Sunday, February 16, 2020

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه
اعلم أن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما، وأن وجود الغضب من رحمة الله بالغضب. 
فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب إليه. 
ولما كان لكل عين وجود يطلبه من الله، لذلك عمت رحمته كل عين، فإنه برحمته التي رحمه بها قبل رغبته في وجود عينه، فأوجدها.
فلذلك قلنا إن رحمة الله وسعت كل شيء وجودا وحكما. "2"
والأسماء الإلهية من الأشياء، وهي ترجع إلى عين واحدة. "3"
فأول ما وسعت رحمة الله شيئية تلك العين الموجدة للرحمة بالرحمة
………………………..
1 - المناسبة بين تسمية الحكمة بمالكية وزكريا عليه السلام 
هي أن الرحمة لما ذكرت زکریا علیه السلام قامت به وكانت لها الحكم فيه وعليه ، فكان راحما مرحوما فملكته ، والأسماء الإلهية جميعها ملكت الوجود فإنه عنها صدرت وخاصة الاسم الرحمن ، فكان مال العالم إلى الرحمة فإنها ملكته .

2 - شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب
راجع فص 7، هامش 17، ص 117

"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب فص 7، هامش 17، ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .
فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله ،
فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ،
وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 .
 ج 4 / 163 .  أهـ ""

3- الأسماء الإلهية نسب وإضافات *
« ولله الأسماء الحسنى » وليست سوى هذه النسب ، وهل لها أعيان وجودية أم لا ؟
ففيه خلاف بين أهل النظر ، وأما عندنا فما فيها خلاف أنها نسب وأسماء على
حقائق معقولة غير وجودية ، فالذات غير متكثرة بها ، لأن الشيء لا يتكثر إلا بالأعيان الوجودية لا بالأحكام والإضافات والنسب.
واعلم أنه لما كانت الأسماء الإلهية نسبا تطلبها الآثار، لذلك لا يلزم ما تعطل حكمه منها ما لم يتعطل ، وإنما يقدح ذلك لو اتفق أن تكون أمرا وجودية ، فالله إله

ص 317

 * * * * * 
……………………….
سواء وجد العالم أو لم يوجد ، فإن بعض المتوهمين تخيل أن الأسماء تدل على أعيان وجودية قائمة بذات الحق ، فإن لم يكن حكمها يعم وإلا بقي منها ما لا أثر له معطلا، فلما خلق الله العالم رأيناه ذا مراتب وحقائق مختلفة ، 
تطلب کل حقيقة منه من الحق نسبة خاصة ، فلما أرسل تعالى رسله كان مما أرسلهم به لأجل تلك النسبة أسماء تسی بها لخلقه ، يفهم منها دلالتها على ذاته تعالى وعلى أمر معقول لا عين له في الوجود ، له حكم هذا الأثر ، 
والحقيقة الظاهرة في العالم من خلق ورزق و نفع وضر وإيجاد و اختصاص وأحكام وغلبة وقهر ولطف وتنزل واستجلاب ومحبة وبغض وقرب وبعد وتعظیم وتحقير وكل صفة ظاهرة في العالم تستدعي نسبة خاصة
لها اسم معلوم عندنا من الشرع ، فمنها مشتركة وإن كان لكل واحد من المشتركة معنى إذا ظهر تبين أنها متباينة ، فالأصل في الأسماء التباين والاشتراك فيه لفظي . ومنها متباينة ، ومنها مترادفة ، ومع ترادفها فلابد أن يفهم من كل واحد معنى لا يكون في الآخر ، فعلمنا ما سمي به نفسه واقتصرنا عليها .
فالأسماء الإلهية نسب وإضافات ترجع إلى عين واحدة ، إذ لا يصح هناك كثرة بوجود أعيان فيه كما زعم من لا علم له بالله من بعض النظار ، 
ولو كانت الصفات أعيانا زائدة ، وما هو إله إلا بها ، لكانت الألوهية معلولة بها ، فكون الباريء عالما حيا قادرا إلى سائر الصفات ، نسب وإضافات له ، لا أعيان زائدة ، لما يؤدي إلى نعتها بالنقص ، 
إذ الكامل بالزائد ناقص بالذات عن كماله بالزائد ، وهو كامل بذاته ، فالزائد بالذات على الذات محال ، وبالنسب والإضافة ليس بمحال ، 
وأما قول القائل لا هي هو ولا هي أغيار له ، فكلام في غاية البعد . 
فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغير بلا شك ، إلا أنه أنكر هذا الإطلاق لا غير ، ثم تحكم في الحد بأن قال الغيران هما اللذان يجوز مفارقة أحدهما الآخر مكانا وزمانا ، وجودا وعدما ، وليس هذا بحد للغيرين عند جميع العلماء به ، فليس للأسماء أعيانا موجودة


