Friday, July 5, 2019

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

10 - The Wisdom Of Unity In The Word Of HUD   

الفقرة الثانية :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية
هذا نص الحكمة الهودية ذكره بعد حكمة يوسف عليه السلام، لأن علم هود عليه السلام المتعلق بمعرفة استقامة الكل، وأخذ الحق بناصية كل دابة تدب من العدم إلى الوجود، نظير علم الخيال الذي هو علم يوسف عليه السلام من جهة تساويهما في اعتبار الوصف الواحد العام مع ملاحظة الأوصاف الخاصة في ضمنه.
(فص حكمة أحدية) منسوبة إلى ظهور الأحد سبحانه في كل واحد (في كلمة هودية) إنما اختصت حكم هود عليه السلام بكونها أحدية.
لأن ظهور الاستقامة في كل شيء، لأنه على صراط ربه المستقيم فيما أراده منه يقتضى ظهور أحدية الأسماء الذاتية سبحانه وخفاء واحدية الأسماء الصفاتية، فيبطن الحكم وتظهر الحكمة. وهذه الحكمة ذاتية فهي أحدية وهو مشهد هود عليه السلام الغالب على بصيرته فيما أظهر الله تعالى لأهل الكشف بكلامه القديم من حال سريرته [شعر]
قال الشيخ رضي الله عنه:  (إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم . في صغير وكبير عينه ... وجهول بأمور وعليم .ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم .«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
(إن الله) سبحانه من حيث ذاته المطلقة الأزلية (الصراط)، أي الطريق (المستقيم) غير المعوج أصلا، وذلك هو حضرة أسمائه تعالى وصفاته التي تظهر الذات المطلقة فيها بقدم الأمر والوجه على حسب ما ترتبت المم?نات العدمية في الأزل شيئا فشيئا، فيشبه المشي في الطريق برفع قدم ووضع قدم أعلى من الأول.
كما قال تعالى في وصف نفسه أنه "رفيع ادرجات" [غافر : 15] وأنه "كل يوم هو في شأن" [الرحمن : 29]، وليس إلا المم?نات وأحوالها المختلفة فهي الدرجات التي هو رفيعها كلها .
قال سبحانه : "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا ألعلم درجات" [المجادلة : 11]، وهي شؤونه أيضا التي هو كل يوم فيها في شأن وهذا اليوم كلمح بالبصر.
لأنه يوم الأمر الذي قدره سبحانه به في قوله: (وما أمرنا إلا واحدة كلمچ بالبصر ) [القمر: 50].
قال رضي الله عنه : (ظاهر) أي ذلك الصراط المستقيم لكل أحد (غير خفي) على أحد (في العموم)، أي في عموم الكائنات كلها .
(في كبير)، أي ظهور ذلك الصراط في كل شيء كبير (وصغير) من المحسوسات والمعقولات (عينه)، أي عين ذلك الكبير والصغير من غير اعتبار الصبغة العدمية بالعدم الأصلي (و) في كل (جهول) أيضا (بأمور) ظاهرة أو خفية وعليم) بأمر من الأمور وما بين ذلك .

قال رضي الله عنه : (ولهذا)، أي لكون صراطه المستقيم الذي هو عليه سبحانه ظاهر في كل شيء (وسعت رحمته) وهي ذاته الرحمة بالإيجاد والإمداد (كل شيء من) شيء (حقیر و) شيء (عظيم) في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: "ورحمتي وسعت كل شيء" [الأعراف: 156]، وقال تعالى حكاية عن هود عليه السلام أنه قال: ("وما من دابة إلا هو") سبحانه وتعالى وهی كناية عن ذاته العلية في مقام الأحدية ("آخذ بناصيتها")، والناصية مقدم الرأس، والرأس موضع ظهور سلطان الروح المنفوخ في القلب.

ومن الرأس ينتشر ذلك السلطان في جميع الحواس الظاهرة والباطنة، وخص ناصيته لأنها موضع الحبال في الحيوان، ثم إذا أريد العموم في غير الحيوان أيضا من كل شيء قصد التشبيه فيما هو بمنزلة الرأس له والناصية.
وأيضا فإنه لما ذكر الدابة وأريد عمومها في جميع الكائنات كما سيأتي ذكر الناصية، لأن من عادة الدواب أن تؤخذ من نواصيها وتساق حيث يريد صاحبها ("إن ربی") الذي أشهده في مقام أحديته وهو ما ?نی عنه بقوله هو وأتى بالهوية الذاتية المطلقة ("على صراط")، أي طريق واضح ("مستقيم") [هود: 56] غير ذي عوج.
وهو الذي أنزله سبحانه على نبينا صلى الله عليه وسلم وسماه القرآن، أي المجموع من القرء وهو الجمع، لأنه جامع من حيث هو ممسك كل حقيقة كونية ومجموع بها من حيث هي حقيقة في نفسها، لأنه عينها بالوجود وهي غيره بالصورة.
قال تعالى: " قرآنا عربيا غير ذي عوج" [الزمر: 28].

قال رضي الله عنه : (فكل ماش) على أرض وجوده من الأشياء المم?نات (فعلی صراطه)، أي طريق الرب سبحانه (المستقيم) الذي لا اعوجاج فيه، لأنه عين إرادته القديمة توجه على الأعيان الممكنة، فمشى عليه بذاته ومشت الأعيان الممكنة أيضا عليه بذواتها ، فهو صراط سبق مشيه فيه على الاستقلال.
وهي مشت فيه بحكم التبعية له سبحانه ، لأنه آخذ بنواصيها (فهم)، أي المغضوب عليهم من الممكنات، والضالون منهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه الذي به مشوا على صراط الإرادة (ولا ضالون)، لأنهم مشوا بحكم التبعية للماشي بالاستقلال، فهو مستقيم في مشيه ذلك، وهم كذلك مستقيمون بهذا الاعتبار.
قال رضي الله عنه : (فكما كان الضلال) الذي اتصف به من اتصف (عارضا له) في الحياة الدنيا على أصل خلقته وفطرته (كذلك الغضب الإلهي) المتصف به سبحانه على من غضب عليهم (عارض) أيضا ظهور اتصافه به عندنا وإن كان هو أيضا من جملة الحضرات الإلهية القديمة.

لكن ظهوره إنما هو بظهور الأحوال في العبد المقتضية لظهوره والأحوال في العبد المقتضية لظهوره، خلاف الأصل من العبد، فكذلك هو في الحضرات الإلهية خلاف الأصل من الحق.
(والمآل)، أي المرجع للكل بعد زوال خلاف الأصل من الطرفين : طرف العبد وطرف الرب وهو المسمى بالعارض (إلى الرحمة التي وسعت كل شيء) وهو الوجود المطلق، وحيث وسعت كل شيء، فكل شيء فيها عينها، وقد انمحت الصور التي تتمايز الأشياء في نفسها بحكم قوله سبحانه : "كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88].

