Friday, November 22, 2019

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

12 - فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله هو من رحمة الله، و هو أوسع منها، فإنه وسع الحق جل جلاله ورحمته لا تسعه:
هذا لسان العموم من باب الإشارة، فإن الحق راحم ليس بمرحوم فلا حكم )
فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية
 لما كان شعيب عليه السلام مع كونه صاحب قلب قابلا لتجني الاسم الله أحدية جمع الأسماء الإلهية المتشعبة إلى ما لا يتناهی مضاهيا للقلب، سواء أريد به النفس الناطقة في بعض مراتبها أو اللحم الصنوبري الذي هو متعلقها وسحل تصرفاتها لتشعبه إلى شعوب وقبائل كما ينبیء عنه اسمه.
وفي إيتاء كل ذي حق حقه بالقسط والعدل كما يدل عليه أمره أمته بذلك، فإن القلب بكل واحد من معنييه متشعب إلى شعب كثيرة موفي كل ذي حق منها حقه.
وصف الشيخ رضي الله عنه الحكمة المنسوبة إلى كلمته بالقلبية وصدر ببيان أحوال القلب.
فقال : (اعلم أن القلب أعني قلب العارف بالله) أحدية جمع الأسماء كلها، فإن صاحب القلب في اصطلاح هذه الطائفة إنما هو العارف بالاسم الله أحدية جميع الأسماء، فمن لم يكن عارف بالله سواء لم يكن عارفا أصلا أو كان عارفا ببعض الأسماء المخصوصة دون بعض، فلا يسمى قلبه قلبا إلا مجازا ولا يصح الحكم عليه بالسعة المذكورة.
(هو من رحمة الله ورحمته) رأفته ولطفه فإن تعينات الأشياء في العلم بالفيض الأقدس، ووجوداتها في العين بالفيض المقدس إنما هي من الأسماء اللطيفة الجمالية (وهو)، أي القلب (أوسع منها)، أي من رحمة الله ، فإن سعة القلب عبارة عن إحاطتها بالأشياء اعتبار جامعيتها للأشياء.
فإنها حقيقة جامعة لها أو باعتبار العلم والشهود وسعة الرحمة عبارة عن شمول الأشياء ووصول اثاره إليها ولا شك أن علم القلب وشهوده أوسع من رحمته (فإنه)، أي القلب باعتبار علمة وشهوده (وسع الحق جل جلاله) بتجلياته الذاتية والأسمائية كما أنه وسع الأشياء علما وشهودا.
(ورحمته) و إن وسعت کل شيء (لا تسعه)، أي الحق سبحانه (وهذا)، أي المتقول بأن رحمة الله لا تسعه (لسان عموم)، أي عامة العلماء قائلون به ولكن قولهم هذا (من باب الإشارة) لا صريح العبارة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما الإشارة من لسان الخصوص فإن الله وصف نفسه بالنفس وهو من التنفيس:
وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليس إلا هو، وأنها طالبة ما تعطيه من الحقائق وليس الحقائق التي تطلبها الأسماء إلا العالم. فالألوهية تطلب المألوه، و الربوبية )

فإنهم لم يصرحوا به ولكن يلزم مما صرحوا به من عقائدهم (فإن الحق راحم) عندهم (ليس بمرحوم) فإنهم لم ينتبهوا لكرب الأسماء الإلهية والتنفس عنها بإيجاد العالم (فلا حكم للرحمة فيه) ولا يصل أثر منها إليه فلا تسعه.
(وأما الإشارة من لسان الخصوص)، فهي أن رحمة الله تسعه (فإن الله سبحانه وصف نفسه) على لسان نبيه (بالنفس) حيث قال صلى الله عليه وسلم :" إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن" .
(وهو)، أي النفس (من التنفيس) وهو تفريج الكروب فإن المتنفس إنما يتنفس دفعة الكرب الهواء الحار عن باطنه وطلبة لراحة ورود الهواء البارد عليه ، فالتنفيس في الجناب الإلهي إشارة إلى التخلص من كرب طلب الأسماء الإلهية الظهور، ومن كرب طلب الحقائق الكونية الوجود.
ولا شك أن التفريج عن الكرب رحمة فرحمة الله تسعه ، ولما كان لقائل أن يقول: منشأ هذا الطلب الأسماء لا محض الذات فالتخلص من الكرب يكون للذات من حيث الأسماء لا من حيث هي فلا تكون الراحة شاملة لها .
دفعه بقوله :
(وأن الأسماء الإلهية عين المسمى وليست)، أي الأسماء (إلا هو)، أي المسمى فيكون تکرارة وتأكيدة للأول.
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وليس بدون تاء التأنيث، أي لبس المسمى إلا هو أي الحق فتكون الأسماء عين الحق وإذا وسعتها الرحمة وسعته (وأنها)، أي الأسماء (طالبة ما تعطيه) تلك الأسماء ثبوت في العلم ووجودا في العين (من الحقائق).
أي الحقائق الكونية بيان لما أعني الأسماء طلب الحقائق التي ثبوتها في العلم ووجودها في العين بتلك الأشياء.
(وليست الحقائق التي تطلب الأسماء) لتكون مجالی أحكامها ومظاهر آثارها (إلا العالم) بما فيه من الأجناس والأنواع والأشخاص (فالألوهية) التي حضرة الأسماء الوجوبية المؤثرة في الكون (تطلب المألوه) الذي هو متعلق تأثيراتها وتصرفاتها ضرورة توفيق تحقق النسبة على تحقق المنتسبين. 
ولما كانت الإلهية والألوهية عبارة عن مرتبة الأسماء المؤثرة كان معنى الإله المؤثر بأسمائه فيكون معنى اسم الفاعل لا سيما اشتق رضي الله عنه لما يقابله ، أي المتأثر المألوه اسم مفعول فيكون المألوه موجودة من معنا. 
الاصطلاحي لا معانيه اللغوية فلا إشكال (و) كذلك (الربوبية) التي هي حضرة الأفعال

قال الشيخ رضي الله عنه :  (تطلب المربوب ، وإلا فلا عين لها إلا به وجودا أو تقديرا.
والحق من حيث ذاته غني عن العالمين.
والربوبية ما لها هذا الحكم.
فبقي الأمر بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغنى عن العالم.
وليست الربوبية على الحقيقة والاتصاف إلا عين هذه الذات.
فلما تعارض الأمر بحكم النسب ورد في الخبر ما وصف الحق به نفسه من الشفقة على عباده. )
(تطلب المربوب) الذي هو متعلق آثارها، وإذا كانت الألوهية والربوبية يطلبان المألوه، والمربوب ليس إلا العالم ، فإن كان العالم يكون للألوهية أو الربوبية عين .
(وإلا)، أي وإن لم يكن العالم لم يكن لها، أي الألوهية والربوبية عين (فلا عين لها)، أي للألوهية والربوبية (إلا به)، في العالم (وجودا) في العين .
(وتقديرا) في الذهن يعني خارج ودها

