Monday, December 2, 2019

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الخامس عشر فص حكمة نبوية في كلمة عيسوية الفقرة الثامنة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

15 - The Wisdom of Prophecy in the Word of Jesus

الفقرة الثامنة عشر:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال الشيخ رضي الله عنه :  (  فمن أراد أن يعرف النّفس الإلهيّ فليعرف العالم .  فإنّه من عرف نفسه فقد عرف ربّه الّذي ظهر فيه أي العالم ظهر في نفس الرّحمن الّذي نفّس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده من عدم ظهور آثارها ، فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه . فأوّل أثر للنّفس الرحماني إنّما كان في ذلك الجناب ثمّ لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد)

قال رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس) بفتح الفاء (الإلهي فليعرف العالم) بفتح اللام ، لأنه مقتضى ذلك النفس والنفس حامل له كما أن المتأوّه من أمر إذا تنفس الصعداء كان نفسه متضمنا صورة المعنى الذي في قلبه فإنه ، أي الشأن من عرف نفسه بسكون الفاء ما هي في الوجود الظاهر (فقد عرف ربه) ، أي خالقه الذي ظهر هو فيه سبحانه.

قال رضي الله عنه :  (. أي العالم ظهر في نفس) بفتح الفاء الرحمن الذي نفّس بتشديد الفاء ، أي فرج اللّه تعالى به ، أي بذلك النفس عن حضرة الأسماء الإلهية ما تجده تلك الأسماء من عدم ظهور آثارها المتوجهة من الأزل على إظهار تلك الآثار بظهور متعلق بنفس آثارها على حسب ترتيبها المستعدة به لقبول فيض التجلي الدائم .

قال رضي الله عنه :  (فامتن) سبحانه على نفسه بفتح الفاء بما أوجده سبحانه من العوالم المختلفة على طبق ما في علمه في نفسه بفتح الفاء فأوّل أثر كان للنفس الإلهي إنما كان في ذلك الجناب أي في حضرة الأسماء الإلهية بالتنفيس عما تجده من ذلك الأمر المذكور ثم لم يزل الأمر الإلهي ينزل شيئا فشيئا بتنفيس الغموم ، وتفريج الغيوم إلى آخر ما وجد من آثار الحي القيوم

 شعر :
(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس  )
(فالكل) ، أي جميع الموجودات الحادثة من محسوسات ومعقولات
وموهومات (في عين )، أي ذات النفس بفتح الفاء وهو النفس الرحماني المذكور كالضوء الظاهر آخر الليل في ذات الغلس ، أي نفس الغلس وهو الظلمة بعد طلوع الفجر قبل أن ينتشر الضوء جدا ، فإن ذلك الضوء يظهر في تلك الظلمة التي هي بقية ظلمة الليل شيئا فشيئا حتى ينتشر ويملأ الوجود وتختفي الظلمة فيه .

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
(والعلم ) باللّه تعالى (بالبرهان) العقلي حاصل في وقت سلخ النهار ، أي تمييزه وانفصاله عن ظلمة الليل كالجلد ينسلخ عن الشاة فينفصل منها .
قال تعالى :" وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ" [ يس : 37 ] لمن نعس ، أي غفل عن الأمر على ما هو عليه لاعتماده على نظره العقلي ، فإنه داخل في عين النفس الإلهي قائم به وهو برهانه ذلك من غير شعور منه .

(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
فيرى ، أي يرى صاحب العلم بالبرهان وهو الناعس من الغفلة الأمر الذي قد قلته من الكلام في قيام العوالم كلها بالنفس الرحماني ، ولكن رؤيا منام لا رؤيا يقظة ، لأنه لم يمت بالموت الاختياري من توهم القيام بنفسه والنظر بعقله وحسه . قال عليه السلام : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ".
وقال عليه السلام : "  المؤمنون ينظرون بنور اللّه "  تدل تلك الرؤيا المنامية التي يراها في نوم غفلته عينها على معرفته بهذا النفس الرحماني وقيام العوالم به ، ولكن معرفته مطموسة بالغفلة والغرور واللهو واللعب .
قال تعالى :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[ العنكبوت : 61 ] ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، وقال تعالى :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ( 63 ) [ العنكبوت : 63 ] .
وقال تعالى : " قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 84 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ( 85 ) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 86 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ ( 87 ) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ( 88 ) [ المؤمنون : 84 - 88 ] .

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
(فيريحه) ، أي الذي قلته ، أو النفس يريح صاحب البرهان الغافل من كل غم هو فيه من إشكال حاصل له في حال تلاوته قوله تعالى :عَبَسَ وَتَوَلَّى ( 1 ) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى ( 2 ) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ( 3 ) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى( 4 ) [ عبس : 1 - 4 ] الآية نزلت في النبي صلى اللّه عليه وسلم لما طمع في إيمان بعض المشركين ، فكان يلين لهم الكلام .
فدخل ابن أم مكتوم وكان أعمى ، فعبس صلى اللّه عليه وسلم منه وأعرض عنه لاشتغاله بما هو فيه من الأهم ، فأنزل اللّه تعالى عليه ذلك يعاتبه في حق المؤمن به كما عاتبه تعالى في حق الأنصار ، ومن عرف ظهور الصور في النفس الرحماني لم يشكل شيئا من ذلك ، فيستريح من كل إشكال في الدين مطلقا .

(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
(ولقد تجلى) ، أي انكشف النفس الرحماني المذكور الذي قد جاء في طلب القبس وهو الشعلة من النار ، وذلك أن موسى عليه السلام لما قال لأهله :امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً[ طه : 10 ] ،

(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
(فرآه) ، أي النفس الرحماني (نارا وهو نور) ظاهر في صور الملوك ملوك الدنيا والآخرة وهم العارفون ، أو ملوك الدنيا فقط وهم كبارها وفي صور العسس ، أي الخدام وهم السالكون السائرون في ليل نفوسهم على تهذيب أخلاقها وخدمة ملوك الدنيا ، أو هم الرعايا ، يعني يعم الكلام للعالي والدون من الناس ، يعني أن النفس الرحماني واحد في صورة كل شيء ، وهو نور حق على ما هو عليه وإن اختلفت عليه الصور فاختلفت الأحكام لاختلاف الصور .