ص 318

فأول شيء وسعته الرحمة نفسها ثم الشيئية المشار إليها، "4" 
ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة، وعرضا وجوهرا، ومركبا وبسيطا.
ولا يعتبر فيها حصول غرض ولا ملاءمة طبع، بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا.
وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، "5"
ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية  ""
………………………….
وإنما هي نسب . فمستند الآثار إلى أمر عدمي والعالم كله موجود عند ذلك التوجه
المختلف النسب
فتوحات ج 1 / 42 ، 163 -  ج 3 / 411 - ج 4 / 294 

4 - راجع قلب العارف أوسع من رحمة الله
فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 
"" 2 - قلب العارف أوسع من رحمة الله فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 
الفقرة الواردة في هذا الفص توضح ما أشار إليه الشيخ رضي الله تعالی عنه في الفتوحات الجزء الرابع ص 99  حيث يقول في هذه المسألة : 
إلا أن في الأمر نكتة أوميء إليها ولا أنص عليها ، وذلك أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشديد بالمغضوب عليه ، والبطش رحمة لما فيه من التنفيس وإزالة الغضب وهذا القدر من الإيماء كاف فيما تريد بيائه من ذلك . ""

5 - هب الأثر لا يكون إلا لمعدوم
أعلم أن الحكمة كلها والأمور أجمعها إنما هي قلمراتب لا للأعيان ، وأعظم المراتب الألوهية ، وأنزل المراتب العبودية ، فما ثم إلا مرتبتان ، فما ثم إلا رب وعبد لكن للألوهية أحكام كل حكم منها يقتضي رتبة ، فإما يقوم ذلك الحكم بالإله فيكون. هو الذي حكم على نفسه ، وهو حكم المرتبة في المعنى ، ولا يحكم بذلك الحكم إلا صاحب المرتبة ، لأن المرتبة ليست وجود عين ، وإنما هي أمر معقول ونسبة معلومة محکوم بها ولها الأحكام ،
وهذا من أعجب الأمور ، تأثير المعدوم ، وإما أن يقوم ذلك الحكم بغيره في الموجود إما أمرا وجودیا وما نسبة ، فلا تؤثر إلا المراتب ، مثال ذلك تأثیر رتبة العبد في سيده ، فهو قيام السيد بمصالح عبده ليبقى علیه حکم

ص 319


فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد،  "6" 
 وما ثم إلا من ذكرته الرحمة.
……………………………………..
السيادة ، ومن لم يقم بمصالح عبده فقد عزلته المرتبة ، فإن المراتب لها حكم التولية والعزل بالذات لا بالجمل كانت ما كانت . فتوحات ج 3 / 408 

يلاحظ ما جاء في الأسماء الإلهية أنها نسب وإضافات .

6 - ذكر الرحمة .
« ذكر رحمت ربك عبده زکریا » في هذه الآية ، الرحمة هي التي تذكر العبد ، ما هو يذكرها ، فتعطيه بذكره حقيقة ما فيها ، لأنها تطلب منه التعشق بها ، فإنه لا ظهور لها إلا به ، فهي حريصة على مثل هذا. 
وهذه الآية تعرف إلهي بوجوب حكم الرحمة فيمن تذكره من عباده سبحانه وتعالى ، وجاء زكريا لا لخصوص الذكر، وإنما ساقته عناية العبد ، فإنها ما ذكرته إلا لكونه عبدا له تعالى في جميع أحواله ، فأي شخص أقامه الله في هذا المقام فبرحمته به أقامه ، لتذكره رحمة ربه عنده تعالی فحال عبوديته هو عين رحمته الربانية التي ذكرته ، فأعلمت ربها أنها عند هذا العبد ، فأي شيء صدر من هذا الشخص فهو مقبول عند الله تعالى ، و من هذا المقام يحصل له من الله ما يختص به مما لا يكون لغيره ، وهو الأمر الذي يمتاز به ويخصه ، فإنه لابد لكل مقرب عند الله من أمر يختص به.
ولما كانت الصفات نسبا وإضافات ، والنسب أمور عدمية ، وما ثم إلا ذات واحدة من جميع الوجوه ، لذلك جاز أن يكون العباد مرحومين في آخر الأمر ، ولا پسرمد عليهم عدم الرحمة إلى ما لا نهاية له ، إذ لا مكره له على ذلك ، والأسماء والصفات ليست أعيانا توجب حكما عليه في الأشياء ، فلا مانع من شمول الرحمة للجميع ، ولا سيما وقد ورد سبقها للغضب ، فإذا انتهى الغضب إليها كان الحكم لها ، فكان الأمر على ما قلناه . 
فتوحات ج 1 / 163 - ج 4 / 153 
راجع شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب - فص 7 - هامش 17 - ص 117
موجودة هامش 2 بهذا الفص

ص 320


فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد، وما ثم إلا من ذكرته الرحمة.
وذكر الرحمة الأشياء عين إيجادها إياها. "7"  فكل موجود مرحوم.
ولا تحجب يا ولي عن إدراك ما قلناه بما ترى من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة التي لا تفتر عمن قامت به.  
واعلم أولا أن الرحمة إنما هي في الإيجاد عامة. "8"
فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام.
ثم إن الرحمة لها أثر بوجهين: أثر بالذات، وهو إيجادها كل عين موجودة. "9"
ولا تنظر إلى غرض ولا إلى عدم غرض، ولا إلى ملائم ولا إلى غير ملائم: فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده. بل تنظره في عين ثبوته، ولهذا رأت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثابتة فرحمته بنفسها بالإيجاد.
ولذلك قلنا إن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم بعد رحمتها نفسها في تعلقها بإيجاد الموجودين.
ولها أثر آخر بالسؤال، فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم في اعتقادهم، وأهل الكشف يسألون رحمة الله أن تقوم بهم، فيسألونها باسم الله فيقولون يا الله ارحمنا.
ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم، فلها الحكم، لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل.
فهو الراحم على الحقيقة. فلا يرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة، فإذا قامت بهم وجدوا حكمها ذوقا. فمن
…………………………………...
7، 9 ، 8 - الرحمة والإيجاد
اعلم أن العالم إنما صدر من نفس الرحمن ، لأنه نفس به عن الأسماء لما كانت نجده من عدم تأثيرها ، والرحمن ما رحم إلا حبابة المحب وهو رقة الشوق إلى لقاء المحبوب . 
ورد في الحديث الصحيح کشفا غير الثابت نقلا عن رسول الله ما عن ربه عز وجل أنه قال «کنت کنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الحلق وتعرف إليهم فعرفوني » وذكر الله نفس الرحمن ، فلما ذكر المحبه . 
علمنا من حقيقة الحب ولوازمه مما يجده المحب في نفسه ، وان الحب لا يتعلق إلا بمعدوم يصح وجوده . 
وهو غير موجود في الحال ، والعالم محدث والله كان ولا شيء معه . 
فكان الحب اصل سبب وجود العالم والسماع سبب تكوينه . 
وبهذا الحب وقع التنفس . 
وأظهر العالم تنفس الرحمن ، لإزالة حكم الحب وتنفس ما يجد الحب ، فكان العماء المسمى بالحق المخلوق به ، فكان ذلك العماء جوهر العالم ، فقبل صور العالم وأرواحه وطبائعه كلها ، وهو قابل لا يتناهی . 

فتوحات 2 / 123 ، 399 - ج 4 / 259


ص 321

ذكرته الرحمة فقد رحم.
واسم الفاعل هو الرحيم والراحم.
والحكم لا يتصف بالخلق لأنه أمر توجبه المعاني لذواتها.
فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أي لا عين لها في الوجود لأنها نسب، "11" ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال.
فعالم ذات موصوفة بالعلم، ما هو عين الذات ولا عين العلم، وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم.
وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى.
فحدثت نسبة العلم إليه، فهو المسمى عالما.
والرحمة على الحقيقة نسبة من الراحم، وهي الموجبة للحكم، وهي الراحمة.
والذي أوجدها في المرحوم ما أوجدها ليرحمه بها وإنما أوجدها ليرحم بها من قامت به.
وهو سبحانه ليس بمحل للحوادث، فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه.
وهو الراحم، ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به. فثبت أنه عين الرحمة. "12"
ومن لم يذق هذا الأمر ولا كان له فيه قدم ما اجترأ أن يقول إنه عين الرحمة أو عين الصفة، فقال ما هو عين الصفة ولا غيرها.
فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره، لأنه لا يقدر على نفيها ولا يقدر أن يجعلها عينه، فعدل إلى هذه العبارة وهي حسنة، وغيرها أحق بالأمر منها وأرفع للإشكال، "13" وهو القول بنفي أعيان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف.
………………………………………...
10 - راجع هامش   6  ص 320

11 - النسبة أمر معقول غير موجود بين اثنين ،
فالنسب لا تقبل معنى الحدوث ولا القدم ، فإنه لا يقبل هذا الوصف إلا الوجود أو العدم ، فالنسب لا تصف بالوجود ولا بالعدم .
 فتوحات ج 1 / 253 - ج 2 / 56 ، 57
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه الفتوحات الباب الثالث والسبعون عن الذات والأسماء والنسب والمظاهر:-
فاعلم إن هذه الأسماء الإلهية التي بأيدينا هي أسماء الإلهية التي سمى بها نفسه من كونه متكلما فنضع الشرح الذي كنا نوضح به مدلول تلك الأسماء على هذه الأسماء التي بأيدينا
وهو المسمى بها من حيث الظاهر ومن حيث كلامه وكلامه علمه وعلمه ذاته
فهو مسمى بها من حيث ذاته والنسب لا تعقل للموصوف بالأحدية من جميع الوجوه
إذا فلا تعقل الأسماء إلا بأن تعقل النسب ولا تعقل النسب إلا بأن تعقل المظاهر المعبر عنها بالعالم
فالنسب على هذا تحدث بحدوث المظاهر لأن المظاهر من حيث هي أعيان لا تحدث ومن حيث هي مظاهر هي حادثة فالنسب حادثة فالأسماء تابعة لها ولا وجود لها مع كونها معقولة الحكم . أهـ ""

12 - راجع هامش 6  ص 320

13 - الصفة عين الموصوف بالنسبة للحق تعالی
اعلم أن وجود العالم من حيث ما هو موجود بغيره ، مرتبط بالواجب الوجود لنفسه ، وأن عين الممكن محل تأثير الواجب الوجود لنفسه بالإيجاد ، ولا يعقل إلا هكذا ،
فمشيئته تعالى وإرادته وعلمه وقدرته ذاته ، تعالى الله أن يتكثر في ذاته علوا كبيرة ، بل له الوحدة المطلقة وهو الواحد الأحد ، فعين العالم عين الحى عين المريد

ص 322


وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة."14"
وإن كانت الرحمة جامعة فإنها بالنسبة إلى كل اسم إلهي مختلفة، فلهذا يسأل سبحانه أن يرحم بكل اسم إلهي. "15"
فرحمة الله والكناية هي التي وسعت كل شيء.
ثم لها شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية.
فما تعم بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي في قول السائل رب ارحم، وغير ذلك من الأسماء.
حتى المنتقم له أن يقول يا منتقم ارحمني، "16"
وذلك لأن هذه الأسماء تدل على الذات المسماة، وتدل بحقائقها على معان مختلفة.
فيدعو بها في الرحمة من حيث دلالتها على الذات المسماة بذلك
……………………………………………………..
عين القادر ، وعين الحياة هي عين العلم عين الإرادة عين القدرة . وعين الحياة هي عين الحي عين العالم عين المريد عين القادر ، وكذلك ما بقي ، فالنسب مختلفة والعين واحدة ، وهو قول القائل يسمع بما به يبصر بما به يتكلم ، فكلام الله عليه وعلمه دانه ، وليس يصح أن يكون كلامه ليس هو ، فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه بالزائد على ذاته ، وهو لا يحكم عليه عز وجل .

* يلاحظ التعارض بين قوله في هذه الفقرة عن قول القائل : 
إن صفاته تعالی « لا هي هو ولا هي غيره ، أن هذه عبارة حسنة . 
وبين ما جاء عن هذه العبارة في الهامش رقم (3) أن هذا كلام في غاية البعد . 
فتوحات ج 1 / 291 -  ج 2 / 400 ، 608 

14 - راجع هامش رقم 3 ، ص 317

15 ، 16 - هل سال الله سبحانه أن يرحم بكل اسم ؟ وهل للمنتقم له أن يقول یا منتقم ارحمني ؟ *
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم « قل هو الله أحد» وعرفه فقال : « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه » يقول يمیلون عن أسمائه . 
لا بل يقول يميلون في أسمائه إلى غير الوجه الذي قصد بها « سيجزون ما كانوا يعملون » من ذلك ، فكل يجزى بما مال إليه فيما أوحينا ، يقول اتبع ما أوحي إليك من ربك. ولا تمل بميلهم. 
الفتوحات ج 4 / 77 

ص 323


الاسم لا غير، لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الذي ينفصل به عن غيره ويتميز. "17"
فإنه لا يتميز عن غيره وهو عنده دليل الذات، وإنما يتميز بنفسه عن غيره لذاته، إذ المصطلح عليه بأي لفظ كان حقيقة متميزة بذاتها عن غيرها:
وإن كان الكل قد سيق ليدل على عين واحدة مسماة.
فلا خلاف في أنه لكل اسم حكم ليس للآخر، فذلك أيضا ينبغي أن يعتبر كما تعتبر دلالتها على الذات المسماة. "18"
ولهذا قال أبو القاسم
…………………………………………..
17 - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى «الآية» *
« هل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » من حيث المسمى فإنه قال « أيا ما تدعو » من حيث دلالته على عين المسمى « فله » أي لذلك المسمى « الأسماء الحسنى » والمسي هو المقصود في هذه الآية 
ولذلك قال « فله الأسماء الحسنى » ومن أسمائه الحسنى الله والرحمن إلى كل اسم سمى به نفسه ما تعلم وما لا تعلم ومما لا يصح أن يعلم أنه استأثر بأسماء في علم غیبه ، فالحكم للمدعو بالأسماء الإلهية لا للأسماء فإنها وإن تفرقت معانيها وتميزت ، فإن لها دلالة على ذات معينة في الجملة وفي نفس الأمر . 
وإن لم نعلم ولا يدركها حد، فإنه لا يقدح ذلك في إدراكنا وعلمنا أن ثم ذاتا ينطلق عليها هذه الأسماء
الحكم للمدعو بالأسماء     …..   ما الحكم للأسماء في الأشياء
لكن لها التحكيم في تصريفها    …. فيه كمثل الحكم للأنواء 
الفتوحات ج 1 / 611 - ج 3 / 126 - ج 4 / 118
ومن أراد زيادة المعنى فليراجع كتاب الجلال والجمال ، فتوحات ج 4 /196

راجع الدعاء بالأسماء لا بالهوية - فص 19، هامش 21 ص 308

""21 - الدعاء بالأسماء الإلهية لا بالهوية * فص 19، هامش 21 ص 308
لما كان الاسم الله جامعا للنقيضين فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرينة الحال ، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه «یا الله ارزقني» والله هو المانع أيضا. 
فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق، فما قال بالمعنى إلا « يا رزاق ارزقني » فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر . 
ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده و غیره . 
ولا يسأل بالاسم من حيث دلاله على داب المسي . 
ولكن يسأل من حسن المعنى الذي هو عليه . 
الذي لأجله جاء وتسبز عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تسيز لفظ .
فتوحات ج 2 / 462  ""

18 - « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها » *
« ولله الأسماء الحسنى » وإن كان له جميع الأسماء التي يفتقر كل فقير إلى مسماها ، ولا فقر إلا إلى الله ، ومع هذا فلا يطاق عليه من الأسماء إلا ما يعطي الحسن عرفا وشرعا ، ولذلك نعت أسماءه بالحسنى ، والحق هو الذي نصبه الشرع للعباد . وبما سمى به نفسه نسميه ، وبما وصف به ذاته نصفه ، لا تزيد على ما أوصل إلينا .

ص 324


بن قسي في الأسماء الإلهية إن كل اسم إلهي على انفراده مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها:
إذا قدمته في الذكر نعته بجميع الأسماء، وذلك لدلالتها على عين واحدة، وإن تكثرت الأسماء عليها واختلفت حقائقها، أي حقائق تلك الأسماء. "19"
ثم إن الرحمة تنال على طريقين، طريق الوجوب، وهو قوله «فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة» وما قيدهم به من الصفات العلمية والعملية.
والطريق الآخر الذي تنال به هذه الرحمة طريق الامتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل وهو قوله «ورحمتي وسعت كل شيء» ومنه قيل «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر»، ومنها قوله «اعمل ما شئت فقد غفرت لك» فاعلم ذلك. "20"
………………………………...
ولا نخترع له اسما من عندنا . 
وقال لنا « فادعوه بها » فإذا دعوته باسم منها تجلی مجيبا لك في عين ذلك الاسم . وإن الاسم الله وإن كان جامعا للنقبتیں . فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه . تطلبه قرينة الحال . 
فإذا قال مطالب الرزق المحتاج إليه با الله ارزقني ، والله هو المانع أيضا ، فما يطاب بحاله إلا الاسم الرزاق . 
فما قال بالمعنى الا يا رزاق ارزقني ، 
فمن أراد الإجابة من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر . 
ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره . 
ولا يسأل بالاسم من حيث دلالته على ذات المسمي ، ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه الذي لأجله جاء وتمیز به عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تميز لفظ . 
الفتوحات ج 2 / 462 - ج 3 / 498 - ج 4 / 171 ، 199

19 - قول أبي القاسم ابن قسي
راجع كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء - فص 4، هامش 10، ص 81

""  10 - كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء وينعت بها فص 4، هامش 10، ص 81
سبب ذلك التوحيد العين ، وعدم التشبيه بالكون ، وهذا مشهد عزيز لا يناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدين به الذين لانظر لأنفسهم إلا بعينه , والمغيب كونهم في كونه .
"يشير إلى الحديث :  فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي، أعطيته، وإن استعاذني، أعذته "
 الموحد له لا لهم ، فلا يطلب بالعقول مالا يصح اليه الوصول فكل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها .
ولتعلم وفقك الله أن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه ، فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ؟
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .
الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق
راجع   "لكل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 105
""  2 -  لكل عبد اسم هو ربه  فص 7 هامش 2 ص 105
لولا العصر والمعاصر ، و الجاهل والخابر ، ما عرف أحد معنى اسمه الأول والآخر ، ولا الباطن والظاهر ، وإن كانت أسماؤه الحسنى ، على هذا الطريق الأسنى ،
ولكن بينها تباين في المنازل ، يتبين ذلك عندما تتخذ وسائل لحلول النوازل ، فليس عبد الحليم هو عبد الكريم ، وليس عبد الغفور هو عبد الشکور ، فكل عبد له اسم هو ربه ، وهو جسم ذلك الاسم قلبه .
ويقول رضي الله عنه :
فقد أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه ، وأظهر ملائكة التسخير على عدد خلقه ، فجعل لكل حقيقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه ، وجعل لكل سر حقيقة ملكا يخدمه ويلزمه .
فمن الحقائق من حجبته رؤية نفسه عن اسمه، فخرج عن تكليفه وحكمه ، فكان له من الجاحدين ، ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه ، وحقق بينه وبينه العلامة وجعله إمامه ، فكان له من الساجدین .
اعلم علمك الله سرائر الحكم ووهبك من جوامع الكلم ، أن الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا ، وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ، هي المؤثرة في هذه العالم ، وهي المفاتح الأولى التي لا يعلمها إلا هو ، وأن لكل حقيقة اسما ما يخصها من الأسماء ، وأعني بالحقيقة حقيقة تجمع جنسا من الحقائق ، رب تلك الحقيقة ذلك الاسم .
وتلك الحقيقة عابدته و تحت تكليفه ليس غير ذلك - وإن جمع لك شيء ما أشياء كثيرة فليس الأمر على ما توهمته ، فإنك إن نظرت إلى ذلك الشيء وجدت له من الوجوه ما يقابل به تلك الأسماء التي تدل عليها وهي الحقائق التي ذكرناها .
مثال ذلك ، ما ثبت لك في العلم الذي في ظاهر العقول وتحت حكمها في حق موجود ما فرد لا ينقسم ، مثل الجوهر الفرد الجزء الذي لا ينقسم ، فإن فيه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهية على عددها ، فحقيقة إيجاده يطلب الاسم القادر ووجه أحكامه يطلب الاسم العالم .
ووجه اختصاصه يطلب الاسم المريد ، ووجه ظهوره يطلب الاسم البصير والرائي إلى غير ذلك ، فهذا وإن كان فردا فله هذه الوجوه وغيرها مما لم نذكرها.
ولكل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها ، وتلك الوجوه هي الحقائق عندنا الثواني والوقوف عليها عسير وتحصيلها من طريق الكشف أعسر - واعلم وفقك الله أن كل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها وأن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه .
فكل اسم حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ، هيهات هيهات.
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ، ولكل عين من أعيان الممكنات اسم إلهي خاص ينظر إليه ، وهو يعطيه وجهه الخاص الذي يمتاز به عن غيره ، والممكنات غير متناهية فالأسماء غير متناهية ، لأنها تحدث النسب بحدوث الممكن ، ولذلك فالحضرات الإلهية تكاد لا تنحصر لأنها نسب ، ومعنی توجه اسم معين على إيجاد موجود معين هو كون ذلك الاسم هو الأغلب عليه وحكمه أمضى فيه ، مع أنه ما من ممكن يوجد إلا و للأسماء المتعلقة بالأكوان فيه أثر .
ولكن بعضها أقوى من بعض في ذلك الممكن المعين وأكثر حكما ، فلهذا ننسبه إليه ، فالحضرة الإلهية اسم لذات وصفات وأفعال ، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزيه ، وهذه الأفعال تكون عن الصفات والأفعال أسماء لا بد ، فالحضرات الإلهية كني عنها بالأسماء الحسنى ، وكل حضرة لها عبد کما لها اسم إلهي ، وكل متخلق باسم من الأسماء يسمى عبد كذا ، مثل عبد الرحمن ، وعبد الملك ، وعبد القدوس .
الفتوحات  ج 1 / 2 ،4 ، 99 ج 2 / 468 ج 4 / 196 ، 204 ، 208 ، 288 ، 318 . أهـ ""

 لابد من اسم إلهي حاكم في الوقت - فتوحات ج 1 / 683 

20 - الرحمات الثلاث 
راجع فص 16 - هامش 3 - ص 254

"" 3 - الرحمات الإلهية الثلاث فص 16 - هامش 3 - ص 254
جعل الله في أم الكتاب أربع رحمات فضمن الآية الأولى من أم الكتاب وهي البسملة رحمتين وهي قوله « الرحمن الرحيم » وضمن الآية الثالثة منها أيضا رحمتين وهما قوله « الرحمن الرحيم » فهو رحمن بالرحمتين وهي رحمة الامتنان ، وهو رحيم بالرحمة الخاصة وهي الواجبة في قوله « فسأكتبها للذين يتقون » الآيات ، وقوله « كتب ربكم على نفسه الرحمة » وأما رحمة الامتنان فهي التي تنال من غير استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذي أوجب له الرحمة الواجبة ، فيها (أي رحمة الامتنان ) ينال العاصي وأهل النار إزالة العذاب وإن كان مسكنهم ودارهم جهنم ، وهذه رحمة الامتنان ، فالرحمن في الدنيا والآخرة والرحيم اختصاص الرحمة بالآخرة .
واعلم أن الرحمة الإلهية التي أوجده الله في عباده ليتراحموا بها مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد الله بها العالم حين أحب أن يعرف وبها كتب على نفسه الرحمة ، والرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية ، والرحمة الامتنانية هي التي وسعت كل شيء ، فرحمة الشيء لنفسه تمدها الرحمة الذاتية وتنظر إليها ، وفيها يقع الشهود من كل رحيم بنفسه ، والرحمة التي كتبها على نفسه لا مشهد لها في الرحمة الذاتية ولا الامتنانية ، فإنها مكتوبة لأناس مخصوصين بصفات مخصوصة ، وأما رحمة الراحم بمن أساء إليه وما يقتضيه شمول الإنعام الإلهي والاتساع الجودي فلا مشهد لها إلا رحمة الامتنان ، وهي الرحمة التي يترجاها إبليس فمن دونه ، لا مشهد لهؤلاء في الرحمة المكتوبة ولا في الرحمة الذاتية ، وما رأيت أحدا من أهل
الله نبه على تثليث الرحمة بهذا التقسيم ، فإنه تقسيم غريب كما هو في نفس الأمر ، فما علمناه إلا من الكشف ، وما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا، مع ظني بأن الله قد کشف لهم عن هذا. 

وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ، ومن نور مشكاتهم عرفناه
الله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه ، وقد وجدنا في نفوسنا ومن جبلهم الله على الرحمة أنهم يرحمون جمیع عباد الله ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تسكن حكم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة ، أنا وأمثالي ، ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه إنه أرحم الراحمين ، فلا نشك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة في الرحمة ،
فكيف يتسرمد عليهم العذاب وهو بهذه الصفة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولاسيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباري لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه ، وأن الخلق مجبورون في اختيارهم، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح إنه ما ينقص من ملكه شيء .

أخبرني الوارد- والشاهد يشهد له بصدقه مني - بعد أن جعلني في ذلك على بينة من ربي بشهودي إياه لما ألقاه من الوجود في قلبي ، أن اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها تنال كل مذکور فيها ، فإنها علامة الله على كل سورة أنها منه ، كعلامة السلطان على مناشيره ، فقلت للوارد فسورة التوبة عندكم ؟ 
قال : هي والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بفصلها سماها سورة التوبة أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، 
والله هو التواب : فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم الضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه كما ذكرناه.
والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، هذا إخبار الوارد لنا ونحن نشهد ونسمع ونعقل ، لله الحمد والمنة على ذلك ، ووالله ما قلت ولا حکمت إلا عن تفث في روع من روح الهي قدسي ، علمه الباطن حين احتجب عن الظاهر ، للفرق بين الولاية والرسالة . 
الفتوحات ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 496 ، 505 ، 550 . أهـ ""
  
ص 325
 .
واتساب

No comments:

Post a Comment