Saturday, July 6, 2019

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة العاشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

10 - The Wisdom Of Unity In The Word Of HUD

الفقرة العاشرة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
قال رضي الله عنه : ( فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير. فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق: فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول. واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها. ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. )
قال رضي الله عنه : (فلما حرم) سبحانه (الفواحش أي منع أن تعرف) لغيره من بقية مظاهره (حقيقة ما ذكرناه) من أحوال قوم هود عليه السلام.
لأن سر الله تعالی بينه وبينهم لم يطلع عليه أحد ولا الريح التي دمرتهم، فإنها فعلت ما فعلته بأمر ربها ولم تدر ما فعلته.
كالتسعة عشر زبانية النار يفعلون ما يفعلون مع أهل النار من أنواع العذاب، ولا يطلعهم الله تعالى على الأسرار التي بينه وبين المعذبين من المخلدين في النار.
لأن تلك الأسرار أمور ذوقية وجدانية لا يعرفها إلا صاحبها، وكم في طي النقمة من نعمة.
فلما حفظوا الله و وقوه بنفوسهم في الدنيا من نسبة الظلم إليه وقبائح الفواحش مع أن الكل خلقه وإيجاده، حفظ أذواقهم ووقاها سبحانه في الآخرة من الألم والوجع الذي هو مقتضى العذاب، فكان وقايتهم له بظواهرهم في الدنيا عین وقايته الهم بظواهرهم في الآخرة، فكفروه في الدنيا أي ستروه غيرة عليه، فسترهم في الآخرة غيرة عليهم.
قال رضي الله عنه : (وهي)، أي حقيقة ما ذكر (أنه)، أي الحق تعالی (عين الأشياء) من حيث إنها كلها مراتب ظهوراته وهو حقيقة الظاهر بها كلها .
قال رضي الله عنه : (فسترها)، أي الأشياء من حيث هي عنه (بالغيرة) التي هي صفته سبحانه (وهو) أي ذلك الساتر الذي هو الغيرة (أنت) يا أيها الإنسان لأن الغيرة مشتقة (من الغير) ولا غير في نفس الأمر من قامت به صفة الغيرة وهو الحق تعالى، فالغير صفة من صفاته سبحانه، فهو العين وهو الغير
فالغير يقول من حيث مقتضى ما اتصف به من صفة الغيرية (السمع سمع زيد)، لأن الغيرية التي هي صفته أعطته أن يقول كذلك، فلم يخرج عن صفته فصدق على حسب مقتضاها.
قال رضي الله عنه : (والعارف يقول) بمقتضى ما اتصف به من صفة العينية (السمع)، أي سمع زيد (عین الحق) تعالی، لأن العينية التي هي صفة أعطته أن يقول ذلك، فلم يخرج عن صفته، فصدق وتلاه شاهد منه على لسانه في مظهر خصوص النبوة المحمدية ، فقال: «كنت سمعه الذي يسمع به» الحديث .
قال رضي الله عنه : (وهكذا) الكلام في جميع (ما بقي من القوى والأعضاء فما كل أحد) من الناس (عرف الحق) تعالى بهذه المعرفة العينية، لأنه ليس كل أحد متصف بصفة العينية الإلهية، بل بعضهم متصف بصفة العينية الإلهية، وبعضهم متصف بصفة الغيرية الإلهية، وكلا الصفتين والموصوف واحد وهو الحق تعالی.
 فظهر بهذه في قوم و ظهر بهذه في قوم في كل زمان ومكان على مراتب ودرجات كثيرة إلى أن يرجع إليه الأمر كله (فتفاضل الناس) في العلم بالحق تعالى (وتميزت المراتب) التي هم موصوفون بها بالعلم الإلهي (فبان الفاضل) منهم (والمفضول).
قال المصنف رضي الله عنه (واعلم) يا أيها السالك (أنه)، أي الشأن (لما أطلعني)، أي كشف لي الحق تعالى (وأشهدني) في المنام الذي هو وحي المؤمنین كما كان فيه يوحي للأنبياء والمرسلين، أو في عالم السير إلى الله في الله بالله، الذي يأخذ عن الحس والعقل، ويرفع حجاب المحسوسات والمعقولات .
قال رضي الله عنه : (أعيان رسله)، أي رسل الله تعالى (وأنبيائه کلهم البشريين)، أي المنسوبين إلى البشر (من آدم إلى محمد )، أي على محمد صلى الله عليه وسلم (وعليهم)، أي على بقية الأنبياء والمرسلين (أجمعين في مشهد) ذوقي .
(أقمت)، أي أقامني الحق تعالی (فیه)، أي في ذلك المشهد (بقرطبة) من جملة جزيرة الأندلس من بلاد المغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة) من الهجرة النبوية (ما كلمني أحد) في ذلك المشهد (من تلك الطائفة)، أي الرسل والأنبياء عليهم السلام .
قال رضي الله عنه : (إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم)، أي الرسل والأنبياء عليهم السلام، أي اجتماعهم لي في مشهدي ذلك حتى رأيتهم أي ذكر له استعداده الذي به استحق اجتماعه بهم في حضرة سلوكه.
قال رضي الله عنه : (ورأيته)، أي هود عليه السلام (رجلا ضخما)، أي كبير الجثة (في الرجال) قد زاده الله تعالى بسطة في العلم والجسم (حسن الصورة) الإنسانية الظاهرة (لطيف المحاورة)، أي الكلام وهو حسن الصورة الباطنة (عارفا بالأمور) الإلهية (كاشفا لها)، أي مبينة بذوقه وكلامه .
قال رضي الله عنه : (ودليلي على كشفه) عليه السلام (لها)، أي للأمور الإلهية (قوله) فيما حكاه الله تعالی عنه في القرآن ("ما من دابة إلا هو ابند بنایا إن ربي على صراط مستقيم") [هود: 56]، وقد سبق الكلام في ذلك .
(وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ) البشارة التي هي أخذ الحق تعالی بناصية كل دابة وقودها إليه سبحانه على الصراط المستقيم .
فالاعوجاج الذي في أعمال بعض الدواب، الذين هم شر الدواب كما قال تعالى: " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون" [الأنفال: 22] أمر عرضي ليس من أصل خلقتهم .
كما قال تعالى: "فطرت الله التي فطر الناس عليها" [الروم: 30] فالغضب الذي منه تعالى في مقابلة ذلك أمر عارضي على الرحمة الأصلية التي وسعت كل شيء، فلا بد أن يتكافأ الأمران وتتقابل الحضرتان ظاهرة، أو يرجع كل شيء إلى أصله باطنا كما سبق تقريره.
قال رضي الله عنه : ( من امتنان الله تعالى علينا) معشر هذه الأمة (أن أوصل إلينا) سبحانه (هذه المقالة) التي قالها هود عليه السلام من هذه الآية (عنه) عليه السلام (في القرآن) المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم .
قال رضي الله عنه : (ثم تممها)، أي تمم هذه المقالة (الجامع للكل)، أي لمشارب كل الأنبياء والرسل وأتباعهم (محمد) نبينا (صلى الله عليه وسلم ) أجمعين وسلم (بما أخبر به) و في الحديث القدسي حديث المتقرب بالنوافل (عن الحق) تعالی.
(بأنه عين السمع) الذي يسمع به العبد (والبصر) الذي يبصر به واليد التي يبطش بها (والرجل) التي يسعى بها (واللسان) الذي ينطق به (أي هو)، أي الحق سبحانه (عين الحواس)، التي يحس بها العبد (والقوى الروحانية) كالفكر والخيال (أقرب) إليه تعالى (من الحواس) الجسمانية في أنه عينها إذ الروح من أمره تعالی بلا واسطة كما قال سبحانه: " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" [الإسراء: 85] الآية.
والقوى الجسمانية الحساسة عن أمره تعالى أيضا لكن بواسطة الروح تتعين في الجسم الحيواني قال رضي الله عنه : (فاكتفى) سبحانه في بيان قربه إلى العبد (بالأبعد) عنه (المحدود) بحدود الجسم، فإن السمع محدود بالأذن، والبصر بالعين، واليد والرجل واللسان محدودات بصورها الظاهرة (عن الأقرب) إليه سبحانه (المجهول الحد) وهو القوى الروحانية الباطنة ليكون مفهوما بالطريق الأولى .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
وأما بالنسبة إلى من لم يظهر له وليس بفحش، قال رضي الله عنه :  (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف) خطاب عام أي منع أن يعرف كل إنسان (حقيقة ما ذكرناه وهي عين الأشياء) أي حقيقة ما ذكرناه من كون الحق عين الأشياء كانت تلك الحقيقة ما بطن من الفواحش .
فإذا كانت تلك الحقيقة فاحشة باطنة (نسترها) أي ستر الحق تلك الحقيقة عن الغير لئلا يطلع عليها أحد إلا بالمجاهدات والرياضات بالسلوك بطريق التصفية .
فجواب لما قوله فسترها والفاء زائدة لتأكيد الستر هذا ما اختاره بعض الشارحين والأولى أن يجعل جواب لما محذوفة للعلم به باي لما حرم الفواحش كانت تلك الحقيقة فاحشة باطنها نقوله فسترها جواب الشرط محذوف (بالغيرة وهو) أي الغيرة (أنت) يخاطب كل عين مأخوذة (من الغير) وتذكير الضمير باعتبار الغير .
(فالغير) أي الذي لم يعلم أن الحق عين الأشياء (يقول السمع سمع زيد) لعدم ظهور هذا المعنى له (والعارف) أي الذي يعلم أن الحق عين الأشياء.
قال رضي الله عنه : (يقول السمع عن الحق وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء فما كل أحد عرف الحق تفاضل الناس) بعضهم على بعض في العلم بالله (وتميزت المراتب) أي مراتبهم (فبان) أي ظهر (الفاضل والمفضول) بين الخلائق.
قال رضي الله عنه : (واعلم أنه) أي الشأن (لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان) أي أرواح (رسله وأنبيائه كلهم البشريين) أي لا يكون فيهم رسل من غير البشر (من آدم إلى محمد صلى الله عليهم أجمعين) فكان آدم ومحمد عليهما السلام داخلان في شهوده (في مشهد) أي في مقام (أقمت) على المجهول (فيه) أي في ذلك المشهد (بقرطبة) هي مدينة في الغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة) .
قوله رضي الله عنه :: (ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود) عليه السلام جواب لما (فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ورأيته عليه السلام رجلا ضخما) في الجسامة في الرجال حسن الصورة لطيف المجاورة عارفة بالأمور كاشفة لها .
دليلي على كشفه لها قوله: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وأي بشارة للخلق أعظم من هذه البشارة فإن في هذه الآية دلالة على كمال غرب الحق من العبد وعلى كمال تصرفه الحق في العبد .
قال رضي الله عنه : (ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه) أي عن  هود عليه السلام (في القرآن ثم تممها) هذه المقالة في بيان معناه وتحقيقه (الجامع للكل) أي لكل المراتب وهو (محمد عليه السلام بما أخبر به عن الحق عز وجل بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان أي هو) أي الحق .
قال رضي الله عنه : (عين الحواس) الظاهرة (والحال) إن القوى الروحانية أقرب إلى الحق (من الحواس) أي من القرى الظاهرة (فاکتفی) رسول الله (بذكر الأبعد المحدود) أي معلوم الحد وهو الحواس .
(عن الأقرب المجهول الحد) وهي القوى الروحانية فإنه لما كان الحق عين ما هو أبعد منه فبالحربي أن يكون عين ما هو أقرب منه لذلك اكتفي رسول الله بذكره.
والمراد بكون الحق عين الأشياء وعين قوى العبد الحاده معها في بعض صفاته أو عبارة عن كمال القرب يدل عليه قوله الأقرب المجهول، وقد بينا كيفية اتحاد الحق مع الأشياء و عینیه في غير موضع .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
قال رضي الله عنه : " فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير. فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق: فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.  واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها. ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟  ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد."
ومن هنا إلى الأبيات الشعر التي أولها: فهو الكون كله، فهو مفهوم من لفظ الشيخ غیر محتاج إلى شرح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)


فلمّا حرّم الفواحش أي منع أن تعرب حقيقة ما ذكرناه ، وهي أنّه عين الأشياء - فسترها بالغيرة وهي أنت من الغير.
فالغير يقول : السمع سمع زيد ، والعارف يقول : السمع عين الحق ، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء ، فما كلّ أحد عرف الحق ، فتبيّن الفاضل والمفضول ، فتفاضل الناس ، وتميّزت المراتب " .
قال العبد : لمّا قرّر رضي الله عنه أنّ الحق هو الموجود المشهود : من الطريق ، والسالك ، والسلوك ، والغاية ، والعلم ، والعالم ، والمعلوم ، استثنى بأنّ الله حرّم ظهور هذه الأسرار ، فإنّ الفحش ظهور ما يجب ستره ، وهذا ما ظهر منها .
وأمّا فحش ما بطن منها فهو بالنسبة إلى من أظهره الله عليه ، فجرّ الله العيون أي أظهرها من باطن الأرض ، وفجّر الله ينابيع الحكمة من قلبه إلى لسانه ، والفجور هو الفحش الظاهر ، ممّا يجب ستره .
قال : ولمّا حرّمها أي جعلها حرما لا يطرقها إلَّا أهل الحمى،  لم يكن سترها إلَّا بالتعينات الكثيرة المختلفة التي أوجبتها أنت بأنانيّتك وإنيّتك.
فإنّ الأنانيّة والإنيّة والأينية والتحتية والفوقية عدّدت الهوية الأحدية إلى هويات لا تتناهى ، فسترتها بها ، فظهرت الغيرية .
لأنّ " أنا " غير « ك » ، و « أنت » و « أنت » غير « هو » وغير « ي » ، و " نحن" غير « كم » .
فكثرت الكنايات والعبارات عن عين واحدة ، فقيل :
عباراتنا شتّى وحسنك واحد  .... وكلّ إلى ذاك الجمال يشير
فمن كان تحقّقه في مقام شهود الغيرية تحقّقت الغيرية بالنسبة إليه على العين فستر الحقيقة .
فقال : السمع سمع زيد .
والعارف بالحقيقة يقول : السمع والبصر والقوى والجوارح من الكلّ عين الحقّ .
والكلّ في مقام قرب النوافل من كون الكلّ متنفّلا بوجوداتهم ومتقرّبا إلى الحق بمظهرياتهم وإنّيّات أعيانهم وهوياتهم ، فتميّزت المراتب والمنازل ، وتعيّنت المشارب والمناهل وتبيّن المفضول عن الفاضل .
 قال رضي الله عنه - :  " واعلم : أنّه لما أطلعني الله وأشهدني أعيان رسله وأنبيائه كلَّهم البشريّين من آدم إلى محمّد - صلوات الله عليهم أجمعين - في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ستّ وثمانين وخمسمائة ، ما كلَّمني أحد من تلك الطائفة إلَّا هود عليه السّلام ، فإنّه أخبرني بسبب جمعيتهم ، ورأيته رجلا ضخما في الرجال ، حسن الصورة ، لطيف المحاورة ، عارفا بالأمور ، كاشفا لها ، ودليلي على كشفه لها قوله " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
قال العبد : « قرطبة » مدينة من بلاد المغرب ، وكان الشيخ رضي الله عنه بها إذا أشهده الله هذا المشهد الشريف النزيه ، أشهده فيها أعيان الأنبياء والمرسلين كلَّهم أجمعين مجتمعين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأخبره هود عليه السّلام أنّ اجتماعهم لتهنئته - رضي الله عنه - بأنّه خاتم الأولياء ووارث ختمية خاتم الرسل والأنبياء ، وأنّه قطب الأقطاب .
وسبب اختصاص هود عليه السّلام بإخباره بسبب اجتماعهم هو صحّة مناسبة ذوقه ومشربه صلى الله عليه وسلم بمشرب ختم الولاية المحيطة بالأذواق والمشارب كلَّها من حيث جمعيته عليه السّلام وإحاطة مشربه في التوحيد وسعة مقام كشفه وشهوده عليه السّلام.
فإنّه أثبت بشهادة القرآن العظيم أنّ الحق عين كلّ دابّة على أرض الحقيقة ، فما خصّص شيئا عن شيء .
وعيّن أنّ الله بهويته الأحدية الجمعية آخذ بناصية كل متعيّن بها من الممكنات غير المتناهية التي تدبّ بالحق المتعيّن فيه على أرض الحقيقة التي عليها تدبّ وتسلك طريقة خاصّة بها إلى ربّها.
فإنّه هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، فعمّ شهوده عليه السّلام جميع ما ظهر وبطن ، فإنّه ما من ظاهر متعيّن إلَّا وهو يدبّ بالحق الآخذ بناصيته إليه ، وما من باطن من الحقائق الغيبية العينية إلَّا وهو يدبّ إلى كمال الظهور وتحقّقه بالنور ، والأوّل يدبّ إلى نهاية الآخرية اللامتناهية ، والآخر يدبّ بانعطافه على الأوّل .
وكونه ضخما صورة كماله وسعته في الشهود ، كمال قال الله تعالى حكاية عن أشموئيل عليه السّلام في حق طالوت وتزكيته عند من كان بصدد جرحه في الطعن فيه .
فقال : " إِنَّ الله اصْطَفاه ُ عَلَيْكُمْ وَزادَه ُ بَسْطَةً في الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ".
قال رضي الله عنه : « وأيّ بشارة أعظم للخلق من هذه ؟ »
يعني : من إخباره أنّه عين هويات الأشياء كلَّها .
قال رضي الله عنه: « ثمّ من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ، ثم تمّمها الجامع للكلّ محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم بما أخبر به عن الحقّ بأنّه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان ، أي هو عين الحواسّ . والقوى الروحانية أقرب من الحواسّ ".
يعني : في النظر العقلي
قال رضي الله عنه: « فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحدّ ".،



شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
 قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلما حرم الفواحش : أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه ، وهي أنه عين الأشياء فسرها بالغيرة ) أي ستر هذه الحقيقة بالتعينات المختلفة التي يطلق عليها اسم الغير ، فحدث السوي والغير حيث يقال أنت غيرى وأنا غيرك ، فاعتبرها وأوجب الغيرة من الغير .
فلهذا قال ( وهو أنت ) أي إلى الغيرة أنت ، يعنى أنا نيتك إذا اعتبرتها ، إذ لو لم تعتبرها ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر كنت من أهل الحمى فلا غيرة ثم فلا تحريم .
"" إضافة بالي زادة (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف ) خطاب عام ( أي منع ) أن يعرف كل إنسان ( حقيقة ما ذكرناه ) وهي أنه عين الأشياء فكانت تلك الحقيقة ما بطن من الفواحش ( فسترها ) أي ستر الحق تلك الحقيقة عن الغير لئلا يطلع عليها أحد إلا بالمجاهدات والرياضات بالسلوك بطريق التصفية ، وجواب لما محذوف : أي لما حرم الفواحش أي جنس الفواحش حرم أن تعرف ، فقوله : فسترها ، جواب شرط محذوف اهـ بالى . ""
لأنها (من الغير ، فالغير يقول السمع سمع زيد ، والعارف يقول السمع عين الحق ، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء فما كل أحد عرف الحق ، فتفاضل الناس وتميزت المراتب وبان الفاضل والمفضول ) بالمعرفة والجهالة .
(واعلم أنه لما أطلعنى الحق وأشهدنى أعيان رسله عليهم الصلاة والسلام وأنبيائه كلهم البشريين) .
قيد الأنبياء بالبشريين للتخصيص ، لأن كل ظاهر ينبئ عن باطن فهو نبي بالنسبة إلى ما أخبر عنه ، وذلك الباطن ولى بالنسبة إلى ذلك الظاهر في اصطلاح العرفاء.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، في مشهد أقمت فيه بقرطبة ) وهي مدينة بالمغرب كان مقيما بها.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( سنة ست وثمانين وخمسمائة ، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ) إنما أخبره هود دون غيره منهم لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام لمشرب الشيخ قدس سره في توحيد الكثرة وسعة مقام كشفه وشهود الحق في صورة أفعاله وآثاره ، وأما سبب اجتماعهم عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فقيل :
إنه تهنئته قدس سره بأنه خاتم الأولياء ووارث خاتم الرسل والأنبياء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ورأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها ، ودليلى على كشفه لها قوله تعالى : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ، ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ، ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان : أي هي عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس ، فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد )
يعنى أن القوى الروحانية أقرب إلى الله في الشرف والتجرد عن المادة ، والنورية والتنزه من الحواس ، إذ هي حالة في المحال الجسمانية مقدرة بمقاديرها محدودة بحدودها .
فاكتفى بها عن الأقرب المجهول الحد ، يعنى الروحانية ، فإنه تعالى إذا كان عين الأخس إلا بعد المحدود ، فبأن كان عين الأشرف الأقرب الغير المحدود ، أو المجهول في التحديد أولى .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
قال رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه وهي أنه عين الأشياء ، فسترها بالغيرة) . أي ، لما حرم الله الفواحش كما قال تعالى : " قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن " . تسترها بالغيرة . أي ، ستر تلك الحقيقة الإلهية التي ظهورها فحش .
( فسترها ) جواب ( لما ) . و ( الفاء ) زائدة . والضمير عائد إلى ( الحقيقة ) .
وفسر قوله تعالى بأنه منع أن يعرف كل أحد حقيقة ما ذكرناه ، من أن هلاكهم يوجب قربهم من ربهم لفنائهم فيه ، وأن الحق هو عين السالك وعين الطريق وعين غايتها ، إذ هو عين الأشياء كلها . وقوله ( هي ) راجع إلى ( الحقيقة ) ، والمراد بها الحق . أطلقها عليه لأنه حقيقة الحقائق كلها ( وهو أنت من الغير ) .
أي ، تلك الغيرة الساترة للحقيقة الإلهية ، هو أنت ، لأن ( الغيرة ) مأخوذة من ( الغير ) والغير
أنت من حيث تعينك . وإنما جاء بلفظ ضمير المذكر ، تغليبا للخبر .
 ( وهو أنت ) . وإنما لاحظ في الغيرة ( الغير ) ،
لأنها يستلزمه لفظا ومعنى : أما لفظا ، فظاهر . وأما معنى ، فلأنه لا يغار أحد على شئ إلا من الغير ، لا من نفسه .
ويمكن أن يكون ( أنت ) خطابا لكل جاهل بالحق ومظاهره .
لذلك قال رضي الله عنه :  ( فالغير يقول : السمع سمع زيد ، والعارف يقول : السمع عين الحق . وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء . فما كل أحد عرف الحق ، فتفاضل الناس وتميزت المراتب ) .
أي ، تفاضل الناس في العلم بالحق وتميزت مراتبهم . ( فبان الفاضل والمفضول ) . في الخلائق .
( واعلم ، أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله  عليهم السلام) أي ، أرواح رسله في عالم المثال المطلق .
( وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد ، صلوات الله عليهم أجمعين ) .
قال رضي الله عنه : إنما قيد ب‍ ( البشريين ) ليخرج أنبياء أنواع آخر من الموجودات . فإن لكل نوع من الأنواع عندهم نبيا هو واسطة بينهم وبين الحق .
كما نبه عليه سبحانه بقوله : " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " ( في مشهد ) ، أي ، في مقام ومرتبة حصل هذا الشهود فيه .
( أقمت فيه بقرطبة ) ، ( أقمت ) على البناء للمفعول . ( قرطبة ) ، مدينة من بلاد المغرب .
قال رضي الله عنه : ( سنة ست وثمانين وخمسمائة . ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود ، عليه السلام . فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ) .
قيل : كان سبب جمعيتهم إنزاله مقام القطبية ، ليكون قطب الأقطاب في زمانه .
وكلام هود ، عليه السلام ، بشارته أنه خاتم الولاية المحمدية ، ووارث الأنبياء والمرسلين ، كما ذكره من نفسه في موضع من فتوحاته تصريحا وتعريضا  
قال رضي الله عنه : (ورأيته رجلا ضخما في الرجال : حسن الصورة ، لطيف المحاورة ، عارفا بالأمور ، كاشفا لها . ودليل على كشفه لها ) أي ، ودليلي من قوله تعالى على ذلك .
(قوله : " ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم " . وأي بشارة
للخلق أعظم من هذه ؟ ثم ، من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه  في القرآن .
ثم ، تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم ، بما أخبر به عن الحق
بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان ، أي ، هو عين الحواس ، والقوى
الروحانية أقرب من الحواس . فاكتفى بذكر الأبعد المحدود عن الأقرب
المجهول الحد )
أي ، حده . وإنما كان القوى الروحانية أقرب إلى الله تعالى ، لأنها واسطة بين الحق والقوى الجسمانية ، والواسطة يكون أقرب ممن يتوسط له .
ولقربها من الحق ، كانت مجردة من الماديات الظلمانية ، ومنورة بأنوار عالم القدس ، مطهرة عن كدورات عالم الرجس . فإذا كان الحق عين الأبعد ، يكون عين الأقرب على الطريق الأولى .  

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)
قال رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير. فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:  فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول. )
قال رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش) الظاهرة حرم هذه الفواحش الباطنة، فالجزاء محذوف بقرينة تفسيره (أي منع أن تعرف) أحد من قاصري الأفهام (حقيقة ما ذكرنا، وهي) أي: وتلك الحقيقة أي: (عين الأشياء)، وأن الكل تجلياته لما في ذلك من الإيهام المذكور المؤدي إلى الخروج عن ربقة الإسلام بالكلية (فسترها) .
أي: تلك الحقيقة بالغيرة التي فيه كما ستر ألطافه عن المعذبين (بالغيرة) عليهم إذ لا تظهر الأسرار للأغيار.
قال رضي الله عنه : (وهو) أي: الساتر في الأصل بالغيرة (أنت)؛ لأن الأصل في الحق أن يظهر باللطف لسبق رحمته غضبه، فالموجب
لستر اللطف والأسرار إنما تشاء من النظر في العين (من) حيث هو (الغير) وكل شيء لا يخلو مما هو عين الحق، أي: عين إشراق نوره، ومما هو غيره.
(فالغير) منكر، (يقول: السمع سمع زيد) لا ترى الذي يرى الأعيان، (والعارف) منكر، وهو عين إشراق نور الحق عليك.
(يقول رضي الله عنه: السمع عين الحق) أي: من تجلياته، (وهكذا ما بقي من القوى) يختلف فيه الغير والعارف، (فما كل أحد) من وجوهك (عرف الحق) وإنما يعرفه ما أشرق عليك من نوره، إذ لا يحمل عطاياهم إلأ مطاياهم فالعارف يعرف اللطف، والقرب في الكل والغير يرى القهر والعذاب في البعض، وهذان الوجهان متفاوتان في كل أحد.
(فتفاضل الناس) في غلبة ظهور وجه الحق على ظهور وجه الخلق، وبالعكس في نظر العارف، وإن صار نظره أحدا إذ (تميزت المراتب) أي: مراتب الحق الواحد باعتبار ظهوره في كل واحد .
قال رضي الله عنه : (فبان) في نطق (الفاضل) الذي غلب فيه ظهور الحق، (والمفضول) الذي غلب فيه ظهور الخلق، وهكذا يتميز عنده الفحش من غيره، بأنه من تجلي الجلال.
وما ليس بفحش بأنه من تجلي الجمال، ويتأئی منه الإنكار بالحق على الحق باعتبار مراتب تجلياته، ولا يتصور من الكامل أن يظهر فيه الفحش؛ لأن مرآته مستوية صافية؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
قال رضي الله عنه : ( واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها. ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. )

ثم أشار إلى أن هود عليه السلام قد غلب فيه ظهور لاحق جدا فرآه أقرب من كل شيء حتى صارت حكمته أحدية، فقال: (واعلم أنه لما أطلعنى الحق) أي: أطلع روحي وقلبي بالبصيرة، وجواب الشرط «ما كلمني».
قال رضي الله عنه : (وأشهدني) أي: أشهد نفسي بطريق التمثيل في الحس المشترك عن الخيال .

""
 إضافة المحقق : إن الشهود يتضمن الاطلاع، لكن الاطلاع ينقسم إلى اطلاع متمكن وغير متمكن، فالشهود المكرر في قوله: (أشهدني) هو ذو التمكين، والشهود المألوف الدائم هو العاري عن التمكين، لا كل حي شاهد في الظاهر، فإذا كرر الحي الشاهد قوله: (أشهدني) عن الشهود المتمكن اليقيني، لكن لا يطلق الشهود والمتمكن إلا عند تمكين المعرفة فليس قوله له: (أشهدني) مثل قول القائل : «أوقفني» و«أطلعني» لأن الاطلاع يطلق على تحصر البصر في قريب والدليل على ذلك أن كلما بعد عن البصر، فإن البصر لا يحكم عليه بحصر أي: لا يحيط به.  ""

قال رضي الله عنه : (أعيان) أي: أرواح (رسله وأنبيائه) عبر عن أرواحهم بالأعيان؛ لأنها لكليتها كالحقائق الصادقة على كثيرين، وذكر الأنبياء بعد الرسل إشعار بأن الأولين لعظمة نورهم راهم قبل تمام الكشف.
فلما تم رأى الباقين (كلهم) بسطوع نور الكشف (البشريين) لكونهم أكمل من رسل الملائكة والجن على قول من يزعم أن فيهم رس منهم مع بعد المناسبة معهم، فلا يكون وارا لهم (من) لدن (آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين) .
احتراز بذلك عن علماء هذه الأمة الذين هم كأنبياء بني إسرائيل، وهم الأولياء الذين يشبه کشفهم کشف الأنبياء، فسماهم الشيخ أنبياء الأولياء مجازا (في مشهد) أي: عظیم واسع لظهور كلامهم.

قال رضي الله عنه : (أقمت فيه) أي: لم يكن ذلك عن كشف، وإخبار مني بـ (قرطبة) مدينة بالمغرب.
أشار بذلك إلى كونه بعد کمال إشراق نور شمس الأحدية عليه، فإن الشمس إنما تغرب إلى المغرب بعد كمال إشراقها (سنة ست وثمانين وخمسمائة) أشار بذلك إلى أن تصنيف الكتاب كان بعد ذلك بمدة مديدة ازددت فيها كل يوم كما"، فاجتمعت تلك الكمالات فيه.
قال رضي الله عنه : (ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلأ هود عليه السلام ) لمزيد مناسبته للشيخ :  (فإنه) الذي (أخبرني بسبب جمعيتهم)، ولعله بيان كونه وارثا لأسرار علومهم وأحواله (ورأيته رجلا ضخما) لعظم شأنه (في) العلم والأحوال من كمل (الرجال حسن الصورة) لكمال ظهور جمال الحق فيه.

قال رضي الله عنه : (لطيف المجاوبة) لكونه ناطقا بالحق عن الحق، (جازها بالأمور) الحقيقية في نفسه، (كاشفا لها) لقومه، ودليلي الذي استدل به (على) إثبات (كشفه لها قوله) فيما حكاه سبحانه عنه: ("ما من دابة") [هود: 56] أي: متحركة تخرج من القوة إلى الفعل.

 ("إلا هو آخذ") قابض ("بناصيتها") رفائقها ("إن ربي على صراط مستقيم") [هود:56]. فيوصلها إلى قربه في صفة الجلال أو الجمال كشف عنه لأمته ليشعرهم بأنه مع غاية قربه لا يتلذذون به لما حجتهم اعتقاداتهم الفاسدة وأعمالهم الباطلة.
قال رضي الله عنه : (وأي بشارة أعظم للخلق من هذه؟) بأنهم يصلون إلى ثمرات اعتقاداتهم وأعمالهم، (ثم) أي: بشارة أعظم (من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه).
أي: عن هود الله كامل المعرفة في القرآن الجامع لأسرار المعارف، (ثم تممها) أي: البشارة (الجامع للكل) أي: لمعارف كل نبي مع ما خص به (محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق) من قوله: «كنت سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه».
فبين غاية قربه (بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان أي: هو عين الحواس) بل عين الأعضاء مع عدم تجردها الموجب للبعد.
قال رضي الله عنه : (والقوى الروحانية) لتجردها (أقرب) إلى الحق (من الحواس) فضلا عن الأعضاء، (فاكتفي) في بيان غاية القرب بذكر بـ (الأبعد المحدود) مع أن الحق غير محدود في نفسه (عن الأقرب المجهول الحد).
لأنها وإن حدث بالتجرد فالتجرد عدمي، فلا يعرف به حدها فكأنه صلى الله عليه وسلم بين قربه من كل شيء بأنه عينه، ولم يوقفه على الوصول إلى غاية الصراط المستقيم كما فعله هود عليه السلام فكان قوله أتم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)

قال رضي الله عنه : ( فلما حرّم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه ) وتظهر في المدارك ، فإنّ الأعيان أنفسها ليست محرّمة ، بل ارتكابها بالجوارح وإظهارها في المشاعر.
( و ) تلك الحقيقة الممنوعة ( هي أنّه عين الأشياء ) مع ما فيها من التفاوت بالقرب إلى الذات والبعد عنه ( فسترها بالغيرة ) التي وصف الحقّ نفسه بها .
( وهو أنت ) ، فإنّه الساتر نفسه بالغيرة ، المشتقّة ( من الغير ) .
قال رضي الله عنه : ( فالغير ) بهذا المعنى ( يقول : " السمع سمع زيد " ) ساترا للحقّ بالغيرة .
قال رضي الله عنه : ( والعارف يقول : « السمع عين الحقّ » ) لعدم حكم الغيرة المشتقّة من الغيرة على العارف ، كما قال ابن الفارض  :
أغار عليها أن أهيم بحبّها    ..... وأعرف مقداري فأنكر غيرتي
قال رضي الله عنه : (وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء ، فما كلّ أحد عرف الحقّ ، فتفاضل الناس ، وتميّزت المراتب ، فبان الفاضل والمفضول ) .
رؤية الشيخ ابن العربي الأنبياء عليهم السّلام في مبشرته ومكالمته مع هود عليه السّلام  
وإذ قد تبيّن في هذا الفصّ من العلوم ما هو حظَّ أهل الخصوص من الكمّل الختمي ، استشعر سبب تلك الخصوصيّة وما هو المبدء لها قائلا : ( واعلم أنّه لما أطلعني الحقّ وأشهدني أعيان رسله عليهم السّلام وأنبيائه كلَّهم - البشريين - ) لأنّه رآهم في مبشرته .
قال رضي الله عنه : ( من آدم إلى محمّد عليهم السّلام أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة ) وهي مدينة بالمغرب "بالأندلس" كان ساكنا بها .
 ( سنة ستّ وثمانين وخمسمائة ، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلَّا هود عليه السّلام ) وذلك لعلوّ كشفه وشهوده الغائي ، وكمال اختصاصه بالقرب الذاتي وميله إلى طرف الولاية وختمها .
قال رضي الله عنه : ( فإنّه أخبرني ) بقوّة تلك الرقيقة الاختصاصيّة ( بسبب جمعيّتهم ) ، وهو احتظاؤه من الكمال الختمي وانتماؤه إلى حضرته الجمعيّة الشهوديّة الأكمليّة التي من آثارها تسطير هذا الكتاب وإبرازها للناقدين من اولي الألباب.
ولذلك من رؤية تلك المبشّرة إلى أوان تأليفه هذا تمام ميعاد الميقات ، وهو أربعين ( 333 ) وذلك لأنّ التثليث الذي هو صورة الجمعيّة الناتجة ، والازدواج الناكح الفاتح ، قد ظهر فيه بكماله وتثلَّث .
قال رضي الله عنه : ( ورأيته رجلا ضخما في الرجال ) لكمال سعته في العلوم ( حسن الصورة ) لقرب نسبته إلى أمر الصورة وتمام كشفها عليه - على ما يظهر من شهوده في الآية .
 ( لطيف المحاورة ) لظرافته وقرب ذوقه إلى ذوق ظرفاء الزمان كما عرفت ،(عارفا بالأمور) - أي حدود تفاصيل الأشياء وخصوصيّاتها - ( كاشفا لها).
قال رضي الله عنه : (ودليلي على كشفه لها قوله : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ") [ 11 / 56 ] .
حيث أسند أخذ نواصي الدوابّ أعني زمام أفعال ما يدبّ على عرض أرض الكثرة ، التي هي نهاية أمرها إلى هو ، وهو أوّل ما يطلع من كنه الكمون ومبدأ آثار الوحدة الإطلاقيّة الذاتيّة .

قال رضي الله عنه : ( وأيّ بشارة للخلق أعظم من هذه ) أنّه في أقاصي ما ينتهي إليه دركات بعده - وهو أفعاله - تراه قريبا إلى الحقّ ، صادرا منه من حيث الوحدة الذاتيّة والهويّة الإطلاقيّة التي لا مجال للبعد هناك أصلا .
قال رضي الله عنه : (ثمّ من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ) العربي المبين أمر الحقائق على ما هي عليه ، معربا عن كنهه ، مطابقا لما رآه في مشهده الذي أقيم فيه شاهدا على حقيّته .

مدارج النبي الخاتم صلَّى الله عليه وآله
وهاهنا نكتة حكميّة لا بدّ من ذوقها حتّى يتحقّق الأمر ، وهي أنّ الخاتم في إظهار ما عليه الأمر له ثلاثة مدارج بحسب ما قدّر لقدره الرفيع من المناصب :
الأوّل موطنه الختمي النبوي الأحدي الجمعي ، الذي من آثار كماله نزول الكلام القرآني العربي ، الجامع لأذواق الرسل والأنبياء أجمع ، ولما في موطنه من الإطلاق الأحدي الجمعي لا يضيق أمر نزوله ذلك عن توسّط الرسالة ، وتخلَّل ما فيها من الكثرة ، وهو المقام المحمّدي ( 92 ) والذي يلوّح ما فيه أولا مما يدلّ على الصبابة والمحبّة .
والثاني موطنه الولائي الخصوصي الأحدي الذي لا يسعه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ، ومن آثار كماله ظهور الكلام القدسيّ عنه بدون توسّط ولا تخلَّل ، وهو المقام الأحمدي ( 53 ) والذي يلوّح عليه ما نبّه أوّلا مما يدلّ على الستر والجنّة .
والثالث موطنه الرسالي الإبلاغي الآتي بما يكمل الخلائق كلَّها ، وهو المقام المحمودي ( 98 ) ومما يلوّح عليه ما فيه أوّلا من الصحّة النسبيّة التي هي مقتضى حكم التبليغ.
فلذلك لمّا بيّن الحكمة الأحديّة المذكورة بما في القرآن العربي على لسان هود - وهو الأوّل من أقسام الكلام - كمّلها بالثاني منها قائلا :

بيان الحكمة الأحدية في الكلام الختمي صلَّى الله عليه وآله
قال رضي الله عنه : (ثمّ تمّمها الجامع للكل محمد صلَّى الله عليه وسلَّم بما أخبر به عن الحقّ ) ووجه تتميمه صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك أنّه إنّما علم من الكشف الهودي أنّ أفعال الخلق التي هي أنزل المراتب وأبعدها - في قبضة إحاطة الحقّ ، آخذا بناصيتها ، ولا يخفى ما فيه بعد من اعتبار حكم النسبة القاضية بالتفرقة .
وأمّا عبارة الحديث القدسي الصادر منه صلَّى الله عليه وسلَّم فهي كاشفة عن تمام الوحدة الذاتيّة التي لا مجال للنسبة فيها أصلا ، فإنّه قد نصّ فيه ( بأنّه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان ، أي هو عين الحواسّ ) الجسمانيّة الظاهرة في الكون .
قال رضي الله عنه : ( والقوى الروحانيّة ) المتبطَّنة عن الكون كالحسّ المشترك والخيال والذكر والفكر ( أقرب ) إلى الوجود الحقّ ( من الحواس) .
قال رضي الله عنه : ( فاكتفى بالأبعد المحدود ) المعلوم حدوده وجدانا وذوقا (عن الأقرب المجهول الحدّ ،)


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.)

قال رضي الله عنه : (وفلما حرم الفواحش ما بطن فهو لمن ظهر له.  فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير. فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق: فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول. واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم )

 قال رضي الله عنه :  (فلما حرم) الله سبحانه (الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه وهي)، أي حقيقة ما ذكرناه (أنه)، أي الله سبحانه (عين الأشياء) من حيث الحقيقة (فسترها)، أي تلك الحقيقة الواجب سترها عن المحجوبين (بالغيرة)، أي بستر الغيرية.

 (وهو)، أي الغيرة والتذكير باعتبار الخبر (أنت)، أي أنانيتك إذا اعتبرتها ولاحظتها وأما إذا لم تعتبرهما ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر فلا غيرة ولا غيرية (من الغير).
أي الحكم بأنها أنت إنما هو باعتبار أنها مأخوذة من الغير فإنك من حيث أنانيتك مغاير له سبحانه (فالغير)، أي الذي هو غير الحق في نظره وكذلك الأشياء الأخرى مع مغايرة بعضها لبعض مغاير للوجود الحق (يقول السمع، سمع زید) مثلا.

 قال رضي الله عنه :  (والعارف) بالأمر على ما هو عليه (يقول السمع)، أي سمع زيد منا (عين الحق وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء)، فهو مضاف إلى زيد وأمثاله عند الغير الذي هو جاهل وعین الحق عند العارف (فما كل أحد عرف الحق) على ما هو عليه من أنه عين الأشياء.
قال رضي الله عنه :  (فتفاضل الناس) في هذه المعرفة (وتميزت المراتب)، أي مراتبهم فيها (فبان الفاضل) الذي له فضل على ما سواه تفضيلة المعرفة عن المفضول (و) بان (المفضول) لعدمها عن الفاضل.
(واعلم أنه لما أطلعني الحق) سبحانه (وأشهدني أعيان رسله) في البرزخ المثالي

قال رضي الله عنه : ( إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها. ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود )
قال رضي الله عنه :  (وأنبيائه كلهم البشريين) قید به ليخرج رسل الملائكة . وقيل : لأن كل ظاهر نبي عن باطن فهو نبي بهذا الاعتبار عند العارفين .
وقيل : لأن لكل نوع عندهم نبيا هو واسطة بينه وبين الحق سبحانه كما أشار إليه قوله تعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
قال رضي الله عنه :  (من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين في مشهد) حصل لي الشهود فيه (أقمت) بإقامة الحق إياي (فيه بقرطبة) مدينة من بلاد المغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام).
وكأنه كان ذلك لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام بمشرب الشيخ وذوقه رضي الله عنه (فإنه) ، أي هود عليه السلام.
قال رضي الله عنه :  (أخبرني بسبب جمعيتهم) قيل : كان سبب جمعيتهم تهنئته قدس الله سره بأنه خاتم الولاية المحمدية و قيل كان سببها إنزاله في مقام القطبية.

ويخدش لوجه الأخير أن كلامه في مواضع من كتبه كالفتوحات و غيره : يدل على أنه من الأفراد ويمكن دفعه بأن كونه من الأفراد إنما هو في وقت تصنيفه تلك الكتب وكونه من الأقطاب إنما هو في وقت تصنيفه ذلك الكتاب لأنه أخر مصنفاته .
قال رضي الله عنه :  (ورأيته) أي هود عليه السلام (رجل ضخما من الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور وكاشفا لها ودليلي على كشفه لها) من القرآن (قوله تعالى: "ما من دابة إلا هو ، آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" [هود: 26]. وأي بشارة للخلق أعظم من هذه) المقالة .

قال رضي الله عنه :  (ثم من امتنان الله علينا أن أوصل) إلينا (هذه المقالة عنه في القرآن ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي هو عين الحواس) والأعضاء الظاهرة والقوى الروحانية المجردة عن المواد الهيولانية المظلمة (أقرب) إلى الله سبحانه (من) تلك (الخواص) و الأعضاء الجسمانية (فاكتفى) النبی صلى الله عليه وسلم  (بذكر الأبعد المحدود)، أي المعلوم حده وحقيقته أي المعلوم حده وحقيقته (عن الأقرب المجهول الحد) .

"" أضاف الجامع : الهيولي جوهر قابل لما يعرض للجسم من أشكال. كالخشب للكرسي والحديد للمسمار.  
يقول الشيخ رضي الله عنه  الهيولي : هو العنصر الأعظم ، الذي هو أصل السماوات والأرض وما بينهما ، وأصل أركانها ومادتها  .
ويقول الشيخ عبد الحق بن سبعين الهيولي : هو جوهر بسيط قابل للصورة  .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني الهيولي : عندهم "الصوفية" اسم الشيء بالنسبة إلى ما يظهر فيه من الصور ، فكل باطن يظهر فيه صورة يسمونه هيولي  .
ويقول الشيخ شهاب الدين السهروردي : إن في الجسم ما يقبل الانفصال والاتصال . فالذي يقبل ذلك جزء للجسم فيه الاتصال ويسمى القابل : هيولي ، والمقبول : صورة . و الهيولي لا يتصور وجودها دون الصورة ، لأنها لم تخل حينئذ من الوحدة والكثرة ، وأيهما لزمها يكون اقتضاء لماهيتها واجبا بها  . ""

قال رضي الله عنه : ( عن الأقرب المجهول الحد.) والحقيقة فإنه إذا كان عين الأبعد يلتزم بالطريق الأولى أن يكون عين الأقرب.





واتساب

No comments:

Post a Comment