Monday, November 18, 2019

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع عشر فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله


جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .  
14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية
هذا فص الحكمة العزيرية ، ذكره بعد حكمة لوط عليه السلام ، لأنه يذكر فيه تحقيق معنى القضاء والقدر ، المبين ذلك على ما مر في حكمة لوط عليه السلام ، من كون العلم تابعا للمعلوم ، ويذكر فيه بيان مراتب الرسل عليهم السلام من حيث هم رسل تتميما لما ذكر في حكمة لوط عليه السلام .
(فص حكمة قدرية) بفتح الدال نسبة إلى القدر (في كلمة عزيرية .)
إنما اختصت حكمة العزير عليه السلام بكونها قدرية ، لأن معراجه كان في مسألة سئلها في القدر ، فرفعه اللّه تعالى بها من حضيض الحياة الدنيوية الوهمية إلى حضرة الحياة الأبدية الحقيقة ، واخترق به سبع طباق النفوس البشرية على براق الرقيقة الروحانية ، ثم أرجعه عالم المحنة وقرار الفتنة لإنفاد بقية ما في خزائنه من الأقدار الإلهية والأسرار الربانية .

 قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد . فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ] .فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] . فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها . فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .
(اعلم) يا أيها السالك (أن القضاء) ، أي الحكم الإلهي الأزلي حكم اللّه تعالى العدل والفضل وإلزامه الفصل.
قال رضي الله عنه :  (في الأشياء) كلها محسوسها ومعقولها وحكم اللّه تعالى (في الأشياء) كلها (على حد) ، أي مقدار (علمه) تعالى (بها) أي بالأشياء من حيث ذواتها (و) علمه (فيها) من حيث صفاتها وأحوالها .
(وعلم اللّه) تعالى (في الأشياء) كلها من حيث صفاتها وأحوالها (على) حسب (ما أعطته المعلومات) التي هي أعيان تلك الأشياء وحقائقها الثابتة في عدمها الأصلي (مما هي عليه في نفسها) من غير زيادة ولا نقصان ولا تغيير ولا تبديل أصلا ولا تقديم ولا تأخير .

قال رضي الله عنه :  (والقدر) بالتحريك أي قدر اللّه تعالى الأزلي هو (توقيت) ، أي الحكم بالوقت جميع (ما هي عليه الأشياء) كلها (في عينها) الثابتة في عدمها الأصلي (من غير مزيد) فيها ولا شك أن الوقت من جملة أحوال الشيء ، وهو الترتيب بينه وبين غيره من الأشياء ، وللأشياء أحوال أخرى غير الوقت ، فالحكم بالوقت قدر ، والحكم بغيره من الأحوال قضاء ، وقد يستعمل القدر في الحكم بالكل ، والقضاء كذلك ، وقد يستعملان معا بمعنى الحكم بالكل ، ويقدم القضاء ويكون القدر بعده تفسيرا له .
قال رضي الله عنه :  (فما حكم القضاء) الإلهي (على الأشياء) من الأزل (إلا بها) ، أي بعين ما هي عليه الأشياء في ثبوتها حال عدمها الأصلي (وهذا) الأمر في قضاء اللّه تعالى الأزلي (هو عين سر القدر) الإلهي (الذي أخفاه اللّه تعالى) عن خلقه وأمرهم بالعمل وما هم عاملون إلا عين ما قدره عليهم ، وما قدر عليهم إلا عين ما هم عاملون في أعيانهم الثابتة حال عدمها الأصلي (ولا ينكشف) هذا السر (إلا "لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ " )لا نفس ، لأن النفس بيت الشيطان ، فهو يوسوس فيها الذي يوسوس في صدور الناس ، ونعلم ما توسوس به نفسه ، والقلب بيت اللّه .
قال عليه السلام : « ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن ».
وهو الذي يتقلب في الصور بتجلي الحق تعالى عليه في تلك الصور كلها ، فيؤمن به فيها ولا ينكره ، فهو العبد المؤمن لا الكافر المنكر ("أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ" إلى) ما ورد عن اللّه تعالى ورسوله عليه السلام فيؤمن بما ورد عن اللّه على مراد اللّه .
وبما ورد عن رسول اللّه على مراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا الذي " أَلْقَى السَّمْعَ " إلى ما قالته علماء الأفكار المتأوّلين الأخبار كما سبق بيانه .
 (وَهُوَ)، أي الذي ألقى السمع للّه ولرسوله فهو من المقلدين ("شَهِيدٌ") [ ق :  37] .
 لما وقع في نفسه من الصورة التي تجلى بها عليه ربه وهو في عبادته كأنه يراه ، وهو في قبلته في حال صلاته ، لا الصورة التي اخترعها بنفسه فنحتها بفكره وأداه إليها دليله العقلي ، وبحثه وجداله في اللّه ، قال تعالى : "قالَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ ( 95 ) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ "[الصافات : 95 - 96 ]
("فَلِلَّهِ")  على الخلق كلهم ("الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ") [ الأنعام : 149 ] ، وهي إيجادهم على طبق ما هم عليه في أعيانهم الثابتة حال عدمهم الأصلي ، فالسعيد سعيد الأزل والشقي شقي الأزل ، فما حكم عليهم إلا بما هم عليه في ثبوتهم الأزلي .
قال رضي الله عنه :  (فالحاكم في التحقيق) حكمه العدل (تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ) ، أي تلك المسألة المحكوم بها كما ورد قاض في الجنة وقاضيان في النار .
فالقاضي الذي في الجنة قاض عرف الحق وحكم به ، فهو تابع للحق بما يقتضيه واللّه يقضي بالحق : وقل "رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ" [ الأنبياء : 112 ] ،
والقاضيان :
قاض عرف الحق وحكم بالباطل ولم يحكم بالحق .
وقاض لم يعرف الحق وحكم على جهله ، فهما في النار لعدم متابعتهما لما هو الأمر عليه في نفسه من الحق ، ولا بد أن يكون الحاكم محكوما عليه كما قال .
(فالمحكوم عليه ) باطنا من الخلق أو الحق (بما هو فيه) من الأحوال الثابتة له (حاكم) في الباطن (على الحاكم عليه) في الظاهر وملزوم له (أن يحكم عليه بذلك) .
أي بما هو من أحوال عينه الثابتة عنده (فكل حاكم) من قديم أو حادث (محكوم عليه ) باطنا (بما حكم به) ظاهرا من الأعيان (وفيه) من الأوصاف والأحوال كان الحاكم من كان ربا أو عبدا.

واعلم أن الحق تعالى حاكم الأزل عرضت عليه في الأزل
، أعيان الكائنات جميعها التي لا نهاية لها من ذوات وصفات وأحوال مختلفة في الحس والعقل وهي عدم صرف ، وثبتت عند علمه بشهادة شاهدين عنده بذلك هما سمعه القديم وبصره القديم ، فحكم فيها بما وجدها ثابتة عليه في أعيانها العدمية .
وكان المدعى عليها قائم وهو حضرة الصفات والأسماء الإلهية المؤثرة فيها ، دون السمع والبصر فإنهما كاشفان لا مؤثران بما لذلك المدعي عندها من الحق ، وهو عبوديتها لحضرة الصفات والأسماء الإلهية .
فأجابته بالإنكار لأجل ما هي فيه من ظلمة العدم الأصلي ، ظلما منها للحق والظلم ظلمات يوم القيامة ؛ ولهذا كان السمع والبصر من حضرة الصفات والأسماء الإلهية شاهدين عليها بعبوديتها لمن ادعى الرق فيها ، واكتساء الأشياء كلها بالوجود في هذا العالم هو عين أداء الشهادة من هذين الاسمين الثابت بهما رق الأشياء وعبوديتها للحضرة الصفاتية والاسمائية ، وهي البينة التي قال تعالى :" لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ" [ البينة : 1 ] .

وهي التي قامت عليهم شاهدة بعبوديتم للصفات والأسماء ، فهم لا يزالون على إنكارهم لتلك العبودية والرق فيهم حتى يظهر شاهد الحق من نفوسهم ، وهو قوله تعالى :"رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ" [ البينة : 2 ] كقوله تعالى : "لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ " [ التوبة : 128 ] .
ثم قال:   "َيتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً " [ البينة : 2 ] ، وهي عين الخواطر المستقيمة في الحق تعالى ، فيها كتب : هي نزول العالم في كل نفس من حضرة الغيب ،
 قيمة : من حيث اللوح والقلم ، وسر ظهور هذا كله فيهم كونه هو السميع البصير ، لأنه عين سمعهم الذي يسمعون به ، وعين بصرهم الذي يبصرون به ، كما ورد في الحديث المتقرب بالنوافل : " كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به".
وقال عليه السلام : « البينة للمدعي واليمين على من أنكر »  ؛ ولهذا أقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت ، وأوّل من أقسم باللّه تعالى كاذبا إبليس "وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ" [الأعراف : 21 ] وقد شرد بنا وارد الإلهام في أثناء هذا الكلام ، فأمسكنا عنان الإقدام أن هذا الميدان ليس لنا ، فإننا فيه خادمون لكلام غيرنا ، فينبغي المتابعة لذلك النظام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .  

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
ولما كان العزيز عليه السلام بعينه الثابتة واستعداده الأصلي طالبا للمعرفة بسرّ القدر بقوله :" أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها"  [البقرة : 159 ] اختصت كلمته بالحكمة القدرية .
ولما تقدم القضاء على القدر بالذات قدمه عليه بالوضع فقال : ( اعلم أن القضاء حكم اللّه في الأشياء ) القضاء في اصطلاح الطائفة هو الحكم أي الإلهي في الموجودات كلها على ما هي عليها من الأحوال ( وحكم اللّه في الأشياء ) كان ( على حد ) أي على حسب ( علمه بها ) أي بالأشياء ( و ) على حد علمه ( فيها ) فقوله بها إشارة إلى إحاطة علمه تعالى بظواهر الأشياء وقوله : فيها إشارة إلى إحاطته ببواطن الأشياء ( وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها ) فقد استغنى بفي الأشياء عن ذكره بالأشياء لأن من علم باطن الأشياء فبالحريّ أن يعلم ظاهرها .
( والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها ) أي القدر إيجاد الأشياء في أوقاتها بحسب اقتضاء عينها الثابتة ووقوعها في ذلك الوقت ( من غير مزيد ) ونقص عن اقتضاء استعدادها ( فما حكم القضاء ) أي القاضي وهو الحق تعالى ( على الأشياء ) بالكفر والعصيان ( إلا بها ) أي بما هي عليها في عينها فما قدر الكفر للعبيد إلا باقتضاء عينهم الثابتة فلا جبر أصلا من اللّه لا صرفا ولا متوسطا وإنما يلزم ذلك أن لو قدر من عند نفسه من غير اقتضاء عين العبد فهذا البيان رفع توهم الجبر عن أهل الحجاب الذين لم ينكشف لهم أصل المسألة .
( وهذا ) أي كون حكم اللّه على الأشياء بحسب ما هي عليها في حد ذاتها ( هو عين سرّ القدر ) الذي يظهر (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ولا يظهر لغير هذين الطائفتين فلا حظ لأهل النظر من المتكلمين والحكماء من مسألة سرّ القدر ولا يصل إليه أحد بنظر العقل أبدا( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) أي الكاملة التامة يعني إذا كان تقدير الحق أحوال العباد وأفعاله بحسب اقتضاء عينهم الثابتة كان للَّه الحجة التامة على خلقه لا للخلق عليه إذا قيل لم قدر على فلان الإيمان وعلى فلان الكفر أو لم قدر بعض الأشياء على صورة قبيحة وبعضها على الصورة الحسنة وإذا كان للَّه الحجة البالغة على خلقه لا للخلق على اللّه .

( فالحاكم ) وهو الحق تعالى ( في التحقيق تابع ) في حكمه ( لعين المسألة ) وهي عبارة عن المحكوم عليه وبه والحكم ( التي يحكم ) الحق في القضاء والقدر ( فيها ) أي في تلك المسألة ( بما ) أي بحسب ما ( تقتضيه ذاتها ) أي ذات المسألة والمراد بعين المسألة الأعيان الثابتة في العلم ( فالمحكوم عليه بما ) أي بالذي ( هو ) وجد ( فيه ) أي في المحكوم عليه ( حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ) فحكم العبد المؤمن على الحق بقوله :
فاحكم عليّ بالإيمان فحكم اللّه به إجابة لدعوة العبد فإنه يجب دعوة الداعي إذا دعي وكذاك في الشقاء ( فكل حاكم محكوم عليه بما ) أي بالذي ( حكم به ) ( و ) بما حكم ( فيه كان الحاكم من كان ) ربا أو عبدا فكان كل واحد من الرب والعبد حاكما ومحكوما عليه لكن حكم العبد على الحق بما فيه سابق على حكم الحق على العبد به .
لذلك كانت الحجة البالغة للَّه على العبد لا للعبد على اللّه واعلم أن العبد في الحكم على الحق على وجهين إخبار وهو حكمة عليه بصفاته وأفعاله الصادرة منه تعالى .
وإنشاء كقوله : رب اغفر لي ولا يقال عند أهل الشرع العبد حكم على الحق وأمره مع وجود المعنى الأصلي للحكم والأمر هاهنا .
بل يقال في الأول العبد مسبح أو منزه
وفي الثاني طالب من اللّه المغفرة احترازا عن سوء الأدب فإن الحكم والأمر من العبد.
بقوله : حكمت على الحق أو أمرته أو منك بقولك حكم العبد على الحق وأمره يوهم الجرأة على اللّه تعالى .
وكذا عند أهل الحقيقة في دائرة الشرع إذ ليس لهم لسان واصطلاح غير لسان أهل الشرع واصطلاحه .
وأما في مرتبة الحقيقة ، فقالوا : إن الأعيان الثابتة حاكمة على الحق وآمرة بلسان الاستعداد بيانا لوجود معنى الحكم والأمر في الأعيان فهم لم يقولوا : إن العبد حاكم على الحق باللسان الصوري كما أنهم لم يقولوا كذلك .
والأمر كما قلنا فإن أهل الشرع يتعلق غرضه بلسان الظاهر لسان الصوري الجسماني .
وأهل الحقيقة يتعلق غرضه بلسان الباطن المعنوي الاستعدادي لسان الأعيان الثابتة في العلم .
فإذا لم يتعلق غرض الشرع بالأعيان الثابتة ولسانها نفيا وإثباتا لم تقع المخالفة بينهما إذ المخالفة إنما تكون بين القولين لا بين السكوت .
والقول فهم ما قالوا خلاف ما ثبت عند الشرع حتى يلزم المخالفة ويرتكب التأويل بل قالوا : ما سكت عنه الشرع .
فأهل اللّه أظهر والمعاني اللطيفة من معاني القرآن أو الأحاديث التي لم يبين أهل الشرع هذه المعاني لعدم اطلاعه بانتفاء شروطه وأسبابه .
فلا يلزم من عدم وجود ما قاله أهل اللّه في الشرع أن يكون ذلك مخالفا للشرع ، وهذا إن فهمت يطلعك الموافقة بين العلوم الإلهية والشرعية فتحقق قولنا فإن الموافقة بين العلمين ما جهلت إلا لشدة الظهور يدل عليه السلام .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .

14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد . فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] . فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها . فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .

قلت: ظاهر كلامه، رضي الله عنه، أن القضاء حكم الله في الأشياء وأما سباق المعنى فيقتضي أن القضاء حكم الأشياء في الله فتأمل ذلك. 
والذي أراه أن القضاء حكم الله تعالى وليس للممكنات تأثير وأن المعدوم ليس بشيء
وأن الشيء ليس إلا الموجود وموجوديته شيئيته.
ولا يقال: إن هذا يفضي إلى تجدد العلم لله تعالى. 
فإنا نقول: إن علم الله تعالی تابع للموجودات حال وجودها وذلك ثابت في الأزل إلى الأبد، لأن ما بينهما لا ماضي فيه ولا مستقبل عند الله تعالی بل الجميع حاضر.
فما يتجدد له علم .
وأما الدليل على صحة القدر والقضاء، فإن العالم ممکن وكل ممكن فلا يقع في نفس الأمر إلا أحد طرفيه.
فالممتنع في نفس الأمر ليس بممکن، والممكن الذي لا بد أن يقع فليس إلا واجب.
فصور الواجب بأزمنته وأمكنته معلومة الله تعالى دائما أزلا وإبدا ولا يتعدي الموجود زمانه ، فشيئيته حال وجوده فقط، فيكون سر القدر أنه أحد طرفي الممكن.
أعني الذي لا بد أن يقع في نفس الأمر، وهو أحد المحتملين فلا شيء إلا بقضاء، وهو وقوع أحد المحتملين، وقدر، وهو الترتيب الذي لابد أن يقع، لأن أحكام الأعيان الثابتة في حال عدمها.
فإن المعدوم لا يتصف بالثبوت لأنه ليس بشيء.
وما بقي من هذه الحكمة فظاهر.
 
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .

14 -  فصّ حكمة قدريّة في كلمة عزيريّة
استناد هذه الحكمة إلى الكلمة العزيرية قد ذكر فيما تقدّم ، ويذكر في شرح المتن وفيه من كون العزيز عليه السّلام طلب العلم بكيفية تعلَّق القدرة بالمقدور وهو من سرّ القدر .
"" فأضيفت حكمة عزيرية عليه السّلام إلى القدر لطلبه العثور على سرّ القدر ، وكان الغالب على حاله القدر والتقدير . " فَأَماتَه ُ الله مِائَةَ عامٍ "  
ولما سأله الله تعالى : " كَمْ لَبِثْتَ " عن قد ما لبث  ، قال بالتقدير : " لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ ".
 وقوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها "  استفهام استعظام وتعجّب عن كيفية تعلَّق القدر بالمقدور بالنظر الظاهر على ما سيأتيك نبؤه عن قريب .""
وذلك في قوله : " أَنَّى يُحْيِي هذِه ِ الله بَعْدَ مَوْتِها " ظاهر الدلالة اللفظية على الاستبعاد والاستعظام أن يحيي الأرض الميّتة بعد الموت والدثور ، وليس في استعدادها الحاليّ قبول الإحياء وليس ذلك كذلك .
فإنّ الحقيقة على خلاف ذلك ، والاستبعاد من حيث النظر العقلي من حيث الإمكان الخاصّ ، ولا يستبعد مثله
- ممّن شرّفه الله تعالى بالنبوّة - إحياء الله الموتى ، ولكنّ المراد طلب العلم بكيفية تعلَّق القدرة الإلهية بالمقدور حقيقة كما نذكر .

قال رضي الله عنه : ( اعلم : أنّ القضاء حكم الله في الأشياء ، وحكم الله على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم الله في الأشياء على حدّ ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد ،فما حكم القضاء على الأشياء إلَّا بها ، وهذا هو عين سرّ القدر " لِمَنْ كانَ لَه ُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " " فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ")

يشير « رضي الله عنه » إلى أنّ الحكم الإلهي على الأشياء هو بموجب ما اقتضته الأشياء من الحكم الكامن في عينها ، ولا سيّما حكم الحاكم العليم الحكيم لا يقضي بخلاف ما علم من مقتضى عين المعلوم .
وإذا علم الحاكم ما في استعداد المحكوم عليه وقابليته من الحكم ، فحينئذ يحكم عليه بما يستعدّ له ويقتضيه وهو في وسعه وطاقته من غير مزيد حكم من خارج ذات المعلوم المحكوم عليه ممّا ليس في وسعه ، فتخصّصه المشيّة بموجب خصوصه الذاتي ،وتعيّن الحكم بحسب تعيّنه في العلم الأزلي وعلى قدره لاغير .
ثمّ اعلم : أنّ القضاء هو الحكم الكلَّي الأحدي من الله الواحد الأحد في كل مقضيّ عليه بكل حكم يقتضيه المحكوم عليه .
والقدر توقيت ذلك الحكم وتقديره بحسب إقرار المعلومات إلَّا بما هو عليه في نفسه بلا زيادة أمر على ذلك.
فلا يقال كما قالت الجهلة البطلة الظلمة في حكمهم على الله :
 إنّه قدّر على الكافر والجاهل والعاصي الكفر والمعصية والجهل ، ثمّ يؤاخذه عليه ويطالبه بما ليس في قوّته ووسعه ، بل الله سبحانه إنّما كتب عليه وقضى وقدّر بموجب ما اقتضاه المحكوم عليه أزلا باستعداده الخاصّ غير المجعول من الله أن يحكم عليه بالظهور على ما كان عليه .
وإظهار ما فيه كامن بالإيجاد وإفاضة الوجود عليه .
ولا يقال : إنّ الله جعل فيه ذلك الاستعداد الخاصّ إذا وجده في العلم كذلك أو وضعه فيه وما شاكل هذه العبارات ، لأنّ البحث والنزاع قبل الإيجاد .
فلا يقال : إنّ الله أوجدها قبل إيجادها أو وضع فيها ما ليس فيها ، وإذ لم يجعل الله في المعلومات الأزلية قبل إيجادها ما كان خارجا عنها ، ممّا لا يكون ملائمها أو يلائمها من الكمال والنقص ، والمحمود والمذموم ، والنفع والضرّ .
"وَما ظَلَمَهُمُ الله وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " ." فَلِلَّه ِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " علينا بنا ، فإنّ حكمه علينا بموجب حكمته وعلمه ، ومقتضى ذاته وحكمته وعلمه أن يحكم على الأشياء بما هي عليها في أعيانها .

قال رضي الله عنه  : (فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضي ذاتها ، فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ، فكل حاكم محكوم بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان . )

يعني رضي الله عنه : أنّ الحاكم الحكمية  إنّما يحكم - كما ذكرنا - على المحكوم عليه بمقتضى حقيقة المحكوم عليه ، ولا يقدّر له إلَّا على قدره وبقدره من غير زيادة ولا نقصان ، ولا تتعلَّق القدرة إلَّا بالمقدور بحسب قدره ووسعه لا غير ، فالحاكم محكوم حكم المحكوم عليه بما يقتضيه ، وقضاؤه عليه تابع لاقتضائه .
أعني : قضاء الله المقضيّ عليه بالمقضيّ به بحسب اقتضاء المقضيّ عليه من القاضي أن يقضي عليه بما اقتضاه لذاته لا غير ، وهذا ظاهر ، بيّن الوضوح ، ولشدّة وضوحه ذهل عنه وجهل به وطلب من غير موضعه ، فلم يعثر على أصله وسببه ، وليس فوق هذا البيان في سرّ القدر بيان إلَّا ما شاء الله الواسع العليم ، علَّام الغيوب ، وعليه التكلان وهو المستعان .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
إنما اختصت الكلمة العزيرية بالحكمة القدرية لانبعاثه على طلب معرفة سر القدر ، وتعلق القدرة بما يقتضيه العلم من صورة القدر المقدور ، فإن القدرة لا تتعلق إلا بمعلومات ممكنة هي الأعيان وأحوالها المعلومة عند الله ، والقدر هو العلم المفصل بالأعيان وأحوالها الثابتة في الأزل الخارجة عليها عند وجودها إلى الأبد .
قال رضي الله عنه :  (اعلم أن القضاء حكم الله في الأشياء ، وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها ، وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها من غير مزيد فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ، وهذا هو عين سر القدر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " ) .
هي في ما هي عليه الأشياء ضمير منهم تفسيره الأشياء .
"" أضاف بالي زادة : (فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ )   يعنى إذا كان تقدير الحق أحوال العباد وأفعالهم بحسب اقتضاء عينهم الثابتة كان لله الحجة التامة على خلقه لا للخلق عليه ، إذ قيل لم قدر لفلان الإيمان وعلى هذا الكفر أو لم قدر بعض الأشياء على الصورة القبيحة وبعضها على الصورة الحسنة ، وإذا كانت الحجة لله على خلقه لا للخلق على الله ( فالحاكم ) وهو الحق ( في التحقيق ) تابع في حكمه ( لعين المسألة ) وهي الأعيان الثابتة عبارة عن المحكوم عليه وبه والحكم اهـ بالى .  "".

القضاء : حكم الله تعالى في الأشياء بمقتضى علمه بأحوال القوابل في الغيب ، فإنه مطلع بذاته على أحوال كل عين من الأعيان مما يقتضيها ويقبلها إلى الأبد ، وهي الأحوال التي عليها الأعيان حال ثبوتها .
والقدر : توقيت تلك الأحوال بحسب الأوقات وتعليق كل واحد منها بزمان معين ووقت مقدر بسبب معين فالقضاء لا توقيت فيه والقدر تعيين كل حال في وقت معين لا يتقدمه ولا يتأخر عنه ، وتعليقه بسبب معين لا يتخطاه ، ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حذر عن جدار مائل في ممره ، فقيل : أتفر من قضاء الله ؟
قال « أفر من قضائه إلى قدره »
فالقدر : تفصيل القضاء وتقدير ما قضى بحسب الأزمان من غير زيادة ولا نقصان ،
والقضاء : هو الحكم على الأشياء بما عليه أعيانها في أنفسها حال ثبوتها ، فما حكم عليها إلا بها ، فما حكم الله على أحد من خارج ،
والمجازاة : هو ترتيب مقتضيات أعمال الناس عليها وهو أيضا أحوال أعيانهم ، وأما الأعيان ، فإنها تتعين بما لها من الأحوال وتتميز بها في التجلي الذاتي ، فلا يمكن كونها على خلاف ما هي عليه في ذلك التجلي فإنها صور تعيناتها الذاتية " فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " ولو صدق عليهم إبليس في قوله  " فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أَنْفُسَكُمْ " "وما ظَلَمَهُمُ الله ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".

قال رضي الله عنه :  (فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها . فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ، فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه كان الحاكم من كان)

أي الحاكم بحكم القضاء السابق تابع في حكمه لسؤال استعداد المحكوم عليه بقابليته ، فإن القابل يسأل بمقتضى ذاته ما يحكم الحاكم عليه ، فلا يحكم الحاكم عليه إلا بمقتضى ذاته القابلة .
فالمحكوم عليه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بما في ذاته أن يقبله ، فكل حاكم أيّ حاكم كان محكوم عليه بما حكم به على القابل السائل إياه ما هو فيه ، ولم تخف هذه المسألة أي مسألة القدر إلا لشدة ظهوره.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .  

14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية
والمراد بالحكمة ( القدرية ) سر القدر والأعيان الثابتة والنقوش التي فيها ، لا نفس ( القدر ) الذي هو بعد ( القضاء ) المعبر عنه بتوقيت في عينها ، فإن هذا القضاء والقدر مرتب على الأعيان الثابتة ونقوشها الغيبية .
وإنما اختصت الكلمة ( العزيرية ) بهذه الحكمة القدرية ، لأن عينه كانت باستعدادها الأصلي طالبة لمعرفة سر القدر وشهود الإحياء ، ولذلك قال مستبعدا عند مروره بالقرية الخربة : ( أنى يحيى هذه الله بعد موتها ؟ ) فأشهده الله في نفسه وحماره ذلك بإماتتهما وإحيائهما .
كما قال : فأماته الله مأة عام ، ثم بعثه إظهارا للقدرة على الإعادة .
ولما كان ( القضاء ) حكما كليا في الأشياء على ما يقتضيها أعيانها ، و ( القدر ) جعله جزئيا معينا مخصوصا بأزمنة مشخصة له ، قدم القضاء على القدر فقال :
قال رضي الله عنه : ( اعلم ، أن القضاء حكم الله في الأشياء . ) وراعى فيه معناه اللغوي ، إذ القضاء لغة (الحكم).
يقال : قضى القاضي . أي ، حكم الحاكم من جهة الشرع .
وفي الاصطلاح عبارة عن الحكم الكلى الإلهي في أعيان الموجودات على ما هي عليه من الأحوال الجارية من الأزل إلى الأبد .
قال رضي الله عنه : ( وحكم الله في الأشياء على حد علمه بها وفيها . ) إذا الحكم يستدعى العلم بالمحكوم به وعليه وما فيهما من الأحوال والاستعدادات .
قال رضي الله عنه : ( وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات بما هي عليه في نفسها . ) قد مر في المقدمات أن العلم في المرتبة ( الأحدية ) عين الذات مطلقا ، فالعالم والمعلوم والعلم شئ واحد لا مغايرة فيها وفي المرتبة ( الواحدية ) ، وهي الإلهية ، العلم  إما صفة حقيقية ، أو نسبة إضافية . أياما كان ، يستدعى معلوما ليتعلق العلم به ، والمعلوم الذات الإلهية وأسماؤها وصفاتها والأعيان .
فالعلم الإلهي من حيث مغايرته للذات من وجه ، تابع لما تعطيه الذات من نفسها من الأسماء والصفات ، ولما تعطيه الأعيان من أحوالها باستعداداتها وقبولها إياها .
( و (القدر ) توقيت ما عليه الأشياء في عينها ) أي ، ( القدر ) هو تفصيل ذلك الحكم بإيجادها في أوقاتها وأزمانها التي يقتضى الأشياء وقوعها فيها باستعداداتها الجزئية .
فتعليق كل حال من أحوال الأعيان بزمان معين وسبب معين عبارة عن (القدر).

قوله : ( من غير مزيد ) تأكيد ورفع لوهم من يتوهم أن الحق من حيث أسمائه يحكم على الأعيان مطلقا ، سواء كانت مستعدة أو غير مستعدة ، كما يقول المحجوب بأنه تعالى حاكم في ملكه يحكم بما يشاء : يقدر على الكافر الكفر وعلى العاصي المعصية ، مع عدم اقتضاء أعيانها ذلك ، ويكلف عبيده بما لا يطاق لحكمة يعلمها .
( فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ) أي ، إذا كان حكم الله على حد علمه بالأشياء وعلمه تابع لها ، فما حكم الحق على الأشياء إلا باقتضائها من الحضرة الإلهية ذلك الحكم ، أي ، اقتضت أن يحكم الحق عليها بما هي مستعدة له وقابلة .
فأطلق القضاء وأراد القاضي على المجاز .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وهذا هو عين سر القدر الذي يظهر " لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ".)
هذا إشارة إلى قوله : ( فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ) أي ، هذا المعنى هو سر القدر الذي يظهر لمن كان له قلب ، يتقلب في أطوار عوالم الملك والملكوت ، أو ألقى السمع بنور الإيمان الصحيح ، وهو شهيد يشاهد أنوار الحق في بعض عوالمه الحسية والمثالية .

قال رضي الله عنه : ( " فلله الحجة البالغة " . ) أي ، فلله الحجة التامة القوية على خلقه فيما يعطيهم من الإيمان والكفر والانقياد والعصيان ، لا للخلق عليه ، إذ لا يعطيهم إلا ما طلبوا منه باستعدادهم . فما قدر عليهم الكفر والعصيان من نفسه ، بل باقتضاء أعيانهم ذلك وطلبهم بلسان استعدادتهم أن يجعلهم كافرا أو عاصيا ، كما طلب عين الحمار صورته وعين الكلب صورته ، والحكم عليه بالنجاسة
العينية أيضا مقتضى ذاته .

وإذا أمعن النظر في غير الإنسان من الجمادات والحيوانات ، يحصل له ما فيه شفاء ورحمة .
فإن قلت : الأعيان واستعداداتها فائضة من الحق تعالى ، فهو جعلها كذلك .
قلت : الأعيان ليست مجعولة بجعل الجاعل ، كما مر في المقدمات ، بل هي صور علمية للأسماء الإلهية التي لا تأخر لها عن الحق إلا بالذات لا بالزمان ، فهي أزلية وأبدية .
والمعنى بالإضافة ( التأخر ) بحسب الذات لا غير .
قال رضي الله عنه : (فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما يقتضيه ذاتها)  لما أثبت أن الحكم بحسب القابلية التي للأعيان ، وهي أعيان الموجودات ، وكل حال من الأحوال أيضا يقتضى بقابليته حكما خاصا .
عمم القول بقوله ( لعين المسألة ) . إذ ( اللام ) للاستغراق .
أي ، فالحاكم الذي هو الحق في حكمه في الحقيقة تابع للأعيان وأحوالها التي هي أعيان المسائل التي يقع الحكم فيها ، فما يحكم الحاكم في القضاء والقدر إلا بما يقتضيه ذات الأعيان وأحوالها .
قال رضي الله عنه : ( فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم ) بقابليته . ( على الحاكم أن يحكم عليه السلام بذلك . )
ولما كان الأمر في نفسه كما قرره وليس مختصا ببعض الحاكمين دون البعض ، عمم الحكم بقوله رضي الله عنه  : ( فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان . ) .
أي ، سواء كان الحاكم حاكما حقيقيا وهو في الباطن ، كالحق سبحانه تعالى والمجردات المدبرات لأمر العالم لعلمهم بما في نفس الأمر ، أو في الظاهر ، كالأنبياء والرسل لاطلاعهم على ما في نفس الأمر من الاستعدادات بالكشف أو الوحي ، أو مجازيا ، كالملوك وأرباب الدول الظاهرة ، لكونهم آلة وحجابا في صدور الحكم من الحاكم الحقيقي .
فأكثر أحكامهم وإن كان ظاهرا مما ينسب إلى الخطأ ، لكن في الباطن كلها صادرة من الله بحسب طبائع القوم واستعداداتهم .
وإذا كان كل حاكم من وجه محكوما عليه ، كان المجازاة بين مقامي الجمع والتفصيل واقعا.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .  

الفصّ العزيري
14 - فص حكمة قدرية في كلمة عزيرية  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد ، فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها ، وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهر " لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " [ ق : 37 ] ،فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ، فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان ، فتحقّق هذه المسألة فإنّ القدر ما جهل إلّا لشدّة ظهوره فلم يعرف وكثر فيه الطّلب والإلحاح ) .
أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بسرّ القدر ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى عزير عليه السّلام ؛ لانبعاث همته إلى معرفة سره بمشاهدة ترتيب الأمور الشهادية على الأسباب الغيبية حين استبعد حياء الفقرية الخربة ، فأماته اللّه مائة عام ليشاهد الأسباب في عالم الغيب ، ثم بعثه ليشاهد ترتب الأمور الشهادية عليها ، فشهد ذلك في نفسه ، وحماره ، وطعامه ، وشرابه على أتم الوجوه .
ولما كثر اقتران ذكر القضاء بالقدر ، والتباسه به أورده ؛ فقال : اعلم أن القضاء الإلهي حكم اللّه في الأزل على الأشياء التي ستوجد بما لها من الوجود والصفات والأحوال على حدّ علمه بها أي : بحقائقها المقتضية للوجود الصفات اللازمة ما دامت موجودة ، وبما فيها من الاستعدادات المتعاقبة المقتضية لاختلافات الأحوال ، والعوارض المفارقة ، إذ لم يكن الحكم على حدّ العلم لكان جهلا ، وليست تلك الحقائق والاستعدادات أثرا للعلم ، وإن كان مؤثرا في وجوداتها ، بل ( علم اللّه في الأشياء ) ، ( على ما أعطته المعلومات ) ، وإن لم تكن محدثة للعلم فيه بل ظهرت له ( بما هي عليه في أنفسها ) ، إذ لا معنى للعلم بالشيء سوى ظهوره للعالم على ما هو عليه ، فلو كان بما هو عليه أثرا للعلم لزم الدور ، فالقضاء
إنما اختصت الكلمة العزيرية بالحكمة القدرية لانبعاثه على طلب معرفة سر القدر ، وتعلق القدرة بما يقتضيه العلم من صورة القدر المقدور ؛ فإن القدرة لا تتعلق إلا بمعلومات ممكنة هي الأعيان وأحوالها المعلومة عند اللّه ، والقدر هو العلم المفصل بالأعيان وأحوالها الثابتة في الأزل الخارجة عليها عند وجودها إلى الأبد ( القاشاني ص 195 ) .
حكم كلي بأن يحكم على كل عين على حد علمه بها ، وفيها بما أعطته من نفسه ، فلابدّ له من تفصيل هو القدر .
وإليه الإشارة بقوله : ( والقدر توقيت ) أي : تفصيل ( ما هي عليه الأشياء ) من استعداداتها للوجود والصفات والأحوال ( في عينها ) بحيث تستوعب الأعيان والصفات والأحوال من غير مزيد للاستعداد على ما يقع ، ولا لما يقع على الاستعداد ، وإذا كان الحكم على حدّ العلم ، والعلم على ما أعطيه المعلوم ، ( فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ) ، ولا ظلم في تقدير القبائح والمعاقبة عليها .
( وهذا هو عين ) أي : شهود ( سر القدر ) ما خفي منه على العامة ، فعجزوا عن تطبيق التكليف به ، لكنه ( شهودا لمن كان له قلب ) أدرك بنور بصيرته أن حقائق الأشياء واستعداداتها غير مجعولة من حيث هي معلومة بالعلم الأزلي ؛ لأن الجعل للموجود ، وهي معدومة في الخارج حينئذ ، وإن ما يفيض من الحق لا يخالف ذلك أبدا .
"أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ"[ ق : 37 ] ، إلى أهل الكشف ،وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ] ، حاضر بذوقه في فهم كلماتهم ، وفيه تعريض بمن يتمسك بالمقدمات الجدلية ،"فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ"[ الأنعام : 149 ] ، لا للمتمسك بالقدر على نفي العذاب ، ولا لنا فيه بإثبات العذاب ، وإذا كان حكم اللّه على حد علمه ، وعلمه على ما أعطته المعلومات .
( فالحكم ) عليها بالقبائح والمعاقبة عليها ( في التحقيق ) ، وإن توهم ابتداءه بذلك ( تابع لعين المسألة ) أي : جاز عليها لا على ما ورائها ، وإن كان أصلح ، فلا يكون ظلما إذ تلك المسألة غير مجعولة ، بل هي ( التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ) ، والجريان بمقتضى الذات لا يكون ظلما ، وإذا كان الحكم تابعا لعين المسألة .
( فالمحكوم عليه ) لكونه حكم عليه ( بما فيه ) ، كأنه حاكم بلسان الاستعداد على ( الحاكم ) الإلهي أن يحكم عليه بمقتضى الجود والحكمة ، وإن لم يلجئه إلى ذلك ؛ ولهذا صار مكتسبا مستوجبا للعقاب ، وإذا كان الحق حاكما على الأعيان بإفاضة مقتضياتها ، فالأعيان حاكم عليه باستفاضة ( ذلك ، فكل حاكم محكوم عليه بما حكم به ) على الآخر .
( وبما حكم فيه ) أي : في نفسه ، فالحق محكوم عليه من جهة الأعيان أن يفيض بمقتضياتها ، وأن يستفيض علم مقتضياتها ، والأعيان محكوم عليها بإفاضة علم مقتضياتها ، واستفاضة مقتضياتها ؛ ولهذا صار الحق خالقا ، والأعيان كاسبة كان الحاكم من كان ، فإن الحق وإن لم يحكم عليه الخلق في ذاته وصفاته يحكمون في صور تجلياته ثم إياهم . " كان الحاكم مّن كان ".

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .  

14 - فصّ حكمة قدريّة في كلمة عزيريّة
ووجه اختصاص الكلمة هذه بحكمتها ما لها في أصل جبلَّتها وقابليّتها من النسبة الشوقيّة إلى تلك الحكمة ، والرابطة العشقيّة نحو ضبطها واستكشافها ، ولذلك رأى في طلبها ما رأى من العتاب والملامة والوعيد بالعزل عن عالي منصبه النبوي - على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى .
والذي يلوّح عليه ما في « عزيز » بحسب بيّناته وبيّنات عدده من تفاصيل.
 ااا 113 ما اشتمل عليه بيّنات « القدر » 287 . ين ااا 63 ، ين يم 110 .
أف ال ا س ج 113

القضاء والقدر  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( اعلم أنّ القضاء حكم الله في الأشياء ) بما يجرى عليها من الأحكام والأوضاع الظاهرة هي بها .
( وحكم الله في الأشياء على حدّ علمه بها ، وعلم الله في الأشياء على ما أعطته المعلومات مما هي عليه في نفسها ) أي في أصل قابليّتها الأقدسيّة .
( والقدر توقيت ما هي عليه الأشياء في عينها ) أي تعيين وقت ظهور الأشياء بأحكامها ، فإنك قد عرفت أن الأعيان في موطن ثبوتها كليّة الحكم ، ليس لها ظهور بأحكامها الخاصّة بها .
ما لم يظهر بصورة شخصيّتها في الخارج ، محفوفة بمشخّصاتها ، من الزمان وما يتبعه ، كالوضع والأين والكيف وسائر الأعراض التي بها يتكوّن الأعيان في الخارج واحدا بالشخص الذي هو ظلّ الوحدة الحقيقيّة - كما نبّهت عليه في المقدمة - وبيّن أن الزمان أصل سائر المشخّصات والأحكام ، فتوقيت كلّ عين بزمانه يترتّب عليه سائر ما عليه العين من الأحكام الأصليّة في ثبوتها ، من غير زيادة على ذلك أصلا .
فقوله : ( من غير مزيد ) إشارة إليه . وإذ كان النقصان مما لا إمكان له فيه - فإنّ الأنزل من المراتب لا بدّ وأن يكون أكمل - ما تعرّض له وبهذا الاعتبار يعبّر عنه بالقدر ، فان القدر والقدر يقال على مبلغ الشيء.

القضاء تابع لسؤال الأعيان وهذا سر القدر
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فما حكم القضاء على الأشياء إلَّا بها ) أي بتلك الأشياء وما هي عليه في نفسها ( وهذا هو عين سرّ القدر لمن كان له قلب ) يعلمه بذوقه الجمعيّ من موطنه الإحاطيّ ( أو ألقى السمع ) إلى ما أنزل عليه من الكلام المعرب بموادّ حروفه وصورها على الأمر كلَّه ( وهو شهيد ) مشاهد لما انطوى عليه من الدلائل الملوّحة على الحقائق ( فللَّه الحجّة البالغة ) على عباده ، إذ كان لا يحكم عليهم إلَّا بهم ، ولا يفيض عليهم ويجود إلَّا بما يسأل ألسنة أصلهم وقابليّاتهم عنه .
فالحاكم في التحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ) فإنه لو لم يحكم به ما كان حاكما ، بل مفتريا كاذبا ، ( فالمحكوم عليه بما هو فيه ) من الأحكام الخاصّة به ( حاكم على الحاكم ، أن يحكم عليه بذلك) الحكم الذي هو عليه .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به ) من الأحكام ، ( و ) كذلك محكوم عليه بما حكم ( فيه ) من الأعيان . فإنّ الحاكم تابع منقاد لهما في حكمه ( كان الحاكم من كان ) ، وهذا يعرفه ولا يتوقّف فيه كلّ من يتفطَّن للأوليّات في بدايات عقوله .
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .
فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .
وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ[ ق : 37 ].
فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ[ الأنعام : 149 ] .
فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم مّن كان) .

الفصّ العزيري
14 - فص حكمة قدريّة في كلمة عزيرية
قال رضي الله عنه :  (اعلم أنّ القضاء حكم اللّه في الأشياء ، وحكم اللّه في الأشياء على حدّ علمه بها وفيها ، وعلم اللّه في الأشياء على ما أعطته المعلومات ممّا هي عليه في نفسها ، والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها من غير مزيد .)

فص حكمة قديرية في كلمة عزيرية لما كان من مقتضى عزير عليه السلام وأحكامه انبعاث رغبة عنه نحو معرفة سر القدر وصف الشيخ رضي اللّه عنه حكمته بالقدرية ، ولما كان القدر مسبوقا بالقضاء ، لأنه تفصيله قدمه في البيان .
فقال رضي الله عنه  : ( اعلم أن القضاء حكم اللّه في الأشياء ) أزلا بالأحوال الجارية على أعيانها إلى الأبد ، وإنما قال في الأشياء مع أن المراد على الأشياء تنبيها على استقرار هذا الحكم فيها استقرار المظروف في الظرف فلا تتغير أصلا ، أو الأشياء أعم من أن يكون محكوما عليها أو بها ، والحكم واقع ببعضها على بعض فهو فيما بينها ( وحكم اللّه في الأشياء ) واقع ( على حد علمه بها ) في أنفسها ( وفيها ) معتبرة مع أحوالها .

هذا إذا أردت بالأشياء الذوات المحكوم عليها ، وأما إن أخذت أعم ، فعلمه بها باعتبار تصوراتها وعلمه فيها باعتبار النسب الواقعة فيما بينها ( وعلم اللّه في الأشياء ) واقع ( على ما أعطته ) ، أي اقتضته ( المعلومات ) ، أي تلك الأشياء من حيث معلوميتها ( مما هي عليه ) بيان لما أعطته ، أي من أحوال هي ، أي من المعلومات عليها ( في نفسها ) عند الثبوت في العلم فعلمه تعالى بالأشياء تابع لما لا تقتضيه أعيانها من أحوالها باستعداداتها وقبولها إياها
( والقدر توقيت ما عليه الأشياء في عينها ) .

وفي بعض النسح توقيت ما هي عليه الأشياء وهو الموافق للنسخة التي قوبلت بحضور الشيخ رضي اللّه عنه مع أصلها ، فضمير هي مبهم تفسيره الأشياء يعني :
القدر تعيين الأوقات للأحوال والأحكام التي الأشياء عليها في أنفسها حالة الثبوت في العلم بإظهار كل واحد واحد من تلك الأحوال والأحكام في العين في وقته المخصوص به في العلم قبل تخصيص الوقت بالتعيين ، بناء على أن الزمان أصل سائر الأحوال والأحكام المشخصة فتعيينها تعيينها ، ويحتمل أن يراد بالتوقيت التعيين مطلقا ( من غير مزيد ) ، لما

قال رضي الله عنه :  (فما حكم القضاء على الأشياء إلّا بها .  وهذا هو عين سرّ القدر الذي يظهر"لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"[ ق : 37 ] ."فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " [ الأنعام : 149 ] . فالحاكم في التّحقيق تابع لعين المسألة الّتي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها . فالمحكوم عليه بما هو فيه حاكم على الحاكم أن يحكم عليه بذلك فكلّ حاكم محكوم عليه بما حكم به وفيه ، كان الحاكم من كان) .

في العين على ما في العلم ولا لما في العلم على ما في العين فلا حاجة إلى زيادة النقصان ( فما حكم القضاء على الأشياء إلا بها ) ، أي بتلك الأشياء بما هي عليه في حد أنفسها ( وهذا ) ، أي حكم القضاء على الأشياء بما هي عليه ( عين سر القدر ) ، أي عين حقيقة مستورة عن أعين المحجوبين يترتب عليها القدر . ( الذي يظهرلِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ).
يتقلب في العلوم والمعارف بطريق الذوق والوجدان (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) ، أي من له قلب (وَهُوَ شَهِيدٌ) [ ق : 37 ] حاضر القلب متهيىء لما يرد على سمعه قابل لفهمه (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) غاية التبيين للمقاصد على خلقه في إعطائهم ما يشفيهم من الكفر والعصيان لا للخلق عليهم إذ لا يعطيهم إلا ما طلبوا منه بلسان استعدادهم ، فما قدر عليهم ما قدر لمجرد إرادته من غير اقتضاء قابليتهم واستعداداتهم .

فإن قلت : الأعيان مع استعداداتها مجعولة للحق تعالى فللخلق الحجة البالغة .
قلنا : هي مجعولة له تعالى بمعنى أنها فائضة منه بتجلياته الذاتية بصور شؤونه المستجنة في غيب هوية ذاته بلا تخلل إرادة واختيار بل بالإيجاب المحض.
فليس لأحد أن يقول : رب لم جعلتني كذلك .
فإن قلت : فعلى ذلك ما المثوبات والعقوبات على أعمالنا .
قلنا : كما أن أعمالنا من مقتضيات أعياننا كذلك المثوبات والعقوبات من مقتضيات أعمالنا ، فهي أيضا من أحوال أعياننا ولكن بواسطة .
غاية ما في الباب أن الحق سبحانه جواد مطلق ، فكل ما يطلب منه بلسان الاستعداد الوجود يجود به عليه سواء كان من جنس المثوبات أو العقوبات .

قال رضي الله عنه :  ( فالحاكم بالتحقيق تابع لعين المسألة التي يحكم فيها بما تقتضيه ذاتها ) المسألة مصدر بمعنى اسم الفاعل ، أي تابع لغير الحقيقة السائلة الذي يحكم ذلك الحاكم فيها بما تقتضيه ذاتها .
قال رضي الله عنه :  ( فالمحكوم عليه بما هو فيه ) من الأحكام الخاصة به ( حاكم ) بلسان استعداده ( على الحاكم أن يحكم عليه بذلك ) ، أي بما هو فيه ( وكل حاكم محكوم عليه بما حكم به ) من الأحكام ( و) كذلك محكوم عليه السلام .
بما حكم ( فيه ) من الأعيان فإن الحاكم تابع لهما في حكمه ( كان الحاكم من كان ) حقيقيا أو مجازيا صوريا أو معنويا.
 

واتساب

No comments:

Post a Comment