Friday, July 5, 2019

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر التاسع فص حكمة نورية في كلمة يوسفية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي 

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

09 - The Wisdom Of Light In The Word Of Joseph  

الفقرة الثانية :الجزء الأول
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
هذا نص الحكمة اليوسفية ذكره بعد حكمة يعقوب عليه السلام، لأنه ابنه والأب مقدم على الابن والابن مؤخر عن الأب في رتبة الوجود.
ولأن علم الخيال الذي يبحث عنه في الحكمة اليوسفية ، هو من أحد الطرق الموصلة إلى معرفة أعيان المم?نات في حال ثبوتها.
فناسب تتميم المبحث السابق بما منه (فص حكمة نورية)، أي منسوبة إلى النور كما سبق بيانه (في كلمة يوسفية)، إنما اختصت حكمة يوسف عليه السلام بكونها نورية، لأن النور ممد الجمال الصوري في الهياكل الإنسانية، لأنه إشراق وجه الروح إلى جهة الجسم.
ويوسف عليه السلام كان الجمال النوراني مشرقة على صورته الظاهرة والباطنة؛ ولهذا شهد له النبي صلى الله عليه السلام وسلم أنه أعطي شطر الحسن، وهو أعطي الحسن كله. لأنه أعطي هذا الشطر الذي هو عين الحضرة الصفاتية والاسمائية. وأعطي الشطر الآخر الذي هو عين الحضرة الذاتية الإلهية فكمل له الحسن ؟  ذات وصفات وأسماء .


قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام.)

(هذه الحكمة النورية) من حقيقة يوسف عليه السلام (انبساط نورها) دائما (على حضرة الخيال) من كل إنسان في النوم وفي اليقظة.
حتى أنني بما جربته أني إذا قصت على رؤيا منام وطلب مني تعبيرها أتوجه بكليتى قبل إمرار صورة تلك الرؤيا على خيالي إلى يوسف عليه السلام بالنورية.
وأصلي وأسلم عليه في نفسي أو في لساني، ثم أتكلم في تعبير تلك الرؤيا ، فلا أكاد أخطىء إن شاء الله تعالى، وإذا لم أفعل كذلك أخطأت كثيرة (وهو)، أي الخيال المنبسط عليه تلك الحضرة النورية أول مباديء الوحي الإلهي (في أهل العناية الإلهية من الرسل والأنبياء عليهم السلام، ولهذا ورد في الحديث : «الرؤيا الصالحة جزء من النبوة»).
"" أضاف المحقق : يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :
" الخيال أحق باسم النور من جميع المخلوقات الموصوفة بالنورية ، فنوره لا يشبه الأنوار ، وبه تدرك التجليات وهو نور عين الخيال لا نور عين الحس .""

وفي رواية : «ذهبت النبوات وبقيت المبشرات»، أورده ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة . «الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تری له ».رواه الحاكم في المستدرك ،والطبراني في الكبير ورواه غيرهما.

فبقي من الوحي عالم الخيال في المنام بين الأمة غير ذاهب .
(تقول عائشة رضي الله عنها أول ما بدئ)، أي بدأ الله تعالى (به رسول الله) صلى الله عليه وسلم  (من الوحي) النبوي (الرؤيا) في المنام الصادقة المنزهة عن كونها أضغاث أحلام (ف?ان) صلى الله عليه وسلم (لا يرى الرؤيا) في منامه (إلا خرجت) تلك الرؤيا أي ظهرت في اليقظة بعين ما رأى في المنام (مثل فلق الصبح)، أي ضوئه المنتشر في أقطار الأرض بحيث لا يخفى (تقول)، أي عائشة رضي الله عنها (لا خفاء بها)، أي بتلك الرؤيا (وإلى هنا)، أي كون أول مبادئ الوحي كان الرؤيا الصادقة من النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة التي لا خفاء بها .
(بلغ)، أي وصل (علمها)، أي علم عائشة رضي الله عنها حين قالت ذلك (لا غير) مما هو فوق ذلك مما كان يعرفه النبي ة ويعرفه أبوها الصديق رضي الله عنه، ومن ضاهاه من الصحابة أرباب المقامات الاختصاصية .
(وكانت المدة) التي يرى فيها النبي الرؤيا الصادقة فتخرج ظاهرة مثل فلق الصبح (له)، أي للنبي عليه السلام في ذلك الأمر المذكور (ستة أشهر) فقط كما جاء في الأخبار الصحيحة (ثم جاء الملك)، أي جبريل بالوحي القرآني
(وما علمت) أي عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الناس نيام)، أي نائمون بنوم الغفلة في الحياة الدنيا الوهمية عن اليقظة الحقيقية بالحياة الآخرة


(فإذا ماتوا) عن حياتهم الموهومة لهم موتا اختيارية أو اضطرارية (انتبهوا) من نورهم ذلك وقاموا بالحياة الحقيقية الأبدية الإلهية.
كما قال تعالى:" يوم يقوم الناس لرب العالمين" [المطففين: 6].
وقال تعالى: "ومن آياته منامكم بالليل والنهار" [الروم: 23]، فقد استوعب نوم الغافلين الليالي والأيام (وكل ما)، أي شيء (يرى)، أي يراه أحد (في حال النوم فهو من ذلك القبيل) الذي قالت عائشة رضي الله عنها فهو من جملة الوحي الإلهامي عند أهل المعرفة.
(وإن اختلفت الأحوال) من الرائي لذلك بالصلاح والفساد، لأن الناس الموصوفين بأنهم نيام غیر مخصوصین من العموم، ولكن لا يعرف هذا غير أرباب الكمال من خاصة الرجال .
(فمضى)، أي ذهب (قولها)، أي عائشة رضي الله عنها وكانت المدة له في ذلك (ستة أشهر)، إلى مقدار ما تعلم من ذلك (بل) كان عمره) صلى الله عليه وسلم  (كله في) الحياة (الدنيا بتلك المثابة) التي قالت عائشة رضي الله عنها بمقتضى قوله عليه السلام : «الناس نيام».
وقول الله تعالى له : "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" [الكهف: 110].
فانظر قوله:"يوحى إلى " ، أي في جميع أحوالي كما قال تعالى: "إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 4] .
(إنما هو)، أي عمره صلى الله عليه وسلم بسبب كونه من جملة الناس الذين أخبر عنهم أنهم نیام وقوله : «إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ».
(منام) كان ينامه (في منام) هو يقظة الحياة الدنيا إلا مدة ذلك ستة أشهر فقط يعني ?ل نوم كان ينامه فهو كذلك في مدة عمره عليه السلام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية  

(فص حكمة نورية) أي العلوم المنسوبة إلى النور مودعة (في كلمة يوسفية) أي في روح ذلك النبي عليه السلام (هذه الحكمة النورية) مبتدأ (انبساط نورها) مبتدأ ثاني الضمير يرجع إلى الحكمة (علی حضرة الخيال) خبر الجملة خبر المبتدأ الأول أي هذه الحكمة النورية التي في كلمة يوسفية ينبسط نورها على حضرة المنام فيرى بسبب هذا النور رؤيا صادقة.
"" يبحث هذا الفص في "عالم المثال" وما يتصل به من القوة الخيالية في الإنسان وما يكشف الإنسان بواسطة اتصاله بالعالم المثالي من صورة الوجود الروحاني بالصور التي ترى في الأحلام.
والعالم المثالي نوراني كما يقولون، أي غير مادي، وتسمية كل روحي لطيف نورة، وكل مادي كثيف ظلمه.""
(وهو) أي انبساط النور على حضرة الخيال (أول مبادىء) أول منشأ ظهور (الوحي الإلهي في أهل العناية) أي في حق الأنبياء فأول الوحي الرؤيا الصادقة وسبب ظهورها انبساط النور عني حضرة الخيال.
وأورد على ذلك دليلا قول عائشة رضي الله عنها فقال : تقول عائشة رضي الله عنها (أول ما بدئ به) أي أول ما ظهر به (رسول الله) صلى الله عليه وسلم (من الوحي الرؤيا الصادقة فكان) رسول الله عليه السلام (لا يرى رؤيا إلا خرجت) أي ظهرت تلك الرؤيا في الحس (مثل فلق الصبح) في الظهور هذا من قول عائشة رضي الله عنها : (تقول) أي عائشة (لا خفاء بها) في صدقها هذا كلام الشيخ تفسير لقول عائشة رضي الله عنها (وإلى هنا بلغ علمها لا غير) وليس الأمر على ما علمت العائشة .
(فكأن المدة له) أي الرسول الله صلى الله عليه وسلم (في ذلك) الوحي (ستة أشهر ثم جاءه الملك) هذا قول عائشة رضي الله عنها قالته في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(وما علمت) عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه السلام قد قال : "إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". ذكره العراقي في المغني
وكل ما يرى) رسول الله عليه السلام (في حال النوم) وهو اليقظة في العرف العام التي عبر عنها رسول الله عليه السلام بقوله:" والناس نيام" (فهو) أي كل ما يرى فيه (من ذلك القبيل) أي من قبيل ما رآه رسول الله عليه السلام في ستة أشهر من الرؤيا الصادقة.
فما رأى الملك إلا من حضرة الخيال ?الرؤيا الصادقة (وإن اختلف الأحوال) على الرائي باليقظة والنوم (فمضي) عمره في الوحي .
(قولها) أي في قول عائشة في منام بالرؤيا الصادقة (ستة أشهر) ومضى بعد ذلك عمره في الوحي بمجيء الملك في اليقظة لا في المنام .
فما رأى الملك من حضرة الخيال في قولها بل من حضرة الشهادة وليس الأمر كما قالت العائشة (بل) مضى عمره كله في الدنيا في الوحي.
(بتلك المثابة) أي بمثابة ستة أشهر في كون الوحي في المنام فإذا مضى عمره في الوحي بتلك المثابة فوحيه كله إنما هو منام في منام أو فعمره كله في الوحي كله (إنما هو منام في منام).
فالمنام الأول هو حضرة الخيال
والثاني قوله عليه السلام: «الناس نيام» وهو اليقظة ، فكان عمره كله في الوحي في نيام مثل ما قالت العائشة ستة أشهر .
فما ورد الوحي إليه إلا من قبيل المنام في المنام .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
قال رضي الله عنه : "هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير. وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.  فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. "
قلت : هذه الحكمة جعل، رضي الله عنه، موضوعها الذي يتكلم في أحواله هو عالم الخيال، من أجل أن يوسف، عليه السلام، رأي«إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين» (يوسف: 4) وذلك أن الرؤيا عنده هي من عالم الخيال.
ولما قرر أن الناس نيام كان مجال تصرفهم النومي كله في عالم الخيال. وفي قوة كلامه ما يقتضي أن الوحي أيضا هو في عالم الخيال.
قال: ولذلك كان، عليه السلام، إذا جاءه الوحي يغيب عن المحسوسات.
قال : وامتداد النور على عالم الخيال هو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية وذكر حديث عائشة، رضي الله عنها، وهو قولها: أول ما بدئ به رسول الله عليه السلام، من الوحي الرؤيا الصادقة.
قد قال: وإلى هنا بلغ علمها، يعني أن ما بقي هو أيضا في المنام، فلا معنى لقولها أنه بقي وحيه الوارد عليه ستة أشهر ثم جاءه الملك.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
09 - فصّ حكمة نورية في كلمة يوسفية   
قد ذكر السرّ في إسناد الحكمة إلى الكلمة . " أضاف رضي الله عنه حكمة النور إلى الكلمة اليوسفية لظهور السلطنة النورية العلمية المتعلَّقة بكشف الصور الخيالية والمثالية .
وهو علم التعبير على الوجه الأكمل في يوسف عليه السّلام فكان يشهد الحقّ عند وقوع تعبيره ، كما قال " قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " فأشار إلى حقيقة ما رأى ، وأضاف إلى ربّه الذي أعطاه هذا الكشف والشهود ."
قال رضي الله عنه : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على عالم الخيال ، وهو أوّل مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية).
يعني : أنّ نورية هذه الحكمة - من حيث كشفها معاني ما يظهر في عالم الخيال - للأولياء والأنبياء ، فيعلمون بها مراد الحق من تشخيص تلك المعاني وتجسيدها ضربا للمثل لهم .
قال رضي الله عنه : ( تقول عائشة رضي الله عنها : أوّل ما بدىء به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلَّا خرجت مثل فلق الصبح .
تقول : لا خفاء بها . وإلى هنا بلغ علمها لا غير . وكانت المدّة له في ذلك ستّة أشهر ، ثم جاءه الملك . وما علمت أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : “ الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا » وكلّ ما يرى في حال يقظته ، فهو من ذلك القبيل ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان عالما بأنّ كلّ أمر ظهر من الغيب سواء كان ظهوره حسّا أو خيالا أو في عالم المثال .
فإنّ ذلك وحي تعريف وإعلام من الله له عليه السّلام  بما أراد الله أن يكوّنه ، وأنّه تمثيل وتشخيص للمعاني والحقائق التكوينيّة التي تعلَّقت الإرادة الإلهية بتعريفه وتعليمه صلى الله عليه وسلم بها .
وذلك لأنّ العوالم في مشرب التحقيق خمسة وكلَّها حضرات إشهاد الحق وشهوده ، والأنزل منها أمثلة وصور للأعلى والأشرف الأفضل . فالأعلى عالم الغيب ، والأدنى الشهادة.
فكل ما يتراءى ويظهر في الحسّ مثال وصورة لهيئات غيبية معنوية ، هي المعاني المعنيّة المعيّنة من تلك الصورة ، ولكنّ العلم بتلك الصورة وكشف أسرارها ومعانيها هو الكشف المعنوي الحقيقي ، فمن أوتيهما في كل ما يرى ويسمع ويدرك " فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً " .
وتحقّق بكمال الكشف والشهود في الوجود قبيلا ودبيرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الأنبياء بذلك ، وذلك بتصريحه :
"إنّ الناس نيام " في عالم الحس ، وأنّ كلّ ما يجري عليهم وبهم وفيهم صور وأمثلة لمعان عناها الله بحسب العلم بحقائقها ، وإلَّا فهو غافل ، وعن حقيقة الأمر عاطل.
ومبلغ علم عائشة من كلّ ذلك أنّ كشفه صلى الله عليه وسلم مبدؤه الرؤيا الصادقة ، وآخره ظهور الملك له ، وما علمت أنّه صلى الله عليه وسلم كان يشهد الحق في كلّ ما يرى ويدرك ، بل لا يغيب عن شهود الحق.
كما قال عليه السّلام اللهمّ إنّي أسألك لذّة النظر إلى وجهك ، فصرّح بشهوده وجهه تعالى وأنّه في شهوده ، فادّعى اللذّة بما يشهد لفنائه وحيرته الكبرى ، فسأل اللذّة بما يشهد ، وهي زيادة على مرتبة الشهود ، فافهم .
قال رضي الله عنه : ( وإن اختلفت الأحوال ، فمضى قولها ستّة أشهر بل عمره كلَّه في الدنيا بتلك المثابة ، إنّما هو منام في منام ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ الناس في حالة يقظة في جميع أحوالهم في كشف وضرب مثال يضربه الله لهم بالأفعال والأحوال والأقوال التي تجري عليهم ومنهم وهم عنها غافلون " وَكَأَيِّنْ من آيَةٍ في السَّماواتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ " ، " وَتِلْكَ الأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ " جعلنا الله وإيّاك من أهل الحضور ، وكشف عن وجهه لنا بحقيقة النور ، في كلّ الأمور .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
إنما خصت الكلمة اليوسفية بالحكمة النورية ، لأن النور هو الذي يدرك ويدرك به ، أي الظاهر لذاته المظهر لغيره ، وقد كشف الله على يوسف عليه السلام وأعطى النور التام العلمي الذي كان يكشف به حقية الصور المتخيلة في المنام ، أي ما تحقق في عالم المثال ويصير مشاهدا في عالم الحس ، وتغيرت صورته في الخيال بتصرف القوة المتصرفة ، فيعلم ما أراد الله تعالى بالصور الخيالية وهو علم التعبير ، كما أشار إليه قدس سره في نقش الفصوص ، وقال : لأن الصورة الواحدة تظهر لمعان كثيرة يراد منها في حق صاحب الصورة معنى واحد : أي تظهر تلك الصورة الواحدة في خيال أشخاص كثيرة لمعان كثيرة مختلفة يراد من تلك الصورة في حق صاحبها معنى واحد من تلك المعاني فيمن كشفه بذلك النور فهو صاحب النور ، فإن الواحد يؤذن فيحج ، والآخر يؤذن فيسرق ، وصورة الأذان واحدة ، وآخر يؤذن فيدعو إلى الله على بصيرة ، والآخر يؤذن فيدعو إلى الضلالة ، هذا كلامه بشرحه ، والمراد بحقية الصورة الخيالية ما يتحقق منها في الخارج ، كقوله : " قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا " وما كان عند الله ، وما تمثل في العالم المثالي إلا ذلك ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال ، وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية )
"" إضافة بالي زادة : (هذه الحكمة النورية ) مبتدأ و ( انبساط نورها ) مبتدأ ثان ، وضميره يرجع إلى الحكمة ( على حضرة الخيال ) خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول ، أي هذه الحكمة النورية ينبسط نورها على حضرة المنام ، فيرى بسببه رؤيا صادقة اهـ بالي زادة .
(أهل العناية الكبرى ) هم الأنبياء لأن ما يراه الأنبياء أولا إنما هو في الصورة المثالية المرئية في النوم ، ثم يرقون إلى أن يروا الملك في المثال المطلق أو المقيد في غير حال النوم ، لكن مع فتور ما في الحس اهـ جامى ""