ولم يسعها شيء أصلا، ولهذا تعددت، فالعارض الذي أطلق على ضلال العبد وغضب الرب راجع إلى الصورة الممكنة العدمية.
لأنها تعرض اللوجود المطلق فتقيده، والقيد منه عين غضبه، وتعطي الممكن وجودة بجهلها الأصلي الذي هو عين عدمها، فيكون الضلال (وهي) الرحمة (السابقة) إلى كل حقيقة كونية من الأزل، لأنها عينها، ولصورة أمر عارض لها منها كما ذكرنا .
قال رضي الله عنه : (وكل ما سوى الحق) تعالى من الممكنات (دابة فإنه)، أي كل ما سوى الحق (ذو روح) لظهور صورته في الحس أو العقل عن الصورة الأمرية الروحانية وقيامها بها.

فالأرواح مختلفة باختلاف صور أجسامها، لأن صور أجسامها كانت في غيبها فصارت هي في غيب صور أجسامها، فمنها أرواح معنوية، لأن صور أجسامها معاني عقلية أو وهمية، ومنها أرواح حسية، لأن صور أجسامها حسية، ومنها أرواح جمادية وأرواح نباتية وأرواح حيوانية وأرواح إنسانية وأرواح نورانية ملكية وأرواح نارية جنية .
وكل هذه النسب باعتبار صور أجسامها التي ظهرت من غيبها، فصارت هي في غيب صور أجسامها فسميت بذلك نفوسنا، فإذا رجعت كما كانت سمیت قلوبة فكانت مؤمنة، ولا بد أن تؤمن كلها.

ولهذا قال تعالى "يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ" [الأنعام: 158]، وهو نفع اللذة لا نفع المعرفة، فإن نفع المعرفة حاصل للكل ونفع اللذة نفع الجنة ونفع المعرفة حاصل لأهل النار أيضا .
قال تعالى في حق الكافر :" فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد" [ق: 22]، فإذا كانت القلوب مؤمنة وسعت الرب سبحانه كما قال: «وسعني قلب عبدي المؤمن» وهذا هو المال إلى الرحمة.
قال رضي الله عنه : (وما ثم)، أي هناك في هذا الوجود الحادث (من يدب) على أرض نفسه (بنفسه) أصلا (وإنما يدب بغیره) فالأرواح تدب بالأمر الإلهي، والصور تدب بالأرواح (فهو)، أي كل ما هو في هذا الوجود الحادث من أرواح وصور (يدب بحكم التبعية الذي هو على الصراط المستقيم) وهو الله تعالى.

ولهذا سماه صراطا ، أي طريقا (فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه)، ولولا المشي عليه ما كان صراطا.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية

أي العلوم المتعلقة بالحقيقة الأحدية مودعة في روح هذا النبي لذلك دعا قومه إلى مقام الأحدية بقوله : "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" (هود: 51] .
ولما كانت لكل اسم أحدية الصراط وكان أحدية الصراط الاسم الله جامعة لجميع أحدية صراط الأسماء شرع في بيان الأحدية الجامعة أولا بقوله :
قال رضي الله عنه : (أن الله الصراط المستقيم ظاهر) خبر لمبتدأ محذوف وهو هو (غير خفي) تأكيد (في العموم) أي جاء هذا الصراط


المستقيم من عند الله في حق عموم الناس وهو صراط الأنبياء كلهم المشار إليه بقوله تعالى : " اهدنا الصراط المستقيم * صرط الذين أنعمت عليهم" أو تعلق في العموم بقوله غير خفي أي هذا الصراط المستقیم مشهور معروف بين الخلائق كلها وهو طريق الأنبياء طريق الهدى (في كبير وصغير) خبر (عينه) مبتدا (وجهول بأمور وعليم) معطوف على الخبر .
فمعناه أن ذاته تعالى من حيث أسمائه وصفاته موجود في كبير وصغير أي في كلي وجزئي بالنسبة إلى الأسماء وبالنسبة إلى الأجسام في كبير الحجم وصغيره أي لا ذرة في الوجود إلا وهي نور من ذات الحق لكون كل ما في الوجود من الممكنات مخلوقا من نوره فالذات من حيث هي غنية عن الوجود الكوني.
قال رضي الله عنه : (ولهذا) أي ولأجل كون ذات الحق مع جميع صفاته محيطة بكل شيء وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد قال تعالى: "سنريهم آياتنا فى الآفاق وفي انفسهم " [فصلت: 53] .
كل ذلك صراط مستقيم يوصل من مشى عليه إلى الله وهذا لسان الظاهر في كلامه قدس سره وأما لسان الباطن فستطلع عليه "وسعت رحمته كل شيء من حقير وعظيم" .
فإنه إذا كان ذاته إلحق مع مفاته موجودة في كل شيء ومن جملة مفاته رحمته فوسعت رحمته كل شيء فإذا كان كل شيء تحت قدرته تعالى كان
("ما من دابة إلا هو") أي الله ("آخذ بناصيتها") يتصرف فيها كيف يشاء على حسب علمه الأزلي التابع لعين المعلومات وأحوالها .
فلا جبر من الله إذ التصرف كيف كان لا يكون إلا تابعة للمعلومات ("إن ربي على صراط مستقيم") فإذا أخذ الله ناصية كل دابة (ف?ل ماشي فعلی صراط الرب المستقيم) أي فكل ماشي ما مشي إلا على صراط من أخذ بناصيته .
وهو ربه وما كان صراط به إلا مستقيما فما مشى إلا على صراط ربه الخاص فمن مشى على صراط ربه .
قال رضي الله عنه : (فهو) أي الماشي على صراط ربه ("غير المغضوب عليهم" من هذا الوجه) .
أي من حيث أنه ماش على صراط ربه المستقيم لأن ربه راض عن فعله فلا غضب عليهم من ربهم ("ولا الضالين") من هذا الوجه عن صراط ربهم المستقيم حتى يغضب عليهم ربهم .
ففي قوله من هذا الوجه دلالة على أن الغضب فقد يقع عليهم من غير هذا الوجه ?عبید المضل غير المغضوب عليهم من ربهم لكنهم مغضوب عليهم من اسم الهادي لكونهم ضالين عن صراط الهادي .
قال رضي الله عنه : (فكما كان الضلال عارضا) لأن الأرواح كلها بحسب الفطرة الأصلية قابلة للتوحيد لقوله تعالى: "ألست بربكم قالوا بلى" [الأعراف: ۱۷۷] .
ولقول الرسول عليه السلام: «كل مولود يولد على فطرة الإسلام ثم أبواه يهودانه وينصرانه».
"ورد الحديث بلفظ :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه» ذكره الترمذي والبيهقي في السنن الكبرى "
فما عرض الضلال إلا بالغواشي الطبيعية الظلمانية (كذلك الغضب الإلهي عارض) لقوله تعالی:
"سبقت رحمتي على غضبي" أي في حق كل شيء. وورد بلفظ :"سبقت رحمتي غضبي" ذكره الترمذي و الحميدي في مسنده وابن أبي الدينار.
والمراد من الغضب العذاب إذ لا يصح الغضب في حق الحق إلا بمعنى إنزال العذاب (والمآل) أي ومآل الغضب (إلى الرحمة التي وسعت كل شيء وهي) أي الرحمة (السابقة) الرحمة عند أهل الله على نوعين رحمة خالصة ورحمة ممتزجة بالعذاب.
ففي حق عصاة المؤمنين من أهل مآل الغضب إلى رحمة خالصة من شوب العذاب، وذلك لا يكون إلا بإدخالهم الجنة في حق المشر?ین ماله إلى الرحمة الممتزجة بالعذاب وهذا لا يكون إلا بأن كانوا خالدين في النار.
فاعلم ذلك وفيه ?لام سنسمع إن شاء الله في آخر الفص (وكل ما سوى الحق دابة فإنه) أي ما سوی الحق ذو روح، لأنه مسع بالنص الإلهي وكل مسح (ذو روح) كله ماشي على صراط ربه المستقيم (وما ثمة) أي ليس في العالم (من يدب) أي يمشي ويتحرك (بنفسه) لأنه مأخوذ بناصيته.
قال رضي الله عنه : ( وإنما يندب بغيره) الذي آخذ بناصيته فإذا كان العالم بدب بغيره (فهو) أي العالم (إنما بدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم) فكان مشى العالم على الصراط المستقيم لا بالأصالة بل بتبعيته لمن مشى على الصراط المستقيم فما مشى على الصراط المستقيم أصالة إلا رب العالمين الذي أخذ بناصيته .
لذلك قال : " إن ربي على صراط مستقيم" والمشي في حق الحق عبارة عن أفعاله وشؤونه و هو كل يوم في شأن والصراط المستقيم عبارة عن صدور أفعاله على موافقة حكمته وإنما كان الرب على الصراط المستقيم .
قال رضي الله عنه : (فإنه) أي الشأن لا يكون الصراط (صراطا إلا بالمشي عليه) إذ الصراط عبارة عن المشي والمسافة هذا إن كان الخلق ظاهرا والحق باطنا فحينئذ الحكم للحق في وجود الخلق والخلق تابع للحق في حكمه.
وأما إذا كان الخلق باطنا والحق ظاهرا والحكم للخلق والحق تابع الخلق فيما يطلبه منه ففي هذا الوجه ما طلب العبد من الحق شيئا إلا وهو يعطيه وفي الوجه الأول ما حكم الحق على العبد بحكم إلا وهو تابع لحكمه فيما أمره به.
ولما بين تبعية العالم للحق شرع في بيان عكسه بقوله :


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
قال رضي الله عنه : " إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم . في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم . ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم . «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.  فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة. وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه".
قلت: هذه الحكمة الشريفة جعل ابتداء كلامه فيها في معنى قوله تعالى: "وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم" (هود: 56) .
وضمن في الأبيات جملیات " معناها ولحظ القيومية الإلهية التي لا يقوم شيء إلا بها، فهي في الكبير والصغير والجهول والعليم.
وجعل القيومية التي بها تقوم الموجودات رحمة، لأنها وسعت كل شيء فالقيومية هي الرحمة التي وسعت كل شيء.
ولما كان الصراط هو الطريق ذكر الماشي عليه فقال: كل ماش فهو على الصراط المستقيم، فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه، لأن القيومية رحمة والرحمة لا تجتمع مع الغضب.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
10  - فصّ حكمة أحدية في كلمة هودية
لمّا فرغ من حكمة الجمع الإلهي وحكم التنزيه والسلوب والتقديسات ، وتمّم حكم كليّات الحقائق الثبوتية الإلهية ، شرع في بيان حكمة أحدية العين التي لها التنزيه السلبي وتنزيه التنزيه والكمالات الثبوتيّة.
فإنّ الحكم الكمالية سلبية كانت أو ثبوتية فإنّها للذات المطلقة الأحدية ، وقد ظهرت هذه الحكمة على أكمل وجوهها في الكلمة الهودية على ما نطق به القرآن ، وكما سيرد عليك جملا وفصولا ، إن شاء الله تعالى .
وجه نسبة هذه الحكمة إلى هود عليه السّلام هو أنّ الغالب عليه شهود أحدية الكثرة ، فأضاف لذلك إلى ربّه أحدية الطريق بقوله : " إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ".
وقال :"ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها " فأشار إلى هوية ،لها أحدية كثرة النواصي والدوابّ .

ولمّا كانت الأحدية نعتا للهوية الذاتية ، قل هو الله أحد ، أضاف الأحدية إلى هوية الله وحملها عليه ، ثم لمّا ظهر من ذوق هود عليه السّلام ومشربه إشارات عليّة إلى الهوية والأحدية ، أسند حكمته إلى الأحدية ، ولأنّ حكمة الفصّ المتقدّم لمّا كانت خاتمتها في بيان الأحدية ، ناسب اتباع هذه الحكمة لها .
فقال رضي الله عنه :
إنّ لله الصراط المستقيم   ..... ظاهر غير خفيّ في العموم
في صغير وكبير عينه    ..... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته       ..... كلّ شيء من حقير وعظيم.
قال العبد : قد علمت فيما تقرّر من قبل أنّ الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وبعدد الأنفاس الإلهية ، وأنّ لكل اسم عبدا هو ربّه ، ذلك العبد جسم هو قلبه ، وكل عين عين من الأعيان الوجودية مستند إلى اسم هو عبده الذي ارتبط به ، فهو على الطريقة المستقيمة بالنسبة إليه ، يصل إلى الله من حيث هو .
ثم هذه الطرقات المستقيمة فهي على استقامتها السببية موصلة إلى المسمّى وهو الله أحدية جمع جمع هذه المسمّيات ، والمستقيم الحقيقي من كل وجه هو الله ، فللَّه الصراط المستقيم.
وذلك ظاهر في كل حضرة على العموم من كون الجميع متّصلا بالمسمّى ، وهذا ظاهر غير خفيّ ، وسواء كان الاسم كلَّيا أو جزئيا ، والمظهر كبيرا أو صغيرا ، فإنّ الله مسمّى الاسم بلا شك .
وكذلك فيمن يعلم ذلك وفيمن يجهل وإن لم يكن هذا هكذا ، فلا عموم إذن في الرحمة لما لم يعمّ ، والرحمة عامّة فالرحمن هو المسمّى بالكلّ ، فهو بالمرصاد لكلّ سالك ، وطريق من الطريق والسالكين ، وغايات الكلّ عند النهايات واصلة إليها .
قال رضي الله عنه  : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " ، فكلّ ماشي فعلى صراط الربّ المستقيم ، فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ، ولا ضالَّون .
فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كلّ شيء وهي السابقة " .
يعني رضي الله عنه : أنّ الرحمة كانت سابقة إلى الأشياء قبل إيجادها ، لإزالة غضب العدم ، فأوجدتها بنسبها الذاتية المختلفة ، فامتدّت إليها على رقائقها ، وشدّت على تلك الرقائق إلى حقائقها ، ثمّ سلكت الحقائق الكيانية على تلك الرقائق إلى حقائق أربابها بطرائقها .
فمآل الكلّ كما قلنا إلى الله الرحمن ، والكلّ على صراط الربّ المستقيم ، فإنّ الله أخذ أيضا بناصية كل دابّة إليه ، فهو القائد والسائق والطريق ، وهو على الغاية ، قد سبقهم ويرقبهم بالمرصاد .
قال رضي الله عنه: " وكلّ ما سوى الحق فهو دابّة ، فإنّه ذو روح ، وما ثمّ من يدبّ بنفسه ، بل يدبّ بغيره ، فهو يدبّ بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم ، فإنّه لا يكون صراطا إلَّا بالمشي عليه " .
يعني رضي الله عنه : أنّ كلّ ما يسمّى سوى الحق فقيامه بالحقّ والحقّ قيامه ، يسير به إلى غاية كماله الذي أهّل له ، وذلك لأنّ الوجود الحق المتعيّن في قابليته يخرج ما في استعداده بالقوّة إلى الفعل ، وليس له ذلك بدون الوجود الحق.
فهو آخذ بناصيته في سيره به إلى كماله الخصيص به ، فهو إذن يدبّ ويتحرّك حركة ضعيفة ، لكونها غير ذاتية له ، بل عرضية بحكم التبعية ، فهو يتحرّك به في الحق .
فالحق هو عين الصراط المستقيم ، وهو الذي يمشي به عليه ، والصراط إنّما يكون صراطا بالمشي عليه ، كما قلنا في الغرّاء الرائية :لقد سار بي فيه فسرت بسيره
عليه إليه منه في كل سائر.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية
إنما اختصت الكلمة الهودية بالحكمة الأحدية ، لأن كشف هود عليه السلام شهود أحدية كثرة الأفعال الإلهية المنسوبة إلى الأحدية الإلهية ، وهي في الحقيقة أحدية الربوبية بعد أحدية الإلهية وهي أحدية جميع الأسماء وأحدية اسم الله الشامل للأسماء كلها ، فإن كل الأسماء بالذات واحد . والوحدة ثلاث مراتب : وحدة الذات بلا اعتبار كثرة ما وهي الأحدية الذاتية المطلقة . ووحدة الأسماء مع كثرة الصفات وهي أحدية الألوهية ، والله بهذا الاعتبار واحد وبالاعتبار الأول أحد ، والثالثة أحدية الربوبية المذكورة المختصة بهود عليه السلام ،
لقوله تعالى حكاية عنه : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " فإن هذه الأحدية موقوفة على الآخذ والمأخوذ وكون الرب على الطريق الذي يمشى فيه ، فهي أحدية كثرة الأفعال والآثار التي نسبتهما إلى الهوية الذاتية وحدها :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ….  ظاهر غير خفى في العموم )
الصراط المستقيم : طريق الوحدة التي هي أقرب الطرق إلى الله الواحد الأحد ، وذلك أن لكل اسم من الأسماء الإلهية عبدا هو ربه وذلك العبد عبده فكل عين من الأعيان الوجودية مستند إلى اسم مرتبط به جار على مقتضاه سالك سبيله فهو على طريقه المستقيم المنسوب إليه .

"" إضافة بالي زادة : ولما كان لكل اسم أحدية الصراط ، وكانت أحدية صراط اسم الله جامعا لجميع أحدية صراط الأسماء ، شرع في بيان الأحدية الجامعة أولا بقوله ( إن لله الصراط المستقيم ظاهر ) خبر لمبتدأ محذوف : أي هو ( غير خفى ) تأكيد ( في العموم ) أي جاء هذا الصراط المستقيم من عند الله في حق عموم الناس ، وهو صراط الأنبياء كلهم المشار إليه بقوله  
"اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ "أو تعلق في العموم ، بقوله : غير خفى ، أي هذا الصراط المستقيم معروف بين الخلائق كلها وهو طريق الهدى اهـ بالى . ""

ثم لما كانت الأسماء على اختلاف مقتضياتها أحدية المسمى كانت موصلة إلى المسمى ، فهو الله الذي له أحدية جميع الأسماء ، فكل يصل إلى الله مع اختلاف الجهات دائما فلله الصراط المستقيم الذي عليه الكل ، فصح قولهم الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وبعدد الأنفاس الإلهية ، فإن الشؤون المتجددة لله في كل آن على كل مظهر أنفاس إلهية .

وذلك ظاهر في كل حضرة من حضرات الأسماء على العموم ، سواء كانت الأسماء كلية أو جزئية غير خفى ، فكل اسم مدبر لمظهر روح له والمظهر صورته والجميع متصل باللَّه :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( في كبير وصغير عينه  ..... وجهول بأمور وعليم )
هذا تفسير العموم :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا وسعت رحمته   ..... كل شيء من حقير وعظيم )
أي رحمته الرحمانية ، فإن الرحمن اسم شامل لجميع الأسماء ، فهو المرصاد لكل سالك وإليه ينتهى كل طريق ويرجع كل غائب .

قال الشيخ رضي الله عنه : (ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم ، فهو "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " من هذا الوجه "ولا الضَّالِّينَ " فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء وهي السابقة ) « ما من دَابَّةٍ » أي شيء ، فإن الكل ذو روح إلا هوية الأحدية الذاتية بحكم الصمدية والقيومية مالكة له آخذة بناصيته جاذبة إياه على صراط سبقت رحمته إليه قبل إيجاده .
فإذا وجدت الحقائق بنسبتها الذاتية على ما اقتضت أعيانها ، وسلكت بها على طرق أربابها فلا غضب ولا ضلال ثمة ، فإن عرض أحدهما فالمآل إلى الرحمن على ما سيأتي ، والرحمة السابقة هي الغالبة .

"" إضافة بالي زادة :  ( في صغير وكبير ) خبر ( عينه ) مبتدأ ( وجهول بأمور وعليم ) معطوف على الخبر معناه أن ذاته تعالى من حيث أسماؤه وصفاته موجودة في كبير وصغير ، أي في كلى وجزئي بالنسبة إلى الأسماء وبالنسبة إلى الأجسام في كبر الحجم وصغره ، أي لا ذرة في الوجود إلا وهي نور من ذات الحق لكون كل ما في الوجود مخلوقا من نوره ، فالذات من حيث هي غنية عن الوجود الكوني.
( ولهذا ) أي ولأجل كون الذات مع جميع صفاته محيطا بالكل ( وسعت رحمته كل شيء من حقير وعظيم ) فإذا كان كل شيء تحت قدرته كان "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ " يتصرف فيها كيف يشاء على حسب علمه الأولى التابع لعين المعلومات فلا جبر من الله .
( فهو "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ) من حيث أنه ماشي على صراط ربه المستقيم ، لأن ربه راض عن فعله فلا غضب ( والمآل ) أي مآل الغضب ( إلى الرحمة ) الرحمة عند أهل الله على نوعين : رحمة خالصة ، ورحمة ممتزجة بالعذاب ، ففي حق عصاة المؤمنين من أهل النار مآل الغضب إلى الرحمة خالصة من شوب العذاب ، وذلك لا يكون إلا بإدخالهم الجنة ، وفي حق المشركين ما آله إلى الرحمة الممتزجة بالعذاب ، وهذا لا يكون إلا بخلودهم في النار فاعلم ذلك ، وفيه كلام ستسمع في آخر الفص .
( فإنه ذو روح ) لأنه مسبح بالنص وكل مسبح ذو روح ، وكله ماش على صراط ربه المستقيم ( فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه ) إذ الصراط عبارة عن المشي والمسافة هذا إذا كان الخلق ظاهرا والحق باطنا ، فحينئذ الحكم للحق في وجود الخلق ، والخلق تابع للحق في حكمه ، وأما إذا كان الخلق باطنا والحق ظاهرا فالحكم للخلق والحق تابع للخلق فيما يطلبه منه ، ففي هذا الوجه ما طلب العبد من الحق شيئا إلا ويعطيه ، وفي الوجه الأول ما حكم الحق على العبد يحكم إلا وهو تابع لحكمه فيما أمره به. اهـ بالى .""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل ما سوى الحق دابة ، فإنه ذو روح ، وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره ، فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على صراط مستقيم ، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه ) .
إنما كان ما سوى الحق ذا روح ، لأن الرحمة امتدت أوّلا إلى رقائق الأشياء وروحانياتها ، وألزمها أشباحها حتى وجدت حقائقها الكونية بها ، فدبت بالأسماء التي يربها الله بها على اختلاف مراتبها ، وكل اسم منها هو الذات الأحدية مع النسبة الخاصة التي هي حقيقة الاسم ، أعنى الصفة المخصوصة ، فكل يدب بحكم التبعية على صراط الذات الأحدية بذاته في ذاته ، فإن الحق المتعين في قابليته يحركه ويسيرة إلى غايته وكماله الخاص به ، فهو يدب بحركة ضعيفة عرضية غير ذاتية ، فإنها بحكم التبعية ، وتلك الحركة هي المشي على الصراط المستقيم ، فإن الصراط هو الذي يمشى عليه .
ولما كانت تلك الحركة بالحق في الحق كان الصراط والماشي عليه هو الحق :


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :قال الشيخ رضي الله عنه : (إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العمومفي كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليمولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية
لما تقدم الكلام على الأحدية الذاتية والأحدية الإلهية التي هي من حيث الأسماء في آخر الفص المتقدم ، شرع في بيانها من  حيث الربوبية وأحدية طرقها مع بيان ما يتبعها من المعاني اللازمة لها ، إذ للأحدية مراتب :
أولها ، أحدية الذات . 
وثانيها ، أحدية الأسماء والصفات . 
وثالثها ، أحدية الأفعال الناتجة من الربوبية .
وأسندها إلى كلمة ( هودية ) قد لأنه ، عليه السلام ، كان مظهرا للتوحيد الذاتي والأسمائي وربوبيتها داعيا قومه إلى مقام التحقيق بقوله : "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم "
(إن لله الصراط المستقيم .... ظاهر غير خفى من عموم)
واعلم ، أن الاسم الإلهي كما هو جامع لجميع الأسماء وهي تتحد بأحديته ، كذلك طريقه جامع لطرق تلك الأسماء كلها ، وإن كان كل واحد من تلك الطرق  مختصا باسم يرب مظهره ويعبده المظهر من ذلك الوجه ، ويسلك سبيله المستقيم الخاص بذلك الاسم . وليس الجامع لها إلا ما سلك عليه المظهر المحمدي ، وهو  طريق التوحيد الذي عليه جميع الأنبياء والأولياء ، ومنه يتفرع الطرق وتتشعب .
ألا ترى أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لما أراد أن يبين ذلك للناس ، خط خطا مستقيما ، ثم خط من جانبه خطوطا خارجة من ذلك الخط ، وجعل الأصل الصراط المستقيم الجامع ، والخطوط الخارجة منها جعل سبل الشيطان كما قال : "ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله".
وذلك الصراط المستقيم الجامع ظاهر غير خفى من عموم الأسماء الإلهية ، أو من عموم الخلائق كلها .
(في كبير وصغير عينه  ..... وجهول بأمور وعليم )

ضمير ( عينه ) عائد إلى ( الله ) . ولما ذكر أن لله الصراط المستقيم وذاته وهويته مع كل موجود ، قال : إن عينه في كل كبير وصغير وعليم وجهول ، لا ذرة في الوجود إلا وهي بذاته موجودة . وله الصراط المستقيم ، فكل موجود على الصراط المستقيم .

(ولهذا وسعت رحمته ....   كل شئ من حقير وعظيم )
أي ، لأجل أن عين الله وذاته في كل كبير وصغير ، وسعت رحمته كل شئ ، حقيرا كان في القدر أو عظيما ، لأنه رحمان على الكل ، كما أنه إله الكل ، فيوجد الكل ويرحمهم بإيصال كل منهم إلى كماله .
والغضب والانتقام أيضا من عين رحمته ، فإن أكثر أهل العالم بهما يصل إلى الكمال المقدر لهم ، وإن كان غير ملائم لطباعهم .

( "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم " . ) أي ، ما من شئ موجود إلا آخذ بناصيته . وإنما جعله دابة ، لأن الكل ، عند صاحب الشهود
وأهل الوجود ، حي ، فمعناه : ما من حي إلا والحق آخذ بناصيته ومتصرف فيه بحسب أسمائه ، يسلك به أي طريق شاء من طرقه ، وهو على صراط مستقيم .
وأشار بقوله : ( هو آخذ ) إلى هوية الحق الذي مع كل من الأسماء ومظاهرها .
وإنما قال : ( ان ربى على صراط مستقيم ) بإضافة الاسم ( الرب ) إلى نفسه ، وتنكير ( الصراط ) ، تنبيها على أن كل رب فإنه على صراطه المستقيم الذي عين له من الحضرة الإلهية.
والصراط المستقيم الجامع للطرق هو المخصوص بالاسم الإلهي ومظهره .
لذلك قال في الفاتحة المختصة بنبينا صلى الله عليه وآله : ( إهدنا الصراط المستقيم ) بلام العهد ، أو المهيته التي منها يتفرع جزئياتها .
فلا يقال : إذا كان كل أحد على الصراط المستقيم ، فما فائدة الدعوة ؟
لأنا نقول : الدعوة من الهادي إلى المضل ، وإلى العدل من الجائر ، كما قال تعالى : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) .

(فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم ، فهو "غير مغضوب عليهم " من هذا الوجه - ولا " ضالين " ) .
لأنه مظهر لاسم يربه في ذلك الطريق ، فهو مقتضاه ، والشئ لا يغضب على من يعمل بمقتضى طبيعة ذلك الشئ ، فهو غير داخل في حكم ( المغضوب عليهم ) ولا في ( الضالين ) . وإن كان بالنسبة إلى رب يخالفه في الحكم ، داخلا في حكمهم ، كعبيد ( المضل ) بالنسبة إلى عبيد ( الهادي ) .
فلما كان الضلال إنما يتحقق بالنظر إلى رب آخر لا بذاته ،

قال : ( فكما كان الضلال عارضا ، كذلك الغضب الإلهي عارض ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شئ ، وهي السابقة ) .
وأيضا الأرواح كلها بحسب الفطرة الأصلية قابلة بالتوحيد الأصلي طالبة للهدى .
كما قال تعالى : " ألست بربكم قالوا بلى " . وليس هذا القول مختصا بالبعض دون البعض بدليل " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه " .
فما عرض الضلال عليها إلا بالاستعداد التعيني العلمي المختفي بنور الاستعداد الذاتي الحقاني الظاهر في عالم الأنوار لقوة نوريته .
فلما غشيته الغواشي الطبيعية وحجبته الحجب الظلمانية المناسبة للاستعداد الناتجة من التعين ، عرض عليها الضلال ، فطلب عروض الغضب فالغضب المرتب  عليه عارض ، والرضا والرحمة ذاتية ، لأنهما من حيث كونهم على الصراط المستقيم ، فالمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شئ ، وهي السابقة على الغضب بحكم : " سبقت رحمتي على غضبي " .

( وكل ما سوى الحق فهو دابة ، لأنه ذو روح ) . سواء كان جمادا أو نباتا .
( وما ثمة ) أي ، في العالم . ( من يدب بنفسه ، وإنما يدب بغيره ، فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم ) .
أي ، لا يتحرك كل من الموجودات العينية إلا بحركة الأعيان العلمية ، وهي بالأسماء التي هي على الصراط المستقيم .
فإن الرب إنما يتجلى في حضرة غيبه بتجلي خاص من حضرة خاصة ، فيظهر أثر ذلك التجلي في صورة ذلك الاسم التي هي العين الثابتة ، ثم في صورتها الروحية ، ثم في صورتها النفسية ، ثم الحسية . فاستناد تلك الحركة ، وإن كان إلى تلك الصورة ظاهرا ، لكنه ينتهى إلى الحق باطنا ، فهو المبدأ لها ، والصورة تابعة في الحركة له .

( فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه ) . تعليل ما أسند إلى الرب من الحركة بقوله : ( فهو يدب بحكم التبعية الذي هو على الصراط المستقيم ) . أي ، إنما يكون الرب على صراط مستقيم ، إذا كان ماشيا عليه ، فإن الصراط لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - الفص الهودي فص حكمة أحدية في كلمة هودية
قال رضي الله عنه : (إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم . ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم . "ما من دابة إلا هو الجد بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" [هود: 56]. فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة. )
أي: ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني المتعلق بأحدية الربوبية والألوهية والذات ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى هود التي لغلبة أحدية الربوبية عليه في دعوته لقومه إذ قال لهم: "ما من دابة إلا هو الجد بناصيتها".
أي: بدواعيها و خواطرها التي هي كالرقائق بينها وبينه؛ فهي مقبوضة له في حركاتها الاختيارية بحيث لا نختار شيئا إلا باختياره.
"" أضاف المحقق : أعلم أن الحكمة الهودية موصوفة بالأحدية الفعلية. شرح الجامي""

فأفعالها الاختيارية أفعاله تعالى فهو الفاعل الواحد في الكل ولا ظلم في ذلك، إذا عاقبها في أفعالها القبيحة لاستقامته في إفاضته عليها تلك الأفعال والدواعي؛ لأنها مقتضيات أعيانها الثابتة "إن ربي على صراط مستقيم" [هود:56].
فلا يقبح منه شيء من حيث الإيجاد، وإن أضر بالمحل، أو يغيره كما لا يقبح من الأمر قطع السارق وإن ضربه.
وهذه الأحدية في الأفعال تسوق إلى سائر وجوهها وقد فعله الشيخ رحمه الله؛ فلذا أطلق لسان هذه الاستقامة لتصح نسبة الكل إليه مع أنه لا ينسب إليه القبيح أصلا، فقال: (إن الله الصراط المستقيم) في مشيه على مقتضيات الأعيان (ظاهر) علينا بطريق الكشف (غير خفي في العموم) أي: عامة علمنا السنة بالكلية.
إذ يقولون: لا يقبح نسبة الكفر والمعاصي بالإيجاد إليه، وإن كانت قبيحة بالنظر إلى محالها.
ثم أشار إلى تعليل ذلك بقوله: (في كبير وصغير عينه) أي: عين تجليه الواحد الصادر عن الواحد (وجهول بأمور وعليم)؛ فإن الصغر والجهل ليس من التجلي؛ بل من صغر المرآة وكدورتها بل هو نور غير متناه جامع للكمالات.

(وهذا) أي: ولكون عينه في الكل وهو نور غير متناه جامع للكمالات، (وسعت رحمته) فيضان وجوده الذي هو خير محض حاصل من ذلك النور الجامع مع الغير المتناهي.
(كل شيء من حقير وعظيم) والحقارة من نفس الشيء لا من التجلي؛ ولذا صدق في حقه: (ما من دابة إلا هو ، ایم بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) أي: لا ظلم من جهته، ولا تحل ولا قبح لإستقامة في مشيه على مقتضياتها بحسب نواصيها التي هي الرقائق الناشئة منها الواصلة إليه.
ثم استشعر سؤالا ؟ :
فإنه كيف يحسن فيضان شیء على عين بحسب مقتضاها إذا كان من مقتضاها جهة القبح في ذلك المفاض من الضلال، الموجب للغضب عليه والعقاب، وهل هو إلا كبيع السيف من قاطع الطريق، وإعطاء المال للمسرف القمار المنفق في المعاصي.
بل أشد منه فأجاب بأنه لما كانت ناصيته بيد من هو على الصراط المستقيم في الإفاضة؛ كان هذا القابل على الصراط المستقيم؛ (فكل ماش) من مطيع أو عاص (فعلی صراط الرب المستقيم) في القبول من حيث يقبل عطاء ربه بعد اقتضائه منه، (فهو غير المغضوب عليهم من هذا الوجه) أي: قبول ذلك من الله تعالى.
(ولا ضالون) في هذا القبول، وإنما ضلوا باعتبار اتباعهم أهوائهم المفوتة عليهم ما لنوعهم من استعداد الجهة الحسنة النافعة لهم.

لو حصلت لهم وهي التي خلق ذلك النوع لأجلها لما فيها من كمال الحكمة، فكان الضلال عارضا لهؤلاء الأفراد من ذلك النوع بالنظر إلى الأفراد المتصفة بتلك الجهة الحسنة.
(فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض) من توقفه على ذلك الضلال، بحيث لولاه لم يتحقق أصلا ومع ذلك (المآل) أي: مرجع الغضب في أصل وجوده (إلى الرحمة)؛ لأنها (التي وسعت كل شيء) حتى نفس الغضب والعذاب فوجدا بالرحمة بهما، وإن لم يكونا رحمة على المغضوب عليه المعذب، وهي: أي: الرحمة (هي السابقة) على الغضب في قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى: «إن رحمتي سبقت غضبي» .رواه البخاري ومسلم واحمد وغيرهم.

هي الأصل اللاحق كل شيء ما لم يلحق به الغضب، فإن ألحق به وعارضه موجب الرحمة غلبت الرحمة أيضا، ولذلك يخرج من النار كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فإذا ألحق الغضب، ولم يعارض موجب الرحمة، كان الغضب كالسابق حينئذ.

قال رضي الله عنه : ( وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا
إلا بالمشي عليه.)
ثم استشعر سؤالا ؟:
بأن وحدة الفاعل لو صحت في الأفعال، فلا تصح في الحركات الطبيعية والقسرية من النباتات والجمادات وغيرهما.
فقال: (وكل ما سوى الحق) ذاته له اختیار في فعله، (فإنه ذو روح) إذ له قوة تختار الحركة إلى جهة خاصة.
ولا يقال: إن تلك الحركات من أنفسها بلا شعور؛ لأنه (ما ثمة) أي: في الحيوانات (من يدب بنفسه) عندكم مع ظهور الاختيار فيه؛ فكيف يتصور ذلك في عين المختار بزعمكم، (وإنما يدب) كل حيوان (بغيره)؛ لأن اختياره من الداعية التي هي من غيره دفعا للتسلسل فليست هذه الحركة من نفس المختار، بل من غيره مع بقاء اختياره.
و (فهو) أي: المختار (يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم)؛ فهو ?مشي الشخص خلف آخر.
كما قيل في معنى القدر : إنه كوضع التلميذ الصبغ على ما رسمه الأستاذ بالأسرة، والحق تعالى، وإن لم يكن متحركا بالحركة الأينية لتنزهه عن المكان، فهو لكونه على الصراط المستقيم لا بد له من حركة، (فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي
عليه)؛ فإذا تعذر المشي المتعارف فلا بد من مشي معنوي.
هو الجري على مقتضيات الأعيان، فإذا كانت الحركات الاختيارية منه تعالی فغير الاختيارية، وهي الطبيعية والقسرية أولى بذلك.

أما الطبيعة فظاهر؛ لأن القوة المحركة له ناصية مقبوضة لله تعالى، وأما القسرية؛ فلأن الله تعالى هو الذي ظهر في ذلك المتحرك بصفة القبول.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية
وإذا نظرت إلى أول بيّنات اسم هود ( اا وال ) ظهر لك أوليّته ، وكذلك إذا تأمّلت في بيّنات عدده.
وأيضا - فإن لكل من الكلمة والاسم له حروفا من أول المراتب ، وبيّن أن الأول - حيثما كان - غالب عليه حكم الإجمال - على ما مرّ غير مرّة - وإذ كان صورة النظم لها مزيد اختصاص بالإجمال ، وأجلى مراتب ظهوره وأتمّها حكما عالم الأفعال التي فيها منتهى أمر التفصيل ، وعليها مبتنى أوضاع  الأنبياء وأحكامهم أخذ يبيّن الوحدة الإجمالية في مرتبة الفعل بصورة النظم قائلا :
( إنّ لله الصراط المستقيم ) وهو أقرب الطرق لأن الأقرب هو الأقوم .
وهو ( ظاهر غير خفيّ ) أمر ظهوره ( في العموم ) من الخلائق
( في كبير وصغير عينه ) إذ لا تفاوت للأعيان في ذلك وإن كان صغيرا بحسب الظاهر ناقصا ، كما أنه لا تفاوت للحقائق في ذلك ، وإن كان جاهلا بحسب الباطن ناقصا فيه .
كما قال :( وجهول بأمور وعليم )
( ولهذا وسعت رحمته  ..... كلّ شيء من حقير وعظيم ) قدرا ومنزلة .
تلويح  : لا يخفى على الواقف بأساليب اولي الأيدي والأبصار وعبارات إشاراتهم .
أنّ كلمة « هود » في عرفهم ذلك عبارة عن الدال الكاشف اسم « هو » بما له من الأحكام في غيبه .


كلّ دابّة على الصراط المستقيم
الذي يدلّ على أنّ لهود هذا المشهد الذوقي ما ورد في التنزيل حاكيا عن "هو" »
(" ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ")  وهو المنهج الاعتدالي الموصل إلى الكمال الختمي ، الذي به سبقت الرحمة غضبه ( فكلّ ماشي ) من السالكين نحو ذلك الكمال ( على صراط الربّ المستقيم ) ضرورة أنّ المأخوذ بالناصية لا ينفك عن الآخذ ، فهو واصل البتة إليه  .


المآل إلى الرحمة
( فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ) وإن كان بحسب مداركهم الجزئيّة الكونيّة ، وسلطان الواهمة عليها كلَّها فيهم ترى بعضهم يسوقون مطايا أفعالهم وإدراكهم إلى مهامه نهايات التفرقة الموحشة ، فيفضي بذلك أمرهم إلى دركات الحرمان ونيران البعد والخذلان ، ولكن لم يزل لذلك الكمال وجه إليهم ، به يأنسون ونحوه ينتهجون.
فهم في سلوكهم الموصل إلى ذلك غير مغضوب عليهم ( ولا ضالَّون ) وإن كان في طريقهم ذلك من الأغوار الهائلة والمهامه المضلَّة ما لا يحتمله إلا كل فحل من أبطال الرجال ، فإنّ ذلك واقع في طريقه بالعرض .

(فكما كان الضلال عارضا ، كذلك الغضب الإلهي عارض ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كلّ شيء وهي السابقة).
وتطابقت البراهين الحكميّة العقليّة والمؤيّدات الذوقيّة اليقينيّة ، أن كلّ حركة إنّما ينتهى عند حصول مبدئها الباعث لها ، ولذلك ترى سائر العوالم والحركات دوريّة .
ثمّ إذ قد بيّن أن المآل إلى الرحمة ، شرع يتبيّن أنّ ذلك عامّ ، فإنّ مآل الذوات كلَّها إليها ، قائلا : ( وكلّ ما سوى الحقّ دابّة - فإنّه ذو روح - وما ثمّ من يدبّ بنفسه ، وإنّما يدبّ بغيره ، فهو يدبّ بحكم التبعيّة للذي هو على الصراط المستقيم ) والذي يدبّ مستقلَّا بنفسه هو الحقّ ، كما أنّ الذي يدبّ عليه هو الصراط ( فإنّه لا يكون صراطا إلَّا بالمشي عليه ) .
وإذ قد انساق مآل إجماله هذا المساق بما هو مقتضى الذوق الهودي ، أتى بنظم يفصح عن ذلك على ما عليه الكلمة الختميّة في التوحيد الفعلي من القول الفصل ، الفارق في عين الجمع ، المنزّه.



شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)

الفص الهودي
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية
قال رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم . في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم . ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم . «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. )

لما انجر كلامه رضي الله عنه في آخر الحكمة اليوسفية إلى الأحدية الذاتية والأحدية الأسمائية أردفها بالحكمة الهودية الموصوفة بالأحدية المعنية لدعوته قومه إليها استيفاء للأقسام .

(إن الله) أحدية جمع جميع الأسماء (الصراط المستقيم)، أي الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم اسم (ظاهر)، أي صراط الله أو كون الله على الصراط المستقيم ظاهر مكشوف لبعض الخلائق كما يدل عليه السلام.
(غير خفي في العموم)، أي ليس خفيا في عموم الخلائق بحيث لا يظهر على أحد بل هو ظاهر على بعضهم.
فقوله في العموم قيد للخفاء المنفى لا لظهور ولا لنفي الخفاء، ويجوز أن يكون قيدا لهما ويكون المعنى على أن صراط الله ظاهر متحقق غير خفي بعدم التحقيق في عموم الأسماء.
لأن طرق الأسماء من جزئیات صراط الله أو في عموم الخلاننى لا أنهم على طرق الأسماء التي من جزئياته (في كبير وصغير عينه)، أي عينه الغيبية وهويته الذاتية سارية في كل كبير وصغير صورة أو مرتبة .
(و) في كل (جهول بأمور) لعذره قابلية العلم بها (و) في كل (عليم) بتلك الأمور ولوجدانه القابلية (ولهذا)، أي لسريانه سبحانه في كل شيء (وسعت رحمته التي هي الوجود الذي هو عينه (كل شيء من حقير وعظيم) صورة أو مرتبة ( من دابة) تدب وتتحرك لشعورها و إراداتها إلى غاية ما .

("إلا هو ")، أي الحق سبحانه بهويته الغيبية السارية في الكل (" آخذ بناصيتها") بمشي بها إلى غايتها (" إن ربي") ، أي الذي يربيني ويمشي بي ("على صراط مستقيم") (هود: 56].
بوصل من يمشي علية ومن يمشي به الماشي عليه إلى غايته المطلوبة (فكل ماش) يمشي (على صراط ما فعلی صراط الرب المستقيم) الذي يمشي به ربه عليه وإذا كان على الصراط المستقيم الذي ربه عليه السلام

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)


(فهو غير مغضوب عليه) لربه، لأن أحدا لا يغضب على من يعمل بمقتضى علمه وإرادته ولكن عدم مغضوبیته إنما تكون (من هذا الوجه)، أي من حيث الرب الذي يمشي به على الصراط المستقيم.
وأما من حيث العبد الذي يخالف ربه ويدعوه إلى صراط مستقیم بالنسبة إليه، فهو مغضوب عليه .
(وكذلك ما هو ضال) من هذا الوجه وإن كان من وجه أخر ضالا كما عرفته في الغضب.
(وكما كان الضلال عارضا)، لأن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه (كذلك الغضب الإلهي) المسبب عن الضلال أيضا (عارض والمآل) بعد زوال الغضب العارض (إلى رحمة الله التي وسعت كل شي).
(وهي)، أي الرحمة هي السابقة على الغضب كما قال سبحانه : "سبقت رحمتي غضبي" .رواه البخاري ومسلم
ولما كان المتبادر من الدابة في فهم أهل الظاهر الحيوانات فقط، وذلك خلاف ما ?وشف به العارفون.

قال : (وكل ما سوى الحق) حيوانا كان أو جماد أو نبات (فهو دابة فإنه) بحكم "وإن من شئ لا يسبح بحمده  ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء: 44].
فكل (ذو روح) يدب علي صراط يوصله إلى غاية ما .
(وما ثمة)، أي فيما سوى الله الحق (من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره) الذي هو ربه (فهو يدب بحكم التبعية للذي)، أي لربه الذي (هو) يمشي (على الصراط المستقيم) وإنما قلنا إنه يمشي على الصراط (فإنه)، أي الصراط (لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه).
وقد أثبت الحق سبحانه الصراط لنفسه حيث قال :
.


واتساب

No comments:

Post a Comment