 قال الشيخ رضي الله عنه :  (والحق سبحانه من حيث ذاته غني عن العالمين والربوبية ما لها هذا الحكم) ، أي حكم الغني لافتقارها إلى المربوب، وإنما اقتصر على الربوبية لأنها أنزل من الألوهية فهي مستلزمة لها (فبقي الأمر) دائرا (بين ما تطلبه الربوبية وبين ما تستحقه الذات من الغني عن العالم وليست الربوبية على الحقيقة والانصاف إلا عين هذه الذات).
أي من نظر إلى حقيقة الأمر ونصف من نفسه حکم بأن الربوبية عين الذات بمعنى أنه ليس في الخارج إلا الذات، فإن الربوبية نسبة عقلية لا وجود لها في الخارج وإن أتصل بنا الموجود الخارجي.
وذهب بعض الشارحين إلى أن الاتصاف افتعال من الوصف وجعله عطف على الحقيقة ، ولا يخلو عن سماحة ولو جعل على هذا معطوفة على الربوبية، أي ليست الربوبية و اتصاف الذات بها إلا عين الذات لكان أحسن.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلما تعارض الأمر)، أي أمر الذات (بحكم النسب)، أي نسبة المعنى وأن لا عين ولم تبق الذات على صرافة المعنى .
(ورد في الخبر) النبوي الوارد بأنصاف الحق سبحانه بالنفس المنبئ عن التنفيس الذي هو عين الذات من وجه .
(ما وصف الحق به نفسه) حيث قال : والله رؤوف بالعباد (من الشفقة) الواقعة (على عباده) وكما أن عباده تتعلق بهم الشفقة والرحمة فكذلك تتعلق به أيضا الشفقة والرحمة التي هي التنفس عن کرب الأسماء

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فأول ما نفس عن الربوبية بنفسه المنسوب إلى الرحمن بإيجاده العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها وجميع الأسماء الإلهية.
فيثبت من هذا الوجه أن رحمته وسعت كل شيء فوسعت الحق، فهي أوسع من القلب أو مساوية له في السعة.
هذا مضى، ثم لتعلم أن الحق تعالى كما ثبت في الصحيح يتحول في الصور عند التجلي، وأن الحق تعالى إذا وسعه القلب لا يسع معه غيره من المخلوقات فكأنه يملؤه.
ومعنى هذا أنه إذا نظر إلى الحق عند تجليه له لا يمكن أن ينظر معه إلى غيره.
وقلب العارف من السعة كما قال أبو يزيد البسطامي «لو أن العرش و ما حواه )

قال الشيخ رضي الله عنه :   (فأول ما نفس)، أي أول تنفيسه على أن تكون ما مصدرية هو التنفيس (عن الربوبية) أول تنفيسه من الربوبية (بنفسه المنسوب إلى الرحمن) إنما هو (بإيجاد العالم الذي تطلبه الربوبية بحقيقتها) الطالبة لوجود العالم .
فقوله : فأول ما نفس، مبند خبره أما قوله : عن الربوبية أو قوله بایجاد العالم و قوله : (وجميع الأسماء الإلهية) إما مجرور عطفا على الربوبية التي هي مدخول عن أو مرفوع عطفا على الربوبية .
التي هي فاعل تطلبه وأما جعل "ما" في و"ما نفس" موصولة فوجه صحته غير ظاهر (فثبت من هذا الوجه) الذي يتكلم به لسان الخصوص (أن رحمته وسعت كل شيء) حقا كان أو خلقا (فوسعت)، أي الرحمة (الحق) أيضا (فهي)، أي الرحمة (أوسع من القلب) فإنها وسعت القلب وما سواه والقلب لا يسع نفسه ، هذا إذا اعتبر سعة القلب باعتبار انطوانه علی الحقائق كلها.
وأما إذا اعتبرت باعتبار العلم فهو يسع نفسه أيضا فتكون الرحمة حينئذ مساوية له في السعة، وإنى هذا أشار بقوله : (أو مساوية له في السعة هذا) الذي تكلم به لسان العموم و الخصوم (مضی) وبعد الكلام في بيانه قد انقضى.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ثم لتعلم أن الحق تعالی كما ثبت في الصحيح بتحول في الصور) المختلفة (عند التجلی) بالسعة والضيق فتارة بتجلي في هذه الصورة وتارة في تلك الصورة. 
(و) لنعلم أيضا (أن الحق تعالى إذا وسعه القلب) وصار مجلی له (لا يسع معه غيره من المخلوقات) ولا تبقى فيه فضلة يحل فيها غير الحق سبحانه (فكأنه يملأه) حتى لا يبقى منه فضلة للغير. 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومعنى هذا) الذي ذكرنا من أنه إذا تجنى الحق لم يسع القلب غيره (أنه إذا نظر إلى الحق عند تجلبه له لا يمكن معه أن ينظر إلى غيره) لانحيازه بالكلية إليه و انتهار الأشياء تحت قهر التجلي.
(وقلب العارف من السعة) والإطلاق إنما هو (كما قال أبو يزيد البسطامي قدس الله سره:

قال الشيخ رضي الله عنه : (مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به».
وقال الجنيد في هذا المعنى: إن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا.
وإذا كان الحق يتنوع تجليه في الصور فبالضرورة يتسع القلب ويضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي، فإنه لا يفضل شيء عن صورة ما يقع فيها التجلي.
فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم لا يفضل بل يكون على قدره وشكله من الاستدارة إن كان الفص مستديرا أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال إن كان الفص مربعا أو مسدسا أو مثمنا أو ما كان من الأشكال، فإن محله من الخاتم يكون مثله لا غير. )

(لو أن العرش وما حواه) العرش من الكرسي والسموات والأرضين وما فيها من أنواع الموجودات (مائة ألف ألف مرة) وتقع (في زاوية من زوايا القلب العارف ما أحس به)، لأنه لا قدر له محسوسة بالنسبة إلى التجليات الغير المتناهية التي يسعها قلب العارف فإن العرش وما فيه على أي مقدار فرضي يكون متناهيا لا قدر المتنامي في أي مرتبة كان من الكثرة بالنسبة إلى غير المتناهي. 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقال الجنيد رضي الله عنه في هذا المعنى إن المحدث) المتناهي (إذا قرن) في قلب العارف (بالقديم) الغير المتناهى بتجلياته (لم يبق له أثر)، بل تضمحل عينه فكيف بالأثر (وقلب يسع القديم كيف يحس بالمحدث) الذي لا قدر په حال كون ذلك المحدث (موجودا فيه).
وقوله رضي الله عنه  : موجودا حال من المحدث ويمكن أن يجعل مفعولا ثانيا للاحساس تتضمنه معنى العلم.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وإذا كان الحق سبحانه يتنوع بتجليه في الصور) المختلفة بالسعة والضيق (فـ بالضرورة يتسع القلب وضيق بحسب الصورة التي يقع فيها التجلي الإلهي)، فإن كان في تلك الصور نوع سعة يتسع القلب بحسبها وقدرها وإن كان نوع ضيق يضيق القلب بحسبه و قدره .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإنه لا يفضل من القلب شيء عن صورة ما يقع فيها النجلي، فإن القلب من العارف أو الإنسان الكامل بمنزلة محل فص الخاتم من الخاتم).
فكما أن فص الخاتم (لا يفضل) عن الفص (بل يكون على قدره) من الكبر والصغر (و) على ذلك .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (شكله من الاستدارة أو كان الفص مستديرة أو من التربيع والتسديس والتثمين وغير ذلك من الأشكال، إن كان الفص مربعة أو مسدسة أو مثمنة أو ما كان من الأشكال فإن محله) أي محل الفص (من الخاتم يكون مثله) في القدر والشكل (لا غير).
فكذلك قلب العارف لا يفضل على الصورة المتجلى فيها، بل ينطبق عليها أن يكون على قدرها في السعة والضيق التي هي في الصور المنجلي فيها الاستدارة في الأشكال.
فإن المستدير منها
  
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذا عكس ما يشير إليه الطائفة من أن الحق يتجلى على قدر استعداد العبد.
وهذا ليس كذلك، فإن العبد يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى له فيها الحق.
وتحرير هذه المسألة أن لله تجليين.
تجلي غيب وتجلي شهادة، فمن تجلي الغيب يعطي الاستعداد الذي يكون عليه القلب، وهو التجلي الذاتي الذي الغيب حقيقته، وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه «هو».  فلا يزال «هو» له دائما أبدا. )

أوسع من الضيق الذي هو في الصورة المنجلي فيها كسائر الأشكال، فإنها أضيق من المستدير فيها تفاوت بحسب ترتبها من الاستدارة وبعدها عنها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهذا) الذي ذكرنا بحسب الظاهر (عكس ما تشير إليه الطائفة من أن الحق بتجلي على قدر استعداد العبد)، فيكون التجلي تابعا للعبد (وهذا) الذي ذكرناه (ليس كذلك)، أي كما أشارت إليه الطائفة (فإن العبد) بل قلبه على ما ذكرنا (يظهر للحق على قدر الصورة التي يتجلى فيها الحق) فيكون العبد تابعة للتجلي.
(وتحرير هذه المسألة ) على وجه يفيد التوفيق بين ما أشارت إليه الطائفة وبين ما أشرنا إليه (أن لله تجليين) بل ثلاث تجليات (تجلي غيب) تحصل به الأعيان الثابتة واستعداداتها في حضرة العلم التي هي غيب بالنسبة إلى ما تحتها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وتجلي شهادة) توجد به تلك الأعيان في الخارج، وحضرة الشهادة بعدما كانت ثابتة في العلم، وتجلي شهود يتجلی به على عباده بعد وجودهم دنیا و برزخا وآخرة فيشاهدونه به .
وكان رضي الله عنه أراد بالتجلي الشهادي ما هو أعم من أن يكون تجلية يفيد الوجود الشهادي، أو يكون بعد الوجود الشهادي، فلهذا جعله قسمين .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن تجلي الغيب يعطي الحق سبحانه) القلب الاستعداد الكلي (الذي عليه القلب) من حيث عينه الثابتة في الحضرة العلمية قبل وجوده العبني، أو الاستعدادات الجزئية التي عليها القلب بوجوده العيني، فإنها أيضا منتشئة من ذلك التجني العيني، وإن انضمت إليه أمور خارجية أيضا، فإن ذلك الانضمام أيضا من مقتضياته.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهو)، أي تجلي الغيب (التجلي الذاتي) فإن المتجلي به هو غیب شوية الذات ولذلك قال : (الذي الغيب)، أي غيبة هوية الذات (حقیقته) التي هو بها ، ويمكن أن يقال معنى کون الغيب حقيقته أن كونه غيبة حقيقة لازمة له لا تنفك منه.
فإن ذلك التجلي إنما هو بصور الأعيان الثابتة وهي لا تزال ثابتة في العلم لا تبرح عنه (فلا يزال هو)، أي غيب هوية الذات (له).
أي لذلك التجلي فإنها المتجلية به أو لا يزال کونه غيبة ثابتة (وهو الهوية التي يستحقها بقوله عن نفسه "هو" فلا يزال هوه له دائما أبدأ )

قال الشيخ رضي الله عنه : (فإذا حصل له أعني للقلب هذا الاستعداد، تجلى له التجلي الشهودي في الشهادة فرآه فظهر بصورة ما تجلى له كما ذكرناه.
فهو تعالى أعطاه الاستعداد بقوله «أعطى كل شي ء خلقه»، ثم رفع الحجاب بينه وبين عبده فرآه في صورة معتقده ، فهو عين اعتقاده. فلا يشهد القلب ولا العين أبدا إلا صورة معتقده في الحق.
فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته، وهو الذي يتجلى له فيعرفه.
فلا ترى العين إلا الحق الاعتقادي.
ولا خفاء بتنوع الاعتقادات: فمن قيده أنكره في غير ما قيده به، وأقر به فيما قيده به إذا تجلى. )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا حصل له اعني القلب) في الحضرة العلمية (هذا الاستعداد) انكلى (تجلى الحق له)، أي للقلب (التجلي الشهودي في الشهادة) بعد وجوده فيها بالتجلي الشهادي وإذا حصل للقلب في العين الاستعداد الجزئي الذي عليه القلب بعد وجوده العيني تجلى له الحق التجلي الشهودي في الشهادة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فرآه)، أي القلب الحق في صورة ما تجلى له فيه (فظهر) القلب (بصورة ما تجلى له فيه) لا يفضل منه شيء (كما ذكرناه فهو تعالى أعطى له الاستعداد) الكلي أولا والجزئي ثانية كما أشار إلى ذلك بقوله : "أعطى كل شيء خلقه " [طه: 50]، أي استعداده الكلي والجزئي على قدر معين (ثم هدى، أي ثم رفع الحق الحجاب بينه وبين عبده)، وتجلى له .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فرآه) العبد (في صورة معتقده فهو)، أي الحق المرئي (عین اعتقاده)، أي عين الصورة الاعتقادية، فالحق المتجلي بصورة اعتقاده تابع لاعتقاده.
وحين تجلی الحق سبحانه بصورة اعتقاده يكون القلب بحسب ذلك التجلي من السعة والضيق، وإن لم يكن المتجلى له مقيدا باعتقاد خاص بل يكون هیولباني في الوصف.
فاختصاص التجلي بصورة خاصة إنما يكون بحسب الأمور الخارجة عن القلب المتجلى له من الأوقات والأحوال والشرائط ، وهذه الصور الخاصة تكون من بعض صور اعتقاده الهيولاني الوصف.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلا يشهد القلب) في التجليات المعنوية (ولا العين) في التجليات الصورية (أبدا) في الدنيا والآخرة سواء كان قلب العارف أو عينه أو قلب صاحب الاعتقادات الخاصة أو عينه.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلا صورة معتقده في الحق. فالحق الذي في المعتقد هو الذي وسع القلب صورته وهو الذي يتجلى له)، أي للقلب (فيعرفه) وإذا كان القلب لا يسع إلا صورة المعنقد ولا ترى العين إلا ما وسعه القلب (فلا ترى العين) عنه تجلى الحق (إلا الحق الاعتقادي ولا خفاء في تنوع الاعتقادات)، بحسب الإطلاق والتقييد .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن قيده) بصورة مخصوصة (أنكره في غير ما قیده به) من الصور إذا تجلى في غير صورة ما فید به (وأقر به فيما قيده به إذا تجلی) في صورة ما قید به

قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن أطلقه عن التقييد لم ينكره وأقر به في كل صورة يتحول فيها ويعطيه من نفسه قدر صورة ما تجلى له إلى ما لا يتناهى، فإن صور التجلي ما لها نهاية تقف عندها.
وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارف يقف عندها، بل هو العارف في كل زمان يطلب الزيادة من العلم به.
«رب زدني علما» ، «رب زدني علما»، «رب زدني علما».
فالأمر لا يتناهى من الطرفين. هذا إذا قلت حق وخلق، فإذا نظرت في قوله : «كنت رجله التي  يسعى بها و يده التي يبطش بها و لسانه الذي يتكلم به» إلى غير ذلك من القوى، و محلها  )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومن أطلقه عن التقييد) من العارفين والعاملين (لم ينكره) في صورة من الصور (وأقر به في كل صورة بتحول فيها ويعطيه من نفسه من اسم التعظيم والإجلال قدر صورة ما تجلی)، أي على مقدار مرتبة صورة ما تجلى (فيها) فإن لكل صورة من صور التجليات اقتضاء خاصة يقتضي نوعا خاصا وقدرة معينة من التعظيم والإجلال لا تقتضيه غيرها.
قال شيخ الشيخ المؤلف قدس الله سرهما: 
لا تنكر الباطل في طوره      …..    فإنه بعض ظهوراته 
واعطه منك بمقدار حقه         …..   حتى توفي حق إثباته
وهذه الصورة المتجلي فيها وإن كانت بحسب أنواعها منحصرة لكنها بحسب أشخاصها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى فإن صور التجلي ما لها نهاية بقف) التجلي (عندها وكذلك العلم بالله ما له غاية في العارفين يقف عندها)، أي عند تلك الغاية فلا يزيد عليها .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بل هو)، أي العارف أو الشأن أن (العارف في كل زمان يطلب) بلسان الاستعداد (الزيادة من العلم به)، أي الحق فإنه في كل مرتبة يحصل له من العلم ما يستعد به لمرتبة أخرى فوقها فتقول في زمان ما ( "رب زدني علما" ) [طه: 114] .
فإذا ازداد علمه واستعد العلم آخر يقول: ثالثا ("رب زدني علما") هكذا إلى ما لا يتناهی .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فالأمر)، أي أمر العلم (لا يتناهي من الطرفين)، أي طرفي الحق والعبد فلا الطلب ينتهي من جانب العبد ولا التجلي من جانب الحق.
هذا الذي ذكرنا من إثبات الطرفين وجعل أحدهما متجلية مفيضة للعلم والأخر متجلى له وطالبة لزيادة العلم إنما ينحفق (إذا قلت هناك خلق وحق) و میزت بينهما بأن جعلت مرتبة الجمع والإجمال حقا ومرتبة الفرق والتفصيل خلقة.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا نظرت في قوله تعالى) على لسان نبيه: (كنت رجله التي يسعى بها ويده التي يبطش بها ولسانه الذي 
  
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الذي هو الأعضاء، لم تفرق فقلت الأمر حق كله أو خلق كله.
فهو خلق بنسبة وهو حق بنسبة والعين واحدة.
فعين صورة ما تجلى عين صورة من قبل ذلك التجلي، فهو المتجلي والمتجلي له.
فانظر ما أعجب أمر الله من حيث هويته، ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى.
فمن ثم و ما ثمه ... و عين ثم هو ثمه
فمن قد عمه خصه ... و من قد خصه عمه
فما عين سوى عين ... فنور عينه ظلمه
فمن يغفل عن هذا ... يجد في نفسه غمه
وما يعرف ما قلنا  ... سوى عبد له همه )

يتكلم به إلى غير ذلك من القوى ومحالها التي هي الأعضاء لم تفرق) بين المرتبتين بل جعلتهما أمرا واحدا ظهر بنسبتي الوحدة والكثرة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فقلت: الأمر) الذي كلا منا فيه وهو الوجود (حق كله) باعتبار جهة الوحدة (أو خلق كله) باعتبار جهة الكثرة (فهو خلق بنسبته)، وهي جهة الكثرة (وحق بنسبته) بومي جهة الوحدة (والعين) في الإعتبارین
(واحدة فعين صورة ما تجلی) بالتجلي الشهادي أو الشهودي (عين ما قبل ذلك التجلي، فهو أي الحق هو المتجلي أو المتجلى له.)
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فانظر ما أعجب أمر الله) وشأنه (من حيث هويته) الغيبية التي تقتضي إسقاط النسب (ومن حيث نسبته إلى العالم في حقائق أسمائه الحسنى) فأمره وشأنه من حيث هويته تقتضي حقائق الأسماء التنزيهية ، ومن حيث نسبته إلى العالم سائر الأسماء. 
فقوله في حقائق الأسماء مرتبط بقوله : أمر الله حيث يكون الأمر الواحد الذي هو الحق بإطلاقه الذاتي ظهر في الحيثيتين المتقابلتين وهو فيهما عينهما مع وحدته المقدسة عن التنزيه والتقابل .
(فمن ثم)، أي في الواقع وهو إنكار لوقوع الماهيات والأشخاص من ذوي العقول. وقوله : (وما ثم) إنكار لوقوعها من غير ذي العقول (وعين) تعين (ثم)، أي في الواقع (هو) أي الحق (ثمه)، أي في الواقع أي كل عين تعين بتعين مخصوص في الواقع هو الحق بعينه فيه .
(فمن قد عمه خشه.. ومن قد خصه عمه) 
وأطلقه عن القيود ونزهه عن الإطلاق المقابل للتقييد وإذا ثبت هذا الإطلاق.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فما عين) من الأعيان (سوی عین) أخر (فنور) في أي مرتبة كانت (عينه ظلمة) يقابل باعتبار هذه الحقيقة المطلقة فإنها هي التي تظهر بصور المتقابلات .
(فمن يغفل عن هذا) الذي ذكرناه من معنى الإطلاق .
(بجد في نفسه غمه)، لأنه يجهل الأمر على ما هو عليه و الجاهل مغموم أبدا .
(ولا يعرف ما قلنا .. سوى عبد له همه ) قوية عالية لا تقنع بظواهر العلوم ولا يقف عند مبلغ علماء الرسوم، بل يخرق العادات ويرفع حجب التعينات ولا برضى من كل شيء إلا باللب لا تسكن مع القشور أبدا.

قال الشيخ رضي الله عنه :  («إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب» لتقلبه في أنواع الصور والصفات ولم يقل لمن كان له عقل، فإن العقل قيد فيحصر الأمر في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر في نفس الأمر.
فما هو ذكرى لمن كان له عقل وهم أصحاب الاعتقادات الذين يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا وما لهم من ناصرين.
فإن إله المعتقد ما له حكم في إله المعتقد الآخر: فصاحب الاعتقاد يذب عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره، وذلك)

 (قال تعالى : (" إن في ذلك " )، أي القرآن الناطق بإثبات أمور متخالفة للحق سبحانه من التنزيه والتشبيه (و لأخرى)، أي تذكر بما هو الحق عليه في نفسه من التغلب في الشؤون.
(لمن كان له قل ) سمى به (لتقلبه في أنواع الصور والصفات) المتخالفة لاختلاف التجليات.
وإنما قال : "لمن كان له قلب" [ق : 37] (ولم يقل: لمن كان له عقل فإن العقل) لغة وحقيقة (قید) أما لغة فإنه يقال : عقل البعير بالعقال أي قيده به ، وعقل الدواء البطن أي عنده . 
وأما حقيقة فلأن العقل يقيد العاقل مما يؤدي نظره وفكره إليه (فيحصر القلب في نعت واحد والحقيقة تأبى الحصر)، في نعت واحد (في نفس الأمر فما هو).
أي القرآن (ذكرى لمن كان له عقل) لقيده بما يؤديه الفكر إليه فإنه ليس ممن يتذكر بما وقع في القرآن من الآيات الدال على التنزيه والتشبيه جميعا.
بل تأول ما وقع على خلاف ما يؤديه فكره إليه كالآيات الدالة على التشبيه مثلا.
(وهم)، أي من كان لهم عقل هم (أصحاب الاعتقادات) الجزئية و التتبيدية (الذين يكفر بعضهم) الذي يؤديه فكره إلى عقد مخصوص (بعضا) آخر يؤديه فكره إلى خلاف ما أدى إليه فكره إلى خلاف ما أدى إليه فكر البعض الأول (ويلعن بعضهم بعضا وما لهم)، أي لأصحاب الاعتقادات (من ناصرین) في هذه المخالفة والمجادلة (فإن إله المعتقد) الذي اتخذه بتصوره وجعله إلها (ما له حكم في إله المعتقد الآخر) ليخذله وينفيه فيكون ناصرا للمعتقد الأول.
وكذا له المعتقد الآخر ليس له حكم في إلى المعتقد الأون ليخذله وبنفيه فيكون ناصرا للمعتقد الآخر، وذلك لأنه لا يترتب على الصور المجعولة في الوهم أو الخیال حکم دائر كما يترتب على الأمور الخارجية.
فما هؤلاء المعتقدين من آلهة ناصرین . قال تعالى:" واتخذوا من دون الله ، آلهة لعلهم ينصرون [يس: 74] لا يستطيعون نصرهم بل هؤلاء المعتفدون ينصرونهم بالذب عنهم. 
والى ذلك الإشارة بقوله : وهم لهم جند محضرون لأن الجند إنما هو لنصرة صاحب الجند (فصاحب الاعتقاد يذب)، أي يدفع

قال الشيخ رضي الله عنه : ( في اعتقاده لا ينصره، فلهذا لا يكون له أثر في اعتقاد المنازع له.
وكذا المنازع ما له نصرة من إلهه الذي في اعتقاده، فما لهم من ناصرين، فنفى الحق النصرة عن آلهة الاعتقادات على انفراد كل معتقد على حدته، والمنصور المجموع، والناصر المجموع. فالحق عند العارف هو المعروف الذي لا ينكر.
فأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.
فلهذا قال «لمن كان له قلب»)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (عنه أي عن الأمر الذي اعتقده في إلهه وينصره وذلك الإله الذي في اعتقاده لا ينصره فلهذا)، أي تعدم نصرته إياه (لا يكون له أثر) وحكم (في اعتقاد المنازع له) بنفيه وإبطاله وإلا يلزم نصرته فإنه لیست نصرته إلا ذلك (وكذا المنازع ما له) ما تأكيد الأول فلا يرد النفي على النفي.
أي وكذلك المنازع ليس له (نصرة من إلهه الذي في اعتقاده ، فما لهم)، أي لأصحاب المعتقدات الجزئية (من ناصرین فنفى الحق سبحانه) في قوله تعالى : "وما لهم من ناصرين"  (النصرة)، أي نصرة المعتدين عن آلهة الاعتقادات على طريقة (انفراد كل معتقد) واختصاصه (على حدته) بننی نصرة إلهه المجعول في اعتقاده، أي في نصرة كل إنه مجعول لمن جعله إلها في اعتقاده (والمنصور).
وفي بعض النسخ فالمنصور أي ما يكون منصور على تقدیر بعدم النصرة (المجموع) المفهوم من ضمير الجمع أعني هم في قوله : 
فما لهم وهم المعتقدون أصحاب آلهة الاعتقادات (والناصر) أيضا على ذلك التقدير (المجموع) المفهوم من صيغة جمع اسم الفاعل في قوله "من ناصرين"  وهم آلهة الاعتقادات.
ولما بين أن الحق سبحانه عند أصحاب الاعتقادات الجزئية معروف عندهم في صور اعتقاداتهم منكر لهم فيما عداها أراد أن يشير إلى حال العارف .
فقال : (فالحق عند العارف) الذي عرف الحق بتقلب قنبه في أنواع الصور و الصفات (هو المعروف الذي لا بنکر) في صورة من الصور ، لأنه يعرف أن لا غير في الوجود وصور الموجودات كلها ظاهرا وباطنا كلها صورته.
فهو لا ينكر عبيده بوجه من الوجوه (فأهل المعروف في الدنيا)، أي الذين لهم أهلية معرفة الحق في مواطن الدنيا في صور تجلياته (هم أهل المعروف في الآخرة)، أي هم الذين يعرفونه في الآخرة في صور يتحول فيها لا ينكرونه أبدا .
(ولهذا)، أي الاختصاص معرفة الحق في جميع الصور في الدنيا والآخرة بحيث لا ينكر العارف الناتج معرفته عن تقلب قلبه (قال تعالى "لمن كان له قلب" ) فإنه قد تقلب
  
قال الشيخ رضي الله عنه : (فعلم تقلب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال.
فمن نفسه عرف نفسه، وليست نفسه بغير لهوية الحق، ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق، بل هو عين الهوية.
فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة، وهو الذي لا عارف ولا عالم، وهو المنكر في هذه الصورة الأخرى.
هذا حظ من عرف الحق من التجلي والشهود في عين الجمع، فهو قوله «لمن كان له قلب» يتنوع في تقليبه.
وأما أهل الإيمان وهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق، لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين الأخبار الواردة بحملها على أدلتهم العقلية، فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم وسلامه هم المرادون بقوله تعالى «أو ألقى السمع» لما وردت به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهو يعني هذا الذي ألقى السمع شهيد ينبه على حضرة الخيال واستعمالها، )


قال الشيخ رضي الله عنه : (فعلم تقليب الحق في الصور بتقليبه في الأشكال فمن نفسه عرف نفسه)، أي نفس الحق (وليست نفسه بغير هوية الحق) السارية في الكل دنيا وأخرى (ولا شيء من الكون مما هو كائن ويكون بغير لهوية الحق بل هو عين الهوية. فهو العارف والعالم والمقر في هذه الصورة وهو الذي لا عارف ولا عالم وهو المنكر في الصورة الأخرى هذا)، أي هذا النوع من المعرفة الذي لا يعقبه نكرة .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (حظ من عرف الحق من التجلي والشهود)، أي من تجليه في الصور وشهوده فيها حال كونه مستقر (في عين) مقام (الجمع) بحيث لا تشغله صور التفرقة عن شهوده (فهو) من يشير إليه (قوله : "لمن كان له قلب") يتنوع في تقليبه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أهل الإيمان) الاعتقادي الذين لم يعرفوا الحق من التجلي والشهود (فهم المقلدة الذين قلدوا الأنبياء والرسل فيما أخبروا به عن الحق) من غير طلب دليل عقلي (لا من قلد أصحاب الأفكار والمتأولين للأخبار الواردة) الكاشفة عن الحق کشفا مبينا (بحملها على أدلتهم العقلية) بارتكاب احتمالاتها البعيدة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فهؤلاء الذين قلدوا الرسل صلوات الله عليهم) حق التقليد (هم المرادون بقوله: "أو ألقى السمع" لما وردت)، أي الاستماع ما وردت (به الأخبار الإلهية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام وهو يعني هذا الذي يلقى السمع شهيد).
أي حاضر بما يسمعه مراقب له في حضرة خياله (ينبه) ، أي هذا القول أو الحق سبحانه بهذا القول (على حضرة الخيال واستعمالها) في حضار صورة ما سمعه يعني ينبغي لملقي السمع أن يجهد في إحضار ما يسمعه في خياله لعله يفوز بالتجليات المثالية لا أن يكون صاحب تنك التجليات بالفعل وإلا بقي بعض مقلدة الأنبياء خارجة عن هذا الحكم.
ووجه التشبيه أن الشهود كما قال الشيخ المؤلف رضي الله عنه في اصطلاحاته الخاصة هو الرؤية بالبصر ، وههنا وإن لم يكن المراد بالشهود الرؤية البصرية لكن ينبغي أن يراد به ما يشابهها، كما قال المشابهة وهو مشاهدة الصور المتمثلة في حضرة الخيال ليس إلا

