Friday, July 5, 2019

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولى . موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم  الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولى . موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر فى الله

السفر الختم "سفر خطبة الكتاب" فص حكمة ختمية في كلمة محمدية 

بسم الله الرحمن الرحيم النقطة ليست حرف ولا رقم ولا كلمة ولكنها الحقيقة السارية لايجاد واظهار كل حرف و رقم و كلمة , نقطة الباء أشارة الى الإنسان الكامل وإشارة الى هو المطلق.
اعلم أيدك الله بنور علمه وتوفيقه اختار الله تعالى محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب وليا لله ونبيا وخاتم المرسلين وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا, افتتح الحق سبحانه خلق الخلق بنور محمد واختتم رسالة الشرائع بـ محمد ابن عبد الله , واختار من الحروف العاليات محمد ابن على ابن محمد ابن العربي الطائي الحاتمي فجذبه الى ذرى أعلى قلل نور نبيه فجعله من أولياؤه المخلصين ووهبه الأستعداد والقابلية للمقام المحمدي وأتمه إنسانا كاملا وأقامه خاتما للأولياء المحمديين خاصة.
فأشار إليها الختم رضي الله عنه مخبرا:
كنا حروفاً عاليات لم نقل ……. متعلقات في نرى أعلى القلل
أنا أنت فيه ونحن أنت وأنت هو … والكل في هو هو فسل عمن وصل

قال تعالى : "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ" 13 الشورى و " وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ " 179 آل عمران.
فلما سألنا عمن وصل عرفنا انه ختم الأولياء المحمديين خاصة وليس بنبي رسول لكنه وارث ولآخرته حارث. وحسنة من حسنات خاتم المرسلين والوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وأن مشيئة الله ورسوله تكليف ختم الأولياء المحمديين بإخراج " كتاب فصوص الحكمإلى الناس لينتفعوا به. فلما ترجم الأمر محققا الأمنية.
فأقبلنا عليه فاستفتح لنا بحمد الله يعلمنا شاديا بـ :
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم, بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم. 
وصلى الله على ممد الهمم، من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم. أما بعد:
فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرون وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده صلى الله عليه وآله وسلم كتاب.
فقال لي: هذا «كتاب فصوص الحكم» خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. 
فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أمرنا. فحققت الأمنية و أخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من غير زيادة و لا نقصان، و سألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالإلقاء السبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الاعتصامي، حتى أكون مترجما لا متحكما، ليتحقق من يقف عليه من أهل الله أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس. 
وأرجو أن يكون الحق لما سمع دعائي قد أجاب ندائي، فما ألقي إلا ما يلقي إلي، ولا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي.
ولست بنبي رسول ولكني وارث ولآخرتي حارث.
فمن الله فاسمعوا ... وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتيت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول وأجمعوا
ثم منوا به على ... طالبيه لا تمنعوا
هذه الرحمة التي ... وسعتكم فوسعوا
و من الله أرجو أن أكون ممن أيد فتأيد و قيد بالشرع المحمدي المطهر فتقيد و قيد، وحشرنا في زمرته كما جعلنا من أمته.
فأول ما ألقاه المالك على العبد من ذلك :  )
الفقرة الأولى :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(بسم الله الرحمن الرحيم) لما كانت علوم الشهود والإلهام تنزلات معاني القرآن العظيم على قلب التابع المحمدي صاحب مقام الإسلام صدر كتابه المنزل على قلبه بما صدر به نبیه کتابة المنزل عليه من ربه ليلتحق التابع بالمتبوع وتنبت على أصولها الفروع.
وقد أشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم، فهو أقطع".
ولفظة كل تفيد العموم والأمر واحد لا عموم فيه كما قال تعالى : "وما أمرنا إلا وجه لمح البصر " آية 50 سورة القمر.
ولكن لما قيده بذي بال، أي شأن خاص عند صاحبه بحسب قوة استعداده تعدد بالقيد، فالأمر واحد وقيوده كثيرة، فهو بحسب كل قيد غيره بحسب القيد الآخر، وباقي الكلام على البسملة يطول إذ هي مما أفرد بالتصنيف، وغرضنا الآن بیان مهمات الكتاب فلا نطيل في غير ذلك.
(الحمد لله) ويقال في الحمد لله كما قيل في البسملة، وأشار إلى ذلك النبي عليه السلام بقوله في رواية أخرى: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع".
ولما كان وجود النعمة بالبسملة وبقاؤها بالحمد لله قدم ما به الوجود على ما به البقاء .
وبيان ذلك أن كل شيء موجود من العدم باسم من أسماء الله تعالى، مشتق من صفة من صفاته .
فالاسم باطن الشيء والشيء ظاهر الاسم.
كما أن الصفة باطن الاسم والاسم ظاهر الصفة.
والذات باطن الصفة والصفة ظاهر الذات.
وكل شيء باقي إلى أمده المعلوم بتكرار الأمثال غير ذلك لا يكون.
قال تعالى في الآية السابقة : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر"آية 50 سورة القمر.
وكل شيء قائم بأمر الله تعالى، فكل شيء كلمح البصر، وتكرار وجود الشيء زيادة على وجوده الأول.
والله تعالى يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم " آية 7 سورة إبراهيم.
والشكر : هو الحمد الاصطلاحي، فبالبسملة ظهر الوجود و بالحمد لله بقي كل موجود.
(منزل) بسكون النون وكسر الزاي اسم فاعل من أنزل
قال تعالى : "سبحان الذي أنزل على عبده الكتب"  أو بفتح النون والتشديد للزاي مكسورة من نزل مشددة .
قال تعالى: "وله تنزيلا" آية 106 سورة الإسراء.
والإنزال غير التنزيل الاختلاف الصيغتين، فصيغة أنزل تقتضي مطلق الانتقال من موضع إلى آخر.
وصيغة نزل بالتشديد تقتضي المبالغة في ذلك، وكلاهما فعلان متعدیان.
(الحكم) جمع حكمة , وهي العلم المتقن الكاشف عن حقائق الأشياء على ما هي عليه من غير شائبة توهم في الإدراك.
قال تعالى: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " آية 269 سورة البقرة .
وقد تطلق الحكمة على النبوة ، كما قال تعالى في داود عليه السلام: "وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ" (20) سورة ص.
ومعنى الإنزال والتنزيل المذكورين هو معنى الإيتاء هنا، والثلاثة تقتضي انتقالا من موضع إلى آخر إلا أن الأولين للانتقال من علو فقط دون الثالث.
وانتقال العلم القديم من ذات الحق تعالى إلى غيره ممتنع عقلا ونقلا.
وكذلك الكلام القديم، فلا بد لذلك من معنى يدخل في الإمكان.
وذلك أن علم الحق تعالی وكلامه وإن تعلقا بجميع الواجبات والمستحيلات والجائزات كما تقرر في موضعه .
ولكن لا بد أن نقول إن هذا التعلق بالنسبة إلى عقولنا التي نحن مكلفون بسببها.
إذ الواجبات التي نقول إنهما متعلقان بها مجرد معاني مفهومة لنا حادثة فينا.
وكذلك المستحيلات مجرد أمور مفروضة يحكم العقل بامتناعها في حقه تعالى، وكذلك الجائزات فأخرجنا في تقسيم الحكم العقلي إلى الأقسام الثلاثة عن المعاني الجائزة .
فأين الواجبات وأين المستحيلات من محض الجائزات.
إلا أن التكليف الإلهي للعباد يقتضي هذا التقسيم، ولولاه لما كان في الخلق كفر ولا إيمان جملة واحدة.
إذ لم يقع جحود الجاحدين إلا على ما تصوروه، فكذلك إيمانهم، وكل ما تصوره الحادث فهو معنى حادث، و ليطل أمر الله ونهيه وهو أمر مستحيل.
فثبت أنه لا بد أن تكون جميع محكومات العقل معانی حادثة.
فالإله المنزه الذي في الاعتقادات مأمور بإثباته كل مكلف، وهو غير الإله الحق الذي لا يتعلق به حکم للعقل لا بإثبات ولا بنفي.
كما أن الشريك والمثيل والصاحبة والولد المتصورات في العقل مأمور بنفيها عن الحق تعالى کل مکلف.
وإنما هي مستحيلات التصور العقلي لا المستحيلات الحقيقية فإنها ممتنعة عن حكم العقل إثباتا ونفيا .
وسيأتي بقية الكلام على إله المعتقدات في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
فيبقى معنى الانتقال المذكور انتقال من عدم إلى وجود، فحادث منتقل إلى حادث.
غير أن هذا الحادث المنتقل من العدم إلى الوجود ، محكوم عليه بجميع أحكام القديم.
ومسمى بجميع أسمائه ، و موصوف بجميع أوصافه حكمة إلهية لا المناسبة فيه ولا لمشابهة بينه وبين القديم تعالى .
وإليه الإشارة بقوله تعالى : "ولله المثل الأعلى"آية 60 سورة النحل.  في السموات والأرض.
فالمثل : هو الواجب العقلي الخاص.
والأعلى: أي عن المستحيل العقلي ، ذكر السموات والأرض هو الجائز ولفظة في إشارة إلى أن هذا الواجب والمستحيل لم يخرجا عن الجائز.
إذا علمت هذا وتحفظت من الخطأ في فهمه على حسب ما أريده ظهر لك معنى تنزل القرآن القديم .
ومعنی نزول الرب تعالى إلى سماء الدنيا ، وغير ذلك من مشكلات الدين.
(على قلوب الكلم)، جمع كلمة , والمراد بها الذات الإنسانية الكاملة، وتسميتها كلمة جاءت في القرآن العظيم .
قال تعالى في حق عيسى عليه السلام : "وكلمته ألقاها إلى مريم" آية 171 سورة النساء.
وقال تعالى في إيمان مریم بسائر الأنبياء عليهم السلام: "وصدقت بكلمات ربها وكتبه"الآية 12 سورة التحريم.
وقال تعالى : " النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته" آية 158 سورة الأعراف.
فيجوز إطلاق الكلمات على النفوس الكاملة في فضيلتي العلم والعمل.
والمعنى في ذلك أن الكلمة التي ينطق بها الإنسان مجموع حروف تركب بعضها مع بعض.
فحملت معنی زائدة على معاني تلك الحروف في أنفسها بل لا معنى لتلك الحروف في أنفسها متفردة مما يناسب معنى الكلمة المركبة منها.
ولا شك أن الحروف الخارجة من فم المتكلم هي في نفسها هواء دخل إلى الجوف ثم خرج فسمي نفسه.
لأنه ينفس عن القلب كربه. أي حرارته في قصد المعاني وما هناك إلا المعاني.
لا تفرغ من القلب الحيواني تميزت بالعقل أو لم تتميز كقلوب الدواب ونحوها.
ثم إن ذلك الهواء إذا مس القلب انبعث من القلب توجه طبيعي لدفعه عنه باعتبار سخونة في الحال مخافة أن يحترق بها ثم يطلب هواء باردة غيره.
وهكذا إلى أن لا يقدر على الطلب فتحرقه حرارته الغريزية ويموت الإنسان لذلك، ومثله الحيوان كما ذكرنا .
فإذا أراد القلب أن يظهر ما فيه من المعاني المتميزة عنده بالعقل أخرج ذلك الهواء الذي مسه على كيفية خاصة بتعليم إلهي .
كما قال تعالى : "وعلمه البيان " آية 4 سورة الرحمن.
فعند ذلك يمر ذلك الهواء المسمى نفسه على مخارج الحروف التي في الجوف أو الحلق، أو اللسان أو الشفتين، فينسكب ذلك الهواء في قوالب تلك المخارج ويخرج من الفم متكيفة بكيفيات تسمى حروف.
ثم تترتب في الخروج فيمسي ترکیبا.
ثم تصل وهي متكيفة كذلك بتموج ذلك الهواء لقوة اندفاعه من الصدر إلى أذن السامع ويخلق الله في نفسه حينئذ معنى تلك الكلمة الذي قصده المتكلم.
فيقال : سمع المخاطب الكلمة و فهمها .
إذا علمت هذا فاعلم أن ما نحن بصدده من كلمات الله تعالى التامات الفاضلات، نزلت إلينا وأصلها روح واحدة عظيمة.
ومن هنا يسمى الهواء روح وريحا بقلب الواو ياء، وهذا الروح العظيم هو أول مخلوق خلقه الله تعالى ليس بينه وبين أمر الله تعالى واسطة.
كما قال تعالى : "و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي" آية 85 سورة الإسراء.
ثم إن هذا الروح للحق تعالی بمنزلة الهواء الذي يسمي نفسه بالتحريك للمتكلم بالكلمات.
وقد ورد تسميته نفسه في حق الله تعالى
كما قال النبي عليه السلام: «إني لأجد نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن». رواه أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
"وكذلك قوله: "إني لأجد نفس ربكم من قبل اليمن" أخرجه أحمد فى مسنده"
"وكذلك قوله:" إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" رواه الطبراني في الكبير وأحمد بن حنبل عن أبي هريرة"
"وصححه الألباني  بلفظ: "إني أجد نفس الرحمن من هنا - يشير إلى اليمن"."
فكان الأنصار، وسماهم نفسا بالتحريك ولم يسميهم كلمات لعدم تضمنهم بشيء من المعاني قبل إسلامهم.
ولمحو صور وجودهم عند أنفسهم لما جاؤوا لنصرته عليه السلام مؤمنين به مذعنين له منقادين إليه تاركين التدبير معه حتى دخلوا في دينه كذلك وتفتحت أقفال قلوبهم.
ثم إن هذا الروح الذي هو أول مخلوق يسمى نور محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار، ويسمى عقلا وعرشا باعتبار آخر.
كما سنقرره في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى إذا جاءت له مناسبة أو تعرض له الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في أثناء هذه الفصوص الحكمية.
وحيث كان هذا الروح المذكور للحق تعالی بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم وإن كان بينهما بون بعيد، فإن الهواء في المتنفس المتكلم يدخل إلى جوفه
ثم يخرج.
لأنه جسم لطيف يدخل في جسم کثیف بينهما بعض المباينة، وليس في الله تعالی جسمية لأن هذا الروح المذكور ليس جسم لطيفا ولا كثيفا ولا مناسبة بينه وبين الأجسام وهو حادث مخلوق.
والله تعالى لیس جسم ولا جوهرا ولا عرضا ولا يشبه هذا الروح المذكور ولا غيره.
ولكن المقصود من ذلك مجرد ضرب المثل للاعتبار فقط بأنه إذا كان هكذا في الحادث ففي القديم بالأولى.
وقد أومأ إلى ذلك قوله تعالى: «فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"آية 23 سورة الذاريات.  بعد ذكر آية الرزق الحسي والمعنوي.
فالرزق الحسي من السماء وهو معلوم والرزق المعنوي من السماء أيضا وهو رزق الأرواح وهو المعارف الإلهية والأول رزق الأجسام.
ثم إذا علمت کون هذا الروح المذكور بالنسبة إلى الحق تعالى بمنزلة الهواء للمتنفس المتكلم على الوجه الخالي من التشبيه.
وعقلت هذا المثل الذي ضربه الله لك لا ضربته أنا لك، غير أني كنت أمينا عليه فأديته إليك كأمثلة .
قال تعالى: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"آية 43 سورة العنكبوت .
يعني لا يقدر أن يستخرج التنزيه الذي اشتملت عليه من التشبيه المفهوم من ظاهرها إلا العالمون بالله تعالى.
وفيه إشارة إلى لزوم اتباع غير العالمين للعالمين الذين عقلوها.
فاعلم الآن أن الحق تعالی أول ظهور استيلائه ومن كونه متکلمة على هذا الروح الأول المذكور من غير مماسة ولا مباينة كما هو مقرر في عقائد غير أهل الشهود مفصلا.
وأما أهل الشهود فلا يحتاجون إلى ذكره لوضوحه عندهم.
قال تعالى : "إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن تقول له كن فيكون"آية 40 سورة النحل. والقول هو الكلام فبالقول ظهر الشيء.
والشيء المراد في حضرة العلم الأزلي یعنی معناه لا ذاته.
كما أن معنى الكلمة في علم المتكلم لا ذاتها .
ثم إنه تعالى جعل الحروف التي استخرجها من ذلك الروح الأعظم الذي هو بمنزلة النفس بالتحريك له تعالى كما ذكرنا على قسمين:
القسم الأول: الألف وهي أصل الحروف كلها ، وهي بمنزلة اللوح المحفوظ الذي فيه كل شيء وهي الكتاب المبين وهي الرق المنشور، ومخرجها الجوف وهو باطنية الحق تعالى يعني من اسمه الباطن .
والقسم الثاني : باقي الحروف، وأعلاها الواو المدية، والياء المدية المناسبتهما للألف من جهة خروجهما من الجوف.
فالواو هي العرش الجسماني ولهذا سكنت بعد رفع الياء حقيقة الملائكة الأربعة ولهذا سكنوا بعد خفض ما قبلهم، ثم ظهرت الباء والتاء والثاء واختلفت بالنقط .
فالنقطة الأولى نقطة زحل في حرف السماء الأولى، والنقطتان والثلاث باقي السيارات غير القمر فإنه مجلى الشمس لا نقطة الوجود.
ثم ظهرت باقي الحروف في الأسباب الباقية وتركبت فظهرت الكلمات الطيبة والكلمات الخبيثة كما فصلته في كتابي : (كوكب الصبح الإزالة ليل القبح )والمراد هنا بيان الكلمات الطيبات وهي كلمات الله الفاضلة التي حقت على الكافرين وربما يأتي لهذا الكلام زيادة بيان في مواضع مناسبة من هذا الكتاب.
(بأحدية) متعلق بمنزل (الطريق) إلى الله تعالى (الأمم)، أي المستقيم، وأحدية هذا الطريق اجتماع الروحانيات الفاضلة في الروح الكل المذكور، وهو طريق الله تعالى لا طريق إليه غيره، وهو في كل حقيقة كونية بتمامه.
ولهذا ورد في الحديث : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» ولما كانت معرفة النفس مختلفة ظهر الاعوجاج على حسب المعرفة والمعرفة الصحيحة بإلهام من الله تعالى، وهي الاستقامة في الطريق الموصل إليه تعالى.
(من المقام الأقدم)، أي حضرة الله تعالى وهو بيان للطريق الأمم حيث لا واسطة بينه وبين الحق تعالی فكان منه.
ولهذا قال تعالى: "قل الروح من أمر ربي" آية 83 سورة الإسراء .
(وإن اختلفت الملل) جمع ملة وهي الدين.
(والنحل) جمع نحلة وهي المذهب.
(لاختلاف الأمم) فإن لكل أمة ملة تليق بهم نزلت على نبيهم فبلغهم إياها .
ثم لما ماتت كل أمة نسخت ملتهم بما بعدها، لأن المخاطبين بها كانوا مخصوصين في علم الله تعالى حتى ظهرت ملتنا.
و المخاطبون بها كل المكلفون من بعثة نبينا عليه السلام إلى يوم القيامة ولهذا لم تنسخ.
ومراده بقوله : وإن اختلفت إلى آخره، يعني: الاختلاف المذكور ولا يمنع أحدية المأخذ.
فإن استعداد المخاطبين يعطي هذا الاختلاف، واتحاد الكاملين يعطي اتحاد الطريق والمأخذ.
كما قال الشاعر:
عبادتنا شتى وحسنك واحد      ….. وكل إلى ذاك الجمال يشير

شرح مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
الحمد لله على دين الإسلام، وعلى توفيق الإيمان، والصلاة على محمد عليه السلام، وعلى آله العظام، وأصحابه الكرام.
( الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم) ولما أنزل الله تعالى الحكم على قلب الشيخ وكان إنزاله مسببا عن الإنزال على قلوبهم خص الحمد بإنزال الحكم على قلوبهم لأن هذا المطلع أكمل الكمالات وأعظمها قدرة ومنزلا بالنسبة إليه .
فيجب تخصص الحمد به في أول كتابه، وتخصيص الحكم والكلم بالحكم والأنبياء المذكورين في الكتاب انسحب من التعميم فاللام للعهد.
والإنزال ههنا الإبداع لقوله : ولما أطلعني الله تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر وهو الروح الكلي فلا يحتمل التنزيل فضلا عن أن يكون أولى.
(باحدية الطريق الأمم) إنزالا ملتبسا باتحاد الطريق المستقيم في أصل الدين وهو التصديق بما جاء من عند الله تعالى والعمل بمقتضاه اتحاد الأشخاص في الأنواع
واتحاد الأنواع في الأجناس .
وبه حصل الحب الله تعالى بين الناس الذي يوجب محبة الله إياهم التي توجب رحمة الله عليهم .
ولو لم ينزل الحكم بطريق الاتحاد لرفع الاختلاف والعداوة بينهم، التي توجب عداوة الله عليهم فيستحقون عقابه .
فأحدية الطريق أعظم نعمة ورحمة من الله لنا لذلك خص الحمل بها (من المقام الأقدم ) أي من المقام الأقدس عن شائبة الكثرة .
المراد تنزیه شأن الحكم بأبلغ النزاهة (وإن اختلف الملل والنحل لاختلاف الأمم) أي وإن اختلف الدين والعقيدة في فروعات الأصل اختلاف مسببا من اختلاف الأمم بعد اتفاقهم في الأصل.
وهذا الاختلاف أيضا نعمة عظيمة ورحمة واسعة لنا من الله تعالی و به ترتفع المضايقة وتحصل الوسعة في الطريق التي توجیه استراحة الأبدان والأرواح.
لذلك خص الحمد به فالمراد بإنزال الحكم إيداعه في قلوبهم روح الشريعة المختصة بهم متضمنة بالاتحاد في الأصل والاختلاف في العوارض.شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحیم
رب أعني الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخص من بينهم محمد قطب محيطهم الذي بعهد الأكمليات وفي، وآله وسلم
يقول العبد الفقير إلى الله الغني سليمان بن على بن عبد الله بن علي العابدي عرف بالتلمسانی عصمه الله به عن سواه وجعل في قدسه لا في نفسه مثواه: إنني لما رأيت أخي وولي قلبي السيد الأجل أبا القاسم عبد الكريم بن الحسين بن أبي بكر الطبري متعه الله بما أعطاه وبلغه من شرف الارتقاء النهاية من مناه ممن يجب حقه، ويتعين ويظهر بين طلاب الحضرة الإلهية صدقه ويتبين، جعلته سبب شرحي لفصوص الحکم وخصوص الكلم الذي تناوله شيخنا ختم الأولياء من خاتم الأنبياء، صلى الله عليه وسلم
قال شيخنا، رضي الله عنه، وجعلنا له به منه: (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل الاختلاف الأمم وصلى الله على ممد الهمم من خزائن الجود والكرم، وبالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم).
قلت: الكلم هنا من عينه من الأنبياء عليهم السلام، في هذا الكتاب، والحكم المعارف الإلهية ما ذكره منها في هذا الكتاب وما لم يذكره.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم)
قلت: الطريق الأمم هنا هو المطلع وهو ما يجمع بين الظاهر والباطن والحد الذي يكون بين الظاهر والباطن، فالظاهر هو المنقول والمعقول من العلم النافع الذي يكون به العمل الصالح، والباطن هو المعارف الإلهية التي هي روح تلك العلوم المنقولة والمعقولة.
والحد هو حقيقة ما يتميز به العلم عن المعرفة.
وأما المطلع فهو معنى يتحد فيه الظاهر والباطن فيكون طريقا إلى الشهود الذاتي، وهو الطريق الأقوم الذي سماه الشيخ الأمم.
و قوله: (من المقام الأقدم).
قلت: هي حضرة الحق تعالى التي طلبها الأمم كلهم وإن اختلفوا في مللهم ونحلهم في الطلب.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قال المؤيّد رحمه الله :
في خطبة الكتاب ستّ عشرة كلمة تحتوي على مثلها مباحث كلَّية .
وإن استلزمت مباحث أخر ضمنيّة تفصيليّة على ما سيرد عليك ذكرها ، وينكشف عند التدبّر والتأمّل سرّها
البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب في "الحمد"
البحث الثاني من مباحث خطبة الكتاب تحقيق في وجوه تسمية الاسم "الله"   
البحث الثالث من مباحث خطبة الكتاب في سرّ " إنزال الحكم "
البحث الخامس من المباحث الكلَّية التي تحويها خطبة الكتاب ما وقع على "قلوب الكلم"
البحث السادس من مباحث الخطبة "سرّ الكلم "
البحث السابع من مباحث خطبة الكتاب "أحديّة الطريق الأمم"
البحث الثامن من المباحث الكلية الستّة عشر "من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم "
البحث التاسع من المباحث الكلية الستة عشر وصلَّى الله على "ممدّ الهمم"
البحث العاشر من الستة عشر : "في إمداد الهمم القابلة للترقي"
البحث الحادي عشر من الستة عشر: "في الهمم"
البحث الثاني عشر من الستة عشر "خزائن الجود والكرم"
البحث الرابع عشر من الستة عشر محمّد وآله وسلَّم
البحث الخامس عشر من الستة عشر في " الآل "
البحث السادس عشر من الستة عشر  آخر شرح الخطبة
كل هذه البحوث مشروحة فيما يزيد على 120 صفحة فلتراجع هناك وليس محلها هذا الكتاب
المقصود فيه التركيز على شرح الفصوص مباشرة.
شرح الفصوص الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
( الحمد لله ) حمدا لله على ما أنعم به من معرفة الحكم المنزلة على قلوب أنبيائه ، التي بيتها وفصلها في فصوص كتابه ، فلذلك وصفه بما دل على مقصده مراعاة لبراعة الاستهلال .
وهو قوله: ( منزل الحكم على قلوب الكلم ).  والحكم جمع الحكمة وهي العلم بحقائق الأشياء وأوصافها وأحكامها على ما هي عليه بالأقوال والأفعال الإرادية المقتضى لسدادها وصوابها ، فإن من العلوم ما لا يتعلق بالأفعال كمعرفة الله تعالى والحقائق المجردة من الأسماء الإلهية ، وعلوم المشاهدات والمعارف الذوقية من المعاني الكلية ، وهي علوم الأرواح .
ومنها ما يتعلق بها ولا يقتضي إتقانها وسدادها كعلوم النفوس الجزئية المذكرة بقواها .
ومنها الجامعة للكليات والجزئيات الفائضة أصولها من الأرواح المضبوطة جزئياتها وفروعاتها ، المحكمة بانطباق كلياتها على جزئياتها ، المبقية جزئياتها بكلياتها وهي حكم القلوب المتوسطة بين الأرواح والنفوس والكلم مستعارة لذوات الأنبياء والأرواح المجردة عن عالم الجبروت المسمى باصطلاح الإشراقيين الأنوار القاهرة.
إما لأنهم وسائط بين الحق والخلق تصل بتوسطهم المعاني التي في ذاته تعالى إليهم كالكلمات المتوسطة بين المتكلم والسامع لإفادة المعنى الذي في نفس المتكلم للسامع .
أو لتجردها عن المواد وتعينها بالإبداع وتقدسها عن الزمان والمكان الموجودة بكلمة كن في عالم الأمر إطلاقا لاسم السبب على المسبب .
والدليل على الاستعمال بالمعنى المذكور قوله تعالى : " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ الله وكَلِمَتُه " .
وقوله عن الملائكة : " إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْه " .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعواته :
« أعوذ بكلمات الله التامات ، وأعوذ باسمك الأعظم وبكلمتك التامة ».
وهنا مخصوصة بذوات الأنبياء بقرينة إضافة القلوب إليها . وقد تطلق الكلمة على كل موجود يصدر من الله تعالى لدلالتها على معان في ذاته ولهذا قيد المجردات بالتامات
( بأحدية الطريق الأمم ) الطريق الأمم :
الصراط المستقيم لأن الأمم القرب وأقرب الطرق المستقيم ولا يكون إلا واحدا أي الطريق التوحيد الذاتي المشار إليه في سورة هود بقوله تعالى :  "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
يعنى بالقائها ( من المقام الأقدم ) الذي هو أحدية الذات المنزهة عن تكثر الأسماء والصفات إلى قلوبهم بلا واسطة ، فإن الأحدية سارية في الكل وسريانه بذاته صراطه المستقيم ، ولا أقدم من الذات فوصف الطريق بالأمم وصف بالمصدر ، كما
يقال طريق قصد ، قال تعالى : " وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِيلِ ".
وقوله بأحدية متعلق بمنزل إما بمعنى الظرفية كقولك حجبت بطريق الكوفة ، وإما بمعنى اللام وتضمين الإنزال معنى الإخبار ، والأمر كقولك أنزل القرآن بتحليل البيع وتحريم الربا ، أي آمرا ومخبرا بأن الطريق الأقرب واحد ليس إلا التوحيد الذاتي .
كقوله تعالى :" قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ " - الآية .
قوله ( وإن اختلف الملل والنحل )  إشارة إلى اعتراض جوابه
( لاختلاف الأمم ) كأنه قيل إن كان طريق نزول الحكم إلى قلوب الأنبياء هو المراد من إنزال الحكم طريقا واحدا فلم اختلفت أديانهم ؟
فأجيب بأنه لاختلاف استعدادات الأمم اختلفت صور سلوك طريق التوحيد وكيفية سلوكها ، مع أن المقصد والمراد وحقيقة الطريق واحد كالخطوط الواصلة بين المركز ونقط المحيط ، فإنها طرق شتى باعتبار اختلافات محاذيات المركز لكل واحدة من النقط المفروضة في المحيط ، مع أن الكل طريق من المحيط إلى المركز ، وكالمعالجات المختلفة التي يعالج بها طبيب واحد لأمراض مختلفة ، فإن المراد واحد وهو الصحة وكلها في كونها طريقا في رد المرض إلى الصحة واحد ، فطريق نزول الحكم إلى الأنبياء واحد والمراد منه هو الهداية إلى الحق ، فطريق التوحيد واحد لكن اختلاف استعداداتهم اقتضى اختلاف الملل والنحل ، فإن إصلاح كل أمة يكون بإزالة فساد يختص بها ، وهدايتهم إنما تكون من مراكزهم ومراتبهم المختلفة بحسب طباعهم ونفوسهم .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قول الشيخ، رضي الله عنه: (الحمد الله منزل الحكم على قلوب الكلم)
شروع فيما يجب على جميع العباد من الحمد لله والثناء عليه، لذلك صدر الحق تعالى كتابه العزيز بقوله: (الحمد لله رب العالمين) تعليما للعباد وتفهيما لهم طريق الرشاد.
ولما كان (الحمد) و (الثناء) مترتبا على الكمال، ولا كمال إلا لله ومن الله، كان الحمد لله خاصة، وهو قولي وفعلي وحالي:
أما القولي، فحمد اللسان وثناؤه عليه بما أثنى به الحق على نفسه على لسان الأنبياء، عليهم السلام.
وأما الفعلي، فهو الإتيان بالأعمال البدنية من العبادات والخيرات ابتغاء
لوجه الله تعالى وتوجها إلى جنابه الكريم، لأن الحمد، كما يجب على الإنسان باللسان، كذلك يجب عليه بحسب كل عضو، بل على كل عضو، كالشكر،
و عند كل حال من الأحوال.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله على كل حال".
وذلك لا يمكن إلا باستعمال كل عضو فيما خلق لأجله على الوجه المشروع عبادة للحق تعالى وانقيادا لأمره، لا طلبا لحظوظ النفس ومرضاتها.
وأما الحالي، فهو الذي يكون بحسب الروح والقلب، كالاتصاف بالكمالات العلمية والعملية والتخلق بالأخلاق الإلهية.
لأن الناس مأمورون بالتخلق بلسان الأنبياء، صلوات الله عليهم، لتصير الكمالات ملكة نفوسهم وذواتهم.
وفي الحقيقة هذا حمد الحق أيضا نفسه في مقامه التفصيلي المسمى بالمظاهر من حيث عدم مغايرتها له.
وأما حمده ذاته في مقامه الجمعي الإلهي قولا، فهو ما نطق به في كتبه و
صحفه من تعريفاته نفسه بالصفات الكمالية. وفعلا، فهو إظهار كمالاته الجمالية والجلالية من غيبه إلى شهادته ومن باطنه إلى ظاهره ومن علمه إلى عينهفي مجالي صفاته ومحال ولايات أسمائه.
وحالا، فهو تجلياته في ذاته بالفيض الأقدس الأولى وظهور النور الأزلي.
فهو الحامد والمحمود جمعا وتفصيلا،كما قيل:
لقد كنت دهرا قبل أن يكشف الغطاء أخالك إني ذاكر لك شاكرفلما أضاء الليل أصبحت شاهدا بأنك مذكور وذكر وذاكر وكل حامد بالحمد القولي يعرف محموده بإسناد صفات الكمال إليه، فهويستلزم التعريف.
وذكر الشيخ اسم (الله) لأنه اسم للذات من حيث هي هي باعتبار، و اسمها من حيث إحاطتها بجميع الأسماء والصفات باعتبار آخر، وهو اتصافها بالمرتبة الإلهية، فهو أعظم الأسماء وأشرفها.
والحمد المناسب لهذه الحضرة، بعد حمد الله ذاته بذاته، هو الذي يصدر من الإنسان الكامل المكمل الذي له مقام الخلافة العظمى.
لأنه حينئذ يكون منها ولها، إذ الكامل مرآة تلك الحضرة و مظهرها .
وقوله: (منزل الحكم) بفتح النون من (التنزيل). أو بإسكانه من (الإنزال).
والأول أولى، لأنه إنما يكون على سبيل التدريج والتفصيل، بخلافالإنزال.
والأنبياء، عليهم السلام، وإن كان نزول الحكم على كتاب استعداداتهم دفعة واحدة، لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج.
والإنزال والتنزيل، كلاهما، يستدعيان العلو والسفل.
ولا يتصور هنا العلو المكاني، لأنه منزه عن المكان، فتعين علو المكانة والمرتبة.
وأول مراتب العلو مرتبة الذات، ثم مرتبة الأسماء والصفات، ثم مرتبة الموجود الأول، فالأول بحسب الصفوف إلى آخر مراتب عالم الأرواح.
ثم مراتب السفل من هيولى عالم الأجسام إلى آخر مراتب الوجود.
ولكل من مراتب العلو سفل باعتبار ما فوقها إلا للعلو المطلق، ولمراتب السفل علو باعتبار ما بعدها إلا السفل المطلق.
وقوله: (على قلوب الكلم) وتخصيصه بالقلب يؤيد ما ذهبنا إليه: فإن العلوم والمعارف الفائضة على الروح لا يكون إلا على سبيل الإجمال.
وفي المقام القلبي يتفصل ويتعين، كالعلوم الفائضة على العقل الأول إجمالا ثم على النفس الكلية تفصيلا.
ولذلك جعل مظهر العرش الروحاني الذي هو العقل الأول في عالم الملك فلكا غير مكوكب وهو (الفلك الأطلس)، ومظهر الكرسي الروحي الذي هو النفس الكلية فلكا مكوكبا ومتفاوتا في الصغر والكبر والظهوروالخفاء وهو فلك الثوابت ليستدل بالمظاهر على الظواهر.
كما قال تعالى: "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب."
وإنما قال: (الحكم) ولم يقل: المعارف والعلوم.
لأنهم، عليهم السلام، مظاهر الاسم (الحكيم)، إذ (الحكمة) هي العلم بحقائق الأشياء، على ما هيعليه، والعمل بمقتضاه ولذلك انقسمت الحكمة إلى العلمية والعملية.
والمعرفة هي إدراك الحقائق، على ما هي عليه، والعلم إدراك الحقائق ولوازمها، ولذلك يسمى التصديق (علما) والتصور (معرفة).  كما قاله الشيخ ابن الحاجب في أصوله.
وأيضا، المعرفة مسبوقة بنسيان حاصل بعد العلم بخلاف العلم، لذلك يسمى الحق بالعالم دون العارف.
فلما كان العلم والعمل به أتم من كل منهما، أي من العلم والمعرفة جعلهم الحق مظاهر اسم الحكيم عناية عليهم ولاقتضاء مرتبتهم ذلك.
ولكون كل نبي مختصا بحكمة خاصة مودعة في قلبه وهو مظهر لها جمع فقال: (منزل الحكم على قلوب الكلم).
وقد مر تحقيق (القلب) في المبادئ.
والمراد بـ (الكلم) هنا أعيان الأنبياء، عليهم السلام، لذلك أضاف إليها (القلوب.) وقد يراد بها الأرواح.
كما قال تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) أي، الأرواح الكاملة.
ويسمى عيسى (كلمة) في مواضع من القرآن مع أن جميع الموجودات كلمات الله، وإليه الإشارة بقوله تعالى: "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا".
ولكون صدور الأشياء من المرتبة العمائية التي أشار إليها النبي، صلى الله عليه وسلم، عند سؤال الأعرابي  عنه: "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق؟" بقوله: "كان في عماء ما فوقهواء ولا تحته هواء".
أي، في مرتبة لا تعين لها ولا اسم ولا نعت، فتعمى عنهاالأبصار والفهوم، بواسطة (النفس الرحماني) وهو انبساط الوجود وامتداده.
والأعيان الموجودة عبارة عن التعينات الواقعة في ذلك النفس الوجودي.
سميت الأعيان كلمات، تشبيها بالكلمات اللفظية الواقعة على النفس الإنساني بحسب المخارج. وأيضا، كما يدل الكلمات على المعاني العقلية، كذلك تدل أعيان الموجودات على موجدها وأسمائه وصفاته وجميع كمالاته الثابتة له بحسب ذاته ومراتبه.
وأيضا، كل منها موجودة بكلمة (كن). فأطلق (الكلمة) عليها إطلاق اسم السبب على المسبب.
قوله: (بأحدية الطريق الأمم) متعلق بقوله: (منزل الحكم). و (الباء) للسببية.
أي، بسبب اتحاد الطرق الموصلة إلى الله بالتوجه والدعوة إليه وسلوك طريق يوجب تنور القلوب، نزل الحكم والمعارف اليقينية على قلوب الكلم الربانية، فإن اختلاف الطرق يوجب الغواية والضلال.
قال عز من قائل: "وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله". أوبمعنى (في). أي، منزل الحكم على قلوب الحكم في أحدية الطريق الأمم.
أو لتضمين التنزيل أو الإنزال معنى الإخبار، كقوله: "أنزل القرآن بتحريم الربا وتحليل البيع". أي، أخبر به.
فالباء للصلة. أي، مخبر الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم.
أو للملابسة. أي، منزل الحكم متلبسا بأحدية الطريق الأمم. و (الأمم)، بفتح الهمزة، المستقيم.
واعلم، أن الطرق إلى الله إنما يتكثر بتكثر السالكين واستعداداتهم المتكثرة .
كقوله تعالى: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها. إن ربى على صراط مستقيم".
وكقوله تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا".
ولهذا قيل: "الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق" وكل منها في الانتهاء إلى الرب مستقيم.
إلا أنهالا توصف بالاستقامة الخاصة التي أريد بقوله تعالى: "إهدنا الصراط المستقيم."
فاللام هنا للعهد، والمعهود طريق التوحيد ودين الحق الذي جميع الأنبياء ومتابعيهم عليه، وبه تتحد طرقهم.
كما قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله". لا ما ذكر في سورة هود، عليه السلام: " إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) سورة هود.
وإلا يكون طرق أهل الضلال أيضا موجبا لإفاضة الحكم، وبيان الحق للصراط المستقيم
بقوله: "صراط الذين أنعمت عليهم"- الآية، يدل على ذلك. ولذلك صدق اللاحق منهم السابق، وما وقع بينهم التخالف في التوحيد ولوازمه.
والاختلاف الواقع في الشرائع ليس إلا في الجزئيات من الأحكام بحسب الأزمنة ولواحقها.
فأحدية الطريق عبارة عن استهلاك كثرة طرق السالكين من الأنبياء و الأولياء في وحدة الصراط المستقيم المحمدي وشريعته المرضية عند الله.
كقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه". و "إن الدين عند الله الإسلام".
هذا بحسب اقتضاء الاسم الظاهر. وأما بحسب الاسم الباطن فطريقان جامعان للطرق الروحانية كلها:
أحدهما، طريق العقول والنفوس المجردة التي هي واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني إلى قلوبنا.
وثانيهما، طريق الوجه الخاص الذي هو لكل قلب به يتوجه إلى ربه من حيث عينه الثابتة ويسمى طريق السر ومن هذا الطريق أخبر العارف الرباني بقوله: "حدثني قلبي عن ربى".
وقال سيد البشر، صلى الله عليه وآله: "لي مع الله وقتلا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل". لكونه من الوجه الخاص الذيلا واسطة بينه وبين ربه.
ولا شك في أحدية الطريق الأول. وكذا في الثاني. إذ لا شك في وحدة الفياض وفيضه.
كما قال: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر".
وتكثر قوابل الفيض لا يقدح في وحدة الطريق، كما لا يقدح تكثر الشبابيك في وحدة النور الداخل فيها.
والسالك على الطريق الأول هو الذي يقطع الحجب الظلمانية وهي البرازخ الجسمانية، والنورية وهي الجواهر الروحانية، بكثرة الرياضات و المجاهدات الموجبة لظهور المناسبات التي بينه وبين ما يصل إليه من النفوس والعقول المجردة إلى أن يصل إلى المبدأ الأول وعلة العلل.
وقل من يصل من هذا الطريق إلى المقصد لبعده وكثرة عقباته وآفاته.
والسالك على الطريق الثاني، وهو الطريق الأقرب ، هو الذي يقطع الحجب بالجذبات الإلهية. وهذا السالك لا يعرف المنازل والمقامات إلا عند رجوعه من الحق إلى الخلق.
لتنوره بالنور الإلهي وتحققه بالوجود الحقاني،حينئذ، فيحصل له العلم من العلة بالمعلول ويكمل له الشهود بنوره في مراتب الوجود، فيكون أكمل وأتم من غيره في العلم والشهود.
وقوله: (من المقام الأقدم) إشارة إلى المرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع فيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانيا.
وإنما قال على صيغة أفعل التفضيل، لأن للقدم مراتب وكلها في الوجود سواء، لكن العقل باستناد بعضها إلى البعض يجعل قديما وأقدم.
كترتب بعض الأسماء علىالبعض، إذ الشئ لا يمكن أن يكون مريدا إلا بعد أن يكون عالما، ولا يمكن أن يكون عالما إلا بعد أن يكون حيا، وكذلك الصفات.
وجميع الأسماء والصفات مستندة إلى الذات، فلها المقام الأقدم من حيث المرتبة الأحدية وإن كانت الأسماء والصفات أيضا قديمة .
قوله: (إن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم) للمبالغة. و (الملة) الدين، و (النحلة) المذهب والعقيدة.
أي، أصل طرق الأنبياء واحد، وإن اختلفت أديانهم وشرائعهم لأجل اختلاف أممهم.
وذلك لأن أهل كل عصر يختص باستعداد كلي خاص يشمل استعدادات أفراد أهل ذلك العصر وقابلية معينة كذلك ومزاج يناسب ذلك العصر.
والنبي المبعوث إليهم إنما يبعث بحسب قابلياتهم واستعداداتهم فاختلفت شرائعهم باختلاف القوابل.
وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله ودين الحق، كما لا يقدح اختلاف المعجزات في وحدة حقيقة المعجزة.
ولذلك كان معجزات كل منالأنبياء، عليهم السلام، بحسب ما هو غالبة على ذلك القوم: كما أتى موسى بما يبطل السحر لغلبته عليهم.
وعيسى، عليه السلام، بإبراء الأكمة والأبرص، لماغلب على قومه الطب.
ونبينا، صلى الله عليه وسلم، بالقرآن الكريم المعجز بفصاحته كل مغلق بليغ ومصقع فصيح، لما كان الغالب على قومه التفاخر بالفصاحة والبلاغة.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
(الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم)، الحمد: إظهار کمالات الذات، وما يتعلق بها من الأفعال والصفات، والله علم للفرد الموجود من واجب الوجود بالذات، اعتبرت معه الصفات أم لا، وقيل: مع جميع الصفات .
"فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و الثناء له ثلاث مراتب: حمد الحمد و حمد المحمود لنفسه، وحمد غيره له وما ثم مرتبة رابعة.
ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو يحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزيه وما تم حمد ثالث بهذا التقسيم."
والإنزال لغة: تحريك الشيء من علو إلى سفل، استعير لإظهار أمر في السوافل بعد کمونه في العوالي، والحكم: جمع حكمة، وهي العلم اليقيني بحقائق الأشياء وأحكامها مع العمل بمقتضاه، والقلب جوهر مجرد في ذاته، متصرف في البدن بواسطة النفس، التي هي جسم لطيف، تنبعث عنه القوى المدركة والمحركة، متوسط بينها وبين الروح الذي هو من عالم الأمر، وهو الجوهر المجرد في ذاته وأفعاله.
والكلم: جمع كلمة، وهي اللفظ الموضوع المفرد، استعيرت لحقيقة الإنسان الكامل لجمعها ظهورات الأسماء الإلهية والحقائق الكونية مثل جمع الكلمة للحروف، وقد تستعار الحروف للحقائق البسيطة حمدا لله تعالى على إنزال الحكم لإفادتها السعادة الأبدية بتکمیل القوة النظرية والعملية، واعتبر إنزالها على القلوب؛ لأن الإنزال عليها إنما يكون بعد الإنزال
على الأرواح، والإنزال عليها قد لا يسري أثره إلى القلب عند تكدره، والنفس غير قابلة له إلا إذا تنورت بنور القلب بعد كمال التركية، فحينئذ يسري نور القلب إليها، ثم منها على سائر الأعضاء، فإن امتلات نورا سرى على نفوس من يناسبهم، ثم على سائر ما في العالم، حتى يتم صلاح بتمامه.
ولذلك خص الحمد بإنزال الحكم على القلوب، وخص قلوب الكمل إذ قلوب غيرهم غير مستعدة لقبول الحكم على الكمال؛ إذ لا تخلو عن شائبة الوهم والخيال، ولا يتأتى العمل منها بمقتضاها.
"اعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية، وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسية، وهو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف وله مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى والأسفل بما اشتملا عليه."
(بأحدية الطريق الأمم)، الطريق: ما يوصل السير فيه إلى المقصد، وأحديته جمعه فوائد الطرق، كأنها تصير بعد تفرقها واحدة والأمم الأقرب، وذلك طريق الكشف الجامع فوائد طرق النقل والعقل من الوصول إلى المقصد، وهو تحصيل الكمالات العلمية والعملية مع الحلو عما يلزم طريق النقل من التقليد، وطريق النظر من الشبهات الموجبة للتفرقة والبعد بترتيب المقدمات.
ولذلك لا يكاد يرتفع اختلاف مذاهب أرباب النظر (من المقام الأقدم)، أي: منزلها من التعين الأول المتضمن للعلم بالذات، ومن التعين الثاني المتضمن للعلم بالأسماء والصفات، وهما وإن ترتبا عقلا فهما أقدم من غيرهما في الوجود مساوقان فيه في الواقع.
وإنما اعتبرنا انهما؛ لأنه لا بد للكل من العلم بالذات والصفات جميعا على وجه لا يحتمل الغلط والقصور، وسائر المقامات لا تخلو عن أحدهما، ومقام الإطلاق لا يعتبر فيه العلم أصلا ؛ فهو إنما ينزل من أحد التعينين على القلوب المناسبة له، وهي التي أجازته مع غاية الصفاء فيها.
"أعلم في قوله: (من المقام الأقدم): أي أقدم من القديم، وهو أحدية الذات التي هي منبع فیضان  الفيض الأقدس على الأعيان الثابتة. وإنما قال : من المقام الأقدم؛ لأن أحدية الذات أقدم من أحدية الأسماء المسماة بالواحدية القديمة التي هي مرتبة الألوهية، فافهم."
(وإن اختلفت الملل و النحل)، أي: ملل من أنزلت عليهم من الأنبياء ونحل أممهم، فإن ذلك لا يخل بأحدية طريقهم في جمعها فوائد سائر الطرق في الإيصال إلى المقصد المذكور، ولا تكون علومهم من المقام الأقدم، بل غاية ذلك اختلاف وجوه مشيهم فيه، وذلك لاختلاف استعدادات (الأمم)، فالأحكام الفرعية المتعلقة بالجوارح أو القلوب، وإن اختلفت باختلاف الاستعدادات؛ فهي نازلة من المقام الأقدم، معدة في الإيصال إلى المقصد لمن جعلت طريقا لوصوله حين جعلت، ثم سندت على من بعدهم بعدما كانت منفتحة لمن تقدمهم، ولهذا لا يتأتي في الاعتقادات الأصلية أصلا.
" فما زلنا من الخلاف؛ لأنهم: أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين، ولذلك خلقهم، فما تعدی کل خلق ما خلق له، فالكل طائع في عين الخلاف.
وهنا مسألة دورية ذكرها الشيخ رضي الله عنه في «الفتوحات»: وهي إن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية، واختلاف النسب الاختلاف الأحوال، واختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان، واختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكية، واختلاف الحركات الفلكية الاختلاف التوجهات، واختلاف التوجهات الاختلاف المقاصد، واختلاف المقاصد الاختلاف التجليات، واختلاف التجليات الاختلاف الشرائع، واختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، فدار الدور، انتهى كلامه ."


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)

شرح خطبة المؤلف
(الحمد لله منزل الحكم ) الحمد عند التحقيق عبارة عن تعريف حدود المراد , والإبانة عن غاية كمال المحمود ومنتهى مقامه في آيات ذوات أفراد وأعداد ثمّ إنّ لتلك الآيات والأفراد - من حيث التفرقة الكونيّة العالميّة وظهور سلطان التعيّن فيها - وجهين من الدلالة والإشعار :
أحدهما نحو الإظهار : وهو الذي يلي الإطلاق الذاتي الوجودي فيه لسان الحمد .
والآخر نحو الإخفاء : وهو الذي يلي التقيّد العدمي الكوني فيه لسان التسبيح .
والأوّل لظهوره يفهمه كل أحد - دون الثاني - كما ورد في التنزيل : " وَإِنْ من شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ." 
وبيّن أن تلك الأشياء متخالفة بحسب ظهورها بالوجهين وغلبة أحكام الإطلاق والتقيّد : فمنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان التسبيح فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بلسان الحمد فقط ومنها ما ظهر بوجه يتكلَّم بهما .
وإذ قد تقرّر أنّ التسبيح حقّه هو الَّذي يؤدّى بالحمد ، وذلك هو اللائق بجنابه الأقدس ، فإنّ تنزيهه تعالى ليس ممّا يقابل التشبيه .

كما ستطلع عليه في طيّ الكتاب وقد عرفت ممّا سلف لك من البيان أن قلب الكمّل هو المختصّ بذلك أتى بالكلام المعرب الجامع بين الكثرة الكونيّة المسبّحة والوحدة الوجوديّة الحامدة  وهو المعبّر عنه بالحكم - حمد الله على إنزاله إيّاها .
وكأنّك قد نبّهت على أنّ موضوع ما في هذا الكتاب من الأبحاث إنّما هو ذلك بحسب تدرّجه في مراقي الكمال وتطوّراته ، إلى أن بلغ الرتبة الختميّة فلذلك قال : ( على قلوب الكلم ) إشارة إلى ما هو بصدد تحقيقه إجمالا ، على ما هو دأب أئمّة التأليف وأدبهم . والمراد من « الكلم » هو الكمّل من الأنبياء - كما لا يخفى على الواقف بمصطلحاتهم .
ثمّ هاهنا تلويح :
وهو أنّ لل « حكم » إلى « القلب » مناسبة بيّنة يتبيّن لأهله بأدنى تأمل :
( ا ا ف يم ) ، وكذلك لل « منزل » و « الكلم »  ، ولكن أبعد ، وفق ما لهما من 132 النسبة إليه : ( يم ون ا ا م ) ، ( ا ف يم ا ) ، ( ا ف ا م يم ) ، ( ا ف يم ا ).
ثمّ إنّ القلب بحسب ظهور الرابطة الجمعيّة المذكورة فيه ، والرقيقة الاتحاديّة التي فيها - على ما نبّهت إليها في المقدمة - قد انفرد بقرب من الطريق لا يتطرق لفنائه طوارق النسب والأبعاد ، به يعبد وقرب من المكانة ينطوي عنده بساط أعداد الوسائط والمناسبات  ، به يحمد . وأشار إلى طريقه المعبّد ومقامه المحمود ، منبّها إلى تحقيق طريق الإنزال ، وتبيين مبدئه ، ثمّ إلى منتهاه وغايته قوله :
(بأحديّة الطريق الأمم من المقام الأقدم ) فـ « من » ابتدائيّة ، أي أنزل من حيث أقدم وأعلى من أن ينسب إليه القدم المقابل للحدوث بطريق هو أقرب وأدنى من أن يشار إليه بالقرب المقابل للبعد فالباء فيه معنى الظرفيّة ، متعلَّق بـ " المنزل " ، كقولهم : « حججت بطريق الكوفة » .
وقد جاء الإنزال بمعنى الإظهار كقولهم : " أنزل ببني فلان سور " . واستعماله بـ « على » قرينة له .
ثمّ إنّ الاختلاف الَّذي هو دليل غلبة أحكام التعيّن الموجب للقصور عن أداء التسبيح والتحميد حقّهما ، موجود في قلوب الكمّل ، التي هي أصول أغصان الظهور والإظهار وبحور جداول الشعور والإشعار ، بحسب تباين استعدادات ما يتفرّع عنها من الأمم ، وتقابل مقتضيات مشاربهم ومقترحات نيّاتهم ومقاصدهم .
فقوله : ( وإن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم ) إشارة إلى ذلك وتنبيه على أنّ الأحديّة هذه ليست مما تنافيه وجوه التكثّر أو تقابله - بل تجمعها وتتحقّق بها - ف « إن » هاهنا للتوكيد .
وقوله : « لاختلاف الأمم » علَّة للاختلاف الأوّل وبيان أنّ ذلك الاختلاف مما لا بدّ منه بأصوله وتفاريعه وشعبه وشوارعه ، ضرورة تكثّر الوجوه بها ، وتنوّع ألسنة التسبيح والتحميد منها  .
فلولاه ولو لأنا ....      لما كان الَّذي كانا
وفيه إشارة إلى غاية الإنزال ونهايته ، يعني : اختلاف الأمم المتفرّع عن اختلاف الملل المتأصّل له ضرورة أنّه سببه .
وحيث أنّ مبدأ طريق الإنزال ومنتهاه الأمم ، فيه تلويح بشيء من معاني « ا ل م » - فلا تغفل .
تلويح :
حاء حقيقة الحقّ إذا اكتسى بصورة الدال الدالَّة على دولة الظهور ودوران أحكامه ، فالمركَّب إنّما يدلّ على الغاية من أطرافها ونهايتها - وهو " الحد " - فإذا ظهر عليه واو الهويّة وهاؤها هو « الوحدة » الكاشفة عن غاية رتبة الوصول إلى الوجود ، وكنه طرف البطون منه ، كما أنّه إذا امتزج بـ « ميم » الجمعيّة العلميّة والكمال هو « الحمد » الدالّ على تمام مرتبة الإظهار .
وممّا يؤيّد هذا تأييدا بيّنا أنّ ما بطن في « لله » من بيّنات أصله هو الظاهر في الحمد بعينه  كما لوّح إليه .
على أنّ الحاء والميم اللتين هما تمام الأسماء الإحصاء والألف واللام والميم ، التي هي تمام مرتبة الإظهار - كما اومي إليه - قد انطوت في " الحمد " مع الدال ، على الصورة الجمعيّة لها.
ثمّ إنّ الحاء والميم كما أنّهما إذا ظهرتا بالدال هو « الحمد » كما بيّن كذلك إن أحاطتا بكاف كنه الكلّ هو " الحكم " .
ثمّ اعلم أنّ للألف تنزّلا من سماء قدس تجرّده الذاتي وعلوّ تنزّهه الحقيقي إلى أرض عرضه المزاجي ، وهي باء بسطها وبيانها ، وصورة ذلك هو « ل » وهو لام « الكلام »الذي إذا اختفى الألف في صورة جمعيّته وبسطه هو « الكلم » ومن ثمّة ترى عدده ( 30 ) باعتبار اختفاء نقطة الباء فيها ، وهو معنى الإنزال ، وحيث وصف طريقه بما هو بيّنات اللام إشارة خفيّة إلى هذا التلويح ، وبيّن أنّ وقوع أمثال ذلك في مطلع الكتاب من آيات تحقيق رؤياه وتصديق كشفه عند أهله .
ثمّ إنّ الحمد حسبما عرفت معناه ولخّصت مغزاه - لا يخفى عليك أنّه ما تنفّس عن مطلع الظهور صبح كماله إلَّا بميامن أنفاس الخاتم وأفعاله وأقواله ، وما سطع أشعّة تمام إظهاره من أعلام الإعلان إلَّا بتبيين ورثته من آله .
فلذلك اشتقّ من « التحميد » بمعنى المبالغة في الحمد صيغة معربة عن أنّه المحمود لا غير وله الفضل فيه ، ليكون اسما له .
فإنّه ما لم يعرب عن هذا الوجه يكون قاصرا عن أداء تمام الحمد ، ولا يكون الاسم مطابقا لمسمّاه كما بيّن تحقيقه في « الرسالة المحمدية » - ومن ثمّة ترى أئمّة التأليف يستردفون الحمد بالصلاة عليه وعلى آله .
تقرّبا إلى المنتسبين إلى حضرته المنيفة وتطفّلا إليهم بما يورث الوصول إلى مدارج أقدامهم الشريفة ، وتنبيها على أنّهم هم السابقون والمصلون في مضمار أداء الحمد ، والفاتحون لأبواب كماله ، الخاتمون عليها بخاتم التمام ، فهي إذن من الحمد ، كما أنّ تسميته بما ينبئ أنّه المحمود منه أيضا .


شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد) هو إظهار كمال المحمود إذ لا كمال إلا للحق سبحانه جمعا أو فرقا . وكذلك لا مظهر له إلا هو سبحانه جمعا أو فرقا، فجنس الحمد أي حقيقته المطلقة الشاملة كل حامدية ومحمودية إذا لوحظ الحمد بعين الجمع واستهلاك المظاهر في الظاهر.
أو في كل فرد منه إذا لوحظ بعين التفرقة واستنار الظاهر بالمظاهر، وكل فرد منه إذا لوحظ بعين جمع الجمع خالص (لله) أي الذات المطلقة المجردة من جميع النسب حتى نسبة الإطلاق والتجرد إليها فهو الحامد في كل مرتبة والمحمود بكل فضيلة ومنقبة لا حامد سواه، ولا يحمد أحد إلا إياه .
اعلم أنه لا يقع حمد مطلق من حامد إلا لفظا وإذا أضيف الحمد إلى اسم من أسماء الله فلا يكون ذلك إلا من حيث حضرة خاصة من حضرات الأسماء يدل عليها حال الحامد ويقيد بها .
ولما كان حال الشيخ رضي الله عنه في هذا المقام تقييد حمده بتنزيل الحكم، لأنه رضي الله عنه كان في صدد بيان الحكم المنزل على قلوب الأنبياء عليهم السلام، أردف اسم الله بقوله :
(منزل الحكم) وجعله وصفا له تصريح بما بشیر إليه حاله وهو اسم فاعل.
إما من التنزيل أو من الإنزال وتحققهما إنما هو باعتبار أن الحكم إنما تنزل من الحضرات العالية الإلهية المطلقة إلى مرتبة التقييد والتعبير أعني حقائق القلوب الكمالية الإنسانية .
لأن العلو الحقيقي لإطلاق الذاتي وحضرة الربوبية الفعالة والتقييد والانسفال للمرتبة العبدانية القابلة.
ثم إن جعله من التنزيل أولى لأنه ينبئ عن التدريج، ولا يخفى أن نزول العلوم والمعارف على كتاب استعدادات أرواح الأنبياء عليهم السلام وإن كان دفعيا لا يمكن ظهورها على قلوبهم بالفعل والتفصيل إلا على سبيل التدريج، وذلك إما باعتبار أن الحكم النازلة على قلب كل نبي إنما نزلت بحسب مصالح أمنه مدة بقائه فيهم.
وإما باعتبار أن بعض الحكم بعد القلب، فیضان بعض أخر فبعضها يتقدم وبعضها يتأخر.
وإما باعتبار أن نزولها إما على طريق سنسنة الترتيب التي أولها العقل الأول والتدريج فيه ظاهر وما على طريق الوجه الخاص.
والتدريج فيه باعتبار أن النازل ينزل على الروح أولا بحسب الإجمالي ثم على القلب ثانية بالتفصيل.
والحكم الشرائع المشتملة على العلوم والمعارف التي هي الحكمة العلمية ، وعلى الأخلاق المرضية والأعمال الصالحة التي هي الحكمة العملية .
(على قلوب الكلم). القلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والقوى المزاجية وبين الحقائق الروحانية والخصائص النفسانية .
والتجلي الخصيص بحدائق الجوهر الروحاني والنفساني مجلى متعین من حضرة القدس والنزاهة والوحدة و العلو والفعل والشرف والحياة و النورية.
والتجلي المخصوص بالجسم متعين بأضداد ما للروح والنفس.
وذلك لتعيين التجلي في كل قابل بحسبه .
فلما ظهرت الحقيقة القلبية بأحدية الجمع استعدت قبول محل إلهي وفيض جمعي كمالي إحاطي لا يمكن تعيينه في كل واحد من الجوهرين، ولا في حقائق كل من الطرفين على الانفراد .
وهذا الفيض المخصوص بالقلب إنما يكون تعينه من الحضرة الإلهية العمانية الجمعية ، وإذا تحققت ذلك فاعلم أن إنزال الحكم من الحضرة الأحدية الجمعية الإلهية إنما تكون على قلوب الأحدية الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح والنفس والجسم لا على الروح والنفس فقط، أو على القوى الجسمانية وحدها فلذلك خص القلوب بالذكر.
والمراد بالكلم التي هي جمع كلمة أعيان الأنبياء عليهم السلام ولذلك أضاف القلوب إليها .
قال الشيخ الكبير صدر الدين القونوي رضي الله عنه في كتاب : "النفحات" أن الصورة معلومية كل شيء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية ، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي وذلك بحركة معقولة معنوية يقتضيها شأن من الشؤون الإلهية المعبر عنه بالكتابة .
تسمى تلك الصورة أعني صورة معلومية الشيء المراد تكوينه كلمة.
وبهذا الاعتبار سمي الحق سبحانه الموجودات كلمات.
ونبه على ذلك في غير موضع من كتابه العزيز فسمى عیسی على نبينا وعليه الصلاة والسلام كلمة .
وقال أيضا: "لا تبديل لكلمات الله" آيه 64 سورة  يونس.
وقال في حق أرواح عباده : "إليه يصعد الكلم الطيب" 10 سورة فاطر. أي الأرواح الطاهرة.
فإذا فهمت هذا عرفت أن شيئية الأشياء من حيث صرافتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم ومقام الاستهلاك في الحق سبحانه .
وأنها بعينها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها وعلى لوازمها وإظهارها لها لا له سبحانه في كلمة وجودية.
فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية وجودية بخلاف الاعتبار الأول .
(بأحدية الطريق الأمم) الأمم بالفتحتين المتوسط بين القريب والبعيد.
قال ابن السكيت الأمم بين القريب والبعيد والمراد بالطريق :
إما طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء ومتابعيهم المشار إليه بقوله :وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) سورة الأنعام.
وتوصيفه بالأمم باعتباراته متوسط بين قرب التنزيه وبعد التشبيه .
وأما الجمعية الكمالية الإنسانية بين حقائق الروح الذي له القرب وبين حقائق الجسم الذي له البعد فإنها كالطريق لنزول الحكم من حضرة الأحذية الكمالية الإلهية على القلوب.
والمراد بأحدية الطريق إما وحدته النوعية التي تتحد فيها أفراده، وإما أحدية جمعه للمتقابلات، والباء إما للملابسة على أن يكون الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف.
أي تنزيه ملتبسة بأحدية الطريق، أو حالا من الحكم أو القلوب أو الكلم ولا يخفى وجه صحة كل منها لفظا ومعنى.
وإما للسببية متعلق بالتنزيل فإنه مسببة عن سلوك طريق التوحيد وعن اتصاف القلب بالجمعية الكمالية الإنسانية أيضا.
وإما متعلق به على ما يقتضيه معنى الإخبار، أي الله سبحانه وتعالى ينزل الحكم مخبرة بأحدية العريق.
وأما الظرفية كما في قولهم : حججت بطريق الكوفة، فإن كلا من طريق التوحيد والجمعية الإنسانية طريق التنزيل ومحله (من المقام الأقدم) من ابتدائية.
أي هذا التنزيل مبتدأ من مقام هو أقدم من أن يكون قدمه مقابلا للحدوث ، والمراد به مرتبة الأحدية الذاتية التي هي منبع لفيضان الأعيان واستعداداتها في الحضرة العلمية أولا.
ووجودها وكمالاتها في الحضرة العينية بحسب عوالمها وأطوارها الروحانية والجسمانية ثانية.
وإنما كانت أقدم، لأن المراتب الإلهية وإن كانت كلها في الوجود سواء لكن العقل يحكم بتقدم بعضها على بعض الحياة على العلم والعلم على الإرادة والإرادة على القدرة وأقدمها الأحدية الذاتية (وإن اختلفت الملل) أي الأديان المتعددة بتعدد أصحاب الشرائع (والنحل) أي المذاهب المتشعبة من كل دين بتعدد المجتهدين.
وقوله : (لاختلاف الأمم) علة لاختلاف الأمم لاختلاف الملل والنحل.
أي هذا الاختلاف إنما وقع لاختلاف واقع بين الأمم في أمزجتهم و أحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومأخذ نظرهم ومعتقداتهم.
فاختلفت بشرائعهم ومذاهبهم في تلك الشرائع بسبب ذلك الاختلاف وذلك لا يقدح في وحدة أصل طرقهم وهو الدعوة إلى الله والدین الحق.


كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم , بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم.)
قال الشيخ الأكبر الحاتمي رضي الله عنه : (بسم الله الرحمن الرحيم) كلمة بسم الله من الإلهيين بمنزلة كلمة الحضرة.
فلما أراد رضي الله عنه ظهور عين الكتاب المسطور في الرق المنشور، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، فالأديب خلاق في هذه الدار ببسم الله الرحمن الرحيم ؛ ليعصم في معاملته من مشاركة الشيطان حيث أمره بالمشاركة في الأموال والأولاد، فهو ممتثل هذا الأمر الإلهي وحريص عليه، ونحن مأمورون بألقابه في هذه المشاركة، فطلبنا وطلبنا ما نتقيد به لكونه نجیا عئا لا نراه فأعطانا الله اسمه تعالى.
فلما سمينا الله تعالى أعمالنا عند الشروع فيها توحدنا بهما، وعصمنا الله من مشاركة الشيطان.
فإن الاسم الإلهي هو الذي يباشرها، ويحول بيننا وبينه حتى أن بعض أهل الكشف يشهدون هذه المدافعة التي بين الاسم الإلهي من العبد في حال الشروع و بين الشيطان.
وإذا كان العبد بهذه الصفة كان على بينة من ربه، وفاز ونجا من هذه المشاركة، وكان له البقاء في الحفظ والعصمة في جميع أعماله وأحواله.
ذكره رضي الله عنه في الباب الثالث والخمسين وثلاثمائة من «الفتوحات» وإنما عدل رضي الله عنه عن قوله: "كن أدبا مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم

، فإنه إذا أراد شيئا يقول له كن وحيث صدر منه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «كن أبا ذر» الحديث.

"نظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده" . المستدرك على الصحيحين
قال انه في «الفتوحات»الباب 595 : "من أراد التكوين فليقل بسم الله وإن كتبه فليكتبه بالألف وقال الأدب مع الله أن لا تشارك فيما أنت فيه مشارك " فافهم
بعض أسرار بسم الله على العموم لا باعتبار خصوص المقام.
اعلم أنه لما ثبت أن الأسماء الإلهية سب وجود العالم، وأنها المسلطة عليه والمؤثرة لذلك، قال : بسم الله خير مبتدأ مضمر ، وهو ابتداء العالم وظهوره كأنه يقول ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم، فظهر به العالم.
واختصت به ثلاثة من الأسماء؛ لأن الحقائق تعطى ذلك:
فالله هو الاسم الجامع الأسماء كلها والرحمة صفة عامة فهو رحمن الدنيا ما رحم كل شيء من العالم في الدنيا،
ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة، وانفرد عن أخيه في الآخرة.
فتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء جملة في الاسم الله، وتفصيلا في الاسمين الرحمن الرحيم .
قوله: (بسم الله): بالباء ظهر الوجود، وبالنقطة تميز العابد من المعبود.
قيل للشبلي قدس سره أنت الشبلي، قال: «أنا النقطة التي تحت الباء».   وهو إشارة إلى وجود العبد بما تقتضيه حقيقة العبودية.
"قال العارف سيدي ابن الفارض سلطان العاشقين مشيرا إلى ذلك بقوله:
ولو كنت لي من نقطة الباء خفضة     …… رفعت إلى ما لم تنله بحيلة
فبالتعين وقع التميز، وقد علمت أن أول تعين هو الحقيقة المحمدية، وهذه النقطة المراد بها ما ذكرناه مظهر هذه الحقيقة، والظاهر عين المظهر باعتبار، فكان صلى الله عليه وسلم هو هذه النقطة الجامعة لما يكون و كان."
"واعلم أن الذات تبارك وتعالى لا تعلق له بالعالم ولا بشيء لغناه الذاتي.
وأن الذي له التعلق والتأثير بالعالم هو الأسماء والبسملة كافية للعالم، وبها يتم أمره فإنها مشتملة على الأسم: الله والرحمن الرحيم، أما الأول فإنه له جمعية الأسماء جمعية إجمال، والاثنان الباقيان لهما جمعية ذلك تفصيلا. "
ونقل الشيخ رضي الله عنه عن الشيخ أبي مدين قدس سره أنه قال«ما رأيت شيئا إلا ورأيت الباء عليه مكتوبة». فالباء المصاحبة للموجودات من حضرة الحق في مقام والفناء.
ثم جاءت إلها آخر إشارة إلى بقاء وجوده أخرا عند محو الرسوم، وهذا هو المقام الذي يضمحل فيه أحوال السائرين، وتنعدم فيه مقامات السالكين حتى يفنى ما لم يكن، ويبقى من لم يزل لا غير؛ ليثبت لظهوره ولا ظلام يبقى لنوره.
ويشير إلى هذا المقام قوله تعالى: "لا تبقي ولا تذر" [المدثر : 28] وقوله : «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالألف المحمولة بالإضافة .
أعني: ألف الله إشارة إلى تحقيق اتصال الوحدانية، وتمحيق انفصال الغيرية وهو تحقيق المتصل بتمحيق المنفصل، فافهم.
والألف الثانية في اللام الثانية تمحو آثار الغير المتحصل: أي من الوهم المكتسب وظهور اللام بالاستقلال، وإما إلها للهوية السارية إشارة إلى أنه منها بدأ وبها ختم وملكها الأمر في الوجود والعدم.
وجعلها دالة على الحدوث و القدم، والله بكل شيء محيط، وصير الكل استما ومسمي، وأرسله مكشوفا و معما الله هو الولي الأعلى
أما ترى أن اللام الثانية لما كانت مراده الكل مجتباه كيف أعربت و اتصلت بألف الوحدانية اتصالا شافيا حتى صار وجودها نطقا يدل على الألف دلالة صحيحة، وإن كانت الذات فيت فإن لفظك باللام تحقيق الاتصال.
ويشير إلى هذا قول أعلم الخلق بالله صلى الله عليه وسلم : «من عرف نفسه فقد عرف ربه» فمن عرف اللام الثانية عرف اللام بخلاف اللام الأول، فإنه مع الهمزة ولا يظهر الألف.
أما ترى تعانق الكلام مع الألف تعانقا حبيبا عشيقا لا يفارقها أبدا؛ بل في ظهور الأول ثابت الهمزة عنها: أي عن الألف، وهي في حجاب غرة البطون لا تقبل الحركة والخروج لو شاء لجعله ساكنا.
قال الله تعالى: "وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم" [الانعام : 13]، فافهم ولا تكن غليظ الطبع قدما أصم أعمى أبكم وعلى الله قصد السبيل.
وأما قوله رضي الله عنه عن الرحمن فاعتبر فيه وجهان: فمن أعربه بدلا جعله ذاتا.
قال تعالى : "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا له الأسماء الحسنى" [الإسراء:110]
ومن أعربه نعتا فقد اعتبره صفة قال : «إن الله خلق آدم على صورته» وفي رواية: «على صورة الرحمن» و هذه الرواية ذكرها رضي الله عنه  في الباب الخامس من «الفتوحات» وقال: إنها صحيحة من طريق الكشف، فمن أعربه بدلا أشار إلى التحقيق بمقام الجمع الذاتي وفناء الصفات.
كما قيل: التوحيد إسقاط الإضافات و هو مقام أن الله خلق آدم على صورته ، وذلك وجود العبد في مقام قرب الحق في حد الخلافة. فافهم
وأما من أعربه نعتا فإنه أشار إلى رتبة الجمع الصفاتي، وهو من مقام خلق آدم على صورة الرحمن وهذا مقام الوراثة ولا يكون إلا بالحجاب، وهو المعبر عنه بالمثل، وفيما قررناه دل على ما أضمرناه لمن له قلب.
قال تعالى: "ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال" [الأحزاب:25] فكن المعمي ولا تكن من هو أضل و أعمي.
وأما الرحيم من البسملة صفة محمد صلى الله عليه وسلم بلا شبهة ولا مراء، كما شهد الله له بقوله: "بالمؤمنين رءوف رحيم" [التوبة:128]، "وكفى بالله شهيدا" [النساء: 79] ، تمت البسملة وبتمامها تم العالم خلقا وإبداعا، وكان صلى الله عليه وسلم مبدأ الوجود عقلا و نفسا
ورد: «كنت نبيا و آدم بين الماء والطين».  أي العلم والعين وصار به ختما
و به  صلى الله عليه وسلم ختم المقام روحا وجسما , كان آدم أبو البشر حامل الأسماء وهو صلى الله عليه وسلم حامل الاسم والمعين
قال : «مثلت في أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها» ذكره الديلمي عن أبي رافع .
فالشهود في الماء والطين أتم وأعم من الشهود في عالم الأرواح أو المثال فافهم.
فإني ما ذكرت لك في مقام البسملة سوى قشور ما فهمته من معارفه لانه وذلك لأن الفائدة في المحاورة و التعريف لا يكون إلا إفهام المخاطب، و إلا ما يقع في التعريف فائدة، ولما كان فهم المخاطبين بحسب إدراكهم فيما خوطبوا به مما ظهر منا إلا بحكم الحكيم.
وإلا قال بانه: إنه وجدت البسملة أنها تتضمن ألف معنى كل معنى منها لا يحصل إلا بعد انقضاء حول.
ولا بد من حصول هذه المعاني؛ لأنه ما ظهر إلا ليعطي معناه، فلا بد من كمال ألف سنة لهذه الأمة، وهي أول دورة الميزان ومدها ستة آلاف سنة روحانية محققة.
ولهذا ظهر في هذه الأمة من العلوم الإلهية ما لم يظهر الغير هذه الأمة، فإن هذه الدورة التي انقضت كانت ترابية فغاية سعيهم علما وعملا بالطبائع و الإلهيون فيهم غربا قليلون جدا.
يكاد ألا يظهر لهم عين، ثم أن المقالة منهم أيضا ممتزج بالطبيعة، ولا بد ما صرف خالص سائغ للشاربين، ولا سبيل لحكم الطبع عليه أصلا، هذا هو مال اليتيم الذي لا يقربه أحد إلا بالتي هي أحسن: أي باستحقاق الوراثة المحمدية فافهم.
نكتة: اعلم أن البسملة أربعة ألفاظ لها أربعة معاني معان فتلك ثمانية :
وهم العرش المحيط، وهم الحملة، فهم حملة من وجه و عرش، من وجه ذكره عند في «الفتوحات» ثم قال: فانظر واستخرج من ذاتك لذاتك،
فقلت: إطاعة لخطابه المستطاب إنهم من حيث الصور حملة، ومن حيث المعاني عرش؛ لأن الصور يصح أن يقال فيها أنها حافلة الأرواح، فلهذا تظهر في الآخر ثمانية؛ لأن المعاني فيها تظهر صورة قائمة بنفسها والله أعلم.
بشارة في البسملة وهي: إنه تعالى لكمال العناية بالعباد كما أبطن اسم المنتقم في الجلالة، وأظهر اسما الرحمة العامة والخاصة في الوجودين الكتابة والقراءة، كذلك أظهر حكمها في وجودي الدنيا والآخرة وأبطن حكم المنتقم فيها إشارة إلى سريان حكم الرحمن في الوجود فافهم.
إن هذا معنى ما قاله به في «الفتوحات»: إن من كرمه سبحانه أن جعل تعالى في مقابلة الوعيد مانعا وهو: العفو والتجاوز وأمرنا به، ولم يجعل للوعد مانعا قال مخلوق من مخاليقه نظم
وإني إذا أوعدته أو وعدته     ….. لمخلفا  ميعادي ومنجز
هذا وهو محتاج فقير يتيم، قال تعالى : "ما غرك بربك الكريم " [الانفطار: 6].
قال الشيخ الأكبر: [الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم بأحدية الطريق الأمم من المقام الأقدم وإن اختلف النحل والملل لاختلاف الأمم. وصلى الله على محمد الهمم، من خزائن الجود والكرم، بالقيل الأقوم، محمد وعلى آله وسلم].
قال الشيخ الكيلاني الشارح:
(الحمد لله) حقيقة، الحمد هو العبد المقدس المنزه قدمت الذات تنويها وتشريفا وتعريفا بأن النفس قد عرفت، وتصديقا و اقتداء لبي.
قال تعالى : "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" [النمل:30]
كأنك ما فهمت ما ذكره لك بلسان آخر من ألسنته رضي الله عنه ؛ لاتساع الرحمة وإطاعة الأمر حيث كي لا تمتعوا هذه الرحمة التي وسعتكم
فاعلم أيدك الله وإيانا بروح منه أن الحمد و ثناء وله ثلاث مراتب:
1 - حمد الحمد
2 - وحمد المحمود لنفسه،
3 - وحمد غيره له
وما تم مرتبة رابعة، ثم في الحمد الذي يحمد الشيء نفسه، أو بحمده غيره تقسیمات، إما أن يحمده بصفة فعل، وإما بصفة تنزیه و ماثم حمد ثالث بهذا التقسيم
وأما حمد الحمد له فهو في الحمدين بذاته لو لم يكن لما صح أن يكون لها حمد.
ثم أن الحمد على المحمود قسمان، منه أن يحمد بما هو عليه وهو الحمد الأعم.
ومنه أن يحمد على ما يكون منه وهو الشكر العرفي الأخص، فانحصرت الأطراف و اجتمعت المحامد.
وإما تعيين الكمالات التي تدل على ما ذكره لا يتناهى كما أخبر أعلم الخلق بالله لا حيث قال في بيان المقام المحمود: «فأحمده بمحامد لا أعلمها الآن»
وقال صلى الله عليه وسلم : «لا أحصي ثناء عليك» ؛ لأن ما يتناهى لا يدخل في حيطة الإحصاء والوجود، ولما كان كل عين حامدة ومحمودة في العالم كلمات الحق الظاهرة من نفس الرحمن بفتح الفاء ونفس الرحمن ظهور الاسم الباطن، والحكم الغيب فهو الظاهر والباطن فرجعت إليه عواقب الثناء كله؛ بل إليك فافهم.
فلا حامد ولا محمود بل ولا الحمد إلا الله، ولا الحمد إلا العبد، فإن من هذا المشرب ما قلناه: إن حقيقة الحمد هو العبد المقدس فلا تقف مع ساحل الألفاظ، و خض بحر المعاني مجرد عن لباس الصور والأوان، لعلك تقدي بهذا فإن صعب عليك المرام من حيث أنه إلغاز وإيهام.
قل: إن الحمد في العرف إظهار کمال المحمود في ظهور العبد الكامل على صورة إظهار الكمال، بل كمال الإظهار، فإن ما في الإمكان أبدع مما كان هل يكون شيء أبدع من صورة المبدع والله هو البديع؟!
فاقنع هذا وخذ ما آتيتك، وكن من الشاكرين فإن المقام مقام الحيرة والكيل كيل السندرة لله.
الاسم الله اسم مرتبة أزلية قديمة، وهو مقام انفصال وجود من وجود الإله، ثم غيبه عن وجوده بوجوده سبحانه الأزلي الأبدي، فلما جمع الأبد والأزل جمع الحرفين، ولف الطرفين، وطي البردين في اعتدال البردين .
فأوصل اللام باسم الجلالة ؛ الكمال الاتصاف وغاية العدل والإنصاف.
(وقال الله) لتحقق الاتصال التام و تمكنه في ذلك المقام، فخرج من مضمون مجموع ما ذكرته إن فهمته أن غاية الأمر أنه حمد نفسه التي رآها وهذا من محتملات الآية، إذا كانت الكاف غير زائدة وصار الموجود مرآة فلا تحلت صور الممثل في مرآة الذات.
قال لها تعالى حين أبصرت الذات وعطست و میزت نفسها: احمدي من رايت فحمدت نفسه التي رأت في المرآة.
فقالت: الحمد لله.
فقال لها: يرحمك ربك يا آدم لهذا خلقتك فسبقت بهذا القدم رحمته غضبه.
وإنما قلت: إن الله اسم للمرتبة لا اللذات .
لقوله فيه في أجوبة الترمذي رحمه الله: إن مدلول الله يطلب العالم بجميع ما فيه فهو له كاسم الملك والسلطان، فهو اسم للمرتبة لا للذات انتهى كلامه رضي الله عنه.
و كيف لا والحمد ما يقع إلا على الأسماء للذات البحت؛ لأنها لا تدرك.
قال صدر الدين القونوي في شرح الفاتحة: إن الحمد هو الثناء في الحقيقة تعريف، والتعريف لا يصح بدون معرفة المعرف بالفتح فافهم. فكيف تقبل الحمد.
و أيضا: إن الحمد من مقام التفصيل والجمع لا الأحدية الذاتية فافهم.
فإذا فهمت هذا فاعلم أن الشارح الذي شرح الله صدر الخطبة بالذات المطلقة المعراة عن جميع النسب حتى عن نسبة التجرد والإطلاق ما اتصف، وكيف يصدر من العارف ما يخرج عن ميزان القسط والعدل فافهم.
فإن قيل: لم قال له الحمد لله ولم يقل بالله؟
كما يقول، العارف، قلنا: لشرف مقام اللام فإن الحمد له أعلى من الحمد بالله؛ لأن الحمد بالله أبقى الحامد وهو مقام قرب النوافل، والحمد لله أفي الحامد وهو من مقام قرب الفرائض.
فإذا قال العالم : الحمد اللهأي لا حامد لله إلا هو فأجري ألا يكون محمودا سواه.
وقال الجاهلالحمد لله : أي لا محمود إلا الله فاشتركا في اللفظ، و افترقا في المعنى فالعالم أفني الحامدين والمحمودين من الخلق.
والمحجوب أفني المحمود من الخلق فقط.
وأما العارفون هم البائيون فلا يتمكن لهم أن يقولوا الحمد لله إلا مثل العامة، وإنما مقامهم الحمد بالله؛ لبقاء نفوسهم عندهم وغاية الأمرين ونهايته أنها قائمة بالله وهم أهل مشهد لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلما كان له به رتبة العلم فقال: الحمد لله وما قال: الحمد بالله فإن دون رتبته.
قال له في «الفتوحات» نقلا عن أبي العباس العريف أنه قال: العلماء لي والعارفون بي يشير إلى ما ذكرناه.
فأثبت المقام العالي للام؛ لأن اللام لا تبقي ولا تذر.
فالعلماء هم اللاميون، و العرفاء هم البائيون، فافهم
(منزل الحكم)، مخففة من باب الأفعال يشير فنه إلى مرتبة الإنزال الإجمالي إلى حضرة النفس الكلي التي عبر عنها بلسان الشرع، أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ من المحو والإثبات.
كما أشار إلى هذا الإنزال الإجمالي قوله تعالى : "إنا أنزلناه في ليلة القدر" 1 سورة  القدر .
وهو إنزال إجمالي إلى النفس المحمدية المعبر عنها بلسان العموم السماء الدنيا.
قال بعض المفسرين: إنه تعالى أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر والشرف.
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم». وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب.
وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني" : "يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا".
أو نقول: منزل بالتشديد من باب التفعيل: أي منزل الحكم على سبيل التدريج بحسب المصالح كما قال تعالى في القرآن
"ما ننزله إلا بقدر معلوم" [الحجر: 21] اقتضته حكمة الحكيم.
وقال تعالى : "ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106] : أي مرتبا بحسب المصالح.
وقال تعالى : "فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" [البقرة: 97]؛ لأنه محل التفصيل بخلاف النفس إذا إجمال بالنسبة إلى قلب القلب، وفيه تفصيل كل أمر فهكذا نزول الحكم على الكلم على النفوس مرة، وعلى القلوب تارة أخرى.
فالأولى أشرف وأعلى، والثاني أنتم وأولى ولهذا خوطب صلى الله عليه وسلم حين كان يعجل بالقرآن قبل الفرقان
فقال تعالى: "ولا تعجل بالقرآن" [طه: 114] : أي بالإجمال قبل التفصيل إشارة إلى أن الفرقان بعد القرآن أتم وأولى، فافهم .
وأما الحكم وهي جمع حكمة، قال تعالى: "ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" [البقرة:269]، وما كثره الله تعالى لا يدخله قلة وأمتن على نبيه وخليفته داود عليه السلام ، وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أتاه الحكمة وفصل الخطاب، وهو من ثمرة الحكمة أو الحكمة نفسها.
وهو إيجاز البيان في موطن الإطناب والإسهاب في الآخر على ما يقتضيه المقام والحال، وأوتي صاحب جمع الجمع صلى الله عليه وسلم ما لم يؤتوا وهو صدق قوله: «أوتيت جوامع الكلم»وهو من أكبر فصول الخطاب جزء من أجزاء هذا الكتاب. وعلى لسان رتبته صلى الله عليه وسلم .
قال ولي من أوليائه "الشيخ عبد القادر الجيلاني": «يا معشر الأنبياء أوتيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا».
ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" عن قطب وقته و فرد عصره عبد القادر الجيلاني قدّس سره . 
"أضاف الشيخ المحقق للكتاب :
قال الشيخ العطار : وأما قول سیدنا سلطان الأولياء عبد القادر : «معاشر الأنبياء أو تیتم
اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوا» فهو من باب قول الخضر لموسى عليهما السلام "أنا على علم أو تيته لم تؤته" أو معنى ذلك، مع أنا لا نتوقف في فضل موسى على الخضر، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
كيف وعلم رجال هذه الأمة موروت عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد علم ما لم يعلمه غيره ممن سبقه من الأنبياء عليهم السلام ، فقد فاز رجال هذه الأمة بالعلم الموروث عنه صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضا الشيخ الشعراني معقبا على ذلك: اعلم أن قوله رضي الله عنه : «إنما أوتيتم اللقب» أي حجر علينا لقب النبي ، وإن كانت النبوة سارية إلى يوم القياسية في أكابر الرجال لأنهم نواب الأنبياء وورثتهم.
وأما قوله: «وأوتينا ما لم تؤتوا».. فهو معنى قول الخضر عليه السلام الذي شهد بعدالته وتقدمه في العلم لموسى عليه السلام " أنا على علم علمنيه الله لا تعلمه أنت" يريد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان وبين ربه.
ويحتمل أن يريد الشيخ عبد القادر بالأنبياء هنا أنبياء الأولياء أصحاب التعريف الإلهي، فتكون تصريحا منه بأن الله تعالى قد أعطاه ما لم يعطهم، والله أعلم. "
والحكمة علم خاص و الفرق بين الحكمة و العلم المطلق أن لها الجعل و التحكم بخلاف العلم فإنه تابع المعلوم، فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها . 
قال تعالى إشارة إلى هذا المقام: "كتب على نفْسِهِ الرّحْمة" [الأنعام: 12] لأنها مقتضى الحكمة . 
قال رضي الله عنه في الاسم الحكيم: إنّ العارف يقدم الحكيم على العليم، فالحكيم خصوص و العليم عموم، و لذلك ما كل عليم، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وذلك لأنه ثبت عند أهل الكشف الأتم والتحقيق الأوسع الأعم أن الترتيب ثابت في الأعيان الثابتة في الحال بثبوتها في معدتها، وتعلق العلم الإلهي بحسب ما هي مرتبته، وما ترتبت إلا بالحكمة لأنه ما من ممكن مضاف إلى ممكن أخوالا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه مع قطع النظر عن أمر آخر، لكن الحكمة اقتضت هكذا وهو ذاتيّ لها، والظاهر في العالم الشهادي ظلّ ذلك العالم المعنوي على ترتيبه. 
قال رضي الله عنه: هذا هو العلم الذي انفرد به الحق، و جهل منه فافهم، فظهرت به الحكم في الوجود بالوجود على ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها روحا و صورة، فبان لك الفرقان بين العلمين العلم والحكمة وكلاهما . 
قال الحكيم العليم: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ"  [ ق: 29] لأنه مخالف الحكمة و هي تأبى التبدّل الخارج بخلاف النسخ فإنه من الحكمة البالغة . 
قال تعالى: "ما ننْسخْ مِنْ آيةٍ أوْ نـنْسِها ن أْتِ بخيْرٍ مِنْها أوْ مِثلها" [ البقرة : 106] فافهم .
فالعلم بالحكمة المنزلة تخفيفا أو تثقيلا إمّا بكشف سبحات الوجه حتى يرى ما في العين الثابتة، فإنها حكم مرتبة من حكيم عليم، هذا الإنسان عين صفاء خلاصة الخاصة، و إمّا ما يكشف الغطاء عن البصر والبصيرة، أو بتعريف إلهي حتى يرى أو يعلم ما في الوجود من الحكم المرتبة ترتيب عليم حكيم . 
أمّا قوله رضي الله عنه: بالإنزال أو التنزيل المشير إلى التنزل من العلو، فلأن الأمر نزول من علو أحدية الذات إلى أحدية الجمع باعتبار الإنزال أو التنزيل الذي من المقام الأقدم الذي هو الولاية المطلقة التي هي باطن النبوة.
أو من أحدية إلى ساحة الفرق باعتبار التنزيل و التفصيل في مرتبتي النبوّة و الرسالة المطلقة العامة و الخاصة.
فإذا فهمت ما سردته لك فهم منصف ظهر لك أنّ القول بأن التنزيل أولى من الإنزال كما ذهب عليه الشارحان القيصري و الجامي قدّس سرهما ترجيح بلا مرجح، بل بالعكس أولى و أحرى.
لأن الشيخ رضي الله عنه قال: إن الحكم من المقام الأقدم بأحدية الطريق الأعم، و هما بالإجمال أقرب من التفصيل، بل هما عينا الإجمال و محلا الإهمال فافهم، فإنها من فيض الأقدس لا المقدس. 
كما صرّح به رضي الله عنه بعد هذا في قوله: ما بقي إلا قابل و القابل لا يكون إلا من فيضه الأقدس، ثم الاستدلال بأنه لا يكن ظهور الحكم على القلوب بالفعل، إلا على سبيل التدرج إدخال الزمان على الإلهيات و الخروج عن الموطن المبحوث فيه، فإن المقام مقام الأقدم . 
قال رضي اللّه عنه في الباب السادس و السبعين في فصل من "الفتوحات" : 
ليس في حق الحق ماض و لا آت و آن، و إنه ما زال و لا يزال لا يتصف بأنه لم يكن ثم كان، و لأمر القضاء بعد ما كان و ربما يعطي الله تعالى هذه القوة لمن يشاء من عباده، و قد ظهر منها نفحة على النبي صلى الله عليه و سلم علم الأولين و الآخرين فعلم الماضي و المستقبل في الآن، فلو لا حضور المعلومات له في حضرة الآن لما وصف بالعلم بها في حضرة الآن فافهم.
مع أن شيخنا نور الدين عبد الرحمن الجامي قدّس سره اعترف في خطبة كتابه:
إن من عجائب هذا النوع ما فاض من قلبه إلا نور و روحه إلا ظهر كتاب "فصوص الحكم و الأسرار" دفعة واحدة على قلب المصنف رضي الله عنه انتهى كلامه . 
و أما قول الشارح القيصري قدّس سره: إنّ التنزيل أولى ثم الاستدلال بأن نزول الحكم على كتاب استعدادات الأنبياء عليهم السلام، و لو كانت دفعة واحدة و لكن ظهورها بالفعل لا يمكن إلا على سبيل التدريج، فخروج عن المقصود لأن المراد من المبحث كيفية النزول لا كيفية ظهور المنزل، فافهم .
و لا تنظر إلى من قال، و انظر إلى ما قال لتكون من الرجال و لا تحرم من حقيقة صدق المقال، و تكن من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
( على قلوب) اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أنّ القلب عبارة عن النشأة الجامعة بين الحقائق الجسمانية و القوى المزاجية، و بين الحقائق الروحانية و الخصائص النفسية، و هو جوهر برزخي له وجه إلى جميع الأطراف و له مقام المضاهات، وأن يتسع لانطباع التجلي الذاتي الذي ضاق عنه العالم الأعلى و الأسفل بما اشتملا عليه . 
كما ورد به الإخبار الإلهي من مشكاة النبوّة، وهو قوله سبحانه: "ما وسعني أرضي وسمائي ويسعني قلب عبدي"  
وأن يكون مستوي له و ظاهرا بصورته، فالقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء، مصقولة صافية وكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي هو الياقوت الأحمر، و هذا هو التجلي الذاتي فذلك قلب المشاهد الكامل المكمّل العالم الذي لا أحد فوقه في تجلّ من التجليات . 
قال سبحانه: "إنّ في ذلك لذكْرى لمنْ كان لهُ قلْبٌ" [ ق: 37] لأن التقليب و التقلب في القلب نظير التحوّل الإلهي في الصور، فلا يقابل التحول الغير المتناهي إلا التقلب الغير المتناهي فلا تكون معرفة الحق إلا بالقلب.
ثم يقبلها العقل القدسي من القلب كما يقبل من الفكر، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها بالعقل لأنه يقيد و الأمر مطلق غير مقيد، بل القلب بين الإصبعين يقلبها كيف يشاء العبد، أو الحق فهو متقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب الشئون كل يوم هو في شأن .
أو نقول: إنه يتقلب بتقلب التجليات، و التجليات بحسب استعدادات الأعيان، فالقلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ، و إن أطلق عليه يوما ما الصدأ . 
كما ورد في الحديث :  " إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ".  
الحديث ليس المراد بهذا الصدأ أنه طخا و طلع على وجه القلب، بل لما تعلق و اشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالمسبب، فكان تعلقه بغير الله هو الصدأ، فهذه المرآة المصقولة التي هي القلب مقابلة للوجه المطلق، فتظهر فيها صور الشئون . 
قال الله تعالى :  " لا يسعني أرضي و سمائي".  
يشير إلى العلويات و السفليات فإنه تعالى عرض عليها الأمانة، فأبين أبا استعداديا . 
ثم قال  "و يسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي".  رواه الديلمي والعجلوني
، وذلك لوسع دائرته، بل لعدم تناهيه و حسن المقابلة و كمال الموطأة و المواجهة. فأين هذه السعة من سعة العارف القابل؟
لو أبقيت العرش و ما حوله ألف ألف مرة في زاوية قلب العارف ما أحسّ به، و أين المتناهي من غير المتناهي؟ . 
فقلب العبد , العبد الخصوصي بيت الله سبحانه و موضع نظره و معدن علومه و حضرة أسراره و مهبط ملائكته و خزانة أنواره و كعبته المقصودة و عرفانه المشهودة رئيس الجسم و مليكه.
إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . مع السلامة من الآفات و زوال الموانع، بل بصلاحه صلاح البدن و بفساده .
فساده هو الموصوف بالسكر، و الصحو في الإثبات و المحو، و له الأسرار و التنزل هو ذو الجلال و الجمال و الأنس و الهيبة هو قابل المعاني، و مدبر الأواني و هو صاحب الجهل و الغفلة و الكفر و الشرك إمّا مضل، و إمّا هاد بل هو مضل هاد .
( الكلم) جمع كلمة و هي ليست سوى صور الممكنات، فالمراد هنا من الكلم أعيان الكمّل من الأنبياء و الرسل صلوات الله عليهم أجمعين . 
قال تعالى في عيسى عليه السلام: "و كلمتهُ ألقاها إلى مريم و روحٌ مِنْهُ فآمِنوا باللّهِ ورسُلِهِ ولا تقُولوا ثلاثةٌ انتهُوا خيْرًاً لكُمْ  إنّما اللّهُ إلهٌ واحِدٌ سُبْحانهُ أنْ يكُون لهُ ولدٌ لهُ ما في السّماواتِ وما في الْأرضِ وكفى باللهِ وكيلًا" [ النساء: 171] . إنما سميت كلمة لأنها مجتمعة من الحروف العاليات . 
قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
كنا حروفا عاليات لم نقل     ....... متعلقات في ذرى أعلى القلل
و هي كالكلمة الحرفية المركبة من حروف النفس بفتح الفاء، و ذلك لأن كل معلوم في عرضه الإلهي له رتبة الحرفية فبالانصياع بنور الوجود بحركة معنوية ذاتية يظهر مجموع من الحروف العاليات المسماة بالأعيان الثابتة في مرآة الوجود، فيسمّى ذلك الظاهر المجموع بالكلمة، فكل نبي و ولي  كلمة، و نبينا صلى الله عليه و سلم بجوامع الكلم 
و من هذا المقام قال :  "أوتيت جوامع الكلم"   
و كذا الوارث من أمته صلى الله عليه و سلم فإن لهم فيه صلى الله عليه وسلم أوتي هذه الأمة التي هي مجموع الكلمات لأنه من بعض محتملات الحديث المذكور . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "أوتيت جوامع الكلم"  : أي أعيان أوليائه، و أرواح وارثيه، بل كل واحد منهم جامع الكلم بقدر الاتباع و الوسع، و من وفى حقّ اتباعه كان له حكمة . 
كما قال صلى الله عليه و سلم : "ادعوا إلى الله علي بصيرة أنا و من اتبعني" وهذا الاتباع أنتج  
المحبة والمحبة أثمرت أن يكون الحق سمعه، و بصره، و جميع قواه صحّ له أن يكون جوامع الكلمات، و مجامع الخيرات، فافهم .
و من هذا المقام ما  ورد : "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"  
و يخبر صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة بأخوة الأنبياء عليهم السلام . 
و في حديث الأخوة حين قالوا: "نحن إخوانك يا رسول الله
قال: لا أنتم أصحابي، و إخواني الذين يأتون بعدي آمنوا بي ولم يروني الحديث" و الإخوة هي الأسوة الحسنة فيما أخذوا من المعدن، فافهم . 
( بأحدية الطريق الأمم) و الأمم بفتح الهمزة هو: المستقيم و فيه تقديم و تأخير: أي بطريق الأحدية الذاتية الحاصلة من الفناء الذاتي فإنه أقرب طريق إلى البقاء ، و أقومها للوصول إليه لا الأحدية الأسمائية.
لأن الأول من المقام الأقدم و فيضه الأقدس.
و الثاني من المقام القديم و فيضه المقدس.
و الأمر في نفس الأمر أقدس من أن يكون مقدّسا و معرفة هذا موقوف على معرفة الأحدية و الواحدية لتعلم مراتب الفيضين: أي الأقدس و المقدّس المرتبين على المرتبتين . 
فاعلم أن الأحدية و الواحدية و لو كانتا ذاتين لوحدة الذات، و لكن أحديتها مقام انقطاع الكثرة الوهمية، و النسب العلمية جملة واحدة، و فيضها بذاتها لذاتها أقدس من أن يتوهم فيها الغير . 
وأمّا واحديتها وإن انتفت الكثرة الوجودية، ولكن الكثرة العلمية والنسب الوهمية حاصلة لا محالة، و فيضها بذاتها لذاتها لكن بتوهم الغير فهو مقدّس عن  وجود الغير لا عن توهمه، فافهم. بل الواحد أول العدد في تفصيل مراتب الأعداد .
فحضرة الأحدية هي حضرة الذات .
و حضرة الواحدية هي الأسماء.
فإذا عرفت هذا فاعلم أنه رضي الله عنه يقول: تنزّلي بالحكم بطريق أحدية الذات و لها المقام الأقدم فهي عين الذات لا بطريق الواحدية القديمة لأنه صرّح بعده . و قال من المقام الأقدم .
فإن قيل: إن التجلي من الأحدية لا يصح لأن الأحدية لا تقبل المثاني . 
قلنا: صدقت إن الأحدية لا تقبل المثاني: أي الثاني الذي غيره، و نحن ذهبنا إلى أن القابل في الأحدية إنما هو نور الحق، فقبل التجلي الحق بالحق لا غير و لا ثاني، فافهم . 
فالتجلي الذي من الأحدية بقبل الفيض الأقدس لكمال قدسه عن شائبة الكثرة كما فهمته، بل هو أقدس من المقدس، و التجلي الذي هو من الواحدية بقبل الفيض المقدس و فيه الكثرة الوهمية الاعتبارية العلمية، أو نقول بأحدية طريق الأمم أنه أشار رضي الله عنه إلى الصراط المستقيم الأسد الأقوم الأقرب، والأحسن الأسهل الأنسب . 
أمّا صراط الله الذي هو عليه، وهو الصراط العام فيدخل فيه كل شرع وموضوع عقلي فهو يصل إلى الله، فيعم الشقي في شقاوته، والسعيد في سعادته.
قال تعالى: "إنّا هديناهُ السّبِيل إمّا شاكرًاً وإمّا كفُورًاً" [ الإنسان: 3] . 
و قال تعالى:" قال ربُّنا الّذِي أعْطى كُلّ شيْءٍ خلْقهُ ثمّ هدى" [ طه: 50] .
فأثبت الهداية في الكل وهو صراط الله الذي : " لهُ ما في السّماواتِ وما في الْأرضِ ألا إِلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ"[ الشورى: 53]:أي على صراطه. 
وقال تعالى: "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [ هود: 56] .
فهو أحدية الطريق الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم "اسم".
فمن عرف الحق عاين الطريق، فقد عرف الأمر على ما هو عليه، فافهم . 
وأمّا صراط الذين أنعم عليهم من النبيين و الصدّيقين صلوات الله عليهم أجمعين .
وهو أحدية الصراط المستقيم المحمّدي، فإنه جامع الطرق كلها مع كثرتها، و له أحدية تستهلك فيها الطرق كلها لأن شرعته صلى الله عليه و سلم عامة تتضمن جميع الشرائع، بل شرعه عين جميع ما تقدّم من الشرائع بالزمان . 
قال تعالى: "شرع لكُمْ مِن ِّالدينِ ما وصّى بهِ نوحاً والّذِي أوْحيْنا إليْك وما وصّينا بهِ إبراهِيم و مُوسى  وعِيسى" [ الشورى:  . [13
وذكر الأنبياء في آية أخرى، وقال: "أولئك الّذِين هدى اللّهُ فبهُداهُمُ اقتدِهْ" [ الأنعام: 90] .
وهو الصراط الجامع إقامة الدين، وأن لا يتفرق فيه، وما قال وبهم اقتده لأن الصراط له صلى الله عليه و سلم مساوي لجميع الأنبياء الذين ذكرهم الله عليهم السلام.
فإن لكل نبيّ شرعة، و منها جاء كما ذكر فهو سبحانه نصب الشرائع، و أوضح المناهج و ذلك كله فيه صلى الله عليه و سلم و في شرعه : 
و ليس على الله بمستنِكر    ...... أن يجمع العالم في واحد
و من هذا المقام قوله سبحانه: "إنّ إبراهِيم كان أمّةً قانِتاً للّهِ حنيفاً ولمْ يكُ مِن المُشْركين" [ النحل: 120] . 
( من المقام الأقدم ): أي أقدم من القديم، و هو أحدية الذات التي هي منبع فيضان الفيض الأقدس على الأعيان الثابتة . 
و إنما قال رضي الله عنه: من المقام الأقدم لأن أحدية الذات أقدم من أحدية الأسماء المسمّاة بالواحدية القديمة التي هي مرتبة الألوهية، فافهم . 
(وإن اختلفت الملل و النحل لاختلاف الأمم) قال تعالى: "ولوْ شاء ربُّك لجعل النّاس أمّةً واحِدةً ولا يزالون مُخْتلفِين" [ هود: 118] .
فما زلنا من الخلاف لأنهم: أي أهل التحقيق قد خالفوا المختلفين، ولذلك خلقهم، فما تعدّى كل خلق ما خلق له، فالكل طائع في عين الخلاف . 
كما ورد الحديث الصحيح، و النص الصريح : "كلّ ميسّر لما خلق له" فافهم . رواه البخاري ومسلم والنسائي .
فقال رضي الله عنه: و إن اختلفت و بانت كثيرة ولكن لا تناقض الكثرة الموهومة الأحدية الحقيقية، كما أن كثرة الأعيان الثابتة، و المظاهر الخارجية لم تمنع وحدة الوجود و الحال كالحال . 
وأمّا الاعوجاجات الوهمية لا تناقض الاستقامة لأن الكل في أحدية صراط الله أخذ بناصية كل دابة و هو على صراط مستقيم، فأين المفر؟ و هكذا الأمر لأن استقامة القوس في اعوجاجه، فافهم، فإذا كان الأمر هكذا . 
قال تعالى: "وما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]. فتفرقوا بعلم و بينة . 
قال تعالى: "قدْ علم  كُل أناسٍ مشْربهُمْ" [ البقرة: 61] . 
قال الله تعالى: "و هُو معكُمْ أينما كُنْتمْ واللّهُ بما تعْملون بصِيرٌ" [ الحديد: 4].
ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا و أنه على صراط مستقيم، فافهم . 
و هنا مسألة دورية ذكرها الشيخ رضي الله عنه في "الفتوحات" : 
و هي إن الشرائع اختلفت لاختلاف النسب الإلهية . 
و اختلاف النسب لاختلاف الأحوال . 
و اختلاف الأحوال لاختلاف الأزمان . 
و اختلاف الزمان لاختلاف الحركات الفلكية . 
و اختلاف الحركات الفلكية لاختلاف التوجهات . 
و اختلاف التوجهات لاختلاف المقاصد . 
و اختلاف المقاصد لاختلاف التجليات . 
و اختلاف التجليات لاختلاف الشرائع . 
و اختلاف الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، فدار الدور. وانتهى كلامه رضي الله عنه .
ثم نرجع و نقول:
إن اختلاف الأمم باختلاف الاستعدادات والقابليات المختلفة كالماء فإنها حقيقة واحدة تختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنها عذب فرات ومنها ملح أجاج وهو ماء واحد في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت الطعوم.
كذلك أحدية الطريق أنها حقيقة واحدة تختلف أحكامها باختلاف القوابل، يعرف ما قلنا من عرف وحدة الوجود مع الكثرة المشهودة بالذوق، فافهم .  
واتساب

No comments:

Post a Comment