Wednesday, November 20, 2019

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زاده على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زاده على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زاده على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي



شرح الشيخ مصطفى بالي زاده الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ولما كان العزيز عليه السلام بعينه الثابتة واستعداده الأصلي طالبا للمعرفة بسرّ القدر بقوله :" أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها"  [البقرة : 159 ] اختصت كلمته بالحكمة القدرية .
ولما تقدم القضاء على القدر بالذات قدمه عليه بالوضع .
فقال رضي الله عنه : ( اعلم أن القضاء حكم اللّه في الأشياء ) القضاء في اصطلاح الطائفة هو الحكم أي الإلهي في الموجودات كلها على ما هي عليها من الأحوال ( وحكم اللّه في الأشياء ) كان ( على حد ) أي على حسب ( علمه بها ) أي بالأشياء ( و ) على حد علمه ( فيها ) فقوله بها إشارة إلى إحاطة علمه تعالى بظواهر الأشياء وقوله : فيها إشارة إلى إحاطته ببواطن الأشياء ( وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها ) فقد استغنى بفي الأشياء عن ذكره بالأشياء لأن من علم باطن الأشياء فبالحريّ أن يعلم ظاهرها .
قال رضي الله عنه :  ( والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها ) أي القدر إيجاد الأشياء في أوقاتها بحسب اقتضاء عينها الثابتة ووقوعها في ذلك الوقت ( من غير مزيد ) ونقص عن اقتضاء استعدادها ( فما حكم القضاء ) أي القاضي وهو الحق تعالى ( على الأشياء ) بالكفر والعصيان ( إلا بها ) أي بما هي عليها في عينها فما قدر الكفر للعبيد إلا باقتضاء عينهم الثابتة فلا جبر أصلا من اللّه لا صرفا ولا متوسطا وإنما يلزم ذلك أن لو قدر من عند نفسه من غير اقتضاء عين العبد فهذا البيان رفع توهم الجبر عن أهل الحجاب الذين لم ينكشف لهم أصل المسألة .
( وهذا ) أي كون حكم اللّه على الأشياء بحسب ما هي عليها في حد ذاتها ( هو عين سرّ القدر ) الذي يظهر (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ولا يظهر لغير هذين الطائفتين فلا حظ لأهل النظر من المتكلمين والحكماء من مسألة سرّ القدر ولا يصل إليه أحد بنظر العقل أبدا( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) أي الكاملة التامة يعني إذا كان تقدير الحق أحوال العباد وأفعاله بحسب اقتضاء عينهم الثابتة كان للَّه الحجة التامة على خلقه لا للخلق عليه إذا قيل لم قدر على فلان الإيمان وعلى فلان الكفر أو لم قدر بعض الأشياء على صورة قبيحة وبعضها على الصورة الحسنة وإذا كان للَّه الحجة البالغة على خلقه لا للخلق على اللّه .

