Friday, July 5, 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم  الشيخ الأكبر ابن العربي

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
     
الفقرة الرابعة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قال رضي الله عنه : "فقلت : له السمع" بالنصب عامله محذوف تقديره : أنا سامع السمع.
(والطاعة)، أي وأنا مطيع الطاعة
(لله) لأنه الموجود الحقيقي والفاعل المؤثر
(ولرسوله)، لأنه خليفة الله الحقيقي وأقرب فاعل مجازي إليه تعالى
(وأولي) أي أصحاب .
(الأمر) الإلهي القائمين به علم وتنفيذه.
(منا)، أي من جنسنا وهي المرتبة الثالثة التي ظهر فيها الشيخ رضي الله عنه بذاته وعينه.
لأن الأولى مرتبة الله
والثانية مرتبة الرسول
والثالثة مرتبة أولي الأمر.
(كما أمرنا)، أي أمرنا الله تعالى بقوله :" و أطيعوا الله وأطيعوا أول وأولي الأمر منكم" آية 59 سورة النساء.
فإطاعة الله تعالى إطاعة الرسول، وإطاعة الرسول إطاعة أولي الأمر.
فالإطاعة واحدة تضاف إلى الله تعالى من حيث حقيقة الوجود.
وتضاف إلى الرسول من حيث ما هو المشهود.
وتضاف إلى أولي الأمر منا في حضرة القيود.
فالله مشهود فهو للرسول كما قال : "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله قوق أيديهم "آية 10 سورة الفتح.
ولم يذكر يد الرسول عليه السلام الغيبتها في يد الله، وإنما عبر عنها بيد الله.
والقياس : يدك فوق أيديهم، ولكن لما كانت مبايعته هي مبايعة الله كانت يده هي يد الله .
كذلك والرسول مقید بظهور مخصوص بل بظهورات كثيرة متنوعة.
فهو أولو الأمر منا، ويلزم من ذلك أن من عصى أولي الأمر فقد عصى الرسول.
ومن عصى الرسول فقد عصى الله .
(فحققت)، أي جعلت محققة
(الأمنية)، أي ما تمناه، أي طلبه مني رسول الله في الرؤيا من الخروج إلى الناس بكتاب "فصوص الحکم" لينتفعوا به.
وأخلصت في ذلك (النية)
فلم أنو إلا الخروج إلى الناس بما رأيت من رسول الله في تلك الرؤيا، فقیدت ظهوري في مقام شهودي بما يبصره الناس من تخاطيط حدودي
(وجردت) عن جميع التعلقات التقييدية المعتادة إلى قبل ذلك
(القصد) إلى ما ذكر
(والهمة) المحمدية التي شهدتها في عالم الخيال المقيد وظهرت بها في عالم الخيال المطلق
(إلى إبراز)، أي إظهار ولم يقل تصنیف ولا تأليف لكونه لم يتصرف فيما شهد من الحضرة المحمدية في تلك الرؤيا
(هذا) إشارة إلى محسوس عنده مجمل في تفصيل نشأته
(الكتاب) الذي هو «فصوص الحکم» وهو الوراثة المحمدية الجامعة أخذها من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج بها للناس من حضرته عليه السلام.
بالنسبة إليهم وأما بالنسبة إليه فلا خروج.
فتشهده الناس صورة محيي دينه وتشهد كتابه الذي أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة جامعة الحروف والأصوات .
ويشهد نفسه هو صورة محمدية غيبية شهادتها صورة كتابية ذات حروف وأصوات ، وبرزخيتها صورة وراثية جامعة المشارب النبيين عليهم السلام.
(كما)، أي على صورة ما
(حده)، أي بينه وحصره
(لي) في تلك الرؤيا
(رسول الله )، فتحققت به روحي
وكتبه قلم فتوحي في صحيفة لوحي.
(من غير زيادة) على ذلك (ولا نقصان)، منه فإن الزيادة والنقصان تغيير وتبديل لكتابه المنزل عليه من حضرة نبيه وهو محفوظ من ذلك.
شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
فأمرنا بانتفاع الكتاب على الوجه الأبلغ (فقلت السمع) أخذه وقبوله هذا القبض منه (والطاعة) تلقيه الأمر قبل الشروع بحسن القبول ووعده الجميل وهو الإخراج.
(لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا) تخصيص الطاعة بالمذكورين بالجمع المطلق .
إشارة إلى أن طاعة أحدهم عين طاعة الآخر فلا اختلاف في أصل الطاعة لأن الطاعة في الكل الأحكام الإلهية.
وعطف رسوله بإظهار اللام إشارة إلى أنه عليه السلام مرتبة الصفات فلا يستر ذاته تعالى بل يظهره ويبين الأحكام الإلهية.
وعطف أولي الأمر بإضمار اللام. إشارة إلى أن أولي الأمر مرتبة الأفعال فالعطف إشارة إلى ظهور الحق وأحكامه في مراتب أفعاله والإضمار إشارة إلى ستره فيها.
ولما بين سبب حصوله في قلبه وهو فيضه عليه السلان
بقوله : خذه . وأخذه بقوله : فقلت: السمع والطاعة والأمر بالإخراج ليس من أسباب الوجود الذهني بل من أسباب الوجود الخارجي.
فيكون الرسول وإعطائه مثلا مقدمة كلية من الشكل الأول .
والشيخ وأخذه بقوله : فقلت: السمع مقدمة أخرى صغراء.
فبهذين المقدمتين الصحيحين أوجد الله تعالى روح هذا الكتاب في قلب الشيخ.
شرع في بيان سبب وجوده في الشهادة وكيفية الإخراج على الوجه الذي أمر فقال : (فحققت الأمنية) تثبيت المطلوب وتصويره في ذهنه قبل الإبراز إليه.
(وأخلصت النية وجردت القصد والهمة) عن الاشتغال بالأغراض النفسانية سرا وعلانية .
فبهذه الأربعة التي كانت کالمقدمتين للشكل الأول المنتجتين للنتيجة الصادقة.
أيضا أوجد الله تعالى هذا الكتاب المعطى له من يد رسول الله عليه السلام في الشهادة.
فالغرض نزاهة الكتاب عن التلبي على الوجه الأبلغ ظاهرا وباطنا في وجوده المثالي الذي في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوده القلبي ووجوده الشهادي. فعلی هذا لا يجوز إضافة الأمنية إلى الرسول عليه السلام وإلا يلزم العدول عن الحقيقة إلى المجاز بلا نكتة .
لا سيما يستلزم تنافر الكلام وذلة عن سنن إخوانه وهو مخل للفصاحة .
(إلى إبراز هذا الكتاب) الثابت في الخارج بتعبير المؤيد بالاعتصام من الكتاب الثابت المحقق في الذهن أو في يد رسول الله.
أي ترجمت وجوده الشهادي من وجوده المثالي أو الذهني .
(كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان) ظاهر. ولما ورد من ظاهر كلامه أن يقال : لما لا يجوز أن يكون كل منها أو بعضها أي من تحقيق الأمنية وتخليص النية وتجريد القصد والهمة من التصرفات الشيطانية في صورة الحق ازال هذه الشبهة.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
و قوله رضي الله عنه : "فقلت السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده إلى رسول الله، عليه السلام، من غير زيادة ولا نقصان".
قلت: إنه يلفظ بالسمع والطاعة أي إطاعة في أن يترجم عن معانيه بلفظه ويقرب فهمه بالتنزل إلى مبالغ الناس، ولو كان لفظ هذا الكتاب هو لفظ رسول الله، عليه السلام، لم يكن فيه شعر لقوله تعالى: "ما علمناه الشعر وما ينبغي له" (یس: 69).
فإذن قوله: من غير زيادة ولا نقصان إنما يعني في معانيه.
ولذلك قال في دعاءه: (حتى أكون مترجما لا متحكما) فهو مترجم والترجمان هو الذي ينقل المعاني إلى لغة يعرفها من يترجم له بها.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قال الشيخ - رضي الله عنه - : "فحقّقت الأمنيّة وأخلصت النيّة " .
قال العبد : تحقيق كلّ شيء إدراك حقيقته ، والبلوغ إلى حقّيّته ، وإظهار حقيقته وحقّيّته عند الغير وله .
وقد يكون بمعنى أن يجعله حقّا ، كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السّلام : " هذا تَأْوِيلُ رُؤيايَ من قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " آية 100 سورة يوسف .
أي كانت رؤيا مشهودة في حضرة الخيال ، فجعلها ربّي موجودة في الحسّ يقظة .
وحقّيّة كلّ رؤيا وصورة ممثّلة أن توجد في العين وتتحقّق في الحسّ .
فمعنى قوله : « حقّقت الأمنية » أظهرتها في الحسّ .
وتسوغ إضافة الأمنيّة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإلى الشيخ رضي الله عنه فبمعنى أنّ الرؤيا له ، وأنّه هو المتكفّل ببيانها والمتفرّد بتبيانها وعيانها ، وهي أمنيّته فحقّقها .
أي أظهرها على ما أمر به في رؤياه ، فالأمنية على هذا ذات جهتين حقيقيّتين :
جهة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالأصالة ومن كونه آمرا بذلك .
وجهة إلى الشيخ رضي الله عنه لكونه هو المحقّق لها في الوجود الحسّي .
قال رضي الله عنه : "وجرّدت القصد والهمّة إلى إبراز هذا الكتاب " .
قال العبد : تجريد القصد والهمّة هو أن يكون أحديّ التوجّه والعزيمة فيما همّ به ونوى من غير أن يتخلَّله متخلَّل في ذلك .
قال رضي الله عنه  : " كما حدّه لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من غير زيادة ولا نقصان » لكونه ممتثلا أمره على ما أمره ، وعلى الوجه الذي أراده والحدّ الذي عيّنه ورسم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنّ مقام الأمانة لا يحتمل الزيادة والنقصان ".
شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قوله ( كما أمرنا ) أشار إلى قوله تعالى :" أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ".
قوله ( فحققت الأمنية ) أي جعلت أمنيتى حقا كأنه كان يتمنى أن يأخذ من الرسول هذا العلم والإذن بإفشائه ، فإذا رأى هذه الرؤيا تحققت أمنيته ، إذ كان الكتاب الذي أعطاه في المنام صورة هذا العلم الذي فاض من روحه عليه الصلاة والسلام عليه ( وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله من غير زيادة ولا نقصان).
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
قوله: "فقلت: السمع والطاعة لله" بالنصب. أي، سمعت السمع وأطعت الطاعة لله، لأنه رب الأرباب. "ولرسوله" لأنه خليفته وقطب الأقطاب.
"وأولى الأمر" أي، الخلفاء والأقطاب الذين لهم الحكم في الباطن أو السلاطين والملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقية في الظاهر.
وقوله: (منا) أي، من جنسنا وأهل ديننا.
وقوله: "كما أمرنا" إشارة إلى قوله: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى
الأمر منكم".
وإلى قوله: "وإذا وليتم أميرا فأطيعوه ولو كان عبدا حبشيا" .
وفي التحقيق كل الطاعة لله تعالى: تارة في مقام جمعه، وتارة في مقام تفصيله وأكمل مظاهره.
و قوله : (فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب، كما حده لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غير زيادة ولا نقصان.)
أي، جعلت أمنية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حقا محققا، أي، ثابتا في الخارج وظاهرا في الحس بتعبيري إياه وإظهاري فحواه على النفوس المستعدة الطالبة لمعناه.
كما قال تعالى حكاية عن يوسف، عليه السلام: "هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا". أي، أخرجها وأظهرها في الحس. فاللام للعهد، أو عوض عن الإضافة.
و "الأمنية" هو المقصود والمطلوب. وإنما أضفناها إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، دون الشيخ، لأن الآمر بالإخراج هو الرسول والشيخ مأمور، أراد ذلك أو لم يرد.
اللهم إلا أن يقول الشيخ طلبه بلسان استعداد عينه وروحه عن حضرة روح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحينئذ تكون الأمنية من طرفه.
والأول أولى. وإطلاق هذه اللفظة المأخوذة من "التمني" على الأنبياء سائغ، كما
قال تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته".
وتجريد القصد والهمة، إنما هو عن الأغراض النفسانية والالقاءات الشبهية الشيطانية.
فإنه يلقىفي القلب عند كل حال من الأحوال ما يناسبها، والعارف المحقق يعلم ذلك فيخلصها عما ألقاه لأنه المؤيد بنور الله.
قوله: "كما حده" أي، عينه من غير زيادة منى في المعنى أو نقصان.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فحققت الأمنية) أي: لما أمرت بأخذ ذلك الكتاب وإخراجه إلى الناس الموجبين للفوز برتبة
الكمال والتكميل في علوم تتزين بها، وتكمل بقية العلوم اليقينية التي هي مناط أعلى مراتب السعادة الأبدية.
وهي علوم الكل من الأنبياء عليهم السلام - أدركت أمنيتي محققة إذ وجدت ذلك عن کشف تام نبوي على يدي أكملهم، وليس للولي الاطلاع على ذلك بنفسه.
كان رضى الله عنه يتمنى ذلك مدة مديدة منذ أطلعه الله، وأشهده أعيان رسله وأنبيائه في مشهد أقيم فيه بـ «قرطبة" سنة ست وثمانين وخمسمائة على ما يأتي في فص هود عليه السلام ذكره الشيخ رضى الله عنه في المنام لبعضهم.
(وأخلصت النية) أي: جردتها عن طلب العوض من الثناء والثواب يجعلها مجرد قصد الامتثال إذ تركه يوجب النزول عن الرتبة العالية التي يخلص فيها الكشف عن شوب الوهم والخيال.
(وجردت القصد والهمة) عن توجيههما إلى ما سوى الامتثال؛ ليتم السمع والطاعة فتصح الاستقامة؛ فلا يكون الكشف إلا به إدراجا فيخاف اختلاله بشوب الوهم والخيال، فجعلتهما متوجهين (إلى إبراز هذا الكتاب)، إلى عالم الشهادة.
(كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة)، إذ لو زاد و میز لم يكن الكل فصوص الحکم لاختلاط الأدنى بالأعلى، وإلا كان مع ذلك مفتريا على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد نهى الشيخ له أن يجلد كتابه هذا مع كتاب آخر له أو لغيره.
(ولا نقصان)، لما فيه من كتمان ما أمر بتبليغه فيدخل تحت قوله تعالى: "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" [المائدة: 67].

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا . فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
فقال رضي الله عنه : ( فقلت : السمع والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منّا كما أمرنا ) إشارة إليه .
ولا يخفى أنّ هذا الأمر وإن كان ظاهرا من خاتم النبوّة - صورته المثاليّة - ولكنّه تحقيقا منه ومن الله ومن صاحب الزمان ، وهو يحتمل أن يكون الشيخ نفسه على ما يؤمي إليه « منّا » .
( فحقّقت الامنيّة ) أي جعلت امنيّة إظهار هذا الكتاب منه أو من الخاتم حقّا ، بجعل الواقع مطابقا لها . ولمّا كان إصدار الجزئيّات وتسطير النقوش الدالَّة على ما في الكتاب وإبرازها من مكامن القوّة والإمكان إلى مجالي الفعل والعيان إنّما يتمّ بأمور ثلاثة - :
الأوّل تعقّلها ، وهو الهمّة ،
والثاني تخيّلها وهو القصد
والثالث انعقاد جمعيّة الجوارح وتوجّهها جملة نحو تحصيل المتخيّل وتصويره، وهو النيّة.
إلى ذلك أشار بقوله رضي الله عنه : ( وأخلصت النيّة وجرّدت القصد والهمّة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، من غير زيادة ولا نقصان ) .
ولا يخفى أنّ تحقيق تلك الامنيّة وإبراز ذلك الكتاب من المكامن المعنويّة وسواد بطونه إلى المظاهر الصوريّة الحرفيّة ، وبياض زبره وتسطيره - معصوما عن التغيير والتبديل والزيادة والتقصير في طريق إبرازه ومكامن إخراجه من المدارك المعنويّة الفكريّة والمشاعر الخياليّة المثاليّة ، والمخارج اللفظيّة الكلاميّة ، والصحائف الرقميّة الكتابيّة .
ممّا لا يفي به قوّة البشر ، ولا يتيسّر ذلك لأحد من الكمّل فإنّها مثار السهو والتحريف ، ومواقع الغلط والتصحيف على ما ورد في التنزيل " وَما أَرْسَلْنا من قَبْلِكَ من رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ في أُمْنِيَّتِه ِ "
اللهم إلَّا أن يكون خاتما قد أسلم شيطانه على يده  .
ثمّ لمّا استشعر أن يقال ذلك ، ويتوهّم إنّ إخراج الكتاب على ذلك الحدّ ممّا لا يمكن أن يتيقّن به ، دفع ذلك على طريقة الأدب في صيغة الدعاء والطلب قائلا أوّلا على سبيل الإجمال وعموم الأحوال.

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا .
فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فقلت: السمع والطاعة الله) لأنه رب الأرباب (ولرسوله) لأنه خليفته وقلب الأقطاب (وأولي الأمر) أي الخلفاء الذين لهم الحكم في الباطن.
أو الملوك الذين هم الخلفاء للخليفة الحقيقي في الظاهر (منا) أي من نوعنا وأهل ديننا (كما أمرنا به) في قوله تعالى : "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" آيه 54 سورة النساء.
وفي التحقيق : الطاعة كلها الله سبحانه تارة في مقام جمعه وتارة في منام تفضيله.
ويمكن أن تجعل الإشارة في الوجوه الثلاثة:
إلى طاعته صلى الله عليه وسلم من ثلاث حيثيات :
أحدها من حيث كونه صلى الله عليه وسلم مظهرة لاسم الله .
وثانيها من حيث کونه صلى الله عليه وسلم رسولا منه .
وثالثها من حيث كونه الولي، الأشهر على جميع الكمال .
(فحققت الأمنية)، أي أدركت حقيقة أمنيته و مراده صلى الله عليه وسلم بالكتاب الذي أعطانيه بتحديده وتعيينه أمنيته ومراده به.أو جعلتها محققة في الخارج.
فعلى الأول يكون المقصود من الإبراز في قوله فيما بعد:
إلى إبراز هذا الكتاب إخراجه من العلم إلى العين.
وعلى الثاني إبرازه بعد ذلك الإخراج إلى المنتفعين به.
(وأخلصت إليه) عن الأغراض النفسانية (وجردت القصد والهمة) عنها قصرت إحدى القصد والهمة فيما هممت به من غير أن يشوبه شائبة غرض (إلى إبراز هذا الكتاب ) من العلم إلى العين .
أو إلى المنتفعين به (كما حده لي) وعين (رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة مني)، أي بأن أبرز ما حده صلى الله عليه وسلم لي (ولا نقصان) بأن لا أبرز بعض ما حده صلى الله عليه وسلم فإن مقام الأمانة لا يحتمل الخيانة بالزيادة والنقصان.



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا . فحققت الأمنية، وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  من غير زيادة ولا نقصان.)
(فقلت: السمع و الطاعة لله و لرسوله و أولي الأمر منا كما أمرنا ). 
أشار إلى امتثال قوله تعالى"أطِيعوا اللّه وأطِيعوا الرّسُول وأولي الْأمْرِ مِنْكُمْ" [ النساء: 59] و هم الأقطاب والخلفاء والولاة منا ولهم لأمر فيما هو مباح لهم ولنا، فإذا أمرونا بالمباح و أطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه.
وذلك لأنه إذا أمر الإمام المفترض الطاعة بأمر مباح وجبت إطاعته، وارتفع حكم الإباحة، فافهم لتعلم ما منزلة الخلافة والإمامة وما أثمرت هذه المرتبة. 
فكأنه قال رضي الله عنه: السمع و الطاعة للمتحقق بأحدية الجمع، والمتنزل إلى مرتبة الفرق بالرسالة، و المتلبس بخلعة الخلافة و النيابة آمرا و ناهيا من نبي وأطعته بالانقياد له مع تحقيقي بمرتبة الجمع لتحقيقي بجمع الجمع، فافهم . 
وإنما أظهر رضي الله عنه اللام في الرسول ليفصل بين الحق والخلق بإعادة حروف الجر ولم يجمع بين الله و الرسول فيه إشارة إلى بعد الحقائق الخفية والخلقية . 
ورد في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه و سلم قال لخطيب : "بئس الخطيب أنت"رواه مسلم و أبو داود و النسائي.
لما سمعه قد جمع بين الله تعالى ورسوله في ضمير واحد لا يوحي من الله تعالى ومن يعصمها، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم كفاية لمن أنار الله بصيرته . 
أما ترى عدم إظهار اللام في قوله رضي الله عنه: و أولي الأمر منا بلا إعادة لقرب المناسبة و الدلالة على أنهم منه صلى الله عليه و سلم . 
قال الله تعالى: "لقدْ جاءكُمْ رسُولٌ مِنْ أنْـفُسِكُمْ" [ التوبة: 128] . 
فمن شدة الملابسة حذف اللام في الثاني، و لبعد المناسبة أثبت في الأول ليكون أدل على الفصل فافهم . 
قال الشيخ قدس سره: [فحققت الأمنية، و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم من غير زيادة و لا نقصان و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السّبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها  التلبيس] .
قال الشارح: قوله رضي الله عنه: (فحققت الأمنية ) أي جعلت مواد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، وأظهرت عتبة في الخارج إخراجا محققا. 
قال الشارح القيصري قدّس سره: أي جعلتها حقا محققا أي ثابتا في الخارج و ظاهرا في الحس بتعبيري إياه، و إظهاري فحواه. 
كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100]: أي أخرجها في الحس انتهى كلامه . 
اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن تعبير الرؤيا عند المصنف رضي الله عنه هو الجواز عن صورة ما رآه إلى صورة أخرى.
والتأويل عبارة عما يؤّوّل إليه تلك الرؤيا ويراد منها، والرؤيا موطن التعبير والتأويل كان ما كان، والرأي كان من يكون هذا مذهبه رضي الله عنه، فالتعبير جواز من صورة المرئي إلى صورة تناسبها. 
فلهذا قال الشيخ رضي الله عنه: إن التجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر وهو علم المناسبات تدرك به ما أراد الله بهذا مثلا أن المعاني التي رؤيت في الرؤيا يأخذها، و يكسبها ألفاظ و يعبر بها عن المعاني التي رآها كما يفعل لإخبار معناها وإعلام فحواها.
وذلك وإن كان تعبيرا ولكن ليس هو التعبير المصطلح الذي نحن بصدد بيانه وما ذلك إلا مغالطة واشتباها . 
وأما قوله قدّس سرّه: إن هذه الحكاية كحكاية يوسف عليه السلام . 
قال تعالى: "هذا تأويلُ رؤياي مِنْ قبْلُ قدْ جعلها ربِّي حقًّا" [ يوسف: 100] . 
فليست الحكاية كالحكاية ولا الرؤيا كالرؤيا، وكيف لا؟
و رؤية يوسف عليه السلام هي المثل المضروب، وهي رؤية الإخوة، و الأبوين ساجدين له على صورة الكواكب، والشمس، والقمر فصدق في قوله عليه السلام: هذا تأويل رؤياي فإنه جاوز، وعبر من صورة إلى صورة أخرى أريد منها قد جعلها حقّا في الخارج، فعرف أن الذي رآه  أريد منها هذه إلا ما رأى من الكواكب، والشمس، والقمر فأين صورة رؤياه عليه السلام ؟
فإنها مثل مضروب وجسر يعبر، وصورة مسألتنا .
فإنه رضي الله عنه أمر بإبراز عين الكتاب بلا تأويل و لا تعبير سيما إن كانت صورة واقعته رضي الله عنه في الرؤيا كما قررناه، فيكون في اليقظة عند اتخاذ المدارك، فيرى في اليقظة ما يرى في المنام، و لا يسمّى ذلك رؤيا المنام لأنه في اليقظة، فافهم . 
( و أخلصت النية ): أي جعلتها للإطاعة خالصة، فجردت القصد. 
فجردت القصد والهمّة) القصد : التوجه فى الصدق والإخلاص لله ورسوله.
والمراد من الهمّة الهمّة الحقيقية التي هي جمع الهمم بصفاء الإلهام .
فتلك همم الشيوخ الأكابر من أهل الله، فتجريدها جمع الهمم، و تفريدها بأحدية الهمّة و جعلها همّة واحدة لأحدية المتعلق كما أن تجريد القصد أن تجعل المقاصد المتكثرة مقصدا واحدا هربا من الكثرة لتوحيد الكثرة أو للتوحيد، فافهم . 
إلى إبراز هذا الكتاب قوله رضي الله عنه: هذا الكتاب مشير إلى أنه كان بالألفاظ و الحروف المرتبة و ذلك لأن مخدرات المعاني من حيث أنها معان صرفة قاصرات الطرف ما تبرجن عن خيام المراتب، و لا تبرزن إلى مراتب الصون إلا مبرقعات بحجاب صور الألفاظ، و الحروف، و القوالب . 
فلهذا ما أمر رضي الله عنه إلا ليبرز ما كان مستورا و هو كتاب فصوص الحكم حيث كان في أمر الكتاب مسطورا كما حدّها لي رسول الله صلى الله عليه و سلم، يشير إلى ما صرّح رضي الله عنه في آخر الخطبة بأن ما وقف عليه لا يسعه كتاب ولكن ما أظهر .
( إلا ما حدّه لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ): أي بحدود الألفاظ، و رسوم قوالب العبارات المدوّنة المبوّبة المسمّاة بفصوص الحكم، فإنه كتاب فصّلت آياته، و خطاب بينت متشابهاته، فمحكماته متشابهات، و متشابهاته محكمات من غير زيادة و لا نقصان.
ولو رام رضي الله عنه زيادة على ذلك ما استطاع لأنه غير مختار بل هو فيه  مجبور مقهور، فإنه الحضرة حضرة الأمانة.
(من غير زيادة و لا نقصان) فكما لا تقبل النقصان كذلك لم تقبل الزيادة فإن التصرف بغير الإذن خيانة مع أن الزيادة في غير محلها نقصان و جناية.

أما ترى أن الأصابع خمسة فإن زادت فالزائد منها نقص .  

واتساب

No comments:

Post a Comment