وفي نسخة : انبساطها على عالم الخيال ، ولا فرق في المعنى ، لأن هذه الحكمة نورية تنبسط على حضرة الخيال ، فيتسع بابها إلى عالم المثال ، فيطلع صاحبه على ما في الحضرة المثالية من المعنى الذي هذه الصورة الخيالية مثاله ، وذلك المعنى هو مراد الله من صورة الرؤيا ، وهذا الانبساط أول مبادئ الوحي إلى الأنبياء الذين هم أهل العناية الإلهية ، ولهذا كانت المنامات والوحي من مشكاة واحدة .
( تقول عائشة رضي الله عنها : أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، تقول لا خفاء بها .
وإلى هذا بلغ علمها لا غير، وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك ، وما علمت أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قد قال « إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا » وكل ما يرى في حال يقظته فهو من ذلك القبيل ، وإن اختلفت الأحوال )
أي كان مبلغ علم عائشة رضي الله عنها أن مبدأ كشف النبي الرؤيا الصادقة ، ومنتهاه ظهور الملك له ، وما علمت أنه عليه الصلاة والسلام كان عالما بأن كل أمر ظهر من عالم الغيب إلى الشهادة ، سواء كان ظهوره في الحس أو في الخيال أو في المثال ، فهو وحى وتعريف وإعلام له من الله بما أراد أن يكوّنه ، وأنه مثال وصورة لمعنى وحقيقة تعلق الإرادة الإلهية بتعريفه وتعليمه إياه .
""إضافة بالي زادة : وقول عائشة ( لا خفاء بها ) تفسير لقولها مثل فلق الصبح اهـ""

وذلك أن العوالم عند أهل التحقيق خمسة ، كلها حضرات للحق في بروزه :
1- حضرة الذات .
2 -  وحضرة الصفات والأسماء وهي حضرة الألوهية.
3 -  وحضرة الأفعال وهي حضرة الربوبية .
4 - ثم حضرة المثال والخيال .
5 - ثم حضرة الحس والمشاهدة .
وإلا نزل منها مثال وصورة للأعلى فالأعلى عالم الغيب المطلق ، أي غيب الغيوب وإلا نزل عالم الشهادة فهو آخر الحضرات .
فكل ما فيه مثال لما في عالم المثال ، وكل ما في عالم المثال صورة شأن من شؤون الربوبية ، وكل ما في الحضرة الربوبية من الشؤون فهو مقتضى اسم من أسماء الله وصورة صفة من صفات الله ، وكل صفة وجه للذات تبرز بها في كون من الأكون فكل ما يظهر في الحس صورة لمعنى غيبى ، ووجه من وجوه الحق برزه .
والعلم بذلك هو الكشف المعنوي ، فمن أوتى ذلك في كل ما يرى ويسمع ويعقل فقد أوتى خيرا كثيرا ، وقد أشار إليه عليه الصلاة والسلام في قوله : « الناس نيام ».
فكل ما يجرى عليهم فهو صورة لمعنى مما عند الله ومثال لحقيقة من الحقائق الغيبية .
وكان عليه الصلاة والسلام يشهد الحق في كل ما يرى ويدرك بل لا يغيب عن شهوده ، كما قال عليه الصلاة والسلام « اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم » فصرح بشهود وجهه تعالى ، وأنه فان في شهوده فلا لذة له لفنائه وحيرته فيه ، فسأل لذة الشهود بالبقاء بعد الفناء ، والفرق بعد الجمع لوجدان لذة الشهود .
وهي مرتبة أعلى من الشهود ، والفناء بالشهود هو الموت الحقيقي المشار إليه بالهلاك في قوله : " كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَه "  .
والبقاء بعد الفناء هو الانتباه الحقيقي ، فكل ما يرى إلى الرسول في حال يقظته فهو من قبيل ما يرى في النوم وإن اختلفت الأحوال ، فإن هذا في الحس وذلك في الخيال ، ولكنها من حيث إن كلا منهما مثال وصورة لمعنى حقيقي سواه .
وفي بعض النسخ : وكل ما يرى في حال النوم .
"" إضافة الجامي : ( وكل ما يرى في حال النوم ) وهو اليقظة في العرف العام التي عبر عنها بقوله : « الناس نيام » ( فهو من ذلك القبيل ) أي من قبيل ما رآه النبي في ستة أشهر من الرؤيا الصادقة حيث يحتاج إلى التعبير اه فإنه عليه الصلاة والسلام عد الناس في حال اليقظة أيضا نياما ، وجعل ما يظهر لهم في الحس مثل ما يظهر لهم في الخيال عند النوم ، فكما أن الصور المرئية في النوم محتاجة إلى العبور منها إلى حقائقها الباطنة.
كذلك الصور المحسوسة أيضا فإنها أمثلة للصور المثالية، وهي للأرواح المجردة وآثارها وهي للأسماء الإلهية وهي للشؤون الذاتية، فكما يعرف العالم بالتعبير المراد بالصورة المرئية في النوم، كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد بالصورة الظاهرة في كل مرتبة ، فعلم من قوله عليه الصلاة والسلام أن يقظة الناس نوم. اهـ جامى
وإن اختلفت الأحوال ، أي أحوال النوم ، بأن كان حال النوم المزاجي الحقيقي أو حال النوم الحكمي اهـ بالي زادة  .""

والمراد به إن صحت الرواية النوم المشار إليه بقوله « نيام » والمرئي في الحس فيه كالمرئى بالخيال ( فمضى قولها ستة أشهر ، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة إنما هو منام في منام ) قولها بمعنى مقولها أي المدة التي هي ستة أشهر بدليل عطف قوله : بل عمره كله في الدنيا عليه ، وهو كالحلف بمعنى المحلوف عليه في قوله عليه الصلاة والسلام « إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك » .
أي فمضى زمان الرؤيا وهو ستة أشهر بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة ، أي بالعبور عما رأى في الخيال أو الحس من الصور إلى معانيها ، أي الحق المتجلى في تلك الصور المعرف له حقائق أسمائه إنما هو .
أي ما قالت من المدة ، منام في منام ، أي الناس في الدنيا في ضرب مثال وكشف صوري ، يجعل الله تعريفا لهم بأفعالهم وأحوالهم وأقوالهم تجلياته في كل ما يجرى عليهم وهم عنها غافلون ، كقوله تعالى : "وكَأَيِّنْ من آيَةٍ في السَّماواتِ والأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ".
""إضافة بالى زادة : ( فمضى ) عمره عليه الصلاة والسلام في الوحي .
( قولها ) أي في قول عائشة : ومضى بعد ذلك عمره في الوحي بمجيء الملك ( بل ) مضى ( عمره كله في الدنيا ) في الوحي ( بهذه المثابة ) أي بمثابة ستة أشهر في كون الوحي في المنام ، فإذا فوحيه كله ( إنما هو منام في منام ) أو فعمره كله في الوحي كله منام في منام
الأول هو حضرة الخيال
والثاني قوله عليه الصلاة والسلام « الناس نيام » وهو اليقظة اهـ بالى زادة.""


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )

09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية
لما كان عالم الأرواح المسمى ب‍ ( العالم المثالي ) عالما نورانيا وكان كشف يوسف (عليه السلام) مثاليا وكان على الوجه الأتم والأكمل .
أضاف الحكمة النورية الكاشفة عن الحقائق إلى كلمته ، لذلك كان عالما بعلم التعبير ومراد الله
من الصورة المرتبة المثالية . وكل من يعلم بعده ذلك العلم ، فمن مرتبته يأخذ و من روحانيته يستفيد . ولقوة نورية روحه ، عليه السلام ، كانت صورته أيضا كاملة في الحسن والبهجة .
واعلم ، أن النور الحقيقي هو الذات الإلهية لا غير ، إذ هو اسم من أسماء الذات .
وكل ما يطلق عليه اسم الغيرية والسوى ، ظل من ظلالها ، والأرواح وعالمها من ظلالها . وكونه نورانيا بالإضافة إلى عالم الأجسام .
ولما كان دخول الروح في عالمه الأصلي بواسطة العبور على الحضرة الخيالية التي هو ( المثال المقيد ) وبإشراق نور الروح عليها تظهر الصور المثالية ، وجب انبساط النور على هذه الحضرة أولا ، ليشاهد الروح ما يتجسد من المعاني الفائضة عليه فيها شهودا عيانيا ، فيتمرن وينتقل منها إلى عالم ( المثال المطلق ) .
فقوله : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال ) .
معناه : هذه الحكمة النورية عبارة عن انبساط نور الكلمة اليوسفية ، وهي روحانية يوسف ، عليه السلام ، على حضرة خيالها ، لتتنور ، فيشاهد فيها المعاني المتجسدة .
فضمير ( نورها ) عائد إلى ( الكلمة ) . ويجوز أن يرجع إلى ( الحكمة ) .
ومعناه : هذه الحكمة النورية عبارة عن انبساط نور العلوم المنتقشة في الكلمة اليوسفية على حضرة الخيال ، لأن الحكمة هي العالم بالحقائق على ما هي عليه ، والعلم نور في نفسه منور لغيره .
إلا أن الأول أولى . وفي بعض النسخ : ( إنبساطها ) . والمعنى واحد .
( وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية ) . أي ، هذا الانبساط هو أول ظهور مبادئ الوحي في أهل العناية . وهم الأنبياء ، عليهم السلام .
وإنما كان أولا ، لأن الوحي لا يكون إلا بنزول الملك ، وأول نزوله في الحضرة الخيالية ،
ثم الحسية ، فالمشاهد له لا بد أن يكون خياله متنورا ، ليقدر على مشاهدته فيه ، ثم في المثال المطلق ، لأنه واسطة بين العالم الحسى والمثالي المطلق ، فالنازل لا بد له من العبور عليه ، والصاعد أيضا كذلك .
(تقول عائشة : أول ما بدء به رسول الله ،صلى الله عليه وسلم من الوحي ،الرؤيا الصادقة ) .
أي ، أول ما حصل لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من آثار الوحي ومباديه ،الرؤيا الصادقة.

لذلك قال ، عليه وعلى آله السلام : ( الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . وهي نصيب للمؤمنين منها . ( فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت معاينة مثل فلق الصبح ) . أي ، ظهرت
في الحس كما رأى مثل فلق الصبح . ( تقول لا خفاء بها ) . تفسير لقولها - أي عائشة : ( مثل فلق الصبح ) . وليس من تتمة قولها .
(وإلى هنا بلغ علمها لا غير . وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ، ثم جاءه الملك . وما علمت أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قد قال : " إن الناس نيام ، فإذا ماتوا ، انتبهوا").
أي ، ما علمت أن كل ما يظهر في الحس هو مثل ما يظهر في النوم . والناس غافلون عن إدراك حقائقها ومعانيها التي يشتمل تلك الصور الظاهرة عليها .
فكما يعرف العارف بالتعبير المراد من الصور المرئية في المنام ، كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد من الصور الظاهرة في الحس ، فيعبر منها إلى ما هو المقصود منها ، لأن ما يظهر في الحس صورة ما يظهر في العالم المثالي .

وهو صورة المعاني الفائضة على الأرواح المجردة من الحضرة الإلهية ، وهي من مقتضيات الأسماء . فالعارف بالحقائق إذا شاهد صورة في الحس ، أو سمع كلاما ، أو وقع في قلبه معنى من المعاني ، يستدل منها على مبادئها ، ويعلم مراد الله من ذلك .
ومن هذا المقام يقال : إن كل ما يحدث في العالم ، كله رسل من الحق تعالى إلى العبد ، يبلغون رسالات ربهم . يعرفها من عرفها ، ويعرض عن المقصود منها من يجهلها .
كما قال تعالى : " وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ".
لعدم انتبائهم ، ودوامهم في نوم الغفلة . ولا يعرف هذا المقام إلا من يكاشف جميع المقامات العلوية والسفلية ، فيرى الأمور النازلة من الحضرة الإلهية إلى العرش والكرسي والسماوات والأرض ، ويشاهد في كل مقام صورته .
(وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل ، وإن اختلفت الأحوال ) .



وفي بعض النسخ : ( وكل ما يرى في حال اليقظة فهو من ذلك القبيل ) .
الألف واللام في ( النوم ) للعهد . والمعهود النوم الذي في قوله ، صلى الله عليه وسلم :"الناس نيام ، إذا ماتوا إنتبهوا. .
" أي ، كل ما يرى في اليقظة التي هي في الحقيقة نوم .

فهو من قبيل ما رآه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في مدة ستة أشهر ، عند كل عالم بالحقائق .
فإنهم يعلمون ما أراد الله منه ويعملون بمقتضاه ، وإن اختلفت أحوال الصور المرئية ومعانيها  أو وإن اختلفت أحوالهما بحسب اختلاف عوالمهما ، فكما يجب العبور عن الصور المرئية في النوم إلى المراد منها ، كذلك يجب العبور عن الصور المرئية في اليقظة إلى المراد منها .
( فمضى قولها ستة أشهر ) . أي ، مدة ستة أشهر ، كما قالت . فالمراد من ( القول ) المقول .
يدل على ذلك قوله : ( بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة إنما هو منام في منام ) . أي ، مضى عمره كله بمثابة الأشهر المذكورة ، فعمره إنما هو منام في منام . لأن الأحوال المتعاقبة مقامات متعاقبة .
فقوله : ( إنما هو منام في منام ) خبر مبتداء محذوف . ويجوز أن يكون عطف بيان لقوله : ( بتلك المثابة ) . يعنى كان مناما في منامه .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
الفص اليوسفي
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

أي: ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني الباحث عن تنوير الخيال لصحة الكشف الصوري.
ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى يوسف عليه السلام إذ كوشف في الصغر في المنام عن حال أمره في الكبر ، ثم كوشف له عن معاني هذه الصور من غير اشتغال بتعلم علم التعبير.
"" أضاف المحقق : اعلم أن النور الحقيقي يدرك به، و نور ذات الحق سبحانه وتعالى لا يدرك؛ لأنه عين ذات الحق تعالى من حيث تجردها عن النسب والإضافات .
الحديث: "سئل ابن عباس، فقيل: يابن عباس، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟
قال: نعم. فقلت لابن عباس: أليس يقول الله: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" [الأنعام: 103] ، قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء." رواه المقدسي في المختارة والبيهقي وابن خزيمة وغيرهم.""
كما قال أبوه: "وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث" [يوسف: 6]، وقد أول رؤيا الفتيان في السجن، وقال: "ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون" [يوسف: 37].
وقد أول رؤيا الملك بعدما عجز عن تعبيرها أهل زمانه وقالوا:"أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين" [يوسف: 44].

قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
ثم أشار رحمه الله إلى وجه تخصیص هذه الحكمة بالنورية مع أن جميع الحكم أنوار الكمال معنى النورية فيها إذ تنكشف بها المعاني بلبسة المحسوسات.
فتتضح غاية الوضوح ويعرف بها ما وراء الصور من المعاني من غير احتياج إلى تعلم علم التعبير، ولذا لا يقال لكل من رأى رؤيا صادقة أنه أوتي الحكمة النورية.
فقال: (هذه الحكمة النورية) أي: المذكورة هاهنا دون المشار إليها في قوله: "الله نور السموات والأرض" [النور:35] وقوله: "واتبعوا النور الذي أنزل معه" [ الأعراف: 157].
وقوله : "الله ولي الذين قاموا يخرجهم من الظلمات إلى النور" [البقرة: 257] ونحو ذلك (انبساط نورها) أي نور الحكمة بحيث تقيد الصفاء الكلي، ولا تحوج إلى علم آخر (على حضرة الخيال) التي هي خزانة صور المحسوسات ليكشف له في البسها المعاني الغيبية من غير انحراف فيها.
(وهو) أي: انبساط نور الحكمة على حضرة الخيال (أول مبادئ الوحي الإلهي)، فإن الوحي لما كان إلقاء المعاني الغيبية على الروح، ولا تعرفها النفس المحجوبة إلا بواسطة قواها الباطنة، ولا يصفو ما فيها إلا عند تنورها بنور الحكمة، وأول ما يتنور منها قوة الخيال؛ فتصغر منها الصور المخزونة عن الالتباس والاختلاط، فيصح فيها الكشف الصوري في المنام، ثم في اليقظة.
وغاية ذلك أن تصبر النفس متنورة بنور الروح، فلا يحتاج إلى الوسائط، فللوحي مبادئ وغاية وأول مبادئه انبساط نور الحكمة الفائضة على الروح إلى حضرة الخيال في أهل العناية)، وهم الأنبياء عليهم السلام - ثم الأولياء اعتني بهم في تصحیح كشوفهم عما يعرض لأصحاب أضغاث الأحلام في اليقظة أو المنام، وفي رعاية أحوال عقولهم حتى لا تدهش بما ليس لها به ألفة إذا رأته بغتة.
واستدل على أنه أول مبادئ الوحي بأثر عائشة رضي الله عنها فقال: (تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي..)
أي: إلقاء المعاني الغيبية عليه ("الرؤيا الصادقة"). رواه البخاري ، ومسلم.
المطابقة صورة المرئي فيها صورته في عالم الحس الظاهر»، فلا تحتاج إلى التعبير إذ المحتاج إليه إنما يصدق باعتبار التأويل.
ولذلك قالت: («فكان لا يرى رؤيا إلا") جاءت في الحس الظاهر ("مثل فلق الصبح»). رواه البخاري ، ومسلم.
في كشف الحجاب عن خفائها فكأنها (تقول: لا خفاء بها) فنسب إليها القصور بهذا القول.
فقال رضي الله عنه : (وإلى هاهنا) أي: القول بعدم الخفاء في الصور إذا انتهت إلى الحس الظاهر (بلغ علمها لا غير) مع أن الصور ليست مقصودة بذاتها، فلها معان خفية لا تظهر إلا عند تمام كشف الحجب في الآخرة.
ثم قالت: («وكانت المدة في ذلك ستة أشهر، ثم جاءه الوحي على لسان الملك» فغلطها أولا في تعيين المدة، ثم في مجيء الملك مخالف لحالة الرؤيا بالكلية.
فقال رضي الله عنه : (وما علمت) حين قيدت المدة بستة أشهر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام").
يرون صورة لا يعرفون معانيها الحقيقية ("فإذا ماتوا انتبهوا") لها بكشف الحجب كلها والرسول داخل فيهم، وإن كان صاحب كشف ووحي لبقاء بعض الحجب عليه بسبب تعلق الروح بالبدن. الحديث رواه البيهقي والسيوطي في الجامع الصغير.
وكل ما يرى الرسول صلى الله عليه وسلم (في حال يقظته فهو من ذلك القبيل) أي: قبيل الرؤيا في الاحتياج إلى التعبير الذي لا يتم ظهوره إلا في عالم الآخرة.
(وإن اختلفت الأحوال) أي: أحواله صلى الله عليه وسلم في المنام واليقظة وانكشاف أمور الآخرة له والحجاب عنها.
وإذا كان كذلك (فمضى) أي: بطل بطلان الماضي بحيث لا يمكن عوده (قولها أن تلك المدة ستة أشهر بل عمره كله) سواء كان حال الكشف أم لا، لأنه في الدنيا فبعض الحجب باق عليه لا محالة (بتلك المثابة) أي: مثابة المنام.
ثم استشعر سؤالا بأنه إذا كان الكل مناما فما معنى رؤيته في المنام، وما معنی كشوفه؟؟
فقال رضي الله عنه : (إنما هو) أي: المرئي له في المنام المتعارف (منام في منام)، كمن يرى في المنام أنه كان نائما فرأى في نومه رؤيا فاستيقظ فعبرها وهو إلى الآن في المنام لم يستيقظ بعد.

"" أضاف الجامع من حدث ولو كذبا الى عابر للرؤيا متحقق ونقلها الى خيال العابر وعبرها له وقعت حكما 
قال الشيخ في الفتوحات الباب الثامن والثمانون ومائة :
أو مما يحدث المرء به نفسه في حال يقظته فلا يعول على ما يرى من ذلك.  ومع هذا وكونها لا يعول عليها إذا عبرت كان لها حكم .
ولا بد يحدث لها ذلك من قوة التعبير لا من نفسها وهو أن الذي يعبرها حتى يصورها في خياله من المتكلم فقد أنتقلت تلك الصورة عن المحل الذي كانت فيه حديث نفس أو تحزين شيطان إلى خيال العابر لها وما هي له حديث نفس.
فيحكم على صورة محققة أرتسمت في ذاته فيظهر لها حكم أحدثه حصول تلك الصورة في نفس العابر.
كما جاء في قصة يوسف مع الرجلين وكانا قد كذبا فيما صوراه فكان مما حدثا به أنفسهما فتخيلاه من غير رؤيا وهو أبعد في الأمر أذ لو كان رؤيا لكان أدخل في باب التعبير فلما قصاه على يوسف حصل في خيال يوسف عليه السلام صورة من ذلك لم يكن يوسف حدث بذلك نفسه فصارت حقا في حق يوسف وكأنه هو الرائي الذي رأى تلك الرؤيا
لذلك الرجل وقاما له مقام الملك الذي بيده صور الرؤيا فلما عبر لهما رؤياهما قالا له أردنا أختبارك وما رأينا شيئا .
فقال: يوسف قضى الأمر الذي فيه تستفتيان فخرج الأمر في الحس كما عبر .
ثم أن الله تعالى إذا رأى أحد رؤيا فإن صاحبها له فيما رآه حظ من الخير والشر بحسب ما تقتضي رؤياه أو يكون الحظ في ناموس الوقت في ذلك الموضع وأما في الصورة المرئية فلا فيصور الله ذلك الحظ طائرا وهو ملك في صورة طائر
كما يخلق من الأعمال صورا ملكية روحانية جسدية برزخية وأنما جعلها في صورة طائر لأنه يقال طار له سهمه بكذا أو الطائر الحظ قال الله عز وجل " قالوا طائركم معكم " أي حظكم ونصيبكم معكم من الخير والشر .أهـ . ""


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
09  - فصّ حكمة نوريّة في كلمة يوسفيّة

ومما يلوّح عليه أنّ التسعة الكماليّة المتبطَّنة في عقد الوجود تراها ظاهرة في " النور" والكلمة ، وهما متطابقان فيه ، متوافقان في إظهار تلك الصورة الكماليّة وإبرازها إلى العيان : وجود ( 19 ) ، نور ( 256 ) ، ون اوا ( 64 ) ، ين ال ( 91 ) ، يوسف ( 11 ) ، ااوين ا ( 69 ) .
ومن هاهنا ترى هذه الحكمة واقعة من النظم في المرتبة التاسعة .
تسمية الفصّ
وبيّن أنّ الحكمة النوريّة كما هي منتهى سرّ الظهور وإبانة الصور في أحد الأبعاد الثلاثة التي عليها بناء نظم الفصوص الحكميّة التي في هذا الكتاب لا بدّ وأن تكون كاشفه عن أمر الإظهار وتبيين المعاني على ما هو بصدده الكلمات الكماليّة النبويّة .
التي هي مظاهر تلك الحكم ، إلَّا أن ذلك الكشف والإظهار إنّما يتصوّر تحقّقه في الصور بحسب عقائد العامّة ، إذا كانت تلك الصور خياليّة محضة في المنام ، دون الحسيّة المشاهدة .
وأمّا عند الخاصّة من المحقّقين فعامّ كما سبق الإيماء إليه في طيّ منظوماته ، وإليه أشار بقوله :

مبادئ الوحي
( هذه الحكمة النوريّة انبساط نورها على حضرة الخيال ) وذلك في أوّل مراتب إظهار النور لطائف المعاني .
ولذلك قال : ( وهو أوّل مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية ) فإنّ الأكثرين عاكفون عليه في استكشاف المعاني ، ما يجاوزون عنه ، سيّما أهل الظاهر ، الذين هم بنات آدم كما سبق تحقيقه  وإليه نبّه بقوله : ( تقول عائشة رضي الله عنها: « أوّل ما بدئ به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الوحي : الرؤيا الصادقة ، وكان لا يرى رؤيا إلا خرجت ) أي ظهرت في عالم العيان ( "مثل فلق الصبح » ) في الصدق والإبانة .
ولذلك قال : ( تقول : لاخفاء بها ، وإلى هنا بلغ علمها ) أي إلى ظهور رؤياه مثل فلق الصبح بما لا يشك فيه ولا يرتاب ( لا غير ) ذلك من المعاني .

الدنيا منام في منام
(وكانت المدّة له في ذلك ستّة أشهر ، ثمّ جاءه الملك ) ،  وهذا التفصيل من عندها بحسب مبلغ علمها في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ( وما علمت أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال  : « إنّ الناس نيام ، فإذا ماتوا انتبهوا » ) . 
فتكون الصور المرئيّة في هذا العالم كلَّها مبيّنة للحقائق مثل فلق الصبح في الشهود الختمي ( وكلّ ما يرى في حال النوم  فهو من ذلك القبيل ) مثل فلق الصبح وذلك لأنّ الصورة حيثما كانت مبيّنة للمعاني ، كاشفة عن تفاصيلها سيّما للحضرة الختميّة ( وإن اختلفت الأحوال ) بحسب النوم واليقظة .
( فمضى قولها « ستة أشهر » ) أي مضت المدّة التي حدّتها بحسب علمها الذي مضى حكمها ، فإنّه ما هي مقصورة عليه ( بل عمره كلَّه في الدنيا بتلك المثابة ) هذا كلام وقع في البين.
وقوله  رضي الله عنه : ( إنّما هو منام في منام ) الضمير فيه راجع إلى « كلّ ما يرى في حال النوم » ، أي كلّ ما يرى في حال النوم إنّما هو منام في منام .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )

الفص اليوسفي
09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هذه الحكمة النورية انبساط نورها على حضرة الخيال وهو أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية. تقول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة،)

المراد بالحكمة النورية : العلوم والمعارف المتعلقة بعالم المثالي، لأنه عالم نوراني وإنما خصها بالكلمة اليوسفية لأنه عليه السلام كان عالما بمراد الله من الصور المرتبة المثالية .
وكل من يعلم بعده ذلك فمن مرتبته يأخذ ومن روحانيته يستفيد (هذه الكلمة النورية)، أي العلوم والمعارف المتعلقة بعالم المثال هو عالم نوراني (انبساط نورها)، أي حاصلة من انبساط نورها.
أي نور الكلمة اليوسفية التي هي روحانيته (على حضرة الخيال) المطلق أو المقيد في حال النوم.
والمراد بانبساط نورها عليها على الصورة المتمثلة المرتبة فيها وعلى ما أراد الله سبحانه بها (وهو)، أي ذلك الانبساط (أول مبادئ الوحي الإلهي في أهل العناية) الكبرى الذين هم الأنبياء عليهم السلام أولا إنما هو الصور المثالية المرئية في النوم ثم يترقون إلى أن يروا الملك في المثال المطلق أو المفيد في غير حال النوم لكن مع فتور ما في الحس .
(تقول عائشة رضي الله عنها: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة).رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فهي من أقسام الوحي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وهي نصيب المؤمنين منها". رواه البخاري ومسلم وغيرهما.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح «تقول لا خفاء بها. وإلى هنا بلغ علمها لا غير.
وكانت المدة له في ذلك ستة أشهر ثم جاءه الملك، وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»، وكل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل، وإن اختلفت الأحوال.
فمضى قولها ستة أشهر، بل عمره كله في الدنيا بتلك المثابة: إنما هو منام في منام. )
(وكان) صلى الله عليه وسلم  (لا يرى رؤيا إلا خرجت)، أي هذه الرؤيا معا، أي مع ما عبرت به (مثل فلق الصبح).
وفسر الشيخ رضي الله عنه قوله : مثل فلق الصبح بقوله : (تقول)، أي عائشة رضي الله عنها (لا خفاء بها)، أي بالرؤيا التي كان صلى الله عليه وسلم يراها فميزت عائشة رضي الله عنها بین أوقات النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت بعضها مناما يخرج المرئي فيه إلى التعبير وبعضها يقظة لا يحتاج فيها إليه .
(وإلى هنا) أي إلى هذا المقام من التمييز بين النوم واليقظة (بلغ علمها لا غير) ثم تقول عائشة رضي الله عنها (وكانت المدة له)، أي رسول الله  صلى الله عليه وسلم (في ذلك)، أي في الوحي بالرؤيا الصادقة (ستة أشهر ثم جاء الملك) في حضرة المثال والخيال من غير نوم .
(وما علمت) عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال) يعني ما تنبهت المعنى قوله : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) فإن النبي صلى الله عليه وسلم عد الناس في حال اليقظة أيضا نياما . رواه أبو نعيم فى حلية الأولياء و أبي الفضل الزهري وأورده الكواني الشافعي فى الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري .أورده العجلوني و العراقي والسيوطي وقالوا هو من قول الإمام علي بن أبي طالب.
وجعل ما يظهر لهم في الحس مثل ما يظهر لهم في الخيال حين النوم، فكما أن الصور المرئية في النوم محتاجة إلى العبور منها إلى حقائقها الباطنة كذلك الصور المحسوسة أيضا.
فإنها أمثال للصور المثالية ، وهي الأرواح المجردة وأحوالها وهي للأسماء الإلهية وهي للشؤون الذاتية، فكما يعرف العالم بالتعبير المراد بالصورة المرئية في النوم كذلك يعرف العارف بالحقائق المراد بالصور الظاهرة في كل مرتبة.
فعلم من قوله صلى الله عليه وسلم : "إن يقظة الناس نوم" وعندنا مقدمة معلومة (و) هي (كل ما يرى في حال النوم فهو من ذلك القبيل)، أي من قبيل ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم  في مدة ستة أشهر في الاحتياج إلى التعبير .
(وإن اختلفت الأحوال)، أي أحوال النوم بأن كانت حال النوم المزاجي الحقيقي أو حال النوم الحكمي (فمضى قولها)، أي مقول عائشة رضي الله عنها (ستة أشهر)، أي مدتها كلها (بل عمره) صلى الله عليه وسلم  (كله في الدنيا بتلك المثابة).
أي بمثابة النوم . قوله رضي الله عنه  : بتلك، متعلق بقوله : مضى (إنما هو)، أي عمره صلى الله عليه وسلم  (منام في) عقب (منام)، لأن الصورة المتعاقبة المرئية فيه منامات متعاقبة يعبر العارف منها إلى حقائقها.


.

واتساب

No comments:

Post a Comment