قال رضي الله عنه :  ( فالحاكم ) وهو الحق تعالى ( في التحقيق تابع ) في حكمه ( لعين المسألة ) وهي عبارة عن المحكوم عليه وبه والحكم ( التي يحكم ) الحق في القضاء والقدر ( فيها ) أي في تلك المسألة ( بما ) أي بحسب ما ( تقتضيه ذاتها ) أي ذات المسألة والمراد بعين المسألة الأعيان الثابتة في العلم ( فالمحكوم عليه بما ) أي بالذي ( هو ) وجد ( فيه ) أي في المحكوم عليه ( حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ) فحكم العبد المؤمن على الحق بقوله :
فاحكم عليّ بالإيمان فحكم اللّه به إجابة لدعوة العبد فإنه يجب دعوة الداعي إذا دعي وكذاك في الشقاء ( فكل حاكم محكوم عليه بما ) أي بالذي ( حكم به ) ( و ) بما حكم ( فيه كان الحاكم من كان ) ربا أو عبدا فكان كل واحد من الرب والعبد حاكما ومحكوما عليه لكن حكم العبد على الحق بما فيه سابق على حكم الحق على العبد به .
لذلك كانت الحجة البالغة للَّه على العبد لا للعبد على اللّه واعلم أن العبد في الحكم على الحق على وجهين إخبار وهو حكمة عليه بصفاته وأفعاله الصادرة منه تعالى .
وإنشاء كقوله : رب اغفر لي ولا يقال عند أهل الشرع العبد حكم على الحق وأمره مع وجود المعنى الأصلي للحكم والأمر هاهنا .
بل يقال في الأول العبد مسبح أو منزه
وفي الثاني طالب من اللّه المغفرة احترازا عن سوء الأدب فإن الحكم والأمر من العبد.
بقوله : حكمت على الحق أو أمرته أو منك بقولك حكم العبد على الحق وأمره يوهم الجرأة على اللّه تعالى .
وكذا عند أهل الحقيقة في دائرة الشرع إذ ليس لهم لسان واصطلاح غير لسان أهل الشرع واصطلاحه .
وأما في مرتبة الحقيقة ، فقالوا : إن الأعيان الثابتة حاكمة على الحق وآمرة بلسان الاستعداد بيانا لوجود معنى الحكم والأمر في الأعيان فهم لم يقولوا : إن العبد حاكم على الحق باللسان الصوري كما أنهم لم يقولوا كذلك .
والأمر كما قلنا فإن أهل الشرع يتعلق غرضه بلسان الظاهر لسان الصوري الجسماني .
وأهل الحقيقة يتعلق غرضه بلسان الباطن المعنوي الاستعدادي لسان الأعيان الثابتة في العلم .
فإذا لم يتعلق غرض الشرع بالأعيان الثابتة ولسانها نفيا وإثباتا لم تقع المخالفة بينهما إذ المخالفة إنما تكون بين القولين لا بين السكوت .
والقول فهم ما قالوا خلاف ما ثبت عند الشرع حتى يلزم المخالفة ويرتكب التأويل بل قالوا : ما سكت عنه الشرع .
فأهل اللّه أظهر والمعاني اللطيفة من معاني القرآن أو الأحاديث التي لم يبين أهل الشرع هذه المعاني لعدم اطلاعه بانتفاء شروطه وأسبابه .
فلا يلزم من عدم وجود ما قاله أهل اللّه في الشرع أن يكون ذلك مخالفا للشرع ، وهذا إن فهمت يطلعك الموافقة بين العلوم الإلهية والشرعية فتحقق قولنا فإن الموافقة بين العلمين ما جهلت إلا لشدة الظهور يدل عليه ( فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جعل إلا لشدة ظهوره ) لا لشدة الخفاء فإن الصورة المشاهدة في الحس هي صور القدر .

فكما أن شدة الخفاء لغاية بعدها عن إدراك البصائر سبب للجهل كذلك شدة الظهور لغاية قربها وانحرافها عن الحدّ الأوسط سبب للجهل كالمرآة القريبة من الرائي لم يظهر له صورة فيها لشدة قربها منه .
بل نقول مسائل العلوم الإلهية كلها ما جهلت إلا لشدة ظهورها ( فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح ) فقال إبراهيم عليه السلام "أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى"[ البقرة : 260 ] .
وقال العزيز عليه السلام :"أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها"[ البقرة : 159 ] .
فهذا السؤال من عدم علمهم بسرّ القدر فإن السؤال يطلب حصول ما لم يحصل .
قال رضي الله عنه :  ( واعلم أن الرسل صلوات اللّه عليهم أجمعين من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء ) .
وقوله : ( وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم ) تفسير لقوله لا من حيث هم أولياء لأن كونهم أولياء لا يكون إلا كذلك فمن حيث كونهم رسلا ( فما ) أي فليس ( عندهم ) من اللّه ( من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما يحتاج إليه أمة ذلك الرسول عليه السلام لا زائد ولا ناقص ). أي لا يكون ذلك العلم زائدا على قدر احتياج تلك الأمة ولا ناقصا عنه ( والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض ) في الكمال وإذا كانت متفاضلة ( فتفاضل الرسل في علم الإرسال ) يزيد بعضها على بعض ( بتفاضل أممها وهو ) أي تفاضل الرسل بتفاضل الأمم معنى ( قوله تعالى "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ"[ البقرة : 253 ] ) أي فضلنا بعضهم على بعض في علم الإرسال بتفاضل الأمم .
قال رضي الله عنه :  ( كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام من العلوم والأحكام متفاضلون بحسب استعداداتهم ) فهم كانوا ذوي تفاضلين بحسب ذواتهم وبحسب تفاضل أممهم ( وهو ) أي التفاضل بحسب الاستعداد معنى ( قوله تعالى :وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) في العلوم الراجعة بالكثرة والقلة إلى ذواتهم .
قال رضي الله عنه :  ( وقال اللّه تعالى في حق الخلق وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) في الأزل ( في الرزق والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم وحسي كالأغذية ) ثم ينزله على الخلق في الشهادة بأوقاتها ( وما ينزله ) أي وما ينزل ( الحق ) الرزق على الخلق روحانيا كان أو حسيا ( إلا بقدر معلوم ) للحق من استعداد الخلق في وقت .
( وهو ) أي القدر المعلوم ( الاستحقاق الذي يطلبه ) أي يطلب ( الخلق ) ذلك الاستحقاق من اللّه وإنما يطلب الخلق ذلك الاستحقاق من اللّه ( فإن اللّه تعالى أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) مقتضى ( خَلْقَهُ ) في الأزل دفعة واحدة من الرزق المعنوي والصوري .
( فينزل بِقَدَرٍ ما يَشاءُ وما يشاء إلا ما علم فحكم به وما علم توقيت إلا بما أعطاه المعلوم من نفسه ) معناه ظاهر ( فالتوقيت ) أي توقيت ما عليه الأشياء ( في الأصل للمعلوم ) أي من اقتضاء ذات المعلوم فإنه طالب من اللّه ذلك التوقيت باستعداده ( والقضاء والعلم والإرادة والمشية ) كلها ( تبع للقدر ) أي للتوقيت أي يتعلق كلها للأشياء بحسب الأوقات والأزمان التي اقتضت ذات المعلوم ( فسّر القدر ) أي فعلم سرّ القدر (من أجل المعلوم ما يفهمه اللّه تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به ) .

لعلمه إن كل الرزق الصوري والمعنوي الذي اقتضت ذاته وطلبته لا بد أن يصل إليه فيحصل الاطمئنان فيستريح عن الطلب به ( ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النقيضين ) لعلمه أن ما يلائم غرضه من مقتضى ذاته كالفقر وسوء المزاج وغير ذلك لا يزول البتة فلا يرى سببا للخلاص فيتألم بالعذاب الأليم وهذا حكم سر القدر في الخلق وأما حكمه في الحق فقد بينه بقوله ( وبه ) أي وبسر القدر أو بعلمه.
قال رضي الله عنه :   ( وصف الحق نفسه بالغضب والرضاء وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) وانقسمت إلى اللطف والقهر من جهة العين لأن العين المؤمنة تقتضي أن يتجلى اللّه بها باللطف والعين الكافرة تقتضي أن يتجلى اللّه لها بالقهر فأظهرت الأعيان اللطف والرضاء والقهر والغضب وإذا كان الأمر كذلك ( فحقيقته ) أي فحقيقة سرّ القدر أو حقيقة العلم بسرّ القدر.
( تحكم ) باللطف والرضاء وبالقهر والغضب ( في الموجود المطلق ) أي في الحق ( و ) تحكم بالسعادة والشقاوة أو بالراحة والألم في ( الموجود المقيد ) أي في الخلق ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) أي من حقيقة سرّ القدر .
( ولا أقوى ) منها ( ولا أعظم لعموم حكمها ) باللطف والقهر ( المتعدي ) أي الحق ( و ) لعموم حكمها بالسعادة والشقاوة ( غير المتعدي ) أي الخلق قال بعض الشراح والمراد بالحكم المتعدي بالأحكام والتأثيرات التي تقع من الأعيان وغير المتعدي ما يقع من مظاهرها فيحتاج إلى حذف الموصوف تقديره الحكم المتعدي ( ولما كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين لا تأخذ ) أي لا يأخذون ( علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ) أي الوحي الخاص بهم لا يأخذ غير الأنبياء عليهم السلام من ذلك الوحي.
قوله : ( فقلوبهم ) جواب لما ودخول الفاء لكونه جملة اسمية ( ساذجة ) خالية من العلوم التي تكسب ( من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه والإخبار أيضا ) كالعقل من حيث نظره الفكري.
قال رضي الله عنه :  ( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ) فيختص بما يسعه العبارة والذوقيات لا تقبل التعبير ( فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما ) أي وفي الذي ( يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار قوله من الأغطية ) بيان لما ( فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ) .
ولا يكفي فيهن نظر العقل والإخبار فبالتجلي الإلهي والكشف يحصل العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه بخلاف النظر العقلي والإخبار فظهر احتياج أرباب العقول إلى أرباب التجلي في العلم ( فلما كان مطلب العزير ) وهو قوله :"أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها".
( على الطريقة الخاصة ) للَّه تعالى يدل عليه قوله بعد فطلب أن لا يكون له قدرة تتعلق بالمقدور.
وقوله : فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا فلا يجوز أن يكون المراد بها طريق الوحي كما جوّزه البعض ( لذلك ) أي لكون مطلب العزير على الطريقة الخاصة للَّه تعالى ( وقع العتب عليه ) جواب لما لذلك يتعلق بوقع ( كما ورد ) ذلك العتب ( في الخبر) وهو لئن لم تنته لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة.

قال رضي الله عنه :  ( ولو طلب ) العزير بهذا المطلب ( الكشف الذي ذكرناه ) الذي طريق الأنبياء والأولياء ( ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك ) الطلب كما كان إبراهيم عليه السلام فإن مطلبه أمر ممكن حصوله للإنسان .
لذلك لم يقع عليه عتب الحق على العزير علم أن ما طلبه من الخصائص الإلهية .
( والدليل على سذاجة قلبه قوله عز وجل في بعض الوجوه :أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها) حيث لم يعلم وقوع العتب عليه بهذا السؤال قوله في بعض الوجوه إشارة إلى اختلاف المفسرين في تفسير هذه الآية.
فإن منهم من قال : قائل هذا الكلام العزير وهو ما اختاره الشيخ وقيل : أرميا وقيل : الخضر وقيل : كان علجا كافرا هذا المعنى الذي ذكر في مطلب العزير وهو وقوع العتب عليه في مطلبه الذي على الطريقة الخاصة على أخذ البعض لا مطلقا يدل عليه قوله : ( وأما عندنا فصورته في قوله هذا ) أي فيأَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها ( كصورة إبراهيم عليه السلام في قوله :أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ويقتضي ذلك ) أي وتقتضي صورة سؤال العزير .
قال رضي الله عنه :  ( الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه ) أي في نفس العزير (في قوله فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فقال له : انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق فأراه الكيفية ) كما أراها إبراهيم عليه السلام فلا فرق في المطلب بالنظر إلى الآية وإنما كانت التفرقة في الطلب بين إبراهيم وعزير عليهما السلام من أمر خارج وهو العتب .
( فسأل ) هذا استئناف لما تقدم من قوله : فلما كان مطلب العزير أي فتعين أن سأله ( عن القدر الذي لا يدركه إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها فما أعطى ) الحق ( ذلك ) السؤال بل ردّه وأعطى ما يمكن في حقه وأنفع في نفسه فأراه الكيفية كما أجاب لمن سأل عن الأهلة فقال : قل هي مواقيت للناس والحج فأعطى الاطلاع على غير الطريقة الخاصة التي طلبها فلا يذوق كيفية الإحياء بل يشاهدها .
قال رضي الله عنه :  ( فإن ذلك ) أي الاطلاع بسرّ القدر ذوقا ( من خصائص الاطلاع الإلهي فمن المحال أن يعلمه ) أي أن يعلم سر القدر ذوقا ( إلا هو ) وإنما لم يعلم سرّ القدر على هذه الطريقة الخاصة إلا اللّه ( فإنها ) أي فإن الأعيان الثابتة .
( المفاتح الأول أعني مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو وقد يطلع اللّه من يشاء من عباده على بعض الأمور من ذلك ) الغيب كما قال تعالى "عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ " كمحمد عليه السلام في انشقاق القمر .
وعيسى عليه السلام في إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص.
قال رضي الله عنه :   ( واعلم أنه لا تسمى ) الأعيان ( مفاتح إلا في حال الفتح وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء وقل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير اللّه في ذلك ) أي في تعلق القدرة بالمقدور .
( فلا يقع فيها ) أي في القدرة ( تجلي ولا كشف ) على طريق الذوق ( إذ لا قدرة ولا فعل إلا للَّه خاصة إذ له الوجود المطلق الذي لا يتقيد ) فلا يقدر من له الوجود المقيد على الإيجاد والإعدام إلا لمن ارتضى من رسول فإنه عناية إلهية سبقت له في حقه.

قال رضي الله عنه :  ( فلما رأينا عتب الحق له عليه السلام في سؤاله في القدر علمنا أنه ) أي العزير ( طلب هذا الاطلاع ) أي الاطلاع المذكور المختص للحق.
( فطلب أن تكون له قدرة تتعلق بالمقدور وما يقتضي ذلك إلا من له الوجود المطلق فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا فإن الكيفيات لا تدرك إلا بالذوق وما رويناه ) ولما حقق معنى الآية وهو لا يدل على المطلب الخاص إلا بقرينة العتب.
 شرع في تحقيق العتب بقوله : ( مما أوحى اللّه به إليه ) يريد أن الانتهاء عن مثل هذا السؤال واجب عليك إما بنهي إلهي وإما بنهي عن نفسك والفرق بينهما إن الإلهي يتعلق بوجود المنهي عنه بمعنى وجد في المحل ثم نهاه اللّه عنه والنهي عن النفس يتعلق بعدمه بمعنى لم يوجد في المحل أصلا فلما سأل نهى اللّه عن السؤال الذي لا يناسب حاله فانتهى عن السؤال مع الندامة فقال : لولا لم أسأل لظنه أن عدم صدوره خير من أن يصدر فبين اللّه أن وجود السؤال منه .
ثم النهي عنه عناية له في حقه بقوله : ( لئن لم تنته ) بنهي إلهي عن السؤال عن الاطلاع الخاص للَّه ( لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة ) كي يحصل الانتهاء منك بنفسك أي لا بد من الانتهاء عن السؤال الذي ليس في استعدادك.
 قوله : ( أي ارفع ) قائم مقام جواب أما تقديره فمعناه ارفع ( عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلي والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك فتنظر في هذا ) أي ( الأمر الذي طلبت فإذا لم تره ) أي الأمر الذي طلبته.
قال رضي الله عنه :  ( تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه و ) تعلم ( أن ذلك ) الأمر ( من خصائص الذات الإلهية وقد علمت أن اللّه تعالى أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ فإذا لم يعطك هذا الاستعداد الخاص فما هو خلقك ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أخبر أنه أعطى كل شيء خلقه فتكون ) على هذا التقدير .
( أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي ) ولم أفعل بك ذلك بل أبقيتك على نبوتك وجعلتك محتاجا إلى نهي إلهي وهذا أعلى مرتبة لك من أن تنتهي من نفسك فإن النبوة لاشتمالها الولاية أعلى مرتبة من الولاية بدونها فلما علم العزير حمد اللّه على عنايته له فزالت ندامته على سؤاله والنهي عنه.
هذا هو الذي انكشف لي في هذا المقام فعلى هذا التحقيق لا عتب على عزير على هذا المطلب بل صح من الأنبياء بمثل هذا السؤال حيث لم يعتب عليه وإن لم تقبل مسألتهم ( وهذا ) أي ما فعله الحق بالعزير ( عناية من اللّه بالعزير عليه السلام ) لا عتب عليه أخبر اللّه بها بقوله : لئن لم تنته لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة .

فدل قوله : لئن لم تنته على أن مطلب العزير على طريقة خاصة ( علم ذلك ) العناية ذكر الإشارة باعتبار التأديب ( من علمه وجهل من جهله ) فلما علم من كلامه أنه لا يعلم سر القدر إلا اللّه أو ممن يطلعه اللّه من الأنبياء والأولياء شرع في بيان الولاية والنبوة ( واعلم أن الولاية ) أي حقيقة الولاية ( وهي الفلك المحيط العام ) الكلي الشامل على النبوة والرسالة.

 قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي ولأجل إحاطتها وعمومها ( لم تنقطع ولها الأنبياء العام وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة ، وفي محمد عليه السلام قد انقطعت فلا نبي بعده مشرّعا ) على صيغة اسم الفاعل أي لا داخلا تحت شريعته .
فإن عيسى عليه السلام نبي يجيء داخلا تحت شريعته ( أو مشرّعا له ) أي داخلا تحت شريعة نبي مشرّع وتابعا لشريعته كأنبياء نبي إسرائيل عليهم السلام فإنهم على شريعة موسى عليه السلام ( ولا رسول ) عطف على فلا نبي عليه السلام ( وهو ) أي والحال أن ذلك الرسول عليه السلام هو ( المشرع وهذا الحديث ) وهو قوله عليه السلام لا نبي بعدي ( قصم ) أي قطع ( ظهور أولياء اللّه ) بالأنباء عن المعارف الإلهية كما ظهر الأنبياء عليهم السلام بها من جهة ولايتهم ( لأنه ) أي لأن هذا الحديث ( يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة ) لأن هذا الذوق لا يكون إلا في الرسول والنبي عليه السلام.

