Monday, November 18, 2019

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

14 - The Wisdom of Destiny in the Word of Ezra

جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة . فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين . وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة . فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي . ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه . والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  (فسر القدر) الإلهي أي علمه (من أجلّ) ، أي أعظم العلوم الإلهية (وما يفهمه) ، أي سر التقدير (اللّه) تعالى لأحد من الناس (إلا من اختصه) ، أي اللّه تعالى (بالمعرفة التامة به) سبحانه ، فيعلم ذلك العارف الذي اعتنى به الحق تعالى فعرف أنه تعالى قدر على الأشياء وألزمها في الأزل بعين ما هي ثابتة من أحوالها في علمه تعالى الأزلي حال عدمها الأصلي ، ثم إنه تعالى يوجد كل شيء منها في وقته المخصوص به في ثبوت عينه وحاله المخصوص كذلك .
فكأنه تعالى أوجد الأشياء بجميع ما هي عليه في أعيانها العدمية ، فقدر عليها وألزمها بما هي عليه .
وبسبب ذلك كان التوجه منه تعالى عليها من الأزل إلى الأبد ، فانصبغت بوجوده وهي على ما هي عليه من عدمها الأصلي ، فجاء التعريف الإلهي بقوله تعالى "كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ " [ القصص : 88 ]
وقوله: " كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ( 26 ) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ" [الرحمن : 26 - 27 ] .
وقول النبي صلى اللّه عليه وسلم : « كان اللّه ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان »
وقوله صلى اللّه عليه وسلم : « أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل » ، فعرف من عرف وجهل من جهل . رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(فالعلم به )، أي بسر القدر الإلهي (يعطي الراحة) ، أي عدم التعب (الكلية) من حيث الظاهر والباطن (للعالم به) ، أي بسر القدر في بعض الأوقات لحال يقتضيه ، لأنه يرفع من العارف حكم الخوف والرجاء ويقتضي الإلزام بحال واحد لا يتغير فيه العبد مع اللّه تعالى ، لقطعه بما هو كائن لا محالة ، سواء علم عين ما يكون أو لم يعلم ، ولا يقبل العالم به الراحة الكلية إلا إذا كانت ثابتة في عينه العدمية ، فتظهر عليه في حالة إيجاده .
(ويعطي) أيضا ، أي العلم بسر القدر (العذاب الأليم للعالم به أيضا) في بعض الأوقات إذا كان ذلك ثابتا في عينه العدمية ، فيظهر منه كذلك في حالة وجوده بكمال الضجر والتألم أن يكون قد اقتضى ذلك ثبوت شر في عينه ، فيظهر في كونه وإن كان معصوما لعلمه بالعدل الإلهي ، حتى قيل إن إبراهيم الخليل عليه السلام كان يخفق قلبه في صدره حتى تسمع قعقعة عظامه من نحو ميل من شدة خوفه .
وكان نبينا صلى اللّه عليه وسلم يسمع لصدره أزير كأزير المرجل ، أي القدر على النار وهو من باب علمهم بسر القدر الإلهي في حال يقتضي منهم ذلك لثبوته في أعيانهم الأصلية .
(فهو) ، أي العلم بسر القدر (يعطي النقيضين) ، أي الراحة والتعب للعالم به على حسب الأحوال التي تعتريه بمقتضى العين الأصلية (وبه) ، أي بسبب سر القدر (وصف اللّه تعالى نفسه) في كلامه القديم على لسان نبيه عليه السلام (بالغضب) على أقوام بسبب أفعال صدرت منهم وأحوالهم التي هم عليها (وبالرضى) أيضا عن أقوام كذلك فكان ذلك بمقتضى ما عليه تلك الأقوام في أعيانهم العدمية من أحوال تلك الأعيان في الدنيا من المخالفات وفي الآخرة من المجازات بالثواب والعقاب وبه ، أي بسر القدر (تقابلت الأسماء الإلهية ) بأسماء الجلال وأسماء الجمال لتقابل أحوال الأعيان العدمية بما يقتضي ظهور الجلال لها من الحق تعالى ، أو ظهور الجمال منه سبحانه لها ، بل تعينت به جميع الأسماء الإلهية من الذات العلية ، وبه تسمى سبحانه وبه نعت وبه عرف وبه جهل .
)فحقيقته( ، أي سر القدر )تحكم( باعتبار أحوال الأعيان الثابتة في العدم عند تلك الأعيان )في الوجود المطلق( وهو الحق تعالى .
فتسميه بالأسماء وتنعته بالنعوت ، وتقابل بين حضراته وتنوّع أنواع تجلياته ، لا بالنسبة إلى ذلك الموجود المطلق في نفسه ، فإنه غني عن العالمين بحكم قوله سبحانه: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ [ آل عمران : 97 ] .
أي بذاته من حيث هي ، وأما باعتبار المراتب ، فإنها ما تنوّعت وكثرت إلا باختلاف العالمين ، ولولا المراتب لم يكن البحث عن الذات الإلهية مفيدا ، فإنه لا يتصوّر أن يعلم أحد من هذا الوجه ولا يجهل أيضا وحقيقة سر القدر تحكم أيضا )في الموجود المقيد( وهو هذا العالم الحادث ، فكيف ما كان يظهر هذا الممكن على مقتضاه )ولا يمكن أن يكون شيء أتم( ، أي أكمل )منها( ، أي من حقيقة سر القدر أصلا.
)ولا أقوى( في التحكم )ولا أعظم في( الشأن )لعموم حكمها (، أي حكم حقيقة سر القدر )المتعدي( من تلك الأعيان العدمية إلى عين الوجود المطلق في تعين صفاته وأسمائه من ذاته العلية الغنية عما سواها عندها )وغير المتعدي( بل قاصر على تلك الأعيان في حال ظهورها .

)ولما كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها( الإلهية )إلا من الوحي الخاص( بجبريل عليه السلام وهو النبوي )الإلهي( احتراز عن وحي الإلهام فإنه عام في غير الأنبياء كوحي النحل والأرض.
) فقلوبهم( ، أي الأنبياء عليهم السلام )ساذجة( ، أي بسيطة غير مركبة خالية )من النظر العقلي( فلا يستعملون عقولهم في العلوم الإلهية أصلا )لعلمهم( ، أي الأنبياء عليهم السلام قطعا )بقصور العقل من حيث نظره الفكري( لا الكشفي )عن إدراك الأمور( الغيبية الإلهية )على ما هي عليه( إلا إذا رفع له حجاب الغيب عنها فإنه يدركها حينئذ بقوّة شهوده وحسه .
)والأخبار أيضا( من الغير له  )يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق( من الحقائق الإلهية والمعارف الغيبية ، ولهذا كانت علوم الأنبياء عليهم السلام بالإخبار من طريق الوحي الخاص النبوي ، إنما هو علوم الرسالة من الأحكام المتعلقة بأحوال أممهم وقصص الماضين ، وأحوال المعاد وما في غيب الملكوت وخبايا الملك .

وأما ما يرجع إلى معرفة الحق تعالى فإن الأنبياء عليهم السلام نالوا ذلك من حيث ولايتهم ، واستعمال أذواقهم المؤيدة بالعصمة والحفظ ، لا من طريق الخبر ولا النظر العقلي .
وقد ورثتهم الأولياء في ذلك على تفاوت مقاماتهم )فلم يبق العلم الكامل( فيما لا ينال إلا بالذوق من علوم الأسماء الإلهية والنعوت الربانية والتجليات القدسية والحضرات الأنسية وغير ذلك )إلا في( حصول طريق )التجلي( ، أي الانكشاف )الإلهي( للعبد وإفادته العلم به منه )و (في أنواع ما )يكشفه الحق( تعالى لعباده الطاهرين من التعلق بالأكوان في ظواهرهم وبواطنهم )من أعين البصائر( القلبية )والأبصار( الحسية )من الأغطية( الوهمية التي هي مجرد قصور في الإدراك ، فيقوى الإدراك فيرى ما لم يكن يراه ، ويعرف ما لم يكن عارفا به من قبل .
)فتدرك( ، أي البصائر والأبصار عند ذلك جميع )الأمور( على ما هي عليه )قديمها( كالتعينات الاسمائية والنعوت الربانية .
)وحادثها( كمظاهر تلك التعينات والنعوت من الآثار الكونية )أو عدمها كالأعيان الثابتة حال عدمها الأصلي بحسب ما قدر لعينه مما يدركه منها ووجودها كمعرفة تجليات الوجود المطلق وشهوده في مظاهر قيوده (ومحالها) .
وهي مراتب التنزيه لذلك الوجود المطلق بحسب ما يقتضيه الوهم والخيال (وواجبها) من تحقيق معرفة الوجود والثبوت (وجائزها) من تقلب الأعيان الكونيتين :
الوجود والعدم والحدوث والقدم (على ما هي) ، أي تلك الأمور (عليه في حقائقها) الموجودة والمعدومة (وأعيانها) الثابتة والمنفية .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

( فسّر القدر ) أي فعلم سرّ القدر (من أجل المعلوم ما يفهمه اللّه تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به ) .

لعلمه إن كل الرزق الصوري والمعنوي الذي اقتضت ذاته وطلبته لا بد أن يصل إليه فيحصل الاطمئنان فيستريح عن الطلب به ( ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النقيضين ) لعلمه أن ما يلائم غرضه من مقتضى ذاته كالفقر وسوء المزاج وغير ذلك لا يزول البتة فلا يرى سببا للخلاص فيتألم بالعذاب الأليم وهذا حكم سر القدر في الخلق وأما حكمه في الحق فقد بينه بقوله ( وبه ) أي وبسر القدر أو بعلمه.
 ( وصف الحق نفسه بالغضب والرضاء وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) وانقسمت إلى اللطف والقهر من جهة العين لأن العين المؤمنة تقتضي أن يتجلى اللّه بها باللطف والعين الكافرة تقتضي أن يتجلى اللّه لها بالقهر فأظهرت الأعيان اللطف والرضاء والقهر والغضب وإذا كان الأمر كذلك ( فحقيقته ) أي فحقيقة سرّ القدر أو حقيقة العلم بسرّ القدر.
( تحكم ) باللطف والرضاء وبالقهر والغضب ( في الموجود المطلق ) أي في الحق ( و ) تحكم بالسعادة والشقاوة أو بالراحة والألم في ( الموجود المقيد ) أي في الخلق ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) أي من حقيقة سرّ القدر .
( ولا أقوى ) منها ( ولا أعظم لعموم حكمها ) باللطف والقهر ( المتعدي ) أي الحق ( و ) لعموم حكمها بالسعادة والشقاوة ( غير المتعدي ) أي الخلق قال بعض الشراح والمراد بالحكم المتعدي بالأحكام والتأثيرات التي تقع من الأعيان وغير المتعدي ما يقع من مظاهرها فيحتاج إلى حذف الموصوف تقديره الحكم المتعدي ( ولما كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين لا تأخذ ) أي لا يأخذون ( علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ) أي الوحي الخاص بهم لا يأخذ غير الأنبياء عليهم السلام من ذلك الوحي.
قوله : ( فقلوبهم ) جواب لما ودخول الفاء لكونه جملة اسمية ( ساذجة ) خالية من العلوم التي تكسب ( من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه والإخبار أيضا ) كالعقل من حيث نظره الفكري.
( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ) فيختص بما يسعه العبارة والذوقيات لا تقبل التعبير ( فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي وما ) أي وفي الذي ( يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار قوله من الأغطية ) بيان لما ( فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ) .
ولا يكفي فيهن نظر العقل والإخبار فبالتجلي الإلهي والكشف يحصل العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه بخلاف النظر العقلي والإخبار فظهر احتياج أرباب العقول إلى أرباب التجلي في العلم ( فلما كان مطلب العزير ) وهو قوله :"أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها".
( على الطريقة الخاصة ) للَّه تعالى يدل عليه قوله بعد فطلب أن لا يكون له قدرة تتعلق بالمقدور.
وقوله : فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا فلا يجوز أن يكون المراد بها طريق الوحي كما جوّزه البعض.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة . فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين . وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة . فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي . ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه . والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قلت: ظاهر كلامه رضي الله عنه، أن القضاء حكم الله في الأشياء وأما سباق المعنى فيقتضي أن القضاء حكم الأشياء في الله فتأمل ذلك. 
والذي أراه أن القضاء حكم الله تعالى وليس للممكنات تأثير وأن المعدوم ليس بشيء وأن الشيء ليس إلا الموجود وموجوديته شيئيته.
ولا يقال: إن هذا يفضي إلى تجدد العلم لله تعالى. 
فإنا نقول: إن علم الله تعالی تابع للموجودات حال وجودها وذلك ثابت في الأزل إلى الأبد، لأن ما بينهما لا ماضي فيه ولا مستقبل عند الله تعالی بل الجميع حاضر.
فما يتجدد له علم .
وأما الدليل على صحة القدر والقضاء، فإن العالم ممکن وكل ممكن فلا يقع في نفس الأمر إلا أحد طرفيه.
فالممتنع في نفس الأمر ليس بممکن، والممكن الذي لا بد أن يقع فليس إلا واجب.
فصور الواجب بأزمنته وأمكنته معلومة الله تعالى دائما أزلا وإبدا ولا يتعدي الموجود زمانه ، فشيئيته حال وجوده فقط، فيكون سر القدر أنه أحد طرفي الممكن.
أعني الذي لا بد أن يقع في نفس الأمر، وهو أحد المحتملين فلا شيء إلا بقضاء، وهو وقوع أحد المحتملين، وقدر، وهو الترتيب الذي لابد أن يقع، لأن أحكام الأعيان الثابتة في حال عدمها.
فإن المعدوم لا يتصف بالثبوت لأنه ليس بشيء.
وما بقي من هذه الحكمة فظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم ، لا يفهمه الله إلَّا لمن اختصّه بالمعرفة التامّة ، فالعلم به يعطي الراحة الكلَّية للعالم به ، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ، فهو يعطي النقيضين ، وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرضا ، وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) .
قال العبد : أمّا الراحة فلأنّ العالم بسرّ القدر يتحقّق أنّه لا يكون إلَّا ما أعطته عينه الثابتة أزلا ، والذي أعطته حقيقته أزلا لا يتخلَّف ولا يتغيّر ولا يتبدّل أبدا ، فيريح نفسه من طلب ما لا يدرك إلَّا ما علم أنّ إدراكه بالطلب أيضا في القدر .
قال العبد : ولمّا فتح الله لي في حقيقة سرّ القدر ورزقني التحقّق به ، رأيت في مبشّرة كأنّي في مسجد أو معبد مجموع في دائر حيطانه طاقات رفيعة مرفوعة ، فيها شموع مضيئة موضوعة ، فرأيت في طاقة منها كتابا متوسّط الحجم على قطع كبير أسود الجلد محكما قديما ، فأخذت الكتاب وفتحته باسم الله .
فإذا مكتوب عليه : « كتاب سرّ سرور النوم واليقظة »
فسررت بوجدانه ، وكأنّي كنت عمرا في طلبه ، فأخذته في حضني تحت صنعي ، حتى أطالعه بالتدبّر والتأمّل على الواجب ، ثمّ استيقظت .
فسررت بذلك ، ثمّ علمت أنّي أوتيت سرّ القدر ، وعلمت أنّي أسرّ بسرّ القدر في نومي الذي هو مدّة عمري في النشأة الدنياوية ، ويريحني الله عن طلب ما لم يقدّر لي ، ثمّ أسرّ به أيضا إن شاء الله العليم القدير الحكيم ، إذا استيقظت من هذا النوم عند لقاء الله الموعود المنتظر عند انقضاء الأجل المعلوم ، والحمد لله أوّلا وآخرا وباطنا وظاهرا .
وأمّا كون هذا السرّ يعطي العذاب الأليم فلأنّه يرى أعيانا على أكمل استعداد ، ويتأتّى لهم التحقّق بكل كمال وفضيلة في الدنيا والآخرة وفيما يتعلَّق بالله خاصّة ، وقد تحقّق أنّه ليس في استعداده الذاتي ومقتضى حقيقته الظهور بكلّ كمال إنساني إلهي دنيا وآخرة أو في إحداهما دون الأخرى وإن تيسّر البعض .
فيرى أنّه نقص في كمال العبدانية المظهرية ، فيتألَّم ويتحسّر ويتضجّر يتحيّر أيضا من القدر على عدم بلوغه إلى ما يبلغه غيره ، وأنّه ما ينال ذلك السعي والجهد ، فتتضاعف حسراته وآلامه بالقدر لذلك ، فلهذا معنى سرّ القدر من كونه يعطي العذاب الأليم .
والوجه الآخر في ذلك أنّه يؤمر بما يعلم أنّه ليس في استعداده الإتيان به ، كما سنذكره في الذوق المحمدي إن شاء الله تعالى .

وأمّا ترتّب الرضا والغضب الإلهيّين عليه فلأنّ الغضب يترتّب على الحكم العدمي الذي يفضي إلى عدم القابلية والاستعداد والأهلية والصلاحية لإتيان ما فيه سعادته وكماله .
فيتعيّن الغضب الإلهي بموجب ذلك .
وإذا كان مستعدّا لقبول الرحمة والفيض والعناية ، والإتيان بالأعمال والأخلاق والعلوم والأحوال المقتضية للسعادة في خصوص قابليته ، فيترتّب على ذلك ، الرضا من الله .

وأمّا تقابل الأسماء بسرّ القدر فلأنّ أعيانا معينة تقتضي بحقائقها واستعداداتها الذاتية تعيّن الوجود الحق فيها بحسب خصوصياتها الذاتية العينية ، على نحو أو أنحاء يتحقّق بتعيّنها وتسميتها للوجود الحق أسماء إلهية جمالية لطفية أو كمالية قهرية جلالية .
وأعيانا أخر كذلك تقتضي تعيّن الوجود في خصوصياتها بضدّ ما قبلت الأعيان الأولى ، فيظهر التقابل ، فإنّ زيدا - مثلا - تعيّن في مظهريته الاسم « اللطيف » وتعيّن في خصوص مظهرية عمرو القابل ، فتقابل الاسمان - بحسب خصوصيتيهما في قابليتيهما المتقابلتين بالمنافاة - متقابلين كذلك ، هكذا جميع الأسماء ، فتحقّق بذلك إن شاء الله تعالى .

قال رضي الله عنه : ( فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد ، لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أحكم ، لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي ) .
أمّا حكمها في الوجود المطلق - وهو الله تعالى - فإنّه يقتضي ويحكم أن يحكم الحق على كلّ عين عين بما في استعداده وقابليته وعلى قدره لا غير ، فلا يحكم الحق عليها إلَّا بما استدعت منه أن يحكم عليه بذلك ، فإنّه " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها " كما ذكر مرارا .
وأمّا حكمه في الخلائق فكذلك ، لا يمكن لعين من الأعيان الخلقية ، أن يظهر في الوجود ذاتا وصفة ونعتا وخلقا وفعلا وغيرها إلَّا بقدر خصوصية قابليته واستعداده الذاتي ، كما ذكرته أيضا ، وهذا سرّ القدر .
وسرّ هذا السرّ : أنّ هذه الأعيان الثابتة أو حقائق الأشياء أو صور معلومياتها للحق أزلا أو ماهياتها أو هويّاتها بحسب الأذواق والمشاهد ليست أمورا خارجة عن الحق .
قد علمها أزلا وتعيّنت في علمه على ما هي عليه ، بل هي نسب ذاتية عينية للحق أو شؤون أو أسماء ذاتية وسمات عينية وحروف عينية ، فلا يمكن أن تتغيّر عن حقائقها .
فإنّها حقائق ذاتيات ، وذاتيات الحق لا تقبل الجعل والتغيّر والتبديل والمزيد والنقصان .
وإن شئت تفهّما فنضرب لك مثلا قريب المأخذ للعقل المنوّر المنصف المتّصف بالحقيّة من كون الواحد جامعا في حقيقته الأحدية الجمعية على النصفية والثلثية والربعية وغيرها من النسب ، فإنّها نسب ذاتية للواحد ، لا تقدح في أحديته .
وإن لم يكن لها بناه كثرة إذا أظهرها الواحد بالفعل لأعيانها ، ولكنّها - من كونها في الواحد عينه - لا تتعيّن بظهور ، ولا يتميّز بعضها عن بعض ، فافهم من هذا ذاك ، إن شاء الله .

قال رضي الله عنه : « ولمّا كانت الأنبياء لا يأخذون علومها إلَّا من الوحي الإلهي الخاصّ ، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي ، لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه .  والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلَّا بالذوق ، فلم يبق العلم الكامل إلَّا في التجلَّي الإلهي ، وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ، فتدرك الأمور قديمها وحديثها ، ووجودها وعدمها ، ومحالها وواجبها وجائزها ، على ما هي عليها في حقائقها وأعيانها . )
وورد الجواب على صورة العتب ، وهو لوقوع السؤال منه على أمر يقتضي خلاف ما هو بصدده من الرسالة والأمر والنهي على صيغة الاستبعاد والاستعظام في مقام عظيم يصغر بالنسبة إليه كل عظيم .
فإن كان مطلبه هو سرّ القدر من كيفية تعلَّق القدرة بالمقدور من قوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " من طريقة الوحي والإخبار المعهود عند الرسل ، فقد طلبه من الوجه الذي لا يعطى ، فلا جرم ورد الجواب على صورة العتب الموهم عند من لا تحقّق له بحقائق المخاطبات الإلهية .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه : (فسر القدر من أجل العلوم ، وما يفهمه الله تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة ، فالعلم به يعطى الراحة الكلية للعالم به أيضا ، ويعطى العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطى النقيضين ،وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا وبه تقابلت الأسماء الإلهية)

أما إعطاء العلم بالقدر صاحبه الراحة الكلية فظاهر ، لأنه إذا علم يقينا أنه لا يحصل له إلا ما قدر له مما ثبت في عينه الثابتة أزلا .
ولا يمكن فيه الزيادة والتغير والتبدل استراح من تعب الطلب ، وإن قدر له الطلب أجمل في الطلب ولم يتعب ، كما قال عليه الصلاة والسلام « إن روح القدس نفث في روعي : إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ، ألا فأجملوا في الطلب » .
لأنه يعلم أن جعل الطلب سببا للوصول لم يتخلف وصول المطلوب عنه ، وإن لم يجعل لم يصل إليه إن لم يكن من نصيبه ، فرضى بما رزق وأراح نفسه سيما إن رزق الحظ الأوفر :
قال الإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة : " اعلموا علما يقينا أن الله لم يجعل للعبد وإن عظمت حيلته وقويت مكيدته ؟ واشتدت طلبته أكثر مما سمى له في الذكر الحكيم ، ولم يجعل بين العبد عند ضعفه وعدم حيلته دون ما سمى له في الذكر الحكيم ".
والعارف لهذا العامل به أعظم الناس راحة ، والتارك لهذا الشاك فيه أعظم الناس شغلا بما يضره .  ورب منعم عليه مستدرج بالنعمى، ورب مبتلى مصنوع له بالبلوى.
فزد إيها المستمع في شكرك، وقصر من عجلتك، وقف عند منتهى رزقك."أهـ

وأما عطاؤه العذاب الأليم فلأنه قد يؤمر بما يعلم أنه ليس في استعداده الإتيان به كما سيأتي في الرزق المحمدي ، وقد يرى أعيانا على أكمل استعداد لكل كمال وأوفر حظ في الدنيا والآخرة ، وقد تحقق أنه ليس في استعداده ذلك ولا يمكنه البلوغ إليه فيتألم ويتحسر لنقصان استعداده ، وعلى كل حال يكون أحسن حالا من المحجوب عن سر القدر وأقرب إلى الرضى .
وأما ترتب الرضى والغضب الإلهيين على حكم القدر فلأن الرضى يتبع الاستعداد الكامل المقتضى لقبول الرحمة والرأفة الموفق صاحبه للأعمال الجميلة والأخلاق الفاضلة والكمالات العلمية والعملية والأحوال الموجبة سعادة الدارين ، كما قيل : عنايته الأزلية كفايته الأبدية .
وأما الغضب فقد ترتب على نقصان الاستعداد وعدم القابلية للخير ، ولكمال السعادة والصلاحية لإتيان ما فيه نجاته ، وأهلية العلم والعمل النافع كما قيل في حق إبليس:
فلا سبيل إلى مرضاة ذي غضب  ....   من غير جرم ولا يدرى له سببا
وأما تقابل الأسماء الإلهية بحكم القدر فظاهر مما ذكر في الرضى والغضب ، فإن أعيانا مخصوصة مظاهر الاسم اللطيف والجميل والمنعم ونظائرها ، وأعيانا أخر مظاهر للقاهر والجليل والمنتقم وأمثالها ، وليس ذلك إلا مقتضى استعداد ذاتها الذاتية وحقائقها العينية.

قال رضي الله عنه :  ( فحقيقة تحكم في الموجود المطلق والموجود المقيد لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي ) .

المراد بالحقيقة سر القدر وحكمها في الموجود المطلق .
وفي بعض النسخ : في الوجود المطلق ، وهو الحق تعالى اقتضاؤها منه وسؤالها بلسان استعدادها أن يحكم على كل عين عين عند إيجادها بما في استعدادها وقابليتها أن يكون عليه وأن يحكم على كل أحد بما في وسعه .
""  أضاف بالي زادة : 
(لعموم حكمها) باللطف والقهر (المتعدي) أي الحق (و) لعموم حكمها بالسعادة والشقاوة ( غير المتعدي ) أي الخلق .
قال بعض الشراح : المراد بالحكم المتعدي الأحكام والتأثيرات التي تقع من الأعيان ، وغير المتعدي ما يقع في مظاهرها فيحتاج إلى حذف الموصوف بتقديره الحكم المتعدي.اهـ بالى
(لا ينال إلا بالذوق) فيختص بما تسعه العبارة، والذوقيات لا تقبل التعبير فلم تبق. اهـ بالي""

 كما قال تعالى : " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها " وحكمها في الموجود المقيد أن تكون الخلائق كلها على مقتضيات أعيانها لا يمكن لعين من الأعيان الخلقية أن تظهر في الوجود ذاتا وصفة ونعتا واسما وخلقا وفعلا إلا على حالها الثابتة في العدم .
وأما سر هذا السر أن هذه الحقائق والأعيان صور معلوماته الحق ليست زائدة على ذاته بل هي من تجلى ذاته في علمه بذاته بصور صفاته وشئونه الذاتية المقتضية للنسب الأسمائية .
فإن اعتبرت من حيث تعيناتها كانت صفات وشئونا ، وإن اعتبرت الذات المعينة بها كانت أسماء لأن الذات باعتبار كل تعين ونسبة اسم وهي من حروف الكلمات التي لا تتغير ولا تتبدل .
فإنه حقائق ذاتية للحق والذاتيات من صفات الحق لا تقبل الجعل والتغير والتبدل والزيادة والنقصان .
وإذا علمت أنها من تجليه الذاتي فلا وجود لها إلا في العلم ، وحكمها المتعدي تأثيراتها عند الوجود والظهور في الغيب ، ونسب بعضها إلى بعض بالفعل والانفعال والتعليم والتعلم والمحبة والعداوة وغير ذلك .
وغير المتعدي ما اختص بها من كمالاتها وخواصها وأخلاقها وصفاتها المختصة بها من الهيئة والشكل والعلم والجهل ، وكل ما لا يتعين بالغير
.

قال رضي الله عنه :  ( ولما كانت الأنبياء صلى الله عليهم وسلم لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه ، والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ، فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي ، وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ، فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ) .

النظر الفكري لا يبلغ إلا إلى أفق الوادي المقدس وهو الأفق المبين ، فكأنه باب الغيب ليقتنص منه المطلوب عليه فلا ينكشف المطلوب على صاحبه عيانا ، وكذلك الإخبار الإلهي بواسطة الملك ، ألا ترى إلى قوله:  "ولَقَدْ رَآه بِالأُفُقِ الْمُبِينِ . وما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ " ".
وأما أعيان العيان فلا يكون إلا بالكشف لذوي اللب الذين هم عرجوا إلى الأفق وجازوا إلى مقام " أَوْ أَدْنى " حيث " ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى "  .
وهناك تنكشف عليهم الحقيقة بالتجلي فيروا الأعيان والحقائق على ما هي عليه ، و « ما » في ما يكشف الحق مصدرية أي في التجلي الإلهي ، وكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار بعض الأغطية التي عليها ، أو موصولة أي في التجلي الإلهي وفي الذي يكشفه الحق عن أعين
البصائر والأبصار من الأغطية فيكون من بيانا لما هو أقوى.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  ( فسر القدر من أجل العلوم ، وما يفهمه الله إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة ). ظاهر .
قال رضي الله عنه :  ( فالعلم به يعطى الراحة الكلية للعالم به ، ويعطى العذاب الأليم للعالم به أيضا ، فهو يعطى النقيضين . ) .

أي ، العلم بسر القدر يعطى لصاحبه الراحة الكلية ، لأن العلم بأن الحق ما حكم عليه في القضاء السابق إلا بمقتضى ذاته ، ومقتضى الذات لا يمكن أن يختلف عنها بسبب ، به تحصل الاطمينان على أن كل كمال يقتضيه حقيقته وكل رزق صوري ومعنوي يطلبه عينه لا بد أن يصل إليه .
كما قال ، صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى يستكمل رزقها . ألا ، فأجملوا في الطلب " .
فيستريح عن تعب الطلب . وإن طلب أجمل في الطلب ، ولا يخاف من الفوات ، ولا ينتظر لعلمه بأن الله في كل حين يعطيه من خزائنه ما يناسب وقته ، فهو واجد دائما من مقصوده شيئا فشيئا ، وما لا يحصل له لا يراه من الغير ، فيحصل له الراحة العظيمة .

وكذلك يعطى العذاب الأليم . لأن صاحبه قد يكون مقتضى ذاته أمورا لا تلائم نفسه ، كالفقر
وسوء المزاج وقلة الاستعداد ، ويرى غيره في الغنى والصحة والاستعداد التام ، ولا يرى سببا للخلاص ، إذ مقتضى الذات لا يزول ، فيتألم بالعذاب الأليم .

فالعلم بسر القدر يعطى النقيضين : الراحة وعدمها ، والألم وعدمه وإطلاق النقيضين هنا مجاز ، لأن الراحة والألم ضدان ، وهما ليسا نقيضين .
ولما كان كل منهما يستلزم عدم الآخر ، أطلق اسم النقيضين عليها ، كأنه قال : الراحة وعدمها ، والألم وعدمه . وموضوعهما غير متحد أيضا .

قال رضي الله عنه : (وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا ، وبه تقابلت الأسماء الإلهية.)
أي ، وبسبب العلم بسر القدر وصف الحق نفسه بالغضب والرضا ، لأنه يعلم ذاته بذاته ويعلم ما تعطيه ذاته من النسب والكمالات المعبر عنها بالأسماء والصفات ، ومن جملة نسبه الرضا والغضب ، فالعلم بذاته أعطاه الرضا والغضب ، ولهاتين النسبتين انقسم الأسماء إلى .
( الجمال ) و ( الجلال ) ، ومن هذا الانقسام حصل الداران : الجنة والنار .

فصح أيضا أن العلم بالذات من حيث الرضا والغضب ، هو سبب تقابل الأسماء الإلهية .
هذا من جهة الذات وأسمائها .
وأما من جهة الأعيان ، فالعلم بها أيضا يعطى الحق الرضا والغضب ، لأن العين المؤمنة المطيعة لأمر الله تطلب من الله تعالى أن يتجلى لها بالرضا واللطف ، والعين الآبية الكافرة يطلب من الله أن يتجلى عليها بالغضب والقهر ، فأظهرت الأعيان أحكام نسبة الرضا والغضب ووجودهما بالفعل .
فتقابلت الأسماء الإلهية ، وانقسمت بالجمال والجلال ، لأن كل ما يتعلق بالرضا واللطف فهو الجمال ، وما يتعلق بالقهر والغضب فهو الجلال .

قال رضي الله عنه :  ( فحقيقته تحكم في الموجود المطلق والموجود المقيد ، لا يمكن أن يكون شئ أتم منها ولا أقوى ولا أعظم ، لعموم حكمها المتعدى وغير المتعدى ) .
أي ، فحقيقة العلم بسر القدر ، أو حقيقة سر القدر ، تحكم في الموجود المطلق .

وفي بعض النسخ : ( في الوجود المطلق ) . أي ، في الحق بإثبات الرضا والغضب له
والاتصاف بالأسماء الجمالية والجلالية .
وتحكم أيضا أن توجد كل عين بما يقتضى استعدادها ويقبل ذاتها ، ويحكم في الموجود المقيد بالسعادة والشقاوة ، وكونه مرضيا عند ربه أو مغضوبا عليه ، وأن يوجد بمقتضى عينه في الأخلاق والأفعال وجميع كمالاته .
فلا يمكن أن يكون شئ أتم من حقيقة سر القدر ، لأن حكمها عام : تحكم في الحق وأسمائه وصفاته كلها من حيث إنها تابعة للأعيان ، وتحكم في جميع الموجودات .
والمراد ب‍ ( الحكم المتعدى ) الأحكام والتأثيرات التي تقع من الأعيان في مظاهرها ، ويتعدى منها إلى غيرها بالفعل والانفعال .
وغير المتعدى ما يقع في مظاهرها فقط ، كالكمالات النفسانية من العلم والحكمة وغيرها .

قال رضي الله عنه :  ( ولما كانت الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي ، لعلمهم بقصور العقل من حيث
نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه . والإخبار أيضا يقصر عن إدراك مالا ينال إلا بالذوق ، فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي الإلهي ، وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ، فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها . )

أي ، لما كانت علوم الأنبياء ، عليه السلام ، مأخوذة من الوحي ، كانت قلوبهم ساذجة مما يتعلق بالنظر العقلي ، لأنه طريق الانتقاش بالتعمل والكسب .
والأمر ، كما هو ، لا يتجلى إلا في القلب المجلو الفارع عن النقوش .
والإخبار لا يمكن إلا عما يمكن التعبير عنه ويسمع العبارة ، أما مالا يمكن ، كالوجدانيات والمدركات بالذوق ، فيقصر الإخبار أيضا عن إيضاحه ، فلا يحصل العلم التام به ، كمالا يحصل بطريق النظر العقلي .

فلم يبق أن يدرك الحقائق على ما هي عليه إلا في التجلي الإلهي ، ليشاهد تارة في العالم المثالي المقيد ، وأخرى في المطلق ، وأعلى منهما في عالم المجردات ، وأعلى من ذلك أيضا في عالم الأعيان ، فيحصل الاطلاع بحقائق الأمور ، قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها ، على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها .
فجواب ( لما ) قوله : ( فقلوبهم ) . و ( ما ) في ( وما يكشف ) مصدرية . أي ، فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي وكشف الحق .

و ( من ) في قوله : ( من الأغطية ) للبيان ، والمبين مقدر . وهو ما طرأ على أعين البصائر والأبصار ، فمنعها عن شهود الحقائق والأسرار .
ويجوز أن يكون ( ما ) بمعنى الذي ، و ( من الأغطية ) بيانا له . فمعناه : فلم يبق العلم الكامل إلا في التجلي وفيما يكشف الحق ، أي ، يرفعه الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية . وهذا أنسب .

وإنما قال : ( عن أعين البصائر والأبصار ) لأن الأغطية إذا ارتفعت ، يتحد النوران : نور البصيرة ونور البصر ، فيدرك بكل منهما ما يدرك بالآخر ، وكذلك يدرك بالسمع ما يدرك بالبصر وبالعكس . هذا أيضا من خصوصيات الكشف التام الذي هو فوق طور العقل .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة ، فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ؛ فهو يعطي النّقيضين ، وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة ، فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم ، وما يفهّمه اللّه تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة ) ، وإذا كانت هذه المعرفة لوازمها ونتائجها كذلك ، ( فالعلم به يعطي الراحة الكلية ) عن تعب الطلب ( للعالم به ) إذا علم في بعض المطالب أنه لم يقدر وجوده ، فلا يفيد فيه الطلب ، ( ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ) إذا اطلع على أمر مهم لم يقدر وجوده ؛ ( فهو يعطي النقيضين ) ، وهذا لا يختص بعالم دون عالم ، بل يعم الكل حتى أنه لو لم يكن له الاتصاف بالراحة والعذاب اتصف بما يناسبها كالحق تعالى كما قال ، ( وبه وصف الحق نفسه بالغضب ) على أعيان تقتضي ستر جماله المحبوب لوقتها ، ( وبه تقابلت الأسماء ) ؛ لأن الأعيان لما اختلفت بذواتها لم تخل عن اقتضاء لأمور المسألة التي لكل منها من الأسماء ( الإلهية ) رب خاص .
وإذا علم أن القدر يفيد الرضا والغضب ، ويقابل الأسماء في الحق والراحة والألم في الخلق ، ( فحقيقته تحكم في الوجود المطلق ) الحق باختلاف التجليات ، وفي ( الموجود المقيد ) الخلق باختلاف الصفات والأحوال ؛ ولذلك ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) إذ حقيقتها كأنها شاملة للحقائق كلها ، ( ولا أقوى ) لتأثيرها في تجليات الحق القديم والأعيان الثابتة في علمه الأزلي ، ( ولا أعظم العموم حكمها المتعدي ) من الأسماء الإلهية وسائر الأسباب ، ( وغير المتعدي ) من الأشياء سيما المسببات .

قال رضي الله عنه :  ( ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي ؛ فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه ، والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي ، وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ) .
ثم أشار إلى أن العلم به لا يحصل بطريق النظر ولا بطريق الوحي ، وساق الكلام إلى سبب وقوع العتب على عزير عليه السّلام في طلبه ؛ فقال : ( ولما كانت الأنبياء عليهم السّلام لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص ) ، وهو كشف عالم الملكوت له فتخاطبه الملائكة بإذن اللّه تعالى وقد يأخذون باعتبار ، ولا يتهم عما فوق ذلك من التجلي ( الإلهي ) ، ومن كشف الأغطية عن أعين البصائر والأبصار فيما لا يسعهم فيه ملك ، لكن لا يأخذون عما دونها من النظر العقلي.
واحترز بالخاص عن الإلهام ، كما أوحى إلى أم موسى عليه السّلام ، وبقوله الإلهي عن وحي الشياطين إلى أوليائهم من الزنادقة والفلاسفة ، ( فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي ) ؛ لأنه مانع من كمال التصفية الواجبة في أنواع الكشف ، فتركوا قلوبهم ساذجة عنه .
قال رضي الله عنه ( لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري عن إدراك الأمور على ما هي عليه ) ؛ لأنه تنور منه غبار الشبهات وظلماتها .
ولذلك لا يكاد يرتفع اختلاف أرباب النظر ، فلابدّ لإدراك العقل لها من تصفية القلب ، إذ يكون لنظره كنوز الشمس ، فاقتصروا في تحصيل العلم بالوحي وبما فوقه ، ولكن ( الإخبار ) الحاصل بالوحي ( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ) المخصوص بالكشف الأعلى .
"" أضافة المحقق : الذوق يراد به أول مبادئ التجليات ، والشرب أوسطها ، والرّيّ نهايتها ، وهو الذوق الإيماني ، تشبيها له بالتذوق في المحسوسات ، فالأذواق التي يشير القوم إليها ، هي علوم لا تنال إلا لمن كان خالي القلب عن جميع العلائق والعوائق كلها ( انظر : التعريفات للجرجاني ص 12 ، ولطائف الإعلام ص ( 470 ) . ""

قال رضي الله عنه ( فلم يبق العلم الكامل ) المحصل للمعلوم في العالم بطريق الذوق ( إلا في التجلي الإلهي ) بشهوده بالروح أو القلب أو النفس عند تنورهما بنوره ، ( وما يكشف الحق عن أعين البصائر ) الباطنة ، ( والأبصار ) الظاهرة ( من الأعطية ) التي هي حجب المعقولات والمحسوسات .
( فتدرك ) البصائر والأبصار ( الأمور كلها قديمها وحديثها ) ، وإن لم يكن البصر يدرك القديم من قبل ( وعدمها ووجودها ) ، وإن لم يكن العدم مدركا للبصر والبصيرة ، ولا يختص هذا بالعدم الممكن إذ (
محالها ، وواجبها ، وجائزها ) ، وليس المراد الإدراك بوجه ما ، فإنه غير مشروط بالتجلي والكشف ، بل ( ما هي عليه في حقائقها ) أي : الماهيات المتحققة بإشراق نور الوجود عليها ( وأعيانها ) أي : الماهيات من حيث ثبوتها في العلم الأزلي حال عدمها في الخارج .
فعلم مما ذكرنا أن طريقة الكشف والتجلي عامة كطريق الوحي بخلاف طريقة النظر العقلي ، فإنها مخصوصة بإدراك بعض الأشياء دون بعض ، ومخصوصة بالمقدمات الخاصة ، ويقع الغلط كثيرا في رعاية مناسبها للمطالب وشرائطها .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه عن سرّ القدر :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم ) لأنّها من الخصائص الذاتيّة ( وما يفهّمه الله ) على وضوحه وظهوره ( إلَّا لمن اختصّه بالمعرفة التامّة ) التي للورثة الختميّة - وممّا يدل على أنّها من الخصائص الذاتيّة ما يلزمه من جمعيّة الأضداد وتعانق الأطراف - ( فالعلم به يعطي الراحة الكليّة للعالم به ) من سكونه عن طلب ما لم يطلب في أصله واستراحته عنه ( ويعطي العذاب الأليم أيضا للعالم به ) حيث يدرك أنّ قصوره في الرتبة من تقصيره في السؤال وقناعته بذلك القدر مع جوده الفائض بلا امتنان .
تعضّ ندامة كفّيك ممّا   ....  تركت مخافة المنع السؤالا

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فهو يعطى النقيضين ) كما هو مقتضى الهويّة المطلقة على ما سبق ، ( وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب وبالرضا ، وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة ) فعلم أن جمعيّة الأضداد التي هي من خصائص الهويّة المطلقة ، مما يلزم سرّ القدر.
وكفى به دلالة على جلالة قدره ، فله الإحاطة التامة التي لا يخرج عنها شيء في الوجود أصلا وإلى ذلك أشار بقوله : ( فحقيقته تحكم في الموجود المطلق ) باستتباع ما هي عليه في صورته العلميّة ، ( والموجود المقيّد ) بجريه على مقتضاها في سائر المراتب - إلهيّة كانت أو كيانيّة - ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) حيطة ( ولا أقوى ) تأثيرا ( ولا أعظم ) قدرا ، ( لعموم حكمها المتعدّي ) منها - كالعلم والإرادة والمشيّة ، فإنّها حاكمة على الكلّ - ( وغير المتعدّي ) كما عليه الأعيان في مراتب ظهورها .
فلا حكم إلَّا تحت حكمها مندرج ، ولا حاكم إلا منقهر تحت سلطانها .

يا عين غيب الله يا نور الهدى   ....   يا نقطة الخط البديع الأقوم
يا معدن الأسرار يا كنز الغنى   ....   يا مشرق الأنوار للمتوسّم
يا فاتح الأمر العظيم وخاتم      ....  الخلق البديع ونكتة لم تفهم
اقرأ كتابك قد كفى بك شاهدا   ....    يهديك منك بعلم ما لم تعلم

قال رضي الله عنه :  ( ولمّا كانت الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين - لا يأخذ علومها إلَّا من الوحي الخاصّ الإلهي ، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي ، لعلمهم بقصور العقل ، من حيث نظره الفكري ) - دون ذوقه الذاتي( عن إدراكه الأمور على ما هي عليه ) .
هذا طريق النظر والاستدلال ، ( والإخبار أيضا ) من طريق النقل والإسناد ( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلَّا بالذوق ) ، ضرورة أن فسحة أمر النقل وعلومه أضيق مجالا من الاستدلال ، كما هي لا يخفى .
( فلم يبق العلم الكامل ) الشامل للمعلومات كلَّها ( إلَّا في التجلَّي الإلهي ، وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ) ، وهي الحجب الاعتقاديّة التقليديّة ، والرسوم المستحسنة العادية المانعة للبصر ، والبصيرة عما خلقا له من المرتبة الإدراكيّة - ف « من » لا سترة به أنّه بيان لـ « ما » وهي معطوفة موصلة ليست الَّا على التجلَّي  
قال رضي الله عنه :  (فتدرك الأمور - قديمها وحديثها ، وعدمها ووجودها ، ومحالها وواجبها وجائزها - على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .
فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا فهو يعطي النّقيضين .
وبه وصف الحقّ نفسه بالغضب والرّضا وبه تقابلت الأسماء الإلهيّة .
فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيّد لا يمكن أن يكون شيء أتمّ منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدّي وغير المتعدّي .
ولمّا كانت الأنبياء صلوات اللّه عليهم لا تأخذ علومها إلّا من الوحي الخاصّ الإلهي فقلوبهم ساذجة من النّظر العقليّ لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ، عن إدراك الأمور على ما هي عليه .
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلّا بالذّوق فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها) .

قال رضي الله عنه :  ( فسرّ القدر من أجلّ العلوم وما يفهّمه اللّه تعالى إلّا لمن اختصّه بالمعرفة التّامّة .   فالعلم به يعطي الرّاحة الكلّيّة للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا)

قال رضي الله عنه :  ( فسر القدر ) ، أي العلم به ( من أجل العلوم وما يفهمه اللّه سبحانه إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا ) .

اعلم أن العلم بسر القدر على نوعين :
أحدهما : على سبيل الإجمال والكلية بأن يعلم أن الأحوال الجارية على الموجودات إنما هي مقتضيات أعيانهم الثابتة ، والحق سبحانه ما يحكم عليهم في القضاء السابق إلا بمقتضى ذواتهم ولمقتضى الذات لا يمكن أن يتخلف عنها .
والراحة الكلية في هذا النوع من العلم الخلاص عن الاعتراض على الخلق في ارتكابهم أسباب الشقاوة دنيا وآخرة ، واجتنابهم عن أسباب السعادة كذلك وعلى الحق تعالى بأنه لم لا يساعدهم على ما يسعدهم ولم لا يجنبهم عما يشقيهم .
وعن المبالغة في نهيهم عن المنكرات وزجرهم عن المحظورات وفي أمرهم بالمرضيات وحثهم على المأمورات ، والعذاب الأليم فيه أن يشاهد على نفسه أو على غيره أنواعا من الأسقام والآلاء والمصائب والمتاعب في الدنيا ووجوها من موجب العذاب والعقاب والنكال والوبال في الآخرة ، ولا يعلم أنه هل من مقتضيات أعيانهم الثابتة الخلاص عنها أم لا فيحترق ويتألم على ذلك شفقة على نفسه وغيره .

والنوع الثاني من العلم بسر القدر أن يكاشف العارف بما تقتضيه عينه أو عين غيره من الأحوال والأحكام على سبيل التفصيل ، فالراحة الكلية فيه سكون العارف عن طلب مالا تقتضيه عينه واستراحته عنه إذا كان مكاشفا بعينه ، وسكونه من حيث غيره الذي له شفقة بالنسبة على
ما ليس من مقتضيات عينه إذا كان مكاشفا بعين غيره ، والأمن من زوال ما حصل في الصورتين ، والعذاب الأليم تألمه حيث يدركه أن قصوره أو قصور غيره في تحصيل بعض الكلمات لعدم اقتضاء العين ويأسه عن تداركه.

قال رضي الله عنه :  ( فهو ) ، أي سر القدر من حيث العلم به ( يعطى النقيضين ) كما هو مقتضى الهوية المطلقة وهما الراحة الكلية والعذاب الأليم ( وبه ) ، أي بسر القدر يعني الأعيان الثابتة .
( وصف الحق بالغضب والرضا ) ، فإنه إذا تجلى الحق سبحانه عليها وظهر آثار القهر والجلال فهو الغضب ، وإذا تجلى عليها وظهر آثار اللطف والجمال فهو الرضا .
( وبه تقابلت الأسماء الإلهية ) فالأسماء المتعلقة بالرضا جمالية وبالغضب جلالية ( فحقيقته تحكم في الوجود المطلق ) بإثبات الغضب والرضا له وتوصيفه بالصفات المتقابلة الجمالية والجلالية ( و ) في ( الوجود المقيد ) والسعادة والشقاوة وكونه مرضيا عند ربه أو مغضوبا عليه إلى غير ذلك ( لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ) حيطة ( ولا أقوى ) تأثيرا ( ولا أعظم قدرا لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي )
فقوله : المتعدي يحتمل أن يكون مجرورا صفة لحكمها ، أي لعموم حكمها المنقسم إلى قسمين ، أي المتعدي وغير المتعدي ، فالمتعدي ما يتجاوز عن مظهرها إلى الموجود المطلق والمقيد المغير لمظهرها ، وغير المتعدي ما يختص بمظرها وحينئذ يكون مفعول العموم محذوفا .
أي كل الموجودات ، وإن يكون مفعولا للعموم أي لعموم حكمها الحكم المتعدي وغير المتعدي ، والمعنى على قياس ما عرفت .
( ولما كانت الأنبياء صلوات للّه عليهم أجمعين لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي ) الذي هو الإخبار عن الحق سبحانه بواسطة أو غير واسطة ( فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي بعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري ) دون ذوقه الذاتي ( عن إدراك الأمور على ما هي عليه ) هذا طريق الفكر والاستدلال ( والإخبار أيضا ) ، وإن كان وحيا من قبل اللّه تعالى.
( يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق ) لتباين مدركيهما أو مدرك أحدهما السمع ومدرك الآخر الذوق

قال رضي الله عنه :  (فلم يبق العلم الكامل إلّا في التّجلّي الإلهي وما يكشف الحقّ عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها . )

قال رضي الله عنه :  ( فلم يبق الكامل إلا في التجلي الإلهي ) ( و ) كشف ( ما يكشف ) بكشفه ( الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية ) ، فما في « ما يشكف » موصولة و « من الأغطية » بيان له ولا يتم المعنى إلا بتقدير مضاف كما ذكرنا أعني كشف ما يكشف ( فيدرك الأمور قديمها وحديثها وعدمها ووجودها ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها ولما كان مطلب العزير ) ، أي طلب معرفته القدر
  
واتساب

No comments:

Post a Comment