(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس)
(فإذا فهمت) يا أيها الإنسان السالك (مقالتي) هذه في شأن هذا النفس الإلهي الظاهر لموسى عليه السلام في صورة النار مع أنه نور في نفس الأمر ، لأنه كان طالبا للنار فظهر له في صورة حاجته الذي هو طالب لها .
تعلم أنت بطريق الذوق حيث ظهر في صورة كل شيء ظهر لك (بأنك مقتبس) ، أي مفتقر إلى صورها ظهر لك بها وإن لم تعلم حقيقة ذلك .
قال تعالى : " وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" [ البقرة : 216 ] .

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
(لو كان) ، أي موسى عليه السلام (يطلب غير ذا) ، أي غير القبس من النار (لرآه) ، أي النفس الإلهي ظاهرا له (فيه) ، أي في ذلك الغير من كل ما هو محتاج إليه (وما نكس) ، أي انقلب عما رآه من ذلك .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ) بحقيقته ( فليعرف العالم ) الذي هو صورته وإنما توقف معرفة النفس الإلهي إلى معرفة العالم ( فإنه ) أي لأنه ( من عرف نفسه ) وهو جزء من العالم ( فقد عرف ربه ) فإن نفسه تفصيل وتعريف لربه فمن عرفها عرفه.

ولما يوهم قوله ( الذي ظهر فيه ) صفة للرب فسره ليعلم ابتداء أنه صفة للعالم لا للرب فقال : ( أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس اللّه به ) أي بسبب الرحمن ( عن الأسماء الإلهية ) قوله : ( ما ) مفعول نفس ( تجده ) ضمير الفاعل عائد إلى الأسماء ( من عدم ظهور آثارها ) متعلق بتجد بيان لما والذي تجده من عدم ظهور آثارها هو الكرب ( بظهور آثارها ) متعلق بنفس أي نفس اللّه عن الأسماء الكرب بسبب ظهور آثارها .
أي أزال عنها الكرب بسبب إظهار كمالاتها التي في كونها ولو بقي آثارها في بطونها ولم تظهر في أوقاتها لزم الكرب للأسماء فأظهرها اللّه في أوقاتها لئلا يلزم الكرب لأن الكرب يحصل ثم أزاله اللّه بتنفيسه عن الأسماء فإن هذا محال في حق اللّه وحق الأسماء.

 قال رضي الله عنه :  ( فامتنّ على نفسه ) بقوله الحمد للَّه ( بما أوجده ) أي بالذي أوجده من صور الأعيان ( في نفسه ) بفتح الفاء متعلق بأوجد ( فأول أثر كان ) أي حصل ( للنفس ) أي من النفس الرحماني ( إنما كان في ذلك الجناب الإلهي ) أي عن الحضرة الاسم اللّه الجامع ( ثم لم يزل الأمر يتنزل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجد ) .
شعر :
(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس )
( فالكل ) أي ظهور العالم كله ( في عين النفس ) الرحماني ( كالضوء ) أي كظهور الضوء بدون الشمس ( في ذات الغلس ) أي في آخر ظلمة الليل فكما أن الليل والنهار لا يظهر أحدهما بدون الآخر كذلك لا يظهر كل واحد من النفس الرحماني والعالم بدون أحدهما .
(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس  )
( والعلم ) أي العلم الحاصل ( بالبرهان في سلخ النهار ) أي في آخره ( لمن نعس ) أي لمن نام ولم يتحصل علم ما قلته بالكشف العياني قبل سلخ النهار فقوله لمن يتعلق بالعلم وفي سلخ النهار كذلك .
( فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس )
( فيرى ) الناعس ( الذي ) مفعول يرى ( قد قلته ) من تحقيق أنفس الرحماني والعالم ( رؤيا ) مفعول ثان ليرى ( تدل على النفس ) صفة للرؤيا .
(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس» )
( فيريحه ) أي يريح هذا العلم الناعس ( من كل غم ) أي من كل جهل حاصل ( في تلاوته ) .
أي في فكره ( عبس ) أي كأنه تلا بلسان الحال "عَبَسَ وَتَوَلَّى" حيث كانت نفسه في ضيق الجهل وعبوس الفكر .
لكن هذا العلم لا يجديه نفعا لأنه تعبير واستدلال بنظر العقل فلا يستلزم علم حقيقته ما يراه فهذه الأبيات في حق من طلب العلم بنظر عقلي لا من طلب بالكشف والبرهان وأما الذي طلب بطريق التجلي والكشف فحصل مطلوبه . فهو الذي قال في حقه
 ( ولقد تجلى للذي ....  قد جاء في طلب القبس )
شبه السالكين بحال موسى عليه السلام في حصول مطلوبهم فكما تجلى اللّه لموسى عليه السلام في طلب القبس من النار ، كذلك تجلى اللّه للسالكين الذين جاءوا في طلب القبس من النور فنفع علمهم لحصوله في وقته .
(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
( فرآه ) أي رأى موسى عليه السلام الحق ( نارا ) وهي صورة مطلوبة ( وهو نور في الملوك ) وهم الذين خلصوا عن ظلمة الطبيعة  وملكوا نور الحق فلا دليل عندهم والعالم كله نهار عندهم .
( وفي العسس ) وهم السالكون الذين لم يصلوا درجة التحقيق ولم يخلصوا عن ظلمة طبيعتهم وهم يتصرفون في ظلمة طبيعتهم بالنور الإلهي كما يتصرف العسس في ظلمة الليالي بالنار فكما أن العسس تابع في التصرف بالملوك كذلك السالكون المتوسطون تابعون في تصرف طبيعتهم الظلمانية بالكمل والمرشدين هم ملوك الطريقة وسلاطين الحقيقة.
( فإذا فهمت مقالتي   .....   تعلم بأنك مبتئس )
"مبتئس" أي فقير ليس لك شيء من العلم بالحقائق فدعوتك غني بالعلم كدعوة الفقير غني بالمال .
وهذا دعوة من الشيخ رضي اللّه عنه في تحصيل العلم من طريق العقل إلى طريق الكشف .
(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
( لو كان ) موسى عليه السلام ( يطلب غير ذا ) أي غير النار ( لرآه ) أي لرأى الحق ( فيه ) أي مطلوبة أي مطلوب كان ( وما نكس ) الحق في إعطاء مطلوب كل طالب إذا توجه إليه فتجلى له الحق في صورة مطلوبه وهو منزه عن الصورة والصورة تنشأ عن بصر الرائي.
ولما فرغ عن بيان الحقيقة العيسوية وما يتعلق بها شرع في بيان حكمته وتحقيق الآيات الواردة في حقه عليه السلام .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قوله رضي الله عنه  : 
فالكل في عين النفس   ……    كالضوء في ذات الغلس
يعني حضرة الحق وحضرة الخلق كلها في ذات النفس، وعنده أن النفس هو من الحق تعالى وهو ضوء، وحضرة الإمكان التي هي الخلق جعلها كالغلس .
هذا ما هو ذوق التوحيد، لأن الضوء هو وجود وهو يوجد فإن نسبته إلى أنه ضوء والإمكان غلس.
فالإمكان ما ينتفي بالنور وجعل البرهان انسلاخ النهار، لأنه جعل الضوء کاقبال النهار وجعل الإمكان انسلاخ النهار فكما أن اقبال النهار يعطي ظهور الضوء، وانسلاخه يعطي عدمها.

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
ويعني بقوله: لمن نعس، يعني ألا ترى انسلاخ النهار كيف يعطي النوم وهو إشارة إلى العدم.

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
وأما قوله: في تلاوته عبس، فهو إشارة إلى قوله تعالى: "أو يذكر فتنفعه الذكرى" (عبس: 4) .
يعني فإذا تذكر كيف الأمر استراح، لأنه يشهد سر القدر وقد تقدم كيف يستريح بذلك.

(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
قوله: ولقد تجلى، يعني موسی فرآها نارا وهي نور وأراد بالمبتئس الفقير

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس )
قوله: لو كان يطلب غیر ذا، لوجده في ذاته.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه : ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ، فليعرف العالم ، فإنّ من عرف نفسه عرف ربّه الذي ظهر فيه : أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفّس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها فامتنّ على نفسه ) .
يعني: على أسمائه ونسبه وشئونه الذاتية ، فإنّها فيه عينه لا غيره ، فامتنّ عليها .

قال رضي الله عنه : ( بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر كان للنفس إنّما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس الهموم إلى آخر ما وجد ) .
قال العبد : هذه المباحث ذكرت مرارا ، فلا حاجة إلى الإعادة .
قال رضي الله عنه :
(فالكلّ في عين النفس   ....   كالضوء في ذات الغلس)
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ صور الأسماء الإلهية والحقائق الوجوبية وصور الممكنات والحقائق الكونية المربوبية في عين النفس كالضوء في المادّة المشتعلة بالنور ، فالربّ بصور جميع الحقائق الربانية الحقّية في عماء الربّ في أعلى النفس والخلق ، وكذلك تصوّر جميع الحقائق الخلقية منها في عماء الكون من هذا النفس ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه :
(والعلم بالبرهان في  ....   سلخ النهار لمن نعس )
(فيرى الذي قد قلته   ......   رؤيا تدلّ على النفس)

يشير إلى أنّ العلم بالنفس وما ذكرت من لوازمه لا ينال إلَّا بالكشف .
وأمّا البرهان الفكري - بتركيب المقدّمات واستنتاج النتائج منها والاستدلال بذلك على المطالب - فليس إلَّا لمن سلخ نهار الكشف عن يوم عمره ، فهو في ليل الحجاب والغفلة نائم عن التجلَّي الوجودي والنهار الكشفي الشهودي والفيض الدائم النوري الجودي ، تهبّ عليه مع الأنفاس فوائح روائح الأنفاس ، وهو لا يهبّ من النعاس ، يعتبر في تعبير رؤياه في المنام ، حقائق ما قلت ممّا يدلّ على النفس عند الكاشف العلَّام ، أنّها أضغاث أحلام .

قال رضي الله عنه :
(فيريحه عن كلّ  .....  كرب في تلاوته عبس) 
يشير إلى أنّ الذي تذكَّره ويذكره إن هو تفكَّر فيه فتدبّره يريحه عن كلّ كرب وضيق يجده في ظلمة حجابه بما أكشف له وأشهده وألقّنه على وجهه سرّ " وُجُوه ٌ يَوْمَئِذٍ ( مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ ) مُسْتَبْشِرَةٌ " بعد عبوسه في تلاوة " عَبَسَ وَتَوَلَّى " حال جهله بمن هو دائما كان عليه يتجلَّى .

قال رضي الله عنه  :
( ولقد تجلَّى للذي  .....   قد جاء في طلب القبس)
يعني : طالما انجلى هذا السرّ الخفيّ لمن طلب الحق الجليّ ، كما ظهر لموسى بن عمران لمّا كان مجدّا في طلب الجذوة ، فرآه رأي العيان .

قال رضي الله عنه :
(فرآه نارا وهو نور  ....   في الملوك وفي العسس)
يعني : تجلَّى له نور وجهه في مثال النار على صورة الشجرة ، فظنّه نارا وكان نورا هو نور الأنوار ، فلم يعبّر رؤياه ولم يعبر عن صورة مطلبه الطبيعي إلى حقيقة ما رآه ، فلو عبّر ، وعبر ، واعتبر الحقيقة ، واستبصر ، لعلم أنّه النور الحق المتجلَّي في الملوك والشرفاء العلويّين والعمّال في أدنى الأعمال الليلية الحجابية السفليّين ، فإنّ ظهوره بحسب القوابل ، وإلَّا فهو هو في الأواخر والأوائل .

قال رضي الله عنه  :
( فإذا عرفت مقالتي    ....   تعلم بأنّك مبتئس )
إذا فهمت ما قلت ، فهمت فيما نلت ممّا أعطيتك ، ونلت أنّك في طلب أمر سواه فقير مبتئس ، ومغبون ، سحر ، مفلس " كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُه ُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَه ُ لَمْ يَجِدْه ُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِنْدَه ُ " حاضرا لم يزل ، وبدا له من الله ما لم يحتسب ولم يتخيّل .

قال رضي الله عنه :
(لو كان يطلب غير ذا  ....  لرآه فيه وما نكس )
يعني : أنّ موسى ما طلب غير النار ، فلمّا بلغ غاية طاقته في الجهد والطلب ، تجلَّى له الحق في صورة مطلوبه ، ولو طلب غير ذلك ، لرآه في ذلك الآخر ، وأنت أيضا حيث تطلب أمرا سواه ، فاعلم أنّك محجوب ، فمطلوبك في زعمك ومبلغ علمك ، فمحتجب عنك بصورة مطلبك الله ، فطوبى لمن لم تتعلَّق همّته بغير مولاه ، ولم يطلب طول عمره إلَّا إيّاه .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه ، أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله تعالى به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها ، فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر يتنزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد ) .

إنما علق معرفة النفس الإلهي بمعرفة العالم ، لأن العالم ليس إلا ظهور صور الأعيان ، وذلك الظهور هو النفس ، وعلل التعليق بالحديث المذكور لأن الإنسان هو العالم الصغير ، والعالم هو الإنسان الكبير .
فلما بان من عرف نفسه عرف أن ربه هو الذي ظهر فيه ، فكذلك عرف أن الذي ظهر في نفس الرحمن من العالم هو الأسماء الإلهية التي نفس الله تعالى بنفسه عنها كربها الذي تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها في صور العالم في النفس ، فامتن على نفسه أولا بما أوجده في نفسه من صور أسمائه فإن الأسماء عين ذاته .
فالامتنان عليها بظهور آثارها امتنان منه على نفسه بنفسه ، فأول أثر كان للنفس إنما كان في الجناب الإلهي بإظهار أسمائه وآثارها لم يزل ينزل الأمر من ظهور الأسماء ثم الآثار بل الأسماء بالآثار إلى آخر ما وجد ، ولا آخر لظهور الأسماء بالآثار والآثار بالأسماء إلى ما لا يتناهى و « ما » في ما تجده موصولة منصوبة المحل بنفس :

قال الشيخ رضي الله عنه :  (
( فالكل في عين النفس   ....    كالضوء في ذات الغلس )
الغلس : ظلمة آخر الليل : أي صور الأسماء الإلهية والأكوان والآثار والأعيان الظاهرة في عماد النفس كالضوء الفاشي في ظلمة آخر الليل ، فإن الضوء يظهر دون الغلس فكذلك يظهر الأسماء وآثارها أي صورها دون النفس ، فإن النفس ما هو إلا هو ظهور هذه الأشياء :

( والعلم بالبرهان في   ....  سلخ النهار لمن نعس )
(فيرى الذي قد قلته      .....  رؤيا تدل على النفس )
يعنى أن العلم بالنفس وما ذكر من لوازمه لا ينال إلا بالكشف ، وأما العلم به من طريق البرهان بتركيب المقدمات واستنتاج النتائج فهو من نعس في وقت سلخ ضوء نهار الكشف عن ظلمة ليل الغفلة ، فيرى رؤيا يعبرها ما قبله من النفس ، ولوازمه عند أهل الكشف يشبه العلم الفكري من وراء حجاب بالرؤيا التي تدل على التعبير على المعنى المكشوف بالتجلي :
( فيريحه عن كل كرب  ....   في تلاوته عبس )
أي فيريحه العلم الحاصل بالبرهان عن كل كرب وضيق وعبوس يجده في حال حجابه وتفكره فيه أرواحه ، يظهر بها على وجهه سر قوله – " وُجُوه يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ - ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ " - بعد عبوسه في تلاوته – " عَبَسَ وتَوَلَّى " - عند احتجابه :
( ولقد تجلى للذي     .....  قد جاء في طلب القبس )
يعنى أن العلم البرهاني قد يفيد سرور الوجدان من وراء حجاب ، وأما طالب الكشف فقد يتجلى له جلية الحق دائما ، كمن جاء في طلب القبس مجدا في طلبه فتجلى له حقيقة هذا السر الخفي عيانا يعنى موسى بن عمران :
( فرآه نارا وهو نور  .....   في الملوك وفي العسس )
أي تجلى له نور وجهه في مثل النار على شجرة نفسه ، وكان نور الأنوار نور الحق المتجلى في إكمال الواصلين السابقين الذين هم ملوك أهل الجنة .
والعمال في الأعمال الحجابية من السعداء والأبرار ، فإن ظهور نوره وتجليه في الشريف الرفيع العلوي .
كظهوره في الدنىء الوضيع السفلى ، والتفاوت في المراتب بالكمال والنقصان إنما يكون بحسب القوابل وإلا فهو في الأوائل والأواخر والحقيقة واحدة :
( فإذا فهمت مقالتي   ....    فاعلم بأنك مبتئس )
وفي بعض النسخ : يعلم بحمل إذا على إن كان فإن فهمت ،
وفي نسخة : عرفت ، أي إن فهمت ما قلت لك فاعلم بأنك في وقوفك خلف الحجاب أو طالب أمر سواه فقير مفلس .

( لو كان يطلب غير ذا  ....   لرآه فيه وما نكس )
أي لو طلب موسى غير النار لرأى الله في صورته ، يعنى لما بلغ غاية جهده وطاقته في الطلب تجلى له الحق في صورة مطلوبه الجسماني الضروري .
وأنت أيضا لو لم تتعلق همتك بغير الحق وغلبت محبتك إياه على محبة الكل عليك لرأيته في صورة ما أهمك .
ولو طلبت غيره وأجلته فأنت محجوب عن الحق بمطلوبك ، فطوبى لمن لم يتعلق بقلبه غير حب مولاه ، ولا يطلب في قصد طول عمره إلا إياه .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي ، فليعرف العالم ) لأن العالم صورته ، فإذا عرفت العالم بحقيقته ، عرف النفس الإلهي ونفسك أيضا .
( فإنه من عرف نفسه ، فقد عرف ربه ) لأن نفسه صورة ربه ومظهره ، فمن عرف نفسه معرفة تامة ، عرف ربه الذي ظهر فيه ضرورة .

قال رضي الله عنه :  ( الذي ظهر فيه ، أي ، العالم ظهر في النفس الرحماني الذي نفس الله تعالى به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها بظهور آثارها . فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه .)
قوله : ( الذي ظهر فيه ) صفة ( للعالم ) وإن كان صالحا أن يكون صفة للرب ، لذلك فسر بقوله : ( أي ، العالم ظهر في النفس الرحماني ) فالحديث اعتراض بين الصفة والموصوف ودليل للحكم .

والمقصود ، أن أعيان العالم هي التي ظهرت على النفس الرحماني ، وبظهورها نفس الله تعالى عن الكرب الذي كان يجده في نفسه ، لأن الأسماء التي هي النسب كانت طالبة لظهورها وأحكامها ، والأعيان الثابتة كانت طالبة لكمالاتها ، فكانت كرب الرحمان ، فبظهورها وظهور آثارها زال ذلك الكرب ، فامتن الله بنفسه على نفسه بما أظهره في نفسه من صور أعيان الموجودات .
ولما كان التنفيس للحق من حيث الأسماء ، لا من حيث الذات الغنية عن العالمين .
قال رضي الله عنه: ( نفس الله ) من الأسماء . و(ما) في (ما تجده) بمعنى (الذي) ،وضمير الفاعل عائد إلى (الأسماء) .
( فأول أثر كان للنفس الرحماني ، إنما كان في ذلك الجناب ، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجدا . ) .
أي ، فأول أثر حصل من النفس الرحماني ، كان في الجناب الإلهي ، أي ، أول ما نفس من الاسم ( الله ) ، ثم من باقي الأسماء الكلية ، ك‍ ( الرحمان ) و ( الرحيم ) ، ثم من الأسماء التالية لها إلى أن نفس من الأسماء الجزئية التي يقتضى أعيان الموجودات الشخصية وتوابعها من الجزئيات المضافة إليها والتابعة لها .

وفيه إشارة إلى ما مر في المقدمات من أن أول ما تعين من الأعيان والمهيات في العلم ، عين الإنسان الكامل التي هي المظهر للإسم ( الله ) ، ولكونها جامعا للأسماء له أشد الكرب ، فوجب أن يكون أول التنفيس من جنابه ، ثم من غيره من الحضرات .

(فالكل في عين النفس ...... كالضوء في ذات الغلس )
( الغلس ) ظلمة آخر الليل . إنما شبه حصول جميع الأعيان الموجودة والأكوان الظاهرة والآثار الصادرة منها في عين النفس الرحماني بالضوء الحاصل في ظلمة الليل.
إشارة إلى قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق الخلق في ظلمة ، ثم رش عليهم من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور ، اهتدى ، ومن أخطأ ، ضل وغوى " .

وفي هذا التشبيه إيماء أيضا إلى كون العالم بأسره أعراضا ، فإن الضوء عرض والنفس عرض ، لأنه عبارة عن انبساط التجلي الوجودي وامتداده وظهوره ، ومعروضه حقيقة الوجود الحقيقي الذي هو الحق المطلق .

(والعلم بالبرهان في   .....   سلخ النهار لمن نعس )
( النعاس ) النوم . ( سلخ ) النهار آخره . أي ، إدراك هذه المعاني إنما هو بالكشف العياني ، لا بالدليل البرهاني ، فمن وجده كشفا وعيانا ، فقد أصاب ، لأنه أدرك الأمر على ما هو عليه ، ومن حصله بالنظر والبرهان من وراء ستور الحجب مع أن شمس الحقيقة طالعة ويوم الكشف الإلهي قد لاح صباحه بوجود العين المحمدي في هذه النشأة الدنياوية وبقى على حجابه إلى سلخ هذا اليوم الذي مقداره ألف سنة ، فهو ناعس في نوم الغفلة .
كما قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( الناس نيام ، فإذا ماتوا ، انتبهوا ) .
( فيرى الذي قد قلته  ......  رؤيا تدل على النفس )
أي ، الناعس المحجوب يرى ما قررته وأشرت إليه من النفس الرحماني وآثاره بنظر عقله ، كما يرى النائم رؤيا تعبيره وجود النفس المذكور .
وإنما شبهه بالرؤيا التي يجب التعبير عنها ، لأن الرائي صورة ما في نومه ، يدرك نفسه معنى ما من وراء حجابية تلك الصورة المتجسدة ، وقد يعلم حقيقة ما يراه وقد لا يعلم ، وكذلك صاحب النظر يحكم بعقله على ما يجد من وراء الحجاب ، وقد يكون على يقين من ربه ، وقد لا يكون .

( فيريحه من كل غم  .....   في تلاوته  عبس )
أي ، فيريحه العلم الحاصل بالبرهان عن كل غم وعبوس كان يجده حال عدم إدراكه وحين جهله . فكأنه كان تاليا ( عبس وتولى ) بلسان الحال ، إذ كانت نفسه في عبوس الفكر وضيق الجهل ، ثم زال ذلك عنه بالبرهان الذي حصل له لا بالقال .

( ولقد تجلى للذي  ......  قد جاء في طلب القبس )
أي ، العالم بالبرهان لو اجتهد وطلب من روحه القدسي نورا يرى به الأشياء كما هي ، يحصل له ذلك . كما حصل لمن سافر في ظلمة ليل طبيعته ، وطلب من قواه الروحانية نارا ينور بها بيت قلبه واجتهد في ذلك صادقا وتوجه إلى ربه ، فكشف له الحق وتجلى ، فعلم يقينا مطلوبه .

(فرآه نارا وهو نور   ......    في الملوك وفي العسس)
أي ، أراه نارا ، وهو في الحقيقة نور إلهي متجل به للكمل والأقطاب الذين هم ملوك الطريقة وسلاطين الولاية ، وعلى المتوسطين في السلوك ، الذين لا وصول لهم إلى عين الكمال الحقيقي بحسب مقاماتهم ودرجاتهم في العالم المثالي المطلق والخيال المقيد .
وإنما أطلق عليهم ( العسس ) ، لأنه له السلطنة في ظلمة الليل ، كما لهم التصرف في الوجود مع عدم الوصول إلى مقام الجمع الإلهي .

( فإذا فهمت مقالتي  ......   تعلم بأنك مبتئس )
( المبتئس ) الفقير . و ( إذا ) بمعنى ( إن ) . أي ، إن علمت ، يا عالم بالبرهان ، مقالتي في النفس الرحماني ولوازمه المدركة بالكشف ، تعلم بأنك مبتئس فقير مفلس ، فلا تدعى أنك عالم بالحقائق ، كما لا يليق بالمفلس أن يدعى الغنى ، حتى لا يكون كمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه : ( المتشبع بما لا يملك كلابس ثوبي زور ) . وفي بعض النسخ : ( فاعلم فإذا بمعناه ) .
وقد يجزم ب‍ ( إذا ) في الشعر ضرورة ، كقول الشاعر :
(وإذا تصبك من الحوادث نكبة فاصبر ، فكل غيابة فستنجلي) فيكون ( تعلم ) مجزوما للضرورة .
(  لو كان يطلب غير ذا  ......   لرآه فيه ومانكس )
أي ، لو طلب موسى ، عليه السلام ، غير النار ، لرأى الحق في صورة مطلوبه كان ما كان ، وما نكس الحق وجهه عن المطلوب الحقيقي لقوة صدقه في الطلب وكثرة توجهه إلى الحق ، فلو طلب ما طلب ، لظهر له الحق فيه وما قلب وجهه عن حضرته . فطوبى لمن لا يتوجه إلا إليه ، ولا يضع رأسه إلا بين يديه .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنّه « من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربّه » الّذي ظهر فيه أي العالم ظهر في نفس الرّحمن الّذي نفّس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده من عدم ظهور آثارها ، فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر للنّفس الرحماني إنّما كان في ذلك الجناب ثمّ لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد).

قال رضي الله عنه :  ( فإنه « من عرف نفسه ؛ فقد عرف ربه » الذي ظهر نفسه فيه ) ؛ لأنه إنما يعرف الحق من حيث ما فيه مما يناسب صفاته من الحياة ، والعلم ، والإرداة ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، فيظهر له أن هذه الصفات موجودة في ربه ، فيعرف بذلك ربه والعالم مع النفس الرحماني ( كذلك ) ، أي : العالم ظهر في ( النفس الرحماني ) بعد كمونة في أسماء الحق كونا موجبا فيها ما يشبه الكرب ، فأزاله الحق عنها بهذا النفس ( الذي نفس اللّه به عن الأسماء الإلهية ) ( ما ) كانت ( تجده ) مما يشبه الكرب الحاصل لها ( عن عدم ظهور آثارها ) ، فنفس عنها ( بظهور آثارها ) التي هي الصورة الروحانية والجسمانية
 .
ثم أشار إلى فائدة هذه المعرفة بأنها مزيلة لأنواع الكرب كلها ، فقال : ( فامتن على نفسه ) أي : ذاته باعتبار أسمائه التي كانت هذه الذات غالبة عليها قبل ظهور هذه الآثار بما ( أوجده في نفسه ) من آثار أسمائه بأن جعل النفس محل ظهور هذه الآثار الموجب كونها ما يشبه الكرب في الأسماء بل في الذات باعتبار عينيتها .

قال رضي الله عنه :  ( فأول أثر كان للنفس الرحماني ) بإزالة الغموم ، ( إنما كان في ذلك الجناب ) ، وإن جل عن قبول الآثار ؛ لتنزهه عن أن يكون محلا للحوادث ، لكن هذا يشبه الأثر بإزالة ما يشبه الكرب الذي في الأسماء ، باعتبار نسبتها إلى هذه الآثار ، فكأنه كان هذا الكرب في الأسماء ، وهي كأنها عين الذات حينئذ ، فكأنه كان الكرب هناك فأزيل عنها .

قال رضي الله عنه :  ( ثم لم يزل الأمر ) أي : أمر النفس الإلهي ( ينزل ) إلى سائر المراتب بتنفيس ( الغموم إلى آخر ما وجد ) ؛ فمنه تأثير نفخ عيسى عليه السّلام من حيث مظهريته لذلك النفس في إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، ومنه بقيات أهل الدعوات والرقى ، ومنه نفس الإنسان المنفس له عما يجد من الحرارة الروحانية في باطنه بإخراجه ، وإدخال الهواء البارد من الخارج ، وإذا كان ظهور
(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس)
( الكل في النفس كضوء ) الكواكب ، وغيرها الظاهر ( في ) الهواء ( ذات الغلس ) ، وهو ظلمة آخر الليل تظهر فيه عدم قيامها به ، وهذا الأمر واضح لأهل الكشف .

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
( والعلم ) بهذا الظهور ، مع عدم قيام الظاهر بالمظهر ( بالبرهان ) ، مع كون هذا المعلوم في الموضوح ( في سلخ النهار ) لدى أهل الكشف إنما يحتاج إليه ( لمن نعس ) أي :
نام ، فإنه لا يرى شيئا في سلخ النهار ؛ فإذا برهن لتمثله

(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
( فيرى الذي قد قلته رؤيا تدل على النفس ) دلالة صور المنام على ما تعبر هي به .
لكن هذه الرؤيا البرهانية إذا رآها

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
( فيريحه عن كل كرب ) كان يجده في الشدائد ، فيراها من حيث كونها من صور النفس المنفس لها بنفسه من وجه آخر ، فتزول عنه عبوسته التي يقال فيها لأجله : إنه ( في تلاوته عبس ) .
ثم أشار إلى ذلك البرهان ، وهو القياس على ظهور النار لموسى عليه السّلام في جناب الحق مع أنه ليس محلا لصور الحوادث ، بل إنها رؤيت فيه ؛ فهي محررة كصورة الشخص في المرآة ،

(ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
( ولقد تجلى ) أي : الحق بلا خلاف ( الذي ) ( قد جاء في طلب القبس ) ، وهو موسى عليه السّلام ،

(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
(فرآه ) أي : الحق (نارا) بظهور صورة النار فيه ، (وهو نور) ليس بمحل الصورة شيء ، وهذا المعنى معروف (في الملوك) أهل الكشف ، (وفي العسس) علماء الظاهر .

(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس  )
( فإذا فهمت مقالتي ) ، وعرفت أن الصورة الظاهرة في الحق غير حالة فيه ، بل هي كصور الشخص في المرآة ( تعلم بأنك مبتئس ) فقير ، وإن ظهرت في الحق أو ظهر فيك الحق ، بل غايته أنه قائم بخيال الرأي بتبدل هذه الصور بحسب ذلك حتى أنه :

(لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
( لو كان ) موسى عليه السّلام ( يطلب غيرنا ) لقبس ( لرآه ) أي : ذلك غير الحق ( فيه ) ، أي : فالحق صورته ، ( وما نكس ) عن الحق عن عدم رؤية المطلوب ، فهو إنما رأى النار لكونها صورة مطلوبة ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .
ولما فرغ رضي الله عنه عن بيان ما يتعلق بالنفس الإلهي من حيث ظهور الآثار رؤية ، وإن كان بعضها صورا للأسماء الإلهية ، لكن من حيث هي آثاره ؛ شرع في بيانه من حيث هو صورته :

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم ، فإنّه « من عرف نفسه عرف ربه » الذي ظهر فيه ) أي في ربّه ، فإنّ العالم ظاهر والربّ مظهره  .

قال رضي الله عنه :  ( أي العالم ظهر في النفس الرحماني الذي نفّس الله به عن الأسماء الإلهيّة ما تجده ) من الكرب ( من عدم ظهور آثارها ) بظهور أثرها ، ( فامتنّ على نفسه بما أوجده في نفسه ، فأوّل أثر كان للنفس إنّما كان في ذلك الجناب ) بظهور آثار الأسماء الإلهيّة بأعيانها الثابتة
(ثمّ لم يزل الأمر يتنزّل بتنفيس الغموم إلى آخر ما وجد ) وهو الإنسان بمراتبه من مدارج الإيقان ثم أخذ في تفصيله نظما بقوله :
(  الكلّ  في عين النفس   .....  كالضوء في ذات الغلس )
أي ظهور حروف الحقائق الكيانيّة في عين النفس الرحماني كظهور الضوء في مطلع تباشير إصباح الإظهار عند انغمار أشعّة الأضواء المظهرة للأكوان العدميّة المتكثّرة في ظلمة الوحدة الإطلاقيّة الذاتيّة ، فإن « الغلس » هو ظلمة آخر الليل ، وهذا أوّل نهار الإظهار .

كما أنّ العلم بالبرهان في آخر نهاره ، وذلك لأنّه إنّما يتحقّق في اللطيفة الإنسانيّة التي هي آخر أجزاء ذلك النهار ، ونهاية مراتب ظهوره عند إعراضها عن هذه التماثيل الموهمة ومشاعرها المشوّشة ، ذاهلا عن الموادّ الهيولانيّة ، ناعسا عن قواها فإنّ النفس الإنسانيّة حينئذ لا بدّ وأن ترى عند توجّهها إلى مبدئها الفيّاض بالذّات رؤيا تدلّ على ذلك النفس الجامع للكلّ ، وهي المرتبة المسمّاة عندهم بالعقل المستفاد . وإليه أشار بقوله :
( والعلم بالبرهان في   .....  سلخ النهار لمن نعس )
( فيرى الذي قد قلته   ......  رؤيا تدلّ على النفس )

فعلم أنّ البرهان من امّهات صور النفس الرحماني ، فإنّه عليه يترتّب الإيقان المنفّس له عن هموم الظنون والشكوك والجهالات المضلَّة كما قال .
( فيريحه من كل غمّ   ....  في تلاوته عبس )
وذلك لأنّ من توجّه تلقاء حضرة الجواد لا يمكن أن يخيب منه الآمال ، ومن استوهب المواهب من الوهّاب بالذات لا بدّ وأن يرجع مقضيّ الحوائج على كلّ حال أما رأيت موسى عليه السّلام لما جدّ في طلب القبس قد ظهر له في صورة مطلوبه الناري معاينا له ، مع أنّه نور لملوك نهار الكشف وعسس ليالي البرهان وغياهب الحجاب كما أشار إليه بقوله :
( ولقد تجلَّى للذي   .....   قد جاء في طلب القبس )
( فرآه نارا - وهو نور  ..... في الملوك وفي العسس )
وإذا فهمت هذه المقالة علمت أنّ الطالب لا بدّ له من إظهار الاحتياج والافتقار ، متشمّرا أذيال التوجّه في مواقف الاستكانة والاضطرار ، فإنّه عليه السّلام لما استجمع فيه شروط الطلب ، لو كان يطلب غير النار لرآه فيه ، وما خاب من سعيه وطلبه كما قال :
( وإذا فهمت مقالتي   .....   تفهم بأنك مبتئس )   أي فقير
( لو كان يطلب غير ذا  ..... لرآه فيه وما نكس )

ما حكاه القرآن من محاورة عيسى عليه السّلام في القيامة
ثمّ إنّه لما بيّن أن شخص الأب الأولى - المعبّر عنه بآدم - له الختم بحسب الوجود من حيث استيعابه أحكام الكثرة الأسمائيّة ، وأحديّة الجمع الذاتيّة ، أخذ يبيّن أنّ الكلمة العيسويّة لها تلك المرتبة بحسب الشهود.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها.
فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد.
فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس
والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس
فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس
فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»
ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس
فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس
فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس
لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس    (

قال رضي الله عنه :  ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذي ظهر فيه: أي العالم ظهر في نفس الرحمن الذي نفس الله به عن الأسماء الإلهية ما تجده من عدم ظهور آثارها. فامتن على نفسه بما أوجده في نفسه، فأول أثر كان للنفس إنما كان في ذلك الجناب، ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد. )

وإذا كان العالم صورة النفس الإلهي ( فمن أراد أن يعرف النفس الإلهي فليعرف العالم فإنه من عرف نفسه ( التي هي العالم الصغير ( عرف ربه الذي ظهر ) نفسه ( فيه ) ، أي ربه فإن العالم باعتبار ظاهر والرب مظهر وهو باعتبار مراتبه الرب للمربوب ، ولما كان هذا الكلام محتملا لاعتبار مظهرية العالم وظاهر الرب دفعه.
 بقوله : ( أي العالم ظهر في النفس الرحماني).

وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه في نفس الرحمن ( الذي نفس اللّه تعالى به عن الأسماء الإلهية الإلهية ما تجده ) ، أي الكرب الذي تجده الأسماء ( من عدم ظهور آثارها ) وذلك التنفس إنما لا يكون إلا بظهور آثارها .
قال رضي الله عنه :  ( فامتن ) اللّه تعالى ( على نفسه ) فسكون الفاء حين أزال كربه وكرب أسمائه ( بما أوجد في نفسه ) بفتح الفاء من صور أعيان الموجودات التي هي مظاهر الأسماء وآثارها .
قال رضي الله عنه :  ( فأول أثر كان للنفس الرحماني ) وهو التنفيس عن الكروب ( إنما كان في ذلك الجناب ) ، أي في الجناب الإلهي ( ثم لم يزل الأمر ينزل بتنفيس العموم إلى آخر ما وجد ) وهو الإنسان مما يحصل به من التنفيس أكثر مما يحصل بغيره ولكن لا يتناهى ذلك التنفيس . والتنفيس أبد الآباد لعدم انتهاء تجلياته سبحانه دنيا وآخرة .

(فالكل في عين النفس ... كالضوء في ذات الغلس)
( فالكل ) ، أي الحقائق كلها ( في عين النّفس ) الإلهي ( كالضوء في ذات الغلس ) ، وهو ظلمة آخر الليل والمقصود تشبيه المجموع المركب من الحقائق والنفس بالمجموع الممتزج من الضوء والغلس ووجه الشبه هو أن الضوء بدون الغلس نور صرف لا يمكن إدراكه .
وكذلك الظلمة المحضة لا تدرك والممتزج منها وهو الضياء يتعلق به الإدراك ، وكذلك النفس من غير تقيده بالحقائق لا تدرك لصرافة نوريته والحقائق من غير تلبسها بالنفس لا تدرك
لكونها من هذه الحيثية ظلمة محضة ، والمجموع المركب منهما يتعلق به الإدراك ، فظهر من هذا التقرير أنه ليس المراد من هذا الكلام تشبيه الحقائق بالضوء والنفس بالغلس ليرد أن تشبيه الحقائق بالغلس وتشبيه النفس بالضوء أظهر وإن أمكن أن يتكلف للأول أيضا وجه.

(والعلم بالبرهان في ... سلخ النهار لمن نعس)
( والعلم بالبرهان ) الكشفي بأن يكون المعلوم هو البرهان ويحتمل أن يكون معناه والعلم بما ادعيناه من أن الكل في عين النفس ، التنبيه حاصل بسبب البرهان الكشفي عليه ( في . . سلخ النهار ) ، أي في آخر نهار الظهور وهو مرتبة الإنسان لما ورد في الحديث : من أن آدم خلق في آخر ساعة من يوم الجمعة .
ولكن العلم بذلك البرهان ليس حاصلا لكل إنسان بل ( لمن نعس ) ، أي عطل حواسه الجزئية عن التوجه بمتعلقاتها المتعددة المتكثرة المانعة عن مشاهدة الوحدة وصار أحدي الهم والهمة في التوجه إلى الحق المطلق .

(فيرى الذي قد قلته ... رؤيا تدل على النفس)
( فترى الذي قد قلته ) وهو من نعس فاسم الموصول فاعل يرى ومفعوله ( رؤيا تدل على النفس ) ، أي يرى الناعس عن المحسوسات رؤيا تدله على النفس عن كرب الاحتجاب بها وهذه الرؤيا إنما هي مشاهدة سريان نفس الرحمن في الحقائق كلها وإنما سماها رؤيا لأنها مرتبة في حال النعاس وإن لم يحتج إلى التعبير أو لإمكان أن تكون تلك المشاهدة في صورة مثالية تحتاج إلى التعبير .

(فيريحه من كل غم ... في تلاوته «عبس»)
( فيريحه ) ، أي يريح العلم بالبرهان الناعس ( من كل غم ) كائن ( في ) وقت ( تلاوته ) سورة ( عبس ) والمراد بتلاوته إياها تحققه بالعبوس المفهوم منها ، ثم استشهد على ما ذكر بقصة موسى عليه السلام .
 (ولقد تجلى للذي ... قد جاء في طلب القبس)
( ولقد تجلى ) الحق سبحانه ( للذي قد جاء في طلب القبس ) التجلي الصوري المثالي

(فرآه نارا وهو نور ... في الملوك و في العسس)
( فرآه نارا في صورة ) مطلق به حال كونه مستعجمعا شرائط التجلي من التوجه التام إلى الحق سبحانه والانقطاع عما سواه ( وهو ) في الحقيقة ( نور ) سار ( في الملوك ) ، أي الكمل الذين هم سلاطين نهار الكشف ( في العسر ) ، أي السالكين السائرين في أمالي ظلمة الاحتجاب .

(فإذا فهمت مقالتي ... تعلم بأنك مبتئس  )
( فإذا فهمت ) مضمون ( مقالتي ) هذه وهو أن التجلي في صورة ما يطلبه العبد المتجلى له إنما يقع إذا كان مستجمعا لشرائط التجلي ( تعلم ) أنك في حال الحجاب ( بأنك مبتئس ) فقير فاقد للتجلي لفقدان شرائطه ، وإنما تجلى الحق سبحانه لطلب القبس في صورة لأنه كان أحدي الهم والهمة في طلبها ، فوقع التجلي في صورتها ليكون أوقع في نفسه .

( لو كان يطلب غير ذا ... لرآه فيه وما نكس)
ولهذا ( لو كان يطلب غير ذا ) القبس ( ليراه ) ، أي الحق المتجلي ( فيه ) ، أي في غير القبس لا في القبس ( وما نكس ) رأسه خجلا من عدم فوزه بذلك التجلي .

  .
السفر الخامس عشر الفقرة الثامنة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله
واتساب

No comments:

Post a Comment