Monday, November 18, 2019

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

14 - The Wisdom of Destiny in the Word of Ezra


متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية

اعلم أن القضاء حكم الله في الأشياء، وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها.

وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها.

والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد. فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها.

وهذا هو عين سر القدر «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». «فلله الحجة البالغة».

فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها.

فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك.

فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه: كان الحاكم من كان.

فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره، فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح. واعلم أن الرسل صلوات الله عليهم من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم.
فما عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إليه أمة ذلك الرسول: لا زائد ولا ناقص.
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض.
فتتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها، وهو قوله تعالى «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض» كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام من العلوم والأحكام متفاضلون بحسب استعداداتهم، وهو قوله «ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض».
وقال تعالى في حق الخلق «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق».
والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم، وحسي كالأغذية، وما ينزله الحق إلا بقدر معلوم، وهو الاستحقاق الذي يطلبه الخلق: فإن الله «أعطى كل شي ء خلقه» فينزل بقدر ما يشاء، وما يشاء إلا ما علم فحكم به.
وما علم كما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم.
فالتوقيت في الأصل للمعلوم، والقضاء والعلم والإرادة والمشيئة تبع للقدر.
فسر القدر من أجل العلوم، وما يفهمه الله تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة. فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا.
فهو يعطي النقيضين.
وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا، وبه تقابلت الأسماء الإلهية.
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيد، لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي.
ولما كانت الأنبياء صلوات الله عليهم لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري، عن إدراك الأمور على ما هي عليه.
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق.
فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها، وعدمها ووجودها، ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها.
فلما كان مطلب العزير على الطريقة الخاصة، لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر.
فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك.
والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه «أنى يحيي هذه الله بعد موتها».
وأما عندنا فصورته عليه السلام في قوله هذا كصورة إبراهيم عليه السلام في قوله «رب أرني كيف تحي الموتى».
ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله تعالى «فأماته الله مائة عام ثم بعثه» فقال له «وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما» فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق، فأراه الكيفية.
فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها، فما أعطي ذلك فإن ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي، فمن المحال أن يعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول، أعني مفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا هو.
وقد يطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك.
واعلم أنها لا تسمى مفاتح إلا في حال الفتح، وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء، أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير الله في ذلك.
فلا يقع فيها تجل ولا كشف، إذ لا قدرة ولا فعل إلا لله خاصة، إذ له الوجود المطلق الذي لا يتقيد.
فلما رأينا عتب الحق له عليه السلام في سؤاله في القدر علمنا أنه طلب هذا الاطلاع، فطلب أن يكون له قدرة تتعلق بالمقدور، وما يقتضي ذلك إلا من له الوجود المطلق.
فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا، فإن الكيفيات لا تدرك إلا بالأذواق.
وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة، أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلي، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي، فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت، فإذا لم تره تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه وأن ذلك من خصائص الذات الإلهية، وقد علمت أن الله أعطى كل شيء خلقه: ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص، فما هو خلقك، ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أخبر أنه «أعطى كل شي ء خلقه».
فتكون أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك، لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي.
وهذه عناية من الله بالعزير عليه السلام علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام، ولهذا لم تنقطع، ولها الإنباء العام.
وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة.
وفي محمد صلى الله عليه وسلم قد انقطعت، فلا نبي بعده: يعني مشرعا أو مشرعا له، ولا رسول وهو المشرع.
وهذا الحديث قصم ظهور أولياء الله لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة.
فلا ينطلق عليه اسمها الخاص بها فإن العبد يريد ألا يشارك سيده- وهو الله في اسم، والله لم يتسم بنبي ولا رسول، وتسمى بالولي واتصف بهذا الاسم فقال «الله ولي الذين آمنوا»: وقال «هو الولي الحميد».
وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة. فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة: إلا أن الله لطف بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال «العلماء ورثة الأنبياء».
وما ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه.
فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي وعارف، ولهذا، مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع.
فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه.
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم من حيث هو نبي رسول، لا أن الولي التابع له أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه، إذ لو أدركه لم يكن تابعا له فافهم.
فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم.
ألا ترى الله تعالى قد أمره بطلب الزيادة من العلم لا من غيره فقال له آمرا «وقل رب زدني علما».
وذلك أنك تعلم أن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أفعال مخصوصة ومحلها هذه الدار فهي منقطعة، والولاية ليست كذلك إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي.
وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسم.
والولي اسم باق لله تعالى، فهو لعبيده تخلقا وتحققا وتعلقا.
فقوله للعزير لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحون اسمك من ديوان النبوة فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ويزول عنك اسم النبي والرسول، وتبقى له ولايته.
إلا أنه لما دلت قرينة الحال أن هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار، إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب.
فيعلم أنه أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة.
ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة، يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد.
فإن سؤاله عليه السلام مقبول إذ النبي هو الولي الخاص. 
ويعرف بقرينة الحال أن النبي من حيث له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أن الله يكرهه منه، أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال. 

فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت عنده، أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله «لأمحون اسمك من ديوان النبوة» مخرج الوعد، وصار خبرا يدل على علو رتبة باقية، وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل لشرع يكون عليه أحد من خلق الله في جنة ولا نار بعد دخول الناس فيهما. 

وإنما قيدناه بالدخول في الدارين الجنة والنار لما شرع يوم القيامة لأصحاب الفترات والأطفال الصغار والمجانين، فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب العملي في أصحاب الجنة.
فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم وتمثل لهم نار يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم أنا رسول الحق إليكم، فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم.

ويقول لهم اقتحموا هذه النار بأنفسكم، فمن أطاعني نجا ودخل الجنة، ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار. 

فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي ووجد تلك النار بردا وسلاما. 

ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من الله في عباده.
وكذلك قوله تعالى «يوم يكشف عن ساق» أي أمر عظيم من أمور الآخرة، «ويدعون إلى السجود» وهذا تكليف وتشريع.
فمنهم من يستطيع ومنهم من لا يستطيع، وهم الذين قال الله فيهم «ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون» كما لم يستطع في الدنيا امتثال أمر الله بعض العباد كأبي جهل وغيره.
فهذا قدر ما يبقى من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار، فلهذا قيدناه.
والحمد لله.

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
 14 - نقش فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
لله الحجة البالغة على خلقه. لأنهم المعلومون.
والمعلوم يعطي العالم ما هو عليه في نفسه. وهو العلم.
ولا أثر للعلم في المعلوم.
فما حكم على المعلوم إلا به.
واعلم أن كل رسولٍ نبي وكل نبيٍ وليّ وكل رسولٍ ولي.

الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
14 -  فك ختم الفص العزيرى


1 / 14  - اعلم ان الحق لا يعين من نفسه شيئا لشيء اصلا ، صفة كان او فعلا او حالا او غير ذلك ، لأنه امره واحد وامره الواحد عبارة عن التأثير الوحدانى  بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممكنات القابلة له والظاهرة به والمظهرة  إياه ، متعددا متنوعا مختلف الأحوال والصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغير المجعولة المتعينة في العلم الأزلي .

2 / 14 -  فكان من مقتضى حقيقة عزير عليه السلام واحكام لوازمها انبعاث رغبة منه نحو معرفة سر القدر وانتباه فكره في القرية الخربة بصورة استبعاد اعادتها على ما كانت عليه . فأظهر الله له بواسطة فكره واستبعاده أنواعا من صور الاعادة وأنواعا من احكام القدرة التابعة للعلم ، التابع في التعلق للمعلوم ، هذا وان كان الأكثرون يظنون ان القدرة تابعة الإرادة وان الإرادة تقتضي التخصيص ، والكشف المحقق يعطى ان الإرادة ليس لها الا تعين التخصيص الإلهي العلمي ، لا أنها مبدأ التخصيص ، كما ان العلم لا أثر له في المعلوم ، بل المعلوم تعين  تعلق العلم به على حسب ما هو المعلوم عليه في نفسه من التعين والجزئية لا غير ، وهذه عمدة سر القدر .

3 / 14  - وقد زاد شيخنا رضى الله عنه بسطا فلا حاجة الى التصدي لاعادة الكلام فيه ، هذا  وان كنت قد استوفيت الكلام عليه غير مرة في هذا الكتاب وغيره من تصانيفى وأتممت تقريره ، الحمد لله ، وسانبه الان على احكام القدرة في انواع المعاد وما أظهره الله في حال عزير منها .

4 / 14  - فأقول : المعاد يقع على ضروب متعددة : احدها إعادة الصورة المركبة من أجزاء ( 9 ) مخصوصة بعد افتراق تلك الاجزاء وجمعها وعلى نحو هيئتها الاولى واعدادها لاتصال روحها بها اتصال تدبير مقوم لتلك الصورة ممكَّن إياها من التصرف الذي يقتضيه استعدادها واستعداد الروح من حيثها في جانب المنافع ودفع المضار الخصيصين بتلك الصورة وروحها .

5 / 14 -  والى هذا النوع الإشارة بقوله تعالى : " أَيَحْسَبُ الإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَه ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَه " [ القيامة / 3 و 4 ] ونحو ذلك مما أشار اليه الشريعة بان تلك الاجزاء محفوظة في معادنها الى حين ورود الامر بعودها الى محل اجتماعها بالموجبات المقتضية اجتماعها اولا ، لكن اجتماع الأول موقوف على تعيين الاجزاء من الكليات ، وهذا الاجتماع تأليف من أجزاء موجودة متعينة .
ولذلك قال سبحانه : " هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه " [ الروم / 27 ] ان إعادة التأليف من أجزاء الموجودة المتعينة اهون من انشاء أجزاء هي مستهلكة الوجود في الكليات ثم الشروع في تأليفها ، وهو قوله : " وهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه " ، انما بالنظر الى نفس القضية من حيث هي ، لا بالنظر الى الحق سبحانه ، فإنه لا يصعب ولا يعتاص عليه شيء .

6 / 14  - والنوع الاخر من الاعادة وهو بطريق حراسة الصورة المركبة من انفكاك اجزائها - مع مفارقة الروح لها - لعدم استعداد الصورة لقيام الحياة بها ، المستلزمة لاقبال الروح على  تدبير تلك الصورة ، وميل هذا الروح لكماله ، اكسب الصورة زمان تدبيره لها صفة من صفات البقاء الذي تقتضيه ذاته ، فان البقاء صفة ذاتية للأرواح .
وايضا : فان اعراض الروح عن تدبير الصورة التي فارقها وإقباله على مظهر آخر واستغراقه فيه حتى استلزم ذلك الاعراض انفكاك أجزاء تلك الصورة وتحللها ، انما ذلك لضعفه وعجزه عن الجمع بين الطرفين ، اعنى الجمع بين ملاحظة عالم الدنيا والعالم الذي انتقل اليه.

7 / 14 - اما امثال هذه الأرواح الكلية المقدسة الكاملة - فإنها لا يشغلها شأن عن شأن ولا يحجبها عالم عن عالم ، لأنها ليست محبوسة في البرزخ ، بل لها تمكن من الظهور في هذا العالم متى شاءت .
فلم يعرض عن هذا العالم بكل وجه - : وقد تحققنا ذلك وشاهدناه ورأينا جماعة قد شاهدوا ذلك وكان شيخنا رضى الله عنه يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء ممن هذه صفته من المنتقلين الى دار الآخرة متى شاء من ليل او نهار .  وجربت ذلك غير مرة .

8 / 14 - وهذا النوع هو الذي أشار اليه بقوله صلى الله عليه وسلم ، ان  الله حرم على الأرض ان تأكل أجساد الأنبياء ، وموجبه ما قلت من بركة مصاحبة الروح المقدس ذلك الجسد واكتسابه صفة من صفات بقائه ، مع عدم إعراضه عنه بالكلية بعد مفارقته حالة تدبيره له .
فمثل هذا الجسد المحروس من الانفكاك متى أمد بقوة وامر بكسبه ضربا من الاعتدال ، اتصلت به الحياة واستعد لعود اقبال الروح عليه بالتدبير ، وهذا النوع من الاعادة كانت إعادة عزير عليه السلام .

9 / 14 - والنوع الاخر من الاعادة هو ان الصورة المركبة وان انفكت اجزائها وتحللت الاعراض اللازمة ، فان جواهرها محفوظة عند الله في عالم من عوالمه يشهده اهل الكشف في امر حامل لها ، هو المعبر بعجب الذّنب وهو نفس جسمية تلك الصورة ، لكن من حيث قيام الروح الحيواني وجميع قواه المزاجي بذلك الجزء الجسماني ، ومتى شاء الحق اعادتها ضم الى تلك القوى جواهر تلك الاجزاء الجسمانية إعراضا ملائمة لها شبيهة بالاعراض المتقدمة التي كانت حاملة لها ، فالتأمت بها على نحو ما كانت عليه او على نحو ما يقتضيه الوقت والحال الحاضر ، وخاصية هذا الاجتماع الثاني وما يتصل به من نتائج الصفات والأحوال الناتجة من الاجتماع الأول والتدبير المتقدم ، ومن هذا القبيل كان إعادة حمار عزير عليه السلام .

10 / 14 - ولهذا قال سبحانه : " وانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً " [ البقرة / 259 ] فأظهر الله سبحانه وتعالى في هذا المقام ثلاثة امور حاصرة لاقسام الحفظ :
احدها حفظ الصورة المعهودة عن سرعة تغيرها وعدم بقائها ، فحرسها عن التغير وابقائها  على ما كانت عليه ، وهذا شأن طعام عزير وشرابه.
والصورة الثانية حفظ صورته من التحليل وانفكاك الاجزاء مع اعراض الروح المدبر لصورته - كما نبهت عليه من الموجبات المذكورة .
والصورة الثالثة حفظ جواهر صورة حماره  ان تحللت اجزائها ثم انشاء اعراض آخر حاملة لتلك الجواهر شبيهة بالاعراض المتقدم ، وتم الامر وانحصرت الأقسام . فافهم .
هذا هو سر الحال العزيرى الذي لم ينبه الشيخ رضى الله عنه ، وما يتعلق بسر القدرة فقد ذكره .


كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية

1 - مصطلح القدر - الأقدار :-

في اللغة :" قدر : قضاء الله تعالى ، كون الأشياء محددة مدبرة في الأزل بحيث تصبح ولا مناص من وقوعها ".

في القرآن الكريم : وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم ( 7) مرات على اختلاف مشتقاتها ، منها في قوله تعالى :] وكان أمر الله قدرا مقدورا [.

في الاصطلاح الصوفي

يقول الإمام علي بن أبي طالب : "

[ القدر ] : هو طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسر الله فرض الله ... لا تتكلفوه ".

يقول الإمام أبو حامد الغزالي :

" القدر : هو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المحدودة المعدودة بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص ".

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" القدر : هو توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد ".
وعلقت الدكتورة سعاد الحكيم على هذا النص قائلة :
" في هذا التعريف إشارة إلى المشيئة والإذن . من حيث أن المشيئة هي ما عليه الأشياء في عينها ، والإذن هو التوقيت ".

يقول الشريف الجرجاني :
" القدر : هو خروج الممكنات من العدم إلى الوجود واحدا بعد واحد مطابق القضاء ، والقضاء في الأزل والقدر لا يزال ".
ويقول : " القدر: تعلق الإرادة الذاتية بالأشياء في أوقاتها الخالصة ، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين وسبب معين عبارة عن القدر ".

يقول الشيخ محمد بهاء الدين البيطار :
" القدر : هو مرتبة [ الخزائن الإلهية ] من التعين ، كالنارية أو الحجرية أو الإنسانية أو ما شاء الله من أشخاص صور الأشياء ".

يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني في منازعة القدر :
" كل الرجال إذا ذكر القدر أمسكوا إلا أنا فتح لي فيه روزنة ، فدخلت فنازعت أقدار الحق بالحق للحق ، فالرجل هو المنازع للقدر المذموم لا الموافق له ".

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في الفرق بين وقوع القدر ووقوع المقدور:
" القدر أثر الصفة ، والمقدور أثر الصورة ، وأثر الصفة في الأفعال من القدرة ، وأثر الصورة في الأشخاص من المشيئة ، ووقوع القدر من الله تعالى ، ووقوع المقدور من محمد بإذن الله تعالى ".


ويقول الشيخ أبو بكر الكلاباذي :
" قال بعض الكبراء : من لم يؤمن بالقدر فقد كفر ، ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر ".

2 - مصطلح سر القدر: -
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
سر القدر : هو السر الذي أخفى الله تعالى علمه عن أكثر العالم ، وبه تتميز الأشياء وبه يتميز الخالق من المخلوق والمحدث من القديم .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" سر القدر يشيرون به : إلى حكم الله تعالى في الأشياء وعليها من هو بها ".

يقول الدكتور عبد المنعم الحفني :
" سر القدر : هو ما علمه الله من كل عين في الأزل مما انطبع فيها من أحوالها التي تظهر عليها وجودها ، فلا يحكم على شيء إلا بما علمه في حال ثبوتها ".

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" سر القدر غير القدر ، وسره عين تحكمه في الخلائق ، وأنه لا ينكشف لهم هذا السر حتى يكون الحق بصرهم ، فإذا كان بصرهم بصر الحق ، ونظروا للأشياء ببصر الحق حينئذ انكشف لهم علم ما جهلوه ، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء قال تعالى : " إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. هو الذي يصوركم في الأرحام "، لكونها مظلمة تمدح بإدراك الأشياء فيها كيف يشاء من أنواع الصور والتصوير .
لا إله إلا هو العزيز ، أي : المنيع الذي نسب لنفسه الصورة لا عن تصوير ولا تصور ، الحكيم بما تعطيه الاستعدادات المسواة لقبول الصور ، فيعين لها من الصور ما شاء مما قد علم أنها مناسبة له ".

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" سر القدر يشيرون به : إلى حكم الله تعالى في الأشياء وعليها من هو بها ".
يقول الدكتور عبد المنعم الحفني :
" سر القدر : هو ما علمه الله من كل عين في الأزل مما انطبع فيها من أحوالها التي تظهر عليها وجودها ، فلا يحكم على شيء إلا بما علمه في حال ثبوتها ".

يقول الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني عن التفكر بسر القدر:
" إبليس لما أحال أمره إلى سر القدر كفر وطرد ، وآدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأكمل السلام لما أضاف عصيانه إلى نفسه أفلح ورحم .
فالواجب على كل مسلم أن لا يتفكر في سر القدر لئلا يتشوش عليه الأمر ويخاف عليه أن يقع في الزندقة ... ولها سر عظيم لم يطلع عليه أحد من البشر سوى
المصطفى ".

يقول الشيخ أحمد سعد العقاد :
" سر القدر والتكلم فيه منهي عنه ، لأن العقول لا تصل إلى حقيقته ، لأن الله كتب كتابان :
الأول : كتاب الأحكام القدرية ، أخفاه عنا .
الثاني : الأحكام الشرعية أبرزه لنا ، وكلفنا به ، وأخبرنا أن السعادة في الوقوف عند أحكامه الشرعية ".

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني عن مفتاح سر القدر:
" مفتاح سر القدر : يعنون به اختلاف استعدادات الممكنات الموجب لشرف بعضها على بعض ، حتى صار منها ما هو تام القبول أو ناقص ، وما هو موصوف بالسعادة أو الشقاوة ، وإن ذلك لم يوجبه الحق عليها من حيث هو وإنما ذلك لاستوائها بما هي عليه من اختلاف القبول بالكمال والنقص ، وفي ذلك إيضاح الحجة للحق على القوابل الناقصة والموصوفة بالشقاء ، فإن الذي للحق هو إظهارها بالتجلي الوجودي على نحو ما علمها ".
ويقول : " مفتاح سر القدر: هو اختلاف استعدادات الأعيان الممكنة في الأزل" 


3 - مصطلح علم الأسرار:-
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :
" أما علوم الأحوال فمتوسطة بين علم الأسرار وعلم العقول ، وأكثر ما يؤمن بعلم الأحوال أهل التجارب ، وهو إلى علم الأسرار أقرب منه إلى العلم النظري العقلي"

و يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي :

" علم الأسرار : وهو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس في الروع ، يختص به النبي والولي ".


و يقول الشيخ الأكبر ابن العربي عن الفرق بين علم الأسرار والعلم النظري:
" كل علم إذا بسطته العبارة حسن وفهم معناه أو قارب وعذب عند السامع الفهم . فهو علم العقل النظري ، لأنه تحت إدراكه ومما يستقل به لو نظر ، إلا علم الأسرار ، فإنه إذا أخذته العبارة سمج واعتاص على الأفهام دركه وخشن ، وربما مجته العقول الضعيفة المتعصبة التي لم تتوفر لتصريف حقيقتها التي جعل الله فيها من النظر والبحث ".

قال الشيخ في مقدمة الفتوحات عن علم الأسرار:
هو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس في الروع، يختص به النبي والولي ، والعالم بعلم الأسرار يعلم العلوم كلها ويستغرقها كلها ، ولا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات ، وما بقي إلا أن يكون المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما . 

قال الشيخ ابن العربي رضي الله عنه عن علم الأسرار:
العلوم على ثلاث مراتب:
(علم العقل) وهو كل علم يحصل لك ضرورة أو عقيب نظر في دليل بشرط العثور على وجه ذلك الدليل وشبهه من جنسه في عالم الفكر الذي يجمع ويختص بهذا الفن من العلوم ولهذا يقولون في النظر منه صحيح ومنه فاسد.
(و العلم الثاني) علم الأحوال ولا سبيل إليها إلا بالذوق فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلا كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها وشبهها من جنسها في أهل الذوق كمن يغلب على محل طعمه المرة الصفراء فيجد العسل مرا وليس كذلك فإن الذي باشر محل الطعم إنما هو المرة الصفراء.
(و العلم الثالث) علوم الأسرار وهو العلم الذي فوق طور العقل وهو علم نفث روح القدس في الروع يختص به النبي والولي .
وهو نوعان :
نوع منه يدرك بالعقل كالعلم الأول من هذه الأقسام لكن هذا العالم به لم يحصل له عن نظر ولكن مرتبة هذا العلم أعطت هذا.
والنوع الآخر على ضربين :
ضرب منه يلتحق بالعلم الثاني لكن حاله أشرف .
والضرب الآخر من علوم الأخبار وهي التي بدخلها الصدق والكذب إلا أن يكون المخبر به قد ثبت صدقه عند المخبر وعصمته فيما يخبر به.
ويقوله كإخبار الأنبياء صلوات الله عليهم عن الله كإخبارهم بالجنة وما فيها
فقوله إن ثم جنة من علم الخبر .
وقوله في القيامة إن فيها حوضا أحلى من العسل من علم الأحوال وهو علم الذوق وقوله كان الله ولا شيء معه
ومثله من علوم العقل المدركة بالنظر فهذا الصنف الثالث الذي هو علم الأسرار العالم به يعلم العلوم كلها ويستغرقها وليس صاحب تلك العلوم كذلك
فلا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات.


4 - مصطلح الغيب :-
يقول الشيخ أبو سعيد الخراز
: " الغيب : وهو ما أشهد الله تعالى القلوب من إثبات صفات الله وأسمائه وما وصف به نفسه وما أدى إليهم الخبر ...إن كل شيء أشار إليه المتحققون والواجدون والعارفون والموحدون وما عبروا عنه ، وما لم تسعه العبارة ولا يومي إليه بالدلالة ولا يشار إليه بالإشارة من اختلاف المعارف وتباين الأحوال والمقامات والأماكن وغير ذلك مما شاهدوه ظاهرا وباطنا هو الغيب الذي وصفه الله تعالى بقوله : " الذين يؤمنون الغيب"

يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري :
الغيب : هو الله.

يقول الإمام القشيري :
" الغيب : هو ما لا يطلع عليه أحد ، وليس عليه للخلق دليل ، وهو الذي يستأثر بعلمه الحق ، وعلوم الخلق عنه قاصرة " .
ويقول : " الغيب : ما لا يعرف بالضرورة ولا يعرف بالقياس من المعلومات .
ويقال : هو ما استأثر الحق بعلمه ولم يجعل لأحد إليه سبيلا " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" الغيب : كل ما ستره الحق عنك منك لا منه " .
ويقول : " الغيب : هو النور الساطع العام الذي به ظهر الوجود كله وماله في عينه ظهور فهو الخزانة العامة التي خازنها منها " .
الغيب : هو روح العالم الكبير الذي خرج عنه " .
يقول : " الغيب : هو ما لا يمكن أن يدركه الحس لكن يعلم بالعقل أما بالدليل القاطع وأما بالخبر الصادق ... والغيب مدركه العلم عينه " .
ويقول : " الغيب : هو كل معدوم العين ظاهر الحكم والأثر ".

يقول الشيخ عبد الغني النابلسي:
" الغيب : وهو ما غاب عن العقول البشرية وهو الله تعالى " .

يقول الشيخ أبو العباس التجاني :
"الغيب : هو إشارة إلى الفيض الأكبر الفائض من حضرة القدس الذي هو حضرة اللاهوت ، ويعبر عنه عند العارفين بالفتح " .

5 - مصطلح مفاتح الغيب :-

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
" مفاتح الغيب : هي الاستعدادات من القوابل ... لأنه ما ثم إلا وهب مطلق عام وفيض جود ، ما ثم غيب في نفس الأمر ولا شهود ، بل معلومات لا نهاية لها ، ومنها ما لها وجود ، ومنها ما لا وجود لها ، ومنها ما لها سببية ، ومنها ما لا سببية لها ، ومنها ما لها قبول الوجود ، ومنها ما لا قبول لها ، فثم مفتاح وفتح ومفتوح يظهر عند فتحه ما كان هذا المفتوح حجابا عنه . فالمفتاح استعدادك للتعلم وقبول العلم ، والفتح التعليم ، والمفتوح الباب الذي كنت واقفا معه ".
في أنواع مفاتح الغيب
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي :
" مفاتيح الغيوب نوعان : نوع حقي ونوع خلقي .
فالنوع الحقي : هو حقيقة الأسماء والصفات .
والنوع الخلقي : هو معرفة تركيب الجوهر الفرد من الذات ، أعني ذات الإنسان المقابل بوجوهه وجوه الرحمن ، والفكر أحد تلك الوجوه بلا ريب فهو مفتاح مفاتيح الغيب " .

يقول الشيخ أبو سعيد الخراز :
" فتح عليه أولا أسباب التأديب ، أدبه بالأمر والنهي ، ثم فتح عليه أسباب التهذيب وهي المشيئة والقدرة ، ثم أسباب التذويب وهو قوله تعالى : " ليس لك من الأمر شيء " ثم أسباب التغييب وهو قوله : "وتبتل إليه تبتيلا" . فهذه مفاتح الغيب التي فتحها "الله تعالى " لنبيه ".

ويقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام:
" يفتح من القلوب الهداية ، ومن الهموم الرعاية ، ومن اللسان الرواية ، ومن الجوارح السياسة والدلالة ".

ويقول الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي :
" قال بعضهم : يفتح لأهل الولاية ولاية وكرامة .
ولأهل السر سرا بعد سر .
ولأهل التمكين جذبا وتقريبا .
ولأهل الإهانة بعدا وتصريفا .
ولأهل السخط حجبا وتبعيدا ".

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني :
" أشعة مفاتح الغيب : ويقال : أظلة مفاتح الغيب - ويشيرون بذلك إلى ظهور مفاتح الغيب - التي هي أصول الأسماء والصفات - في أقصى مراتب الظهور " .
أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح، اذن مفاتح - مفاتيح." وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ " .

نظر ابن عربي إلى الفتح نظرتين:
1 - نظرة " عرفانية " لم يتخط بها أفق من سبقه من المتصوفين، وكانت بالتالي عباراته فيها مستمدة منهم: فتح حلاوة - فتح عبارة - فتح مكاشفة. . .
وهذا الفتح هو انساني علمي انه: " فتح عرفان ".
2 - نظرة " ايجادية "، تذكرنا بالتجلي الوجودي عنده ، وهي نظرة خاصة، شديدة اللصوق بمذهبه في التجليات والفيوضات.
ولذلك جاءت عباراته فيها اصطلاحية خاصة:
المفاتح الأول - المفاتح الثواني - مفاتح الأسباب .
وهذا الفتح هو إلهي إيجادي لا قدم لمخلوق فيه. انه: " فتح خلق وايجاد ".

يقول الشيخ ابن العربي عن الفتح الايجادي:
لقد استعمل ابن العربي صورة تمثيلية قوامها: الفاتح - المفتاح - الفتح - المفتوح.
وذلك ضرب تشبيه لعملية الخلق كما يصورها مذهبه في التجليات، وسنضع هنا تجاه كل ركن من أركان الصورة التمثيلية، مقابلها. لتظهر بالتالي قيمتها الرمزية.
- الفاتح: اللّه دائما.
- المفتاح: يتغير بتغير المفتوح، ولا يفتح الا ما اختص به فقط (المفاتح الأول - المفاتح الثواني - مفاتح الأسباب).
- الفتح: حركة الهية هي حركة المفتاح عند الفتح. وهو حال تعلق التكوين بالأشياء انه فعل الخلق. ومن هنا اختصاصه باللّه فقط" لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ".
- المفتوح: الغيب.
ولكن الغيب عبارة عن باب أو ستر ليس هو المقصود بالفتح بل المقصود ما وراءه اي المغيب. فالفتح يسعى إلى اظهار المغيب وان كان متعلق المفتاح هو الباب.

تقول د. سعاد الحكيم قال الشيخ ابن العربي:
(1) " والممكنات كلها. . هي في ظلمة الغيب فلا يعرف لها حالة وجود، ولكل ممكن منها مفتاح، ذلك المفتاح لا يعلمه الا اللّه، فلا موجود الا اللّه هو خالق كل شيء، اي موجده " (فتوحات  3/ 279).
(2) - " فان المفاتح تعلو بعلو مغاليق غيبها، وتسفل بذلك " (مفتاح الغيب ق 78).
" فالغيب لا يعلمه الا هو، وهذه كلها "النور، الظلمة" مفاتيح الغيب، ولكن لا يعلم كونها مفاتح الا اللّه، يقول تعالى:" وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ " (6/ 59)
وان كانت موجودة بيننا، لكن لا نعلم أنها مفاتح للغيب، وإذا علمنا بالاخبار انها مفاتح، لا نعلم الغيب حتى نفتحه بها.
فهذا بمنزلة من وجد مفتاح بيت ولا يعرف البيت الذي يفتحه به. . . " (ف 2/ 648).
" فمن المغيبات ما يكون لها مفتاح واحد فصاعدا، ويكون كل مفتاح غيبا لمفتاح آخر، حتى ينتهي إلى المفتاح الأول " (مفتاح الغيب ورقة 79).
(3) - " وما أوجد الحق العالم. . . الا عن حركة الهية وهي حركة المفتاح عند الفتح " (ف 3/ 279).
" واعلم أنها لا تسمى مفاتح الا في حال الفتح، وحال الفتح: هو حال تعلق التكوين بالأشياء، أو قل ان شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير اللّه في ذلك، فلا يقع فيها تجل ولا كشف، إذ لا قدرة ولا فعل الا للّه خاصة. . . " (فصوص 1/ 134).
(4) - " فثم مفتاح وفتح ومفتوح يظهر عند فتحه ما كان هذا الفتوح حجابا عنه " (فتوحات 3/ 542).
". . . واعلم أن الغيب ليس نفس الغيب [المغيّب]، والمفاتيح إنما تفتح الغيب فيبدو المغيب من خلف حجاب الغيب، فالغيب حجاب كالباب وكالستر، ليس الباب نفس الدار وليس الستر نفس المستور، والمفتاح متعلقه الباب لا ما وراءه. . . " (مفتاح الغيب ق ق 78 - 79).

وننتقل الان إلى أنواع المفاتح كما يقررها الشيخ الأكبر:
المفاتح الأول  - المفاتح الثواني وهي مفاتيح غيب الايجاد العيني.
ان " الوجود المطلق " تدرج في تعيناته من الوحدة المطلقة إلى الكثرة الوجودية، تدرجا اقتضاه المنطق الوجودي لا الواقع الموجود فكان:
الفيض الاقدس ثم الفيض المقدس.
(1)  الفيض الاقدس : وهو تجلي الذات الأحدية لنفسها في الصور المعقولة للكائنات، اي في " القوابل " أو الأعيان الثابتة (انظر فيض أقدس - عين ثابتة) وهذا الفيض هو في الواقع بتعبير آخر من تعبيرات الشيخ الأكبر: فتح. فهو أول فتح، من حيث أنه أول فيض وأول تجل، وبالتالي مفاتحه هي " المفاتح الأول " ولا يعلمها الا الحق، لأنها في وحدانيته حيث لا قدم لمخلوق؛ وهي أسماؤه الذاتية.
(2) الفيض المقدس: وهو تجلي الحق في صور الكثرة الوجودية، أو بتعبير آخر هو ظهور الأعيان الثابتة، التي كانت نتيجة أول فتح، في العالم المحسوس بعدما كانت معقولة. وهذا الفيض هو فتح لغيب، ومفاتحه هي المفاتح الثواني من حيث إنه ثاني فتح. وهذه المفاتح هي الأسماء الإلهية التي أظهرت الوجود من عقلي إلى عيني وهي المؤثرة في الكون.
ولذلك يسميها ابن عربي بمفاتيح غيب الايجاد العيني.

يقول الشيخ ابن العربي:
(1) " ان الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الاحصاء عددا، وتنزل دون أسماء الاحصاء سعادة، هي المؤثرة في هذا العالم. وهي المفاتح الأول التي لا يعلمها الا هو " (ف 1/ 99).
" الحمد للّه المنفرد بمفاتيح الأول، المنعوت بها سبحانه عن كونه متكلما في الأزل، الفاتح بها مغاليق القلوب فبرزت الأعيان وظهرت النحل. . . " (مفتاح الغيب ورقة 76).
". . . فسأل (العزيز) عن القدر الذي لا يدرك الا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها، فما أعطي ذلك، فان ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي. فمن المحال ان يعلمه الا هو، فإنها المفاتح الأول اعني مفاتح الغيب التي لا يعلمها الا هو. . . " (فصوص 1/ 133).

(2) " واعلم أن المفاتيح الأول لا يعلمها الا هو، واما المفاتيح الثواني فمعلومه لنا، وهي أسماؤه، وبها فتح غيوب الممكنات، فظهرت في أعيانها بعدما كانت غيبا عدميا " (مفتاح الغيب ورقة 93).
" فكان أول خلق خلقه اللّه من النفس الرحماني الذي هو العماء القابل لفتح صور العالم فيه: العقل وهو القلم ثم النفس وهو اللوح. . . " (ف 2/ 395).

واتساب

No comments:

Post a Comment