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو قوله عليه السلام في الإحسان «أن تعبد الله كأنك تراه»، والله في قبلة المصلي، فلذلك هو شهيد.
ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي ألقى السمع، فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه.
ومتى لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية.
فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم «إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا» والرسل لا يتبرءون من أتباعهم الذين اتبعوهم.
فحقق يا ولي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية.
وأما اختصاصها بشعيب، لما فيها من التشعب، أي شعبها لا تنحصر، لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها، أعني الاعتقادات )

قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو قوله عليه السلام في الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)، أي حال كونه كالمرني بالبصر لك أو حال كونك كالرائي بالبصر به في صورة المعتقد عندك (وقوله) عليه السلام (الله في قبلة المصلي) فإن الكائن في جهة لا بد له من صورة .
(ولذلك) الشهود الخيالي (فهو)، أي كل واحد صاحب الإحسان والمصلي (شهيد) الحق سبحانه مشاهد له.
قال الشيخ رضي الله عنه : (ومن قلد صاحب نظر فكري وتقيد به فليس هو الذي القى السمع فإن هذا الذي ألقى السمع لا بد أن يكون شهيدا لما ذكرناه ومشي لم يكن شهيدا لما ذكرناه فما هو المراد بهذه الآية. فهؤلاء)، يعني المقلدين لأصحاب الأفكار (هم الذين قال الله فيهم "إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا") [البقرة: 166] .
لأن المتبوعین دعوة التابعين إلى خلاف الواقع فتبعوهم، ويرجع نكال متابعتهم إلى متبوعهم فتبرؤوا منهم (والرسل لا يتبرؤون من أتباعهم الذي اتبعوهم)، لأنهم دعوهم إلى الحق والصدق فتبعوهم فانعكست أنوار متابعتهم إليهم فلم يتبرؤوا منهم (فحقق يا وليي ما ذكرته لك في هذه الحكمة القلبية) من الحكم والمعارف .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما إختصاصها بشعیب فلما فيها من النشعب أي شعبها) كثيرة (لا تنحصر في عدد) معين (لأن كل اعتقاد شعبة فهي شعب كلها أعني الاعتقادات) تفسير للضمير يعني هي، أي الاعتقادات شعب كلها، وهذا آخر للاختصاص يناسب شعيبة باعتبار اسمه ، بخلاف ما ذكر في أول الفص فإنه يناسبه باعتبارات أخر
  
قال الشيخ رضي الله عنه: ( فإذا انكشف الغطاء انكشف لكل أحد بحسب معتقده، وقد ينكشف بخلاف معتقده في الحكم، وهو قوله «وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون».
فأكثرها في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة.
فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب، وجد الله غفورا رحيما، فبدا له من الله ما لم يكن يحتسبه.
وأما في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا، فإذا انكشف الغطاء رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها.
وانحلت العقدة فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة.
وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر، فيبدو لبعض العبيد باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية خلاف معتقده لأنه لا يتكرر، فيصدق عليه في الهوية «وبدا لهم من الله» في هويته «ما لم يكونوا يحتسبون» فيها قبل كشف الغطاء. )

قال الشيخ رضي الله عنه :  (فإذا انكشف الغطاء انكشف) الحق سبحانه (لكل أحد بحسب معتقد، وقد بنکشف بخلافي معتقده) والانكشاف بخلاف المعتقد (إما في الحكم عليه السلام) بجزئيات الأحوال والأوصاف وإما في هوية ذاته المقدسة.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وهو)، أي المنکشف بخلاف المعتقد مطلقة (ما يدل عليه قوله : "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون" فأكثرها)، أي أكثر الاختلافات يكون (في الحكم كالمعتزلي يعتقد في الله نفوذ الوعيد في العاصي إذا مات على غير توبة فإذا مات وكان مرحوما عند الله قد سبقت له عناية بأنه لا يعاقب وجد الله غفورا رحيما فبدا له من الله) من الرحمة والمغفرة.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ما لم يكن يحتسبه) من قبل (وأما) خلاف المعتقد (في الهوية فإن بعض العباد يجزم في اعتقاده أن الله كذا وكذا فإذا انكشف الغطاء، رأى صورة معتقده وهي حق فاعتقدها) حقا وأجيد بصره (وانحلت العقدة)، أي عقيدة التعيين والتقييد (فزال الاعتقاد) الحاصل من الفكر والنظر الحاكمين بالتقييد.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وعاد علمة بالمشاهدة وبعد احتداد البصر لا يرجع كليل النظر فيبدو لبعض العبيد) الظاهر له لكنه وضع المظهر موضع المضمر ، أي فيبدو الحق له ملتبسة (باختلاف التجلي في الصور عند الرؤية لأنه)، أي التجلي (لا يتكرر فيصدق عليه في الهوية وبدا لهم من الله في هوينه ما لم يكونوا بحتسبون فيها) واختلاف التجلي .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (قبل کشف الغطاء) ولما كان كشف الحق بخلاف المعتقد، سواء كان في الحكم أو الهوية من باب الترقي بعد الموت، وأنكره بعضهم أثبته بما حکی رضي الله عنه عن نفسه حالة اجتماعه بمن سلف من الكبراء، و إفادته إياهم المعارف التوحيدية ما لم يكن عندهم وإمدادهم بما ترقوا به في الدرجات.
  
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف وما أفدناهم في هذه المسألة بما لم يكن عندهم.
ومن أعجب الأمور أنه في الترقي دائما ولا يشعر بذلك للطافة الحجاب ودقته وتشابه الصور  مثل قوله تعالى «وأتوا به متشابها».
وليس هو الواحد عين الآخر فإن الشبيهين عند العارف أنهما )

 (وقد ذكرنا صورة الترقي بعد الموت في المعارف الإلهية في كتاب التجليات لنا عند ذكرنا من اجتمعنا به من الطائفة في الكشف) كذي النون المصري والجنيد وسهل بن عبد الله ويوسف بن الحسين والحلاج قدس الله أسرارهم (وما أفدناهم في هذه المسألة)، أي مسألة المعارف الإلهية (ما لم يكن عندهم) لما يدل على عدم الترفي بعد الموت من قوله تعالى: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا إنما هو بالنسبة إلى معرفة الحق لمن لا معرفة له أصلا ، فإنه إذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها.

وأما قوله عليه السلام:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " رواه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم .
 فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها على الأعمال لا تحصل ، وما لا يتوقف عليها بل تحصل بفضل الله ورحمته فقد تحصل، وذلك في مراتب الترقي.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (ومن أعجب الأمر)، أي أمر الإنسان (أنه في الترقي) من صورة إلى صورة ظاهرة وباطنة (دائما) آنا فآنا (ولا يشعر بذلك الترقي للطاقة الحجاب) الساتر وجه أتحاد الصورتين وهو ما تمتاز به إحداهما عن الأخرى (ورقته) عطف تفسير للطاقة (وتشابه الصور) عطف على لطافة الحجاب ومتفرع عليه ، فإنه إذا لم يستر ما به لامتياز وجه الاتحاد غلب حكم ما به الاتحاد وتشابهت الصورتان فلا تتميز إحداهما عن الأخرى تمييزا ظاهرا، فلا يشعر بالترقي الذي لا يدرك إلا بهذا التميز.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (مثل قوله) تعالى صفة مصدر محذوف، أي تشابها مثل تشابه أرزاق أهل الجنة المفهوم من قوله تعالى: (" كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)[سورة البقرة] وليس هو الواحد عين للاخر) .
لفظة هو تأكيد للضمير المستتر في لیس والواحد عطف بيان له وعين الآخر خبر لیس، أي ليس الواحد من أرزاق أهل الجنة عين الرزق الآخر منها بل غيره، ومثل هذا الضمير كثيرا ما يقع في مصنفات الشيخ رضي الله عنه وكأنه من خواص لغة المغاربة (فإن الشبيهين عند العارف)، أي عند الذي يعرف .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( شبيهان، غيران ، و صاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، و إن اختلفت حقائقها و كثرت، أنها عين واحدة.
فهذه كثرة معقولة في واحد العين.
فتكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة، كما أن الهيولى تؤخذ في حد كل صورة، وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد هو هيولاها.
فمن عرف نفسه بهذه المعرفة فقد عرف ربه فإنه على صورته خلقه، بل هو عين ) 

(أنهما شبیهان غیران) إذ لا يمكن أن يكون شيء شبيهة لنفسه فقوله: غيران خبر المكسورة، وشبيهان خبر أن المفتوحة، وهي مع اسمها وخبرها مفعول العارف، وفي بعض النسخ من حيث أنهما شبيهان، وكأنه إلحاف ممن لم يتضح المعنى عنده والتعويل على ما ذكرناه أولا فإنه الموافق لما في النسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي الله عنه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وصاحب التحقيق) الجامع بين الفرق والجمع (يرى الكثرة) الواقعة في العالم موجودة (في الواحد) الحقيقي الذي هو الوجود الحق المطلق كرزية القطرات في البحر والثمرات في الشجر والشجر في النواة (كما بعلم أن مدلول الأسماء الإلهية وإن اختلفت حقائقها وكثرت أنها) تکرار، لأن المفتوحة مع أسمها تأكيدة وخبرها (عين واحدة فهذه) الكثرة الوجودية الخلقية والأسمائية (كثرة معقولة في واحد العين فتكون العين الواحدة في التجلي) بصور العالم أو بصور الأسماء الإلهية.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (كثرة مشهودة في عين واحدة كما أن الهيولى) وهي عندهم كلما يظهر بصورة من الصور جوهرة كان أو عرض مقومة لمحله أو منقوم به فهو أعم مما عليه اصطلاح الحكماء، ولو حمل على مصطلح الحكماء يكفي في التمثيل أيضا (توجد في حد كل صورة وهي مع كثرة الصور واختلافها ترجع في الحقيقة إلى جوهر واحد وهو)، أي ذلك الجوهر الواحد.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هیولاها)، أي هيولى الصورة فكما أن الكثرة الواقعة في العالم معقولة في واحد العين وهو الوجود المطلق كذلك كثرة الصور كثرة معقولة في الهيولى، وكما أن تجلي العين الواحدة بصور العالم كثرة مشهودة في عين واحدة ، كذلك ظهور الهيولى، في الصور كثرة مشهودة في عين واحدة هي الهيولى.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فمن عرف نفسه بهذه المعرفة)، أي عرفها بمثل هذه المعرفة عينة واحدة ذات كثرة معقولة وكثرة مشهودة في عين واحدة (فقد عرف ربه) كذلك (فإنه تعالى على صورته خلقه)، كما جاء في الحديث الصحيح:"إن الله خلق آدم على صورته" رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
(بل هو عين 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هويته وحقيقته.
ولهذا ما عثر أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية.
وأما أصحاب النظر وأرباب الفكر من القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها، فما منهم من عثر على حقيقتها، ولا يعطيها النظر الفكري أبدا.
فمن طلب العلم بها من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم.
لا جرم أنهم من «الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه، وما أحسن ما قال الله تعالى في حق العالم وتبدله مع الأنفاس.
«في خلق جديد» في عين واحدة، فقال في حق طائفة، بل أكثر العالم، «بل هم في لبس من خلق جديد». فلا يعرفون تجديد الأمر مع الأنفاس.
لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض، وعثرت عليه الحسبانية  في العالم كله.
وجهلهم أهل النظر بأجمعهم.)
  
هويته) التي اختلفت فيه (و) عين (حقیقنه) التي تسترت به (ولهذا)، أي لكون معرفة النفس ما ذكرناه وهي لا تحصل إلا بالكشف والذوق (ما عثر)، أي ما اطلع (أحد من العلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والصوفية) إذ لا تحمل عطايا المنك إلا مطايا المنك.
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أصحاب النظر وأرباب الفكر من) الحكماء (القدماء والمتكلمين في كلامهم في النفس وماهيتها فما منهم من عثر على حقيقتها ولا يعطيها)، أي لا يعطى حقيقتها والعثور عليها (النظر الفكري أبدأ . فمن طلب العلم بها)، أي بماهية النفس وحقيقتها
قال الشيخ رضي الله عنه :  (من طريق النظر الفكري فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم لا جرم أنهم من و الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ) التي هي مادة الحياة الحقيقية الأبدية الأخروية ("وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" [الكهف: 104) فمن طلب الأمر من غير طريقه فما ظفر بتحقيقه).
وبما انجر كلام الشيخ رضي الله عنه إلى أن العالم كثرة مشهودة في عين واحدة فقال : (وما أحسن ما قال الله في حق العالم وتبدله مع الأنفاس في خلق جديد في عين واحدة فقال : في حق طائفة) وهم أهل النظر (بل أكثر العالم) فإنهم محجوبون عن ذلك التشابه الصور .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (بل هم في لبس من خلق جديد فلا يعرفون تحديد الأمر)، أي أمر وجود العالم (مع الأنفاس، لكن قد عثرت عليه الأشاعرة في بعض الموجودات وهي الأعراض) فإنهم ذهبوا إلى أن العرض لا يبقى زمانین (وعثرت عليه الحسبانية في العالم 

قال الشيخ رضي الله عنه : (ولكن أخطأ الفريقان: أما خطأ الحسبانية فبكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر الذي قبل هذه الصورة ولا يوجد إلا بها كما لا تعقل إلا به.
فلو قالوا بذلك فازوا بدرجة التحقيق في الأمر.
وأما الأشاعرة فما علموا أن العالم كله مجموع أعراض فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين.
ويظهر ذلك في الحدود للأشياء، فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه الأعراض، وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر وحقيقته القائم بنفسه.)

كله) جواهره وأعراضه وهم المسماة بالسوفسطائية الذين يذهبون إلى تبدل العالم وعدم تقرره بحال (وجهلهم)، أي الحسبانية (أهل النظر بأجمعهم ولكن أخطأ الفريقان. أما خطأ الحسبانية فلكونهم ما عثروا مع قولهم بالتبدل في العالم بأسره على أحدية عين الجوهر المعقول)، أي المدرك بالعقل لا بالحواس (الذي قبل هذه الصور)، أي صورة العالم (ولا يوجد) ذلك الجوهر (إلا بها) إلا بهذه الصورة في الحس الباطن.
وهو عالم المثال المطلق والمقيد والحس الظاهر أي عالم الشهادة المدرك بالحواس الخمس الظاهرة، وليس المراد أن ذلك الجوهر بدون تلك الصور غير موجود في نفسه بل هو موجود في العقل فقط (كما لا تعقل)، تلك الصورة (إلا به)، أي بذلك الجوهر لأنه داخل في حدها .
فإن قلت: عدم العثور على الشيء من مقول الجهل البسيط والخطأ إنما يكون من الجهل المركب.
قلنا: كأنهم حيث لم يعثروا على أحدية عين قابلة تلك الصورة المنبدلة الغير المنقررة أعتقدوا أنها ظاهرة بأنفسها لا في جوهر واحد العين وذلك جهل مرکب يسلتزم الخطأ (فلو قالوا بذلك)، أي بأن الجوهر شيء واحد يطرأ عليه صورة العالم كله فتصير موجودات معينة متكبرة .
وذلك الجوهر عین الحق الذي بتجليه واحد العائم (فازوا بدرجة التحقيق في الأمر) لأنهم حينئذ كانوا عارفين بالأمر على ما هو عليه .
وأما الأشاعرة فما علموا، أي وأما خطأ الأشاعرة فإنهم ما علموا (أن العالم كله مجموع أعراض) يتقوم بها ذلك الكل (فهو يتبدل في كل زمان إذ العرض لا يبقى زمانين ويظهر ذلك)، أي كون العالم مجموع أعراض (في الحدود للأشياء فإنهم إذا حدوا الشيء تبين في حدهم كونه)، أي كون ذلك الشيء (تلك الأعراض وأن هذه الأعراض المذكورة في حده عين هذا الجوهر المحدود وحقيقته القائم بنفسه) بالجر على أنه صفة للجوهر، وذلك لأن المذكور في حدود الأشياء ذاتيانها وذائيات الشيء ومقوماته عينه في الوجود

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن حيث هو عرض لا يقوم بنفسه.
فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم بنفسه كالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه الذاتي وقبوله للأعراض حد له ذاتي.
ولا شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل لأنه لا يقوم بنفسه: وهو ذاتي للجوهر.
والتحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز عرض لا يكون إلا في متحيز، فلا يقوم بنفسه.
وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود لأن الحدود الذاتية هي عين المحدود و هويته.
 فقد صار ما لا يبقى زمانين ، يبقى زمانين ، وأزمنة وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه.
ولا يشعرون لما هم عليه، وهؤلاء هم في لبس من خلق جديد.
وأما أهل الكشف فإنهم يرون أن الله يتجلى في كل نفس ولا يكرر التجلي)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (و من حيث هو عرض لا يقوم بنفسه فقد جاء من مجموع ما لا يقوم بنفسه من يقوم)، أي ما لا يقوم (بنفسه) والعرض المذكور في الحدود (کالتحيز في حد الجوهر القائم بنفسه) يعني الجسم (الذاتي) صفة للتحيز .
والمراد به جزاء الماهية فإن الجسم يحد بأنه متحيز قابل للأبعاد الثلاثة فالتحيز له ذاني.

قال الشيخ رضي الله عنه :  (وقبوله)، أي قبول الجوهر القائم بنفسه الذي أريد به الجسم (للأعراض)، أي الأبعاد الثلاثة (حد)، أي جزء حد (له ذاتي ولا شك أن القبول عرض إذ لا يكون إلا في قابل، لأنه لا يقوم بنفسه) بل بالقابل (إذ هو)، أي بالقبول (ذاتي للجوهر) الذي هو الجسم (و) كذلك (التحيز عرض ولا يكون إلا في متحيز فلا يقوم بنفسه، وليس التحيز والقبول بأمر زائد على عين الجوهر المحدود) يعني الجسم (لأن الحدود الذاتية) بعین أجزائها (هي عين المحدود) في العقل (وهويته) في العين (فقد صار ما لا يبقى زمانین يبقي زمانين وأزمنة، وعاد ما لا يقوم بنفسه يقوم بنفسه) وذلك ببديهة العقل.
فمذهب الأشاعرة المفضي إلى مثل ذلك الباطل خطأ هذا حال ما في الخارج عن أنفسهم (ولا يشعرون بما هم عليه السلام) في أنفسهم من التبدل الواقع فيهم بالخلق الجديد (وهؤلاء هم في لبس من خلق جدید) دائما ولا يشعرون بذلك أصلا .
قال الشيخ رضي الله عنه :  (وأما أهل الكشف فإنهم يرون) شهودا (أن الله تعالى يتجلى في كل نفس) بتجليين أحدهما لرفع الوجود السابق والآخر لإفاضة الوجود اللاحق (ولا يكرر التجلي) لأن أحدهما يوجب الفناء والآخر يوجب البقاء.

قال الشيخ رضي الله عنه: ( و يرون أيضا شهودا أن كل تجل يعطي خلقا جديدا و يذهب بخلق.
فذهابه هو عين الفناء عند التجلي و البقاء لما يعطيه التجلي الآخر. فافهم.)

فإن قلت : هب أنه لا يتكرر في كل نفس لما ذكرت لكن لا نسلم أنه لا يتكرر بحسب الأنفاس فإن في كل نفس يتكرر التجلي الموجب للفناء مرتين .
وكذا التجلي الموجب للبقاء قلت : الفناء في كل نفس برفع وجود آخر والبقاء بفيضان وجود آخر فلا تکرار (ویرون أيضا شهودا) مرافقا لما في النص فليس مستندهم النص فقط (أن كل تجلي يعطي خلقا جديدا ويذهب بخلق فذهابه هو الفناء عند التجلي الموجب للفناء والبقاء لما يعطيه)، أي الخلق الجديد يعطيه. 
(التجلي الآخر) الموجب للبقاء، ولما كان الوجود اللاحق من جنس الوجود السابق مماثة له لم يشعر المحجوبون بالخلق الجديد.
وهذا بعينه كما تقول الأشاعرة في تعاقب الأمثال على محل العرض من غير خلو آن من شخص من العرض مماثل للشخص الأول، فيظن الناظر أنها عين واحدة مستمرة (فافهم) ما أفدناك لعلك تحظى بفهم معارف أهل الكشف وتجتهد في الوصول إلى مقاماتهم و مشاهداتهم وفقنا الله تعالى لما يحب ويرضى .
 تم الفص الشعيبي
 .
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment