Thursday, November 21, 2019

14  - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

14  - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب


شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أن القضاء حكم الله في الأشياء، وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها.
وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها. "2"
والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد. فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها.
وهذا هو عين سر القدر «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». «فلله الحجة البالغة».
فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها.
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك.
فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه: كان الحاكم من كان.
فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره، فلم يعرف وكثر فيه الطلب والإلحاح. 
واعلم أن الرسل صلوات الله عليهم من حيث هم رسل لا من حيث هم أولياء وعارفون على مراتب ما هي عليه أممهم.
فما عندهم من العلم الذي أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إليه أمة ذلك الرسول: لا زائد ولا ناقص.
والأمم متفاضلة يزيد بعضها على بعض.
فتتفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها، وهو قوله تعالى «تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض» "3"
 كما هم أيضا فيما يرجع إلى ذواتهم عليهم السلام من العلوم والأحكام )
_______________________________
1 -  المناسبة في تسمية الحكمة :
هي أن العزير عليه السلام كان كثير السؤال عن القدر حتى نهاه الحق تعالی عن ذلك ، وهذا الفص يتعلق بعلم القدر وأنه محال علمه كما سيأتي في شرح الفص ، وان الذي يمكن أن يعلم هو سر القدر ، وهو أن العلم تابع للمعلوم ، واستطرد الشيخ في تفسير نهي الحق العزير بقوله تعالى له «لأمحون اسمك من ديوان النبوة » يعني النبوة الخاصة والرسالة ويبقى عليه اسم الولي وهذا من أشق ما يتجرع مخاضته عباد الله تعالى كما سيأتي ذلك في شرح الفص .

2 - العلم تابع للمعلوم يراجع فص 2 هامش 3 ص 42
 "" العلم تابع للعلوم - الفص 2 رقم 3 ص 42
3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من  کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ. ""


3 - ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » الآية.
الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا منهم الفاضل والأفضل وإن سبح الكل في فلك الرسالة ، لأن كل مسف أشخاصه يفضل بعضهم بعضا، ولا تفاضل إلا بالعلم .

ص 207


متفاضلون بحسب استعداداتهم، وهو قوله «ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض». 

____________________________________________
فهؤلاء مع اجتماعهم في الرسالة والكمال يفضل بعضهم بعضا ، فيما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهي مائة وسبعة عشر خلقا ، وقد جمعها كلها محمد صلى الله عليه وسلم  ، جمعت له عناية أزلية ، فإن الله تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل في كل صنف خيارا . 
واختار من الخيار خواص وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنين خواص وهم الأولياء، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبياء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبياء الشرائع المقصورة عليهم ، واختار من النقاوة شرذمة "قلة من الناس" قليلة وهم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم .
واصطفى واحدة من خلقه هو منهم وليس منهم وهو المهيمن على جميع الخلائق ، جعله عمدا أقام عليه قبة الوجود ، جعله أعلى المظاهر وأسناها ، صح له المقام تعيينا وتعريفة ، فعليه قبل وجود طينة البشر ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم  ، لا يكاثر ولا يقاوم ، هو السيد ومن سواه سوقة "الرعية و العامة" .
قال عن نفسه : « أنا سيد الناس ولا فخر » بالراء والزاي ، روايتان ، أي أقولها غير متبجح بباطل ، وأقولها ولا أقصد الافتخار على من بقي من العالم وإن كنت أعلى المظاهر الإنسانية فأنا أشد الخلق تحققا بعيني .
« تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » فمن حيث ما هي رسالة فلا فضل إذ الاسم يعم هذه الحالة ، ومن حيث ما هي رسالة بأمر ما يقع التفاضل ، فوقع التفاضل بين الرسل وهم الخلفاء لاختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال ، ولهذا اختلفت آیات الأنبياء باختلاف الأعصار « منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات و آتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس » .
فاية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان من طب أو سحر او فصاحة أو ما شاكل هذا، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما فضلت به الرسل بعضهم على بعض ، ليتبين شرفه ، وما فضله الله به على غيره في الدنيا بما اختص به ، وفي

ص 208

بعض. » ."4" 
وقال تعالى في حق الخلق «والله فضل بعضكم على بعض في الرزق».
والرزق منه ما هو روحاني كالعلوم، وحسي كالأغذية، وما ينزله الحق إلا بقدر معلوم، وهو 
________________________________
البرزخ والقيامة والجنة والكثيب .
قال تعالى « کنتم خير أمة أخرجت للناس » لظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم  بصورته فيها .
وكذلك القرن الذي ظهر فيه خير القرون لظهوره فيه بنفسه ، فكانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس عناية منه تعالى لحضوره صلى الله عليه وسلم وظهوره فيها ، وإن كان العالم الإنساني والناري كله أمنه ، فإنه المرسل إلى الناس كافة ، ولكن لهذه الأمة خصوص وصف ، فجعلهم تعالی خير أمة أخرجت للناس ، هذا الفضل أعطاه ظهوره صلى الله عليه وسلم  بنشأتيه ( الروحانية والجسدية ) . 
فتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 68 ، 73 ، 135 - ج 3 / 53 ، 142 ، 145 ، 169 ، 442 - ج 4 / 75 - کتاب ذخائر الأعلاق .

* قارن بين ما جاء في هذا الشرح وبين ما جاء في هذه الفقرة من أن تفاضل الرسل في علم الإرسال بتفاضل أممها ، والعكس هو الصحيح ، فلا يصح نسبة ما جاء هنا إلى الشيخ رضي الله عنه ألبتة مع مقارنته بالثابت عنه في الشرح .

4 -  « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » الآية 
« ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » مع أن النبوة موجودة ، فما زالوا في النبوة مع فضل بعضهم على بعض ، فتفضل منازلهم بتفاضالهم وإن اشتركوا في الدار. فقوله تعالی « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » بما يقتضيه الشرف مع اجتماعهم في درجة النبوة .
أي يزيد كل واحد على صاحبه برتبة تقتضي المجد والشرف ، أي جعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر ، فقد زاد بعضهم على بعض في صفات الشرف والمراتب التي فضلوا بها بعضهم على بعض . 
أي أعطينا هذا ما لم نعط هذا ، وأعطينا هذا ما لم نعط من فضله ، ولكن من مراتب الشرف ، فمنهم من كلمه الله ، « وآتينا عيسى » البينات وأيدناه بروح القدس . ومنهم من فضله بأن خلقه بيديه وأسجد له الملائكة ، ومنهم من فضله بالكلام القديم

ص 209


الاستحقاق الذي يطلبه الخلق: فإن الله «أعطى كل شي ء خلقه» فينزل بقدر ما يشاء
____________________________________
الإلهي بارتفاع الوسائط ، ومنهم من فضله بالخلة ، ومنهم من فضله بالصفوة وهو إسرائيل « يعقوب » .
فهذه كلها صفات شرف ومجد ، ولا يقال إن خلته أشرف من كلامه ، ولا إن كلامه أفضل من خلقه بيديه ، بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة . 
لا تقبل الكثرة ولا المفاضلة ، ومذهب الجماعة أن كل واحد من الأنبياء فاضل مفضول ، فخص آدم بعلم الأسماء الإلهية ، وخص موسى بالكلام ، وخص رسول الله و بما ذكره عن نفسه ، وخص عيسى بكونه روحا ، ومع علمنا بأن الله فضل بعضهم على بعض ، فله سبحانه أن يفضل بين عباده بما شاء ، وليس لنا ذلك .
 فإنا لا نعلم ذلك إلا بإعلامه ، فإن ذلك راجع إلى ما في نفس الحق سبحانه منهم ، ولا يعلم أحد ما نفس الحق ، ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفضل بين الأنبياء ، وأن تفضله صلى الله عليه وسلم عليهم إلا بإعلامه أيضا ، وعين يونس عليه السلام وغيره . 
فمن فضل من غير إعلام الله فقد خان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعدی ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما الرسالة ونبوة الشرائع العامة أعني المتعدية إلى الأمم ، والخاصة بكل نبي فاختصاص إلهي في الأنبياء والرسل ، لا ينال بالاكتساب ولا بالتعمل ، فخطاب الحق قد ينال بالتعمل ، والذي يخاطب به إن كان شرعا يبلغه أو يخصه . 
ذلك هو الذي نقول فيه لا ينال بالتعسل ولا بالكسب ، وهو الاختصاص الإلهي المعلوم، وكل شرع ينال به عامله هذه المرتبة فإن نبي ذلك الشرع من أهل هذا المقام ، وهو زيادة على شريعة نبوته له ، فضلا من الله ونعمة ، وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم  بالقطع ، وكل شرع لا ينال العامل به هذا المقام ، فإن نبي ذلك الشرع لم يحصل له هذا المقام الذي حصل لغيره من أنبياء الشرائع .
قال تعالى « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » وقال جل جلاله « تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض » في وجوه منها هذا .
الفتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 19 ، 52 ، 61 - ج 3 / 422 - ج 4 / 139 

ص 210


(وما يشاء إلا ما علم فحكم به.
وما علم كما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم. "5"
فالتوقيت في الأصل للمعلوم، والقضاء والعلم والإرادة والمشيئة تبع للقدر.
فسر القدر من أجل العلوم، وما يفهمه الله تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة. فالعلم به يعطي الراحة الكلية للعالم به، ويعطي العذاب الأليم للعالم به أيضا.
فهو يعطي النقيضين. "6"
وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا، وبه تقابلت الأسماء الإلهية. )
_________________________________
*  قارن بين ما جاء في هذا الشرح الثابت عن الشيخ من أن التفاضل راجع إلى ما في نفس الحق ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحكم ، وبين ما نسب إلى الشيخ في هذه الفقرة من أن تفاضل الأنبياء بحسب استعدادهم .

5  - العلم تابع للمعلوم يراجع فص 2 هامش 3 ص 42
انظر البند 2


6 - سر القدر
قد يعلم سر القدر وتحكمه في الخلائق . وقد أعلمنا به فعلمناه بحمد الله . 
وليس سر القدر الذي يخفي عن العالم عينه إلا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه. وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا . وما من أحد تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومقدم عليه بالرتبة ، لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فاعلم ما ذكرناه فإنه يقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر ، الذي قضاه حالك ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى نعلم ما كنا فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا . فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فيما جاءها شيء من خارج ، ولا ينكشف هذا انسر حتى يكون الحق بصر العبد، فإذا كان العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق ، حينئذ انكشف له علم ما جهله ، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء .
ومن وقف على سر القدر وهو أن الإنسان مجبور في اختياره لم يعترض على الله في كل

ص 211


فحقيقته تحكم في الوجود المطلق والوجود المقيد، لا يمكن أن يكون شيء أتم منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حكمها المتعدي وغير المتعدي.
ولما كانت الأنبياء صلوات الله عليهم لا تأخذ علومها إلا من الوحي الخاص الإلهي، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلي لعلمهم بقصور العقل من حيث نظره الفكري، عن إدراك الأمور على ما هي عليه.
والإخبار أيضا يقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق.
فلم يبق العلم الكامل 
_______________________________
ما يقضيه ويجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وقد ذكرنا في كتابنا المشاهد القدسية أنه فال لي «أنت الأصل وأنا الفرع »
وفي ذلك أقول:
إن الإله بجوده   .....   يعطي العبيد إذا افتقر
ما شاءه مما له   .....   ما ثم إلا ما ذكر
لما وقفت تحققا   .....   منه على سر القدر
وشهدته فرأيته   .....   سمع الحبيب مع البصر
فيه بدت أحكامه   .....   وله نهي وله أمر
ويقال هذا مؤمن   .....   ويقال هذا قد كفر
فلنا الحقائق كلها   .....   ولنا التحكم والأثر
ما الأمر إلا هكذا   .....   ما الأمر ما يعطي النظر
الحكم ليس لغيرنا   .....   في كل ما تعطي الصور
والأمر فيه فيصل   .....   في الكون من خير وشر
لم تستفد منه سوى   .....   أكواننا وكذا ظهر
وانظر بربك لا   .....   بعقلك في شئونك واعتبر
هذا هو الحق الصراح   .....   لمن تحقق وادكر
الحكم حكم ذواتنا   .....   لا حكمه فاعدل وسر
عنه إليه بما لنا   .....   تعثر على الأمر الخطر
لا تأتلي لا تأتني   .....   فإليك منك المستقر
إن الغني صفة له   .....   عنا فنستر ما ستر
لو لا افتقار المحدثات   .....   إليه ما جاء الخبر
هذا هو الميت الذي   .....   يوم القيامة قد نشر


ص 212

قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلا في التجلي الإلهي ، "7" وما يكشف الحق عن أعين البصائر والأبصار من الأغطية فتدرك الأمور قديمها وحديثها، وعدمها ووجودها، ومحالها وواجبها وجائزها على ما هي عليه في حقائقها وأعيانها.
فلما كان مطلب العزير على الطريقة الخاصة، لذلك وقع العتب عليه كما ورد في الخبر.
فلو طلب الكشف الذي ذكرناه ربما كان لا يقع عليه عتب في ذلك.
والدليل على سذاجة قلبه قوله في بعض الوجوه «أنى يحيي هذه الله بعد موتها».
وأما عندنا فصورته عليه السلام في قوله هذا كصورة إبراهيم عليه السلام في قوله «رب أرني كيف تحي الموتى». "8"
ويقتضي ذلك الجواب بالفعل الذي أظهره الحق فيه في قوله تعالى «فأماته الله مائة عام ثم )
______________________________
إن هذا هو السر الذي أخفاه الله عمن شاء من عباده ، قد ظهر في حكم افتقارنا في غناه ، فأظهره الله لمن شاء أيضا ، فتأمل هذا الغني وهذا الفقر ، وانظر بنور بصيرتك في هذا الوجود والفقد.
وقل الله الأمر من قبل ومن بعد .
فلله الحجة البالغه على خلقه ، لأنهم المعلومون . والمعلوم بعطي العالم ما هو عليه في نفسه وهو العلم . ولا أثر للعلم في المعلوم ، فما حكم على المعلوم إلا به .
الفتوحات ج 1 / 405 - ج 2 / 63 - ج 4 / 16 ، 147 ، 182 ، 237 ، 245  

7 ۔ علم التجلي وهو علم الأذواق يراجع فص 12 هامش 9  
"" 9 - ح - التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق فص 12 هامش 9  
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کنیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .

فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 -  ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .

واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحة في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .
فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه  الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية"" .
 
"كلمة ساذجة لا تفيد المعنى المقصود بخالية أو فارغة ، قال ابن سيده أراها معربة وعسى أن يكون أصلها سادة ، يقال حجة ساذجة أي غير بالغة ( لسان العرب )."؟؟!!

8 - قول إبراهيم عليه السلام « رب أرني كيف تحيي الموتى »  
قال تعالى « وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن . قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ، ثم اجعل على کل جبل منهن جزءا ، ثم ادعهن يأتينك سعيا ، واعلم أن الله عزيز حكيم » 
فطلب إبراهيم عليه السلام كيفية إحياء الموتى لاختلاف الوجوه في ذلك ، لا إنكار إحياء الموتى « قال أو لم تؤمن قال بلى » يقول بلى آمنت ولكن وجوه الإحياء كثيرة ، كما كان وجود الخلق ، فمن الخلق ما أوجدته عن كن ، ومنهم من أوجدته بيدك ، ومنهم من أوجدته بيديك ، ومنهم من أوجدته ابتداء ، ومنهم من أوجدته عن خلق آخر ،

ص 213

بعثه» فقال له «وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما» فعاين كيف تنبت الأجسام معاينة تحقيق، فأراه الكيفية.
فسأل عن القدر الذي لا يدرك إلا بالكشف للأشياء في حال ثبوتها في عدمها، فما أعطي ذلك فإن ذلك من خصائص الاطلاع الإلهي، فمن المحال أن يعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول، أعني مفاتح الغيب
 ________________________________
فتنوع وجوه الخلق ، وإحياء الخلق بعد الموت إنما هو وجود آخر في الآخرة ، فقد يتنوع وقد يتوحد ، فطلب العلم بكيفية الأمر ، هل هو متنوع أو واحد ، فإن كان واحدا فأي واحد من هذه الأنواع .
لذلك قال « ولكن ليطمئن قلبي » أي يسكن ، فإذا أعلمتني به اطمأن قلبي وسكن بحصول ذلك الوجه ، والزيادة من العلم مما أمرت به ، فيطمئن قلبي أي يسكن إلى الوجه الذي يحيى به الموتى ويتعين لي إذ الوجوه لذلك كثيرة ، فأحاله الله على الكيفية بالطيور الأربعة التي هي مثال الطبائع الأربع .
فقال « فخذ أربعة من الطير » إخبارا بأن وجود الآخرة طبيعي يعني حشر الأجساد الطبيعية .
وأما حشر الأرواح التي يريد أن يعقلها إبراهيم من هذه الدلالة انتي أحاله الحق عليها في الطيور الأربعة ، فهي في الإلهيات كون العالم يفتقر في ظهوره إلى إله قادر على إيجاده ، عالم بتفاصيل أمره ، مريد إظهار عينه ، حي لثبوت هذه النسب التي لا تكون إلا لحي ، فهذه أربعة لابد في الإلهيات منها ، فإن العالم الا بظهر إلا ممن له هذه الأربعة ، فهذه دلالة الطيور له عليه السلام في الإلهيات في العقول والأرواح وما ليس بجسم طبيعي ، كما هي دلالة على تربيع الطبيعة لإيجاد الأجسام الطبيعية والعنصرية « فصرهن إليك » أي ضمهن والضم جمع عن تفرقة ، وبضم بعضها إلى بعض ظهرت الأجسام « ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا » وهو ما ذكرناه من الصفات الأربع الإلهيات ، وهي أجبل لشموخها وثبوتها.
« ثم ادعهن يأتينك سعيا ، وما كان أذهب منهن شيئا إلا فساد عين التركيب ، وأما الأجزاء فهي باقية بأعيانها ، ولا يدعى إلا من يسمع ، وله عين ثابتة ، فأقام له الدعاء بها مقام قوله « کن » من قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » فلما أشهد الله خليله إبراهيم عليه السلام الكيفية سكن عما كان يجده من القاق لتلك الجذبات

ص 214


التي لا يعلمها إلا هو. "9"
وقد يطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلك.
واعلم أنها لا تسمى مفاتح إلا في حال الفتح، وحال الفتح هو حال تعلق التكوين بالأشياء
______________________
التي للوجوه المختلفة ، وسكن سكونا لا يشوبه تحير ، ولا تشويش في معرفة الكيفية ، وزاد يقينه طمأنينة بعامه بالوجه الخاص من الوجوه الإمكانية ، وهنا دقيقة وهي ان تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد حارت فيها المشاهد والعقول وقد قال تعالى الإبراهيم عليه السلام حين قال « رب أرني كيف تحيي الموتى » لما أراه آثار القدرة لا تعلقها .
عرف كيفية الأشياء والتحام الأجزاء : حتى قام شخصا سويا ، ولا رأی تعلق قدرة ولا تحققها، قال له الخبير العليم « واعلم أن الله عزيز حكيم » لما تقدمه في صور الأطيار وتفريقه الأطوار . 
الفتوحات ج 2 / 36 ، 59 ، 520 ، 615 - ج 3 / 213 - عقلة المستوفز - عنقاء مغرب.

9 - القدر
كان العزير رسول الله عليه السلام كثير السؤال عن القدر إلى أن قال له الحق تعالی یا عزیر لئن سألت عنه لأمحون اسمك من ديوان النبوة ، فأفعال الحق لا ينبغي آن تعلل فإنه ما ثم علة موجبة لتكوين شيء إلا عين وجود الذات وقبول عين الممكن الظهور الوجود .
فالسبب الذي لأجله طوي علم القدر هو أن له نسبة إلى ذات الحق ونسبة إلى المقادير ، فعز أن يعلم عز الذات ، وعز أن يجهل لنسبة المقادير . 
فهو المعلوم المجهول ، ونهي العالم عن طلب العلم بالقدر ، فأولياء الله لا يطلبون علمه للنهي الوارد عن طلبه ، فمن عصى الله طلبه من الله ، وهو لا يعلم بالنظر الفكري . ف
لم يبق إلا أن يعلم بطريق الكشف الإلهي ، والحق لا يقرب من عصاه بمعصيته . وطالب هذا العلم قد عصاه في طلبه ، فلا ينال من طريق الكشف ، وما ثم طريق آخر يعلم به علم القدر ، فلهذا كان مطوية عن الرسل فمن دونهم ، فإن مرتبته بين الذات والمظاهر ، فمن علم الله علم القدر ، ومن جهل الله جهل القدر ، والله سبحانه مجهول فالقدر مجهول ، فمن المحال أن يعرف المألوه الله لأنه لا ذوق له في الألوهية .

ص 215

أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغير الله في ذلك.
فلا يقع فيها تجل ولا كشف، إذ لا قدرة ولا فعل إلا لله خاصة، إذ له الوجود المطلق الذي لا يتقيد. "10"
فلما رأينا عتب الحق له عليه السلام في سؤاله في القدر علمنا أنه طلب هذا الاطلاع، فطلب أن يكون له قدرة تتعلق بالمقدور، وما يقتضي ذلك إلا من له
___________________________________
فما من وجه من المعلومات إلا وللقدر فيه حكم لا يعلمه إلا الله ، فلو علم القدر علمت أحكامه ، ولو علمه أحكامه لاستقل العبد في العلم بكل شيء وما احتاج إلى الحق في شيء وكان الغني له على الإطلاق ، فلما كان الأمر بعلم القدر يؤدي إلى هذا طواه الله عن عباده فلا يعلم ، ومن الأسباب التي لأجلها طوى علم القدر عن الإنسان ، لكون ذات الإنسان تقتضي البوح به ، لأنه أسنى ما يمدح به الإنسان، وأسنى ما يمدح به العبد العلم بالله ، وعلمه بالقدر علمه بالله .
مفاتح الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا الله العالم بكل شيء، والأسماء نسب غيبية، إذ الغيب لا يكون مفتاحه إلا غيبا، و بالمشيئة ظهر أثر الطبيعة وهي غيب، فالمشيئة مفتاح ذلك الغيب والمشيئة نسبة إلهية لا عين لها فالمفتاح غيب ، وقد تكون مفاتح الغيب هي استعدادات القوابل وهي غير مكتسبة بل منحة إلهية، فلهذا لا يعلمها إلا الله ولا تعلم إلا بإعلام الله . 
فتوحات ج 2 / 64 - ج 3 / 397 ، 542 .

10 - تعلق القدرة بالمقدور
هو حال الفعل عند تعلق الفاعل بالمفعول وكيفية تعلق القدرة الأزلية بالإيجاد الذي حارت فيه المشاهد والعقول ، وكل من رام الوقوف نكص على عقبه ورجع إلى مذهبه.
وقد قال تعالى في أنفسهم وأقدسهم حين قال «رب أرني كيف تحيي الموتى » فلما أراه آثار القدرة لاتعلقها عرف كيفية الأشياء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سويا.
ولا رأی تعلق القدرة ولا تحققها ، فقد تفرد الحق بسر نشأة خلقه ونشره ، فإنه ليس في حقائق ما سوى الله ما يعطي ذلك ، فلا فعل لأحد سوى الله.
فقوله تعالی « ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم » هذه الآية دليل على عدم تجلي الحق في الأفعال، أعني نسبة ظهور الكائنات عن الذات التي تكون عنها،

ص 216 

قال الشيخ رضي الله عنه :  (الوجود المطلق.
فطلب ما لا يمكن وجوده في الخلق ذوقا، فإن الكيفيات لا تدرك إلا بالأذواق.
وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة، أي أرفع عنك طريق الخبر وأعطيك الأمور على التجلي، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد الذي به يقع الإدراك الذوقي، "11"
 فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك فتنظر في هذا الأمر الذي طلبت، فإذا لم تره تعلم أنه ليس عندك الاستعداد الذي تطلبه وأن ذلك من خصائص الذات الإلهية، وقد علمت أن الله أعطى كل شيء خلقه: ولم يعطك هذا الاستعداد الخاص، فما هو خلقك، ولو كان خلقك لأعطاكه الحق الذي أخبر أنه «أعطى كل شي ء خلقه».
فتكون أنت الذي تنتهي عن مثل هذا السؤال من نفسك، لا تحتاج فيه إلى نهي إلهي.
وهذه عناية من الله بالعزير عليه السلام علم ذلك من علمه وجهله من جهله.)
___________________________________
فما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ،أي صدورها إلى الوجود.
أراد حالة الإيجاد ، فما شاهد أحد تعلق القدرة الإلهية بالأشياء عند إيجادها.
فإن الخلق يريد به المخلوق في موضع مثل قوله « هذا خلق الله » ويريد به الفعل في موضع مثل قوله : " ما أشهدتهم خلق السموات" فهنا يريد به الفعل بلا شك، لأنه ليس لمخلوق فعل أصلا.
فما فيه حقيقة من الله يشهد بها فعل الله، وما لمخلوق مما سوى الله ولا العقل الأول أن يعقل كيفية اجتماع نسب يكون عن اجتماعها عين وجودية مستقلة في الظهور وغير مستقلة في الغني . 
مفتقرة بالإمكان المحكوم عليها به ، وهذا علم لا يعلمه إلا الله تعالى ، وليس في الإمكان أن يعلمه غير الله تعالى .
ولا يقبل التعليم أعني أن يعلمه الله من شاء من عباده ، فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، والعلم بذات الحق محال حصوله لغير الله .
فمن المحال حصول العلم بالعالم أو بالإنسان نفسه أو بنفس كل شيء لنفسه لغير الله.
فنفهم هذه المسألة فإني ما سمعت ولا علمت أن أحدا نبه عليها ، فإنها صعبة التصور . 
مع أن فحول العلماء يقولون بها ولا يعلمون أنها هي .

الفتوحات ج 1 / 195 - ج 2 / 70 ، 606 - ج 3 / 577 - ج 4 / 289 ، 296 - عنقاء مغرب - ذخائر الأعلاق .

11 – الإدراك الذوقي  راجع فص 12 هامش 9 ص 189

""  9 -  الإستعداد للتجلي   فص 12 هامش 9 ص 189
اعلم أن نور التجلي المنفهق يسري في زوايا الجسم فيبهت العقل وبهره ، فلا يظهر للمتجلي له تصريف ولا حركة لا ظاهرة ولا باطنة.
فإذا أراد الله أن يبقي العبد أرسل على القلب سحابة كون ما تحول بين النور المنفهق من التجلي وبين القلب .
فيتشر النور إليها منعکسا وتشرح الأرواح والجوارح ، وذلك هو التثبيت ، فيبقى العبد مشاهدا من وراء تلك السحابة ، لبقاء الرسم ، وبقي التجلي دائما لا يزول أبدا ، ولهذا يقول كثير إن الحق ما تجلى لشيء قط ثم انحجب عنه بعد ذلك ، ولكن تختلف الصفات .
واعلم أيدنا الله وإياك ، أن الأمر في التجلي قد يكون بخلاف ترتيب الحكمة التي عهدت ، وذلك أنا قد بينا استعداد القوابل .
وأن هناك ليس منع بل فيض دائم وعطاء غير محظور [ فلو لم يكن المتجلى له على استعداد ، أظهر له ذلك الاستعداد هذا المسمى تجليا ، ما صح أن يكون هذا التجلي ، فكان ينبغي له أن لا يقوم به دك ولا صعق ، هذا قول المعترض علينا ] .
قلنا له يا هذا
الذي قلناه من الاستعداد ، نحن على ذلك ، الحق متجلي دائما والقابل لإدراك هذا التجلي لا يكون إلا باستعداد خاص ، وقد صح له ذلك الاستعداد فوقع التجلي في حقه ، فلا يخلو أن يكون له أيضا استعداد البقاء عند التجلي أو لا يكون له ذلك .
فإن كان له ذلك فلابد أن يبقى ، وإن لم يكن له فكان له استعداد قبول التجلي ولم يكن له استعداد البقاء .
ولا يصح أن يكون له فإنه لابد من اندكاك أو صعق أو فناء أو غيبة أو غنية ، فإنه لا يبقى له مع النهود غير ما شهد فلا تطمع في غير مطمع.

إذا تجلى لمن تجلى ... أصعقه ذلك التجلي
وإن تولى عمن تولى ... أهلكه ذلك التولي
وإن تدلى بمن تدلى ... نوره ذلك التدلي
قلت الذي قدسمعتموه ... بالله يا سيدي فقل لي
لما رأيت الذي تجلى ... اشهدني فيه عين ظلي
من لي إذا لم أكن سواه ... وليس عيني قل لي فمن لي
الله لا ظاهر سواه ... في كل ضد وكل مثل
وكل جنس وكل نوع ... وكل وصل وكل فصل
وكل حس وكل عقل ... وكل جسم وكل شكل
فليس التفاضل ولا الفضل في التجلي ، وإنما التفاضل والفضل فيما يعطي الله لهذا المتجلى له من الاستعداد .
وعين حصول التجلي عين حصول العلم لا يعقل بينهما بون ، کوجه الدليل في الدليل سواء ، بل هذا أتم وأسرع في الحكم ، ولا
يدل تعدد التجليات ولا كثرتها على الأشرفية، وإنما الأشرف من له المقام الأعم، وأما التجلي الذي يكون معه البقاء والعقل والالتذاذ والخطاب والقبول فذلك التجلي الصوري.
ولابد مع التجلي من تعريف إلهي، إما بصفاء الإلهام أو بما شاء الحق من أنواع التعريف، ومن لم ير غير التجلي الصوري ربما حكم على التجلي بذلك مطلقا من غير تقييد، والذي ذاق الأمرين فرق ولابد.
الفتوحات ج 1 / 295 - ج 2 / 541 - ج 4 / 191 ، 192 - کتاب التدبيرات الإلهية . 
التجلي الإلهي في الصور في حضرة الخيال المطلق
الحقائق لا تنقلب فاللطف محال أن يرجع كثافة، ولكن اللطيف يرجع کثیفا کالحار يرجع باردا أو البارد حارا.
من هذا الباب يظهر تجلي الحق في الصور التي ينكر فيها أو يرى في النوم، فيرى الحق في صورة الخلق بسبب حضرة الخيال.
فإن الحضرات تحكم على النازل فيها وتكسوه من خلعها ما تشاء، أين هذا التجلي من « ليس كمثله شيء» ومن « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » .
فالحكم للحضرة والموطن لأن الحكم للحقائق، والمعاني توجب أحكامها لمن قامت به ، فإن الله إذا تجلي في صورة البشر كما ورد فإنه يظهر بصورتها حسا ومعنی ، وهو اتصافه بالأوصاف الطبيعية من تغير الأحوال في الغضب والرضى والفرح والنزول والهرولة .
فإذا تجلى الحق للإنسان في المنام في صورته أو غيره في أي صورة تجلی، فلينظر فيما يلزم تلك الصورة المتجلي فيها من الأحكام فيحكم على الحق بها في ذاك الموطن ؛ فإن مراد الله فيها ذلك الحكم ولابد ، ولهذا نجلى فيها على الخصوص دون غيرها، ويتحول الحكم بتحول الصور .
فكما أن کل موجود هو إما محدث وهو الخلق وإما محدث اسم فاعل وهو الخالق فكذلك الصورة تقبل القدم والحدوث.
ولذلك يتجلى الحق لعباده على ما شاءه من صفاته، ولهذا ينكره قوم في الدار الآخرة لأنه تعالی تجلى لهم في غير الصورة والصفة التي عرفوها منه. 
ويتجلى للعارفين على قلوبهم وعلى ذواتهم في الآخرة
عموما ، وعلى التحقيق الذي لا خفاء به عندنا أن حقائق الذات هي المتجلية للصنفين في الدارين أن عقل أو فهم من الله تعالى ، المرئي في الدنيا بالقلوب والأبصار ، مع أنه سبحانه النبيء عن عجز العباد عن درك كنهه .
فقال « لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير » لطيف بعباده بتجليه لهم على قدر طاقتهم « خبير » ضعفهم عن حمل تجليه الأقدس على ما نعطيه الألوهية ، إذ لا طاقة للتحدث على حمل القديم.
الفتوحات ج 1 /  77 -  ج 2 / 472 - ج 3 / 280 ، 286 - ج 4 / 289 .

واعلم أن الله تعالی ما تجلى لك إلا في صورة علمه بك ولا كان عالما بك إلا منك. وأنت بذاتك أعطيته العلم بك، فإن الصورة تنقلب عليك إلى ما لا نهاية له، وتتقلب فيها أنت ، وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه .
ولكن حالا بعد حال ، انتقالا لا يزول؛ وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها ، فيتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها .
لأنك مقيد وهو غير مقيد ، بل قيده إطلاقه ، وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ، ولهذا ينكرون .
إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لاينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق ، إما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليه بعد ذلك فينكره.
حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه ، فإن الله عليه وعام ما يؤول إليه ، والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ، و من عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها .
علم بحكم الوطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها ، فعلمها قبل أن يدخل فيها ، فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله ، فشكر الله الذي عرفه من موحان الإنكار . 
الفتوحات ج 4 / 109 ، 110 
وصاحب الرؤيا إذا رأى ربه تعالی کفاحا في منامه في أي صورة يراه يقول رأيت ربي في صورة كذا وكذا و يصدق ، ويصدق مع قوله تعالی «لیس کمثله شيء » .

فنفى عنه المماثلة في قبوله التجلي في الصور كلها التي لا نهاية لها لنفسه .
فإن كل من سواه تعالی ممن له التجلي في الصور لا يتجلى في شيء منها لنفسه ، وإنما يتجلى فيها بمشيئة خالقه وتكوينه ، فيقول للصورة التي يدخل فيها من هذه صفته کن فتكون الصورة فيظهر بها من له هذا القبول إذا شاء الحق .
قال تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك "، فجعل التركيب الله لا له ، وفي نسبة الصورة لله تعالى يقال في أي صورة شاء ظهر من غير جعل جاعل ، فلا يلتبس عليك الأمر في ذلك .
ولما لم يكن له تعالی ظهور إلى خلقه إلا في صورة ، وصوره مختلفة في كل تجل ، لا تتكرر صورة ، فإنه سبحانه لا يتجلى في صورة مرتين ، ولا في صورة واحدة لشخصين.
فإن الآية من كتاب الله ترد واحدة العين على الأسماع ، فسامع يفهم منها أمرا وسامع آخر لا يفهم منها ذلك الأمر ويفهم منها أمرا آخر .
وآخر يفهم منها أمورا كثيرة ، ولهذا يستشهد كل واحد من الناظرين فيها بها لاختلاف استعداد الأفهام .
وهكذا في التجليات الإلهية ، فالمتجلي من حيث هو في نفسه واحد العين ، واختلفت التجليات أعني صورها بحسب استعدادات المتجلى لهم .
ولما كان الأمر كذلك لم ينضبط للعقل ولا للعين على ما هو الأمر عليه ، وهذا هو التوسع الإلهي الذي لا ينحصر ولا يدخل تحت الحد فیضبطه الفكر .
ولا يمكن للعقل تقييده بصورة ما من تلك الصور ، فإنه ينتقض له ذلك الأمر في التجلي الآخر بالصورة الأخرى ، وهو الله في ذلك كله .
لا يشك ولا يرتاب ، إلا إذا تجلى له في غير معتقده فإنه يتعوذ منه كما ورد في صحيح الأخبار .
فيعلم أن ثم في نفس الأمر عينا تقبل الظهور في هذه الصور المختلفة لا يعرف لها ماهية أصلا ولا كيفية ، وإذا حكم ولابد بكيفية فيقول : الكيفية ظهورها فيما شاء من الصور فتكون الصور مشاءة .
فالعارفون أهل الله علموا أن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين.
فلم ينضبط لهم الأمر، لما كان لكل شخص تجلي يخصه ، ورآه الإنسان من نفسه ، فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها ، فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق ، هكذا دائما في كل تجلي.
علم أن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره ، فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين ، فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون .
ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه .
أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه ، إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله تعالى: « ليس كمثله شيء » فنفى المماثلة .
فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى . 
فتوحات ج 1 / 287 - ج 3 / 384 - ج 4 / 19 - کتاب التنزلات الموصلية .

خلاصة بحث التجلي:
يقول الشيخ في مشاهدة مشهد البيعة الإلهية على لسان الحق :
إني وإن احتجبت فهو تجل لا يعرفه كل عارف ، إلا من أحاط علما بما أحطت به من المعارف .
ألا تراني أتجلى لهم في القيامة في غير الصورة التي يعرفونها والعلامة فينكرون ربوبيتي ومنها يتعوذون و بها يتعوذون ، ولكن لا يشعرون .
ولكنهم يقولون لذلك المتجلي « نعوذ بالله منك وها نحن لربنا منتظرون » .
فحينئذ أخرج عليهم في الصورة التي لديهم ، فيقرون لي بالربوبية ، وعلى أنفسهم بالعبودية.
فهم لعلامتهم عابدون، وللصورة التي تقررت عندهم مشاهدون، فمن قال منهم انه عبدني فقوله زور وقد باهتني (يعني بقوله نعوذ بالله منك).
وكيف يصح منه ذلك وعندها تجلیت له أنكرني ، فمن قيدني بصورة دون صورة، فتخيله عبد وهو الحقيقة الممكنة في قلبه المستورة .
فهو يتخيل أنه يعبدني وهو يجحدني، والعارفون ليس في الإمكان خفائي عن أبصارهم ، لأنهم غابوا عن الخلق وعن أسرارهم ، فلا يظهر لهم عندهم سوائي، ولا يعقلون من الموجودات سوى أسمائي ، فكل شيء ظهر لهم وتجلى
قالوا أنت المسبح الأعلى .
فتوحات ج 1 / 49    "" أهـ


ص 217

واعلم أن الولاية هي الفلك المحيط العام، ولهذا لم تنقطع ولها الإنباء العام."12"
وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة.
وفي محمد صلى الله عليه وسلم قد انقطعت، فلا نبي بعده: يعني مشرعا أو مشرعا له، ولا رسول وهو المشرع.
وهذا الحديث 
______________________________
12 - مرتبة الولاية والنبوة والرسالة 
يقول الشيخ في كتابه « التنزلات الموصلية »:|
سماء النبوة في برزخ   ….    دوين الولي وفوق الرسول 

ويقول في الفتوحات المكية ح 2 ص 23 : الولاية أعم فلك إحاطي
وهو قوله في التنزلات الموصلية في الباب الثالث :
سماء الولاية علوية   .....    تحيط بكل مقام جليل

ويقول في الفتوحات المكية في الجزء الأول ص 229 :
بين النبوة والولاية فارق   .....   لكن لها الشرف الأتم الأعظم
يعنو لها الفلك المحيط بسره  .....  وكذلك القلم العلي الأفخم
إن النبوة والرسالة كانتا  ..... وقد انتهت ولها السبيل الأقوم
وأقام بيتا للولاية محكما  ..... في ذاته فله البقاء الأدوم
لا تطلبنه نهاية يسعى لها  ..... فيكون عند بلوغه يتهدم
صفة الدوام كذاته نفسية  ..... فهو الولي فقهره متحكم
يأوي إليه نبيه ورسوله  .....   والعالم الأعلى ومن هو أقدم

ولهذا يقول رضي اللّه عنه في الفتوحات الجزء الثاني ص 246 :
الولاية نعت إلهي ، وهو للعبد خلق لا تخلق ، وتعلقه من الطرفين عام ، لكن لا يشعر بتعلقه عموما من الجناب الإلهي ، وعموم تعلقه من الكون أظهر عند الجميع ، فإن الولاية نصر الولي ، أي نصر الناصر ، فهو ذو النصر العام في كل منصور ، ولما كان نعتا إلهيا هذا النصر المعبر عنه بالولاية ، تسمى سبحانه به وهو اسمه الولي - وهذا معنى قوله في البيت الأخير - ومن هو أقدم - .
ثم يزيد رضي اللّه عنه شرحا لمقام الولاية ، في الفتوحات المكية في الجزء الثاني ص 256 فيقول . 
ص 218 

قصم ظهور أولياء الله لأنه يتضمن انقطاع ذوق العبودية الكاملة التامة.
فلا ينطلق عليه اسمها الخاص بها فإن العبد يريد ألا يشارك سيده- وهو الله في اسم، والله لم يتسم بنبي ولا رسول، وتسمى بالولي واتصف بهذا الاسم فقال «الله ولي الذين 
______________________________
اعلم أن الولاية هي المحيطة العامة ، وهي الدائرة الكبرى ، فمن حكمها أن يتولى اللّه من شاء من عباده بنبوة ، وهي من أحكام الولاية ، وقد يتولاه بالرسالة وهي من أحكام الولاية أيضا ، فكل رسول لابد أن يكون نبيا ، وكل نبي لابد أن يكون وليا ، فكل رسول لابد أن يكون وليا ، فالرسالة خصوص مقام في الولاية ، والرسالة في الملائكة دنيا وآخرة ، لأنهم سفراء الحق لبعضهم وصنفهم ، ولمن سواهم من البشر في الدنيا والآخرة ، والرسالة في البشر لا تكون إلا في الدنيا ، وينقطع حكمها في الآخرة ، وكذلك تنقطع في الآخرة بعد دخول الجنة والنار ، نبوة التشريع لا النبوة العامة ، وأصل الرسالة في الأسماء الإلهية ، وحقيقة الرسالة إبلاغ كلام من متكلم إلى سامع ، فهي حال لا مقام ، ولا بقاء لها بعد انقضاء التبليغ . إهـ.
هذا ما أشرنا إليه من كتاب القربة من قوله :
مرتبة الولاية والمعرفة ، ( أي النبوة العامة لا نبوة التشريع ) دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة .
لذلك نرى الشيخ رضي اللّه عنه في التكلم عن الولاية والأولياء .
يقول في الفتوحات من الجزء الثاني ص 24 :
فمن الأولياء رضي اللّه عنهم الأنبياء صلوات اللّه عليهم ، تولاهم اللّه بالنبوة ، فالولاية نبوة عامة ، والنبوة التي بها التشريع نبوة خاصة .
ثم يقول : ومن الأولياء رضوان اللّه عليهم ، الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم تولاهم اللّه بالرسالة ، فهم النبيون المرسلون إلى طائفة من الناس ، أو يكون إرسالا عاما إلى الناس ، ولم يحصل ذلك إلا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم .
ويقول في ص 26 : ومن الأولياء أيضا رضي اللّه عنهم المؤمنون والمؤمنات ، تولاهم اللّه بالإيمان الذي هو القول والعمل والاعتقاد . إهـ
ولذلك نراه يقول في كتاب القربة :
الرسل من كونهم أولياء عارفين أرفع من كونهم رسلا ، فإن الولاية والمعرفة تحصرهم في بساط المشاهدة في الحضرة المقدسة ، والرسالة تنزلهم إلى العالم الأضيق ومشاهدة الأضداد ومكابدة الأسماء الإلهية القائمة بالفراعنة والجبابرة ، فلا شيء أشد عليهم من مقارعة الأسماء بالأسماء ، ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم  بعد استعاذاته من

ص 219 

آمنوا»: وقال «هو الولي الحميد».
وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنيا وآخرة. فلم يبق اسم يختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة: إلا أن الله لطف 
________________________
الأفعال والأحوال « أعوذ بك منك »لشدة سلطان هذا المقام ، فإذا سمعتم لفظة من عارف محقق مبهمة ، وهو أن يقول : إن الولاية هي النبوة الكبرى ، والولي العارف مرتبته فوق مرتبة الرسول ؛ فاعلموا أن الاعتبار بالشخص من حيث ما هو إنسان ، فلا فضل ولا شرف في الجنس بالحكم الذاتي ، وإنما يقع التفاضل بالمراتب ، فالأنبياء صلوات اللّه عليهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب ، فالنبي صلى اللّه عليه وسلم له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة ، ومرتبة الولاية والمعرفة دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة ، فإنها تنقطع بالتبليغ ، والفضل للدائم الباقي ، والولي العارف مقيم عنده ، والرسول خارج ، وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج ، فهو صلى اللّه عليه وسلم من كونه وليا عارفا ، أعلى وأشرف من كونه رسولا ، وهو الشخص بعينه ، واختلفت مراتبه ، لا أن الولي منا أرفع من الرسول ، نعوذ باللّه من الخذلان ، فعلى هذا الحد يقولها أصحاب الكشف والوجود ، إذ لا اعتبار عندنا إلا للمقامات ، ولا نتكلم إلا فيها لا في الأشخاص . إ هـ
ويقول في كتابه تلقيح الأذهان :
ففلك الولاية أعلا وأعم من فلك النبوة ، ولا تحجب فتقول الولي أفضل من النبي ، لا ، ولكن النبوة درجة في الولاية ، فالولي الذي ليس بنبي ناقص عن رتبة النبوة ، وإنما النبي من حيث ولايته اتم منه من حيث نبوته ، كالإنسان من حيث إنسانيته أتم منه من حيث حیوانيته ،
كما أن النبوة في حق ذات النبي أعم وأشرف من الرسالة ،فإنه يدخل فيها ما اختص به في نفسه وما أمر بتبليغه لأمته الذي هو منه رسول.فتوحات ج 1 / 429 .
 فالكلام في المراتب وتفاضلها من حيث المقام والرتبة والأصل والفرع وعلو الأصل على الفرع والأساس على البناء والمقام على الحال والمستند إليه على المستند ومقام النصرة على التبليغ ، فمن نظر إلى المراتب وسعتها وان مرتبة الولاية وسعت الأنبياء والرسل ، وأن مرتبة النبوة وسعت الرسل واقتصرت مرتبة الرسالة على الرسل فقط ، ونظر إلى أن الولاية هي الأساس وأنها هي الفلك المحيط الأوسع ،

ص 220


بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال «العلماء ورثة الأنبياء».  وما 
_________________________
قال إن مرتبة الولاية أعلى وأشرف من مرتبة النبوة والرسالة ، ومن تنظر إلى أن مرتبة الولاية لها البقاء في الدنيا والآخرة ، وأن مرتبة النبوة والرسالة منقطعة بالدنيا والحشر ، قال بعلو مقام الرتبة التي لها البقاء والدوام على الرتبة المنقطعة ، و من نظر إلى الاستناد إلى الأسماء الإلهية وأن مرتبة الولاية مستندة إلى الاسم الإلهي الولي وأن النبوة والرسالة من أسماء العبودية قال بشرف المرتبة بشرف المستند إليه ، ومن نظر إلى المعنى قال إن الولاية نصرة ، ومقام النصرة له الشرف على مقام الإخبار ومقام التبليغ.
كان محمد صلى الله عليه وسلم أعظم خليفة وأكبر إمام ، وكانت أمته خير أمة أخرجت للناس وجعل الله ورثته في منازل الأنبياء والرسل . 
فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام ، فهو تشريع عن خبر الشارع ، فكل مجتهد مصيب كما أنه كل نبي معصوم ، وتعبدهم الله بذلك ليحصل لهذه الأمة نصيب من التشريع وتثبت لهم فيه قدم ، فلم يتقدم عليهم سوى نبيهم صلى الله عليه وسلم ، فتحشر علماء هذه الأمة حفاظ الشريعة المحمدية في صفوف الأنبياء لا في صفوف الأمم ، فهم شهداء على الناس ، وهذا نص في عدالتهم ، ولولا أن الشارع قرر حكم المجتهد من علماء هذه الأمة ما ثبت له حكم ، فالمجتهدون من علماء الشريعة ورثة الرسل في التشريع ، وأدلتهم تقوم لهم مقام الوحي للأنبياء ، واختلاف الأحكام كاختلاف الأحكام ، إلا أنهم ليسوا مثل الرسل .
فاختص الله هذه الأمة أعني علماءها بأن شرع لهم الاجتهاد في الأحكام ، وقرر حكم ما أداه إليه اجتهادهم وتعبدهم به ، ونعبد من قلدهم به، كما كان حكم الشرائع للأنبياء ومقلديهم ، ولم يكن مثل هذا الأمة نبي ما لم يكن نبيا بوحي منزل ، فجعل الله وحي علماء هذه الأمة في اجتهادهم ، كما قال لنبيه عليه السلام " لتحكم بين الناس بما أراك الله » فالمجتهد ما حكم إلا بما أراه الله في اجتهاده.
 راجع الفتوحات ج 1 / 545 - ج 2 / 261 - ج 3 / 400 ، 401.  کتابنا « الفقه عند الشيخ الأكبر » ص 65

ص 221

ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه. "13"
فإذا رأيت النبي 
___________________________________________
13 - حدیث «لا نبي بعدي ولا رسول »
" وقوله تعالى للعزير : لئن لم تنته .." - الحديث . 
يقول الشيخ في الفتوحات ج 1 / 229  : -
اعلم أنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي - الحديث بكماله - فهذا الحديث من أشد ما جرعت الأولياء مرارته ، فإنه قاطع للوصلة بين الإنسان وبين عبوديته ، وإذا انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين عبوديته من أكمل الوجوه انقطعت الوصلة بين الإنسان وبين الله ، فإن العبد على قدر ما يخرج من عبوديته ، ينقصه من تقريبه من سيده ، لأنه يزاحمه في أسمائه ، وأقل المزاحمة الاسمية ، فأبقى علينا الاسم الولي وهو من أسمائه سبحانه ، وكان هذا الاسم قد نزعه من رسوله وخلع عليه وسماه بالعبد والرسول ،ولا يليق بالله أن يسمي بالرسول.
فهذا الاسم من خصائص العبودية التي لا تصح أن تكون للرب ، والرسالة قد انقطعت فارتفع حکم هذا الاسم بارتفاعها من حيث نسبتها بها من الله .
 ويقول في الفتوحات ج 2 / 253 :  -
اعلم أن الحق لم يطلق على نفسه من النبوة أو الرسالة اسما كما أطلق في الولاية فسمى قفسه وليا وما سمى نفسه نبيا مع كونه أخبرنا وسمع دعاءنا .
ويقول في الفتوحات ج 2 / 253 : -
فالنبي اسم خاص بالأنبياء والرسل ما هو لله ولا للأولياء بل هو اسم خاص للعبودية التي هي عين القرب من السيد وعدم مزاحمة السيد في رتبته ، بخلاف الولاية ، فإن العبد مزاحم له في اسم الولي تعالى ، ولهذا شق على المستخلصين من العبيد انقطاع اسم النبي واسم الرسول لما كان من خصائصها ولم يكن له في الأسماء الإلهية عين .
ولذلك يقول رضي الله عنه في الفتوحات ج 1 / 229 :  -
ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في أمته من يجرع مثل هذا الكأس ، وعلم ما يطرأ عليهم في نفوسهم من الألم ، لذلك رحمهم . فجعل لهم نصيبا ، فقال للصحابة « ليبلغ الشاهد الغائب » فأمرهم بالتبليغ كما أمره الله بالتبليغ لينطلق عليهم أسماء الرسل التي هي مخصوصة بالعبيد ، وقال صلى الله عليه وسلم « رحم الله امرأ سمع مقالتي

ص 222


يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو ولي وعارف، "14"  ولهذا، مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع.
فإذا سمعت أحدا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك 
________________________________
فوعاها فأداها كما سمعها » یعنی حرفا حرفا ، ومن هنا تعرف شرف مقام العبودية وشرف المحدثين تقلة الوحي بالرواية ، فهذا القدر بقي من العبودية ، وهو خير عظیم امتن به عليهم ، ومهما لم ينقله الشخص بسنده متصلا غير منقطع فليس له هذا المقام ولا شم له رائحة . 
وكان من الأولياء المزاحمين الحق في الاسم الولي فنقصه من عبوديته بقدر هذا الاسم.

14 - علم الأسرار  
هو العلم الذي فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس في الروع، يختص به النبي والولي ، والعالم بعلم الأسرار يعلم العلوم كلها ويستغرقها كلها ، ولا علم أشرف من هذا العلم المحيط الحاوي على جميع المعلومات ، وما بقي إلا أن يكون المخبر به صادقا عند السامعين له معصوما . 
هذا شرطه عند العامة ، وأما العاقل اللبيب الناصح قفسه فلا يرمي به ولكن يقول هذا جائز عندي أن يكون صدقة أو كذبة ، وكذلك ينبغي لكل عاقل إذا أتاه بهذه العلوم غير المعصوم وإن كان صادقا في نفس الأمر فيما أخبر به ، ولكن كما لا يلزم هذا السامع صدقه لا يلزمه تكذيبه ولكن يتوقف ، وإن صدقه لم يضره لأنه أتي في خبره بما لا تحيله العقول بل تجوزه أو تقف عنده ، ولا يهد ركن من أركان الشريعة ولا يطل أصلا من أصولها ، فإذا أتي بأمر جوزه العقل وسكت عنه الشارع، فلا ينبغي لنا أن نرده أصلا ، ونحن مخيرون في قبوله ، فعلوم النبوة والولاية وراء طور العقل ، ليس للعقل فيها دخول بفكر ، لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغاب عليه شبهة خيالية فكرية ، يكون من ذلك فساد نظره ،فإن العقل بين النظر والقبول.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله ، فإذا نطفوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله » قال طبقة في هذا العلم إنه وراء طور العقل ،

ص 223


القائل إلا ما ذكرناه.
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو 
_______________________________
ومنه ما يستحيل عند الفكر ويقبلها العقل من الفكر مستحيلة الوجود، لا يسكن أن يكون له تحت دليل الإمكان ، فيعلمها العقل من جانب الحق واقعة صحيحة غير مستحيلة . 
ولا يزول عنها اسم الاستحالة ولا حكم الاستحالة عقلا ، ومن هذا العلم ما يكون تحت النطق ، فما ظنك بما عند هؤلاء العلماء من العلم مما هو خارج عن الدخول تحت حكم النطق ، فما كل علم يدخل تحت العبارات ، مثل علوم الأذواق كلها ، وجعل الله هذا العلم كهيئة المكنون ما جعله مکنونا ، إذ لو كان مكنونا لاتفرد به تعالى ، فلما لم يعلمه إلا العلماء بالله ، علم أن العلم بالله يورث العلم بما يعلمه الله . فهو مستور عن العموم معلوم للخصوص ، ومعنى العلم بالله أنه لا بعلم ، فقد علمنا أن ثم ما لا يعلم على التعيين ، وما عداه فيسكن العلم به ، فآکنه قلوب العلماء بالله ، فإذا نطقوا به فيما بينهم إذ لا يصح النطق به إلا على هذا الحد، واتفق أن يكون في المجلس من ليس من أهله ولا من أهل الله، فإن أهل الله هم أهل الذكر وهم العلماء بالله ، أنكره عليهم أهل الغرة فأضاف أهليتهم إلى الغرة ، وهم الذين يزعمون أنهم عرفوا الله ، قال أبو هريرة « حملت عن النبي صلى الله عليه وسلم جرابين ، أما الواحد فبثثته فيكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم ».
يشير أبو هريرة رضي الله عنه إلى ما كان يقول فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يضرب بيده إلى صدره و يتنهد ويقول « إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة » .
وإلى ما كان يقوله عبد الله بن عباس البحر ، كان يلقب به لاتساع علمه ، فكان يقول في قوله عز وجل د الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن » : لو ذكرت تفسيره لرجمتموني ، وفي رواية ، لقلتم إني كافر ، وإلى هذا العلم كان يشير علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زین العابدین ، عليهم الصلاة والسلام بقوله ، فلا أدري هل هما من قوله أو تسئل بهما
یا رب جوهر علم لو أبوح به    …..   لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا 
 ولا ستحل رجال مسلمون دمي   …. يرون أقبح ما يأتونه حسنا . 
الفتوحات  ج 1 / 200 ، 261 ، 483 - ج 2 / 114 - ج 3 / 244 

ص 224

قال الشيخ رضي الله عنه :  (القائل إلا ما ذكرناه.
أو يقول إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد: وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم من حيث هو نبي رسول، لا أن الولي التابع له أعلى منه، فإن التابع لا يدرك المتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه، إذ لو أدركه لم يكن تابعا له فافهم. "15"
فمرجع الرسول والنبي المشرع إلى الولاية والعلم.
ألا ترى الله تعالى قد أمره بطلب الزيادة من العلم لا من غيره فقال له آمرا «وقل رب زدني علما».
وذلك أنك تعلم أن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة أو نهي عن أفعال مخصوصة ومحلها هذه الدار فهي منقطعة، والولاية ليست كذلك إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي كما انقطعت الرسالة من حيث هي.
وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسم.
والولي اسم باق لله تعالى، فهو لعبيده تخلقا وتحققا وتعلقا.
فقوله للعزير لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية القدر لأمحون اسمك من ديوان النبوة فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي ويزول عنك اسم النبي والرسول، وتبقى له ولايته. "16"
إلا أنه لما دلت قرينة الحال أن هذا الخطاب جرى مجرى الوعيد علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنه وعيد بانقطاع خصوص بعض مراتب الولاية في هذه الدار، إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب.
فيعلم أنه أعلى من الولي الذي لا نبوة تشريع عنده ولا رسالة.
ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضيها أيضا مرتبة النبوة، يثبت عنده أن هذا وعد لا وعيد.
فإن سؤاله عليه السلام مقبول إذ النبي هو الولي الخاص.
ويعرف بقرينة الحال أن النبي من حيث له في الولاية هذا الاختصاص محال أن يقدم على ما يعلم أن الله يكرهه منه، أو يقدم على ما يعلم أن حصوله محال.
فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت عنده، أخرج هذا الخطاب الإلهي عنده في قوله «لأمحون اسمك من ديوان النبوة» مخرج الوعد، وصار خبرا يدل على علو رتبة باقية، وهي المرتبة الباقية على الأنبياء والرسل في الدار الآخرة التي ليست بمحل لشرع يكون عليه أحد من خلق الله في جنة ولا نار بعد دخول الناس فيهما. "17"
وإنما قيدناه بالدخول في الدارين الجنة والنار لما شرع يوم القيامة )
__________________________
و الخلاف هنا في صحة العبارة الواردة في هذه الفقرة ، فلا يصح نسبتها بحال إلى الشيخ رضي الله عنه ، مع دقته في التعبير وانتقاء اللفظ كما يتضح من الشرح.

15 -  راجع هامش 12 ص 218 بالفص الحالي
16 -  راجع هامش 13 ص 221 بالفص الحالي
17  - راجع هامش 12 ص 218 بالفص الحالي

ص 225


قال الشيخ رضي الله عنه :  (لأصحاب الفترات والأطفال الصغار والمجانين، فيحشر هؤلاء في صعيد واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجريمة والثواب العملي في أصحاب الجنة.
فإذا حشروا في صعيد واحد بمعزل عن الناس بعث فيهم نبي من أفضلهم وتمثل لهم نار يأتي بها هذا النبي المبعوث في ذلك اليوم فيقول لهم أنا رسول الحق إليكم، فيقع عندهم التصديق به ويقع التكذيب عند بعضهم.
ويقول لهم اقتحموا هذه النار بأنفسكم، فمن أطاعني نجا ودخل الجنة، ومن عصاني وخالف أمري هلك وكان من أهل النار.
فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فيها سعد ونال الثواب العملي ووجد تلك النار بردا وسلاما.
ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فيها بعمله المخالف ليقوم العدل من الله في عباده. "18"
وكذلك قوله تعالى «يوم يكشف عن ساق» أي أمر عظيم من أمور الآخرة، «ويدعون إلى السجود» وهذا تكليف وتشريع.
فمنهم من يستطيع ومنهم من لا يستطيع، وهم الذين قال الله فيهم «ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون» كما لم يستطع في الدنيا امتثال أمر الله بعض العباد كأبي جهل وغيره.
فهذا قدر ما يبقى )
___________________________________
18 - حديث الحميدي *
ما ورد في هذه الفقرة هو الحديث الذي أخرجه الحميدي ، في كتاب الموازنة ، ولم يثبت عند الشيخ ، لأنه يقول بخلاف ما جاء به ، فهو القائل في حكم أطفال الكفار : الذي أقول به إنه متى قدر المسلم على الصلاة على من مات من الأطفال الصغار الذين لم يحصل منهم التمييز ولا العقل أنه يصلى عليهم ، فإنهم على فطرة الإسلام ، فالطفل يصلي عليه إذا مات بكل وجه ، ولا معنى لترك الصلاة عليه ، فإن الذرية تابعة للاباء في الإيمان ولا يتبعونهم في الكفر إن كان الآباء كفارا.
أما في حق أهل الفترات فيقول : قبل التكليف لا يقيد الإنسان بل يجري بطبعه من غير مؤاخذة أصلا ، فوجد العذر لمن لم تبلغه الدعوة الإلهية ، وحكمه حكم من لم يبعث الله إليه رسولا ، وهو قوله تعالى:" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " وما كانت دعوة الرسل قبل رسول الله من عامة ، فيلزم أهل كل زمان الإيمان .
الفتوحات  ج 1 / 326 ، 519 ، 536 - ج 3 / 135 - ج 4 / 162

ص 226

من الشرع في الآخرة يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار، فلهذا قيدناه. "19"
والحمد لله.
 _________________________________
19 - ما بقي من التكليف يوم القيامة 
يوم يكشف عن ساق الآخرة ، تقول العرب : كشفت الحرب عن ساقها ، وهي إذا حمي وطيسها ، واشتدت الحرب وعظم الخطب .
وكشف الساق كما يؤذن بالشدة ، كذلك يؤذن بسرعة انقضاء المدة ، فمع كل زعزع رخاء ، وعند انتهاء الشدائد يكون الرخاء ، يقال كشفت الحرب عن ساقها ، وعقدت عليها إزرة طوقها ، فاشتد اللزام ، وكانت نزال لما عظم القيام ، وجاء ربك في ظلل من الغمام ، والملائكة للفصل والقضاء والنقض والإبرام ، وعظم الخطب واشتد الكرب ، وماج الجميع بحكم الصدع ، ففي الموقف ترفع الحجب بين الله وبين عباده ، وهو كشف الساق ، ويأمرهم داعي الحق عن أمر الله بالسجود ، فلا يبقى أحد سجد لله خالصا على أي دین كان إلا سجد السجود المعهود ، ومن سجد اتقاء وریاء جعل الله ظهره طبقة نحاس ، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، فهذا قوله « فلا يستطيعون » .
فقوله تعالی « يدعون إلى السجود » هو دعاء تمييز لا دعاء تكليف ، فإن الآخرة ليست بمحل تكليف إلا في يوم القيامة في موطن التمييز حين يدعون إلى السجود، إلا الحديث الذي أخرجه الحميدي في كتاب الموازنة ، ولم يثبت ، ولما اقترن به الأمر أشبه التكليف . 
فجوزوا بالسجود جزاء المكلفين ، فالتشريع لا يكون في الآخرة إلا في موطن واحد حين يدعون إلى السجود ، ليرجح بتلك السجدة میزان أصحاب الأعراف،لأنها سجدة تکلیف ، فيسعدون فينصرفون إلى الجنة بعد ما كان منزلهم في سور الأعراف ، ليس لهم ما يدخلهم النار ولا ما يدخلهم الجنة ، وإن شئت قلت سجود تسييز لا سجود ابتلاء ، فيتميز في دعاء الآخرة إلى السجود من سجد لله ممن سجد اتقاء ورياء ، وفي الدنيا لا يتميز لاختلاط الصور . 
الفتوحات ج 1 / 314 ، 509 ، 733 ، 751 - ج 2 / 211 - ج 3 / 439 - ج 4 / 367 

ص 227
.
واتساب

No comments:

Post a Comment