Friday, July 5, 2019

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الحادية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الحادية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

سفر خطبة الكتاب فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الحادية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
الفقرة الحادي عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
..............
شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
قال : (فأول ما ألقاه المالك) أي مالك يوم إبراز الكتاب، إذ ما تجلى الله للشيخ بالتجلي الذاتي القهاري إلا في يوم الإبراز كقوله تعالى : "مالك يوم الدين" 3 الفاتحة.  (على العبد) أي على
عبده في هذا اليوم لظهور عبوديته بکماله فيه واختصاصه العبادة به اختصاصا تاما.
فيكون عبدا محضا فكان في سائر الأيام ليس عبدا بالنسبة إليه
كقوله تعالى : " إياك نعبد " فتحقق بقوله تعالى: "ملك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين " وهذا المعنى من رموز الشريعة وإشاراته اللطيفة التي لا تحصل إلا لمن تنور قلبه بنور البصيرة.
ويجوز أن يراد بالمالك الرسول عليه السلام أي أول ما أمره المالك على طريق الإلقاء للإبراز إلى العالم الشهادي.
إذ إلقاء الفصوص على الهيئة المذكورة على الشيخ ليس إلا وهو أمر عليه للإخراج من العالم المثالي إلى العالم الشهادي فيكون مأمورا في الترتيب .
فدل قوله : فأول ما ألقاه على أن إبراز كل فص بل كل معنى في هذا الكتاب بلفظ بأمر الرسول على حده جزءا فجزءا بعد أمره على الوجه الكلي .
بقوله : خذه واخرج به إلى الناس فالأمر بالإخراج غير الأمر بكيفية الإخراج فامر بهما فأخذ للإخراج من يد الرسول فصا بعد فص لا جملة .
ففيه زيادة تنزيه من التصرف من عند نفسه وإنما ألقى إليه هذا أولا لأن كلمته أول الموجودات وأصلها .
وإنما قال المالك لأنه هو المالك لما بيده .
كما قال وبيده عليه السلام کتاب فهو صاحب الكتاب .
وإنما قال العبد لأن من امتثل أوامر سیده فهو عبد .
كما قال فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله (من ذلك) الكتاب المثالي المرسوم الذي بيده عليه السلام .
فمن للتبعيض المتضمن لمعنى الابتداء لأن من تدل على أن الكتاب مبدأ موضع الإلقاء وذلك إشارة إلى علو مرتبة الكتاب فأطلعه الله تعالى أو معاني الكتاب بلا صورة ورسم وترتيب لأنه اطلاع سري مجرد من الصورة .
ثم أعطاه الرسول الكتاب للإبراز مرسومة بغير عبارة على هذا الترتيب المخصوص .
فالعبارة مستندة إلى الشيخ بالتأييد الاعتصامي وهو العربي الفصيح اللسان العارف باللغات العربية واصطلاحات كل طائفة .
والمعاني المرسومة من الرسول تقوله كما حد لي رسول الله ، والمعاني المجردة من الله تعالى لقوله : ولما أطلعني الله فذلك الكتاب لا ريب فيه وإنما لم يقل على قلب العبد ليدل على أن نسخة هذا الكتاب هو الكتاب المثالي الذي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام مع المعاني المرتسمة فى قلبه المآخوذه من الصور  المرتسمة فيه.
فحين أبرز فقد أحاط ظاهره وباطنه ونظر فيه بقلبه وبصر عينه كما قال.
وجردت القصد والهمة فلا يقع من جانبه خطأ أصلا فهو صحيح مطابق بالأصل الصحيح .
فإن من حفظ الألفاظ في قلبه وكتب هذه العبارات من النسخة الصحيحة المطابقة لما في القلب.
فقد كتب من النسختين الصحيحتين المنظورتين ببصر القلب والعين .
فلا يحتمل الخطأ لصحة الأصل واهتمام الكاتب .
ولذا قال ألقاه ولم يقل ألهمه فإن الإلقاء يشعر بأن يكون الملقي صورية.
كقوله تعالى : "إني ألقي إلي كتاب كريم" 29 سورة النمل.
وقوله تعالى : "وألق عصاك " 117 سورة الأعراف. إلى غير ذلك.
فهذا القول أكد دلالة على نفي احتمال الخطأ من الهمة على قلب العبد .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
..................

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
..............

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
.............

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
قوله: "فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلكمبتدأ. خبره، قوله: (فص حكمة إلهية في كلمة آدمية.)
وإنما قال: "المالك" و "العبد" لأن الإلقاء لا يمكن إلا أن يكون بين الملقى والملقى عليه.
والملقى هو الله تعالى، من حيث ربوبيته، و "الرب" هوالمالك لأنه من جملة معانيه.
والملقى عليه هو العبد.
وأيضا، إلقاء هذه المعاني ليس إلا لتكميل المستعدين القابلين للوصول إلى مقام الجمع والوحدة الحقيقية.
وذلك لا يمكن إلا بالتربية. ولما كان الملقى عليه عبدا، ذكر ما يقابله وهو المالك الذي هو بمعنى الرب.
والمراد بـ  "العبد" نفسه.
أي، أول ما ألقاه الله تعالى في قلبي على سبيل الإلهام من الحكم والأسرار "فص حكمة إلهية" وإن كان معطي الكتاب هو الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ويمكن أن يكون المراد بـ "المالك" الرسول، لأنه الاسم الأعظم الإلهي باعتبار اتحاد الظاهر والمظهر.
ولا يجوز أن يقال، المراد بالمالك هو الحق وبالعبد هو النبي، صلى الله عليه وسلم، لما يلزم من إساءة الأدب، وإن كان عبدا له ورسولا منه و "ذلك" إشارة إلى الكتاب.
أي، أول ماألقاه المالك على قلب العبد من ذلك الكتاب، أي من معانيه، فص حكمة إلهية.
و "فص" الشئ خلاصته وزبدته، وفص الخاتم ما يزين به الخاتم ويكتب عليه اسم صاحبه ليختم به على خزائنه.
وقال ابن السكيت: "كل ملتقى عظمين فص".
وفص الأمر مفصله. وقال الشاعر:
ورب امرء خلته مائقا   .... ويأتيك بالأمر من فصه
والأولان أنسب بالمقام.
ومعنى "الحكمة" ما ذكر من أنها علم بحقائق الأشياء على ما هي عليه.
وعمل بمقتضاه ففص كل حكمة:
على الأول، عبارة عن خلاصة علوم حاصلة لروح نبي من الأنبياء المذكورين، عليهم السلام، التي يقتضيها الاسم الغالب عليه، في فيضها على روح ذلك النبي بحسب استعداده وقابليته.
وعلى الثاني، هو القلب المنتقش بالعلوم الخاصة به. ويؤيد هذا الوجه ماذكره في آخر الفص
من قوله: "وفص كل حكمة الكلمة التي نسبت إليها".
فمعنى قوله: "فص حكمة إلهية" أي، محل الحكمة الإلهية هو القلب الثابت في الكلمة الآدمية، والإلهية اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء وحقائقها كلها.
ولهذا صار الاسم (الله) متبوعا لجميع الأسماء والصفات وموصوفا بها.
وتخصيص الحكمة الإلهية بالكلمة "الآدمية"، هو أن آدم، عليه السلام، لما خلق للخلافة وكانت مرتبته جامعة لجميع مراتب العالم.
صار مرآة للمرتبة الإلهية قابلا لظهور جميع الأسماء فيه، ولم تكن لغيره تلك المرتبة ولا قابلية ذلك الظهور، لذلك خصها به.
وأيضا، هو مظهر لهذا الاسم، كما قيل:
"سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقبثم بدا في خلقه ظاهرا في صورة الآكل والشارب"
والمراد بـ "الكلمة الآدمية"، الروح الكلى الذي هو مبدأ النوع الإنساني.
كما قال، رضى الله عنه: "فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني".
وسيأتي بيانه في آخر الفص، إن شاء الله.
ولما كان آدم أبو البشر،عليه السلام، أول أفراده في الشهادة ومظهر الاسم (الله) من حيث جامعيته خواص أولاده الكمل.
خص، رضى الله عنه، الفص باسمه وبين فيه ما يختص بكلمته، كما بين ما يختص بكلمة كل نبي في الفص المنسوب إليه.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
وإذا كان جميع الكتاب بإلقاء الله تعالى (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك) أورد هذه العبارة تنزها عن دعوى الربوبية التي تظهر عن أهل الشطح وغيرهم على سبيل الغلبة تحقيقا لاقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث كان مفتخرا بالعبودية.
فالعجب من بعض الجهال من طلبة الكتاب، إذ يدعي الربوبية لنفسه، ويزعم أنه مقتدي بالشيخ،" ومن يضلل الله ما له من هاد" [الرعد: 33].
ثم إنه أطلق المالك والعبد إشارة إلى أنه ملکه بجميع أسمائه، وأنه صار عبدا من جميع جهاته لجميع تلك الأسماء؛ فافهم، والله الموفق والملهم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
 تبيينا لما مهّده آنفا من عدم تعمّله وتحكَّمه في إظهار هذا الكتاب، وأنّه مأمور مجبور في ذلك ، جبر العبيد بين يدي الملاك ، وتحت أمرهم .
على أنّ « المالك » من الأسماء له مزيد اختصاص ب « الكلام » - الذي هو الملقى إليه - من حيث التوافق في العدد والمواد والهيئة الصوريّة الداخلة فيها سوى الوضع الخارجي منه فقط .
أيضا الدال في « العبد » لبروزه في عينه يستأهل أن يفيض عليه من مالكه الكامل كلّ المراتب بكمالها ، وجوديّة كانت أو شهوديّة ، فيكون المراد بالعبد مطلق العبد الكامل ، أعني الخاتم وورثته .
وأيضا فإنّ أوّل ما القي « ألم » التي هي مالك أزمة الفرقان والقرآن على ما لوّح عليه من (ذلِكَ الْكِتابُ ) ، هو هذا ، لكن إنّما يجد هذا المعنى من له ذوق استشعار الحقائق العليّة من الألواح الحرفيّة ، مقدسا عن التعمّلات الجعليّة الوضعيّة . وملخّص هذا الكلام بما يقرب الأفهام : أنّ أوّل ما يظهر على الدال الباين العين من الكلام الكامل :

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
(فأول ما ألقاه المالك) الحق مطلقا أو باعتبار ظهوره وتجليه في الصورة المحمدية (على العبد) المملوك له أراد به نفسه رضي الله عنه عن الملقي بالمالك وعن الملقى إليه بالعبد .
إشارة إلى أنه سبحانه مالك آمر وهو مملوك مأمور والمملوك المأمور في امتثال ما أمر به معذور (من ذلك)، أي من كتاب فصوص الحكم.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك.)
( فأول ما ألقاه) يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده، فكأن الروح هو الملقي إلى قلوب العباد من أمره، و يكون ذلك الروح عين الرسالة، و عين الرسول، و عين المرسل، فارتفعت الوسائط إن كان عين الوحي هو عين الروح، و كان الملقي هو الله لا غيره، فهذا الروح ليس الملك، بل عين المالكة هي الرسالة فافهم . 
( المالك على العبد من ذلك) الملك هو القوة و الشدة، و يطلق على القدرة و التصرف، و ملك الدابة هاديها، و الملكوت مبالغة لكونها تشتمل على الظاهر و الباطن، و هذه المعاني التي تضمّها هذه الكلمات كلها صادقة في حق الحق تعالى فإنه سبحانه: "ذو القُوّةِ المتينُ" [ الذاريات: 58] . "إنّ بطش ربِّك لشدِيدٌ" [ البروج : 12]. 
و الهادي يهدي من يشاء، و القادر على كل  شيء، و الفاعل ما يشاء و بيده ملكوت كل شيء، فيكون المراد من المالك مالك الملك . 
قال الله تعالى: "قلِ اللّهُمّ مالك الْمُلْكِ تُـؤْتي المُلْك منْ تشاءُ و تنْزعُ المُلْك مِمّنْ تشاءُ وتعِز منْ تشاءُ و تذِل منْ تشاءُ بيدِك الخيْـرُ إنّك على كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 26] و ملكه عبده، و هو صلى الله عليه و سلم أشرف عباده . 
قال تعالى في مقام الامتنان و الاقتناء به و الاعتناء عليه: "سُبْحان الّذِي أسْرى بعبْدِهِ" [ الإسراء: 1] فهو أشرف أسمائه ،فكما أن المالك يملك عبده على كل حال، و بعد الوفاة له الولاء . 
كذلك الحق مع عبده، فإنه تعالى يرثه ليورثه من يشاء من عباده، و كما أن المالك في ملكه يتصرف من يشاء، و يفعل ما يريد .
كذلك الحق سبحانه يفعل فيه ما يشاء، و يحكم ما يريد و لا يسأل عمّا يفعل في ملكه، و كما أن الملك لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرّا، كذلك العبد مأمور مملوك لمالك، سيد يقضي فيه ما يشاء و لا يمتنع عن تصرف مالكه أصلا . 
قال تعالى: "و للّهِ يسْجُدُ منْ في  السّماواتِ والْأرضِ طوْعاً وكرْهاً " [ الرعد : 15]. أي جبرا واختيارا، فلا يملك لنفسه شيئا بل لا يملك نفسه لأن العبد وما له لمولاه فهو عبد الله لا عبد بالله، فافهم . 
أو يكون المراد من المالك هو النبي صلى الله عليه و سلم لأنه الخليفة فله التصرف و التملك فيما استخلف عليه العبد الكامل، فالمراد من العبد نفسه رضا الله عنه.
فألقاه صلى الله عليه و سلم حيث حدّه له رضي الله عنه، فكان النصر الآدمي، و إنما قال على العبد إشارة إلى أن الأمر جبري قهري من ولي الأمر ولا يمكن الخروج عن الطاعة، فإنه خروج عن الأصل و هو العبودية و العبد مأجور، وفي امتثال أمر مالكه معذور . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات " : أنا العبد المحض الخالص لا أعرف للربوبية طعما و إنه في كل زمان واحد، و منحني الله ذلك هبة، أنعم بها عليّ لم أنلها بعمل، بل باختصاص إلهي أرجو من الله أن يمسك هذه العبودية علينا، و لا يحول بيننا و بينها إلى أن تلقاه بها، فبذلك فليفرحوا هو خير لهم ما يجمعون انتهى كلامه رضي الله عنه .
ورد في الخبر: إنه لما ألقي إبراهيم عليه السلام في النار، قال : "اللهم إنك واحد في السماء و أنا في الأرض واحد عبدك"   ذكره أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة . 
فكما أن لا إله إلا هو في أحديته، كذلك لا عبد إلا المصمت في عبوديته، فإن حاد العبد عن هذه المرتبة بوصف ما رباني، و إن كان محمود كصفة رحمانية و أمثالها، فقد زال عن المرتبة التي خلق لها، و حرم من الكمال و المعرفة بالله على قدر ما اتصف به من صفات الحق، فيقل أو يكثر، فافهم هكذا ذكره رضي الله عنه في باب واحد و ثمانين من » الفتوحات« . 
و قال رضي الله عنه في رسالة القدس: فالقوي منا المتمكّن هو الذي يخرق حجاب الجمعية الكبرى العامة بينه و بين ربه حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهية نفسه فيتعبد.
فيعرف عبوديته، فيكون أقوى الأقوياء حينئذ، و أشهدها لرفعه ذلك الحجاب الأقوى، و هو التحقق بالمرتبة الألوهية، فيكون منزلته أعلى، و قوّته أعظم، و هناك يتميز فيتجارى مع العالم في الرفعة، و الانحطاط . 
و هنالك رأيت مبلغ العارفين، و العالمين و أما المدرك الذي أومأنا إليه، فبعيد أن تسمعه من أحد، أو تراه في غير هذه الرسالة على درج هذا التحقيق لكن تجده مبدّدا في أشياء كثيرة يومئ إليه، و لا يوضح مثل هذا الإيضاح، فافهم .
فإن الحرف أثمر النتيجة، و كان بالمؤمنين رءوف رحيم، و أمّا من أخرق هذا الحجاب، فهو في معرض عتاب . 
قال تعالى: " كذلك يطبعُ اللّهُ على كُل قلْبِ مُتكبِّرٍ جبّارٍ" [ غافر: 36] .
و ختم عليه بالشقاء كفرعون، و كل من ادّعى الربوبية بحق، فافهم حجبهم الربانية عن استيفاء الخدمة، فافهم . 
و أما من خرق حجاب الجمع العام الذي مستودع عنده، فنفذ من ورائه إلى عبوديته، و عاين ألوهية الحق المقدّسة، و وحّدها أولئك هم أهل التقوى وأهل المغفرة.
فإذا عرفت هذا اعلم أن الشارح القيصري قدّس سره قال: ولا يجوز أن يقال المراد بالمالك هو الحق، وبالعبد النبي صلى الله عليه و سلم لما يلزم من إساءة الأدب، انتهى كلامه. 
وإني أظن أن عين ماء نقول في الصلاة وفي غيرها، وما أنكرها أحد من السلف ولا الخلف، وهي: اللهم صلّ على محمد عبدك ورسولك. 
وقال صلى الله عليه وسلم حديث أبي هريرة: " لا إني عبد الله ورسوله " الحديث مع من تقدم في العبودية. 
وقال تعالى عن عيسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم: قال "إنِّي عبْدُ اللّهِ آتاني الكِتاب و جعلني نبيا" [ مريم: 30] . 
و قال تعالى في اعتنائه صلى الله عليه و سلم: "سُبْحان الّذِي أسْرى  بعبْدِهِ ليْلًا مِن الْمسْجِدِ الحراِم إلى المسْجِدِ الْأقصى الّذِي باكرْنا حوْلهُ لنريهُ مِنْ آياتنا إنّهُ هُو السّمِيعُ الْبصِيرُ" [ الإسراء: 1] . 
ورد : "إن الله قد خيره إن شاء عبدا، وإن شاء نبيا ملكا"، فأشار إليه جبريل عليه السلام أن تواضع.  
فقال صلى الله عليه و سلم: جلوسه للأكل جلسة المستوقر، و قال: "إنما أنا عبد آكل ما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد". ذكره القاضي عيّاض في "الشفاء" بل هذا عند العالم هو الأدب.
""قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الثالث عشر وثلاثمائة في الفتوحات : اعلم أيدك الله أن أصل أرواحنا روح محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فهو أول الآباء روحا وآدم أول الآباء جسما ونوح أول رسول أرسل .
ومن كان قبله إنما كانوا أنبياء كل واحد على شريعة من ربه .
فمن شاء دخل في شرعه معه ومن شاء لم يدخل فمن دخل ثم رجع كان كافرا .
ومن لم يدخل فليس بكافر ومن أدخل نفسه في الفضول وكذب الأنبياء كان كافرا ومن لم يفعل وبقي على البراءة لم يكن كافرا.
وأما قوله تعالى "وإِنْ من أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ" ليس بنص في الرسالة .
وإنما هو نص في إن في كل أمة عالما بالله وبأمور الآخرة وذلك هو النبي لا الرسول.
ولو كان الرسول لقال إليها ولم يقل فيها . ونحن نقول إنه كان فيهم أنبياء عالمون بالله ومن شاء وافقهم ودخل معهم في دينهم وتحت حكم شريعتهم كان.
ومن لم يشأ لم يكلف ذلك وكان إدريس عليه السلام منهم ولم يجيء له نص في القرآن برسالته بل قيل فيه" صِدِّيقاً نَبِيًّا".
فأول شخص استفتحت به الرسالة نوح عليه السلام وأول روح إنساني وجد روح محمد وأول جسم إنساني وجد جسم آدم وللوارثة حظ من الرسالة.
ولهذا قيل في معاذ وغيره رسول رسول الله .
وما فاز بهذه الرتبة ويحشر يوم القيامة مع الرسل إلا المحدثون الذين يروون الأحاديث بالأسانيد المتصلة بالرسول عليه السلام في كل أمة.
فلهم حظ في الرسالة وهم نقلة الوحي وهم ورثة الأنبياء في التبليغ .
والفقهاء إذا لم يكن لهم نصيب في رواية الحديث فليست لهم هذه الدرجة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون في عامة الناس.
ولا ينطلق اسم العلماء إلا على أهل الحديث .
وهم الأئمة على الحقيقة . وكذلك الزهاد والعباد وأهل الآخرة من لم يكن من أهل الحديث منهم كان حكمه حكم الفقهاء .
لا يتميزون في الوراثة ولا يحشرون مع الرسل بل يحشرون مع عموم الناس ويتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير.
كما أن الفقهاء أهل الاجتهاد يتميزون بعلمهم عن العامة ومن كان من الصالحين ممن كان له حديث مع النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في كشفه وصحبه في عالم الكشف والشهود وأخذ عنه حشر معه يوم القيامة .أهـ
وكان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف موطن وعلى أسنى حالة ومن لم يكن له هذا الكشف فليس منهم ولا يلحق بهذه الدرجة صاحب النوم ولا يسمى صاحبا ولو رآه في كل منام حتى يراه وهو مستيقظ كشفا يخاطبه ويأخذ عنه ويصحح له من الأحاديث ما وقع فيه الطعن من جهة طريقها.
فهؤلاء الآباء الثلاثة هم آباؤنا فيما ذكرناه . والأب الرابع هو إبراهيم عليه السلام هو أبونا في الإسلام وهو الذي سمانا مسلمين وأقام البيت على أربع أركان .
فقام الدليل على أربع مفردات متناسبة وكانت النتيجة تناسب المقدمات فانظر من كانت هذه مقدماته وهو محمد وآدم ونوح وإبراهيم عليه السلام ما أشرف ما تكون النتيجة والولد عن هؤلاء الآباء روح طاهر وجسد طاهر ورسالة وشرع طاهر واسم شريف طاهر.
ومن كان أبو هؤلاء المذكورين فلا أسعد منه وهو أرفع الأولياء منصبا ومكانة .
ولما كانت النشأة ظهرت في الجنان أولا واتفق هبوطها إلى الأرض من أجل الخلافة لاعقوبة المعصية .
فإن العقوبة حصلت بظهور السوآت والاجتباء والتوبة قد حصلا بتلقي الكلمات الإلهية .
فلم يبق النزول إلا للخلافة فكان هبوط تشريف وتكريم ليرجع إلى الآخرة بالجم الغفير من أولاده السعداء من الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنين .
ولكن الخلافة لما كانت ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه .
فلم تعم عبوديته جميعه عند رعيته الذين هم أتباعه وظهر ملكه بهم وبأتباعهم والأخذ عنه .
فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب وبذلك المقدار يستتر عنه من عبوديته فإن الحقائق تعطي ذلك.
ولذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء "قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ " .
وهذه آية دواء لهذه العلة فبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء الرسل في الدنيا البكاء والنوح فإنه موضع تتقي فتنته."" أهـ
فلهذا عرض شيخنا عبد الرحمن الجامي قدّس سره عن هذا في شرحه مع أن مأخذه كله منه، بل قال في الخطبة: إنه اختصار منه و انتخاب . 
و قال: المالك هو الحق مطلقا، أو باعتبار ظهوره في المظهر المحمّدي ولكن، ثم قال قدّس  سرّه: أراد الشيخ رضي الله عنه من العبد نفسه، فإذا كان الأمر هكذا كيف يصحّ أن يكون المراد بالملك هو الحق مطلقا إذ الحكم ما نزلت إلا بواسطة المظهر المحمّدي . 
فتأمّل جعلني الله و إياكم عبدا محضا خالصا لا شبهة، ولا تشبيه .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment