما داموا فيهم.
«فلما توفيتني»: أي رفعتني إليك وحجبتهم عني وحجبتني عنهم «كنت أنت الرقيب عليهم» في غير مادتي، بل في موادهم إذ كنت بصرهم الذي يقتضي المراقبة.
فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إياه.
وجعله بالاسم الرقيب لأنه جعل الشهود له فأراد أن يفصل بينه و بين ربه حتى يعلم أنه هو لكونه عبدا وأن الحق هو الحق لكونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهيد و في الحق بأنه رقيب، وقدمهم في حق نفسه فقال «عليهم شهيدا ما دمت فيهم» إيثارا لهم في التقدم وأدبا، وأخرهم في جانب الحق عن الحق في قوله «الرقيب عليهم» لما يستحقه الرب من التقديم بالرتبة.
ثم أعلم أن للحق الرقيب الاسم الذي جعله عيسى لنفسه وهو الشهيد في قوله عليهم شهيدا. فقال «وأنت على كل شي ء شهيد».
فجاء «بكل» للعموم و«بشيء» لكونه أنكر النكرات.
وجاء بالاسم الشهيد، فهو الشهيد على كل مشهود بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهيد على قوم عيسى حين قال «وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم».
فهي شهادة الحق في مادة عيسوية كما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.
ثم قال كلمة عيسوية ومحمدية: أما كونها عيسوية فإنها قول عيسى بإخبار الله عنه في كتابه، وأما كونها محمدية فلموقعها من محمد صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وقعت منه، فقام بها ليلة كاملة يرددها لم يعدل إلى غيرها حتى مطلع الفجر.
«إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
و«هم» ضمير الغائب كما أن «هو» ضمير الغائب.
كما قال «هم الذين كفروا» بضمير الغائب، فكان الغيب سترا لهم عما يراد بالمشهود الحاضر.
فقال «إن تعذبهم» بضمير الغائب وهو عين الحجاب الذي هم فيه عن الحق.
فذكرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تكون الخميرة قد تحكمت في العجين فصيرته مثلها.
«فإنهم عبادك» فأفرد الخطاب للتوحيد الذي كانوا عليه.
ولا ذلة أعظم من ذلة العبيد لأنهم لا تصرف لهم في أنفسهم.
فهم بحكم ما يريده بهم سيدهم ولا شريك له فيهم فإنه قال «عبادك» فأفرد.
والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لكونهم عبادا.
فذواتهم تقتضي أنهم أذلاء، فلا تذلهم فإنك لا تذلهم بأدون مما هم فيه من كونهم عبيدا.
«وإن تغفر لهم» أي تسترهم عن إيقاع العذاب الذي يستحقونه بمخالفتهم أي تجعل لهم غفرا يسترهم عن ذلك ويمنعهم منه.
«فإنك أنت العزيز» أي المنيع الحمى.
وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده تسمى الحق بالمعز، والمعطى له هذا الاسم بالعزيز.
فيكون منيع الحمى عما يريد به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب.
وجاء بالفصل والعماد أيضا تأكيدا للبيان ولتكون الآية على مساق واحد في قوله «إنك أنت علام الغيوب» وقوله «كنت أنت الرقيب عليهم».
فجاء أيضا «فإنك أنت العزيز الحكيم».
فكان سؤالا من النبي عليه السلام وإلحاحا منه على ربه في المسألة ليلته الكاملة إلى طلوع الفجر يرددها طلبا للإجابة.
فلو سمع الإجابة في أول سؤال ما كرر.
فكان الحق يعرض عليه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فيقول له في عرض عرض وعين عين «إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم».
فلو رأى في ذلك العرض ما يوجب تقديم الحق وإيثار جنابه لدعا عليهم لا لهم.
فما عرض عليه إلا ما استحقوا به ما تعطيه هذه الآية من التسليم لله والتعريض لعفوه.
وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده في دعائه إياه أخر الاجابة عنه حتى يتكرر ذلك منه حبا فيه لا إعراضا عنه، ولذلك جاء بالاسم الحكيم، والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ولا يعدل بها عما تقتضيه وتطلبه حقائقها بصفاتها.
فالحكيم العليم بالترتيب.
فكان صلى الله عليه وسلم بترداد هذه الآية على علم عظيم من الله تعالى.
فمن تلا فهكذا يتلو، وإلا فالسكوت أولى به.
وإذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إليه إلا وقد أراد إجابته فيه وقضاء حاجته، فلا يستبطئ أحد ما يتضمنه ما وفق له، وليثابر مثابرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الآية في جميع أحواله حتى يسمع بأذنه أو بسمعه كيف شئت أو كيف أسمعك الله الاجابة.
فإن جازاك بسؤال اللسان أسمعك بأذنك، وإن جازاك بالمعنى أسمعك بسمعك.

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
 15 - نقش فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية
من خصائص الروح أنه ما يمر على شيءٍ إلا حيي ذلك الشيء.
ولكن إذا حيي يكون تصرفه بحسب مزاجه واستعداده لا بحسب الروح.
فإن الروح قدسيٌ .
ألا ترى أن النفخ الإلهي في الأجسام المسواه مع نزاهته وعلو حضرته كيف يكون تصرفه بقدر استعداد المنفوخ فيه.
ألا ترى السامري لما عرف تأثير الأرواح كيف قبض فخّار العجل فذلك استعداد المزاج.

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
15 -  فك ختم الفص العيسوى
1 / 15 -  اعلم ان لفظ النبي قد وردت بالهمزة وبدونه ، فبالهمزة هو مشتق من النبإ ، وهو الاخبار ، وبدون الهمزة هو من نبا ينبو ، إذا ارتفع ، ومراد شيخنا رضى الله عنه من اقرانه هذه الحكمة بالنبوة ليس بمعنى الاخبار ، فان كل من ذكره من الأنبياء في هذا الكتاب مشتركون في ذلك ، وانما مراده معنى الرفعة ، وسأذكر معنى الرفعة وغيرها من صفات الخصيصة بعيسى عليه السلام ما يسر الله ذكره ، لكن بعد تقديم مقدمة كلية مشتملة على اسرار شتى ، يستعان بها في فهم ما اذكره في شأن عيسى عليه السلام واسرار رفعته .

2 / 15 - فأقول : اعلم ان الموجودات متفاوتة الدرجات في الشرف والخسة والنقص والكمال ، فأي موجود قلت الوسائط بينه وبين موجده او ارتفعت وقلت فيه احكام الكثرة الامكانية وقويت نسبته من حضرة الوحدانية الإلهية كانت اشرف وأتم قربا من الحق من حيث وحدانيته ، وكثرة الوسائط وتضاعف وجوه امكاناتها مع وفور الاحكام الامكانية في الموجود يقضى بخسته ونزول درجته وبعد نسبته من حضرة الوحدانية ، واما النقص والكمال :
فهما بحسب وفور الجمعية بين الصفات الإلهية والحقائق الكونية ، لأنها المستلزمة لوفور الحظ من صورة الحضرة الإلهية التي حذى عليها الصورة الادمية والقرب من مرتبة المضاهاة او بحسب نقصه - اعنى نقص الحظ المذكور - فأي موجود كان اكثر استيعابا للصفات الربانية والحقائق الكونية ظاهرا بها بالفعل ، كانت نسبته من حضرة المضاهاة والخلافة الإلهية اقرب ، وحظه من صورة الحضرة اوفر ، والأقل حظا مما ذكرنا له النقص.

3 / 15 -  ثم ان درجات النقص والكمال تتفاوت بحسب قلة الجمعية الفعلية وكثرتها ، وبها تظهر النقائص والكمالات النسبية وتثبت المفاضلة بين الأنبياء والأولياء ، والمستوعب في كل عصر وزمان بالذات والمرتبة والعلم والحال والفعل بجميع الحقائق الأسماء الإلهية والصفات والحقائق الكونية وأحكامها المتصلة أخر كثرته .
برزخ البرازخ الجامع بين الغيب الذاتي الإلهي الإطلاقى واحكام الوحدانية الوجوبية وبين الحقائق والخواص الكونية وأحكامها الامكانية على سبيل الحيطة ، له الكمال الذي يستند اليه مرتبة الخلافة الكبرى ، والوحدانية التي يقرب النسبة منها يثبت الشرف لمن ذكرنا.
  
4 / 15 -  ثم ليعلم انه ما من موجود الا وارتباطه بالحق من وجهين :
الوجه الواحد جهة سلسلة الترتيب والوسائط ، والجهة الاخرى لا حكم فيها لواسطة من الوسائط اصلا ، والمحققون يسمون هذا الوجه : الذي لا واسطة .
فيه بين كل موجود وبين ربه بالوجه الخاص ، غير ان باب هذا الوجه مسدود عن اكثر الخلق من حيثهم : وقد نبه على ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع من إشاراته .
فإنه كان يروى أحيانا عن جبرئيل ، وجبرئيل عن ميكائيل وميكائيل عن اسرافيل واسرافيل عن الله تعالى ، وكان يروى أحيانا عن جبرئيل عن الله وكان يروى أحيانا عن الله تعالى - دون واسطة جبرئيل - ويقول : قال لي ربى ، ويقول ايضا : لي مع الله وقت لا يسعني فيه غير ربى ، ويقول : أتاني ربى ، ونحو ذلك .

5 / 15 -  وإذا وضح هذا الأصل وما تقدم ذكره فاعلم :
ان جبرئيل وميكائيل وغيرهما - ما عدا القلم الأعلى - يأخذون عن الله بواسطة وبغير واسطة ، وكذلك الأكابر من الأنبياء والأولياء .
ومن جملة ما اخذه جبرئيل عن الله بلا واسطة الكلمة الإلهية العيسوية التي ألقاها الى مريم ، وتلك الكلمة متحصلة من الحروف التي كان اجتماعها سببا لوجود الأرواح وهي ثمانية حروف وتاسعها التجلي النفسي الساري في كل موجود والموجب لظهور السر الإلهي المتعين بعيسى عليه السلام ، وفيه هو معنويات تلك الحروف وانها عبارة عن جملة احكام الوجوب التي هي آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها بتجلى الحق من حيث هي في مرتبة الالوهية ، وتعين ثمانية قابليات في المؤثر فيه - هو تاسعها.

6 / 15  - فتلك ثمانية عشر ومظاهرها من الحروف هذا الترتيب : الباء والجيم والدال والهاء والواو والحاء والطاء والياء والكاف والميم والفاء والقاف والراء والتاء والثاء والخاء والسين والظاء ، وسبب اختلاف وجود الأرواح وأحوالهم هو بحسب مرتبة التي يقع فيها الاجتماع بين توجهات الحقائق المذكورة وما يقابلها من قابليات حقائق الأعيان المؤثر فيها .

7 / 15 - وإذا علمت هذا فاعلم : ان الحروف الغير المنقوطة من هذه الثمانية عشر مظاهر توجهات الحقائق المذكورة ، والمنقوطة مظاهر قابليات الحقائق المؤثر فيها فافهم ، والله اعلم .

8 / 15  -  وصورة تأليفها كلها كلمة هي حقيقة روحية عيسى عليه السلام ، وصورة عيسى مكونة من صيغة الكلمة الإلهية بالصفة جبرئيلية ، وبسبب ثباتها في هذا العالم مدة هو مكتسب من سر طبيعة مريم ، وموجب سراية القوة الطبيعية من مريم فبما نفخه جبرئيل من الكلمة هو خاصية التمثيل الجبرئيلى بشرا سويا ، اى حسنا معتدلا ، وحال الفعل هو من وجه شبيه بالاحتلام .

9 / 15  - ولما كان مقام جبرئيل بالسدرة والسدرة مقام برزخى ، لأنه متوسط بين العالم الطبيعة العنصرية وبين عالم الطبيعة الكلية - في مرتبتها الثابتة المختصة بعالم المثال والعرش والكرسي وما اشتملوا عليه - لهذا كانت صورة جبرئيل التي جاء بها مشتملة على خواص ما فوق السدرة وما تحتها .

10 / 15 - واما احياء عيسى الموتى : فلغلبة السر الروحي المتعجن فيه .

11 / 15 - واما الاذن الإلهي له : فعبارة عن تمكين الحق له من فعله ما فعل ، وذلك من آثار الأسماء الذاتية وتوجهاتها التي قلت انها حروف كلمته وحلية صورته هي من النسبة الحاصلة  من الصورة الجبرئيلية .

12 / 15  - ومن علم ان جبرئيل هو روح طبيعة عالم العناصر وما ظهر عنها - كالسماوات السبع وما اشتملت عليه العناصر هذا من المولدات - علم ان عيسى عليه السلام من وجه هو صوره روحانية جبرئيل ومظهر مقامه عند السدرة الموصوفة آنفا بالبرزخية كما ان مريم صورة الطبيعة الكبرى ، و يعرف ان فك له ختام ما ذكرت في هذا الفص لم كان عيسى عليه السلام روح الله والى اى اسم ينضاف من الأسماء التي يشتمل عليها الاسم الله .
وساكشف القناع عن بقية اسرار أحواله الكلية ان شاء الله تعالى لتعرف بتوفيق الله وإرشاده من ذلك سر ختميته وسر كونه آخر الأولياء ما  حظه من الجمعية الكبرى الخصيصة بالحقيقة الانسانية الإلهية الكمالية المنبه عليها من قبل .
وأنبه على الحكمة التي يتضمنها نزوله ودخوله في دائرة الشريعة المحمدية وانصباغ ما يوحى به اليه حالتئذ بحكمها وصفاتها ، وتعرف من لوازم هذه الأحوال المذكورة من اسرار شئونه وأحكامه زوائد أخر ، يتضمنها التنبيهات المذكورة .

13 / 15فأقول بعون الله وتوفيقه وتأييده :
واما سر ختميته عليه السلام فثابتة من وجهين : أحدهما من جهة ما تضمنه الإشارة الإلهية بقوله تعالى : " إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ الله كَمَثَلِ آدَمَ " [ آل عمران / 59 ] فآدم عليه السلام اول مظهر بصورة الجمعية الحقيقة الانسانية الإلهية التي بها ختم الحق مراتب الإيجاد .
وعيسى عليه السلام ظهر بصفة روح تلك الجمعية لا صورتها ، فان صورته عرضية ومرتبتها مثالية .
فمماثلة عيسى لادم عليهما السلام ثابتة من حيث الجمعية والختمية  ولهذا عرف الحق سبحانه آدم في الآية انه: " خَلَقَه من تُرابٍ " [ آل عمران / 59 ] .
ليعلم ان المماثلة بين عيسى وآدم ليست من حيث المادة والخلقة ، بل من وجوه اخرى ، كالذي نبهتك عليه من شأن الجمعية والختمية وغيرهما.

14 / 15  - ولما كانت روحية عيسى كلية عامة الحكم بالنسبة الى صورة الكون وأضافها الحق الى نفسه لا بطريق التبعيض ، بل بطريق التشريف ، مع ما علم ان للروح بالنسبة الى الصورة في التعين والظهور مرتبة الاخرية ، و لهذا توقف تعين الأرواح الجزئية وتعلقها بالأبدان للتدبير المستلزم للاستكمال ، على صورة  المزاجية التي لها درجة الأولية.
علم ان ختم مرتبة الإيجاد الإنساني الذي ظهرت به الحقيقة الانسانية الجامعة الإلهية انما يكمل بالنفخ الروحي جزء بالنسبة الى افراد صور الأناسي ، وكلا بالنسبة الى مطلق صورة الكون المعبر عنها أحيانا بظاهر الحق وأحيانا بتفصيل الصورة الانسانية الحقيقية .
ومن تتبع ما أسلفناه في هذا الكتاب في هذا الباب وضح له بتأييد الله صحة ما سبقت الإشارة اليه.

15 / 15 -  واما الوجه الاخر المنبه على سر ختميته : فهو ما أشار اليه نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الثابت المتضمن جملة من آثار الساعة واماراتها وفيه انه إذا قبض عيسى ومن معه من المؤمنين بريح يأتيهم من قبل الجنة .
وفي رواية : من قبل الشام ،
وفي رواية : من قبل اليمن ،
تأخذهم من تحت آباطهم فيموتون فلا يبقى على وجه الأرض مؤمن ويبقى شرار الناس يتهارشون تهارش حمر الوحش في البرية ، لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما .
فعليهم تقوم الساعة فإذا لم يبق يومئذ على وجه الأرض مؤمن ، فأحرى ان لا يبق ولى ، فثبت ختميته من هذا الوجه ايضا .

16 / 15 - واما حظه من الجمعية الانسانية : فصفة كلية من صفات روح الجمعية وهو الموجب لدخوله في دائرة الشريعة المحمدية وحكمه ، فان سر الاحكام الشرعية ، الروحانية النسبة من حيث الملقى والملقى عليه ، ولما قويت نسبته عليه السلام من روح الجمعية الانسانية وجب دخوله في دائرة الشريعة الجامعة التي هي خاتمة الشرائع وانصباغ ما يوحى به اليه بصبغة الشريعة المحمدية . فافهم .

17 / 15 -  واما نزوله فلأمرين :
أحدهما تتميم احكام روح الجمعية - كما نبهت على كلية ذلك .
والامر الاخر هو تنبيه على طلوع الفجر الاخراوى ولهذا يحارب الدجال ، فان الدجال مظهر حقيقة الدنيا وحكم الحق فيها ، ولهذا كان أعور عين اليمنى .
فإنه عديم روح مرتبة الربوبية التي روحها الآخرة دار الحيوان فالنزاع بين مظهر الدنيا والآخرة . ولما كان ذلك الوقت هو زمان طلوع الفجر الاخراوى وزمان موت الدنيا وذهابها ، لزم ان يهلك عيسى الدجال ولزم ان يكون ذلك بباب « لد » من بيت المقدس ، لان ذلك ألد الخصام والنزاع والخصومة .

18 / 15  - فهذا بعض ما يسر الله ذكره من اسرار عيسى عليه السلام ، فان اسراره كثيرة والشروع في بيانها يفضي الى التطويل ، فاكتفيت بهذا ، وسأذكر في فك ختم الفص المحمدي ما بقي من تتمة هذا الأصل ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .

كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية :
مصطلح النفخ
في اللغة : " نفخ البوق أو الناي وغيره : ملأه بريح أخرجه من فيه " .

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" النفخ : هو الهواء الخارج من تجويف القلب الذي هو روح الحياة " .
ويقول : " ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا ويقبل روحا إلهيا عبر عنه بـ النفخ فيه ، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض المتجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال " .
يقول الشيخ عز الدين عبد السلام:
" النفخ : هو عبارة عما اشتعل به نور الروح في المحل القابل . فالنفخ سبب الاشتعال ، وصورة النفخ في حق الله محال ، والمسبب غير محال " .
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري:
" النفخ : إرسال النفس على المنفوخ فيه " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" النفخة الواحدة من النافخ تطفي السراج وتشعل الحشيش الذي فيه النار ، فلم
ذلك ؟ أللمحل أم للنفخة ؟ " .
يقول الشيخ محيي الدين الطعمي علم النفخ الإلهي:
" علم النفخ الإلهي : هو سبب الحياة السارية في المولدات الأعيانية ، ولولاه لما تولد شيء ، وهذا العلم أصله آدم وعيسى {عليه السلام} " .

تقول د. سعاد الحكيم :
"ان عيسى وجد عن امرين هما: النفخ الإلهي ومريم. فهو وان كان رجلا الا انه منفعل عن النفخ الإلهي الذي اتخذ هنا المرتبة " القلمية " - ان أمكن التعبير."
" النفث: أحد طرق العلم الإلهي، كالالقاء والاملاء والوحي والنفخ. ."

مصطلح النفث :
تقول د. سعاد الحكيم في المعجم الصوفي ابن العربي عن نفث الأنبياء:
" فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: ان روح القدس [جبريل] نفث في روعي ولا يكون النفث الا ريحا بريق، لا بد من ذلك، حتى يعم، فكما أعطاه [الروح القدس] من روحه بريحه. أعطاه [الروح القدس] في نشأته الطبيعية من ريقه. فجمع له الكل في النفث، بخلاف النفخ فإنه: ريح مجرد. . . " (فتوحات ج3/ 370).

مصطلح النفس الرحماني:
يقول الشيخ ابن العربي ماهية النفس الرحماني:
النفس الرحماني: عبارة عن الجوهر، الذي تفتحت فيه صور الوجود بأجمعها، وهو يحتويها [صور الوجود] بالقوة، كما يحتوي نفس الانسان جميع ما يصدر عنه من كلمات وحروف.
النفس الرحماني أطلقه ابن العربي على الوجود في صورته الأولى قبل ان تظهر فيه أعيان الممكنات. اي هو سابق لمرحلتي وجود الممكن: الثبوت، عالم الثبوت ، والظهور في الأعيان "العالم الخارجي".
ولا يخفي أهمية اطلاق ابن العربي عبارة: " النفس الرحماني "، على الجوهر الذي سيتفتح فيه الوجود لما للنفس من علاقة: بالكلام من جهة - وبالنفخ من جهة ثانية  

يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :
- 1النفس الرحماني جوهر العالم ". . . وليست الطبيعة على الحقيقة الا: النفس الرحماني، فإنه فيه انفتحت صور العالم أعلاه وأسفله، لسريان النفخة في الجوهر الهيولاني في عالم الاجرام خاصة 1. . . " (فصوص 1/ 219).
" ان جوهر العالم: النفس الرحماني، الذي ظهرت فيه صور العالم " (ف 3/ 452).
" ان الحق وصف نفسه بالنفس الرحماني، ولا بد لكل موصوف بصفة، ان يتبع الصفة جميع ما تستلزمه تلك الصفة. وقد عرفت ان النفس في المتنفس ما يستلزمه. فلذلك قبل النفس الإلهي صور العالم. فهو لها كالجوهر الهيولاني وليس الا عين الطبيعة " (فصوص 1/ 143 - 144).

2 - النفس الرحماني: أول غيب ظهر لنفسه - العماء " والكلمات كظهور العالم من العماء، الذي هو نفس الحق الرحماني، في المراتب المقدرة في الامتداد المتوهم لا في جسم. . . " (ف 2/ 395).
". . . فالنفس أول غيب ظهر لنفسه، فكان فيه الحق من اسم الرب، مثل
العرش اليوم الذي استوى عليه: بالاسم الرحمن " (ف 3/ 420).

3 - النفس الرحماني والكلمات "المخلوقات" :
 " فالكلمات عن الحروف، والحروف عن الهواء، والهواء عن النفس الرحماني. . " (ف 1/ 168).
" الكلام: صفة مؤثرة نفسية رحمانية، مشتقة من الكلم، وهو الجرح. فلهذا قلنا: مؤثرة، كما اثر الكلم في جسم المجروح، فأول ما شق اسماع الممكنات، كلمة " كن ". فما ظهر العالم الا عن صفة الكلام، وهو توجه نفس الرحمن على عين من الأعيان، ينفتح في ذلك النفس، شخصية ذلك المقصود. فيعبر عن ذلك الكون بالكلام، وعن المتكون فيه بالنفس، كما ينتهي النفس من المتنفس المريد ايجاد عين حرف، فيخرج النفس المسمى: صوتا، ففي اي موضع انتهى أمد قصده، ظهر عند ذلك: عين الحرف المقصود. . . " (ف 2/ 181).
". . . والمادة التي ظهرت فيها كلمات اللّه، التي هي العالم، هي: نفس الرحمن. ولهذا عبر عنه " بالكلمات " وقيل في عيسى عليه السلام. انه: كلمة اللّه. . . " (ف 4/ 65)

4 - النفس الرحماني والنفخ :
النفخ إشارة إلى أن الانسان من نفس الرحمن " ولما كانت نشأته [الانسان] من هذه الأركان الأربعة، والمسماة في جسده اخلاطا. حدث عن نفخه [تعالى]، اشتعال بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الانسان: نارا، لأجل نشأته. . . فلو كانت نشأته طبيعية، لكان روحه، نورا. وكنى عنه: بالنفخ، يشير إلى أنه من نفس الرحمن، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه، وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتعال نارا، لا نورا. فبطن نفس الرحمن فيما كان به الانسان انسانا " (الفصوص 1/ 16).

مصطلح المسيح
في اللغة : " المسيح : وهو بالعبرانية مشيح وبالسريانية مشيحا وباليونانية خريستس ، ومعناهن : ممسوح . سمي به ، لأنه مسح من الله كاهنا ونبيا وملكا . وكانت العادة في القديم أن يمسح الكهنة والملوك بالدهن " .

في الاصطلاح الصوفي
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي:
" المسح في الحقيقة : كناية عن رجوع إلى الحقيقة الجامعة " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
المسيح : كل من مسح أرضه بالمشي فيها ، والسياحة في نواحيها ليرى آثار ربه .
والمسيح أيضا : من مسحت عينه التي يرى بها نفسه ، وبقى عليه عينه الذي يرى بها ربه  .
يقول الشيخ عبد الغني النابلسي :
" المسيح : وهو روحه المنفوخ في جسده الإنساني من حيث أنه من أمر الله تعالى " .

القلب موضع الغيب من الإنسان
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثاني والسبعون :
وإنما وقع الستر من جهة القلب لأنه موضع الغيب من الإنسان وعنه تظهر الأفعال في عالم الشهادة وهي الجوارح
فلو لا قصده لتحريكها ما ظهرت عليها حركة
فذلك تأثير الغيب في الشهادة وأصل ذلك من العلم الإلهي
قول الله تعالى في الذكر إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه

الذكر الإلهي المستور والذكر العلانية
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثاني والسبعون :
اعلم أن له ذكرا مستورا نسبه إلى نفسه وأن له ذكرا علانية والعين واحدة ما لها وجهان مع وجود الاختلاف في الحكم
وعن هذه النسبة الإلهية ظهر العالم في مقام الزوجية
فقال ومن" كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ "وإن كان واحدا فله نسبتان ظاهرة وباطنة
 إذ كان هو الظاهر والباطن
فما أعز معرفة الله على أهل النظر الفكري وما أقربها على أهل الله جعلنا الله من أهله. آمين
 
الأولياء الذاكرون :
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون :
ملائكة الإله أتت إلينا ..... لتوقفنا على النبإ اليقين
فقالت قول معصوم عليم ..... بري ء من ملابسة الظنون
ومن الأولياء الذاكرون الله كثيرا والذاكرات رضي الله عنهم تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم
وهذا يتعلق بالاسم الآخر وهو صلاة الحق على العبد
فالعبد هنا سابق والحق مصل لأن المقام يقتضيه
فإنه قال تعالى "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " فأخر ذكره إياهم عن ذكرهم إياه
وقال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم
وقال من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا
وقال: " فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله " فكل مقام إلهي يتأخر عن مقام كوني فهو من الاسم الآخر
ومن باب قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ " فالأمر يتردد بين الاسمين الإلهيين الأول والآخر وعين العبد مظهر لحكم هذين الاسمين .
وهذا هو الفصل الذي تسميه الكوفيون العماد مثل قوله أنت من قوله "كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ"

الظاهر والباطن بالنسبة إلينا بين جلي وخفي
يقول الشيخ ابن العربي الفتوحات المكية الباب الثالث والسبعون :
اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله لما سمي نفسه بالظاهر والباطن اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي وخفي فما جلاه لنا فهو الجلي وما ستره عنا فهو الخفي وكل ذلك له تعالى جلي
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك
وهو الجلي عند من علمه الله إياه والخفي عمن لم يعلمه ثم قال أو استأثرت به في علم غيبك
فهذا خفي عما سوى الله فلا يعلمه إلا الله فإنه تعالى يَعْلَمُ السِّرَّ وهو ما بينه وبين خلقه
وأَخْفى وهو ما لا يعلمه إلا هو مثل مفاتح الغيب التي عنده لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ
فهو" عالِمُ الْغَيْبِ " وهو الخفي والشَّهادَةِ وهو الجلي وما أوجده من الممكنات وهو الجلي أيضا وما لم يوجده منها وهو الخفي أيضا ولا يخلو العالم من هاتين النسبتين دنيا ولا آخرة
فالمزيد الواقع من العالم في العالم فهو من الخفي والمزيد لا يزال فالعالم مزيد خارج من الخفاء إلى الجلاء لا يزال
فالجلي من سؤال السائلين إنما يسمعه الحق من الاسم الظاهر
والخفي منه يسمعه من الاسم الباطن
فإذا أعطاه ما سأل فالاسم الباطن يعطيه للظاهر والظاهر يعطيه للسائل
فالظاهر حاجب الباطن والجلي حاجب الخفي كما إن الشعور حاجب العلم

 واعلم أن الله عز وجل يعامل عباده بما يعاملونه به فكأنه تعالى بحكم التبعية لهم
وإن كان ابتداء الأمر منه ولكن هكذا علمنا وقرر لدينا فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه ولا يتمكن لنا إلا ذلك فمن حكم تبعية الحق تعالى للمخلوق
قوله تعالى:" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله"
وقوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصحيح "إن الله لا يمل حتى تملوا"
وقوله تعالى "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ "
وقوله سبحانه "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه"
فلا يكون العبد في حالة   .....   إلا يكون الحق في مثلها
وكلها منه ولكنه   .....   كذا أتانا الحكم في شكلها
فكل مخالف أمر الحق فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه
ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد
وإنما يكون ذلك امتنانا من الله عليه
فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز وغفر لمن أساء إليه في دنياه
فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة مثلا بمثل يدا بيدها
وها ورد في الخبر الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم "ما كان الله لينهاكم عن الربا ويأخذه منكم" فما نهى الله عباده عن شيء إلا كان منه أبعد
ولا أمركم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق .أهـ  جل شأنه وتعالى.

.
السفر الخامس عشر الفقرة الأولى على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله 
واتساب

No comments:

Post a Comment