فإذا انقطعت الرسالة والنبوة بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم انقطع هذا الذوق فإذا انقطعت العبودية الكاملة ( فلا ينطلق عليها ) أي على العبودية الكاملة .
( اسمها الخاص بها ) وهو النبوة والرسالة وإنما لم يظهر أولياء اللّه بانقطاع العبودية الكاملة ( فإن العبد ) الوليّ ( يريد أن لا يشارك سيده ) في اتصافه بالاسم الولي لعلمه أن الاتصاف ليس من مقتضى ذاته بل يحصل له عند فنائه في الحق بل يريد أن يظهر بمقتضى ذاته وهو العبادة .
فانقطع عن الظهور بالولاية ( وهو اللّه في اسم ) يتعلق بلا يشارك .
قال رضي الله عنه :  ( واللّه لم يتسم بنبي ولا رسول عليه السلام ويسمى بالولي واتصف بهذا الاسم فقال تعالى : " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا"
وقال تعالى :" وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " وهذا الاسم باق جار على عباد اللّه دنيا وآخرة فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة ) فلم يبق اسم مختص ظهر به العبد بالولاية وهي واجبة الظهور لمصالح العباد في الدين والدنيا إلى انقراض الزمان .
فأظهرها اللّه تعالى لطفا وعناية بعباده بإبقائه لهم النبوة العامة فظهر بها الولاية كما ظهر بالنبوة والرسالة .
وإليه أشار بقوله : ( إلا أن اللّه لطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها ) وهي الأنباء أي الأخبار عن المعارف الإلهية فالأولياء وارثون بواطنهم أي جهة ولايتهم يظهرون أحكام ولايتهم من المعارف والحقائق الإلهية يرشدون الأمة إلى اللّه ويفيضون عليهم المعارف الإلهية بقدر نصيبهم منها فإبقاء النبوة العامة ليس إلا لظهور الولاية الخاصة للنبوة عن الأولياء وارثة.
قال رضي الله عنه :   ( وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال العلماء ورثة الأنبياء وما ثمة ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه ) أي فشرعوا ما اجتهدوا من الأحكام الشرعية فالأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين وارثون ظواهرهم أي نبوتهم الخاصة بهم لا يرثون ولايتهم الخاصة كما لا يرث ظواهرهم من يرث بواطنهم فلا يجتمع الوراثتان في شخص واحد ولذلك لا يصح نصب المفتي من الأولياء الوارثين لعدم اجتهادهم في ثبوت الأحكام الشرعية فالمجتهدون كلهم أولياء بالولاية العامة لا الولاية بالوراثة ولذلك لم يظهروا بالولاية أي بالأنباء عن الحقائق الإلهية بل ظهروا بالإخبار عن الأحكام الاجتهادية فالمراد بإظهار الولاية الولاية بالوراثة لكونه سببا لإرشاد الخلق وانتفاعه.

وأما الولاية للمؤمنين فلا يظهر أبدا عن صاحبها فلا ينتفع عنه غيره كما في الأئمة الأربعة فإن ولايتهم العامة مستورة مخفية بوارثتهم في التشريع في الاجتهاد والمجتهد لا يتكلم بكلام خارج عن التشريع بل كل كلامه داخل تحت التشريع في الاجتهاد.
كما أن الولي الوارث لا يتكلم بكلام داخل تحت التشريع في الاجتهاد بل كل كلامه خارج عن الأحكام الاجتهادية وهو الأنباء عن الحقائق الإلهية والأنبياء لكونهم جامعين بين الولاية والرسالة يتكلمون بكليهما .
قال رضي الله عنه :  ( فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي وعارف ) بالحقائق الإلهية لا من حيث أنه نبي ورسول كنقله عليه السلام الحديث القدسي عن اللّه .
وكقوله : لو دليتم بحبل لهبط على اللّه .
( ولهذا ) أي ولأجل عدم انقطاع الولاية وانقطاع النبوة والرسالة كان ( مقامه من حيث هو عالم ) باللّه وأسمائه وصفاته ( وولي أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع فإذا سمعت أحدا من أهل اللّه يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال : الولاية أعلى من النبوة فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه أو يقول : إن الوليّ فوق النبي والرسول فإنه يعني بذلك في شخص واحد وهو أن الرسول من حيث أنه وليّ أتم منه من حيث هو نبي ورسول لا أن الولي التابع له أعلى منه فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه ) .
أما فيما هو غير تابع له فيه فقد يدركه فيه ( إذ لو أدركه ) فيما هو تابع له فيه ( لم يكن تابعا له فافهم ) فإذا كان الرسول من حيث هو ولي أتم منه في العلم من حيث هو نبي ورسول .
قال رضي الله عنه :  ( فمرجع الرسول والنبيّ المشرّع إلى الولاية والعلم ) باللّه وبأسمائه وصفاته .
واستدل عليه بقوله : ( ألا ترى أن اللّه قد أمره ) أي الرسول ( بطلب الزيادة من العلم لا من غيره ) أي من غير العلم وهو الرسالة والنبوة .
ولم يقل رب زدني رسالة أو نبوة ( فقال له أمرا : "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" وذلك ) أي بيان الأمر بطلب زيادة من العلم لا من غيره .
وهو ( أنك تعلم أن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أعمال مخصوصة ومحلها ) أي محل الأعمال المخصوصة أمرا أو نهيا ( هذه الدار ) فإذا كان محل الرسالة هذه الدار ( فهي ) أي الرسالة ( منقطعة ) كمحلها لكونها صفة بشرية حادثة وكل حادث متناه .
قال رضي الله عنه :  ( والولاية ليست كذلك ) أي لا تنقطع أبدا في الدنيا والآخرة كانقطاع الرسالة ( إذ لو انقطعت لا لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي ) أي من حيث الحقيقة ( وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها ) أي للولاية ( اسم ) لا في حق الحق ولا في عباده .
( والولي اسم باق للَّه ) كما قال في حق يوسف :" أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ " ( فهو ) أي الولي اسم ( لعبيده تحققا ) في إفناء ذاته في ذات الحق ( وتخلقا ) في إفناء صفاته في صفات الحق ( وتعلقا ) في إفناء أفعاله في أفعال الحق فقد ظهر لك من هذا البيان أن الولاية مع الرسالة
أعلى مرتبة منها بدون الرسالة فإذا كانت الولاية مع الرسالة أعلى مرتبة منها بدونها.

قال رضي الله عنه :  ( فقوله للعزير : لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ويزول عنك اسم النبي والرسول قوله : ويبقي له ولايته ) التفات من الخطاب إلى الغيبة قوله فقوله : مبتدأ خبره فيأتيك الأمر أي معناه يأتيك الأمر .
فلما تبين أن هذا الخطاب عنده غاية له شرع في اختلاف القوم فيه بقوله:  ( ألا ) أي غير ( أنه لما دلت قرينة الحال ) أي حال السؤال وهي كونه على الطريقة الخاصة ( إن هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة ) .
وهي حالة السؤال ( مع الخطاب ) وهو قوله : لئن لم تنته ( أنه ) أي الخطاب ( وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب ) أي خصوصيان زائدتان على الولاية في هذه الدار وتنقطعان عنها فيها ويبقي الولاية مجردة عنها .
( فيعلم أنه ) أي النبي والرسول عليه السلام ( أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة ) فعلى تقدير الوعيد .
يكون معناه يا عزير انته عن السؤال عن ماهية القدر التي لا يمكن حصوله لك ولا تسألني مرة أخرى لئن لم تنته لأخذتك بهذه العقوبة وهي الإسقاط عن الدرجة العالية درجة النبوة والرسالة مع الولاية .
فلم يقل سؤاله الذوقي فأراه كيفية الإثبات كما في إبراهيم عليه السلام ( ومن اقترنت عنده حالة أخرى ) وهي أن النبي عليه السلام لكونه وليا عارفا لا يمكن أن يسأل عن اللّه ما لا يمكن حصوله : ( تقتضيها أيضا ) كالحالة الأولى ( مرتبة النبوة يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد وأن سؤاله عليه السلام مقبول ) بالفعل وهو كشف سر القدر بالإماتة .

قال رضي الله عنه :  ( إذ النبي هو الولي الخاص ) المستجاب الدعوة ( ويعرف هذا ) الشخص ( بقرينة الحال أن النبي من حيث له في الولاية هذا الاختصاص ) وهو كونه عارفا بربه وأسمائه.
( محال أن يقدم على ما يعلم أن اللّه يكرهه منه أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة فخرج الوعد وصار ) الخطاب ( خبرا يدل على علوّ مرتبة باقية وهي المرتبة الباقية ) أي مرتبة العزير وهي الولاية .

قال رضي الله عنه :  ( على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست ) تلك الولاية ( بمحل الشرع يكون عليه أحد من خلق اللّه في جنة ولا نار بعد الدخول فيهما ) فعلى هذا التقدير كان معناه يا عزير انته عن السؤال عن ماهية القدر التي ممكنة الحصول لك .
لكن ليس هذا وقته لئن لم تنته في حصوله بغير أوانه لأمحونّ اسمك من ديوان النبوة وهي أدنى مرتبتك أو أبقيتك على ولايتك وهي أعلى مرتبة لك من نبوتك فحينئذ يحصل مرادك فما كان من شأنك في هذا الوقت .
إلا حصول كيفية سرّ القدر لا ذوقه فأراه الكيفية الآن ووعد ذوقه في الآخرة .
فكان هذا الخطاب وعد لحصول مطلوب العزير وهو الذوق بسر القدر .

وخبر يدل على بقاء علوّ مرتبة العزير ، وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل وأما عند الشيخ فبهذا الخطاب عتاب عناية ولطف لا عتاب قهر .
إذ العتاب في حق الأنبياء عليهم السلام اللطف والتأديب لا وعد ولا وعيد.
قال رضي الله عنه :  ( وإنما قيدناه بالدخول في الدارين الجنة والنار لما يشرع يوم القيامة لأصحاب الفترات ) وهم الذين ما بعث في زمانهم نبي مشرّع لهم ولم يصل إليهم شريعة من كان قبلهم ( والأطفال الصغار ) وهم الذين ماتوا قبل أوان التكليف ( والمجانين ) وهم الذين عرض لهم ما ينافي العقل فسقط التكليف معه في الدنيا ( فيحشر هؤلاء في صعيد واحد ) كلهم عقلاء بالغين لأن من لم يكن بالغا لا يستحق المؤاخذة بالجريمة والثواب العملي ( لإقامة العدل )
قوله : ( والمؤاخذة بالجريمة ) في حق أصحاب النار ( والثواب العملي في أصحاب الجنة ) تفسير للعدل .
قال رضي الله عنه :  ( فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل ) أي بمكان بعيد ( عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم وتمثل لهم نار يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم : أنا رسول اللّه إليكم فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم ). وفي الكلام تقديم وتأخير وتقدير الكلام هكذا
 قال رضي الله عنه :  ( فيقول لهم ) : أنا رسول اللّه إليكم ( اقتحموا ) أي ادخلوا ( هذه النار بأنفسكم فمن أطاعني نجا ودخل الجنة ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار ) فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم .
( فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي ووجد تلك النار بردا وسلاما ) وفي الكلام تقديم وتأخير مع التقدير أصل الكلام هكذا روى بنفسه فيها سعد ووجد تلك النار بردا وسلاما فدخل الجنة.
فنال الثواب العملي ، وهو التمتعات بحور العين وغير ذلك من طعوم الجنة التي لا ينال إلا بأسبابه قال رضي الله عنه :  ( ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ) وإنما فعل ذلك ( ليقوم العدل من اللّه في عباده ) إذ لا بد من إقامة العدل فيهم .
فالأطفال والمجانين والمؤمنين كلهم سعدوا ونالوا نتائج أعمالهم لورود النص إن أطفال المؤمنين يشفعون لآبائهم وأمهاتهم فلا يجوّز أحد منهم أن يعصي أمر نبيه .
بخلاف أطفال الكفار ومجانينهم فجاز منهم العصيان والامتثال فعلى هذا لا فضل من اللّه إلا وفيه عدل ولو لم يفعل ذلك لفات العدل وهو يخالف الحكمة .
وإنما أتى بالنار دون غيرها لأن باطنها نور إلهي يناسب النفوس النورانية لذلك اختار الدخول بعضهم وظاهرها نار يناسب النفوس الظلمانية.
لذلك أبى بعضهم فلما أخبر عما رآه في كشفه الصحيح أورد دليلا على ذلك قوله تعالى : ( وكذلك قوله تعالى :" يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ " [ القلم : 42 ] ) أي أمر عظيم من أمور الآخرة .
( ويدعون إلى السجود فهذا ) أي هذا الأمر ( تكليف وتشريع فيهم فمنهم من يستطيع ) كما استطاع في الدنيا .
قال رضي الله عنه :  ( ومنهم من لا يستطيع وهم الذين قال اللّه فيهم ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون كما لا يستطيع في الدنيا امتثال أمر اللّه بعض العباد كأبي جهل وغيره فهذا ) التكليف والتشريع ( قدر ما يبقى من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول النار والجنة فلهذا قيدناه والحمد للَّه رب العالمين ) . وتحقيق هذا المقام لما قال اللّه تعالى: "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ "
وقالوا بلى فالخطاب عام فالإجابة عامة على معنى بيان الطريق الموصل إليّ منكم والسلوك إليه منا .
إذ ما يظهر ما في استعداد الشخص إلا بالتكليف ولا يكلف العبد إلا بما قال لمولاه بلسان استعداده كلفني فكلفه اللّه بحسب الأوقات ليظهر ما في استعداده من الكمالات اللائقة به.
فلا بد من التكليف إما في الدنيا كما كان وإما في الآخرة كما يكون في هؤلاء الطائفة وعد اللّه لهم أن يبين طريق الهداية بسبب طلبهم ذلك من اللّه على حسب قابليتهم .
فلما لم يبين لهم طريق الهداية في الدنيا لعدم مساعدة أمزجة الأطفال والمجانين والمانع في أصحاب الفترات في يوم القيامة وفاء لعهده السابق .
ولا يتوهم أن هذا القول لا يقوله أهل الشرع ولا يذهب إليه أحد منهم فكان مخالفا للشرع .
لأن أحوال هذه الطوائف مختلف فيها عند أهل الشرع فمثل هذا الخلاف لا يعدّ مخالفا للشرع .
.


التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment