Friday, July 5, 2019

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

09 - The Wisdom Of Light In The Word Of Joseph  

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة:
إنما هو منام في منام.
وكل ما ورد من هذا القبيل فهو المسمى عالم الخيال ولهذا يعبر، أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر في صورة غيرها، فيجوز العابر من هذه الصورة التي أبصرها النائم إلى صورة ما هو الأمر عليه إن أصاب كظهور العلم في صورة اللبن.
فعبر في التأويل من صورة اللبن إلى صورة العلم فتأول أي قال: مآل هذه الصورة اللبنية إلى صورة العلم.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه أخذ عن المحسوسات المعتادة فسجي وغاب عن الحاضرين عنده: فإذا سري عنه رد. فما أدركه إلا في حضرة الخيال، إلا أنه لا يسمى نائما.
وكذلك إذا تمثل له الملك رجلا فذلك من حضرة الخيال، فإنه ليس برجل وإنما هو ملك، فدخل في صورة إنسان.
فعبره الناظر العارف حتى وصل إلى صورته الحقيقية، فقال هذا جبريل أتاكم يعلمكم  دينكم.
و قد قال لهم ردوا علي الرجل فسماه بالرجل من أجل الصورة التي ظهر لهم فيها.
ثم قال هذا جبريل فاعتبر الصورة التي مآل هذا الرجل المتخيل إليها. فهو صادق في المقالتين:
صدق للعين في العين الحسية، وصدق في أن هذا جبريل، فإنه جبريل بلا شك.
و قال يوسف عليه السلام: «إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين»: فرأى إخوته في صورة الكواكب و رأى أباه و خالته في صورة الشمس و القمر.
هذا من جهة يوسف، ولو كان من جهة المرئي لكان ظهور إخوته في صورة الكواكب وظهور أبيه وخالته في صورة الشمس والقمر مرادا لهم.
فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف كان الإدراك من يوسف في خزانة خياله، وعلم ذلك يعقوب حين قصها عليه فقال: «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا» ثم برأ أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان، وليس إلا عين الكيد.
فقال: «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» أي ظاهر العداوة.
ثم قال يوسف بعد ذلك في آخر الأمر: «هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا» أي أظهرها في الحس بعد ما كانت في صورة الخيال، فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «الناس نيام»، فكان قول يوسف عليه السلام : «قد جعلها ربي حقا» بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها.
ولم يعلم أنه في النوم عينه ما برح، فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت وأولها بكذا. هذا مثل ذلك.
فانظر كم بين إدراك محمد صلى الله عليه و سلم و بين إدراك يوسف عليه السلام في آخر أمره حين قال: «هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا». معناه حسا أي محسوسا، و ما كان إلا محسوسا، فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات، غير ذلك ليس له.
فانظر ما أشرف علم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم. و سأبسط من القول في هذه الحضرة بلسان يوسف المحمدي ما تقف عليه إن شاء الله فنقول: اعلم أن المعول عليه «سوى الحق» أو مسمى العالم هو بالنسبة إلى الحق كالظل للشخص، وهو ظل الله ، وهو عين نسبة الوجود إلى العالم لأن الظل موجود بلا شك في الحس ، ولكن إذا كان ثم من يظهر فيه ذلك الظل: حتى لو قدرت عدم من يظهر فيه ذلك الظل: كان الظل معقولا غير موجود في الحس، بل يكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل.
فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات: عليها امتد هذا الظل، فتدرك من هذا الظل بحسب ما امتد عليه من وجود هذه الذات.
ولكن باسمه النور وقع الإدراك و امتد هذا الظل على أعيان الممكنات في صورة الغيب المجهول .
ألا ترى الظلال تضرب إلى السواد تشير إلى ما فيها من الخفاء لبعد المناسبة بينها و بين أشخاص من هي ظل له؟. وإن كان الشخص أبيض فظله بهذه المثابة.
ألا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر تظهر سوداء وقد تكون في أعيانها على غير ما يدركها الحس من اللونية، و ليس ثم علة إلا البعد؟. وكزرقة السماء.
فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة.
و كذلك أعيان الممكنات ليست نيرة لأنها معدومة و إن اتصفت بالثبوت لكن لم تتصف بالوجود إذ الوجود نور . غير أن الأجسام النيرة يعطي فيها البعد في الحس صغرا ، فهذا تأثير آخر للبعد.
فلا يدركها الحس إلا صغيرة الحجم وهي في أعيانها كبيرة عن ذلك القدر وأكثر كميات، كما يعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة، و هي في الحس على قدر جرم الترس مثلا.  فهذا أثر البعد أيضا.
فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، و يجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي عنه كان ذلك الظل.
فمن حيث هو ظل له يعلم، و من حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه بجهل من الحق.
فلذلك نقول إن الحق معلوم لنا من وجه مجهول لنا من وجه: «أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا» أي يكون فيه بالقوة.
يقول ما كان الحق ليتجلى للممكنات حتى يظهر الظل فيكون كما بقي من الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود. «ثم جعلنا الشمس عليه دليلا» وهو اسمه النور الذي قلناه، و يشهد له الحس: فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور.
«ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا»: و إنما قبضه إليه لأنه ظله، فمنه ظهر و إليه يرجع الأمر كله. فهو هو لا غيره.
فكل ما ندركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات.
فمن حيث هوية الحق هو وجوده، و من حيث اختلاف الصور فيه هو أعيان الممكنات.
فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق.
فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق، لأنه الواحد الأحد.
و من حيث كثرة الصور هو العالم، فتفطن و تحقق ما أوضحته لك.
و إذا كان الأمر على ما ذكرته لك فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي، و هذا معنى الخيال .
أي خيل لك أنه أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق وليس كذلك في نفس الأمر.
ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه، ويستحيل عليه الانفكاك عن ذلك الاتصال لأنه يستحيل على الشي ء الانفكاك عن ذاته؟
فاعرف عينك ومن أنت و ما هويتك و ما نسبتك إلى الحق، و بما أنت حق و بما أنت عالم و سوى و غير و ما شاكل هذه الألفاظ.
وفي هذا يتفاضل العلماء، فعالم وأعلم. فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير، وصاف وأصفى، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج يتلون بلونه، وفي نفس الأمر لا لون له. ولكن هكذا تراه.
ضرب مثال لحقيقتك بربك. فإن قلت: إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك الحس، وإن قلت إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل، صدقت وشاهدك النظر العقلي الصحيح.
فهذا نور ممتد عن ظل وهو عين الزجاج فهو ظل نوري لصفائه.
كذلك المتحقق منا بالحق تظهر صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره. فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قوة وجوارحه بعلامات قد أعطاها الشرع الذي يخبر عن الحق.
مع هذا عين الظل موجود، فإن الضمير من سمعه يعود عليه: وغيره من العبيد ليس كذلك. فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد.
وإذا كان الأمر على ما قررناه فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا خيال.
فالوجود كله خيال في خيال، والوجود الحق إنما هو الله خاصة من حيث ذاته و عينه لا من حيث أسماؤه، لأن أسماءه لها مدلولان: المدلول الواحد عينه و هو عين المسمى، و المدلول الآخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به من هذا الاسم الآخر و يتميز.
فأين الغفور من الظاهر ومن الباطن، وأين الأول من الآخر.؟
فقد بان لك بما هو كل اسم عين الاسم الآخر وبما هو غير الاسم الآخر.
فبما هو عينه هو الحق، وبما هو غيره هو الحق المتخيل الذي كنا بصدده.
فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه ولا ثبت كونه إلا بعينه. فما في الكون إلا ما دلت عليه الأحدية. وما في الخيال إلا ما دلت عليه الكثرة. فمن وقف مع الكثرة كان مع العالم ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم.
ومن وقف مع الأحدية كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين.
وإذا كانت غنية عن العالمين فهو عين غنائها عن نسبة الأسماء لها، لأن الأسماء لها كما تدل عليها تدل على مسميات أخر يحقق ذلك أثرها.
«قل هو الله أحد» من حيث عينه: «الله الصمد» من حيث استنادنا إليه: «لم يلد» من حيث هويته ونحن، «ولم يولد» كذلك، «ولم يكن له كفوا أحد» كذلك.
فهذا نعته فأفرد ذاته بقوله: «الله أحد» وظهرت الكثرة بنعوته المعلومة عندنا.
فنحن نلد ونولد ونحن نستند إليه ونحن أكفاء بعضنا لبعض.
وهذا الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غني عنها كما هو غني عنا.
وما للحق نسب إلا هذه السورة، سورة الإخلاص، وفي ذلك نزلت.
فأحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا أحدية الكثرة، و أحدية الله من حيث الغنى عنا و عن الأسماء أحدية العين، و كلاهما يطلق عليه الاسم الأحد، فاعلم ذلك. فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة متفيئة عن اليمين والشمال إلا دلائل لك عليك وعليه لتعرف من أنت وما نسبتك إليه وما نسبته إليك حتى تعلم من أين أو من أي حقيقة إلهية اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله، وبالفقر النسبي بافتقار بعضه إلى بعض، وحتى تعلم من أين أو من أي حقيقة اتصف الحق بالغناء عن الناس والغناء عن العالمين، واتصف العالم بالغناء أي بغناء بعضه عن بعض من وجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به.
فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارا ذاتيا.
وأعظم الأسباب له سببية الحق: ولا سببية للحق يفتقر العالم إليها سوى الأسماء الإلهية. والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه من عالم مثله أو عين الحق.
فهو الله لا غيره ولذلك قال: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد». ومعلوم أن لنا افتقارا من بعضنا لبعضنا.
فأسماؤنا أسماء الله تعالى إذ إليه الافتقار بلا شك، وأعياننا في نفس الأمر ظله لا غيره. فهو هويتنا لا هويتنا، و قد مهدنا لك السبيل فانظر.



متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :
09 – نقش فص حكمة نورية في كلمة يوسيفية  
النور يكشف ولا يُكشف به.
وأتم الأنوار وأعظمها نفوذ النور الذي يُكشف به ما أراد الله بالصور المتجلية المرئية في النور وهو التعبير.
لأن الصور الواحدة تظهر له معانٍ كثرة مختلفة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد.
فمن كشفه بذلك النور فهو صاحب النور. فإن الواحد يؤذن فيه.
وآخر يؤذن فيسرق. وصورة الأذان واحدة.
وآخر يؤذن فيدعو إلى الله على بصيرة. والآخر يؤذن فيدعو إلى ضلالة .



الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ :
09 -  فك ختم الفص اليوسفى
1 / 9  - المضاف الى الصفة النورية . اعلم ان النور الحقيقي يدرك به وهو لا يدرك، لأنه عين ذات الحق من حيث تجردها عن النسب والإضافات، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟
فقال: نورانى اراه ؟
اى : النور المجرد لا يمكن رؤيته وكذا أشار الحق في كتابه لما ذكر ظهور نوره في مراتب المظاهر وقال : " الله نُورُ السَّماواتِ والأَرْضِ " [ النور / 35 ] فلما فرغ من ذكر مراتب التمثيل .
قال : " نُورٌ عَلى نُورٍ " [ النور / 35 ] فأحد النورين هو الضياء والاخر النور المطلق الأصلي ولهذا تمم فقال : " يَهْدِي الله لِنُورِه من يَشاءُ " [ النور / 35 ] اى يهدى الله بنوره المتعين في المظاهر والساري فيها الى نوره المطلق الاحدى .

2 / 9 - ولما سأل ابن عباس رضى الله عنه عن رؤية النبي صلى الله عليه و سلم ربه أخبر انه رآه ، فأخبر بقول عائشة رضى الله عنها وقولها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سألته عن رؤية ربه وقوله : "نور انى اراه " ؟
فراجع السائل ابن عباس في ذلك فقال ابن عباس : ويحك !
ذاك إذا تجلى في نوره الذي هو نوره، اى انما يتعذر الرؤية والإدراك باعتبار تجرد الذات عن المظاهر والنسب والإضافات، فاما في المظاهر ومن وراء حجابية المراتب :فالادراك ممكن .
كما قيل :
كالشمس تمنعك اجئلائك وجهها   .... فإذا اكتست برقيق غيم أمكنا

3 / 9 - والى مثل هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الرؤية الجنانية المشبهة برؤية الشمس والقمر ، فأخبر عن اهل الجنة انهم يرون ربهم وانه ليس بينه وبينهم حجاب الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن فنبه صلى الله عليه وسلم على بقاء رتب الحجابية وهي رتبة المظهر .
فاعلم ذلك ، وإذ قد نبهتك على شأن النور الحقيقي وانه يدرك به وهو لا يدرك .

4 / 9 - فاعلم ان الظلمة لا تدرك ولا يدرك بها ، وان الضياء يدرك ويدرك به ، ولكل واحد من الثلاثة شرف يختص به : فشرف النور الحقيقي هو من حيث الاولية والاصالة ، إذ هو سبب انكشاف كل مستور.
وشرف الظلمة هو انه باتصال النور الحقيقي بها يتأتى ادراك النور مع تعذر ذلك قبل الاتصال وشرف الضياء هو من حيث الجمع بالذات بين الأمرين، واستلزام ذلك حيازة الشرفين .
5 / 9 - وللنور الحقيقي ثلاث مراتب آخر: إحداها مشاركة للوجود المحض المطلق والاخرى مشاركة للعلم الحقيقي المطلق ايضا والثالثة اختصاصه بالجمع الذي له الظهور والاظهار. وسأعرفك سر هذه الجمعية واختصاصها بالضياء ومحتده بحيث يعرف منه حقيقة عالم المثال ايضا .
226

6 / 9 - فاما وجه اتحاد العلم مع الوجود والنور فهو من جهة ان كلا منها من شأنه كشف المستور اما الكشف بالوجود فهو من جهة ان الوجود لما كان واحدا في الأصل وعرضت له التعددات المختلفة.
علم ان ثم معدودات متفاوتة القبول، فصار الوجود من هذا الوجه سببا لمعرفة الماهيات المعدومة، إذ لولاه لم يعلم ان ثمة ماهيات اصلا واما العلم فيكشف الماهيات المعدومة قبل الكشف الوجودي.
ويعرف بكيفية قبولها للوجود وتوابع ذلك من بقاء وفناء وبساطة وتركيب وغير ذلك من اللوازم واما كشف النور فهو متأخر عن الكشف الوجودي لكنه يشترك الوجود والعلم في معقولية الكشف . فافهم .

7 / 9  -  وإذا تقرر هذا فاعلم ايضا ان كل واحد من الوجود والعلم والنور لا يتميز بينهم في ان كل واحد من حيث وحدته وإطلاقه لا يدرك ولا يرى.
بل تعدد بينهم في حضرة الاحدية الذاتية ، ويتميز الوجود عن العلم بكون المعلومات تعدد العلم من حيث التعلقات في مرتبة التعقل لا غير - بخلاف الوجود - فان الموجودات تعدده وتظهره للمدارك في المراتب التفصيلية  .

8 / 9 - واما الفرق بين النور الحقيقي ومسمى الوجود المحض فهو من جهة ان الوجود يظهر للمدارك بقابلية المعلومات المعدومة المتعينة في علم الحق ، والنور المحض لا يمكن إدراكه الا في مظهر موجود.
فاعلم ذلك وتدبره تعرف الفرق بين الحقائق وهي الماهيات الأسماء الإلهية وبما ذا يتميز بعضها عن بعض والفرق بين حكم الوجود وحكم العلم وحكم النور وشأن كل واحد منهم مع الاخر وشأن الثلاثة مع غيرهم من التوابع واللوازم والأسماء متفرعة عنهم. والله الهادي.

9 / 9 -  ثم أقول : ان النور المحض المشار اليه لا يغاير وجود الحق ، ولا شك ان وجود المحض المتعقل في مقابلة العدم المضاد له.
فان للعدم الإضافي تعينا في التعقل لا محالة وله الظلمة، كما ان الوجود له النورية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة.
فإنه يتنور بالوجود فيظهر في الوهم فقط فظلمته من احد وجهيه الذي يلي العدم، وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام نسبة العدمية.
واليه الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ان الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فظهر". رواه الترمذي، وأحمد والحاكم.
وخلق هاهنا بمعنى التقدير، فان التقدير سابق على الإيجاد، ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات. فاعلم ذلك.

10 / 9 - وإذا تقرر هذا فأقول: فالعدم المتعقل في مقابلة الوجود لا تحقق له دون التعقل ، والوجود المحض لا يمكن إدراكه.
فمرتبة العدم من حيث تعقل مقابليته للوجود كالمرآة له، والمتعين بين الطرفين هو حقيقة عالم المثال والضياء الذاتية ثم سرى هذا الحكم في كل متوسط بين شيئين انه إذا كان نسبته الى احد الطرفين اقوى من نسبته الى الطرف الاخر، ان يوصف بما يوصف به ذلك الطرف الغالب ويسمى باسمه.

11 / 9 - الا ترى انه لما كان عالم الأرواح وما فوقه من عوالم الأسماء والصفات موصوفا بالنور والوجود الأبدي كانت صور عالم الكون والفساد موصوفة بالكدورة والظلمة ؟ لكونها في مقابلة عالم الأرواح الذي هو عالم النور، ولهذا لقبه شيخنا رضى الله عنه هذه الحكمة بالنورية، وإلا فهي حقيقة ضيائية لا نورية محضة.
واما المتوسط بين نشأة الإنسان العنصرية وبين الروحانية ومعناه: فهو العالم الخيال المقيد، والصورة الظاهرة فيه يكون بحسب نسبة ذى الخيال المقيد من الطرفين.
فان قويت نسبته الى طرف الأرواح وما فوقها، كانت تخيلاته صحيحة حقية وجودية علمية نورانية.
وان قويت نسبته الى عالم الحس لغلبة احكام صورها المنحرفة الكائنة الفاسدة وأحوالها المختلفة البعيدة عن الاعتدال، كانت تخيلاته يقظة ومناما تخيلات فاسدة وآرائه واعتقاداته غير صائبة لخلوها عن النور العلمي وخاصية الوجود الأبدي، فسميت اضغاث احلام

12 / 9 - ولما اشاره شيخنا رضى الله عنه في هذا الفص اليوسفى الى طرف من حال العالم وإيجاده ونسبته من جناب الحق تعين على ان اذكر أصله اعنى اصل الإيجاد وموجبه : وان كنت المعت بطرف منه منذ قريب ، لكني اذكر الان تتمة ولو على سبيل الإجمال .

13 / 9 - فأقول : اعلم ان الحق هو النور ، والنور لا يمكن ان يرى في النور ، فكمال رؤية النور موقوف على مقابلة الظلمة ، فمتعلق حب الحق ايجاد العالم انما موجبه حب  كمال رؤية الحق نفسه جملة من حيث هويته ووحدته وتفصيلا من حيث ظهوره في شئونه .
ولما كان من البيّن ان كل ما لا يحصل المطلوب الا به فهو مطلوب، لزم تعلق الإرادة الإلهية بايجاد العالم لتوقف حصول المطلوب الذي هو عبارة عن كمال الجلاء والاستجلاء عليه.

14 / 9- ولما كانت الشئون الإلهية ذاتية وكان الاستجلاء التام للذات لا يحصل الا بالظهور في كل شأن منها بحسبه ورؤيته نفسه من حيث ذلك الشأن وبمقدار ما يقبله من إطلاقه وتعينه وخصوصية.
فتوقف كمال رؤيته على ظهوره في جميع الشئون ولما كانت الشئون مختلفة من حيث خصوصياتها وغير منحصرة، وجب دوام تنوعات ظهوراته سبحانه بحسبها لا الى أمد ولا غاية، وهذا هو سر كون الحق خلاقا على الدوام الى ابد الآباد.

15 / 9 - لما كانت المراتب من وجه محصورة في الظهور والبطون والاعتدال والانحراف المعنويين ثم الروحانيين ثم المثاليين ثم الحسيين وكمال الجمع ونقصانه اقتضى الامر استمرار حكم الظهور والاظهار بالإيجاد.
واستمرار وجود الانحراف والاعتدال والنقص والكمال للاكمال، بحسب المراتب والمواطن وخصوصياتها وخصوصيات القوابل، كالهيئات الاجتماعية والأحوال والتركيبات المتعقلة في الصور والامزجة، والتضعيفات العددية الدائمة الحكم والمتناهية الآجال.

16 / 9 - ثم ارجع وأقول : اعلم ان مستوى النور من كونه يدرك ويدرك به هو المسمى بالضياء ومحتده عالم المثال كما مر .
وله ، اى لعالم المثال مرتبة عامة من حيث هي تسمى عالم المثال المطلق وله مرتبة خاصة ذات تقيدات يختص بعالم خيال النوع الإنساني وكل متخيل ، وبه نبهت في الفص الإسحاقي ان الناس في خيالاتهم المقيدة على قسمين.
وذكرت من حال كل قسم ما يسر الله ذكره : وسأذكر هنا تتمات توضح المقصود ان شاء الله تعالى .

17 / 9 -  فأقول : من جملة احوال احد القسمين هو ان كل من غلب على خياله الصفات التقيدية واحكام الانحرافات الخلقية والمزاجية ، فإنه لا يدرك مشرع خياله ومحتده من عالم المثال ولا يتصل به عن علم وشهود وان كانت الوصلة غير منقطعة .
ومن حصل له سير في خياله المقيد حتى انتهى الى طرفه المتصل بعالم المثال المطلق بحيث يتأتى له التجاوز من خياله الى عالم المثال، فإنه يدخله فيدرك فيه ما شاء الحق ان يريه منه.
بل قد يخرج منه كما بينا في الفص الإسحاقي الى عالم الأرواح ثم الى فسيح حضرة العلم، فيستشرف على جملة من المغيبات والكوائن المقدر ظهورها في عالم الحس .


18 / 9 - فالمعبر إذا سمع الرؤيا ممن رآها وسأله تعبيرها لعدم علمه بما رأى وما المراد من تلك الصور الممثلة له.
وكان المعبر تام المعرفة بالتعبير وبمواطن الرؤيا، فإنه يشخص الرؤيا في خياله، فإذا شخصها اسراها الى ان يدخله عالم المثال ، فيرى نسبة تلك الرؤيا من عالم المثال ويستدل بتلك النسبة على الرؤيا وتتضمنه .
بل قد يعديها الى عالم الأرواح وما بعدها حتى يقع على الامر الذي قصد ابدائه في تلك الصورة الممثلة بها فيخبر عن المراد، ويسمى ذلك الاخبار تعبيرا، وما وجد في الرؤيا من خلل يفضي بعدم المطابقة بين المعنى المقصود إبانته والتعريف به وبين الصورة الممثلة.
علم ان ذلك من كدورة الباطن صاحب الرؤيا وانحراف مزاجه وفساد هيئة دماغه واختلال أحواله الحسية، كالكذب وسوء سيره والانهماك على امر خسيس ينغمس به أوقاته وأحواله المحمودة بحيث يستهلك احكام صفاته وأحواله المحمودة في ضمن ذلك الوصف الغالب.
والامر بالعكس إذا كان الحال بالعكس واليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا .

19 / 9 - ثم نبه في حديث أخر على كليات اقسام الرؤيا وحكم الاعتدال فيها والانحراف فقال  صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث :
رؤيا من الله ، وهي التي ظهور حكمها موقوف على تهيئة واستعداد معتدلين وصفاء محل وطهارة نفس ليتأتى لصاحبها تلقى ما يصل اليه من التعريفات الإلهية والاستجلاء الروحانية والمعنوية بواسطة الصور المثالية .
ثم قال صلى الله عليه وسلم: رؤيا تخزين من الشيطان، وهي التي قلنا انها نتيجة الانحرافات المزاجية والكدورات النفسانية وفساد الهيئة الدماغية ونحو ذلك مما سبق التنبيه عليه.
ثم قال صلى الله علييه وسلم: ورؤيا مما حدث المرء به نفسه، وهذه من آثار الصفات الغالبة الحكم على نفس الرائي حال رؤيته مثل هذه الرؤيا، واثر الحال القاهر ايضا الذي يتلبس الرائي.

20 / 9 - ثم اعلم: ان من اقوى الأسباب الموجبة اطلاع النائم على ما يراه ، وهو توحد توجهه وجميع همه وميله الى الاعراض عن جل احكام الكثرة.
وترجيحه: تعطيل تصرفاته المتنوعة طلبا للراحة لشعور نفسانى من خلف حجاب الطبع، يقضى بان الراحة منوطة بالاعراض اللازم لما ذكر، هذا ترجيحه، وان لم يتحقق اصل هذه المسألة وعموم حكمها في سائر الأنواع الاطلاعات .

21 / 9 - واما مواد الصور التي يتمثل له من حيث هي لا من حيث معانيها فهي الأشياء المصاحبة له من عالم حسه ويقظته وآثار الأوصاف والأحوال الغالبة عليه حينئذ.
كما سبقت الإشارة اليه، فان لهذه الأمور اندراجات بعضها مع بعض طبيعية وعقلية معنوية، ولتلك الامتزاجات بعضها مع بعض احكام تسوى في صورة التمثيل.
فيظهر حسنا وقبحا بحسب درجات الاعتدال والانحراف الطبيعي والمعنوي الخصيص بالصفات والأحوال والعلوم والاعتقادات، ولآخر انفاس اليقظة التي يتلوه النوم سلطنة قوية بحسب ما كان
الباطن به حالتئذ مغمورا.
فان لم يكن الباطن مغمورا بشيء وخلا بالكلية من الخواطر والتعلقات وخواص الأفعال والصفات القريبة العهد بالشخص كان ذلك سببا معينا في مزيد الاطلاع وصحة ارتسام ما اطلع عليه النائم في نفسه .

22 / 9 - واما تأخر ظهور حكم المنافاة فإنه دليل على علو مرتبة النفس لكونها أدركت ما سيكون في العوالم العالية جدا ، القريبة من حضرة العلم وعالم المعاني المجردة.
فلا بد من فترة واقعة بين زمان الاطلاع وزمان ظهور حكم ما وقع الاطلاع عليه في الحس بمقدار ما يقتضي مكث ذلك الامر في كل سماء الى ان ينصبغ بحكمه ويأخذ حصته من ذلك الفلك وما فيه.
ثم يمر متنازلا الى الفلك الذي هو دونه، وهكذا الى آخر فلك طلبا للاستتمام ومستصحبا قوى ما يمر عليه.
فان لكل كائنة وامر يظهر في هذا العالم من حال انفصاله المعنوي من مقام القلم الأعلى واللوح المحفوظ واتصاله بالعرش ثم الكرسي وفي كل سماء، منزلا ومقاما، وذلك لما مر بيانه.

23 / 9 - وقد ورد في الحديث: ان الامر الإلهي يبقى في الجو بعد مفارقته سماء الدنيا ثلاث سنين حتى يصل الى الأرض ويتصل بالمحل المختص به. وهذا من المكاشفات المجربة والمتفق عليها.

24 / 9 - وسرعة ظهور حكم الرؤيا وما عبرت به دليل على ضعف نفس الرائي وان صفت فإنها لم تفق على الترقي والعروج لتدرك صور الأمور والكوائن المقدر وقوعها في العوالم العالية ، بل كان غاية عروجها حال اعراضها عن التعلقات البدنية والشواغل الكونية الجو الذي بين الأرض وبين الفلك الأول.
فأدركت بذلك القدر من الصفاء الذي استفاد به بعض الكوائن في أثناء الجو، فلم يتأخر ظهوره. وهذا حال اهل البداية من السالكين، وقد جربنا ذلك كثيرا في أصحابنا واصحاب غيرنا من الشيوخ، وكذلك في أنفسنا زمان البداية.

25 / 9 - ورأيت من الشيخ الامام العارف المحقق سعد الملة والدين محمد المؤيد الحموئى قدس الله نفسه الزكية انه كان يرى الكوائن في، عالم المثال المطلق ويعلم حالتئذ ان المرئي صورة معلومة ذلك الشيء المتعين في علم الحق ازلا مثلت له وانه لأبدي ، ظهور ذلك الشيء في الحس بصورة ما رآه هناك دون تغير ولا تبديل.

26 / 9 - ورأيت غير واحد من ممن له هذه الرؤية غير ان أكثرهم لم يكن له علم بان الذي رآه عبارة عن عين ثابتة من جملة المعلومات المتعينة في علم الحق ازلا وابدا على وتيرة واحدة مثلت له صورتها في عالم المثال المطلق وانه سيدخل هذا العالم الحسي بتلك الصورة .

27 / 9 - واما ما شاهدته وذقته وجربته من ذوق شيخنا رضى الله عنه وأرضاه فأعظم واعلى من ان يتسلق الفهوم اليه او يستشرف العقول عليه.
فإنه كان يستجلى المعلومات الإلهية في حضرة العلم ويخبر عن كيفية تبعية العلم للمعلوم وكون العلم لا اثر له في المعلوم، بل المعلوم يعين تعلق علم العالم به ويعطيه ذلك من ذاته.
فان كان علم العالم علما ذاتيا أزليا: كان العطاء من المعلوم عطاء ذاتيا أزليا، لان تعين المعلوم في العلم الإلهي الأزلي تعين أزلي ابدى على وتيرة واحدة وان كان علم العالم علما انفعاليا حادثا كان تعلقه بالمعلوم تعلقا حادثا انفعاليا مثله هذا.
مع تبعية العلم من حيث تعلقه للمعلوم لى كل حال، وكان يشهد الاستعدادات التي للناس جزئياتها وكلياتها ويشهد نتائجها وما يستمر كل استعداد منها الى منتهى امر كل انسان في مرتبة شقائه وسعادته، وكان إخباره عنه تابعا لنظرة مخصوصة ينظر بها الى الشخص.
اى شخص أراد الاستشراف على كنه حاله وما يستقبله الى حين مستقره في مآله في مرتبة نقصه او كماله ثم يخبر ولا يخطئ.

28 / 9 - شاهدت ذلك منه في غير واحد وفي غير قضية من الأمور الإلهية والكونية ، واطلعت بعد فضل الله وببركته على سر القدر ومحتد الحكم الإلهي على أشياء ، وبشرنى بالاصابة في الحكم بعد ذلك في ما احكم به بسبب هذا الاطلاع ونيل ما يتعلق الإرادة بوقوعه بموجب هذا الكشف الأعلى ، فلم ينخرم الامر على ولم ينفسخ.

والحمد لله المنعم المفضل.



كلمات و مصطلحات وردت في فص حكمة نورية في كلمة يوسفية :
01 - النور
النور في اللغة  : 1. الضوء . 2. من أسماء الله تعالى . 3. لقب لرسول الله محمد " .
وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (49) مرة على اختلاف مشتقاتها ، منها قوله تعالى : " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين" .
في الاصطلاح الصوفي

تقول الدكتورة سعاد الحكيم النور عند الشيخ ابن العربي :
" النور اسم من أسماء الله تعالى ، يجعله ابن العربي الطائي الحاتمي في رؤيته :
1 - مبدأ الخلق ، أو مبدأ ظهور التعينات .
2 - مبدأ الإدراك أو العقل الساري في الوجود .
وعلى هذا يكون الاسم النور المنبسط على جميع الموجودات ، أصل نور الوجود ونور الشهود . يقول ابن العربي الطائي الحاتمي :
1 - النور = مبدأ الخلق والظهور = نور الوجود
... والله تعالى أخرجنا من ظلمة العدم ، إلى نور الوجود ، فكنا نورا بإذن ربنا ، إلى صراط العزيز الحميد ، فنقلنا من النور ، إلى ظلمة الحيرة ... " .
... ولولا النور ما ظهر للممكنات عين ، قول رسول الله في دعائه : " اللهم اجعل في سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وفي شعري نورا .
حتى قال : " واجعلني نورا " ، وهو كذلك ( = نور ) .
وإنما طلب مشاهدة ذلك ( كونه نورا ) في الحس " .

2 - النور : مبدأ الإدراك = نور الشهود ، نور الإيمان
" ولكن باسم النور وقع الإدراك ، وامتد هذا الظل على أعيان الممكنات في صور الغيب المجهول ... " .
... من عرف نفسه عرف ربه ، فيعلم أنه الحق . فيخرج العارف المؤمن الحق بولايته ، التي أعطاه الله ، من ظلمة الغيب ، إلى نور الشهود . فيشهد ما كان غيبا له ، فيعطيه كونه مشهودا ... " .
" فلما رأى الرسل ذلك ، وأنه لا يؤمن إلا من أنار الله قلبه بنور الأيمان : ومتى لم ينظر الشخص بذلك النور ، المسمى إيمانا ، فلا ينفع في حقه الأمر المعجز ... " .

" حيث أن ابن العربي الطائي الحاتمي يجعل الاسم النور مبدأ الوجود والإدراك ، لذلك كل وجود أو خير فهو : نور ، لأصله الإلهي في مقابل العدم والشر ( ظلمة - اصل كوني )
يقول : " ... فالوجود : نور ، والعدم : ظلمة ، فالشر : عدم ، ونحن في الوجود : فنحن في الخير ، وإن مرضنا فآنا نصح ، فإن الأصل جابر ، وهو : النور . وهكذا صفة كل نور ، إنما جاء ليظهر ما طلع عليه ، فلا تدركه الأشياء إلا بك ( = الممكن = ظل وليس ظلمة " .

" الإنسان في فكر ابن العربي الطائي الحاتمي تمتع بمكانة خاصة ، فهو صورة للحضرتين : الإلهية والكونية .
لذلك جمع في ذاته صفة الحضرتين فهو : نور وظلمة ، أو هو : النور الممتزج .

... فأفاده التجلي علما . بما رآه ، لا علما بأنه هو الذي أعطاه الوجود . فلما أنصبغ بالنور ، التفت إلى اليسار . فرأى العدم ، فتحققه ، فإذا هو ينبعث منه ، كالظل المنبعث من الشخص ، إذا قابله النور . فقال : ما هذا ؟
فقال له : النور من الجانب الأيمن : هذا هو أنت ، فلو كنت أنت النور ، لما ظهر للظل عين . فأنا النور ، وأنا مذهبه ، ونورك الذي أنت عليه ، إنما هو من حيث ما يواجهني من ذاتك ، ذلك لتعلم أنك لست أنا .
فأنا : النور بلا ظل ، وأنت النور الممتزج لإمكانك . فإن نسبت إلي ، قبلتك .
وإن نسبت إلى العدم ، قبلك ، فأنت : بين الوجود والعدم  " .

استفاد ابن العربي الطائي الحاتمي من اسم ( النور ) وأهميته .
صورتان تخدمان فكرته في الوجود الواحد .
فالوجود الحقيقي واحد يتكثر في صور الممكنات كما أن النور واحد يتكثر في الظلال ، والنور لا لون له يتكثر بالزجاج الملون .
يقول :

1 - صورة النور والظلال :
... فما اندرج نور في نور ، وإنما هو نور واحد ، في عين صورة خلق ، فانظر ما أعجب هذا الاسم ( النور ) . فالخلق ظلمة ، ولا يقف للنور ، فإنه ينفرها ، والظلمة لا ترى النور ، وما ثم نور ، إلا نور الحق ... " .
" وكذلك أعيان الممكنات ، ليست نيرة , لأنها معدومة ، وإن اتصفت بالثبوت
( = ظل ) ، لكن لم تتصف بالوجود ، إذ الوجود نور ... فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور " .

2 - صورة النور والزجاج
" فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير ، وصافي واصفى ، كالنور بالنسبة إلى حجابه عن الناظر في الزجاج ، يتلون بتلونه ، وفي نفس الأمر لا لون له " .
" يستعمل ابن العربي الطائي الحاتمي لفظ ( نور ) ، يجمعها أنوار في سياق معرفي انسجاما مع اعتباره الاسم ( النور ) : مبدأ الإدراك ، فتكون ( الأنوار ) هنا بمعنى : ( الحقائق ) .
يقول : " اعلم أن التجلي عند القوم : ما ينكشف للقلوب ، من أنوار الغيوب . وهو على مقامات مختلفة ، فمنها : ما يتعلق بأنوار المعاني المجردة عن المواد ، من المعارف والأسرار . ومنها : ما يتعلق بأنوار الأنوار ، ومنها : ما يتعلق بأنوار الأرواح ، وهم الملائكة . ومنها : ما يتعلق بأنوار الأسماء ، ومنها : ما يتعلق بأنوار المولدات ، والأمهات ، والعلل ، والأسباب على مراتبها ، فكل نور من هذه الأنوار ، إذا طلع من أفق ، ووافق عين
البصيرة ، سالما من العمى ، والغش ، والصدع ، والرمد ، وآفات الأعين ، كشف بكل
نور ، ما انبسط عليه .. " .
" ( النور ) مبدأ الخلق والإدراك ، هو في الأمر نفسه : يفني ، ولا إدراك فيه ، بل يدرك الإنسان في الضياء .

1 - النور مبدأ الخلق : يفني :
" إذا بدت سبحات الوجه فاستتر فالنور يذهب بالأعيان والأثر
وانظر إلى من وراء النور مستترا ترى الضيا فامعن فيه بالبصر
وقل لقلبك امسك عنه شاهده فعند ردك تلقى لذة النظر " .

2 - النور مبدأ الإدراك : لا ترى فيه غيره :
" فقال ( الحق ) لي ( العبد ) : رأيت ما اشد ظلام هذا النور ، اخرج يدك فلن تراها ، فأخرجت يدي فما رأيتها . فقال لي : هذا نوري لا ترى فيه غير نفسه " .
عودنا الشيخ الأكبر لغة تجربة صوفية تقرب من حدود النظريات ، لذلك عندما يكشف لنا عن وجه تجربته الصوفية الخاصة نتلمس فيه نبضا ، سبق أن أحسسناه عند النفري ، وابن الفارض .. لغة وجدان من داخل التجربة ، حيث لا نرى إلا عابدا ومعبودا ، عاشقا ومعشوقا . ولا وجود للقارئ ، وهو الذي لا يغيب تقريبا في كتب الشيخ الأكبر .

والنص الذي سنورده فيما يلي يجمع :
لغة النفري في ( مواقفه ) من ناحية . وتدرج الكلام وصولا إلى لسان الحقيقة المحمدية الذي نجده في ( تائية ) ابن الفارض من ناحية ثانية .
المخاطب في هذا النص يتلون متدرجا مع خطاب الحق .
يتكشف بعد كل مقطع خطاب ، وجه له ( للمخاطب - العارف ) ونسبة .
فكأن خطاب الحق هو لوجوه ونسب هذا العبد العارف ، الذي نلاحظ من حركة التدرج الصاعدة الجامعة أنه : محمدي المقام .
وهذا يذكرنا بابن الفارض في تائيته حيث يتكلم أحيانا بلسان الحضرة
المحمدية .

ونستدل على تلون المخاطب من قوله في بدء النص : ( الآن أنت أنت ) .
ولم ننقل النص ، لا لإبراز عميق تجربة الشيخ الأكبر الصوفية ، وامتلاكه اللغة امتلاكا استطاع معه أن يعبر بمفردي : النور والظلمة ، عن ( المقام المحمدي ) الجامع للمقامات ( = الملاحظ أنها تبدأ عند كل ( ثم ) من النص ) .
يقول : ... ثم قال لي : الآن أنت ، أنت ، ثم قال لي : ترى ما أحسن هذه الظلمة . وما أشد ضؤها ، وما أسطع نورها .
هذه الظلمة مطلع الأنوار ، ومنبع عيون الأسرار ، وعنصر المواد .
من هذه الظلمة أوجدك واليها أردك ولست أخرجك منها .
ثم فتح لي قدر سم الخياط فخرجت عليه فرأيت بهاء ونورا ساطعا ،

فقال لي : رأيت ما اشد ظلام هذا النور اخرج يدك فلن تراها فأخرجت يدي فما رأيتها ، فقال لي : هذا نوري لا ترى فيه غير نفسه .
ثم قال : ارجع إلى ظلمتك فإنك مبعود عن أبناء جنسك .
ثم قال لي : ليس في ظلمة غيرك ولا أوجدت فيها سواك . منها أخذتك ...

ثم قال لي : كل موجود دونك خلقته من نور ( = من وجود ) ، إلا أنت فانك مخلوق من الظلمة ( = عدم ) " .
يلاحظ في جملة الخطاب الأخير : ( ثم قال لي : كل موجود دونك ... من الظلمة ) أن المخاطب هنا وصل إلى الاتحاد . بمقامه المحمدي ، فكان هو المخاطب فيه , لأن النص لا يستقيم إلا نسبته إلى الحقيقة المحمدية . فهي وحدها مخلوقة من عدم ( ظلمة ) ، وكل ما دونها مخلوق من وجود ( نور ) ، وفي ذلك إشارة إلى الحديث : " أول ما خلق الله نوري ومن نوري خلق كل شيء "

يقول الشيخ أحمد بن عجيبة أهل التنوير : هم أهل الحكمة ، العارفون بالله " .
يقول الإمام القشيري  سمي نورا عز وجل : لأن منه النور . والعرب تسمي من منه الشيء باسم ذلك الشيء ، فإذا كان بمعنى المنور فهو منور الآفاق بالنجوم والأنوار ، ومنور الأبدان بآثار العبادات ، ومنور القلوب بالدلائل والحجج " .

يقول الإمام الغزالي النور عز وجل : هو الظاهر الذي به كل ظهور ، فإن الظاهر بنفسه المظهر لغيره يسمى نورا .
ومهما قوبل الوجود بالعدم ، كان الظهور لا محالة لوجود ، ولا ظلام أظلم من
العدم .
فالبريء عن ظلمة العدم ، بل عن إمكان العدم ، والمخرج كل الأشياء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود - جدير بأن يسمى : نورا " .

يقول الشيخ أحمد الرفاعي الكبير النور عز وجل : هو الظاهر الذي به كل ظهور " .

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى النور : هو الله تعالى ، ونور الرسول من نور العزة ، ونور الأولياء والمؤمنين من نور الرسول ، فلا نور إلا نوره  .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني : النور عز وجل هو اسم من أسماء الله تعالى ، وهو تجليه باسمه الظاهر . أعني الوجود الظاهر في صور الأكوان كلها ، وقد يطلق على كل ما يكشف المستور من العلوم الدينية والواردات الإلهية التي تطرد الكون عن القلب " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي النور : هو محل صلاة الرب عليه " .

يقول الشيخ كمال الدين القاشاني نور محمد : هو أحد وجوه الروح الأعظم " .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي النور : فإن الله تعالى سماه به في قوله : " قد جاءكم من الله نور "  .

يقول الشيخ أحمد الرفاعي الكبير النور : هو الشيء الخارج عن الموجودات ، به ظهرت للعيان ، وهو غير حال فيها ، ولا ناء عنها ، مشرق عليها  .

يقول الشيخ شهاب الدين السهروردي النور : هو الظاهر في حقيقة نفسه ، المظهر لغيره بذاته ، وهو أظهر في نفسه من كل ما يكون الظهور زائدا على حقيقته " .

و يقول : " النور : هو حقائق ما يستفاد من معاني الأسماء والصفات ، جند القلب ، الذي يقابل النفس والهوى والشيطان " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي " النور : هو الظاهر في نفسه والمظهر لغيره ، والظاهر في نفسه لا يعرف له بصفة ولا بعلامة ، ولا يحتاج أن يوصف له بنعت أو بوقت " .

وأضاف الشيخ قائلا : " اعلم أن الشيء الظاهر في نفسه لا يتجزأ ولا يتبعض , لأن تبعض الشيء وتجزئه إنما يكون بتفاوت في نفسه ، وكذلك لا يتقدر , لأن نسبته في الجزء نسبته في الكل ، كأجسام الأنوار ، فعلى هذا يكون النور الحقيقي ، صورة للروحية ، والروح صورة للنورية " .
ويقول : " النور : هو كل وارد إلهي يطرد الكون عن القلب " .

يقول الشيخ عبد الحق بن سبعين النور : هو جوهر بسيط مرئي بذاته " .
ويقول : " النور : كثير المفهوم وعزيز المعلوم ، وجليل القدر في القلب ... وهو الذي إذا ظهر ظهر بنفسه وظهر به ما سواه محسوسا ومعقولا ، وهو الشاهد لنفسه ، المتفق من جميع جهاته ، الذي تدركه الحواس الخمس ويتطرق إليه الوهم ، ويدل عليه الدليل ، ويعلم ببديهة العقل . وهو طبيعة الأرواح ، بل هو الوجود على الحقيقة ، وهو الكاشف الظاهر ، ولذلك يجوز أن يقال في القرآن نور ، فإنه يكشف وبه تبصر طرق السعادة ، والنبي نور ، والعقل نور ، والعلم نور ، والشيخ نور ... وما أشبه ذلك ...

والصوفية تطلقه على الأحوال الكاشفة تارة .
وعلى الأرواح أخرى .
وعلى المواهب ثالثة .
وعلى المشاهد رابعة .
وعلى الاستغاثة خامسة ...
وعلى ما يخص السر ، وعلى الظفر بالعلم اللدني ، وعلى الوجودء وعلى الجمال المطلق ، وعلى التوحيد الخالص ... والمحقق يجعله الإحاطة وفص التطور ، والقضية الجازمة ، والتقديس البسيط ، والعين الجامعة المانعة ، والعموم الواحد ، والامتداد القصير ، والوجود الغائب الحاضر ، والمعنى الذي لا يخبر عنه ، وإن أخبر عنه وقع في غيره أو فيه بالوهم من حيث أن له ذلك كله من غير قصد للمخبر".

يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري "الأنوار : هي مطايا القلوب والأسرار " .
يقول الشيخ كمال الدين القاشاني " النور : هو الظاهر الذي يظهر به كل شيء كونا وعلما ، فهو نور للعالمين يهتدى به " .
يقول الشريف الجرجاني " النور : كيفية يدركها الباصرة أولا وبواسطتها سائر المبصرات " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي عن " النور المجعول : هو العلم بتوحيد الله " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي " نور المحبة : هو الخرج من باب التنزيه والقبول ، وهو نور استولى على كل علة ومعلول ، بحرق كل ما انتهى إليه بناره . وهو على الدوام منظور الله ومقبول " .

يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي " النور : هو الكتاب المسطور يضل من يشاء ويهدي من يشاء " .
ويقول " الأنوار عند الشيخ ابن العربي : هي الصفات والأسماء الإلهية التي لا ظهور لها الا بوجود الخلق " .
ويقول : " لأنه يستحيل ظهور أثر الرازق ولا مرزوق ، والخالق ولا مخلوق ، والقادر ولا مقدور عليه ، إلى غير هذه المعاني مما هو لمقتضى الأسماء والصفات " .

يقول الشيخ أحمد زروق " الأنوار : هي الظلال الواقعة في الصدر من المعاني التي أتت بها الواردات ، وهي مطايا القلوب ، بإيضاح الفهم إلى حضرة علام الغيوب " .
ويقول " الأنوار : وهو الظل الواقع في الصدر من معاني الأسماء والصفات " .
ويقول " النور : نكتة تقع في قلب العبد من معنى اسم أو صفة ، يسري معناها في كليته ، حتى يبصر الحق والباطل إبصارا لا يمكنه التخلف معه عن موجبه " .

يقول الشيخ عبد الغني النابلسي " الأنوار : كناية عن العلم النافع , لأنه يكشف عن غيوب الأسرار الإلهية " .
يقول الشيخ أحمد بن عجيبة " النور : هو عبارة عن اليقين الذي يحصل في القلب ، ويثمر حلاوة العمل " .
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في أقسام الأنوار:

" الأنوار على قسمين :
أنوار أصلية ، وأنوار متولدة عن ظلمة الكون .
كنور قوله تعالى : " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون " " .
ويقول : " الأنوار على قسمين : نور ما له شعاع ونور شعشعاني .
فالنور الشعشعاني إن وقع فيه التجلي ذهب بالأبصار ، وهو الذي أشار إليه رسول
الله ... " نور أنى أراه " .
يقول نور كيف أراه يريد : النور الشعشعاني ...

وأما النور الذي لا شعاع له ، فهو النور الذي يكون فيه التجلي ، ولا شعاع له ،
ولا يتعدى ضوؤه نفسه ، ويدركه المبصر غاية الجلاء والوضوح بلا شك ... يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر " " .

ويقول الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي الأنوار على قسمين :
أنوار أصلية وأنوار مولدة عن ظلمة الكون .
كنور قوله تعالى : " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون " ... فإذا غشي الليل النهار فالمتولد منه هو النور المطلوب ، وهذا النور المولد الذي شرعنا فيه : هو نور العصمة للنبي والحفظ للولي ، وهو يعطي الحياء والكشف ، ويكشف به ، والنور الأصلي يكشف به ولا يكشف ,

لأنه يغلب على الأبصار فتزول الفائدة التي جالها النور ، ولهذا تلجأ نفوس العارفين بالأنوار ومراتبها إلى النور المولد من الظلمة للمناسبة التي بيننا وبينه من خلق أرواحنا " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في درجات الأنوار:
" الأنوار وإن اجتمعت في الإضاءة والتنفير ، فإن لها درجات في الفضيلة ، كما أن لها أعيانا محسوسة ، كنور الشمس والقمر والنجم والسراج والنار والبرق ، وكل نور محسوس أو منور ... كما أيضا يتفاضلون في الإحراق ، فإن الإضاءة محرقة مذهبة على قدر قوة النور وضعفه ، وقد ورد حديث السبحات المحرقة والسبحات الأنوار الوجهية " .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي في توجه الاسم النور:
" الاسم النور ، وتوجه هذا الاسم الإلهي : على إيجاد السماء الرابعة ، وهي قلب العالم وقلب السموات " .


02 -  الظل
في اللغة " ظل : 1. ضوء الشمس إذا استترت عنك بحاجز . 2. حماية  .

وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم (22) مرة بمشتقاتها المختلفة ، منها قوله تعالى : "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا".

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : " ما مدت الظلال للاستظلال وإنما مدت لتكون سلما إلى معرفة الله معك فأنت الظل وسيقبضك إليه ".

في الاصطلاح الصوفي
الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي
يقول : " قال بعضهم : الظل : هو حجاب بينك وبين الله  .
الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
يقول : " الظل : هو وجود الراحة خلف حجاب الضياء  .

الشيخ كمال الدين القاشاني
يقول : " الظل : يعنون به الصوفية وجود الراحة خلف الحجاب . ويشيرون به أيضا إلى كل ما سوى الله ـ عز وجل ـ من أعيان الكائنات .

يقول الشريف الجرجاني " الظل : عند الشيخ كمال الدين القاشاني هو الوجود الإضافي الظاهر بتعينات الأعيان الممكنة وأحكامها التي هي معدومات ظهرت باسمه النور الذي هو الوجود الخارجي المنسوب إليها فيستر ظلمة عدميتها النور الظاهر بصورها صار ظلا لظهور الظل بالنور وعدميته في نفسه ، قال الله تعالى : "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل " أي : بسط الوجود الإضافي على الممكنات  .

يقول الشيخ عبد الغني النابلسي " الظل : هو عالم الروح الجزئي  .
ويقول : " الظل : أثر الإرادة والمشيئة من قوله تعالى : "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل "  .
ويقول " الظلال عند الشيخ ابن الفارض : كناية عن هذه العوالم العلوية والسفلية ، الحسية والعقلية من جميع الأشياء فإنها بمنزلة الظلال عن المعلومات الربانية والمرادات الإلهية  .
ويقول : " الظلال : كناية عن الأحوال التي تغلب على القلب من شدة ظهور الحق في تجليه عليه "  .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم ( الظل ) في فكر الشيخ ابن العربي :
استعان ابن العربي الطائي الحاتمي بصورة الشيء والنور وظله أو ظلاله ، المثلثة العناصر ليفسر :
1. الخلق والتكثر
2. نمطية العلاقة بين الحق والخلق
3. أحدية الفعل .

فالظل لا يتمتع بمضمون ذاتي عند شيخنا الأكبر ، وما هو إلا صورة استعارها ليقرب إلى الأذهان فكرته في الوجود الواحد المتكثر في المظاهر . وقد استطاعت هذه الصورة التمثيلية أن تتكيف مع نظريته فطبقها في الكليات ، وطوعها في الجزئيات . فلنر إلى أي مدى وفق في استعارته هذه .

" الخلق والتكثر الوجود واحد يتكثر في الصور التي يعبر عنها الشيخ ابن العربي بالمظاهر أو المجالي أو الظلال .
فالظل هو شكل الشيء عند مقابلته النور . فلذلك الظل وإن كان على الصورة فنسبته إلى الأصل نسبة بعيدة ، نسبة ما بين الشخص وظله .
فالظل تدن في المرتبة الوجودية ، وإشارة إلى المرتبة الأدنى دائما ، جسم الشخص مثلا ظل حقيقته وهكذا ...
يقول :" ظل الأشخاص أشكالها فهي أمثالها وهي ساجدة بسجود أشخاصها ، ولولا النور الذي هو بأزاء الأشخاص ما ظهر الظلال.

" الظل : نمطية علاقة الحق والخلق
يتصور الشيخ ابن العربي العلاقة بين الحق والخلق كالعلاقة بين الصورة والأصل ، فالصورة لا وجود لها في عينها وإنما تكتسب وجودها بوجود الأصل ، وهي وإن كانت غير الأصل إلا أنها موصلة إليه بشكل من الأشكال ، ودالة عليه .

يقول : " إنما جعل النهار ظلا لليل ، لأن الليل هو الأصل ، وكذلك الجسم هو الأصل ، فإنه بعد التسوية انسلخ منه النهار عند التفتح فكان مدرجا فيه من أجل الحجاب ، فلما أحس بالنفخة الإلهية سارع إليها فظهر ما كان مسلوخا منه ...  .

" الظلال لا تؤثر في أحدية الفعل.

يوحد الشيخ ابن العربي الفعل في الكون بأجمعه وينسبه إلى الحق فقط ، فهو الفاعل تعالى في كل فعل .
وليس أكمل من استعارة الظلال في التعبير عن تبعية ظل الصورة لفعل الأصل . فالحركة المرئية في الظل هي في الحقيقة للأصل .
لذلك كل فعل في الكون تنطبق عليه الآية التي تنفي وتثبت ..." وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى" فنفى وأثبت وأكد نسبته إلى الحق .

يقول الشيخ : "ظلك على صورتك وأنت على الصورة ، فأنت ظل ، قام الدليل على أن التحريك للحق لا لك ، كذلك التحريك لك لا للظل .

تقول الدكتورة سعاد الحكيم " ظل الله عند ابن العربي: هو كل مظهر أو صورة للحق تعالى ، وهو يعني هنا : العالم أو ما يسميه ( سوى الحق )  .
" ظل الله عند ابن العربي: هي المظاهر للحق تعالى من حيث جمعية الأسماء وليس من حيث الذات الإلهية  .
" ظل الله : هو الظاهر بصفة من صفاته أو أسمائه تعالى ، على الإستخلاف ، فالخليفة إذا هو ظل الله  ." ظل الله : هو الإنسان الكامل  .

يقول الشيخ الأكبر ابن العربي ظل الوجود المطلق من الاسم النور : هو الحضرة البرزخية  .

ويقول الشيخ عبد القادر الجزائري "للحق تعالى ثلاثة ظلال :
الظل الأول : هو الوجود الإضافي المسمى بنفس الرحمن ، والتعين الأول ، والوحدة المطلقة ، والحقيقة المحمدية ، وهو ظل مجمل غير مفصل .
والظل الثاني : هو المسمى بالتعين الثاني ، وبمرتبة الواحدية ، والإنسان الكامل ، وهذا الظل مفصل تفصيلا معنويا علميا .
والظل الثالث : هو العالم كله ملكه وملكوته ، المسمى بالصور الخارجية والأعيان المفصلة وبالوجود الخارجي . فهي ثلاثة ظلال في مقام الفرق ، وظل واحد في مقام الجمع ، بل ولا ظل أصلا بالنسبة إلى الوجود ...

فالظل الأول ظل الذات .
والظل الثاني : ظل الأسماء والصفات ، باعتبار الذات .
والظل الثالث : ظل الصفات والأسماء لا باعتبار الذات  .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment